مع تلقي كل من مدفعي الدبابة وملقمها إصابات وصفت بالخطيرة
قصة دبابة الأبرامز التي أعطبتها أسد بابل العراقية خلال حرب الخليج 1991 !!
قصة دبابة الأبرامز التي أعطبتها أسد بابل العراقية خلال حرب الخليج 1991 !!
بدأت الحرب الأرضية والهجوم البري في 24 فبراير 1991، ودامت حتى 27 فبراير من نفس السنة عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش George W. Bush وقف إطلاق نار أحادي الجانب، بعد أن أخرجت وحدات الجيش العراقي الأخيرة بالقوة من الكويت. الدبابة أسد بابل شوهدت عملياتياً في الغالب مع فرقة الحرس الجمهوري المدرعة الملقبة "توكلنا على الله" Tawakalna Ala Allah في اليوم الثالث من العمليات، حيث حطمت الفرقة بعد ذلك بالهجوم المتوافق لعدة قوات مهام مدرعة أمريكية. هذه الدبابة كانت متأخرة تقنياً لنحو خمسة عشر سنة أو أكثر، لذا هي لم تكن قادرة على مواجهة آخر جيل دبابات معركة رئيسة أمريكية بدون تحمل خسائر جسيمة. في المقابل، بعض المصادر الأمريكية الرصينة رجحت احتمالية تعرض دبابة أبرامز أو أكثر لأضرار ولو جزئية بنيران الدبابات العراقية أسد بابل. فالاعتقاد الأولي تحدث عن أن دزينة دبابات M1A1 ضربت وتضررت من قبل دبابات T-72M1 عراقية، لكن بعد تحليل أكثر شمولية وواقعية حول أضرار المعركة، تبين أن سبعة منها كانت قد ضربت بلا شك بنيران صديقة Friendly fire. وطبقاً لمكتب نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات والخطط التابع للجيش الأمريكي، كان هناك عدد 23 دبابة أبرامز دمرت أو تضررت خلال عمليات عاصفة الصحراء Operation Desert Storm. من هذه تسعة دبابات دمرت بشدة، سبعة منها كانت بسبب نيران صديقة واثنتان دمرتا عمداً لمنعهما من السقوط في الأسر بعد تعطلهما عن العمل. دبابات أبرامز الأخرى أتلفت وتضررت لأسباب عدة مثل نيران العدو، الألغام الأرضية، النيران الداخلية، أو لمنعها من الأسر بعد أن أصبحت متضررة. بيانات مركز الدروس المتعلمة التابع للجيش الأمريكي CALL أظهرت بضعة أطقم دبابات M1A1 أبلغت عن استلامها ضربات أمامية مباشرة من مقذوفات دبابات أسد بابل عراقية، مع أضرار أقل ما يمكن.. مع ذلك، الكاتب "روبرت سكيلس" Robert H. Scales وهو لواء متقاعد في الجيش الأمريكي وقائد سابق في كلية حرب الجيش الأمريكي، يتحدث في كتابه "النصر المؤكد" Certain Victory (نشر في العام 1994 وتناول سيرة حرب الخليج العام 1991) عن قصة دبابتي أبرامز، تعرضتا لأضرار مؤكدة وجدية نتيجة ضربات مباشرة من دبابات أسد بابل عراقية وذلك خلال مواجهات حصلت بتاريخ 26 فبراير 1991 قبل منتصف الليل بقليل مع إحدى وحدات فرق الحرس الجمهوري المدرعة (تتبع قوات توكلنا على الله). أحد هذه الدبابات حمل الترميز Delta 24، ومن هنا تبدأ القصة!!
الدبابة Delta 24 كانت تتبع الفرقة المدرعة الأولى/السرية D وهي بقيادة الرقيب أول "أنتوني ستيد" Anthony Steede. حادثة الهجوم على هذه الدبابة ذكرت بتقرير رسمي مفصل، عندما تحدث قائد الدبابة بداية العمليات عن اندهاشه من مشاهدة الكثير من الأهداف المعادية في المحيط خلال عملية التقدم السريع لوحدته المدرعة. لقد أطلقت دبابة ستيد عدد ستة قذائف على أهداف وصفت أنها دبابات T-72 وعربات BMP عراقية وأصابتها جميعا. بعدها بلحظات، دبابة ستيد واجهت هجمات متتالية بطلقات المدافع الرشاشة والمقذوفات العاملة بالدفع الصاروخي rocket-propelled grenades لكن دون التسبب بأضرار جدية!! خلال ساعات الظلام، العراقيون كانوا يطلقون النار بغزارة باتجاه ومضات فوهات مدافع الدبابات الأمريكية التي كانت تطلق نيرانها أثناء الحركة. توقفت الدبابة وأخذ ستيد في إدارة برج دبابته لمسح واستكشاف المنطقة المحيطة بمنظاره الحراري thermal sight. العربات العراقية المحترقة جعلت ساحة المعركة المظلمة تسطع مرة أخرى، بحيث أخفق منظار ستيد الحراري بشكل مؤقت في تمييز بعض الأهداف، مما سمح لدبابة وحيدة من نوع T-72M1 بالانسحاب خلسة والاتجاه مباشرة إلى المؤخرة اليسرى للدبابة Delta 24 وذلك من وسط الدبابات والعربات العراقية المحترقة. وما هي إلا لحظات حتى باغتت الدبابة العراقية غير المرئية هدفها وأطلقت النار على دبابة ستيد بمدفعها الرئيس من مسافة مقدرة ببضعة مئات الأمتار. المشهد المنظور بالنسبة لمدفعي الدبابة T-72M1 كان أكثر من مثالي والهدف يقف في وضع جانبي حيث البرج يمتد على طول الهيكل!! يصف ستيد ما حدث بعد ذلك بالقول "مع وميض براق وساخن استغرق نحو النصف ثانية، قذيفة الدبابة العراقية من عيار 125 ملم التي ضربت حلقة برج دبابتي استطاعت النفاذ إلى مقصور الطاقم crew compartment". الضغط المفرط وموجات الاهتزاز الناتجة عن ثقب صفائح الدرع نتج عنها قذف ستيد للخارج مثل الفلينة التي تنتزع من فوهة القنينة. جون براون John Brown وهو مدفعي الدبابة Delta 24 قذف بقوة نحو الخلف وتلقفت سيقانه ضغط الانفجار، بحيث تسببت قطع وشظايا معدنية متطايرة في انتزاع اللحم عن عظامه. سقط ستيد بقوة على صندوق التخزين stowage box الخارجي المثبت على الجانب الأيمن من سطح البرج. هو أصيب بالذهول من شدة الهجوم لكنه كان لا يزال حي، حيث بدأ في تحسس ذراعيه وسيقانه وجسمه الذي بدا أنه سليم من الإصابة رغم أحساس الألم والخدر الذي انتابه!! حمل ستيد نفسه مرة أخرى بعناء وتوجه نحو كوته السقفية أعلى البرج.
لقد أدركت Delta 24 جيداً أنها أصيبت بقذيفة دبابة معادية، كانت على الأرجح من نوع شديد الانفجار المضاد للدبابات HEAT. نظام إخماد النيران fire-suppressant system في الدبابة نشط وأفرغ محتوياته تلقائياً، فقط خلال أجزاء من الثانية بعد الاختراق وكتم وميض الغازات الساخنة. وعلى الرغم من أن لا شيء كان يحترق حينها، إلا أنه كان على ستيد إخراج بقية أفراد طاقمه من الدبابة المتضررة. إلى يساره هو شاهد نهاية كفاح براون للخروج من كوته الخاصة، الذي أخذ يتدحرج ويتقلب بعدها باتجاه الجانب الأيسر من البرج ليختفي بعيداً عن الأنظار. داخل البرج كان الدخان ما زال يتصاعد بكثافة والخوف الحقيقي من احتمالية ايقاد النار بقي قائماً. في هذه الظروف الصعبة، جاهد ستيد للنزول إلى الدبابة من خلال كوته السقفية. وعندما لامست قدماه الأرضية، أخذ في السعال نتيجة الأدخنة الكثيفة. في الداخل كان لا يزال هناك إحدى شمعات الإنارة الداخلية الزرقاء وهي تضيء بشكل خافت خلال غشاوة وضبابية المكان. لقد لاحظ ستيد فوراً أن باب الانفجار الفولاذي blast door الذي يعزل مخزن ذخيرة السلاح الرئيس كان قد فتح بعنوة. كما أن أرضية الدبابة وكل شيء تقريباً شد أو ربط إلى الجدران الداخلية كان محطماً. هو شاهد أيضاً الشكل المسود للعريف "جيمس كوغلر" James Kugler ملقم المدفع وهو يحاول بشكل عبثي الخروج من مقعده. أمسك ستيد ببدلة كوغلر الكيميائية وسحبه بجهد كبير خارج البرج، ثم أنزله إلى الأرض ليشاهد براون وهو مستلقي بالقرب من الجنزير. ستيد وسائق الدبابة "ستيفن هورتن" Steven Howerton، حملا كوغلر وبراون إلى مسافة آمنة بعيداً عن دبابتهما المعطوبة. في الحقيقة كوغلر وبراون كانا ينزفان بشكل سيء bleeding badly، لذا جرى إحضار صندوق الإسعافات الأولية من داخل الدبابة بعد هدوء الوضع بقليل. في الحقيقة، كوغلر تلقى ومضات وهبات حارقة flash burns إلى وجهه وكلتا ساعديه (حروق في العيون والحنجرة والرئتين وضرر شرياني في ذراعه الأيسر)، بالإضافة إلى إصابات خطيرة بالشظايا في كلتا الساقين. ظروف إصابة الملقم (ما زال لديه 19 شظية في جسمه) حددت وجوب وضعه تحت الإشراف والعناية الطبية بعد إخلاءه لمستشفى الجيش الأمريكية، كما تم إعطائه إجازة نقاهة لمدة 60 يوم.. نيران الأسلحة الخفيفة بدأت تتصاعد وتتطاير من حول الناجين لتثير التراب، هذه كانت صادرة عن الجنود العراقيين المنتشرين في المنطقة، فلم يعد بإمكان طاقم الدبابة Delta 24 الشعور بالأمان. وبعد طول انتظار، شاهد ستيد دبابة أبرامز أخرى على مسافة 200 م عن موضعهم التي بادرت إلى نجدتهم وطلب عربة الإسعاف لإنقاذ الجرحى (بعد التقاطه وأفراد طاقمه، أستطاع ستيد مشاهدة دبابة أسد بابل التي تسببت بالهجوم وكانت مدمرة تماما وهي تقف عند المقدمة اليسرى وعلى مسافة 400 م عن دبابته).