ما لا يخبرك به الإعلام.. رئيس كوريا الشمالية ليس أحمقَ بل ذكي جدًا على الأرجح
لا يُذكر اسم رئيس كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» عادة، إلا ويكون مصحوبًا بابتسامات السخرية أو تعليقات تحفل بروح الدعابة، حتى لو كان الحديث يدور عن مسألة خطيرة كالأسلحة النووية، فقد نجحت وسائل الإعلام الغربية في رسم صورة «كيم» كديكتاتور أحمق متهور، يمتلك سلطة لا محدودة وغباء غير محدود في الآن نفسه، لكن تلك ليست هي الصورة الحقيقية «الكاملة» لكوريا الشمالية. تناقش السطور التالية «الوجه الآخر» للزعيم الكوري الشمالي، والذي يوضح أن أغلب أفعاله محسوبة بدقة وذات أهداف محددة، وهو ما لا تشير إليه عادة أغلب وسائل الإعلام.
الاقتصاد يحقق نتائج جيدة أحيانًا كثيرة
لا يزال مواطنو كوريا الشمالية يتذكرون بكثير من الأسى تسعينيات القرن الماضي، حين تعرضت البلاد بين عامي 1994- 1998 لـ
مجاعة حصدت مئات الآلاف من الأرواح، اليوم وبعد أكثر من عقدين على تلك المأساة، يبدو اقتصاد البلاد تحت قيادة «كيم- جونغ-أون» في وضع أفضل كثيرًا.
بالرغم من أنها ترزح تحت قائمة من العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي، فإن
اقتصاد البلاد سجل في عام 2016 أكبر نمو له خلال نحو عقدين، إذ قفز الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 3.9%، فضلًا عن ارتفاع معدل الصادرات، كما
زادالحجم الإجمالي للتجارة في البلاد بمعدل 4.7% ليصل إلى 6.555 مليارات، وقد تركز هذا التوسع في قطاعات التعدين والبنية التحتية والخدمات كإمدادات الغاز والكهرباء والمياه.
وتعد الصين هي الشريك الاقتصادي الأكبر لكوريا الشمالية، وبالرغم من
إعلان بكين مؤخرًا فرض حظر على بعض منتجات بيونج يانج، على خلفية تجاربها البالستية، سيما الفحم الذي يشكل العمود الفقري للتبادل التجاري بين البلدين، إلا أن بعض التحليلات قد أشارت إلى أن تلك الخطوات لم تؤثر بشكل حيوي على اقتصاد البلاد، كما ظلت لدى كوريا الشمالية القدرة على استيراد البضائع الصينية.
ثمة إصلاحات اقتصادية – توصف أحيانًا بالمتواضعة – ينتهجها «كيم» منذ بروزه إلى سدة الحكم قبل ست سنوات، صحيح أنه لم يزِل هناك العديد من العراقيل أمام نشوء أسواق حرة في البلاد، لكن حكومته سمحت أحيانًا لبعض أعمال التجارة الصغيرة أن تظهر، فضلًا عن سوق العقارات الصغير الذي بدأ ينمو على الهامش.
«كيم» محبوب الجماهير
كوريا الشمالية تحت حكم كيم ليست معزولة تمامًا عن التأثيرات الثقافية للعولمة،
تحتضن العاصمة بيونج يانج العديد من الأبنية الفخمة التي تتنامى يومًا بعد يوم، وتعرض بعض واجهات المتاجر أجهزة التلفاز ذات الشاشات المسطحة، كما يقتني عدد أكبر من الكوريين السيارات الفاخرة، وفي بعض الأحيان، صار سعر الشقق السكنية يتجاوز المئة ألف دولار.
ليس ثمة سبيل لقياس توجهات الرأي العام الحقيقية في بلد منغلق تمامًا على نفسه ككوريا الشمالية، لكن
العديد من المؤشرات تشير إلى أن
التقارير الغربية التي تتحدث عن تنامي المعارضة لكيم في البلاد، بل ويذهب بعضها إلى التنبؤ بوقوع ثورة ضده قريبًا، ليست إلا ضربًا من ضروب التمني.
بدافع من الخوف، أو غسيل المخ من قبل «إعلام الصوت الواحد» الذي تعيش في ظله البلاد، أو حتى قناعة حقيقية بخطاب النظام وأفعاله، يبدو أن «كيم» يحظى بالفعل بشعبية أوسع بين مواطنيه، وبحسب تقرير صادر عن «معهد دراسات السلام»، فإن 63% من الذين انشقوا عن نظام بيونج يانج، ووجدوا سبيلًا للهروب إلى الخارج، يعتقدون أن كيم لا يزال يحظى بدعم أغلبية شعب كوريا الشمالية، وأن شعبيته تفوق شعبية والده الذي عاشت البلاد تحت حكمه أسوأ سنوات المجاعة والقحط.
يصف المصور الفوتوغرافي «ديفيد يارو»، والذي أتيحت له فرصة تصوير الحياة اليومية في كوريا الشمالية، ما لمسه من شعبية «كيم» بين المواطنين الكوريين قائلًا: «ليس هناك أي شك في أن شعبية القائد الأعلى – كيم – في البلاد لم تكن يومًا في مستوى أعلى مما هي عليه الآن».
انجُ «كيم» فقد هلك «صدام»
هل تتصور أن البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وهذا الحرص الذي تبديه بيونج يانج على تطويره وتكثيفه، مجرد تهور صبياني غير محسوب العواقب؟ هل تصدق تلك العناوين «الدرامية» التي تحفل بها تقارير وكالات الأنباء والتي تقول لك إن كيم لا يدرك جيدًا عواقب ما يفعله ؟ حسنًا بعض
الخبراء لديهم رأي آخر.
برنامج الأسلحة النووية هي أقوى صفقة مساومة تمتلكها كوريا الشمالية على الإطلاق *
جو سيونج ها، أحد المنشقين عن نظام كوريا الشمالية.
كان كيم في مقتبل العشرينيات حين شهد القوات الأمريكية
تطيح بنظام «صدام حسين» في العراق، لم يكن صدام يمتلك رأسًا نوويًا واحدًا، لكن الأمريكيين لم يريدوا تصديق – أو لم يريدوا للعالم أن يصدق – ذلك، رأى كيم كذلك الغرب وهو يطيح بالزعيم الليبي «معمر القذافي» ليلقى مصيره قتلًا بلا شفقة، وببساطة، فقد قرر أن الوسيلة الوحيدة لتجنب مصير القذافي وصدام هو أن تمتلك ما تخيف به الآخرين من مهاجمتك، السلاح النووي.
لا أحد يستخدم السلاح النووي، هو فقط سلاح للردع، وليس الزعيم الكوري استثناءً من تلك القاعدة، وهو حين يهدد باستهداف
اليابان مثلًا فإن تهديده يبدو منطقيًا ويحمل مغزى محددًا في علاقات الدول «اتركونا وشأننا، لا تهاجمونا ولن نهاجمكم»، هذا الاعتزاز الذي يحمله النظام لكوريا الشمالية إذًا ليس وليد الفراغ، إذ إن تلك الترسانة هي ببساطة ما تحميه وتحمي نظامه و«السلالة الحاكمة» في البلاد من أخطار التدخلات الخارجية.
ليس وحيدًا.. لديه حلفاء أيضًا
الصورة التي ترسمها أغلب وسائل الإعلام عن كوريا الشمالية، هي أنها دولة «صابئة» تمامًا عن النظام العالمي، وأنها وحيدة تمامًا في «جنونها» هذا، بلا حلفاء أو أصدقاء، لكن ماذا لو علمت أن تلك الصورة مشوهة، وأن لبيونج يانج أصدقاء في السياسة والاقتصاد، بل وفي المجالات العسكرية كذلك.
أهم تلك التحالفات التي تنسجها بيونج يانج مع العالم، هي مع الصين، صاحبة الجيش الأكبر في العالم، والقوة الاقتصادية الهائلة، حيث يرتبط البلدان بعلاقات اقتصادية وثيقة كما ذكرنا، فضلًا عن تمتعهما بعلاقات تعاون عسكري «تاريخية»، إذ ساند الصينيون كوريا الشمالية في الحرب الكورية، و
أرسلت أكثر من مليوني جندي قتل منهم نحو 1800 ألفًا.
ورغم ما بدر مؤخرًا من بكين من إجراءات «عقابية» ضد بيونج يانج، إذ فرضت عقوبات اقتصادية عليها، إلا أن الكثيرين يرون أن تلك الخطوات لا تعدو كونها «قرصة أذن»، وأنه حين يجد الجد،
ستقف بكين بكل قوتها إلى جانب حليفها في شبه الجزيرة الكورية، ولو وصل الأمر إلى الحرب، وقد
صرحّت بكّين مؤخرًا بعبارات واضحة «من الضروري أن يفهم جميع الأطراف أنه عندما تهدد تصرفاتهم المصالح الصينية، فإن رد فعل الصين سوف يكون قاسيًا».
لدى كوريا الشمالية أصدقاء أيضًا في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط نظام الأسد الذي يبدو
صديقًا وفيًا لكيم، ويتبادلان دومًا رسالات «التضامن الحار»، بل كذلك
إيران التي تتحدث تقارير عن اتساع التعاون الصاروخي معها، بل امتدت هذه التحالفات إلى أصدقاء مقربين لواشنطن أيضًا، ومنها ما كُشف عنه النقاب مؤخرًا حول تحالف ينمو «من وراء الستار» مع كل من مصر والإمارات، حتى إن كوريا الشمالية صارت أكبر مورد للسلاح إلى أبو ظبي في حرب اليمن.
اقرأ أيضًا:
مصر وكوريا الشمالية والإمارات.. تحالف ينمو وراء الستار
فضلًا عن ذلك، فقد تحدثت تقارير عن تمكن كوريا الشمالية من الالتفاف على العقوبات الأممية، وتوقيع عدة صفقات تعاون عسكري لتوريد أسلحة كورية إلى دول أفريقية، من بينها السودان وموزمبيق وناميبيا وأنجولا، الأمر الذي يدر على ميزانية الدولة عوائد ضخمة، كما يوفر لها موطئ قدم سياسي وعسكري في القارة الأفريقية.