تآمر على العراقيين وقيادتهم لصالح إيران، إلى مصطفى بدر الدين: عليك لعنة العراق الى يوم الدين
عبدالواحد الجصاني
قتل مصطفى بدر الدين يوم 10/5/2016. وحسب بيان حزب الله فإنه قتل في "قصف الجماعات التكفيرية لمقره قرب مطار دمشق".
جميع ما كتب عن سيرة مصطفى بدر الدين بمناسبة مقتله تجاهل فصلاً مهماً من حياته، وهو أنّه، ونسيبه عماد مغنية، هما من تفاوض مع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة السيد جيادومينكو بيكو لعقد صفقة إيرانية أميركية تتضمن إطلاق سراح المدنيين الأوربيين والأميركان الذين إختطفهم حزب الله في لبنان، مقابل قيام الأمين العام للامم المتحدة بإصدار بيان يتهم العراق بالمسؤولية عن نشوب الحرب العراقية الإيرانية. وكانت إيران تعوِّل كثيرا على بيان الامم المتحدة لتبرر أمام الشعوب الإيرانية إصرارها على ادامة الحرب لثماني سنوات، ولم توقفها إلا عندما وصلت الى حافة الإنهيار العسكري التام وقبولها تجرّع السم كما قال خميني. وتفاصيل إجتماع عماد مغنية ومصطفى بدر الدين مع السيد جيادومينكو بيكو منشورة في كتابه (Man without a gun) الصادر عن دار النشر Times Books عام 1999. والذي رتّب هذا اللقاء والمفاوضات كلها، وكان طرفا مباشرا فيها، هي القيادة الإيرانية بدءاً من الرئيس الإيراني آنذاك، هاشمي رفسنجاني ، ووزير خارجيته علي أكبر ولايتي (مستشار خامنئي حاليا) وطبعا كان الثعلب الإيراني محمد جواد ظريف (وزير الخارجية الحالي) طرفا فيها وفي كل حلقات تآمر ولاية الفقيه على العراق. كتاب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، بيكو، شهادة تاريخية أعطت تفاصيل هذه الصفقة يوماً بيوم، وهو وثيقة تدين إيران على قيامها بأعمال ارهابية (إختطاف المدنيين الأبرياء والمساومة بمصيرهم لتحقيق اهداف عدوانية)، وهذه الأعمال الإرهابية، مثل جرائم الحرب، لا تسقط بالتقادم. ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذه الصفقة ارجو الرجوع الى مقالي (للعراق كل الحق في مطالبة إيران بتعويضات الحرب) وتجدونه في المشاركة الأولى أدناه . لقد لاحظ الجميع كيف بكت إيران مصطفى بدر الدين بحرقة، وقبله بكت نسيبه عماد مغنية، لإنهما، وحسن نصرالله وحزب الله، كانوا ولا زالوا، ادوات طيّعة لتنفيذ سياسات الهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية، أما إدعاء مقاومة (الشيطان الأصغر) و (الشيطان الأكبر) أي الكيان الصهيوني وأميركا، فهي شعارات وأغطية لا غير، ورحم الله الأستاذ طارق عزيز عندما قال للمسؤولين الإيرانيين في أحد مؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي: أنتم تسبّون الشيطان الأكبر في اعلامكم وتتعاونون في السر معه وتتعاونون مع جميع الشياطين ومن مختلف الأحجام. وكان وقتها يلمّح الى فضيحة (إيران غيت) التي اشترت فيها إيران سلاحاً أميركياً شُحِن لها من الكيان الصهيوني. ويبقى السؤال، لماذا لم تستخدم الولايات المتحدة المعطيات الواردة في كتاب السيد بيكو لإدانة إيران؟ السبب هو أن أميركا كانت طرفا مباشرا في هذه المفاوضات، وكان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة السيد بيكو، والأمين العام نفسه، السيد خافير بيريز ديكويلار، يتصرفان بناءً على اوامر أميركية، مثلما كان يتصرف مصطفى بدر الدين وعماد مغنية بأوامر إيرانية. وبعد نجاح المفاوضات وإطلاق سراح المختطفين الأميركان والأوربيين وصدور بيان الأمين العام للأمم المتحدة في 9/12/1991 بتحميل العراق مسؤولية نشوب الحرب (وهو بيان لا قيمة قانونية له)، قلّد الرئيس الأميركي بوش الأب السيدين ديكويلار وبيكو وساماً أميركياً تقديرا لجهودهما في اطلاق سراح المختطفين المدنيين الأميركان والأوربيين. أخيرا ، أدعو السياسيين والمثقفين العرب إلى إستخدام الحقائق والوقائع الواردة في كتاب بيكو كدليل إضافي يعزز الدعوة الدولية لنبذ إيران بإعتبارها دولة داعمة للإرهاب، وإدانه ومحاسبة حزب الله على اعماله الإرهابية، فإن لم يبادروا بذلك فستواصل إيران، عبر أدواتها الكثيرة في المنطقة، ومنها حزب الله البناني وفروعه المعلنة والنائمة في البلدان العربية، استخدام الارهاب لإبتزاز العرب والإنسانية جمعاء. والله المستعان.
أولا : المقدمة
بتاريخ 27/5/ 2006 سلم وزير الخارجية الإيراني الى وزير خارجية حكومة العراق المنشأة تحت الإحتلال ملفا يحتوي على لائحة إتهام ضد الرئيس صدام حسين وقيادة العراق الشرعية لتقدم الى المحكمة الجنائية العراقية العليا بهدف تجريم العراق بتهمة شن الحرب على إيران. وتسعى إيران من خلال هذه الخطوة تثبيت مسؤولية العراق عن الحرب العراقية الإيرانية تمهيدا للمطالبة بتعويضات بمئات المليارات من الدولارات أو بالإستيلاء على حقول نفطية في جنوب العراق ومنها حقل مجنون النفطي لسداد هذه التعويضات.
ان الوثيقة الأساسية التي تستند اليها إيران في دعواها بمسؤولية العراق عن الصراع هي رسالة الأمين العام للأمم المتحدة خافير بيريز ديكويلار الى رئيس مجلس الأمن المؤرخة 9/12/1991 التي جاء فيها (إن الهجوم على إيران يوم 22/9/1980 لا يمكن تبريره في أطار ميثاق الأمم المتحدة أو أية قواعد أو مباديء معترف بها في القانون الدولي أو أية مباديء أخلاقية دولية، وهو ينطوي على المسؤولية عن الصراع) (وثيقة الأمم المتحدة S/23273).
ولو عدنا الى الوقائع لتبين أن رسالة ديكويلار هذه كانت الثمن الذي قبضته إيران في صفقة عقدتها مع الولايات المتحدة بوساطة الأمم المتحدة. صفقة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وأية مباديء أخلاقية دولية وتجلب العار لكل من شارك فيها. جوهر الصفقة هو الإفراج عن الرهائن المدنيين الأمريكان الذين إختطفتهم تنظيمات تابعة لحزب الله في لبنان خلال الفترة 1985- 1988 مقابل توجيه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة الى مجلس الأمن يحمل فيها العراق مسؤولية شن الحرب على إيران تحت غطاء تنفيذ الفقرة السادسة من قرار مجلس الأمن 598 (1987) التي تقول (يطلب الى الأمين العام أن يستطلع ‘ بالتشاور مع إيران والعراق، مسألة تكليف هيئة محايدة بالتحقيق في المسؤولية عن الصراع وأن يقدم تقريرا الى مجلس الأمن في أقرب وقت ممكن).
تفاصيل هذه الصفقة مثبتة بالوقائع والأسماء في مذكرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة جيادومينيكو بيكو Giadomenico Picco)) في كتابه الموسوم رجل بلا سلاح (Man without a gun) الصادر عن دار النشر Times Books عام 1999.
يستعرض وكيل الأمين العام للأمم المتحدة السيد جيادومينكو بيكو في مذكراته بإسهاب تفاصيل المحادثات السرية الطويلة والمضنية التي أجراها خلال الفترة 1988- 1991 مع الجانب الإيراني بدءا بالرئيس رفسنجاني ووزير الخارجية ولاياتي ومندوب إيران لدى المقر الأوربي للأمم المتحدة سايروس ناصري ومندوب إيران لدى الأمم المتحدة كمال خرازي ونائبه السفير جواد ظريف إضافة الى سفيري إيران في دمشق (أخطري) وفي بيروت (زمانيان) اللذان هيئا له لقاءاته بالخاطفين. كما يستعرض السيد بيكو في مذكراته كيف تغيرت مطالب إيران مقابل إطلاق الرهائن الأمريكان في لبنان حسب تغير الظروف. فكانت خلال الحرب العراقية الإيرانية تركز على الحصول على الأسلحة وقطع غيارها من أمريكا وإسرائيل والتي عرفت فيما بعد بفضيحة إيران غيت. وبعد وقف إطلاق النار في 8/8/1988 أصبح طلب إيران العاجل من أمريكا هو دعوة العراق الموافقة على إتفاقية الجزائر لعام 1975التي ألغاها العراق عام 1980بسبب تدخل إيران في شؤون العراق الداخلية وإطلاق سراح عناصر (الدعوة الإسلامية) الذين قاموا بتفجيرات في الكويت عام 1983وإطلاق الأرصدة الإيرانية المجمدة في أمريكا. وبعد دخول القوات العراقية الكويت وإنفتاح المواجهة الأمريكية – العراقية على كل الجبهات وجدت إيران الفرصة سانحة لرفع سقف مطالبها فطالبت بإستخدام الفقرة السادسة من القرار 598 (1987) لإدانة العراق وإعتباره مسؤولا عن شن الحرب على إيران. ووافق الأمريكان وتمت الصفقة وأطلق سراح الرهائن الأمريكان جميعا. وبعد إطلاق سراحهم وجه الأمين العام للأمم المتحدة في 9/12/1991 رسالة الى مجلس الأمن يبلغه فيها أن لعراق يتحمل مسؤولية الحرب العراقية الإيرانية. وجدير بالذكر أن هذه الصفقة السرية جرت تحت غطاء سعي الأمم المتحدة لتحقيق تبادل للأسرى بين لبنان وإسرائيل. وكان الخاطفون يطالبون بإطلاق سراح السجناء اللبنانيين في إسرائيل (600 أسير) وبالذات الشيخ عبد الكريم عبيد. إلاّ أن الصفقة إنتهت بإطلاق واحد وتسعين منهم فقط ولم يكن الشيخ عبيد من بينهم. كما أن السيد بيكو وعد إيران أن تكون الصفقة مدخلا لتحسين العلاقة بينها وبين أمريكا لكن الأمريكان رفضوا ذلك بعد إطلاق آخر رهينة أمريكي.
ثانيا :إستعراض موجز لما جاء في مذكرات بيكو
1 - يقول بيكو إن الشيخ محمد حسين فضل الله بعد عودته من النجف الى لبنان أنشأ حركة الدعوة الإسلامية في لبنان والتي ولد من رحمها حزب الله عام 1982. وذكر أن أعضاء لبنانيون من هذه الحركة قاموا في الثاني عشر من كانون الأول 1983 بسلسلة تفجيرات في الكويت (بهدف معاقبة الكويت على دعمها للعراق في حربه ضد إيران) والقي القبض عليهم وكان عددهم 17 شخصا وحكموا بالإعدام ثم خفف الى السجن المؤبد. ومن هنا برزت فكرة إختطاف مواطنين غربيين، وبالذات أمريكان، في لبنان لكي تضغط حكوماتهم على الكويت لإطلاق السبعة عشر المسجونين لديها (ص 121). وبعد بدء عمليات إختطاف الغربيين في لبنان وعرض مبادلتهم بالسبعة عشر سجينا في الكويت لم تستجب الولايات المتحدة ولا الكويت لهذا الطلب. ويضيف أنه شخصيا تجاهل هذا الطلب لإنه لا يستحق النظر فيه (ص 125)
2 - ويقول بيكو إنه خلال عمله ضمن فريق الأمم المتحدة لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية بدأ بإثارة موضوع الرهائن الغربيين في لبنان مع المسؤولين الإيرانيين لعلمه أن الرابط الآيديولوجي بين الثورة الإيرانية والمجموعات اللبنانية التي أعلنت مسؤوليتها عن خطف الرهائن لم يعد سرا، لكن المسؤولين الإيرانيين إستمروا لسنوات إبلاغه أن حكومتهم لا علاقة لها بهذه المجموعات. وفي عام 1989 عندما بدأوا بالتفاوض معه حول الرهائن إعتذروا له عن موقفهم السابق وقالوا إن سببه أن الظروف لم تكن ناضجة لبحث الموضوع. وأضاف (في نهاية عام 1988 خولني الأمين العام، بعد أن أخذ موافقة الأمريكان، أن أتصل بالإيرانيين طلبا لمساعدتهم في إطلاق سراح الرهائن الأمريكان في لبنان. وكان أول إتصال لي يوم 14/3/1989 مع سايروس ناصري سفير إيران لدى المكتب الأوربي للأمم المتحدة في جنيف وطلبت منه أن التقي بالرهائن لإطمئن على صحتهم وأن التقي بالخاطفين لإتعرف على مطالبهم وأكون وسيطا لهم). (ص 99 و 100)
3- وفي 23/4/1989 إلتقى الأمين العام للأمم المتحدة (ديكويلار) في نيويورك بوزير الخارجية الإيراني ولاياتي وعرض مقترح الوساطة الذي قدمه بيكو لسايروس ناصري ووعد ولاياتي بدراسة الطلب وأضاف إن بعض اللبنانيين أخبروه بإن الرهينة الأمريكي هيغينس (ضابط أمريكي يعمل في قوات الأمم المتحدة في لبنان- يونيفيل) قتل في تموز 1988 ردا على إسقاط الأمريكان طائرة مدنية إيرانية فوق مضيق هرمز. (ص 106)
4 - وفي 30/5/1989 وخلال زيارة السيد بيكو الى طهران لمتابعة مواضيع تتعلق بأفغانستان أخبره وزير الخارجية الإيراني ولاياتي أن الخاطفين يريدون لقاءه في دمشق لكنه لم يحدد موعدا للقاء (ص 107)
5 - وفي 17/8/1989 أبلغ ولاياتي وزير خارجية الباكستان إنه مستعد للمساعدة في إطلاق سراح الرهائن الغربيين في لبنان مقابل قيام الولايات المتحدة ببعض الخطوات تثبت من خلالها أنها لم تعد معادية لإيران.
وبعد ذلك بعدة أيام أرسل الرئيس بوش (الأب) مستشاره للأمن القومي السيد سكوكروفت الى نيويورك وأبلغ ديكويلار أن بوش مستعد لخطوات متبادلة مع إيران للتخفيف من حدة التوتر بين البلدين وبما يسمح بإطلاق الرهائن (ص 110)
6 - وإستنادا الى هذا اللقاء ذهب بيكو الى طهران وإلتقى بالرئيس رفسنجاني يوم 25/8/1989 ونقل له رسالة بوش (الأب) في الرغبة بتحسين العلاقات بين البلدين وإن بوش يريد إطلاق الرهائن الأمريكان في لبنان وسيتخذ بالمقابل إجراء بشأن الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة ومبادرات أخرى إستنادا الى المبدأ الذي أعلنه يوم تنصيبه وهو أن النوايا الحسنة تستجلب نوايا حسنة. أجاب رفسنجاني أن علاقات بلاده إنقطعت مع الخاطفين منذ فترة وهم ليسوا من جماعة حزب الله التقليديين، وأن بلاده أجرت الإتصال بهم سابقا بناء على طلب ماكفرلن (مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي زار طهران سرا عام 1985 لترتيب
الصفقة التي عرفت لاحقا بفضيحة إيران غيت) ولكن بعد أن لم يف الأمريكان بوعودهم إنزعجت هذه الجماعات ومن الصعب أن نعيد الإتصال بهم. وأضاف رفسنجاني إن الخاطفين يريدون أولا إطلاق سراح الشيخ عبيد (خطفته إسرائيل من جنوب لبنان يوم 28/7/1989) كما ان أمريكا جمدت أرصدتنا بلا أساس قانوني ومع ذلك تريدنا أن نتدخل في قضية لا مصلحة لنا في التدخل بها ونحن مثل الرئيس بوش لدينا مشاغل داخلية وعلى الأمريكان أن لا ينتظروا منا شيئا مقابل إطلاق أرصدتنا، ولكي نساعد أمريكا فعليها تقديم مبادرات حسن نية ومن ذلك أن عليهم إيقاف عدائهم غير المبرر لنا. (ص ص 112-113-114)
7 - وفي قمة بلغراد لحركة عدم الإنحياز في أيلول 1989 التقى ديكويلار مع وزير خارجية إيران ولاياتي الذي طلب أن ترفع الولايات المتحدة , كخطوة اولى، التجميد عن 10% من الأرصدة الإيرانية. ثم بعد عدة أسابيع طلب ولاياتي من ديكويلار أن تدفع أمريكا تعويضات لركاب الطائرة المدنية الإيرانية التي أسقطت فوق الخليج عام 1988 (ص 118)
8 - خلال مشاركة الرئيس بوش (الأب) في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 1989 أبلغ ديكويلار إنه علم بعرض ولاياتي إطلاق 10% من أرصدة إيران المجمدة ولم يعلق عليه. وبعد ذلك بعدة أيام أي في 19/9/1989 أيلغ جيمس بيكر ديكويلار أن بلاده لن تجيب على رسالة رفسنجاني حتى لا تبدو الولايات المتحدة متعطشة للتعامل مع إيران. (ص 115)
9 - وفي بداية عام 1990 عين كمال خرازاي مندوبا دائما لإيران لدى الأمم المتحد وأبلغ بيكو أن شروط إيران للتوسط في موضوع إطلاق الرهائن في لبنان هي رفع التجميد عن الأرصدة الإيرانية ودعم أمريكا لإتفاقية الجزائر لعام 1975 وحث العراق على الإنسحاب من بعض الأراضي الإيرانية التي لا يزال يحتلها (ص 118)
10- ويقول بيكو: ((أغنانا النظام العراقي عن مناقشة طلبات إيران ففي الثاني من آب 1990 دخلت القوات العراقية الكويت وحررت جميع السجناء بضمنهم السبعة عشر الذين قاموا بتفجيرات الكويت. ثم فاجأنا صدام من جديد بقبوله في 15 آب 1990 بإتفاقية الجزائر)) (ص 125)
11 – ويذكر بيكو ان عدد الرهائن في نهاية آب 1990 كان ستة أمريكان وبريطانيان وألمانيان ويستعرض بيكو أسماء الرهائن الأمريكان وهم مدنيون : موفد الكنيسة الأنجليكانية (تيري ويت) الذي توسط لإطلاق الرهائن ومراسلو صحف واساتذة جامعة.. أما الألمانيان فقد كانارهينتين لدى أسرة حمادي لمبادلتهم مع إثنين من هذه الأسرة محتجزين في المانيا : الأول عن إختطاف طائرة TWA عام 1985 والثاني عن تهريب متفجرات الى ألمانيا (ص 148)
12 - وفي أواسط شباط 1991 قام السفير كمال خرازي يإبلاغ بيكو إنه يسعى لترتيب لقاء له مع الشيخ فضل الله. وفي 13 /4/1991 سافر بيكو الى طهران لترتيب موضوع اللقاء حيث التقى بوكيل الخارجية الإيراني ومنها الى دمشق ومن دمشق الى بيروت. ويضيف (في بيروت التقيت بالشيخ فضل الله، والذي يسمونه خميني لبنان وهو الأب الروحي لحزب الله. وعبر الشيخ فضل الله عن أمله في أن تتحسن العلاقة بين أمريكا وإيران وقال إنه ليس صاحب قرار في موضوع الأسرى لكنه مستعد للمساعدة وأكد أن خطف الرهائن يتعارض مع عقيدته الإسلامية واثنى على دور الأمم المتحدة وقال إن دورها يحفظ ماء الوجه للجميع ولا يعطي الإنطباع بإن هناك صفقة ما)(ص ص 139-142). وجدير بالذكر إن رأي السيد فضل الله هذا هو نفس رأي سكوكروفت الذي كان يلح على أن تظهر الأمم المتحدة أنها تسعى لتبادل الأسرى بين لبنان وإسرائيل حتى لا تبدو أن هناك صفقة تجري على حساب الرهائن ولكي لا تتعامل أمريكا مباشرة مع إرهابيين (ص 149)
13– يقول بيكو إنه كان يضغط على الإيرانيين وعلى الخاطفين للإسراع في إنجاز الصفقة قبلنهاية عام 1991 موعد ترك ديكويلار منصبه كأمين عام للأمم المتحدة.
14 - التقى بيكو مع السفير جواد ظريف في 27 تموز 1991 الذي أبلغه إن حكومته تتحرك بسرعة لمساعدة الأمين العام في غلق ملف الرهائن قبل نهاية مدة الأمين العام وإن الرئيس رفسنجاني يرغب في أن يزور ديكويلار طهران قريبا لوضع اللمسات الأخيرة على الإتفاق. وقال بيكو (كان جوهر إتفاقي مع ظريف هو أن تعمل إيران مع المجموعات اللبنانية لتحرير الرهائن الغربيين مقابل أن تقدم الأمم المتحدة الفقرة 6 من القرار 598، أما إذا إستطعنا أن نحصل على أكثر من ذلك أي تحرير السجناء اللبنانيين في سجون إسرائيل وتقديم معلومات عن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المفقودين في بيروت وعن الجنود والطيار الإسرائيلي (رون أراد) المفقودين في لبنان فسيكون ذلك كالقشطة التي توضع فوق الكعكة، لكن أصل اللعبة هي الفقرة السادسة. وكنا نعلم أن إيران تريد إدانة رسمية للعراق لشنه الحرب على إيران لكننا لم نكن نعلم كم كان ذلك مهما لإيران من الناحية السياسية). وأضاف بيكو : (قلت لظريف إننا نستطيع التعامل مع مقترحك حول الفقرة السادسة فأجاب ستكون زيارة ديكويلار ناجحة لو نفذت الفقرة السادسة).(ص ص 150 - 151)
15 - وفي 1/8/1991 إلتقى ديكويلار بمندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة السفير خرازي وأبلغه إنه ينوي البدء بإجراءات تنفيذ الفقرة السادسة ويريد أيضا إغلاق ملف الرهائن بأسرع وقت. (ص 151)
16 – وفي الأيام التي تلت لقاء ديكويلار مع خرازي عمل بيكو مع جواد ظريف على وضع تفاصيل مقترحات إطلاق سراح الرهائن وتنفيذ الفقرة السادسة (ص 151)
17 - وفي 7/8/1991 قام ديكويلار بإبلاغ سكوكروفت بهذه التطورات. (ص 152).
18 – في 10/8/1991 أطلق سراح الرهينة الأمريكي السيد تريسي (ص152)
19 - إلتقى بيكو في مقر السفارة الإيرانية في بيروت يوم 11/8/1991 مع السفير الإيراني زمانيان الذي أبلغه بإنه أجرى الترتيبات للقائه مع الخاطفين وطلب منه الخروج من السفارة والتمشي في الشارع ومن هناك ستأتي سيارة لأخذه الى مكان اللقاء. وجاءت السيارة وإلتقطته وعصبت عيناه وأخذ الى مقر الخاطفين (الصفحتان 152-153). خلال حديثه مع الخاطفين الملثمين خمّن أنهما عماد مغنيه ونسيبه مصطفى بدر الدين. ووقتها كان عماد مغنيه مسؤول الأمن الخاص في حزب الله وكان قبلها الحارس الشخصي للشيخ فضل الله ويعتقد انه شارك في خطف طائرة TWAعام 1985وطائرة الجابرية الكويتية عام 1988. أما نسيبه مصطفى فقد كان ضمن المجموعة التي قامت بتفجيرات الكويت عام 1983 وأفرج عنهم العراق بعد دخوله الكويت. ويذكر بيكو أن اللقاء ركز على موضوع إطلاق الأسرى اللبنانيين لم يتفق فيه على شيء محدد (ص 161). وتلت ذلك عدة لقاءات لبيكو مع الخاطفين يبدو أن هدفها إعطاء الإنطباع أن الأمم المتحدة تتصل بالخاطفين لإطلاق سراح الرهائن وتحويل الأنظار عن الصفقة الإيرانية الأمريكية.
20 – وفي يوم 20/8/1991 وصل بيكو الى طهران للتحضير لزيارة ديكويلار. وفي يوم وصوله التقى بوزير الخارجية ولاياتي الذي وكان شاغله الأساسي معرفة ما عملته الأمم المتحدة بشأن الدراسة التي تعدها حول المسؤولية عن الحرب العراقية الإيرانية أو ما إصطلح عليه بالفقرة السادسة. فاجابه بيكو أن ثلاثة أساتذة أوربيين أوكل لهم الأمين العام دراسة المسألة. وسأل بيكو ولاياتي هل ستكون زيارة ديكويلار لطهران ناجحة أجاب ولاياتي إنه مسرور لإن الفقرة السادسة تحت نظر الأمم المتحدة، وفهم بيكو مغزى إشارة ولاياتي (ص 171)
21- وفي لقاء ديكويلار برفسنجاني في طهران يوم 11/9/1991 بدأ رفسنجاني الحديث عن الفقرة السادسة وأهميتها وسأل عن موعد صدور التقرير بشأنها فأجاب ديكويلار إنه يأمل إصداره في نهاية تشرين الأول.
فأجاب رفسنجاني إن تقرير الفقرة السادسة مهم جدا لإيران، وإن إيران كانت تربط نهاية أزمة الرهائن بالإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة أما الآن فإنها إزالت هذا الربط وتركز على الفقرة السادسة. (ص 181)
22- بعد لقاء ديكويلار برفسنجاني إلتقى بيكو بالمفاوضين الإيرانيين من جديد الذين أمطروه بالأسئلة محاولين معرفة طبيعة وموعد صدور تقرير الفقرة السادسة ويضيف بيكو (كان التقرير وسيلة الضغط الوحيدة لدينا على الإيرانيين. وبغض النظر عن مواقف الحكومات، لم أقبل أن أقترح على الأمين العام أن يطلق التقرير قبل إطلاق آخر رهينة أمريكي) (ص 184). وفعلا أطلق جميع الرهائن الأمريكان ثم صدر التقرير (أي رسالة الأمين العام الى مجلس الأمن بموجب الفقرة السادسة من القرار 598)
23 – ويقول بيكو ((بعد إطلاق جميع الرهائن الأمريكان إستقبلنا الرئيس بوش أنا وديكويلار في البيت الأبيض وقلدنا أوسمة وكان خمسة من الرهائن الأمريكان المحررين حاضرين في الحفل. وكان هذا اليوم تاريخيا لسبب آخر وهو نشر رسالة الأمين العام الى مجلس الأمن حول الفقرة السادسة الخاصة بالمسؤولية عن الحرب بين العراق وإيران.ولقد تطلب الأمر منا شجاعة وإصرارا. صحيح ان هناك قليل من الشك حول مسؤولية العراق عن الحرب ولكن من الممكن أن يثار موضوع أن التقرير كان ثمرة صفقة سهلت فيها إيران عملية إطلاق الرهائن مقابل وثيقة تصف العراق بالمعتدي)).(ص 267)
24- ويصف بيكو نهاية مهمته بالقول إنه بعد أن أطلق جميع الرهائن الأمريكيين و91 سجينا لبنانيا إقترح على سكوكروفت إقتراحا متواضعا بقيام شركة أوربية بتزويد إيران بقطع غيار نفطية يستوجب الحصول عليها موافقة أمريكا لكن سكوكروفت رفض المقترح. ولذا توجه في أواخر ربيع عام 1992 الى طهران والتقى بالرئيس رفسنجاني وقال له إنه جاء ليبلغه بإنه نكث بوعده في أن تكون صفقة إطلاق الرهائن مقابل الفقرة السادسة مدخلا لتحسين العلاقة الأمريكية الإيرانية حيث لم يقبل الأمريكان بادرة حسن نية بسيطة لتحسين العلاقة مع طهران. وقال ان رفسنجاني غضب وطلب منه مغادرة إيران بسرعة إذ لو سمع المتشددون بذلك فلن يسمحوا له بالمغادرة. وغادر إيران على عجل وقرر أن إنهاء عمله في الأمم المتحدة (ص ص 4و5)
ثالثا : هل كانت رسالة ديكويلار قانونية وتستجيب لمتطلبات الفقرة السادسة من القرار 598
أجاز ميكافيلي إستخدام وسائل غير مشروعة للوصول الى هدف مشروع. اما هذه الصفقة فكانت إستخداما لوسائل غير مشروعة لتحقيق هدف غير مشروع. ولإن الصفقة أعدت على عجل بين أطراف لا تحترم القانون الدولي، فقد كان مضمون رسالة ديكويلار الى مجلس الأمن متناقضا مع الإجراءات المطلوبة بموجب الفقرة السادسة من القرار 598 ومخالفا لميثاق الأمم المتحدة. وأدناه الملاحظات عليها :
1- تقول الفقرة الثانية من الرسالة ((وفي أثناء المفاوضات التي جرت خلال السنوات الثلاث الماضية سنحت لي عدة فرص للتشاور مع الطرفين بشأن الفقرة السادسة. وفي حين أتاحت لي تلك المشاورات فهما معينا لوجهات النظر المتباينة التي يؤمن بها الجانبان، فإنها لم تصل الى مرحلة يتولد فيها الشعور بإمكانية تقديم تقرير ذي مغزى الى مجلس الأمن)). هذا الفقرة تفضح الطبيعة السياسية للرسالة. فخلال السنوات الثلاث التي إنتقضت منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية لم يتولد لديه شعور بإمكانية تنفيذ الفقرة السادسة، فما الذي إستجد الآن من حقائق أو وقائع بشأن موضوع الفقرة لكي يتولد لديه شعور بإمكانية تنفيذها ؟ لا شيء غير أن إيران جعلت من تنفيذ هذه الفقرة لصالحها ثمنا لإطلاق المختطفين المدنيين الأمريكان في لبنان.
2 – يقول ديكويلار في الفقرة الرابعة من رسالته (وبغية فهم الموضوع على أكمل وجه قررت أن أستشير على إنفراد بعض الخبراء المستقلين). وهذا مخالف لما طلبته الفقرة السادسة التي تقول (يطلب الى الأمين العام أن يستطلع ‘ بالتشاور مع إيران والعراق، مسألة تكليف هيئة محايدة بالتحقيق في المسؤولية عن الصراع وأن يقدم تقريرا الى مجلس الأمن في أقرب وقت ممكن). وبموجب هذه الفقرة كان على الأمين العام أن يستشير العراق وإيران أولا عن التوقيت المناسب لتنفيذ هذه الفقرة، ثم عليه أن يستشيرالدولتين حول أسماء الخبراء ومؤهلاتهم والتثبت من حياديتهم ويأخذ موافقتهما عليهم. كما كان عليه أن يبلغ مجلس الأمن بأسماء الخبراء الذين إتفق مع العراق وإيران على تكليفهم بالمهمة. ثم على الخبراء أن يعملوا كفريق لا أن يستشيرهم على إنفراد. ولكون موضوع المسؤولية عن الصراع مسألة حساسة تترتب عليها مواقف وإلتزامات تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي فكان المفروض بفريق الخبراء أن يعكف على دراسة حجج واسانيد الدولتين ويدققها ويزور عاصمتي الدولتين ويلتقي مسؤوليهما ويتحقق من الوقائع المذكورة في وثائق البلدين. فمثلا عندما يقول العراق أن لديه شاهد حي على شن إيران غارات واسعة على العراق قبل 22/9/1980 وهو الطيار الإيراني الأسير (لشكري). فالمطلوب أن يتحقق الخبراء من ذلك ويزوروا الطيار في سجنه في العراق ويستفسروا منه عن مهمته الحربية فوق العراق وتاريخ إسقاط طائرته. وبعد إستكمال كل وسائل التحقق من وثائق الطرفين، يقدموا تقريرهم الى الأمين العام الذي ينقل إستنتاجات الخبراء الى مجلس الأمن لا أن يستخدم هو آراء الخبراء المزعومين للوصول الى إستنتاجات لا أساس قانوني لها. علما بإن ديكويلار وجه رسالتين الى حكومتي العراق وإيران يطلب فيهما موقف الدولتين من موضوع الفقرة السادسة. إيران أجابت بتسليمه ملفا كاملا بينما إستفسر العراق منه عن سبب الطلب وتوقيته. ولم يكلف ديكويلار نفسه إجابة العراق بل إكتفى بنقل وجهة نظر إيران فقط للخبراء المزعومين. وجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية عندما تنظر في قضايا أهون بكثير من موضوع المسؤولية عن الحرب تأخذ سنينا من البحث والتقصي وسماع مرافعات الطرفين.
3 - يقول في الفقرة السابعة من رسالته (وحتى لو كان هناك قبل إندلاع الصراع بعض تعد من جانب إيران على إقليم العراق، فإن هذا التعدي لم يكن يبررالعدوان العراقي على إيران الذي تبعه إحتلال العراق المستمر لإراض إيرانية خلال الصراع إنتهاكا لحظر إستعمال القوة الذي يعتبر إحدى قواعد القانون الملزم). وهنا أيضا تبرز مجانبته للحقيقة وتعديه على صلاحيات مجلس الأمن. فهو من جانب يقر بإعتداء إيران على إقليم العراق لكنه يسمي رد العراق على هذا التعدي على أرضه عدوانا. كما أن إطلاق وصف (العدوان) ليس من إختصاصه كون مجلس الأمن هو الذي يقرر حصول عدوان من عدمه ومهمة الأمين العام هي (تنبيه مجلس الأمن الى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدولي – المادة 99 من الميثاق). ولعل هذه السابقة الوحيدة في تاريخ الأمم المتحدة التي يعتدي فيها الأمين العام على صلاحيات مجلس الأمن بهذا الشكل الفاضح. أما إشارة الرسالة الى (إحتلال العراق المستمر للأراضي الإيرانية خلال الصراع) فهي غير صحيحة حيث إنسحبت القوات العراقية من الأراضي الإيرانية عام 1982 وكانت مستعدة لهذا الإنسحاب منذ 28/9/ 1980 لو وافق الإيرانيون على القرار 479 (1980). وبالمقابل كانت القوات الإيرانية تواصل إحتلال أراض عراقية طيلة فترة الصراع. وفي سنين الصراع الأخيرة إحتلت مواقع ومدن عراقية هامة كالفاو والشلامجه وجزيرة أم الرصاص وحقل مجنون النفطي وأجزاء كبيرة من المنطقة الجبلية في شمال العراق.
4 – ولإن الصفقة عقدت بين طرفين يتربص أحدهما بالآخر فقد جاءت الفقرة التاسعة من رسالة ديكويلار لتأخذ من الإيرانيين ما أعطتهم إياه في الفقرات السابقة حيث جاء فيها: ((ومن رأيي أنه لا طائل من وراء تنفيذ الفقرة 6 من القرار 598. ولمصلحة السلم وتمشيا مع تنفيذ القرار 598 بصفته خطة سلام شاملة، يلزم الآن المضي في عملية التسوية. وما يستوجب العناية العاجلة الآن هو الحرص على إقامة علاثات سلمية بين الطرفين وعلى إقرار السلم والأمن في المنطقة بأسرها)). أي أن ديكويلار يطلب من مجلس الأمن أن لا يتخذ أي إجراء لتنفيذ الفقرة السادسة. وهنا يثار سؤال : إذا كان الأمين العام لا يرى طائلا من تنفيذ الفقرة السادسة فلماذا إستشار الخبراء وأصدر احكاما سياسية بشان مضمونها ؟
رابعا : المسؤولية عن بدء الحرب وعن إستمرارها
يقول العراق بأن الحرب بدأت في الرابع من أيلول/ سبتمبر 1980 بقصف جوي ومدفعي ايراني للأراضي العراقية صاحبه قيام وحدات من الجيش الإيراني بالإستيلاء على أراضي عراقية في المناطق الحدودية إضافة الى رفض إيران إعادة أراضي عراقية إستولت عليها رغم إقرارها بعائديتها للعراق (سيف سعد وزين القوس). ويدعم العراق أدلته بشاهد حي هو الطيار الإيراني الأسير (لشكري) الذي أسقطت طائرته فوق العراق خلال تلك الغارات. ولقد وثّق العراق في 260 مذكرة رسمية للأمم المتحدة وللجامعة العربية ولمنظمة المؤتمر الإسلامي مواقف وممارسات ايران العدوانية ضد العراق منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979ومنها دعوتها الى إسقاط النظام العراقي بالقوة (كون الحرب تبدأ في عقول البشر) ومنها ما نقله السيد بيكو نفسه في الصفحة 70 من مذكراته عن لقاء ديكويلار بالرئيس صدام حسين يوم 8/4/1984 حيث ذكر الرئيس صدام حسين أنه أرسل ثلاثة وفود الى إيران مطالبا بوقف تدخلها في شؤون العراق الداخلية إلا أن الرئيس الإيراني بني صدر قال لإحد الوفود إذا أراد الجيش الإيراني الوصول الى بغداد فلن بمنعه أحد. (ص 70).
إضافة الى تصريحات مسؤولين إيرانيين كثيرين على رأسهم خميني تدعو الى إسقاط النظام السياسي في العراق وأقرنت هذه التصريحات بأعمال إرهابية من خلال إرسال مجاميع مسلحة من إيران الى العراق قامت بعمليات تهدف الى إغتيال أعضاء في القيادة العراقية وتفجير الأماكن العامة في المدن العراقية لإشاعة عدم الإستقرار.
.أما إيران فإتها تقول إن الحرب بدأت يوم 22/9/1980 بهجوم واسع غير مبرر شنته القوات المسلحة العراقية على الأراضي الإيرانية، وإن الأعمال العسكرية الإيرانية التي سبقت هذا الهجوم الواسع لم تكن أكثر من مناوشات حدودية.
وإذا كانت المسؤولية عن بدء الحرب قضية خلافية بين العراق وإيران، فإن مسؤولية إيران عن إستمرار الحرب هي قضية محسومة قانونا ولا يمكن لأحد أن يجادل فيها. فبعد نشوب الحرب بعدة أيام أصدر مجلس الأمن القرار 479 في 28 أيلول 1980 دعا فيه إيران والعراق الى الوقف الفوري لإستخدام القوة وحل خلافاتهما بالوسائل السلمية طبقا لمباديء العدالة والقانون الدولي. ووافق العراق على القرار بعد أيام من صدوره ولم توافق عليه إيران كما لم توافق على القرارات اللاحقة الصادرة من مجلس الأمن وهي القرارات 514 في 12/7/1982 و 522 في 4/10/1982 و 552 في 1/6/ 1984 و582 في 24/2/1986 و588 في 8/10/1986 و598 في 20/7/1987. وهذه القرارات ملزمة للطرفين والعراق قبلها جميعا وإيران رفضتها جميعا لغاية 8/8/1988. لذا فإن إيران مسؤولة قانونا عن إستمرار الصراع طيلة هذه المدة.
وحتى لو أخذنا بالمنطق الإيراني القائل أن العراق شن الحرب على إيران في 22/9/1980 وأن إيران كانت في حالة دفاع عن النفس، فإن المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على حق الدول في الدفاع عن نفسها إذا إعتدت قوة مسلحة عليها لحين إتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي. ومجلس الأمن إتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي بقراره 479 في 28/9/1980 وقبله العراق أي إنتهى المبرر القانوني لإستخدام حق الدفاع عن النفس. لذا فإن رفض إيران تنفيذ قرار مجلس الأمن 479 القاضي بوقف إطلاق النار يحولها الى دولة معتدية ويرتب للعراق عليها إلتزامات منها المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي سببها العدوان الإيراني عليها من 28/9/1980 ولغاية 8/8/1988.
أما لماذا أصرت إيران على المطلب غير القانوني وغير المنطقي بتحميل العراق مسؤولية الحرب ومطالبته بالتعويضات عن أضرارها قبل أن توقف إطلاق النار، فقد كشفت الوقائع أن إيران أرادت من وراء ذلك مواصلة الحرب يحدوها الأمل في إحتلال بغداد. ويروي السيد بيكو في مذكراته(ص62) أن الإيرانيين كانوا يرفضون قرارات مجلس الأمن بوقف إطلاق النار ويتشبثون بمقولة زرادشت (العدالة أهم من السلام) ويقولون إن الحرب تنتهي عندما يحدد المعتدي ويدان ويدفع التعويضات.
ومن جانب آخر فقد كان العراق مقتنعا بمسؤولية إيران عن نشوب الحرب وعن إستمرارها إلا إنه لم يجعل ذلك شرطا لوقفها، بل إقترح تشكيل هيئة قانونية دولية محايدة تقوم بعد وقف إطلاق النار بدراسة دفوعات الطرفين وتقرير المسؤولية في ضوء ذلك. وفعلا توصل مجلس الأمن الى صياغة مناسبة تضمنها قراره 598 المؤرخ 20/7/1987 (الفقرة السادسة) التي تطلب من الأمين العام (أن يستطلع، بالتشاور مع إيران والعراق، مسألة تكليف هيئة محايدة بالتحقيق في المسؤولية عن الصراع وأن يقدم تقريرا الى مجلس الأمن في أقرب وقت ممكن تنفيذا لذلك الطلب).
وعندما تبددت أوهام إيران في تحقيق نصر عسكري حاسم على العراق وأصبحت على شفا الإنهيار العسكري الكامل أرسلت مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير محلاتي ليلتقي يوم 18/7/1988 بالأمين العام للأمم المتحدة ويبلغه رسالة عاجلة من السيد خامنئي رئيس جمهورية إيران بالموافقة على القرار 598 ويطلب منه إعلان الوقف الفوري لإطلاق النار (متناسيا حكمة زرادشت). وأجاب الأمين العام للأمم المتحدة أن عليه التشاور مع العراق لتحديد موعد وقف إطلاق النار. وبعد عدة أيام شعر حكام إيران أن تأخر وقف إطلاق النار لإيام إضافية أخرى قد يعصف بوجودهم، فأرسلوا مندوبهم الدائم السفير محلاتي لمقابلة الأمين العام للأمم المتحدة يستعجله في إعلان وقف إطلاق النار ويحذره بالقول)) إعتبارا من اليوم فإن دم كل مدني إيراني يسقط هو في ذمة الأمم المتحدة)). (الصفحة 83 من مذكرات بيكو). وهذا إقرار إيراني بإن الطرف الذي يرفض أو حتى يؤجل وقف إطلاق النار لبضعة أيام يتحمل مسؤولية الدماء التي تراق خلالها. فكيف بإيران وهي التي رفضت وقف إطلاق النار لمدة (2870) يوما ؟
وبعد قبول إيران وقف إطلاق النار بدأت قوات البلدين الإنسحاب من أراضي البلد الآخر وبدأت الأمم المتحدة بالإشراف على تنفبذ بنود القرار بهدف الوصول الى تسوية شاملة وعادلة ومشرفة مقبولة للطرفين.
وخلال الفترة من 8/8/1988 ولغاية 2/8/1990 لم تبذل إيران جهودا جدية لحث الأمين العام على تنفبذ الفقرة السادسة من القرار 598 (1987) الخاصة بالمسؤولية عن الصراع لإنها تعلم ان لدى العراق من الأدلة والقرائن ما يجعل من المستحيل على أية جهة محايدة أن تحمّله مسؤولية بدء الصراع ناهيكم عن مسؤولية إستمرارالصراع لثمان سنوات الذي تتحمل إيران مسؤوليته بموجب القانون الدولي. ومما يؤكد ذلك أنها لم تجعل تنفيذ الفقرة السادسة لصالحها شرطا لإطلاق الرهائن الأمريكان في لبنان إلا بعد أن وجدت رغبة أمريكية لا حدود لها للتنكيل بالعراق، فركبت الموجة خاصة وأن هيمنة أمريكا على الأمم المتحدة كانت مطلقة بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي وظهور نظام القطب الدولي الواحد.
خامسا : الخلاصة
1 – أن رسالة الأمين العام بشأن مسؤولية العراق عن الصراع هي ثمرة صفقة لا قانونية ولا أخلاقية بين إيران والولايات المتحدة عبرالأمم المتحدة ولا قيمة قانونية لها. بل إنها تدين إيران التي ما كانت تلجأ لهذا الأسلوب غير الشرعي لو كانت مقتنعة بعدالة موقفها. كما إن هذه الصفقة تثير الشكوك بجميع مواقف وبيانات إيران حول الحرب بل وبمواقفها الدولية عموما. فالذي لا يتورع عن إستخدام وسائل غير مشروعة كخطف المدنيين لتحقيق إمتيازات سياسية على حساب دولة جارة لا علاقة لها بموضوع الخطف، غير جدير بإن يعامل كطرف دولي يحترم مسؤولياته بموجب القانون الدولي. ناهيكم عن تناقض هذا السلوك مع إدعاءاتها أنها دولة إسلامية تعتمد القران وسنة الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار دستورا ومنهجا.
2– الوقائع القانونية تحمل إيران مسؤولية شن الحرب كونها الطرف الذي بدأ بالأعمال العدائية. وإيران مسؤولة بشكل لا يقبل الجدل عن إستمرار الحرب. لذا نقترح على القوى الوطنية العراقية بإن تعلن لشعب العراق وللعالم أجمع أنها ستبدأ حملة مطالبة إيران بالتعويضات عن عدوانها على العراق لثمان سنوات لتعرف إيران أن للعراق دينا بذمتها لايسقط بالتقادم، وأن إيران قد تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت أوتخدع كل الناس بعض الوقت ولكنها لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. كما نقترح أن توجه المنظمات القانونية العربية رسائل الى الأمم المتحدة تطالب فيها فتح تحقيق حول رسالة ديكويلار كونها إنتهاكا فاضحا لمسؤولياته وصلاحياته بموجب ميثاق الأمم المتحدة، بل هي وصمة عار في جبين الأمم المتحدة، كما تطالب أن تتخذ الأمم المتحدة من الإجراءات ما يمنع إستخدامها ختما لصفقات لا قانونية ولا أخلاقية في المستقبل.
3 – ونأمل من حزب الله أن يراجع دوره في هذه الصفقة وكيف جرى إستخدام تنظيماته أداة لتنفبذ سياسة إيران العدوانية تجاه العراق وفق معادلة (حزب الله يخطف وطهران تفاوض وبغداد تدفع). هذه الوقائع تضاف الى ما صرح به وزير الداخلية الإيراني الأسبق السيد محتشمي لصحيفة (شرق) الإيرانية يوم 4/8/2006 من أن مقاتلي حزب الله شاركوا بجانب الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية، وما ذكره مقاتلو جبهة تحرير الأحواز عن مشاركة مقاتلي حزب الله في قمع إنتفاضتهم، وما هو معلن من مواقف قيادة حزب الله من المقاومة العراقية للإحتلال الأمريكي. ونأمل من قيادة حزب الله أن تقوم بمراجعة نقدية لمواقفها تلك وتعتذر لشعب العراق وتحصن نفسها من التأثير الإيراني الضار وتحافظ على إستقلاليتها.
4 – نقترح قبام مراكز البحوث العربية بترجمة كتاب بيكو أو فصول منه ونشر الحقائق الواردة فيه. علما بإن إيران بذلت جهودا كبيرة لثني بيكو عن إصدار الكتاب وتدخل جواد ظريف في مراجعة المسودة وحذف منها
إشارات كثيرة. وبعد صدور الكتاب حاولت إيران رشوة بيكو من جديد بإن إقترحت على الأمين العام للأمم المتحدة(كوفي عنان)تعيينه ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة لسنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات (وهو مشروع تبناه الرئيس خاتمي) وكان لها ما أرادت. كما نقترح أن تستضيف مراكز البحوث العربية السيد بيكو (وهو حاليا رئيس شركة إستشارات نفطية في نيويورك ورئيس منظمة الإستشارات غير الحكومية للسلام في جنيف) لمزيد من التوثيق لهذه الصفقة غير الشرعية. ولا شك أن لدى بيكو الكثير مما لم يقله في كتابه. وجدير بالذكر ان مذكرات بيكو تضمنت أمور عديدة أخرى تستحق التوثيق ومنها:
ألف - خلال لقاءه وديكويلار برفسنجاني (وقتها رئيس البرلمان الإيراني) في آذار 1985 بحضور وزيرالخارجية ولاياتي قال رفسنجاني ((منشآتنا لإنتاج الأسلحة الكيمياوية أكثر تطورا من منشآت العراق لكننا لا نريد إستخدام هذه الأسلحة)) (ص 67)
باء - تحدث عمّا أسماها حسابات القيادة العراقية الخاطئة بالوثوق بإيران وإرسال أسطول طائراتها أمانة لدى إيران خوفا عليها من التدمير على يد قوات التحالف، إلا أن الإيرانيين إستولوا على الطائرات وصبغوها بألوان خطوطهم الجوية، بل وأمعنوا في إيذاء العراق بأن قدموا لقوات التحالف كل ما يستطيعون من معلومات إستخباريه. (ص 126)
جيم - تحدث عن مراوغة وخداع المفاوض الإيراني بقوله ((عندما تبدأ التفاوض مع الإيرانيين يعطوك إنطباعا بإنهم عقلانيون ومرنون ومتجاوبون وعلى إستعداد لتغيير موقفهم لكن سرعان ما تكتشف أن هذه المرونة اللفظية هي قناع يخفي الحقيقة. فهم مترددون في قبول تغيير الموقف بل وأحيانا يرغبون في نقض ما إتفقواعليه)) (ص 71)
ختاما... عسى أن يقود كشف هذه الحقائق، وغيرها كثير، جمهورية إيران الإسلامية الى فتح صفحة جديدة مع جيرانها العرب أساسها حسن الجوار والمصالح المشتركة والتعاون وأخوة الدين وقيم الدين الإسلامي الحنيف ونبذ أوهام الهيمنة والتآمر التي لم ولن تجلب لشعوب إيران والمنطقة إلاّ المزيد من الكوارث. والله من وراء القصد.