لا أثر لرائحة "النصر" في الموصل، وإنما هي رائحة الموت والأنقاض والأجساد المُفحمة
خالد حسن
الاحتفال العبثي: رقصة نصر فارغة على أشلاء ما تبقى من مدينة الموصل القديمة التي دمر القصف الغربي العربي بقيادة أمريكا معظمها. ويقدر عدد البيوت التي انهارت بحوالي 20ألف بيت، وفقا لتقديرات مجلة "إيكونوميست" البريطانية، إن لم تكن أكثر.
ونُقل عن أحد الجنرالات الأمريكيين الذي زار المدينة قوله: "مثل دريسدن"، في إشارة إلى المدينة الألمانية التي دمرها طيران الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وبدلا من أن تنبعث رائحة النصر من المدينة نقل إلينا المصورون رائحة الموت والدمار والأنقاض والأجساد التي لا تزال عالقة في ركام البيوت التي خسف بها القصف الجنوني الوحشي، فيما لا يزال الألوف عالقون من دون طعام ولا ماء ولأيام عدة.
وخلافا للمعارك التي مرت على الموصل في تاريخها المعاصر مثل عام 1918 و2003، حيث تراجعت المقاومة عندما زحف البريطانيون والأمريكيون، على التوالي، إليها، ففي المعركة الأخيرة قاتل تنظيم "الدولة" عن كل بيت وحي حتى الموت. وكما علقت كاتبة أمريكية في صحيفة "واشنطن بوست" قائلة: "معركة الموصل هي الأكثر دموية والأكثر صعوبة ضد "تنظيم الدولة" حتى الآن...وعدد القتلى مهول".
وبخلاف معركة حلب الأخيرة التي سمح فيها لمن تبقى من مقاتلي المعارضة الخروج وعائلاتهم إلى مناطق أخرى تسيطر عليها فصائل الجيش الحر، لم يكن هناك من يفاوض عن التنظيم في الموصل. وترى المجلة أن الرحيل الجماعي فاق ما حدث في معارك أخرى، فقد هجرت المعركة 900 ألف من مليوني نسمة كانوا يعيشون فيها قبل وصول التنظيم إليها ولا يزال 700ألف منهم بلا مأوى. وتقول الأمم المتحدة إن هناك ستة أحياء دمرت بالكامل بينما تعرضت البقية لبعض الدمار.
ولا يوجد أمل في إعادة إعمار سريعة، وفقا للمجلة البريطانية، فبعد ستة أشهر من الإعلان عن السيطرة على الجزء الشرقي لا يزال سكانه من دون طاقة كهربائية، وتقدم الأمم المتحدة لهم يوميا 6 ملايين لترا من المياه الصحية. ومنذ ستة أشهر لم يتلق الأساتذة رواتبهم. ولا تزال جامعة الموصل التي كانت تفتخر بأحسن كليات للهندسة في المنطقة العربية مهجورة ومغلقة.
وتقدر الحكومة العراقية كلفة إعمار المدن التي دمرت في الحرب ضد تنظيم "الدولة" بحوالي 100 مليار دولار، أي المبلغ نفسه الذي انفقه الأمريكيون والعراقيون على المعركة. والمشكلة هي من سيقوم بعملية الإعمار؟ فالحكومة مفلسة بسبب تراجع أسعار النفط. أما دول الخليج فغارقة في أزماتها ومعاركها.
وقدم البنك الدولي 300 مليون دولار وألمانيا 570 مليون دولار. ويتحدث المسؤولون عن خطة إعادة إعمار تمتد على عشرة أعوام، ولكن متى تبدأ وكيف تطبق؟ هذا مرهون بالوضع السياسي والتزام الأطراف. فجنرال الكتريك، مثلا، والتي حصلت على عقود لإصلاح شبكات الكهرباء في القيارة القريبة من الموصل تقول إنها لا تزال في مرحلة التفاوض وتجد صعوبة بسبب المخاطر والفساد.
ويقول السكان إن تنظيم "الدولة" وفر على الأقل الكهرباء وجمع القمامة وهو ما لم تقم به الحكومة. وقام أفراده بإصلاح الحفر في الشوارع أسرع من السلطات المحلية. والقوى التي قاتلت تنظيم "الدولة" الجيش وقوى الأمن والحشد الشعبي تحتل الآن المساحات التي سيطر عليها التنظيم سابقا، وسيختلفون. وهناك معركة جارية بين السياسيين داخل أسوار المنطقة الخضراء في بغداد. ويكشف هذا وغيره أن إخراج تنظيم "الدولة" من الموصل ليس إلا مرحلة جديدة من الصراعات والنزاعات التي ولدها الغزو الأمريكي وأدت إلى بروز ظاهرة "تنظيم الدولة