بسم الله الرحمن الرحيم
هذه سيرة رجل جاهد مرتين في بلدين مختلفين، لكنه إعتبر مسيرته واحدة و ختم حياته شهيدا من أجل قضية ما زالت مستمرة إلى الآن.
==== إهداء خاص لصديقنا في هذا المنتدى: الفاروق ====
محمد بودية، ولد يوم 24/02/1932م في حي الباب الجديد (من أحياء القصبة العليا) في الجزائر العاصمة، بعد تلقي تعليمه تأثر بالتيار الوطني الإستقلالي ثم اهتم بالمسرح حيث التحق بالمركز الجهوي للفنون الدرامية منذ عام 1954م، بعد إندلاع الثورة هاجر إلى فرنسا و انظم إلى فيدرالية جبهة التحرير هناك، شارك في عدة عمليات فدائية جرح في إحداها عام 1956م، كانت أشهر عملية شارك فيها هي تفجير أنابيب النفط في مرسيليا يوم 25/08/1958م ليتم القبض عليه و يحكم عليه ب 20 سنة، ينجح في الهروب من السجن عام 1961م و يلتحق بتونس، عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني، بعد استقلال الجزائر أصبح مدير الإدارة لأول مسرح في جانفي 1963م كما إهتم بالصحافة حيث أسس جريدة "نوفمبر" و "الجزائر هذا المساء".
كان الشهيد محمد بودية متأثرا بأفكار الإشتراكية دون أن يعتنق الفكر الشيوعي، و خلال إدارته للمسرح الوطني أرسل العديد من رسائل التأييد إلى حركات التحرر في العالم يؤيدهم في ما يفعلون و يبرز لهم المثال الناجح لثورة الجزائر التحريرية، في 17/10/1964م يوجه رسالة تنديد إلى سفارة اسبانيا بالجزائر يدين فيها محاكمة مجموعة "ساندوفا"، راسل وزير العدل الإسباني في 28/12/1964م من أجل إطلاق سراح الشاعر كارلوس لغريزو المدان من طرف محكمة عسكرية خلال دكتاتورية فرانكو، كان صديقا أيضا لأهل المسرح الكوبي و قاموا بزيارات متبادلة، قرر تخصيص مذاخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964م دعما لكفاح الشعب الفلسطيني، كان محمد بودية وثيق الصلة بالرئيس أحمد بن بلة، لذلك عارض بشدة التصحيح الثوري 19/06/1965م و قيام مجلس الثورة بقيادة العقيد هواري بومدين، مما اضطره لمغادرة الجزائر نحو فرنسا.
بدأت علاقة محمد بودية المباشرة بالقضية الفلسطينية في كوبا خلال لقائه وديع حداد المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و قرر بعد هذا اللقاء وضع خبرته السابقة خلال الثورة الجزائرية في خدمة النضال الفلسطيني، و لتنمية قدرته قرر الإنتساب إلى جامعة "باتريس لومومبا" في موسكو (جامعة الكاجيبي) و هناك تدرب على مختلف التقنيات التي لم يكن يعرفها، في موسكو يتعرف محمد بودية على شاب فنزويلي متحمس للنضال ضد الإمبريالية في العالم، كان هذا الشاب هو"كارلوس-ابن آوى" و لم يجد محمد بودية صعوبة في تجنيده لصالح القضية الفلسطينية، كما نجح في إقناع كثيرين بعدالة قضية فلسطين و ساهموا بخبرهم في دعم النضال، مطلع السبعينيات عاد محمد بودية إلى باريس بصفته "قائد العمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أروبا" و إتخذ اللقب الحربي "أبو ضياء"، و أول عمل قام به هو التنسيق مع الألوية الحمراء الإيطالية، مجموعة بادر مينهوف الألمانية، الجيش الأحمر الياباني، ثوار الباسك، الجيش الثوري الأرمني ....
و وجد محمد بودية نفسه في ميدان يعشقه بشدة، كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أروبا مطلع السبعينات كما تثبته تقارير المخابرات الفرنسية و البريطانية و السي آي أي و الموساد، لكن لم يثبت ضده أي دليل يدينه، كانت المخابرات الفرنسية حائرة بشدة في أمره: ففي النهار يبدو عادي جدا، مشغول ببروفات مسرحية رفقة الممثلين، لكنه في الليل كان شيئا آخر.
من عملياته الكثيرة: التخطيط لإرسال 3 ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير عدة أهداف إسرائيلية و قد كشفت العملية فيما بعد، خطط أيضا لتفجير مركز "شونو" بالنمسا و كان مركز تجمع يهود الإتحاد السوفياتي المهاجرين إلى إسرائيل، خطط أيضا لتفجير مخازن اسرائيلية و مصفاة بترول في روتردام ب هولاندا، و أهم عملياته الناجحة على الإطلاق هي تفجير خط أنبوب بترولي بين ايطاليا و النمسا في 05/08/1972م، مخلفا خسائر قدرها 2,5 مليار دولار و ضياع 250 ألف طن من نفط ينتجه العرب و يستغله أعدائهم.
محمد بودية الذي كان معارضا لنظام هواري بومدين رحمه الله و يقال أنه كان يخطط لتحرير أحمد بن بلة ، رفض عروضا عديدة للعمل رفقة الأمن العسكري (المخابرات الجزائرية آنذاك) التي كان أيضا يخوض حربا شرسة أخرى ضد الموساد ، بودية المعتز كثيرا بحرية حركته سمحت له أيضا بتقديم العون لمنظمة أيلول الأسود التابعة لفتح، و من نتائج هذا التعاون هي مشاركته في عملية ميونيخ أثناء الأولمبياد عام 1972م، و كان دوره هو استضافة أفراد الكومندوس الفلسطيني قبل العملية ثم تهريبهم و إخفائهم بعدها، محمد بودية كان أيضا صديقا مقربا ل علي حسن سلامة مسؤول أمن عرفات (القوة 17) و كان دائما يقيم عنده عندما يزور بيروت.
عملية ميونيخ الشهيرة أجبرت غولدا مائير على أن تأمر الموساد بتنظيم عمليات إغتيال قيادات فلسطينية في جميع أنحاء العالم، كعملية "فردان" في بيروت عام 1973م و إغتيال فلسطينيين في باريس مثل محمود الهمشري و باسل الكبيسي ، محمد بودية أدان الإغتيالات عبر إعلانات نشرت في جريدة "لوموند" الفرنسية و وقعت عليها شخصيات عديدة منها يهود، و دفع هو ثمن الإعلانات، و كان يعلم جدا أنه هو أيضا مستهدف، لذلك كان شديد الحرص، لذلك خطط الموساد لإغتياله بتجنيد يهود فرنسيين يعملون في مديرية أمن الإقليم DST ، و تم زرع لغم ضغط تحت مقعد سيارته الرونو 16 الزرقاء اللون ، و يلقى محمد بودية ربه شهيدا لما هم بركوب سيارته ذات صباح 28 جوان 1973م أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس، و يتولى القاضي جون باسكال التحقيق و لا يتوصل إلى نتيجة منطقية، و تقديرا للرجل و رغم كونه معارضا، يسمح الرئيس هواري بومدين بدفن جثمانه في مقبرة القطار بالجزائر العاصمة.
و يذكر أيضا أن أبو داود (محمد عودة) قائد كومندوس عملية ميونيخ التابع لمنظمة أيلول الأسود، لما أطلق سراحه من فرنسا عام 1977م بوساطة جزائرية، أول ما قام به هو زيارة قبر الشهيد محمد بودية للترحم عليه ، أما "كارلوس" الذي خلف بودية في منصبه فقد سمى عمليتي مطار أورلي بباريس عام 1975م ضد طائرات العال الإسرائيلية بإسم "عملية الشهيد محمد بودية".
(من كتاب: العلاقات الجزائرية الإسرائيلية للصحفي محمد تامالت ، بتصرف)
هذه سيرة رجل جاهد مرتين في بلدين مختلفين، لكنه إعتبر مسيرته واحدة و ختم حياته شهيدا من أجل قضية ما زالت مستمرة إلى الآن.
==== إهداء خاص لصديقنا في هذا المنتدى: الفاروق ====
محمد بودية، ولد يوم 24/02/1932م في حي الباب الجديد (من أحياء القصبة العليا) في الجزائر العاصمة، بعد تلقي تعليمه تأثر بالتيار الوطني الإستقلالي ثم اهتم بالمسرح حيث التحق بالمركز الجهوي للفنون الدرامية منذ عام 1954م، بعد إندلاع الثورة هاجر إلى فرنسا و انظم إلى فيدرالية جبهة التحرير هناك، شارك في عدة عمليات فدائية جرح في إحداها عام 1956م، كانت أشهر عملية شارك فيها هي تفجير أنابيب النفط في مرسيليا يوم 25/08/1958م ليتم القبض عليه و يحكم عليه ب 20 سنة، ينجح في الهروب من السجن عام 1961م و يلتحق بتونس، عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني، بعد استقلال الجزائر أصبح مدير الإدارة لأول مسرح في جانفي 1963م كما إهتم بالصحافة حيث أسس جريدة "نوفمبر" و "الجزائر هذا المساء".
كان الشهيد محمد بودية متأثرا بأفكار الإشتراكية دون أن يعتنق الفكر الشيوعي، و خلال إدارته للمسرح الوطني أرسل العديد من رسائل التأييد إلى حركات التحرر في العالم يؤيدهم في ما يفعلون و يبرز لهم المثال الناجح لثورة الجزائر التحريرية، في 17/10/1964م يوجه رسالة تنديد إلى سفارة اسبانيا بالجزائر يدين فيها محاكمة مجموعة "ساندوفا"، راسل وزير العدل الإسباني في 28/12/1964م من أجل إطلاق سراح الشاعر كارلوس لغريزو المدان من طرف محكمة عسكرية خلال دكتاتورية فرانكو، كان صديقا أيضا لأهل المسرح الكوبي و قاموا بزيارات متبادلة، قرر تخصيص مذاخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964م دعما لكفاح الشعب الفلسطيني، كان محمد بودية وثيق الصلة بالرئيس أحمد بن بلة، لذلك عارض بشدة التصحيح الثوري 19/06/1965م و قيام مجلس الثورة بقيادة العقيد هواري بومدين، مما اضطره لمغادرة الجزائر نحو فرنسا.
بدأت علاقة محمد بودية المباشرة بالقضية الفلسطينية في كوبا خلال لقائه وديع حداد المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و قرر بعد هذا اللقاء وضع خبرته السابقة خلال الثورة الجزائرية في خدمة النضال الفلسطيني، و لتنمية قدرته قرر الإنتساب إلى جامعة "باتريس لومومبا" في موسكو (جامعة الكاجيبي) و هناك تدرب على مختلف التقنيات التي لم يكن يعرفها، في موسكو يتعرف محمد بودية على شاب فنزويلي متحمس للنضال ضد الإمبريالية في العالم، كان هذا الشاب هو"كارلوس-ابن آوى" و لم يجد محمد بودية صعوبة في تجنيده لصالح القضية الفلسطينية، كما نجح في إقناع كثيرين بعدالة قضية فلسطين و ساهموا بخبرهم في دعم النضال، مطلع السبعينيات عاد محمد بودية إلى باريس بصفته "قائد العمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أروبا" و إتخذ اللقب الحربي "أبو ضياء"، و أول عمل قام به هو التنسيق مع الألوية الحمراء الإيطالية، مجموعة بادر مينهوف الألمانية، الجيش الأحمر الياباني، ثوار الباسك، الجيش الثوري الأرمني ....
و وجد محمد بودية نفسه في ميدان يعشقه بشدة، كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أروبا مطلع السبعينات كما تثبته تقارير المخابرات الفرنسية و البريطانية و السي آي أي و الموساد، لكن لم يثبت ضده أي دليل يدينه، كانت المخابرات الفرنسية حائرة بشدة في أمره: ففي النهار يبدو عادي جدا، مشغول ببروفات مسرحية رفقة الممثلين، لكنه في الليل كان شيئا آخر.
من عملياته الكثيرة: التخطيط لإرسال 3 ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير عدة أهداف إسرائيلية و قد كشفت العملية فيما بعد، خطط أيضا لتفجير مركز "شونو" بالنمسا و كان مركز تجمع يهود الإتحاد السوفياتي المهاجرين إلى إسرائيل، خطط أيضا لتفجير مخازن اسرائيلية و مصفاة بترول في روتردام ب هولاندا، و أهم عملياته الناجحة على الإطلاق هي تفجير خط أنبوب بترولي بين ايطاليا و النمسا في 05/08/1972م، مخلفا خسائر قدرها 2,5 مليار دولار و ضياع 250 ألف طن من نفط ينتجه العرب و يستغله أعدائهم.
محمد بودية الذي كان معارضا لنظام هواري بومدين رحمه الله و يقال أنه كان يخطط لتحرير أحمد بن بلة ، رفض عروضا عديدة للعمل رفقة الأمن العسكري (المخابرات الجزائرية آنذاك) التي كان أيضا يخوض حربا شرسة أخرى ضد الموساد ، بودية المعتز كثيرا بحرية حركته سمحت له أيضا بتقديم العون لمنظمة أيلول الأسود التابعة لفتح، و من نتائج هذا التعاون هي مشاركته في عملية ميونيخ أثناء الأولمبياد عام 1972م، و كان دوره هو استضافة أفراد الكومندوس الفلسطيني قبل العملية ثم تهريبهم و إخفائهم بعدها، محمد بودية كان أيضا صديقا مقربا ل علي حسن سلامة مسؤول أمن عرفات (القوة 17) و كان دائما يقيم عنده عندما يزور بيروت.
عملية ميونيخ الشهيرة أجبرت غولدا مائير على أن تأمر الموساد بتنظيم عمليات إغتيال قيادات فلسطينية في جميع أنحاء العالم، كعملية "فردان" في بيروت عام 1973م و إغتيال فلسطينيين في باريس مثل محمود الهمشري و باسل الكبيسي ، محمد بودية أدان الإغتيالات عبر إعلانات نشرت في جريدة "لوموند" الفرنسية و وقعت عليها شخصيات عديدة منها يهود، و دفع هو ثمن الإعلانات، و كان يعلم جدا أنه هو أيضا مستهدف، لذلك كان شديد الحرص، لذلك خطط الموساد لإغتياله بتجنيد يهود فرنسيين يعملون في مديرية أمن الإقليم DST ، و تم زرع لغم ضغط تحت مقعد سيارته الرونو 16 الزرقاء اللون ، و يلقى محمد بودية ربه شهيدا لما هم بركوب سيارته ذات صباح 28 جوان 1973م أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس، و يتولى القاضي جون باسكال التحقيق و لا يتوصل إلى نتيجة منطقية، و تقديرا للرجل و رغم كونه معارضا، يسمح الرئيس هواري بومدين بدفن جثمانه في مقبرة القطار بالجزائر العاصمة.
و يذكر أيضا أن أبو داود (محمد عودة) قائد كومندوس عملية ميونيخ التابع لمنظمة أيلول الأسود، لما أطلق سراحه من فرنسا عام 1977م بوساطة جزائرية، أول ما قام به هو زيارة قبر الشهيد محمد بودية للترحم عليه ، أما "كارلوس" الذي خلف بودية في منصبه فقد سمى عمليتي مطار أورلي بباريس عام 1975م ضد طائرات العال الإسرائيلية بإسم "عملية الشهيد محمد بودية".
(من كتاب: العلاقات الجزائرية الإسرائيلية للصحفي محمد تامالت ، بتصرف)