من هم القادة العشرة الأبرز في تاريخ المسلمين الاستراتيجي؟

YOOBA

عضو مميز
إنضم
3 أغسطس 2016
المشاركات
1,703
التفاعل
6,056 0 0
نشر موقع منتدى الشرق تقريرا يتناول أبرز عشرة قادة في تاريخ المسلمين الاستراتيجي، موضحا أنه ليس ثمة شك أن اختزال مئات الأسماء والقادة في عشرة فقط مهمة عسيرة، وليست بالضرورة يقينية.

ولفت إلى أن البعض قد يرى إضافة أسماء أو حذف أخرى، "فالتاريخ ليس علما طبيعيا محدد المدخلات والقوانين والنتائج بصورة قاطعة".

ووفقا لاختيار الموقع، فإن لهذه الأسماء العشرة جملة معايير؛ أهمها دور القائد في صناعة واقع استراتيجي جديد في التاريخ الإسلامي، أو منع واقع كان على وشك أن يتشكل، وراعى في هذا الاختيار الجانب الاستراتيجي والسياسي، ولم يركز كثيرا على إنجازات أخرى مثل العلوم والفنون والآداب، موضحا أن هذا الاختيار "مقاربة سياسية – استراتيجية" وحسب.

المهم في مثل هذه الاختيارات أنها رسمت معالم جيوسياسية للعالم الاسلامي على مدار ثلاثة عشر قرنا.

وفيما يلي أسماء القادة العشرة


أبو جعفر المنصور

الرجل القوي في تأسيس الدولة العباسية، ابن محمد بن علي، مؤسس الدعوة العباسية، والعقل المدبر لجهود أخيه أبي العباس السفاح الخليفة العباسي الأول. بحلول عام 132 للهجرة، الذي تمت فيه مبايعة أبو العباس خليفة من قبل أهل الكوفة، كانت الأراضي التي تدين بالإسلام تمتد من الأندلس إلى آسيا الوسطى، والغالب كما يذهب معظم المؤرخين أن فشل الأمويين في التعامل مع التنوع العرقي والثقافي الذي مثله هذا التوسع هو أساس سقوط دولتهم، ومن ثم بروز الدعوة العباسية، التي اعتمدت على المعارضة القوية الموجودة في مُدن خراسان للحُكم الأموي.

على عكس سلفه، علم أبو جعفر أن أي دور لعبه أهل فارس وآسيا الوسطى في وصول أبي العباس للحكم، وأدرك أن الاستمرار في اعتماد الهويات العرقية داخل دولة قوامها الإسلام لن يؤدي سوى إلى النزاع. في الدولة التي طمح إليها أبو جعفر، لم يكن هناك مكان لهوية أساسها العرق، بل هوية أساسها الانتماء للدين الإسلامي فقط. وفي هذا السياق، يمكن فهم جهوده في دمج الثقافتين العربية والفارسية عبر دعم الترجمة والتعليم، التي استمرت تحت حُكمه الممتد لأكثر من عقدين، بين عامي 754 و775 ميلادية، أسس فيها بنيان الدولة العباسية الذي ورثه من بعده خلفاؤه، حتى تضاءلت سلطة الخلافة بعد صعود سلطنات الجند، مثل البويهيين والسلاجقة، إلى أن سقط تماما بعد الغزو المغولي عام 1258.

عبد الرحمن الداخل

image02.jpg


ربما تكون قصة وصول الداخل إلى الحكم في الأندلس أقرب للقصص الخيالية، فهو حفيد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، ومع تأسيس الخلافة العباسية بدأ رجالها في تعقب نسل بني أمية للقضاء عليهم تماما. شهدت رحلة هروب عبد الرحمن مقتل اثنين من إخوته، فاتجه من الشام إلى مصر ومن ثم إلى المغرب.

كان لدخول عبدالرحمن إلى شبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس)، حيث عرف بعده بالداخل، أكبر الأثر على الواقع السياسي للأندلس والأراضي الإسلامية بشكل عام؛ فمنذ بداية الفتح الإسلامي لها عام 92 هجرية، وحتى وصول الداخل إليها عام 138 هجرية، لم يتمكن العرب في الأندلس من تخطي نزاعات الأمراء إلى مرحلة تكوين دولة أو إمارة جامعة في الأراضي الإيبيرية تتصف بثبات واتزان سياسي وثقافي يأخذ طبيعة المنطقة في الاعتبار.

image00.jpg


تمكن الداخل من السيطرة على قرطبة في عام وصوله، واستخدامها قاعدة للسيطرة على مساحات حكم الأمراء العرب في سرقسطة وبرشلونة، رغم اعتمادهم على العون العسكري من شرلمان إمبراطور الفرنك. وتجدر الإشارة هنا إلى الأهمية الاستراتيجية لدحر الداخل قوات شرلمان في معركتي سرقسطة وباب الشرزي، حيث رسم هذا الانتصار حدود السيادة الأموية التي بناها الداخل وسمح له بالوصول إلى مرحلة تعضيد التواجد الإسلامي في الأندلس على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في ظل دولة تربع على عرشها لأكثر من ثلاثين عاما حتى وفاته في 172 هجرية.

ألب أرسلان السلجوقي

image01.jpg


اتسع نطاق سيطرة السلطنة السلاجوقية، تركمانية الأصل، بصورة سريعة من وسط آسيا إلى عاصمة الخلافة العباسية في بغداد، واستمرت قوتها في النمو حتى صارت السلالة السلجوقية هي الحاكم الفعلي لكافة الأراضي الإسلامية شرق مصر. قضى السلاجقة على البويهيين، وحافظوا على الخلافة العباسية لرمزيتها الدينية، خاصة أنها وفرت لهم مظلة شرعية في ظل التوسع الفاطمي إلى غربهم تحت راية العقيدة الشيعية الإسماعيلية. وظل شخص الخليفة العباسي هو ممثل العقيدة السنية التي دان بها السلاجقة.

تكمن محورية أرسلان في سياسات التغيير السكاني الجذرية التي أتاحتها فتوحاته في الأناضول، وأدت لواحدة من أبرز الأحداث السياسية والثقافية في المنطقة، وهي هيمنة العرق التركي على المنطقة المعروفة بتركيا حاليا. كانت الأناضول مع بداية حكم ألب أرسلان جزءا من الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، ومع التوسع التدريجي في الفتح من شمال العراق ووسط آسيا إلى قلب الأناضول، استخدم ألب أرسلان تقنيات الهجوم السريع والهرب التركمانية المعروفة بين قبائل آسيا الوسطى في السيطرة على مساحات كبيرة في الأناضول.
image06.png

صورة: فتوحات السلاجقة في الأناضول


وتعدّ معركة ملاذكرد عام 1071 ميلادية أبرز معارك ألب أرسلان، التي فتح بعدها الأناضول لاستيطان القبائل التركية، التي ستظهر منها الخلافة العثمانية فيما بعد. وإذا تم أخذ سياسات التغيير السكاني السابق ذكرها في الاعتبار؛ يمكن فهم تمكن السلاجقة في غضون سنتين من الوصول إلى قونية في قلب الأناضول، ومن ثم أنقرة عام 1075، لينتهوا من السيطرة على الأناضول بالكامل بفتح نيقية عام 1077؛ أي خلال أقل من عقد.

نور الدين زنكي

image03.jpg


بعد أن خلف أبيه عام 1146 ميلادية كحاكم حلب، أو "أتابك" حَلب كما كان معروفا آنذاك، وهي سلالة حكمت تحت سلطان السلاجقة، بدأ نور الدين زنكي جهوده في مواجهة الحملات الصليبية التي حققت الكثير من النجاحات في تلك الفترة نتيجة تفكك الإمارات الإسلامية وضعف الخلافة العباسية. وقد نجح نور الدين بالفعل في طرد الصليبيين من سوريا وفلسطين ليبزغ نجمه، ثم تبدأ رحلة بناء دولته الكبرى، سيما بعد دخوله دمشق عام 1154 ومصر بين عامي 1169 و1171.

تركزت جهود نور الدين الأساسية في بدايات عهده في توحيد مدن الشام تحت إمرته، لينجح بالفعل في السيطرة على دمشق وبعلبك والرها وحران والموصل، ثم يتجه ناحية فلسطين لمواجهة الصليبيين أثناء حملتهم الثانية على المشرق، ليخوض معارك عدة معهم، ثم يتجه إلى مصر بعد أن قرر الصليبيون دخولها كظهير جنوبي لهم في وجه مُلك نور الدين بالشمال، ليقود ثلاث حملات قبل أن ينجح بالفعل في ضمها إلى مُلكه في أواخر عهده.

عُرف عن نور الدين عدله وزُهده ودهائه العسكري، وقد شهد له بذلك مؤرخون مسلمون ومسيحيون على السواء، كما اشتهر باستخدام الغنائم التي اغتنمها في المعارك لبناء المساجد والمدارس والمستشفيات وبيوت المسافرين، ليترك عند وفاته عام 1174 دولة كبرى في مصر والشام قُدر لصلاح الدين الأيوبي أن يرثها ليستكمل مسيرته في الوقوف بوجه الصليبيين وحملاتهم المستمرة القادمة من أوروبا.

صلاح الدين الأيوبي

image04.jpg


وُلد صلاح الدين لأسرة كردية معروفة، وقد نشأ في الشام بعد أن انتقل أبوه إلى حلب لخدمة عماد الدين زنكي، والد نور الدين زنكي، وتلقى تعليما دينيا وعسكريا رفيعا، ثم دخل إلى جيش عمه أسد الدين شيركوه، أحد قادة الأمير نور الدين آنذاك، حتى أثبت جدارته وأصبح على رأس القوات الشامية في مصر، ثم وزيرا للخليفة الفاطمي هناك بعد وفاة شيركوه، ليقوم بإسقاط المُلك الفاطمي كله خلال أعوام، وإعادة الإسلام السُني إلى موقعه السابق في مصر، والعمل تحت راية نور الدين زنكي.

بوفاة نور الدين، استحوذ صلاح الدين على سلطته، وأصبح له سلطانه الخاص في مصر والشام، الذي انطلق منه لمواجهة الصليبيين في فلسطين، وهي المواجهة التي وصلت ذروتها في معركة حطين عام 1187 ميلادية. نجح صلاح الدين في محاصرة وهزيمة جيوش الصليبيين في حطين، واسترد من ثم عكا وبيروت وصيدا ونابلس ويافا وعسقلان خلال ثلاثة أشهر من المعركة، وأخيرا القدس، التي سلمها له الصليبيون في تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، بعد 88 عاما من حكم الفرنك لها.

image05.jpg

معركة حطين

لم تبق تلك المدن طويلا في أيدي المسلمين رغم ذلك، حيث ظلت تتأرجح بين حكم الأيوبيين والصليبيين، بفعل تنازع أبناء صلاح الدين على تركته في مصر والشام بعد وفاته. انتهى ملك الأيوبيين إلى التفسخ، وآلت ممتلكاتهم إلى سلطان المماليك، القوة الجديدة الصاعدة في مصر والشام.

 
سيف الدين قطز

ليس من الواضح كيف كانت حياة قطز في بدايتها، الذي يُقال أنه بيع لأحد تجار الرقيق في القاهرة قبل أن يشتريه السلطان المعز عز الدين أيبك في القاهرة، حيث أثبت جدارته مع الوقت وأصبح يده اليمنى، ثم مساعد ابنه السلطان المنصور علي، قبل أن ينحيه عن العرش ويصبح هو السلطان في العام التالي على دخول المغول لبغداد. باقتراب خطر المغول في المشرق، رأى قطز أن من الضروري وجود قائد قوي في السلطنة بدلا من المنصور علي.

image10.png

معركة عين جالوت


كما هو متوقع، حين وصل المغول إلى الشام، قاموا بإيفاد رُسُلَهم إلى قطز ونصحوه بالاستسلام للزحف المغولي الذي لم يُبق على دولة من دول الشرق. وطبقا لروايات تاريخية عدة، قام قطز بقطع رؤوس الرسل وتعليقها على باب زويلة، في إعلان صريح لموقف الدولة المملوكية من غزو المغول، لتبدأ إرهاصات معركة عين جالوت، التي تعدّ واحدة من أبرز المعارك العسكرية في تاريخ المنطقة، التي كان لها ربما الدور الرئيس في إنقاذ الحضارة الإسلامية من السيطرة المغولية الهوجاء.

لم يدم حُكم قطز طويلا بعد انتصاره في عين جالوت، حيث قُتل بتدبير من بيبرس، أحد قادة الجيش المملوكي، انتقاما لأحد قيادات المماليك البحرية الذين قتلهم قطز أثناء حُكم السلطان أيبك، أو كما يقول آخرون لأنه منح حُكم حلب للملك علاء الدين أمير الموصل بدلا منه كما وعده سابقا.

يوسف بن تاشفين

في عام 1061 ميلادية، وبينما اتجه أبو بكر زعيم المرابطين في المغرب العربي لقمع إحدى الثورات القبلية في الصحراء الأفريقية، أوكل مهام قيادة جيشه إلى يوسف بن تاشفين أحد أقاربه، الذي ذاع صيته وزادت شعبيته بسهولة إلى أن قرر أبو بكر نقل مُلكه إليه بعد عودته، ليبدأ العصر الذهبي لدولة المرابطين تحت حُكمه الذي استمر خمسة وأربعين عاما.

بدأ يوسف بن تاشفين، ذو الأصول الأمازيغية، عهده بتأسيس مدينة مراكش المعروفة الآن في المملكة المغربية، ثم توسع ليستحوذ على المغرب والجزائر بالكامل، ويبدأ حملاته في الأندلس بعد أن استغاث به المسلمون هناك جراء تزايد الهجمات المسيحية الأوروبية وسقوط طليطلة عام 1085. اتجه بن تاشفين بالفعل إلى الأندلس، وأوقع الهزيمة بالملك ألفونصو القشتالي عام 1086، ونجح في توسيع ملكه ليشمل معظم شبه الجزيرة الأيبيرية.

محمد الفاتح

image07.jpg


هو القائد العثماني الأشهر، الذي جلس على عرش الدولة العثمانية عام 1451، وقاد فتح القسطنطينية عام 1453. وقد استمر حكمه ثلاثين عاما، أطلق على نفسه فيها لقب قيصر الروم، باعتباره وارثا للمُلك الروماني والبيزنطي، وسيد الأرضين والبحرين؛ الأناضول والبلقان وبحر إيجه والبحر الأسود. وقد عُرف عهده بإعادة تنظيم الحكومة العثمانية، ووضع قوانين عامة للسلطنة. وتعدّ امتيازات الحماية التي وفرها لمجتمعات تجار البندقية وفلورنسا في إسطنبول السابقة الأولى لمؤسسة السفارة الأجنبية في التاريخ الدبلوماسي.

بالإضافة إلى معركة فتح القسطنطينية، تعدّ معركة باشكنت في مدينة أرزينجان عام 1473، التي خاضها في مواجهة قائد التركمان المنافس للعثمانيين، أوزون حسن، واحدة من أبرز معارك محمد الفاتح، التي أتاحت له توطيد مُلك العثمانيين في الأناضول بشكل نهائي. هذا، علاوة على حملات عسكرية في البلقان والمجر ورومانيا ومولدوفا وجزيرة رودس وشبه جزيرة القرم ومدينة أوترانتو في جنوب إيطاليا، التي دخلها في أواخر عهده عام 1480

image12.png


فتح إسطنبول: القوات العثمانية بالأخضر والبيزنطية بالأحمر


عُرف عن محمد الفاتح تسامحه مع كل الفئات التي سكنت القسطنطينية، إذ قام بجمع المفكرين الإيطاليين واليونانيين في بلاطه بعد الفتح، وأمر بترجمة العقائد المسيحية للتُركية، كما حرص على جمع الكتب اليونانية واللاتينية، وظلت كنيسة الروم الأرثوذكس تعمل بشكل طبيعي من بعده حتى أغلقت بعد إعلان الجمهورية التركية في القرن العشرين.

السلطان سليم الأول

ثماني سنوات فقط هي الفترة التي حكم فيها سليم الأول السلطنة العثمانية، لكنها شهدت ذروة فتوحاتها وحصولها على لقب الخلافة، حيث نجح السلطان المعروف بشدته في دخول مصر وسوريا والحجاز، ليؤول حكم معظم أراضي المسلمين إلى العثمانيين في أقل من عقد.
image08.jpg

خلال سنوات حكم السلطان سليم الأول، بزع نجم إسماعيل الأول الصفوي في إيران، وهو ما دفع بسليم للالتفات نحو الشرق لتأمين حدود الدولة العثمانية، لا سيما أن قبائل القزلباش الموالية لإسماعيل كانت تثير الاضطرابات في الأناضول. خاض سليم أولى معاركه الشرقية ضد الصفويين في غالديران شرقي نهر الفرات عام 1514، ثم ضم الولايات التركمانية والكردية للمُلك العثماني.

فيما بعد، وبينما بدأت حدود العثمانيين تتجاوز كردستان وتقارب على الشام، نشب النزاع بينهم وبين المماليك حكام مصر والشام حتى ذلك الوقت، لينجح سليم في هزيمتهم في معركتي مرج دابق والريدانية عامي 1516 و1517، لتنتقل كل أراضيهم رسميا للدولة العثمانية، وإن بقيت سلطتهم على الأرض كولاة. وطبقا للرواية العثمانية، تخلى آخر الخلفاء العباسيين في القاهرة عن منصب الخلافة لسليم الأول، ليصبح بذلك أول الخلفاء العثمانيين؛ وهو ما دفع شريف مكة إلى تسليم مفاتيح المدينة للسلطان سليم أثناء وجوده ففي القاهرة.

سليمان القانوني

image09.jpg


بعد وفاة سليم الأول، انتقل الحكم بعده لابنه سليمان (حكم من 1520 إلى 1566). استمر سليمان في سياسة التوسع العسكري التي اتبعها أسلافه، وأضاف لها أبرز ما عُرف به فيما بعد: الاهتمام بالمجالات القانونية والثقافية والعمرانية، ليشهد عهده تميز الحضارة العثمانية، بل ربما تشكل بصمة خاصة للثقافة العثمانية.

بدأ سليمان حملاته العسكرية فور جلوسه على العرش باستحواذه على بلغراد، عاصمة صربيا اليوم، ثم رودس والمجر، وأخيرا وصل إلى أبواب فيينا عاصمة النمسا، التي لم ينجح في السيطرة عليها نتيجة لعوامل شتى، منها: سوء الأحوال الجوية، وقلة المؤن، والمقاومة الأوروبية المنيعة في المدينة، وهو ما دفعه للتخلي عنها، والاكتفاء بالمجر، لا سيما أن الحدود الشرقية عادت لتؤرق الأستانة من جديد.

وجه سليمان ثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية، أولها عام 1534، عندما استحوذ على مدينة أرضروم ودخلت أثناءها قوات العثمانيين العراق؛ وثانيها عام 1548، حيث هيمن بها على معظم الأراضي المحيطة ببحيرة وان (فان)؛ وآخرها عام 1554، التي لم تحقق أهدافها المرجوة، وكانت تنطوي على هدف صعب هو اختراق فارس نفسها.

image11.png


فتوحات سليم الأول بالأخضر وفتوحات سليمان بالأحمر الفاتح

برز في عهد سليمان القانوني القائد البحري المعروف خير الدين بارباروسا، قبودان الأسطول العثماني، وكُتب له أن يكون واحدا من أبرز القيادات البحرية في التاريخ الإسلامي بجهوده في البحر المتوسط وعلى سواحل اليونان والبندقية وإسبانيا، التي رسخت من هيمنة العثمانيين على البحر المتوسط.
 
افضل قائد في تاريخ المسلمين هو محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هذا رقم واحدوهو قدوتنا وهو الذي غير وجه العالم بالكامل
بعده الخلفاء الراشدين الاربعه ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
بعدهم رقم 6 عمر بن عبدالعزيز
معاويه بن ابي سفيان موسس الدوله الامويه
رقم7
يليه عبد الرحمن الداخل رقم8
ابو جعفر المنصور رقم 9
صلاح الدين الايوبي رقم 10
هذا من وجهه نظري اهم واعظم القاده الذين غيروا وجه التاريخ وان كان فيه قاده ايضا عظماء لهم بصمتهم بالتاريخ الاسلامي امثال عمر بن العاص طارق بن زياد خالد بن الوليد وغيرهم كثير ولكن هولاء لهم بصمه واضحه في التاريخ الاسلامي..
 
ماذا تتوقعون ؟
ان تقارن خير خلق الله جميعا مع باقي البشر؟
ام تجعلون عمر فاروق الأمة وأبو عبيدة الجراح أمين الأمة وسعد بن ابي وقاص الذي يستجيب الله لكل دعواته مع رجال وقادة آخرين في زمن آخر.
الموضوع يتكلم عن مرحلة استراتيجية في تاريخ الامة الاسلامية.
لا تقارن صحابي مع صحابي أو قائد مسلم في العصر الحديث مع رجال حول الرسول كانوا من أهل الجنة
 
انا اقدر الافشين والاشتر مالك بن الحارث النخعي والاشعث بن قيس.
 
1- الرسول صلى الله عليه وسلم

2- ابو بكر الصديق

3- عمر بن الخطاب

4- عثمان بن عفان

5- علي بن ابي طالب

6 - خالد بن الوليد

7- سعد بن ابي وقاص

8 عمرو بن العاص

9- قتيبة بن مسلم الباهلي

10 صلاح الدين الايوبي

11 سيف الدين قطز

12 محمد الفاتح

13 طارق بن زياد
 
1- الرسول صلى الله عليه وسلم

2- ابو بكر الصديق

3- عمر بن الخطاب

4- عثمان بن عفان

5- علي بن ابي طالب

6 - خالد بن الوليد

7- سعد بن ابي وقاص

8 عمرو بن العاص

9- قتيبة بن مسلم الباهلي

10 صلاح الدين الايوبي

11 سيف الدين قطز

12 محمد الفاتح

13 طارق بن زياد

IMG_20171123_193754.jpg
 
صلاح الدين الأيوبي

image04.jpg


وُلد صلاح الدين لأسرة كردية معروفة،


اكبر كذبة بالتاريخ الي الان فيه ناس مصدقين ان صلاح الدين كردي

كل ملوك ايوب انكروا انهم اكراد

و الحسن بن داوود الايوبي كتب بخط يده نسب الايوبيين بكتابة (الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية)

وهذا نسب صلاح الدين

أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي محمد بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن مُرَّة بن عوف بن أسامة بن بيهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نَشبَة بن غيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش


يعني نسبهم عربي ,
قيسية بالحلف و الاصل من قريش

وهذا الشي عادي عند العرب
 
بدون تعصب ديني وبكل أمانة علمية نقول أن أعظم المقاتلين المحاربين في التاريخ العسكري وهم اركان الجيش الثلاث كانو مسلمين .

FB_IMG_1513753342562.jpg


الفرسان : المماليك وهم سلاح الفرسان المملوكي المصري و زهرة فرسان الإسلام و هم أعظم فرسان التاريخ ويعادل الواحد منهم ١٢ فارساً محترفاً وفق شهادة " جون مان " و " جيمس واترسون ".

FB_IMG_1513753335533.jpg

المشاة : الإنكشارية " سلاح المشاة العثماني كان الجندي يتم تدريبه لمدة عشرة اعوام منذ طفولته وبفضلهم تم احتياح اوروبا وكان الجندي الإنكشاري يكافيء عشرة جنود مشاة و ستة عشر محارب هاوي .. " جودفري جودوين "

FB_IMG_1513753354365.jpg

الرماة : فيلق النبالة السلجوقي التابع لدولة السلاجقة وهو سلاح الفرسان الخفيف " النبالة " "كان يرمي الف سهم بالساعة و عشرة الآف سهم بالمعركة " " آيالون دي "
 
intellect;ord=438005414288.40936;dc_seg=453467495

*
















424

قُطز: الطريق إلى عين جالوت..!
250

محمد شعبان أيوب
محرر تاريخ






"إن الله تعالى قد رفع شأن جنكيز خان وأسرته، ومنحنا ممالك الأرض برمتها، وكل من يتمرّد علينا، ويعصي أمرنا، يُقضى عليه مع نسائه وأبنائه وأقاربه والمتصلين به وبلاده ورعاياه".

(هولاكو في رسالته التهديدية لسلطان مصر سيف الدين قُطز)



سقطت الشام تحت الجحافل المغولية كما سقطت العراق، لقد بدأ هذا السقوط منذ عام 657هـ، قبل معركة "عين جالوت" بعام واحد، على أن هذا السقوط كان استمرارًا لمسلسل التردي والانهزام مذ خرج هؤلاء المغول يفتكون بالمشرق الإسلامي وبالدولة الخوارزمية منذ سنة 617هـ.
45c9b3aa-c59c-4811-b727-723488eea7ea



الشام أسيرة المغول!

أربعون عاما يعثيون في الأرض فسادًا، قتلوا فيها عشرات الآلاف من البشر، ودمروا مئات إن لم تكن آلاف المدن والقرى التي استصغر المؤرخ الموصلي ابن الأثير أمام جرائم المغول فيها ما فعله الملك العراقي بخت نصّر في بني إسرائيل قديمًا؛ فقال: "وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء (التتار) الملاعن من البلاد، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا، فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل"[1].


كان من خبث المغول أنهم قبلوا أن ينضوي تحت أمرهم بعض خونة الأيوبيين ممن باعوا دينهم وبلادهم خدمة للمحتل المغولي؛ بل قدّموا بعضهم ليكونوا أعوانًا لهم في إدارة شؤون بلاد الشام، وكان من جملة هؤلاء الملك الأشرف موسى بن إبراهيم الأيوبي صاحب حمص الذي يعود نسبه إلى أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي؛ الذي سلّم حمص للمغول، ولجأ إلى هولاكو يعلن الولاء له ولدولته الجديدة؛ لذا عيّنه هولاكو نائبًا له على دمشق والشام، وأعطاه فرمانًا بذلك، وجاء الأشرف بهذا المرسوم إلى نائب هولاكو العسكري كتبغا الذي أرسل بدوره إلى "النوّاب بدمشق بأن يتفقوا معه على مصالح المملكة، فصار الدواوين والنواب يترددون إليه في بعض الأوقات ويشاوروه في الأمور المهمة"[2].


300

صار الملك السعيد هذا من أقرب الأمراء الأيوبيين إلى المغول، فقد صار ولاؤه التام لهم؛ حتى صار أحد أهم العناصر التي وقفت أمام المماليك في معركة عين جالوت!


multi-mapicon.png
مواقع التواصل الإجتماعي

واستفاد المغول أيضًا من خدمات الأمير السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل بن أيوب، الذي كان الناصر الأيوبي قد سجنه منذ مدة طويلة في سجن إلبيرة على نهر الفرات، فأفرجوا عنه وأعادوه إلى مُلكه القديم في بانياس بالقرب من دمشق وقلعتها الصُّبيبة، "وجميع البلاد التي كانت له ولايته بالشام"[3]، وصار الملك السعيد هذا من أقرب الأمراء الأيوبيين إلى المغول، فقد صار ولاؤه التام لهم؛ حتى صار أحد أهم العناصر التي وقفت أمام المماليك في معركة عين جالوت!



وبعد أن قبض المغول على الملك الناصر في رجب سنة 658هـ، اختار هولاكو أن يُحسن إلى الملك الناصر الثاني أكبر ملوك الأيوبيين في الشام؛ فرأى "أن أمير دمشق أنفع له وللسياسة التي يريد اتباعها مع المسلمين من أمير حمص الشام الأشرف موسى، ولهذا لقيه لقاءً طيبًا، ووعده بإحياء الإمبراطورية الأيوبية الممتدة من أطراف الشام إلى النوبة، ومن برقة إلى الفرات، كما وعده بأنه سوف يجعل له السيادة الفعلية في تلك البلاد كلها بما في ذلك مصر، بشرط أن يعترف بسلطان المغول وسيادة الخان الأكبر. وهنا تتضح لنا حقيقة لها أهميتها فيما يتعلق بسلامة دولة المماليك في مصر؛ ألا وهي تواطؤ ملك من ملوك الأيوبيين مع المغول في القضاء على الدولة المملوكية الناشئة، وهذه الحقيقة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن قيام دولة المماليك ظل ناقصًا ما دامت تلك الأخطار ماثلة"[4].


تهديد سلطان مصر!

00000000-0000-0000-0000-000000000000

جنكيز خان (مواقع التواصل الإجتماعي)

كان المغول قد استولوا على كامل بلاد الشام وفلسطين من الفرات إلى حلب إلى الكرك والشوبك إلى نابلس وحتى غزة على الحدود المصرية، وتتميمًا لخطة هولاكو، فقد أرسل إلى سلطان مصر قطز رسالة جاء فيها: "إن الله تعالى قد رفع شأن جنكيز خان وأسرته، ومنحنا ممالك الأرض برمتها، وكل من يتمرّد علينا، ويعصي أمرنا، يُقضى عليه مع نسائه وأبنائه وأقاربه والمتصلين به وبلاده ورعاياه، كما بلغ ذلك أسماع الجميع، أما صيت جيشنا الذي لا حصر له؛ فقد بلغ الشهرة كقصة رستم واسفنديار. فإذا كُنت مُطيعًا كخدم حضرتنا فأرسل إلينا الجزية، وأقدم بنفسك، واطلب الشّحنة[5]، وإلا فكن مُستعدًا للقتال"[6].


استدعى قطز بعد هذه الرسالة -التي يُبرق فيها ويُرعد- كبار الأمراء، وعقد مجلس المشورة مستطلعًا رأيهم؛ فقال أحد الأمراء القيمرية الكُردية الذين جاؤوا من الشام إلى مصر وانضموا للقوات المملوكية؛ وهو الأمير ناصر الدين قيمُري: إن هولاكو خائن، وإن عددًا من الملوك والأمراء بل الخليفة العباسي المستعصم سلّموا إليه بلادهم بالأمان فانقلب عليهم وقتلهم؛ فهو "لا يفي بعهده وميثاقه... فإذا ما سرنا إليه، فسيكون مصيرنا هذا السبيل"[7].



كان من المهم أن يُدلي ركن الدين بيبرس برأيه في تلك المشورة، وهي التي تُعقد أمامه للمرة الثانية حول قتال المغول، فأما الأولى فقد كانت في الشام، ورأى فيها الخور والجبن والعجز عند الملك الناصر يوسف الثاني الأيوبي وكبار قادة جيشه ووزيره؛ حتى هجم على الوزير الخائن زين الدين الحافظي وضربه غضبًا منهم، أما هذه المشورة فرأي المظفّر قطز فيها قريبٌ إلى بيبرس؛ لقد اختلى قطز بركن الدين بيبرس وهو كبير الأمراء البحرية؛ بل من أكبر قادة الجيش بعد الأتابك أقطاي المستعرب، وسأله عن رأيه، فأجاب بيبرس: "إني أرى أن نقتل الرُّسل، ونقصد كيتوبوقا[8] مُتضامنين، فإن انتصرنا أو هُزمنا فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين"[9].


00000000-0000-0000-0000-000000000000

تمثال سلطان مصر قطز.(مواقع التواصل الإجتماعي)

كانت القيادة العليا للجيش ممثلة في السلطان وكبير الأمراء البحرية وربما أتابك العسكر متوافقة على لقاء المغول وقتالهم، يوافقهم في ذلك عدد ضئيل من الأمراء والقيادات العسكرية الأخرى، لكن معظم الأمراء الآخرين عبّروا عن رفضهم للقاء المغول وهم الذين انتصروا في كل المعارك التي خاضوها مذ خرجوا من منغوليا حتى وصلوا إلى الحدود المصرية في غزة!


على كل حال، أمر قطز بقتل الرسل الأربعة الذين أرسلهم المغول امتثالاً لنصيحة بيبرس، وقطع رؤوسهم وعلّقها في أشهر مناطق القاهرة وقتها في كل من الريدانية (العباسية الآن) و باب النصر في شمال القاهرة، وباب زويلة في جنوبها، وفي سوق الخيل أحد أهم الأسواق أسفل قلعة الجبل؛ ليراها كافة الناس فترتفع معنوياتهم، وتنهض هممهم للقاء العدو، وفي 15 شعبان سنة 658هـ "تقدم الْملك المظفر لسَائِر الْوُلَاة بإزعاج الأجناد فِي الْخُرُوج للسَّفر، وَمن وجد مِنْهُم قد اختفى يُضْرب بالمقارع. وَسَار حَتَّى نزل بالصالحية، وتكاملَ عِنْده الْعَسْكَر"[10]


49599ad1-79dc-4f63-910e-576ace926143



في ظل هذا التردد وكراهية الخروج من أغلب قيادات الجيش، عسكرَ السلطان قُطز في الصالحية في شمال شرقي القاهرة مؤقتًا، وعزم على مواجهة هؤلاء الأمراء المترددين؛ ليضع حدًا لهذا التخبط الذي قد يأتي بنتائج وخيمة في أرض المعركة؛ "فطلب الأمراء، وتكلم معهم في الرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل. فقال لهم: يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجّهٌ فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته؛ فإن الله مطّلعٌ عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخِّرين. فتكلم الأمراء الَّذين تخيّرهم، وحلّفهم في موافقته على المسير، فلم يسع البقيَّة إلَّا الموافقة وانفض الجمع. فلمَّا كان في اللَّيل ركب السُّلطان وحرّك كوساته[11] وقال: أنا ألقى التتار بنفسي. فلمَّا رأى الأمراء مسير السُّلطان ساروا على كُرْهٍ"[12]
 



التاريخ الإسلامي



التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورةوحكم الخلفاء الراشدين، مرورًابالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقةوالغزنوية في وسط آسيا والعراق وفيالمغرب الأدارسة والمرابطين ثمالموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميينوالأيوبيين والمماليك ثم سيطرةالدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.




00000000-0000-0000-0000-000000000000.jpg


محمد بن أبي عامر .. الحاجب المنصور
: أ.د. راغب السرجاني

  1. ملخص المقال
    محمد بن أبي عامر – الحاجب المنصور، مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول سيرة حياة ابن أبي عامر
shapesdrg.jpg






  1. نشأة ابن أبي عامر

    هو محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، وكان جدُّه عبد الملك المعافري من العرب الفاتحين الذين دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد -رحمه الله، فنزل بالجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس، واستقرَّ بها، وكان والد المنصور (عبد الله بن عامر) من أهل الدين والعفاف والزهد في الدنيا والقعود عن السلطان، وقد مات في مدينة طَرَابُلُس الغرب وهو عائد من أداء فريضة الحج، وأمه هي بُرَيْهَة بنت يحيى من قبيلة بني تميم العربية المعروفة.

    نشأ محمد بن أبي عامر في هذا البيت نشأة حسنة، وظهرت عليه النجابة منذ نعومة أظافره، وقد سار على خطى أهله وسَلَك سبيل القضاء؛ فتعلَّم الحديث والأدب، ثم سافر إلى قُرْطُبَة ليُكمل تعليمه.

    ابن أبي عامر في قصر الخلافة

    كان ابن أبي عامر ذا طموح كبير وهمة عالية وذكاء وقَّاد، وعمل كاتبًا للقاضي محمد بن إسحاق بن السليم، الذي رأى من نبوغه ما جعله يوصي به عند الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، وكان من تصاريف القدر أن وَلدت صبح البشكنسية –جارية الخليفة الحكم المستنصر- ولدها الأول عبد الرحمن فطلب الحكم المستنصر وكيلاً لولده عبد الرحمن، يقوم على ولده ويرعاه، فرشَّح الحاجب المصحفي هذا الفتى النابه محمدَ بن أبي عامر لذلك، وأثنى عليه عند الحكم المستنصر، فولاه الحكم المستنصر وكالة ابنه عبد الرحمن بالفعل سنة (356هـ).

    وقد أُعجب الحكم المستنصر بأخلاق محمد بن أبي عامر، وذكائه ونباهته وحُسن تصرُّفه، كما بهره هذا النبوغ العلمي الذي يحوزه ذلك الشاب، ولقد كان الحكم –كما سبق- عالمًا وخبيرًا بالأنساب ومؤرخًا، فلا شَكَّ أن هذا كان من أهم أسباب تقريبه لابن أبي عامر وحبِّه إيَّاه.

    توفي عبد الرحمن طفلاً صغيرًا، ثم لم يلبث أن ولدت صبح ولدها الثاني هشامًا، فتولَّى وكالته -أيضًا- ابن أبي عامر سنة (359هـ)، ولم يلبث أن تدرَّج في المناصب العليا، فعُيِّنَ أمينًا لدار السكة، وكُلِّفَ بالنظر على الخزانة العامة وخُطة المواريث، ثم أصبح قاضيًا لإِشْبِيلِيَة ولبلة، ثم عَيَّنه مديرًا للشرطة الوسطى، ثم ولاَّه الأمانات بالعدوة، فاستصلحها واستمال أهلها، ثم عينه الحكم قاضي القضاة في بلاد الشمال الإفريقي، وأمر عماله وقوَّاده هناك ألا يقطعوا أمرًا إلاَّ بمشورته، ثم عينه الحكم المستنصر ناظرًا على الحشم وهو في مرض موته.

    ومن المدهش في أمر محمد بن أبي عامر أنه لم يتولَّ عملاً إلاَّ وأداره ببراعة وكفاءة فاقت براعة سالفيه، رغم أنه دونهم في السنِّ والخبرة، وأنه كانت تزيد عليه المناصب والتكاليف فيستطيع أن يجمع بينها مهما اختلفت وتكاثرت ويُبْدي –بعد كل هذا- مهارة فائقة في الإدارة والتصرف، رغم أن الدولة كانت في عصرها الذهبي؛ أي أن الأعمال كانت في الغاية من التفنن والدقة، وتتطلب خبرة وإتقانًا.

    وكان مما ساعد محمد بن أبي عامر على أن يصل إلى هذه المراتب العالية بهذه السرعة –بجانب هذه المواهب النادرة- أنه استطاع استمالة «صبح البشكنسية» أمَّ هشام المؤيد، وجارية الحكم المستنصر، بحُسن خدمته لها ولابنها، وسعة بذله في الهدايا التي كان يُهديها دائمًا إليها، فأتاها بأشياء لم يُعهد مثلها؛ حتى لقد صاغ قصرًا من فضة وقت ولايته السكة، وصرف فيه مالاً جسيمًا، حتى جاء بديعًا، لم تَرَ العيون أعجب منه ولا أحسن، ثم حُمل إليها من دار ابن أبي عامر؛ ليُشاهده الناس جميعًا، في مشهد لم يُعهد ولم يُرَ مثله من قبلُ.

    على أن الحكم المستنصر لم يكن غائبًا عن هذا كله، فيُحكى أن الحكم المستنصر ظنَّ أن محمد بن أبي عامر يُتلف مال السكة (وزارة المالية) المؤتَمن عليه، فأمره الحكم بأن يُحضر المال الذي عنده ليراه بنفسه، ويتأكَّد من كماله، ويُقال: إن ابن أبي عامر كان قد استهلك بعضًا من هذه الأموال؛ ولذلك ذهب إلى الوزير ابن حدير ليُسلفه المال الناقص -وكان صديقًا له- فأسلفه ابنُ حدير المال الناقص، فعرف الحكم أنه قد أساء به الظنَّ، وزاد إعجابُ الحكم بأمانة ابن أبي عامر وحُسن تدبيره، ورفع قدره عنده، وبمجرَّد أن تأكَّد الحكم من عدم نقصان المال، أعاد ابن أبي عامر إلى الوزير ابن حدير مالَه، وهو مع هذا كله يُحسن معاملة الحاجب (رئيس الوزراء) جعفر بن عثمان المصحفي ويُداريه[1]، ويطلب منه دائمًا النصح والمشورة[2].

    بعد وفاة الحكم المستنصر، وبعد القضاء على مؤامرة الصقالبة، ثم على قوة الصقالبة ونفوذهم في القصر، صفا الحال لحزب هشام بن الحكم المؤيد بالله، وهذا الحزب -كما سبق وقلنا- متمثِّل في الحاجب المصحفي، وأم الخليفة الصغير صبح البشكنسية، وهي الشخصية القوية في القصر، التي كانت أحب نساء الحكم إليه وأحظاهن عنده. ثم ابن أبي عامر الشخصية القوية التي تتولَّى العديد من الأعمال، والتي يتكئ عليها جعفر المصحفي في كل عمل مهم، وهو كذلك متصل بصبح باعتباره كان وكيلاً لولدها هشام –الذي هو الخليفة الآن- ثم تولَّى النظر على شئون الخاصة.

    بين محمد بن أبي عامر وصبح البشكنسية

    تذكر المصادر التاريخية أن حبًّا عظيمًا نشأ بين صبح وبين محمد بن أبي عامر، وأن هذا الحب كان ذا سهم كبير –بجانب كفاءة ابن أبي عامر- في ترقيه في مناصب الدولة، ثم في الأمور التي ستأتي فيما بعد، والحقُّ أن أمرًا كهذا لا يمكن القطع به على سبيل اليقين، وإن لم يكن مستبعدًا، فصبح شابَّة جارية كانت عند الخليفة الذي كان في مرحلة الكبر، بينما ابن أبي عامر شاب يشتعل ذكاء وحسنًا، ومقدرة على تصريف الأمور، ثم هو يتقرَّب إليها بين الحين والحين بالهدايا الفاخرة.

    إلاَّ أن كل هذا لا يدفعنا للتيقُّن من وجود هذا الحب، فضلاً عن أن ندخل فيما حرَّم الله -كما فعل البعض- فنتوقَّع ما وراء هذا مما يُجاوز الحلال إلى الحرام؛ ذلك أن كل ما حدث وما سيأتي يمكن أن يُفَسَّر في إطار المصلحة المشتركة؛ ابن أبي عامر لا عصبة له ولا عائلة يتكئ عليها، فلا بُدَّ له من وجود هشام في منصب الخليفة؛ ليبقى هو في مكانته من الدولة، وصبح جارية بشكنسية فلو لم يكن ولدها في منصب الخليفة لما كان لها شأن يُذْكَر، إلى جانب ما رُكِّب في الأُمِّ من غريزة حب الولد، التي تجعلها تجاهد ما استطاعت ليكون ولدها هو الخليفة سيد البلاد.

    ففي هذه اللحظة من تاريخ الأندلس كان في المشهد ثلاث شخصيات قوية: المصحفي الذي يتكئ على عصبته «المصحفيين»، وابن أبي عامر يتكئ على صبح والخليفة ومواهبه الفائفة، وصبح التي تتكئ على ولدها الخليفة وعلى ولاء محمد بن أبي عامر. ثم نُضيف إلى هؤلاء شخصية قوية رابعة ألا وهي شخصية فارس الأندلس الكبير وصاحب التاريخ الجهادي الزاهر غالب الناصري.

    وكان غالب الناصري لا يحب المصحفي، ولا يراه أهلاً لأن يكون شيخَ الموالي دونه؛ ذلك أن المصحفي ليس له سابقة جهاد ولا تاريخ، كما أنه معروف بالبخل، ولم يَتَرَفَّع في مناصب الدولة إلاَّ لأنه كان -قديمًا- مُعَلِّمًا ومُرَبِّيًا للخليفة الحكم لَمَّا كان ولي العهد، فلمَّا تولى الحكم الخلافة عَهِدَ إليه بمنصب الحجابة.

    هجمات النصارى على الأندلس

    19809_image003.jpg
    ثم وقع بالأندلس حادث خطير؛ إذ ما أن علم نصارى الشمال بوفاة الحكم المستنصر، وجدوا الفرصة سانحة لنقض كلَّ ما كان بينهم وبينه من عهود ومواثيق، وشرعوا يُهاجمون الثغور الإسلامية هجمات عنيفة، بغرض الثأر من المسلمين وإضعافهم؛ فلا يجدون فرصة لاستجماع قواهم من جديد، ولا يجد حاكمهم الجديد -أيضًا- الفرصة لتوطيد مُلكه؛ فيستطيع من بعدُ أن يُوَجِّه لهم الضربات العنيفة التي اعتادوها في عهد الحكام الأقوياء؛ ومن هنا فقد اشتدَّت هجمات نصارى الشمال على الثغور الإسلامية، بل وتخطّوها حتى كادت حملاتهم تصل إلى قُرْطُبَة عاصمة الخلافة الإسلامية في الأندلس.

    وكأنَّ ضعف الخليفة الصغير قد انسحب على رجال الدولة جميعًا، فلم يُقدم أحد على كفاح النصارى وردِّهم، ولا يجدون أحدًا يتقدَّم لهم؛ فغالب الناصري في مدينة سالم -وهي إحدى الثغور- يقول بأنه لا يستطيع ترك المدينة؛ وإلاَّ هوجمت. وبعض التحليلات تقول بأنه لم يشأ الخروج لملاقاة العدوِّ ليُحْرِج المصحفي، ويُثَبِّت قدره ومكانته في الدولة.

    والمصحفي متردد خائر الرأي، ليس له عزيمة، ولا يدري ماذا يفعل، وهو يجبن عن الخروج لملاقاة العدوِّ، بل بلغ به الأمر -بالرغم من قوة الجيش الذي تركه الحكم المستنصر، ووفرة المال والسلاح والعتاد- أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سدِّ نهرهم؛ ظنًّا منه أن هذا قد يُنجيهم من ضربات النصارى المتلاحقة.

    وهكذا بدت هذه الدولة القوية وكأنما ستعاني وتسقط جراء خلافات رجالها، وصغر سن خليفتها، وضعف وتردُّد حاجبها ومتولِّي إدارتها.

    وهنا.. نهض للأمر محمد بن أبي عامر، الذي أَنِف من تصرُّف المصحفي، ووجد فيها إعلانًا بالضعف والصغار، وكأن البلاد قد خلت من الرجال، فلا يجدون رجلاً يقود الجيوش القوية الموجودة بالفعل، فيلجئون إلى هذه الخطة الدفاعية الذليلة التي تضرُّ، وقد لا تنفع، فعرض محمد بن أبي عامر على الحاجب جعفر المصحفي أن يقوم بتجهيز الجيش للجهاد في سبيل الله، ولكن لم يجد المصحفي رجلاً يقود الجيش، فلقد جبنوا، فضلاً عن استحالة أن يقوم هو بنفسه بقيادة الجيش؛ فليست له خبرة بالجهاد من قبل، فبادر لهذه القيادة ابن أبي عامر، وقام باختيار مَنْ يخرج معه من الرجال، واحتاج في تجهيزه للجيش لمائة ألف دينار، فاستكثر ذلك بعض الحاضرين، فقال له ابن أبي عامر: «خُذْ ضِعْفَها، وامض! وليحسنْ غَنَاؤُك». فبُهت المعترض وسكت.

    بروز نجم محمد بن أبي عامر

    استعدَّ ابن أبي عامر لهذه الغزوة أفضل استعداد، وقاد الجند، وأخذ معه المال، وسار في رجب سنة (366هـ) إلى الشمال، وهرب من أمامه جيش النصاري، ثم استطاع الاستيلاء على حصن الحامة وربضه، وعاد إلى قُرْطُبَة بعد اثنين وخمسين يومًا من خروجه إلى الغزو محملاً بالسبي والغنائم، ففرح الناس بذلك فرحًا عظيمًا، وزاد حبُّهم وتقديرهم له؛ إذ استطاع بشجاعته وإقدامه رفع الذلِّ والعار عنهم، وكذلك أحبه الجنود الذين كانوا معه؛ لِمَا رأوا من كثرة جوده، وكرم عشرته، وشجاعته في الحرب، فأحبوه والتفُّوا حوله، وزاد هو إحسانًا إليهم.

    وهكذا انتهت الغزوة الأولى لصالح المسلمين عامة، ولصالح ابن أبي عامر خاصة، ولم تفتر همة ابن أبي عامر بعد هذه الغزوة؛ بل سارع بهمة عالية إلى استغلال آثارها على كافَّة المستويات، وكانت هجمات النصارى التي تتابعت على الأندلس عقب موت الحكم، وسكوت غالب عن مواجهتها قد أضعفت مركز غالب بن عبد الرحمن وقَلَّلَتْ من شأنه.

    محمد بن أبي عامر وغالب الناصري

    عرف ابن أبي عامر ما في نفس غالب من العداوة للمصحفي، وبأنه يرى نفسه فوقه، ويُغضبه أن يكون المصحفي في الحجابة وفي مراتب الدولة، وهو الذي بلا تاريخ ولا سابقة، فسعى ابن أبي عامر للدفاع عن غالب عند الخليفة الصغير وأُمِّه، فرُفع بذلك قدره، وأُعطيَ لقب ذي الوزارتين، وأصبح هو وابن أبي عامر المسئولَيْنِ عن الإعداد للصوائف؛ فهو المسئول عن جيش الثغر، وابن أبي عامر المسئول عن جيش الحضرة (أي الجيش المكلف بالدفاع عن قُرْطُبَة)، وفي عيد الفطر من العام نفسه (366هـ) اتجه ابن أبي عامر بالجيش إلى الشمال، واجتمع ابن أبي عامر بغالب بن عبد الرحمن في مدينة مجريط (مدريد الآن)، واتجها بالجيش إلى قشتالة، وفتحا حصن مُولَة، وغنموا وسبوا كثيرًا، وكان غالب ورجاله قد أبلوا أحسن البلاء، حتى كانوا سببًا في هذا الفتح.

    وكان غالب قد أحب ابن أبي عامر لما رآه من مواهبه، أو لما رأى من سعيه للدفاع عنه ورَفْع قدره عند الخليفة وأمه، ودوره في أن يُلَقَّب بذي الوزارتين، أو لما كان من العداوة بينه وبين للمصحفي؛ فمن ثَمَّ رأى أن ابن أبي عامر أحق بالحجابة من المصحفي.

    أيًّا ما كان الأمر، لسبب مما سبق أو لكل هذه الأسباب معًا، فلقد توطَّدت العلاقة بين غالب الناصري ومحمد بن أبي عامر، إلى الحدِّ الذي تنازل فيه غالب عمَّا أبلاه وجنوده في الفتح، فنُسب ذلك كله إلى ابن أبي عامر، فأرسل الرسائل إلى قُرْطُبَة تُشيد بما كان منه ومن بطولته وجهاده، وعظم الفتح الذي تمَّ على يديه، ثم اتفقا على عزل المصحفي، ذلك الحاجب الضعيف المتردِّد الرأي، وقال غالب لمحمد بن أبي عامر: «سيظهر لك بهذا الفتح اسم عظيم وذِكْر جليل، يشغلهم السرور به عن الخوض فيما تُحدثه من قصة، فإيَّاك أن تخرج عن الدار حتى تعزل ابن جعفر عن المدينة وتتقلدها دونه!»؛ لأن ابن جعفر المصحفي كان متوليًا لقُرْطُبَة العاصمة، وعَزْل هذا الوالي أول طريق عزل المصحفي عن الحجابة.

    عاد ابن أبي عامر إلى قُرْطُبَة ومعه الغنائم والسبي، فاستمال بهذا الفتح الكبيرِ العامةَ والخاصةَ، وعَرفوا فيه حُسن النقيبة، وبُعد الهمة، فما كاد يصل ابن أبي عامر إلى قُرْطُبَة حتى أمر الخليفة في اليوم نفسه بعزل محمد بن جعفر المصحفي عن مدينة قُرْطُبَة، وتولية ابن أبي عامر المدينة، فأظهر ابن أبي عامر في حُكم المدينة كفاءة منقطعة النظير؛ حتى إن ابن عذاري المراكشي يصف ما قام به بالنسبة إلى فعل ابن المصحفي فيقول: «فضبط محمد المدينة ضبطًا أنسى أهل الحضرة (أي قُرْطُبَة) مَنْ سلف من أفراد الكُفَاة[3] وأُولي السياسة، وقد كانوا قبله في بلاء عظيم، يتحارسون الليل كله، ويُكابدون من روعات طُرَّاقه ما لا يُكابد أهل الثغور من العدوِّ. فكشف الله ذلك عنهم بمحمد بن أبي عامر وكفايته، وتنزُّهه عما كان يُنسب لابن جعفر؛ فسدَّ باب الشفاعات، وقمع أهل الفسق والذعارات، حتى ارتفع البأس، وأَمِنَ الناس، وأمنت عادية المتجرِّمين من حاشية السلطان؛ حتى لقد عثر على ابن عم له يعرف بعسقلاجة؛ فاستحضره في مجلس الشرطة وجلده جلدًا مبرحًا كان فيه حمامه[4]؛ فانقمع الشرُّ في أيامه جملة»[5].

    ولما رأى الحاجب جعفر المصحفي ما آل إليه أمر ابن أبي عامر من القوة، وما بدا من تضعضع قوته وانحسار نفوذه، بادر إلى استمالة غالب، فخطب ابنة غالب لابنه، وما أن علم ابن أبي عامر بالأمر، حتى أرسل إلى غالب يُناشده العهد، ويخطب ابنة غالب لنفسه، وسانده في ذلك أهل دار الخلافة، فخرج طلب خطبة أسماء إلى ابن أبي عامر من قصر الخلافة في الزهراء، وبهذا كان الميزان كله في صالح ابن أبي عامر، فوافق غالب على تزويج ابنته أسماء له، وتم عقد القران بالفعل في المحرم سنة (367هـ)، وعندها أيقن المصحفي بالنكبة، وكفَّ عن اعتراض ابن أبي عامر في شيء، وانفضَّ الناس عن المصحفي، وأقبلوا على ابن أبي عامر إلى أن صار المصحفي يغدو إلى قصر قُرْطُبَة ويروح وهو وحده وليس بيده من الحجابة سوى اسمها.

    نهاية جعفر المصحفي

    وبعد أن تمَّ عقد قران ابن أبي عامر على أسماء ابنة غالب، خرج ابن أبي عامر في غزوته الثالثة، فخرج إلى طليطلة في غرَّة صفر 367هـ، واجتمع مع صهره غالب، ونهضا معًا إلى الشمال النصراني، فافتتحا حصن المال، وحصن زنبق، ودخلا مدينة شلمنقة، واستولوا على أرباضها، ثم عاد ابن أبي عامر بالغنائم والسبي، وبعدد كبير من رءوس النصارى، بعد أربعة وثلاثين يومًا من خروجه، فزادت حفاوة الخليفة به، وقلده خُطَّة الوزارتين للتسوية بينه وبين صهره، ورفع راتبه إلى ثمانين دينارًا في الشهر، وهو راتب الحجابة في ذلك الوقت، ثم زُفت أسماء بنت غالب إلى محمد بن أبي عامر في ليلة النيروز من قصر الخليفة في عرس لا مثيل له في الأندلس، ثم قلَّده الخليفة خُطَّة الحجابة إلى جانب جعفر المصحفي، ثم تغيَّر الخليفةُ على جعفر وسخط عليه، وأمر بعزله هو وأولاده وأقاربه عن أعمالهم في الدولة، والقبض عليهم، فسارع محمد بن أبي عامر إلى محاسبتهم حتى استصفى كل أموالهم، ومزَّقهم كل ممزق، وأيقن جعفر المصحفي بأنه هالك لا محالة، فحاول استرضاء ابن أبي عامر إلاَّ أن ذلك لم يُجْدِ شيئًا، حتى توفي سنة (372هـ) في سجنه، وقيل: قُتل. وقيل: دست إليه شربة فيها سُمّ[6].

    ويُعلِّق ابن حيان على ما آل إليه أمر جعفر المصحفي فيقول: «وكانت لله عند جعفر في إيثاره هشامًا بخلافته، واتباع شهوة نفسه وحظِّ دنياه، وتسرُّعه إلى قتل المغيرة لأول وهلة، دون قصاص جريرة استدركته دون إملاء، فسُلط عليه مَنْ كان قدر أن يتسلط على الناس باسمه»[7].

    [1] دارى: أي لاينه ورفق به، وأحسن صحبته واحتماله له؛ لئلاَّ ينفر منه. ابن منظور: لسان العرب، مادة درى 14/254.

    [2] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/،256 وما بعدها بتصرف.

    [3] الكُفاة: الخدم الذين يقومون بالخدمة؛ جمع كافٍ. ابن منظور: لسان العرب، مادة كفى 15/226.

    [4] أي مات من الجلد، وكان قد جلده في حد شرب الخمر.

    [5] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/266.

    [6] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/264، بتصرف.

    [7] انظر: ابن بسام: الذخيرة 7/65.
 
DQcY5RKUMAEgAXc.jpg


قال صاحب نفح الطيب يتحدث عن المنصور بن أبي عامر من أخباره الدالة على إقبال أمره وخيبة عدوّه وإدباره، أنّه ما عاد قطّ من غزوة إلا استعدّ لأخرى، ولم تهزم له قطّ راية مع كثرة غزواته شاتية صائفة وكفاه ذلك فخراً.

تمثال الحاجب المنصور في قلعة النسور
 
عودة
أعلى