الحقيقه التي قد لا يستسيغها المؤدلجين ان الاسلام في محتواه ليبراليا علمانيا.
الليبراليه معناها بشكل عام الحرية وهو مصطلح مأخوذ من كلمة ليبرا اللاتينه وتعني حر. الليبراليه هي منطوق فلسفي تقوم على الحرية في الافكار والمعتقدات على الصعيد الشخصي والمساوه على الصعيد الاجتماعي والقضائي. اما على الصعيد الاقتصادي فيقوم مبدأ الليبرالية على عدم التدخل السلطوي في التجارة و الاقتصاد وتسمى الاقتصاد او التجاره الحرة و تعتمد بذاتها على قانون العرض والطلب بعيدا عن سن القوانين الوضعية التي تتحكم في حركة الاقتصاد.
الليبراليه كمفهوم موجود منذ القدم ولاكن تشكلت كحركة اجتماعية منظمة في القرن الثامن عشر بسبب تسلط المؤسسة الدينية على حياة الناس، اصبح المتمسكين بمفهوم الحرية اكثر تطرفا الى ان ظهرت مايسمى بالليبرالية المتطرفة التي امتدت الى عصرنا هذا.
هل الاسلام ضد الليبرالية والعلمانية؟ الجواب هو لا
لم يكن الاسلام دوما معتقدا سلطويا يفرض سلطته على البشر ويتحكم في ارآئهم ومعتقداتهم وافكارهم بل شجع الاسلام الناس على البحث والتفكر والتدبر سواء على المستوى الحسي او الادراكي. فقد قال الله تعالى قل سيروا في الارض فانظرو كيف بدا الخلق. وقال سبحانه، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض. جميع الايات في القران الكريم التي تتبع ضرب الامثال تكون مقرونه بالتفكر والتدبر واستخدام العقل. يقول الله تعالى: وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. تدل هذه الايات جميعا على استخدام العقل والتفكر والتدبر والمفهوم الفلسفي بعيدا عن اخضاع العقل وتكبيله للمسلمات.
اما الحرية في المعتقدات، فلم ينصب الله سبحانه وتعالى وكيلا على البشر لفرض المعتقدات الروحية والدينية وانما ارسلا الرسل لتبليغ الرسالة وقال جل في علاه، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وقال ايضا: ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل. وقال ايضا: والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل. فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر.
اخضع الله سبحانه وتعالى الناس لتدبر شؤون حياتهم بالطريقة الصحيحه التي يرونها سواء كانت في تنصيب الحاكم او سن القوانين الوضعيه فيما يراه الشارع مناسبا لحفظ المجتمعات سواء قائما على مفهوم الشورى او القرارات ذات احادية الجانب. كأن يقوم اهل الحل والعقد باختيار الحاكم الذي يرونه مناسبا كما حصل مع البيعه لابي بكر الصديق رضي الله عنه او في سن القوانين الوضعيه كما فعل عمر رضي الله عنه.
اما على الصعيد القضائي فلم يُلزم الاسلام الفصل في الامور القضائيه على المسلمين الا في بعض شؤون الحياة مثل الميراث وحد الزنا وغيرها وان لم يكن هناك حدا قضائي الهي فيرجع الامر للحاكم او ممن لديه السلطه كشارب الخمر مثلا فاما ان يجلد او يسجن. وقد كفل الاسلام محاكمة غير المسلمين استنادا الى ما يعتقدون به او استنادا للقوانين الوضعيه التي يسنها الحاكم. فالمسيحي يقاضى استنادا الى قوانين المسيحيه واليهودي استنادا الى كتابهم. قال الله تعالى وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله. وبما اننا في السعودية لا يوجد لدينا محاكم مسيحيه او يهوديه فيخضع المتحاكمين الغير مسلمين للاحكام الوضعيه والشيعه للمحكمه الجعفريه.
مبدأ المساواه فيقوم على المساواه لافراد المجتمع سواء ذكر او انثى، مسلما وغير مسلم سواء في الحياه الاجتماعيه ام امام القضاء لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى. وقال تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا. قال سبحانه بين الناس ولم يقل بين المسلمين، فمبدأ المساواه يقوم بين الناس باختلافهم.
يقول الكثير في العالم الاسلامي بان العلمانيه هي مفهوم يقوم على فصل الدين عن الدولة وهو القول السائد وهذا غير صحيح. بل يقوم هذا المفهوم على وقوف السلطه السياسية على خط واحد من الاديان. وقد قال الله تعالى لا اكراه في الدين. لذلك تجد المسلمين الذين يشكلون اقليه في البلاد العلمانيه بالمطالبه في ايحياء شعائرهم الدينيه وبناء الممساجد ويطالبون بالحقوق الاجتماعيه تساويا مع الجميع ولاكن عندما يتعلق الامر في الاقليات التي تعيش في دولهم الاسلامية فيقفون ضدها!
لذلك نختم بالقول ان المنطوق الليبرالي والمفهوم العلماني لا يتعارضان مع الاسلام ولا يجوز لاحد ان يشترك مع الله في ربوبيته و يحرم مالم يحرم الله سبحانه وتعالى نصا في الكتاب الكريم لقوله تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. ولايجوز لاحدا ان يفرض اعتقادته الدينيه على احد لقوله تعالى لا اكراه في الدين. والدين معناه "الطريقه" و هو الأصول و الأسس التحتية لفكر الإنسان و سلوكه العقائدي و الفكري.
قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم: ما أحل الله، فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً