جيرهارد ماير فورفيلدر..تذكروا هذا الاسم جيداً فهو قائد الثورة الألمانية.
فورفيلدر كان رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم وقتها ولم يفعل كما يفعل الكثيرون فيدفن رأسه في الرمال أو يصبح أكثر شجاعة ويستقيل ويتخلى عن منصبه بل على العكس تماماً قرر فورفيلدر أن يثور ويواجه الواقع الأليم رغبةً منه في التغيير وكتابة مستقبلٍ مشرقٍ للألمان والآن وبعد 15 عاماً كاملة من ثورة فورفيلدر فإن جميع الألمان يعتبرون فورفيلدر الأب الروحي لكرة القدم الألمانية بل أن يوم وفاته في أغسطس الماضي 2015 كان يوماً بكى فيه كل مهتمٍ بكرة القدم في العالم أجمع.
قرر فورفيلدر هدم المعبد على جميع من فيه وما فيه والبدء من تحت الصفر فاجتمع مع ممثلي كل الأندية الألمانية المحترفة وكان عددهم 36 نادياً وتم إجبار هذه الأندية على إنشاء أكاديميات متخصصة لكرة القدم تهتم بالبراعم والصغار وتطور مواهبهم وترعاهم وتنمي قدراتهم.
تم إنشاء 36 أكاديمية للمواهب والبراعم الصغيرة ولم يقف عند هذا الحد بل قام بعقد العديد من الاجتماعات مع ممثلي الإعلام والهيئات الاستثمارية من أجل توفير الدعم اللازم لتلك الأكاديميات وقام أيضاً باتخاذ العديد من الإجراءات التي تضمن نجاح تلك الأكاديميات واستقدام كبار المدربين وأساتذة كرة القدم والمحللين وفق أنظمة علمية حديثة.
كانت هذه الفترة هي نقطة الفصل وسأتناول هنا معلومتين يعلمهما الجميع :
المعلومة الأولى أنه قديماً وعندما كان يتم الحديث عن مواهب كرة القدم فإن أول ما كان يخطر ببالنا هو البرازيل والأرجنتين وفرنسا وهولندا ولم نكن أبداً لنعتقد أن ألمانيا من الممكن أن تمتلك يوماً ما موهبة صاعدة في كرة القدم.
المعلومة الثانية أن أسلوب اللعب الألماني على مر التاريخ كان يعتمد على القوة البدنية العالية واللياقة الجبارة والطول الفارع أما الآن فأسلوب اللعب تغير تماماً وأصبحنا نرى كل إبداع من الألمان ونغير أسلوب اللعب إلى اللعب المنظم السريع دقيق التمريرات.
حتى عام 2015 انخفض معدل الأعمار في البوندزليجا من أكثر من 27 عاماً في موسم 2000 إلى 25 عاما ً في موسم 2015 والفضل الوحيد في ذلك لتلك الأكاديميات التي تم إنفاق ما يزيد على مليار يورو عليها من عام 2000 إلى عام 2015.
أراكم تتعجبون! هل المبلغ الذي تم إنفاقه كبير؟
– كم من المبالغ نصرفها سنوياً في عالمنا العربي على أنصاف اللاعبين وأشباه المدربين وبطولاتٍ لا تغني ولا تسمن من جوعٍ والحصيلة يعلمها الجميع!
– هل يعلم الجميع أن البرازيل في 2015 قررت أن تدرس نموذج الأكاديميات الألمانية جيداً لبدء تطبيقه في البرازيل والاستفادة من تجربة الألمان في تنمية المواهب البرازيلية ؟
هل تعلمون أن أكثر من 55% من لاعبي البوندزليجا من خريجي تلك الأكاديميات وأن عشرات المواهب العالمية تخرجت منها مثل مولر وأوزيل وماريو جوتزه وتوني كروس وماتس هاميلز ودراكسلر والابا ونوير وتير شتيجن وبودولسكي وشفانشتايجر وماركو ريوس وسامي خضيرة ولارس بيندر وغيرهم كثيرون ؟
قامت الأندية الألمانية بإسناد إدارات تلك الأكاديميات إلى لاعبين سابقين خضعوا لبرامج و دورات تأهيلية في الإدارة مما شكلَ بجانب خبرتهم الكروية ثقافةً جديدة بالتعامل مع اللاعبين وضمان استمرار نجاح تلك الأكاديميات.
الوضع الآن تغير وأصبح من النادر للغاية ان لم يكن من المستحيل أن نشاهد مباراة في البوندزليجا تخلو من موهبة من خريجي الأكاديميات الألمانية بل أن المواهب الألمانية غزت كل الدوريات الكبرى وأثبتت جدارتها تماماً.
رأينا النتيجة على مستوى اللاعبين ولكن هل تغيرت النتائج على مستوى المنتخب الألماني ؟
بعد 10 سنوات من العمل الشاق في تلك الأكاديميات أخيراً وفي كأس العالم 2010 ظهرت أول ثمرةٍ لها ونال المنتخب الألماني المركز الثالث في كأس العالم 2010 بأداءٍ حاز على إعجاب كل المشاهدين ولم ينتظروا سوى 4 سنين أخرى ليفوزوا بكاس العالم 2014 وبكل جدارةٍ واستحقاق .
الآن الألمان هم المرشح الأقوى والأبرز لأي بطولة يلعبونها وناديهم بايرن ميونيخ هو النادي الوحيد تقريباً الذي ينافس ريال مدريد وبرشلونة في السنين الأخيرة.
هل عرفتم الآن لم تم تسميتهم بالماكينات الألمانية ؟ ليس فقط لقوتهم بل لدقتهم ونظامهم وعملهم الشاق والإخلاص والعديد من الصفات المميزة ولو قررت أن أعبر فقط عن إعجابي بتلك التجربة لأستغرق الأمر مني صفحاتٍ وصفحات.
المعادلة سهلة وبسيطة ولكن السؤال فقط :
من يجرؤ على دخول غرفة العمليات وإجراء الجراحة اللازمة لمريض طال انتظار شفاؤه.