للأسف الشديد ومن خلال متابعتي للردود , يعتقد البعض أنه من خلال اعادة العلاقات الطبيعيه مع العراق وفتح المنافذ والتبادل التجاري ودخول الأستثمارات ,سوف نجد أن العراق سوف يسقط ب(الحضن العربي والخليجي الدافئ) وبعد أن يغادر (الحضن الأيراني ) , وكأنها (الخلطه السحريه ) فجأه أكتشفها البعض مؤخرا ليعيد صياغة أوضاع المنطقه التي تميل كفتها حاليا للعدو الأيراني ..
وأن دل هذا فأنه يدل على جهل وعدم معرفه حقيقيه بأوضاع العراق السياسيه والأثنيه والطائفيه المعقده والضارب مشاكلها في أعماق التاريخ , اساس المشكله وقوع العراق تحت النفوذ الأيراني وابتعاده عن محيطه العربي( جوهره ) مشكله عراقيه داخليه بحته وليس نتيجة (المقاطعه العربيه ونبذ بقية العرب للعراق الحالي وبالتالي استغلال ايران لهذه الفرصه ) ..صحيح أن المقاطعه (بعض العرب وليس كلهم ) للعراق زاد من هذه الأوضاع لصالح ايران وتمكين نفوذها للعراق ولكن هذا السبب يبقى سبب (جزئي أو هامشي ) مقارنه بسبب الداخلي العراقي الذي يفرض على العراق الحالي هذا التوجه بالتحالف والأنحياز لأيران ..
وهذا السبب يعود لجذور تاريخيه /طائفيه , فالعراق ومنذ الصراع العثماني / الصفوي عليه منذ بدايات القرن ال16 ميلادي ,من ثم حسم هذا الأمر لصالح العثمانيين السنه وسيطرتهم المطلقه للعراق وجعله عدة ولايات تابعه للدوله العثمانيه بدئت معه عملية (قمع الشيعه في العراق ) وابعادهم عن أي دور سياسي فاعل وتهميشهم وابعاد قبائلهم إلى منطقة الفرات الأوسط واستمر هذا حتى بعد الأنتداب البريطاني للعراق وتأسيس الدوله العراقيه الحديثه عام 1921 م حيث تحكمة (النخبه السنيه وعلى رأسها العائله الهاشميه ) بالتحكم في صناعة العراق ومفاصل الدول وبقى الدور الشيعي مهمش لحد بعيد , وحتى مع قيام الأنقلابات العسكريه أو الثورات ابتداء من ثورة 1958 وحتى وصول صدام حسين لسدة الحكم في العراق كأخر حاكم سني للعراق قبل الدخول الأمريكي للعراق واسقاط حكمه عام 2003 م كان ولايزال عنوان وصيغة الحكم , هي هي لم تتغير...الحكم بيد ( النخبه السنيه ) المدعومه من الطائفه السنيه في مناطق شمال ووسط العراق , مع تهميش وقمع كبير للطائفه الشيعيه ..
ماحدث في عام 2003م هو (زلازال سياسي بدرجة 9 على مقياس رختر السياسي ) ولآول مره في التاريخ العراقي ولما يزيد على 4 قرون يحدث (الأنقلاب التاريخي) ويتحقق الحلم الشيعي بأن يحكم الشيعه العراق ويتبؤون سدة الحم والتخلص -بمساعده غربيه - من تحكم النخبه السنيه المدعومه من الطائفه والقبائل العربيه السنيه , بالرغم أنهم هم كمايعتبرون أنفسهم أصحاب الحق والذين عانوا من (المظلوميه التاريخيه) لانهم يمثلون الأغلبيه السكانيه في العراق ..
والأن العراق وفي ظل الحكم للأحزاب والأغلبيه الشيعيه وتحكم في القرار وفي المقابل اضطهاد الطائفه السنيه وتهميشها وابعادها عن صناعة القرار السياسي , تولد هناك (شعور جمعي ) لدى اغلبية شيعة العراق بغض النظر عن تلاوينهم السياسيه -ماعدا الأقليه منهم ذات التوجهات العلمانيه والوطنيه - على العمل على المحافظه و(بأستماته ) على المحافظه على وضعهم الحالي وبأي ثمن ممكن وعدم اعطاء اي فرصه للطرف الأخر بالحصول على حقوقه المشروعه كجزء مهم داخل الدوله العراقيه , وفي سبيل هذا تم اتخاذ عدة تدابير لضمان عدم ( عودة الكابوس السني للحكم) مرة أخرى مهم حصل ومنها ..
-ضمان ولاء كل مؤسسات الدوله لها وأن تكون ممسكومه مباشرة من قبلهم وعلى راسها بكل تأكيدمؤسسة الجيش و الأجهزه الأمنيه والأستخبارتيه ,ذلك عن طريق (التغلغل ) فيها واعادة بنائها على اساس الولاء الطائفي بالدرجه الأولى وتعيين القيادات العسكريه في أغلبها على الولاء الطائفي وليس على اساس الكقاءه .
- القمع وبكل قسوه اي اي مضاهر احتجلج او تذمر عند الطرف الأخر حتى لو تطلب ذلك انهاك كل الأعراف الأنسانيه وابسط حقوق الأنسان من تعذيب وتهجير وقتل جماعي وارهاب ..
-بخلاف السيطره على مؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنيه والأستخباريه كماذكرنا سالفا أصبح هناك (شرعنه ) واعطاء الحقوق في خلق (مؤسسات شبه عسكريه ومليشيات طائفية ) وجعلها كيانات موازيه ومسانده للمؤسسات الرسميه ولها كل الحقوق الشرعيه والأعتباريه وجزء من مؤسسات الدوله ,لابل ربما نفوذها يفوق المؤسسات الرسميه, وكل ذلك سببه الجوهري هو (زيادة ضمان وتأك يد وحماية الأوضاع الحاليه ) أي الحكم الشيعي للعراق وضمان استمراريته ..
-ومع كل تلك الخطوات النخب الشيعيه الحاكمه في غالبيتها بأحزابها تجد نفسها للحفاظ على الوضع القائم كما هو ضمان استمراريته بوجه اي محاوله انقلابيه ربما تكون مدعومه (خارجيا ) لآعادة الأاوضاع لما قبل 2003 ,تجد أن (التحالف مع ايران ) وهو( خيار استراتيجي ومسألة حياة موت أو حياة ) بالنسبه لها ...
فالتحالف أو مايسميه البعض من (التغلغل الأيراني ) أو (زيادة النفوذ الأيراني في العراق ) أو (السيطره الأيرانيه على القرار في بغداد ) لايعدو في حقيقة الأمر (ترحيب عراقي داخلي وبالتحديد من أغلب المكون الشيعي ) لهذا النوع من العلاقه , فايران بالنسبه لهم هي الضامن شبه الوحيد والأكثر موثوقيه لديهم حتى من امريكا والغرب , صحيح أنه قد يعتري هذه العلاقات بين الجانبين بعض التواترات من حين لأخر ولكن على المستوى الأستراتيجي (النخب الشعيه الحاكمه في بغداد ومايدعمها من غالبية الطائفه الشيعيه وايران هم في سله واحده ومصيرهم واحد ) ...
أما فيما يختص بالعلاقات العراقيه العربيه ومنها الخليجيه والسعوديه وغيرها وحتى لو طرأ عليها التحسن والأنفتاح ووأرتفع معها سقف التوقعات لكنها ابدا لم ولن تغير من صوره كليه واوضاع يعيشها العراق لاترضي الكثيرين منا ..سواء احببنا ذلك أو كرهناه ...أنه واقع الحال ..