4 ثغرات تربك بيان جيش الانقلاب باتهام «عنان» بمخالفة القانون
ثغرات قانونية فادحة، تربك إلى حد كبير القرائن التي ساقها بيان القيادة العامة للقوات المسلحة في مصر، حول بطلان ترشح الفريق «سامي عنان»، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، لخوض الانتخابات الرئاسية مارس/آذار المقبل.
ووفق مراقبين وقانونيين، فإن القرار يحمل صبغة سياسية، ونية مبيتة لاستبعاد «عنان» الذي كانت تتزايد حظوظه في الإطاحة بزعيم الانقلاب «عبدالفتاح السيسي»، كونه من أبناء المؤسسة العسكرية، وأحد أركان الدولة العميقة ونظام المخلوع «حسني مبارك»، ما يعني أن القاعدة التي انتخبت «السيسي» في رئاسيات 2014، كانت ستصوت للرجل.
وكان «عنان» قال صراحة في بيانه إن ما دفعه للترشح هو «تردي أحوال الشعب المعيشية وتآكل قدرة الدولة المصرية… نتيجة وجود سياسات خاطئة حملت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة دون سياسات رشيدة تمكن القطاعات المدنية من القيام بدورها».
وتحدث عن ضرورة تقاسم السلطة، فيما استخدم مصطلح «الشعب السيد» لوصف الشعب المصري، ولم تخل كلمته من هجوم على فترة حكم «السيسي»، وغزل بكل من نائبيه، المستشار «هشام جنينة»، والأكاديمي المصري «حازم حسني» المعروفين بصولاتهما وجولاتهما ضد «السيسي».
بعدها بأيام، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، إحالة «عنان»، للتحقيق، بتهمة التزوير والتحريض ضد الجيش المصري، وسارعت جهة سيادية إلى اعتقاله.
الثغرة الأولى
في يناير/كانون الثاني 2014، أدلى «عنان»، بصوته لأول مرة فى الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد فى مدرسة «فاطمة هلال» بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، ما يعني أن رئيس الأركان الأسبق كان مدرجا في قوائم الناخبين، ولم يكن هناك مانعا قانونيا من مشاركته في عملية الاقتراع، آنذاك.
وتعتبر مشاركة «عنان»، في التصويت على الدستور الجديد، هى الأولى منذ التحاقه بالقوات المسلحة فى ستينات القرن الماضي.
وأدلى عدد من أعضاء المجلس العسكري السابقين بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور الجديد، وذلك بعد تقاعدهم، ووسط احتفاء إعلامي، ورسمي، دون الإشارة وقتها إلى أنهم قيد الاستدعاء، أو خارج قاعدة بيانات الناخبين.
كانت سيناريوهات عدة تحوم حول مستقبل «عنان» منذ عودته إلى المشهد المصري سياسياً، ومنها استبعاده عن طريق عرقلة حصوله على ورقة وقف الاستدعاء، علماً بأن «السيسي» كان قد حصل عليها في العام 2013 قبل ترشحه، وإدخاله في جولات رفض وطعن ثم رفض.
ولكن الطريق الأقصر والأكثر فجاجة كان ينتظره؛ استدعاء للتحقيق، ثم توقيف حسب ما أعلن مدير مكتبه «مصطفى الشال» الذي أكد أن الفريق قد اعتقل قبل إذاعة بيان القوات المسلحة.
وهو ما أكده نجله «سمير سامي عنان»، الذي قال إن والده موجود في النيابة العسكرية، موضحاً لـ«مدى مصر» أنهم مُنعوا من التواصل معه، وأن المحامية «دينا عدلي حسين» ستمثل والده في التحقيقات التي لم تبدأ بعد.
وعلى أثر ذلك، أعلنت حملة عنان «بكلّ الأسى» عبر «فيسبوك» وقف أنشطتها «لحين إشعار آخر، حرصاً على أمن وسلامة كل المواطنين الحالمين بالتغيير».
تساؤل لافت
السياسي المصري المعارض، والمقيم بالخارج، «أيمن نور»، شارك في الجدل القائم حول مبررات اتهام «عنان» بالتزوير وتجاوز لوائح القوات المسلحة في الترشح للانتخابات الرئاسية، قائلا: «لم أجد ماده قانونية واحدة يمكن التساند عليها في اتهام عنان».
وتساءل «نور» في تدوينة عبر «تويتر»: «إذا كان هناك نص سري، فلماذا لم يطبق عليه عندما أعلن الترشح عام 2014؟»، وهي ثغرة ثانية تشكك في قوة بيان الجيش، الذي اعتبر من وجهة نظر المعارضين قرارا عسكريا وليس قانونيا بالإطاحة بالرجل خارج حلبة السباق الرئاسي، وإخلاء الساحة للرئيس الحالي، لنيل ولاية رئاسية ثانية تمتد حتى 2022.
وقبيل رئاسيات 2014 أعلن «عنان» اعتزامه الترشح، قبل أن يتراجع في مؤتمر صحفي عن ذلك القرار «ترفعا منه أن يزج به في صراعات ومخططات تستهدف مصر والقوات المسلحة».
وواصل «نور» تفنيده للثغرات التي تحيط بالواقعة، قائلا: «وإذا كان السيسي استقال قبل الترشح.. فلماذا لم يحاكم على ارتداء البدلة العسكرية أثناء الترشح؟؟».
وكان «السيسي» ألقى كلمة مصورة في 26 مارس/آذار 2014، وهو يرتدي الزي العسكري، معلنا ترشحه لانتخابات الرئاسة، دون الإشارة إلى كونها مخالفة قانونية، مقارنة بـ«عنان» البالغ من العمر 70 عاما، والمقال من منصبه، والخارج من الخدمة فعليا، بينما كان «السيسي» أوثق صلة بالعمل العسكري، وأعلن تحديدا في 15 مارس/آذار من العام ذاته، عزمه الترشح قبيل تقديمه استقالته من منصبه كوزير للدفاع.
نفس الرأي ذهبت إليه قناة «روسيا اليوم»، تحت عنوان «مخالفة قانونية أم إخراج متعمد من سباق الرئاسة»، مستندة لرأي الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية «حسن نافعة»، الذي وصف الإطاحة بـ«عنان» من السباق الرئاسي، والتهم الموجهة إليه، بأنها «قرار سياسي وليس عملا من أعمال القانون»، مؤكدا أن اتهامه بالتزوير والتحريض، واعتقاله، نية مبيتة لإخراجه من السباق.
وأضاف: «عنان لم يخالف القانون، وهو ألقى بيانا يفصح فيه عن نيته، وفقا للإجراءات التي حدتها الهيئة الوطنية للانتخابات، ووفقا للإجراءات المتبعة في القوات المسلحة، وبالتالي هو تقدم بطلب رسمي للقوات المسلحة يطلب الإذن لخوض السباق الرئاسي، باعتباره رئيس الأركان، وطلب تجميد القرار السابق في 2011 باعتبار أعضاء المجلس العسكري تحت الاستدعاء لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية».
وتابع: «هو فعل بالضبط ما فعله المشير السيسي حينما خاض انتخبات 2014، وإذا كانت هناك مخالفة، فالسيسي ارتكب مخالفة كبيرة فقد أعلن ترشحه وهو يرتدي الزي العسكري، كما أن عنان فريق على المعاش، ولا يعني أنه تحت الاستدعاء حرمانه من حقوقه السياسية، بينما كان السيسي في الخدمة، ووزيرا للدفاع وقتها».
قاعدة الناخبين
شق قانوني آخر، وثغرة رابعة، لفت النظر إليها، الفقيه القانوني المصري المعروف، «محمد نور فرحات»، قائلا تحت عنوان: «مجرد معلومات قابلة للتصحيح»، إن «عنان لم يترشح وإنما قال بالحرف الواحد إنه ينوي الترشح بعد استيفاء الإجراءات القانونية كرئيس أسبق لأركان حرب القوات المسلحة، الرجل أعلن النية فهل يعاقب القانون على مجرد النية؟».
وأضاف، في تدوينة عبر «فيسبوك»: «وللعلم أيضا فإن القضاة مقيدون بقاعدة الناخبين، وسبق للمحكمة الدستورية أن قررت عدم دستورية منع رجال الجيش والشرطة من حقوقهم السياسية وقانون مباشرة الحقوق السياسية أعفاهم من واجبهم ولم يمنعهم من حقوقهم، حقيقة أن قرار المحكمة الدستورية كان في ظل دستور 2012 ولكن المحكمة استندت لمبدأ المساواة أمام القانون ولم يتغير الأمر في ظل دستور 2014، وللعلم أيضا أن الاختصاص بوضع قاعدة بيانات الناخبين هو للجنة الانتخابات الرئاسية بطريقة تلقائية من واقع بيانات الرقم القومي».
الشارع المصري يعج بالتساؤلات، لماذا سمح لـ«السيسي» بهذا التجاوز، ولم يسمح لـ«عنان»؟
ولماذا لم يعد الترشح بالزي العسكري مخالفة قانونية في حالة الأول؟
وكيف سمح لرئيس الأركان الأسبق بالتصويت في الاستفتاء على الدستور 2014؟
ولماذا لم يرد المجلس الأعلى للقوات المسلحة على طلب «عنان» بإنهاء الاستدعاء، وسارع إلى إعلان بيان الاتهام والإحالة للتحقيق؟!
ويبدو أن ما حصل مع الفريق «عنان» أعاد التذكير بقضية العقيد في القوات المسلحة «أحمد قنصوة»، الذي كان سبق أن ترشح في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي للرئاسة، قبل أن يواجه حكماً من محكمة شمال القاهرة العسكرية بالحبس ست سنوات مع الشغل والنفاذ.
و«عنان» آخر المستبعدين من إمكانية الترشح في الانتخابات أمام «السيسي»، بعدما أعلن رئيس وزراء مصر الأسبق «أحمد شفيق» انسحابه من السباق، في خطوة قال مراقبون إنها جاءت عقب تعرضه لضغوط.
ولم يتبق على الساحة إلا الحقوقي «خالد علي»، الذي كشفت حملته أنها تدرس الانسحاب، وأنها تعقد اجتماعا لاتخاذ قرار بهذا الشأن سيعلن في غضون ساعات.
ويجمع مراقبون للمشهد المصري، على أن «السيسي» نفذ ما هدد به منذ أيام بعدم السماح لأحد، ممن وصفهم «الفاسدين» بالاقتراب من كرسي الرئاسة، دون أن يحيل الأمر للسلطات المختصة، أو للهيئة الوطنية للانتخابات المعنية أساسا بإدارة العملية الانتخابية، وفحص أوراق المرشحين، والحكم بمدى أحقيتهم من عدمه في الترشح لرئاسة مصر.