القاهرة – تدخل العلاقات المصرية الأميركية مرحلة جديدة من التوتر، على خلفية مناقشة الكونغرس الأميركي لمشروع قرار ينتقد “ازدياد التعصب الطائفي والهجمات الإرهابية ضد المسيحيين في مصر”، بعد أيام قليلة من تبني مصر مشروع قرار بمجلس الأمن رفض اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل واتخاذ موقف مماثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يتضمن مشروع القرار الذي قدمته منظمة التضامن القبطي كوبتك سولديراتي وتبناه 6 أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ربط المعونة الأميركية إلى مصر والمقدرة بـ1.3 مليار دولار، باتخاذ القاهرة خطوات لضمان المساواة وإنهاء تهميش المسيحيين في المجتمع المصري.
ويشير القرار الذي حمل عنوان “القلق من ازدياد الهجمات الإرهابية على المسيحيين في مصر”، إلى أن المسيحيين يواجهون تمييزا شديدا في كل من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك المستويات العليا في دوائر الاستخبارات والدفاع والشؤون الخارجية والأمن.
ووجه اتهامات مباشرة للحكومة بتقصيرها في مواجهة “التعصب النظامي والانقسامات الطائفية طويلة الأمد”، ورغم أن العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر لم تستهدف الأقباط فقط، إلا أن حيثيات تقديم القانون حمّلت الحكومة المصرية مسؤولية عدم حماية الأقباط من الجماعات الإرهابية، وتطرقت أيضا إلى “أحداث القتل الطائفية، خاصة في الصعيد”.
ويستهدف طرح القانون في الوقت الحالي تحقيق أهداف عدة ترغب الولايات المتحدة في تحقيقها، أبرزها إعادة استخدام ملف الأقباط للضغط على مصر باعتبارها طرفا مؤثرا في القضية الفلسطينية من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب الدبلوماسية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
عبدالمنعم سعيد: كتلة المسيحيين الإنجيليين الجمهوريين وراء المواقف الأميركية الأخيرة
يأتي الطرح الجديد في سياق تحقيق رغبتها التي أعلنت عنها مرات عدة مؤخرا، بشأن تقليص المعونة الأميركية المقدمة إلى مصر، بالإضافة إلى وجود خطة أميركية أعلن عنها نائبه مايك بنس، قبل شهرين تقريبا وتضمنت سحب تمويل واشنطن للأمم المتحدة وتحويله لدعم ما يعرف بالأقليات المضطهدة في الشرق الأوسط والمنظمات الدينية الخاصة.
وكان من المقرر أن يقوم بنس بجولة في الشرق الأوسط، تقوده لإسرائيل وفلسطين ومصر، لمناقشة ملف اضطهاد مسيحيي الشرق الأوسط، غير أن الغضب العربي المتصاعد من قرار الرئيس الأميركي ترامب بنقل السفارة إلى القدس، وإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس والأزهر والكنيسة المصرية رفضهم مقابلته، أديا إلى تأجيل الزيارة.
وبدت الإدارة الأميركية متوجسة منذ إعلان ترامب، إذ عدلت في برنامج الزيارة لتبدأ زيارة بنس من مصر ثم إسرائيل، خشية الاحتجاجات الشعبية، بعد أن كانت إسرائيل المحطة الأولى، قبل أن تعلن تأجيلها إلى منتصف الشهر المقبل.
وخلال شهر سبتمبر الماضي، صوتت لجنتان في مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مشروع يقترح خفض المساعدات العسكرية للقاهرة بمقدار 300 مليون دولار، وخفض المساعدات الاقتصادية من 112 مليونا إلى 75 مليونا، بسبب ما أسمته “انتهاكات حقوق الإنسان في مصر”. وقبلها بشهر واحد جمّدت الخارجية الأميركية للسبب نفسه مساعدات بقيمة 95 مليون دولار من إجمالي المساعدات الأميركية السنوية المخصصة لمصر.
وقال عبدالمنعم سعيد الخبير في الشؤون الدولية، إن وجود كتلة كبيرة من المسيحيين الإنجيليين، داخل الحزب الجمهوري يعد سببا رئيسيا في المواقف الأميركية الأخيرة، بدءا من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس ونهاية بالموقف الأخير الذي يتبناه الكونغرس بشأن الأقباط المصريين، لافتا إلى أن ذلك سيؤدي في النهاية إلى حالة من الحشد ضد الحكومة المصرية.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن ما يزيد الأمور صعوبة أن المشروع جاء بناء على تقارير عديدة قدمتها منظمات حقوقية، منها هيومان رايتس وبعض المنظمات القبطية بالولايات المتحدة، وجماعة الإخوان التي كثفت من تواصلها مع عدد من نواب الكونغرس خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن التنبؤ بمصير مشروع القرار يبدو غامضا، إلا أنه أشار إلى أنه سيتوقف على طبيعة الاتصالات التي ستجرى بين مصر والإدارة الأميركية بشأن مستقبل الدور الأميركي في عملية السلام، وأن واشنطن تعول كثيرا على تحرك مصري يمكنها من استمرارها كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتوقع سعيد أن تتجاوز الولايات المتحدة عن موقف مصر وغيرها من البلدان العربية بشأن رفضها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، سواء في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، إذا ارتبط ذلك بضمانات عربية لاستمرار جهودها في تسوية الأزمة سياسيا عن طريق المفاوضات.
وأشارت دوائر سياسية في مصر إلى أن الحكومة تتوقع هذه المرة أن يكون هناك حشد قوي ضدها بالكونغرس الأميركي، لكنها عولت على تدخل بعض الدوائر العربية وعدد من النواب الذين لديهم علاقات قوية مع النظام المصري لوقف إقراره، غير أنها شككت في التعويل كثيرا على دور إيجابي يلعبه الرئيس ترامب لصالح مصر.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتقدم فيها نواب في الكونغرس بقوانين تتعلق بحماية الأقباط في مصر، وتكرر الأمر عدة مرات من دون أن تكون هناك موافقة نهائية بشأنه، وكانت ورقة رابحة تستخدمها واشنطن في الضغط على القاهرة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة بشكل عام. ولعل ما يبرهن على ذلك أن مشروع القرار أرجع جزءا كبيرا من الأزمة إلى سوء معاملة المحتجزين في السجون المصرية، الذي يؤجج كراهية المسيحيين ويشجع على الانضمام للمنظمات الإرهابية المتطرفة.
واعتبر عبدالمنعم المشاط، الخبير في شؤون الأمن القومي، أن استخدام ورقة حماية الأقباط في مصر، “مظلة” يختبئ تحتها الكونغرس، لتبرير الضغط الأميركي المستمر على الأنظمة المصرية المتعاقبة، لتطويع سياساتها نحو تحقيق المصالح الإستراتيجية الأميركية.
وأوضح المشاط الذي شغل منصب الملحق الثقافي لمصر في واشنطن، لـ”العرب”، أن الولايات المتحدة تتسم بالبراغماتية، فهي ترفع شعارات الديمقراطية والحريات وحماية الأقليات الدينية، ومنها الأقباط، وتصدر سنويا تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الحريات الدينية في العالم ومنها مصر، لكن عندما يتعارض ذلك مع المصالح، فإنها تضحي غالبا بالقيم والحريات.
ترقب مصري
لم يصدر رد رسمي من الرئاسة أو وزارة الخارجية على هذا المشروع، إلا أن مجلس النواب المصري رفض ادعاءات أعضاء في الكونغرس بتعرض الأقباط لانتهاكات ووصفها بأنها “مجرد افتراءات وأكاذيب مرفوضة”. وعقدت لجنتا العلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومي بالبرلمان اجتماعا، الأربعاء، لبحث تداعيات الأمر، وانتهى بقرار إعداد مذكرة رسمية مقدمة إلى الكونغرس الأميركي لتفنيد تلك المزاعم. وشددت النائبة القبطية مارغريت عازر على أن حل مشكلات الأقباط يتم بشكل داخلي سريع وعميق، ولا ينتظر أي تدخلات أجنبية.
وذهب مراقبون للتأكيد على أن بعض القوى العاقلة داخل الولايات المتحدة قد تتدخل لوقف تمريره، غير أن ذلك سيكون مرتبطا بمدى قوة التحركات الدبلوماسية التي سوف تقدم عليها القاهرة خلال الفترة المقبلة، وتمريره قد يكون واردا حال عدم التوصل إلى حلول يتفق عليها الطرفان، ليس في ما يتعلق بمسألة القدس فقط، لكن بأوضاع حقوق الإنسان عموما في مصر.
مارغريت عازر: حل مشكلات الأقباط يتم بشكل داخلي وعميق لا بتدخلات أجنبية
وقالت الدكتورة نورهان الشيخ الخبيرة في الشؤون الأميركية، إنه لا يمكن الفصل بين تقديم مشروع القانون في الوقت الحالي وبين الانتخابات الرئاسية المصرية، والمقررة العام المقبل، وتكرر ذلك في مرات عدة قبل أي سباق انتخابي خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأضافت في تصريحات لـ”العرب” أن الموقف الأميركي، وإن كان مرتبطا بشكل أكبر بمسألة القدس، غير أن هناك العديد من الملفات الداخلية والخارجية التي تسعى واشنطن للضغط فيها على مصر، أهمها ما أثاره عدد من المرشحين المحتملين للرئاسة بشأن وجود ضمانات إجرائية لنزاهة الانتخابات، بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة مواقف لا تروق كثيرا للإدارة الأميركية في كل من سوريا وليبيا.
وأوضحت أن رد الفعل المصري الرسمي سيكون دفاعيا بالدرجة الأولى، ويعتمد على صلات قوية بين دوائر حكومية ورئاسية مصرية وبين عدد من نواب الكونغرس لإيقاف تمرير القانون، بالإضافة إلى الصلات القوية بين الكنيسة الأرثوذوكسية في مصر ونظيرتها في الولايات المتحدة.
وما يزيد الموقف المصري صعوبة، وقوع بعض الحوادث الطائفية بين مسلمين وأقباط داخل محافظات الصعيد بين حين وآخر، وهي حوادث يرتبط أغلبها بالتعدي على الكنائس الصغيرة من قبل بعض المتشددين بحجة عدم ترخيصها، كما أن تعامل الحكومة الذي يرتكن في الغالب على الجانب الأمني أو الجلسات العرفية لا ينهي المشكلة من جذورها.
ورغم أن الرئيس المصري أقر في نهاية العام 2016 قانونا لبناء الكنائس، أعطى للمحافظ الحق في إصدار ترخيصها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تقديم طلب الإنشاء، بموافقة الكنائس المصرية، إلا أن القانون يواجه رفضا شعبيا من قبل الأقباط المصريين.
وقالت الحكومة المصرية في حينه إن القانون الجديد ينهي مشكلة قائمة منذ عدة عهود مرتبطة بالصعوبات التي تواجه عملية بناء وترميم الكنائس، ويساهم في تقليل حدة التوترات والعنف الطائفي المرتبط بممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية.
وتنبع أغلب المشكلات الطائفية من استخدام الأقباط لمنازل وأماكن رعاية الأطفال في الصلاة، وفي الماضي كان ذلك يتم لعدم وجود أماكن للعبادة يسهل الوصول إليها، فيما ترى الحكومة المصرية أن الوضع الحالي أصبح مختلفا، بعد أن خرج قانون بناء الكنائس للعلن، ومنوط به تصحيح أوضاع جميع هذه الأماكن وإصدار تصريحات رسمية باعتبارها أماكن للعبادة.
ولم يمنع القانون تعرض البعض من الأقباط ومقار كنسية لهجمات عدة، وكان أحدثها الاعتداء على مبنى سكني تقام فيه صلوات، في مركز أطفيح جنوب محافظة الجيزة القريبة من القاهرة مؤخرا.
وقال مدحت بشاي الباحث القبطي لـ”العرب”، إن عدم توصيل الصورة كاملة إلى العديد من أقباط المهجر كان سببا مباشرا في إعداد القانون قبل 6 أشهر تقريبا، وأن تقديمه في الوقت الحالي يبرهن على أنه يرتبط بأهداف سياسية أخرى، لافتا إلى أن موقف الكنيسة المصر
http://www.alarab.co.uk/article/في-العمق/127523/الولايات-المتحدة-تشهر-ورقة-الأقباط-في-وجه-مصر-من-جديد
يتضمن مشروع القرار الذي قدمته منظمة التضامن القبطي كوبتك سولديراتي وتبناه 6 أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ربط المعونة الأميركية إلى مصر والمقدرة بـ1.3 مليار دولار، باتخاذ القاهرة خطوات لضمان المساواة وإنهاء تهميش المسيحيين في المجتمع المصري.
ويشير القرار الذي حمل عنوان “القلق من ازدياد الهجمات الإرهابية على المسيحيين في مصر”، إلى أن المسيحيين يواجهون تمييزا شديدا في كل من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك المستويات العليا في دوائر الاستخبارات والدفاع والشؤون الخارجية والأمن.
ووجه اتهامات مباشرة للحكومة بتقصيرها في مواجهة “التعصب النظامي والانقسامات الطائفية طويلة الأمد”، ورغم أن العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر لم تستهدف الأقباط فقط، إلا أن حيثيات تقديم القانون حمّلت الحكومة المصرية مسؤولية عدم حماية الأقباط من الجماعات الإرهابية، وتطرقت أيضا إلى “أحداث القتل الطائفية، خاصة في الصعيد”.
ويستهدف طرح القانون في الوقت الحالي تحقيق أهداف عدة ترغب الولايات المتحدة في تحقيقها، أبرزها إعادة استخدام ملف الأقباط للضغط على مصر باعتبارها طرفا مؤثرا في القضية الفلسطينية من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب الدبلوماسية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
عبدالمنعم سعيد: كتلة المسيحيين الإنجيليين الجمهوريين وراء المواقف الأميركية الأخيرة
يأتي الطرح الجديد في سياق تحقيق رغبتها التي أعلنت عنها مرات عدة مؤخرا، بشأن تقليص المعونة الأميركية المقدمة إلى مصر، بالإضافة إلى وجود خطة أميركية أعلن عنها نائبه مايك بنس، قبل شهرين تقريبا وتضمنت سحب تمويل واشنطن للأمم المتحدة وتحويله لدعم ما يعرف بالأقليات المضطهدة في الشرق الأوسط والمنظمات الدينية الخاصة.
وكان من المقرر أن يقوم بنس بجولة في الشرق الأوسط، تقوده لإسرائيل وفلسطين ومصر، لمناقشة ملف اضطهاد مسيحيي الشرق الأوسط، غير أن الغضب العربي المتصاعد من قرار الرئيس الأميركي ترامب بنقل السفارة إلى القدس، وإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس والأزهر والكنيسة المصرية رفضهم مقابلته، أديا إلى تأجيل الزيارة.
وبدت الإدارة الأميركية متوجسة منذ إعلان ترامب، إذ عدلت في برنامج الزيارة لتبدأ زيارة بنس من مصر ثم إسرائيل، خشية الاحتجاجات الشعبية، بعد أن كانت إسرائيل المحطة الأولى، قبل أن تعلن تأجيلها إلى منتصف الشهر المقبل.
وخلال شهر سبتمبر الماضي، صوتت لجنتان في مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مشروع يقترح خفض المساعدات العسكرية للقاهرة بمقدار 300 مليون دولار، وخفض المساعدات الاقتصادية من 112 مليونا إلى 75 مليونا، بسبب ما أسمته “انتهاكات حقوق الإنسان في مصر”. وقبلها بشهر واحد جمّدت الخارجية الأميركية للسبب نفسه مساعدات بقيمة 95 مليون دولار من إجمالي المساعدات الأميركية السنوية المخصصة لمصر.
وقال عبدالمنعم سعيد الخبير في الشؤون الدولية، إن وجود كتلة كبيرة من المسيحيين الإنجيليين، داخل الحزب الجمهوري يعد سببا رئيسيا في المواقف الأميركية الأخيرة، بدءا من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس ونهاية بالموقف الأخير الذي يتبناه الكونغرس بشأن الأقباط المصريين، لافتا إلى أن ذلك سيؤدي في النهاية إلى حالة من الحشد ضد الحكومة المصرية.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن ما يزيد الأمور صعوبة أن المشروع جاء بناء على تقارير عديدة قدمتها منظمات حقوقية، منها هيومان رايتس وبعض المنظمات القبطية بالولايات المتحدة، وجماعة الإخوان التي كثفت من تواصلها مع عدد من نواب الكونغرس خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن التنبؤ بمصير مشروع القرار يبدو غامضا، إلا أنه أشار إلى أنه سيتوقف على طبيعة الاتصالات التي ستجرى بين مصر والإدارة الأميركية بشأن مستقبل الدور الأميركي في عملية السلام، وأن واشنطن تعول كثيرا على تحرك مصري يمكنها من استمرارها كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتوقع سعيد أن تتجاوز الولايات المتحدة عن موقف مصر وغيرها من البلدان العربية بشأن رفضها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، سواء في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، إذا ارتبط ذلك بضمانات عربية لاستمرار جهودها في تسوية الأزمة سياسيا عن طريق المفاوضات.
وأشارت دوائر سياسية في مصر إلى أن الحكومة تتوقع هذه المرة أن يكون هناك حشد قوي ضدها بالكونغرس الأميركي، لكنها عولت على تدخل بعض الدوائر العربية وعدد من النواب الذين لديهم علاقات قوية مع النظام المصري لوقف إقراره، غير أنها شككت في التعويل كثيرا على دور إيجابي يلعبه الرئيس ترامب لصالح مصر.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتقدم فيها نواب في الكونغرس بقوانين تتعلق بحماية الأقباط في مصر، وتكرر الأمر عدة مرات من دون أن تكون هناك موافقة نهائية بشأنه، وكانت ورقة رابحة تستخدمها واشنطن في الضغط على القاهرة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة بشكل عام. ولعل ما يبرهن على ذلك أن مشروع القرار أرجع جزءا كبيرا من الأزمة إلى سوء معاملة المحتجزين في السجون المصرية، الذي يؤجج كراهية المسيحيين ويشجع على الانضمام للمنظمات الإرهابية المتطرفة.
واعتبر عبدالمنعم المشاط، الخبير في شؤون الأمن القومي، أن استخدام ورقة حماية الأقباط في مصر، “مظلة” يختبئ تحتها الكونغرس، لتبرير الضغط الأميركي المستمر على الأنظمة المصرية المتعاقبة، لتطويع سياساتها نحو تحقيق المصالح الإستراتيجية الأميركية.
وأوضح المشاط الذي شغل منصب الملحق الثقافي لمصر في واشنطن، لـ”العرب”، أن الولايات المتحدة تتسم بالبراغماتية، فهي ترفع شعارات الديمقراطية والحريات وحماية الأقليات الدينية، ومنها الأقباط، وتصدر سنويا تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الحريات الدينية في العالم ومنها مصر، لكن عندما يتعارض ذلك مع المصالح، فإنها تضحي غالبا بالقيم والحريات.
ترقب مصري
لم يصدر رد رسمي من الرئاسة أو وزارة الخارجية على هذا المشروع، إلا أن مجلس النواب المصري رفض ادعاءات أعضاء في الكونغرس بتعرض الأقباط لانتهاكات ووصفها بأنها “مجرد افتراءات وأكاذيب مرفوضة”. وعقدت لجنتا العلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومي بالبرلمان اجتماعا، الأربعاء، لبحث تداعيات الأمر، وانتهى بقرار إعداد مذكرة رسمية مقدمة إلى الكونغرس الأميركي لتفنيد تلك المزاعم. وشددت النائبة القبطية مارغريت عازر على أن حل مشكلات الأقباط يتم بشكل داخلي سريع وعميق، ولا ينتظر أي تدخلات أجنبية.
وذهب مراقبون للتأكيد على أن بعض القوى العاقلة داخل الولايات المتحدة قد تتدخل لوقف تمريره، غير أن ذلك سيكون مرتبطا بمدى قوة التحركات الدبلوماسية التي سوف تقدم عليها القاهرة خلال الفترة المقبلة، وتمريره قد يكون واردا حال عدم التوصل إلى حلول يتفق عليها الطرفان، ليس في ما يتعلق بمسألة القدس فقط، لكن بأوضاع حقوق الإنسان عموما في مصر.
مارغريت عازر: حل مشكلات الأقباط يتم بشكل داخلي وعميق لا بتدخلات أجنبية
وقالت الدكتورة نورهان الشيخ الخبيرة في الشؤون الأميركية، إنه لا يمكن الفصل بين تقديم مشروع القانون في الوقت الحالي وبين الانتخابات الرئاسية المصرية، والمقررة العام المقبل، وتكرر ذلك في مرات عدة قبل أي سباق انتخابي خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأضافت في تصريحات لـ”العرب” أن الموقف الأميركي، وإن كان مرتبطا بشكل أكبر بمسألة القدس، غير أن هناك العديد من الملفات الداخلية والخارجية التي تسعى واشنطن للضغط فيها على مصر، أهمها ما أثاره عدد من المرشحين المحتملين للرئاسة بشأن وجود ضمانات إجرائية لنزاهة الانتخابات، بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة مواقف لا تروق كثيرا للإدارة الأميركية في كل من سوريا وليبيا.
وأوضحت أن رد الفعل المصري الرسمي سيكون دفاعيا بالدرجة الأولى، ويعتمد على صلات قوية بين دوائر حكومية ورئاسية مصرية وبين عدد من نواب الكونغرس لإيقاف تمرير القانون، بالإضافة إلى الصلات القوية بين الكنيسة الأرثوذوكسية في مصر ونظيرتها في الولايات المتحدة.
وما يزيد الموقف المصري صعوبة، وقوع بعض الحوادث الطائفية بين مسلمين وأقباط داخل محافظات الصعيد بين حين وآخر، وهي حوادث يرتبط أغلبها بالتعدي على الكنائس الصغيرة من قبل بعض المتشددين بحجة عدم ترخيصها، كما أن تعامل الحكومة الذي يرتكن في الغالب على الجانب الأمني أو الجلسات العرفية لا ينهي المشكلة من جذورها.
ورغم أن الرئيس المصري أقر في نهاية العام 2016 قانونا لبناء الكنائس، أعطى للمحافظ الحق في إصدار ترخيصها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تقديم طلب الإنشاء، بموافقة الكنائس المصرية، إلا أن القانون يواجه رفضا شعبيا من قبل الأقباط المصريين.
وقالت الحكومة المصرية في حينه إن القانون الجديد ينهي مشكلة قائمة منذ عدة عهود مرتبطة بالصعوبات التي تواجه عملية بناء وترميم الكنائس، ويساهم في تقليل حدة التوترات والعنف الطائفي المرتبط بممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية.
وتنبع أغلب المشكلات الطائفية من استخدام الأقباط لمنازل وأماكن رعاية الأطفال في الصلاة، وفي الماضي كان ذلك يتم لعدم وجود أماكن للعبادة يسهل الوصول إليها، فيما ترى الحكومة المصرية أن الوضع الحالي أصبح مختلفا، بعد أن خرج قانون بناء الكنائس للعلن، ومنوط به تصحيح أوضاع جميع هذه الأماكن وإصدار تصريحات رسمية باعتبارها أماكن للعبادة.
ولم يمنع القانون تعرض البعض من الأقباط ومقار كنسية لهجمات عدة، وكان أحدثها الاعتداء على مبنى سكني تقام فيه صلوات، في مركز أطفيح جنوب محافظة الجيزة القريبة من القاهرة مؤخرا.
وقال مدحت بشاي الباحث القبطي لـ”العرب”، إن عدم توصيل الصورة كاملة إلى العديد من أقباط المهجر كان سببا مباشرا في إعداد القانون قبل 6 أشهر تقريبا، وأن تقديمه في الوقت الحالي يبرهن على أنه يرتبط بأهداف سياسية أخرى، لافتا إلى أن موقف الكنيسة المصر
http://www.alarab.co.uk/article/في-العمق/127523/الولايات-المتحدة-تشهر-ورقة-الأقباط-في-وجه-مصر-من-جديد
التعديل الأخير: