تستعد فرنسا، مع الصاروخ "أستر -30، لتصبح واحدة من الدول التي تتمتع بحماية صاروخية.
كان تفجير هدف - روبوت خلال التحليق، في 14 نوفمير 2006، بواسطة الصاروخ أستر - 30 (Aster - 30) المضاد للصواريخ، بمثابة إعلان رسمي لانتهاء التجارب الفرنسية على أول صاروخ مضاد للصواريخ "صنع في فرنسا"، بمشاركة إيطالية، إذ إنه من إنتاج الاتحاد الصناعي الأوروبي "يوروسام" Eurosam الذي يضم فروع شركتي MBDA و Thales، الفرنسية والإيطالية.
من المقرر أن يخضع أستر - 30 للتقييم على مستوى الجيوش البرية الفرنسية، قبل دخوله الخدمة في أحد أفواج الدفاع الجوي المضاد للطائرات خلال العام 2008. ويعتبر هذا الإنجاز الأول من نوعه في أوروبا، إذ إن هذا النوع من الصواريخ لا تمتلكه سوى بلدان نادرة (الولايات المتحدة، وإسرائيل، وروسيا، والهند منذ نوفمبر 2006، بدرجات تطور متفاوتة) وسيوفر لفرنسا وشريكتها إيطاليا حماية من سلاح كان يستحيل تجنبه في وقت مضى، الصاروخ الباليستي.
ولفهم التقدم التكنولوجي الذي يمثله أستر - 30 (الذي يحمل الاسم الرمزي العسكري SAMP/T، أي "أرض - جو متوسط المدى- أرض")، هناك تاريخان يلخصان كل شيء: تم إطلاق أول الصواريخ الباليستية، صواريخ V2 الألمانية الشهيرة، لأول مرة، عام 1944 على لندن، وألقي نوع آخر شبيه به (أقل تعقيداً) على إسرائيل صيف 2006. قد يبدو الأمر غير قابل للتصديق: رغم أبحاث مستمرة منذ ستين سنة، وإنفاق الولايات المتحدة وحدها أكثر من 100 مليار دولار، لم يتمكن أحد من التوصل إلى منظومة صاروخية مضادة للصواريخ فعالة بشكل تام، وهذا ما ينطبق على الصاروخ الأمريكي الأحدث (Patriot Advanced Capabiliy) Patriot PAC-3، الوحيد الذي تم اختباره فعلياً في المعركة: لم ينجح في العراق عام 2003 في اعتراض سوى 9 من 14 صاروخاً باليستياً أطلقت ضمن مداه، مبتعداً جداً بذلك عن نسبة الاعتراض 100% التي كان يتوخاها البنتاغون؛ هذا فضلاً عن إسقاط هذا الصاروخ لطائرتين صديقتين بطريق الخطأ... ومن جهة أخرى، ما تزال قدرات الصاروخ الروسي إس - 300 (S-300 الذي يشكل عماد المنظومة الصاروخية الهندية المضادة للصواريخ اليوم) بحاجة إلى الإثبات، إذ لم يخضغ مطلقاً للاختبار الناري. أما الصاروخ الأمريكي - الإسرائيلي Hetz II، الذي أعلن عن أنه عملياتي منذ عام 2000، فقد بقي حتى الصيف الماضي على منصة الإطلاق: هذا الصاروخ، المعقد جداً والمكلف جداً (عدة ملايين من الدولارات للوحدة)، غير مكيف لاعتراض الصواريخ الإيرانية غير المتطورة والرخيصة (غير الموجهة) الموجودة لدى حزب الله. النتيجة: تمكن 250 صاروخاً، بمدى 50 كم، من الوصول إلى أهدافها في إسرائيل.
زمن استجابة قصير جداً:
تأتي أهمية مجيء "أستر - 30" ضمن هذا السياق. مع ذلك، مداه متوسط (120كم)، وليس معولاً عليه بعد لحماية إقليم كامل من الرؤوس الذي التي تتزود بها الصواريخ عابرة القارات (وهي من مهمات الردع النووي في فرنسا)، بل بالأحرى لحماية جيش منتشر أو حماية نقاط رئيسية هامة في أقليم من الأقاليم (محطة نووية...). "أستر - 30"، الأكثر تواضعاً بكثير من الصاروخين الأمريكيين GMD و SM-3، المكرسي للاعتراض في الفضاء على مسافة آلاف الكيلومترات، هو صاروخ متعدد الأغراض، إذ يستهدف الطائرات، والصواريخ الطوافة (التي تحلق على ارتفاع منخفض) والصواريخ الباليستية لمسارح العمليات، هذه الصواريخ الموجهة، والمزودة برأس انفجاري وزن 1000كغ (يمكن أن يُستبدل به احتمالاً سلاح نووي، وكيميائي، وبيولوجي)، التي يصل مداها إلى عدة مئات من الكيلومترات. لكن هذه الأخيرة تفتقر إلى الدقة بشكل كبير، غير أنها مخيفة بالنسبة للمدن، ورغم بدائية هذه الأسلحة، تبقى صعبة التدمير لسببين رئيسيين: قصر وقت الإنذار المسبق، وتعقيد عملية الاعتراض.
في الواقع، ووفقاً للمعطيات الأمريكية لحرب الخليج الأولى عام 1991، لم يتجاوز الوقت الوسطي بين كشف الصاروخ واعتراضه مدة أربع دقائق وثلاثين ثانية تقريباً بالنسبة لصواريخ سكود ب (Scud B) الأولية ومشتقاتها العراقية، التي يبلغ مداها 300 إلى 600 كم، مقابل دقيقة وثلاثين ثانية عام 2003 بالنسبة للصاروخين العراقيين الصمود (AL Samoud) وأبابيل - 100 Ababil - 100) بمدى يقل عن 150كم، إذاً فالمهلة قصيرة للغاية ولا تترك هامشاً كبيراً لمواجهة التهديد، علماً أن هذه تحتاج إلى مهام متعددة متشابكة: الكشف، وتعيين التهديد، وحساب المسار، وتوقع نقطة الصدم، والرمي، ومن ثم الاعتراض. ويحسبون عملية الالتقاء مع هامش خطأ متر واحد تقريباً وعشرة أضعاف سرعة الصوت، وحيث تؤخذ بالحسبان سرعة الصاروخ المستهدف (ماخ 7 بالنسبة لصاروخ سكود) وسرعة صاروخ الاعتراض (ماخ 3 بالنسبة للصاروخ أستر - 30)!.
وكي ينجح في مهمته، يتمتع SAMP/T المستقبلي بميزة كبيرة نظرياً بالمقارنة مع الصواريخ الأخرى: أطلق برنامجه في بداية تسعينيات القرن الماضي، وأفاد منذ تصميمه من أحدث التقانات ومعطيات حرب الخليج. لقد صمم "أستر- 30" منذ البداية كصاروخ متعددالأغراض، من ضمنها اعتراض صواريخ مسارح العمليات. وهذه الميزة موجودة على المستويات كافة، بدءاً بالعنصر الرئيسي: الرادار أرابل Arabel (هوائي رادار ذو مسح إلكتروني من صنع شركة (Thomson CSF/Thales.
تتبع 100 هدف في وقت واحد:
أولاً: يتولى الرادار بمفرده جميع المهمات (المراقبة وقيادة الرمي، وتوجيه الصاروخ)، بينما يتطلب الصاروخ الأمريكي الجوي المضاد هوك Hawk (الذي سيحل SAMPT/T محله في الجيش الفرنسي) ثلاثة رادارات منفصلة، تتحدث المعلومات، مع الهوائي أرابل، الذي يقوم ب60 دورة- د، بسرعة تزيد مرتين عن سرعة تحديثها بالمقارنة مع الصاروخ هوك، مما يتيح ل "أستر - 30" أن يتتبع، بشكل دقيق وعلى نحو متزامن، مئة من تلك الأهداف السريعة للغاية، أي الصواريخ الباليستية. وإذا كان AN/MPQ-65، رادار الصاروخ Patriot PAC-3 يتمتع بأداءات مماثلة، فإن الرادار الأوروبي المشار إليه قادر على التغطية بمقدار 360 درجة مقابل 120 درجة لمنافسة الأمريكي، غير القادر على تغطية مؤخراته. "عدا ذلك، يتمتع أرابل ببنية متراصة: بما أنه سريع النشر، يمكنه أن يتتبع بسهولة أكبر جيشاً في وضعية التحرك"، حسب عبارة" تيري كارلييه"، مدير البرنامج في المفوضية العامة لشؤون التسليح. وتعتبر هذه ميزة كبيرة بالمقارنة مع صواريخ باتريوت و Hetz وإس 300، التي ليست الحركية ميزتها الرئيسية.
يتمتع الصاروخ أستر - 30 نفسه، وهو الحلقة الأخيرة اليوم في سلسلة صواريخ الاعتراض، بميزات ناجمة عن تصميمه الحديث؛ فخلافاً للباتريوت، الذي تنحني منصته باتجاه التهديد، يطلق الSAMP/T عمودياً: يمكنه التسارع بمعدل أكبر والتحليق في أي من الاتجاهات، وهو ما لا يستطيعه باتريوت الآن. هناك أيضاً تجديد على مستوى التحليق الانتهائي، فعدا عن رأسه الراداري، الذي يغنيه عن اللجوء إلى الرادار الأرضي للحصول علي اتجاه فيسرّع فرص استجابته، زود الصاروخ الفرنسي بمنظومة (Pilotage In Force) PIF: تتيح أربع فوهات متوضعة في مركز ثقل الصاروخ، بزاوية 90 درجة أحدها بالنسبة للآخر، حيدانَ الصاروخ عمودياً على محوره للتمكن من تغيير الاتجاهات آنياً. وهذه ميزة غير واردة في صواريخ الأجيال السابقة: يمكن أن تؤدي القوى الممارسة على جسم الصاروخ، وهي أكبر من تسارع الثقل بنحو 50 مرة، إلى تحطيمه فوراً!. كما شمل التجديد الأخير عملية الاعتراض نفسها. في الواقع، أستر - 30 مزود حصراً بشحنة انفجارية تسمى "ثنائية" duale، إذ يتميز بالأسلوب المضاد للطائرات (الذي يمطر المجال الجوي بشظايا معدنية سريعة) من جهة، وبالأسلوب المضاد للصواريخ من جهة أخرى: المجال الأمامي للصاروخ مشبع بشظايا طويلة وبطيئة يتحطم عليها الهدف، ويمثل ذلك فرصة إضافية قياساً مع Patriot PAC-3 الذي يتوجب عليه بالطريقة المضادة للصواريخ صدم الهدف لتأمين تدميره.
لكن هذه التطورات الفريدة غير كافية بمفردها. "إذا لم لم يكن هناك منظومة إنذار قادرة على تمييز الصاروخ وتحديده في أبكر وقت، فإن الرادار قد لا يتعرف إلى التهديد إلا بعد فوات الأوان"، يشرح "كارلييه". وبذلك فإن ال SAMP/T، مثل الصواريخ المنافسة، قد صمم للعمل بمواكبة رادارات دفاع جوي معقدة، كالرادار المستقبلي M3R المتحرك والمتعدد الأغراض والمقرر أن يدخل الخدمة بعد عام 2010م، بمدى 1000كم، بالطريقة المضادة للصواريخ. ومن أجل تعزيز تحسين مهلة استجابته، وهو العنصر الرئيسي لأية منظومة فعالة، يعول الأمريكيون والفرنسيون على مجموعة من الأقمار الصناعية وطائرات القتال غير المأهولة، القادرة على كشف الحرار الصادرة عن الصاروخ المعادي منذ إطلاقه، من خلال لاقطات تعمل بالأشعة تحت الحمراء. وسيتم دمج هذه اللاقطات، والرادارات وبطاريات الصواريخ في شبكة واسعة موصولة بال"الموصل 16" (Iiaison 16)، وهو نوع من الإنترنت العسكرية المرمزة بسرعة عالية جداً، وقد أدخلت حديثاً إلى الجيش الفرنسي.
ولكن، بقي على "أستر - 30" أن يخضع لاختبار حاسم أخير: اختبار النار! إذ إنه لم يطلق أبداً بالظروف الحقيقية ضد صاروخ من مسرح العمليات أو في المعركة، وقد جاء توصيف وظائفه الصاروخية المضادة من خلال عمليات المحاكاة. وتدرس فرنسا إمكان شراء صواريخ استهدافية (تستخدم كأهداف) عام 2006 من الولايات المتحدة أو روسيا أو إسرائيل لإجراء تجربة خلال العام 2009. إن النجاح وحده في هذا الاختبار، المرتبط بمجيء منظومات كشف جديدة متطورة و "رؤوس قاتلة" (Kill Vehiclesس)، القادرة على اعتراض الصواريخ على المدى البعيد جداً في الفضاء (بضعة آلاف من الكيلومترات)، هو الذي سيحكم ما إذا كان أستر قادراً على تأمين حماية صاروخية مضادة لفرنسا (وزبائنها المحتملين)، ومنيعة، وتامة، واعتمادية. ستأتي الإجابة نحو2015 -2020؛ فإن كانت إيجابية، ستمكن فرنسا أخيراً من التخلص من التهديد الباليستي، بعد سبعين سنة من سقوط أول صاروخ V2 على باريس.
توجيه نحو الصواريخ النووية:
الروس والأمريكيون هم وحدهم من يملك منظومة حماية من الصواريخ التي تحمل رؤوساً نووية. وإذا كان البرنامج الروسي الذي ظهر في ستينيات القرن الماضي يبدو قديماً، فإن نظيره الأمريكي يشهد ذروة تطويره، وقد أقلع في تسعينيات القرن الماضي باسم Ballistic Missile Defense، وتصل ميزانيته إلى 10 مليارات دولار سنوياً إضافة إلى ال100 مليار دولار التي سبق أن أنفقت عليه (ميزانية أستر هي 2 مليارا يورو).
ويهدف البرنامج الأمريكي إلى اعتراض الرؤوس النووية العابرة للقارات في الفضاء. إلا أن هذه المهمة تقع عند حدود المستحيل: يتحرك الهدف بسرعة 24000كم-سا ومحاط بوسائل خداع... ويقوم البنتاغون من جهة أخرى منذ نحو عشر سنوات باستثمار حول طائرة بوينج 747 مزودة بليزر مضاد للصواريخ، ال (Airborne Laser) ABL لكن ما هو أصعب لا يتمثل في إيجاد لزر كيميائي يشكل سلاحاً رئيسياً، بل في ليزر تسديد سيتم اختباره عام 2007م على طائرة هدف لها شكل الصاروخ وتصدر أشعة تحت حمراء مشابهة لتلك التي يصدرها صاروخ حقيقي. ولكن، لن يدخل أي من هذه الأسلحة ميدان الخدمة قبل نهاية هذا العقد.
المصدر: (العلم والحياة) الفرنسية فبراير 2007.
ScienceVie,2/2007