«المنطقة العازلة» أطماع تركية بذريعة الأمن
في تناغم وتزامن يناقضان الخلاف الظاهر، أعلن كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب اعتزامهما إقامة ما تسمى «منطقة عازلة» في شمال سوريا، الأول مستخدماً الورقة الكردية، والثاني مستتبعاً خطته لسحب القوات الأمريكية من المنطقة.
لكن المعروف أن فكرة المنطقة الآمنة لأول مرة طرحت من قبل تركيا، خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى واشنطن في مايو عام 2013، وفي حينه قال إن هدفها حماية المدنيين الفارين من الاشتباكات في سوريا.
لكن هذه المرة، ولأن الذريعة ذاتها لم تعد صالحة، رفع الرئيس التركي الورقة الكردية تحت عنوان مفاده أن قوات سوريا الديمقراطية تشكّل امتداداً لحزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا. وجاء تصريح أردوغان الأخير بشأن استعداد جيشه لشن عمليات «أكثر فاعلية» شرقي نهر الفرات، حيث تتمركز وحدات حماية الشعب الكردية، ليزيد المخاوف من التمدد التركي في سوريا، الآخذ في الاتساع على مدار أكثر من عامين.
إذن في نظر الكثير من المراقبين، فإنه مهما تعددت ذرائع أنقرة وتغيّرت دوافعها المعلنة بين محاربة تنظيم داعش وتحجيم أي دور للأكراد، يبقى الثابت في الأمر أن لتركيا أطماعاً تاريخية في سوريا.
أنقرة التي تتحدث عن أسباب آنية لتحركاتها في الشمال السوري، لوّحت بوجود وثائق تؤكد «حقها» في بسط سيطرتها على 15 قرية في محافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية. ودفعت لهذا الغرض بتعزيزات عسكرية لإنشاء نقاط مراقبة في المنطقة.
وثائق عثمانية
في السابق، استندت تركيا على وثائق عثمانية مشابهة لتبرير سيطرتها على مدينتي جرابلس ومنبج في محافظة حلب، كما تذرعت بوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا، لبسط نفوذها عليها.
عفرين وإعزاز وغيرهما في المناطق السورية المتاخمة لحدود تركيا، تمثّل مؤشّراً لأطماع أنقرة المشار إليها، حيث تجري عملية ضم صامتة. ولم يقتصر تدخل أنقرة في سوريا على قضم الأراضي، بل امتد ليشمل الكتب المدرسية ولافتات الطرق والمؤسسات حيث تعلو واجهاتها اللغة التركية. فعلى جدار مبنى المجلس المحلي بمدينة أعزاز في حلب مثلاً، تتصدر عبارة مكتوبة باللغتين العربية والتركية «التآخي ليس له حدود»، وإلى جانبها جرى تعليق العلم التركي.
ولم يقتصر الأمر على التواجد العسكري، إذ إن المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة التركية وجدت خلال العامين الماضيين، موطئ قدم لها في هذه المنطقة السورية، حيث أنشأت أنقرة شبكة كهرباء في مدينة جرابلس، وعُلقت صورة لأردوغان على جدار في مستشفاها الرئيسي الذي تشرف عليه أنقرة.
كما تنتشر في سوق أعزاز محال تبيع البضائع التركية، فيما يحصل بعض السكان على البضائع عبر «المديرية العامة للبريد التركية» الرسمية، التي فتحت مكتباً لها في مدينة أعزاز يعمل فيه موظفون أتراك وسوريون. ويُسمح في مكتب البريد باستخدام الليرة التركية فقط، التي تراجعت إلى أدنى معدلاتها مقابل الدولار خلال الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة من تركيا.
آفاق مرحلة
بعد أن أحكمت (هيئة تحرير الشام) (جبهة النصرة سابقًا) سيطرتها بالكامل على منطقة إدلب شمال سوريا، لم يتبقَ أمام الفصائل المعارضة الأخرى من خيارات سوى الرحيل أو الإذعان للهيئة، وفق تحليل إخباري لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبعض الفصائل المسلحة الموجودة هي حاليًا حليفة لـ«التنظيم»، لكن على الجماعات الأخرى إما المغادرة إلى مناطق أخرى، وإما الإندماج في (حكومة الإنقاذ) التابعة للهيئة.
توصلت موسكو وأنقرة في 17 سبتمبر الماضي إلى اتفاق نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها. ونجح الاتفاق بدرء هجوم للقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا على منطقة تضم ثلاثة ملايين نسمة، إلا أنه لم يجر تنفيذ بقية بنود الاتفاق. وأوكلت موسكو إلى تركيا، التي تنضوي الفصائل التي تدعمها في تحالف يُعرف باسم «جبهة التحرير الوطنية»، نزع سلاح الفصائل المتشددة في إدلب. لكن تركيا فشلت بتحقيق ذلك، وبدلاً من ذلك أخذت «هيئة تحرير الشام» المبادرة بالهجوم.
الاشتباكات العنيفة التي خلفت أكثر من 130 قتيلًا هذا العام والمكاسب السريعة لـ «النصرة» أدت إلى إخلال الفصيلين المتبقيين المدعومين من تركيا المنطقة بالكامل. وبدا أن تركيا التي تنشر جنوداً في أجزاء من إدلب وغيرها من مناطق الشمال السوري لم تفعل شيئاً لوقف تمدد جبهة النصرة، رغم تصنيفها من جانب أنقرة كتنظيم إرهابي..
نكسة تركيا
وشكل التقدم الخاطف لـ «النصرة» في إدلب هزيمة جليّة للفصائل التي تدعمها تركيا، حسبما يرى ابري بالانش الخبير بشؤون سوريا ويقول: «بالنسبة إلى تركيا، هذه هزيمة لحلفائها». ووقّع فصيلان في «جبهة التحرير الوطنية» المدعومة من تركيا اتفاقًا مع «هيئة تحرير الشام» (النصرة) يقضي باستيعابهما من قبل الهيئة. وقال فصيلا «أحرار الشام» و«صقور الشام» إنهما يحتفظان بقواتهما في منطقة إدلب الآن، لكنهما سيخضعان لسلطة «حكومة الإنقاذ» التي تم توسيعها حديثاً.
وكما جرى مع جماعة «نور الدين زنكي»، فإن المسلّحين الذين يرفضون الخضوع لـ «النصرة» سيعاد على الأرجح توزيعهم على مناطق تسيطر عليها تركيا مثل عفرين.
سيطرة «هيئة تحرير الشام» على إدلب تعني أن بنود اتفاق سبتمبر الماضي الذي تم التوصل إليه في سوتشي لم يتم احترامه. فبعد الاتفاق مع روسيا، عُهد إلى تركيا باستخدام فصائلها في إدلب لكبح الإرهابيين. وجمّد اتفاق سوتشي هجومًا سورياً بدا وشيكاً قبل أربعة أشهر في منطقة يسكنها ثلاثة ملايين شخص.
سيطرة «النصرة» على إدلب تدفع لإحياء خطط الجيش السوري للحسم العسكري من أجل استعادة المحافظة الأخيرة من أيدي الإرهابيين. لكن بالانش اعتبر أن مثل هذا الأمر لا يشكل أولوية لدى الحكومة السورية. وقال: «الروس جاهزون للهجوم في أي لحظة، لكنهم لن يقوموا بذلك»، مضيفًا: «إنهم يستخدمون أردوغان ليضغط على الأمريكيين من أجل مغادرة شمال شرق سوريا».
موسكو والتوازنات
الموقف الروسي مخالف لموقف تركيا، شريكة موسكو في مساري أستانة وسوتشي. هذا الموقف عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال بوضوح إن الجيش السوري هو الذي يجب أن يسيطر على شمال البلاد بعد الانسحاب الأميركي.
لافروف أبدى قناعة «بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية والهياكل الإدارية». وقال إن مستقبل الأكراد يمكن ضمانه تحت سيطرة الحكومة السورية. وفي تأكيد على الأولويات يرى لافروف أن «الحرب على الإرهاب يجب أن تُنجز. الآن بؤرة الإرهاب هي إدلب». وبخصوص خطط الانسحاب الأمريكي أشار إلى أنه من الصعب فهم ما ترمي له الولايات المتحدة في سوريا، وأن الأمريكيين لا يوفون بوعودهم دائماً.
وفي تحليل للكاتب التركي يافوز بايدار في «أراب ويكلي» قال إن الرئيس بوتين، سوف يحتاج إلى الحفاظ على توازن دقيق بين طهران ودمشق، وأن يعمل كحامٍ للأكراد السوريين. وأضاف :يستطيع أن يفعل ذلك بمساعدة الأكراد على نيل شكل من أشكال الحكم الذاتي.
سوف تكون بصمة الرئيس الروسي واضحة بالتأكيد على الدستور السوري الجديد، وسوف يحتاج إلى إبقاء كل هذا في ذهنه. ومن المؤكد أنه سيشجع الجماعات الكردية المسلّحة، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا، على تسليم الأرض للجيش السوري.
مسح تركي لـ«المنطقة العازلة»
أظهر مسح على الشمال السوري، أن المنطقة العازلة مدار الحديث، ستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات، هي حلب والرقة والحسكة. ووفقاً للإعلام التركي، فإنها تمتد على طول 460 كيلومتراً، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 20 ميلاً (32 كيلومتراً)». وأظهر مسح تركي أن أبرز المناطق المشمولة، هي تلك الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرين في محافظة حلب، وعين عيسى في محافظة الرقة.
كما تضم مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين وتل تمر والدرباسية وعامودا ووردية وتل حميس والقحطانية واليعربية والمالكية في محافظة الحسكة، وتضم كذلك كلاً من عين العرب في حلب، وتل أبيض في الرقة.
البوصلة الكردية نحو دمشق
بين نوايا أنقرة ضد المواطنين السوريين الأكراد في الشمال السوري، يبدو أن اتجاه بوصلة الأكراد باتجاه تكثيف التواصل والتفاهمات مع الحكومة في دمشق والقوى الدولية الكبرى لتأمين حقوقهم، ومنع الأتراك من تنفيذ تهديدات العدوان العسكري. وقد كررت القيادة الكردية في شمالي سوريا مراراً رفضها إقامة منطقة عازلة، معتبرة إياها بمثابة احتلال تركي.
الأكراد يخوضون مع موسكو حوارات مهمّة يأملون أن تفضي إلى تسليم الحدود في الشمال إلى الدولة السورية، مقابل قبول إدارة محلية بضمانة روسية. وفي الاتجاه ذاته وجّه الأكراد أعينهم إلى فرنسا لتأمين حماية لهم في حال أغرى أي فراغ، في المناطق التي سينسحب منها الأمريكيون، أنقرة من تمديد نفوذها إلى شرقي سوريا.
وفي تعبير على هذا التوجّه، يشدد القيادي الكردي البارز في قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل أنّه لا مفر من التوصل إلى حل مع دمشق إزاء مستقبل «الإدارة الذاتية الكردية»، مؤكداً أنّ هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري الذي لم تعرف بنيته سابقاً وجود أية تكتلات على أساس قرقي أو طائفي.
وقال خليل: «لا مفر من توصل الإدارة الذاتية إلى حل مع الحكومة السورية؛ لأن مناطقها هي جزء من سوريا». وأشار إلى «مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج»، مضيفاً: «في حال التوصل إلى حل واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرقي الفرات»، في إشارة إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» في محافظة دير الزور في شرقي سوريا.
وأكدت تقارير أنّ قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سيبان حمو قام بزيارتين غير معلنتين إلى دمشق وموسكو لنقل «عرض سري» تضمن الموافقة على تسليم الحدود إلى «الدولة السورية» مقابل قبول إدارة محلية بضمانة روسية. وأشارت التقارير إلى أنّ العرض يرمي إلى الوصول إلى تفاهمات لـ«ملء الفراغ» بعد الانسحاب الأمريكي و«قطع الطريق» على تدخل تركي.
حمو طار إلى قاعدة حميميم، ثم جرى لقاء سري في دمشق ضم مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع السوري، العماد علي أيوب، بحضور وفد عسكري روسي. وفي الـ29 من الشهر الماضي، وبالتزامن مع زيارة وفد تركي برئاسة وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، إلى موسكو، وصل حمو إلى العاصمة الروسية والتقى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ورئيس الأركان، فاليري غيراسيموف.
احتلال تركي
مستشار الإدارة الذاتية بدران جيا كورد قال إن ما تسمى بالمنطقة العازلة ستكون بمثابة احتلال تركي بغطاء جديد، داعياً مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات إضافية لحماية مناطق شمالي وشرقي سوريا من التهديدات التركية ومرتزقتها. واشترط لقبول «المنطقة العازلة» في حال أصبحت تحت إشراف الأمم المتحدة، وتكون قوات حيادية تحافظ على الأمن والاستقرار، موضحاً أنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع دمشق يقضي بدخول الجيش السوري مناطق الإدارة الذاتية لحمايتها من الاحتلال التركي.
وقد شدد القيادي الكردي البارز في قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل أنّه «لا مفر من التوصل إلى حل» مع دمشق إزاء مستقبل الإدارة الذاتية الكردية، مؤكداً أنّ هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري.
وقال خليل في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا مفر من توصل الإدارة الذاتية إلى حل مع الحكومة السورية؛ لأن مناطقها هي جزء من سوريا». وأشار خليل إلى «مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج»، مضيفاً: «في حال التوصل إلى حل واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرقي الفرات».
في تناغم وتزامن يناقضان الخلاف الظاهر، أعلن كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب اعتزامهما إقامة ما تسمى «منطقة عازلة» في شمال سوريا، الأول مستخدماً الورقة الكردية، والثاني مستتبعاً خطته لسحب القوات الأمريكية من المنطقة.
لكن المعروف أن فكرة المنطقة الآمنة لأول مرة طرحت من قبل تركيا، خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى واشنطن في مايو عام 2013، وفي حينه قال إن هدفها حماية المدنيين الفارين من الاشتباكات في سوريا.
لكن هذه المرة، ولأن الذريعة ذاتها لم تعد صالحة، رفع الرئيس التركي الورقة الكردية تحت عنوان مفاده أن قوات سوريا الديمقراطية تشكّل امتداداً لحزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا. وجاء تصريح أردوغان الأخير بشأن استعداد جيشه لشن عمليات «أكثر فاعلية» شرقي نهر الفرات، حيث تتمركز وحدات حماية الشعب الكردية، ليزيد المخاوف من التمدد التركي في سوريا، الآخذ في الاتساع على مدار أكثر من عامين.
إذن في نظر الكثير من المراقبين، فإنه مهما تعددت ذرائع أنقرة وتغيّرت دوافعها المعلنة بين محاربة تنظيم داعش وتحجيم أي دور للأكراد، يبقى الثابت في الأمر أن لتركيا أطماعاً تاريخية في سوريا.
أنقرة التي تتحدث عن أسباب آنية لتحركاتها في الشمال السوري، لوّحت بوجود وثائق تؤكد «حقها» في بسط سيطرتها على 15 قرية في محافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية. ودفعت لهذا الغرض بتعزيزات عسكرية لإنشاء نقاط مراقبة في المنطقة.
وثائق عثمانية
في السابق، استندت تركيا على وثائق عثمانية مشابهة لتبرير سيطرتها على مدينتي جرابلس ومنبج في محافظة حلب، كما تذرعت بوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا، لبسط نفوذها عليها.
عفرين وإعزاز وغيرهما في المناطق السورية المتاخمة لحدود تركيا، تمثّل مؤشّراً لأطماع أنقرة المشار إليها، حيث تجري عملية ضم صامتة. ولم يقتصر تدخل أنقرة في سوريا على قضم الأراضي، بل امتد ليشمل الكتب المدرسية ولافتات الطرق والمؤسسات حيث تعلو واجهاتها اللغة التركية. فعلى جدار مبنى المجلس المحلي بمدينة أعزاز في حلب مثلاً، تتصدر عبارة مكتوبة باللغتين العربية والتركية «التآخي ليس له حدود»، وإلى جانبها جرى تعليق العلم التركي.
ولم يقتصر الأمر على التواجد العسكري، إذ إن المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة التركية وجدت خلال العامين الماضيين، موطئ قدم لها في هذه المنطقة السورية، حيث أنشأت أنقرة شبكة كهرباء في مدينة جرابلس، وعُلقت صورة لأردوغان على جدار في مستشفاها الرئيسي الذي تشرف عليه أنقرة.
كما تنتشر في سوق أعزاز محال تبيع البضائع التركية، فيما يحصل بعض السكان على البضائع عبر «المديرية العامة للبريد التركية» الرسمية، التي فتحت مكتباً لها في مدينة أعزاز يعمل فيه موظفون أتراك وسوريون. ويُسمح في مكتب البريد باستخدام الليرة التركية فقط، التي تراجعت إلى أدنى معدلاتها مقابل الدولار خلال الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة من تركيا.
آفاق مرحلة
بعد أن أحكمت (هيئة تحرير الشام) (جبهة النصرة سابقًا) سيطرتها بالكامل على منطقة إدلب شمال سوريا، لم يتبقَ أمام الفصائل المعارضة الأخرى من خيارات سوى الرحيل أو الإذعان للهيئة، وفق تحليل إخباري لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبعض الفصائل المسلحة الموجودة هي حاليًا حليفة لـ«التنظيم»، لكن على الجماعات الأخرى إما المغادرة إلى مناطق أخرى، وإما الإندماج في (حكومة الإنقاذ) التابعة للهيئة.
توصلت موسكو وأنقرة في 17 سبتمبر الماضي إلى اتفاق نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها. ونجح الاتفاق بدرء هجوم للقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا على منطقة تضم ثلاثة ملايين نسمة، إلا أنه لم يجر تنفيذ بقية بنود الاتفاق. وأوكلت موسكو إلى تركيا، التي تنضوي الفصائل التي تدعمها في تحالف يُعرف باسم «جبهة التحرير الوطنية»، نزع سلاح الفصائل المتشددة في إدلب. لكن تركيا فشلت بتحقيق ذلك، وبدلاً من ذلك أخذت «هيئة تحرير الشام» المبادرة بالهجوم.
الاشتباكات العنيفة التي خلفت أكثر من 130 قتيلًا هذا العام والمكاسب السريعة لـ «النصرة» أدت إلى إخلال الفصيلين المتبقيين المدعومين من تركيا المنطقة بالكامل. وبدا أن تركيا التي تنشر جنوداً في أجزاء من إدلب وغيرها من مناطق الشمال السوري لم تفعل شيئاً لوقف تمدد جبهة النصرة، رغم تصنيفها من جانب أنقرة كتنظيم إرهابي..
نكسة تركيا
وشكل التقدم الخاطف لـ «النصرة» في إدلب هزيمة جليّة للفصائل التي تدعمها تركيا، حسبما يرى ابري بالانش الخبير بشؤون سوريا ويقول: «بالنسبة إلى تركيا، هذه هزيمة لحلفائها». ووقّع فصيلان في «جبهة التحرير الوطنية» المدعومة من تركيا اتفاقًا مع «هيئة تحرير الشام» (النصرة) يقضي باستيعابهما من قبل الهيئة. وقال فصيلا «أحرار الشام» و«صقور الشام» إنهما يحتفظان بقواتهما في منطقة إدلب الآن، لكنهما سيخضعان لسلطة «حكومة الإنقاذ» التي تم توسيعها حديثاً.
وكما جرى مع جماعة «نور الدين زنكي»، فإن المسلّحين الذين يرفضون الخضوع لـ «النصرة» سيعاد على الأرجح توزيعهم على مناطق تسيطر عليها تركيا مثل عفرين.
سيطرة «هيئة تحرير الشام» على إدلب تعني أن بنود اتفاق سبتمبر الماضي الذي تم التوصل إليه في سوتشي لم يتم احترامه. فبعد الاتفاق مع روسيا، عُهد إلى تركيا باستخدام فصائلها في إدلب لكبح الإرهابيين. وجمّد اتفاق سوتشي هجومًا سورياً بدا وشيكاً قبل أربعة أشهر في منطقة يسكنها ثلاثة ملايين شخص.
سيطرة «النصرة» على إدلب تدفع لإحياء خطط الجيش السوري للحسم العسكري من أجل استعادة المحافظة الأخيرة من أيدي الإرهابيين. لكن بالانش اعتبر أن مثل هذا الأمر لا يشكل أولوية لدى الحكومة السورية. وقال: «الروس جاهزون للهجوم في أي لحظة، لكنهم لن يقوموا بذلك»، مضيفًا: «إنهم يستخدمون أردوغان ليضغط على الأمريكيين من أجل مغادرة شمال شرق سوريا».
موسكو والتوازنات
الموقف الروسي مخالف لموقف تركيا، شريكة موسكو في مساري أستانة وسوتشي. هذا الموقف عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال بوضوح إن الجيش السوري هو الذي يجب أن يسيطر على شمال البلاد بعد الانسحاب الأميركي.
لافروف أبدى قناعة «بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية والهياكل الإدارية». وقال إن مستقبل الأكراد يمكن ضمانه تحت سيطرة الحكومة السورية. وفي تأكيد على الأولويات يرى لافروف أن «الحرب على الإرهاب يجب أن تُنجز. الآن بؤرة الإرهاب هي إدلب». وبخصوص خطط الانسحاب الأمريكي أشار إلى أنه من الصعب فهم ما ترمي له الولايات المتحدة في سوريا، وأن الأمريكيين لا يوفون بوعودهم دائماً.
وفي تحليل للكاتب التركي يافوز بايدار في «أراب ويكلي» قال إن الرئيس بوتين، سوف يحتاج إلى الحفاظ على توازن دقيق بين طهران ودمشق، وأن يعمل كحامٍ للأكراد السوريين. وأضاف :يستطيع أن يفعل ذلك بمساعدة الأكراد على نيل شكل من أشكال الحكم الذاتي.
سوف تكون بصمة الرئيس الروسي واضحة بالتأكيد على الدستور السوري الجديد، وسوف يحتاج إلى إبقاء كل هذا في ذهنه. ومن المؤكد أنه سيشجع الجماعات الكردية المسلّحة، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا، على تسليم الأرض للجيش السوري.
مسح تركي لـ«المنطقة العازلة»
أظهر مسح على الشمال السوري، أن المنطقة العازلة مدار الحديث، ستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات، هي حلب والرقة والحسكة. ووفقاً للإعلام التركي، فإنها تمتد على طول 460 كيلومتراً، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 20 ميلاً (32 كيلومتراً)». وأظهر مسح تركي أن أبرز المناطق المشمولة، هي تلك الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرين في محافظة حلب، وعين عيسى في محافظة الرقة.
كما تضم مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين وتل تمر والدرباسية وعامودا ووردية وتل حميس والقحطانية واليعربية والمالكية في محافظة الحسكة، وتضم كذلك كلاً من عين العرب في حلب، وتل أبيض في الرقة.
البوصلة الكردية نحو دمشق
بين نوايا أنقرة ضد المواطنين السوريين الأكراد في الشمال السوري، يبدو أن اتجاه بوصلة الأكراد باتجاه تكثيف التواصل والتفاهمات مع الحكومة في دمشق والقوى الدولية الكبرى لتأمين حقوقهم، ومنع الأتراك من تنفيذ تهديدات العدوان العسكري. وقد كررت القيادة الكردية في شمالي سوريا مراراً رفضها إقامة منطقة عازلة، معتبرة إياها بمثابة احتلال تركي.
الأكراد يخوضون مع موسكو حوارات مهمّة يأملون أن تفضي إلى تسليم الحدود في الشمال إلى الدولة السورية، مقابل قبول إدارة محلية بضمانة روسية. وفي الاتجاه ذاته وجّه الأكراد أعينهم إلى فرنسا لتأمين حماية لهم في حال أغرى أي فراغ، في المناطق التي سينسحب منها الأمريكيون، أنقرة من تمديد نفوذها إلى شرقي سوريا.
وفي تعبير على هذا التوجّه، يشدد القيادي الكردي البارز في قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل أنّه لا مفر من التوصل إلى حل مع دمشق إزاء مستقبل «الإدارة الذاتية الكردية»، مؤكداً أنّ هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري الذي لم تعرف بنيته سابقاً وجود أية تكتلات على أساس قرقي أو طائفي.
وقال خليل: «لا مفر من توصل الإدارة الذاتية إلى حل مع الحكومة السورية؛ لأن مناطقها هي جزء من سوريا». وأشار إلى «مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج»، مضيفاً: «في حال التوصل إلى حل واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرقي الفرات»، في إشارة إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» في محافظة دير الزور في شرقي سوريا.
وأكدت تقارير أنّ قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سيبان حمو قام بزيارتين غير معلنتين إلى دمشق وموسكو لنقل «عرض سري» تضمن الموافقة على تسليم الحدود إلى «الدولة السورية» مقابل قبول إدارة محلية بضمانة روسية. وأشارت التقارير إلى أنّ العرض يرمي إلى الوصول إلى تفاهمات لـ«ملء الفراغ» بعد الانسحاب الأمريكي و«قطع الطريق» على تدخل تركي.
حمو طار إلى قاعدة حميميم، ثم جرى لقاء سري في دمشق ضم مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع السوري، العماد علي أيوب، بحضور وفد عسكري روسي. وفي الـ29 من الشهر الماضي، وبالتزامن مع زيارة وفد تركي برئاسة وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، إلى موسكو، وصل حمو إلى العاصمة الروسية والتقى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ورئيس الأركان، فاليري غيراسيموف.
احتلال تركي
مستشار الإدارة الذاتية بدران جيا كورد قال إن ما تسمى بالمنطقة العازلة ستكون بمثابة احتلال تركي بغطاء جديد، داعياً مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات إضافية لحماية مناطق شمالي وشرقي سوريا من التهديدات التركية ومرتزقتها. واشترط لقبول «المنطقة العازلة» في حال أصبحت تحت إشراف الأمم المتحدة، وتكون قوات حيادية تحافظ على الأمن والاستقرار، موضحاً أنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع دمشق يقضي بدخول الجيش السوري مناطق الإدارة الذاتية لحمايتها من الاحتلال التركي.
وقد شدد القيادي الكردي البارز في قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل أنّه «لا مفر من التوصل إلى حل» مع دمشق إزاء مستقبل الإدارة الذاتية الكردية، مؤكداً أنّ هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري.
وقال خليل في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا مفر من توصل الإدارة الذاتية إلى حل مع الحكومة السورية؛ لأن مناطقها هي جزء من سوريا». وأشار خليل إلى «مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج»، مضيفاً: «في حال التوصل إلى حل واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرقي الفرات».