الجزائر تستثمر بكثافة في استخراج واستغلال المعادن
الجزائر ـ «القدس العربي»: تراهن الحكومة الجزائرية على القطاع المنجمي ليكون أحد أبرز روافد الدخل للبلاد بالعملة الصعبة في السنوات المقبلة، لكن بطريقة يطالب خبراء بأن تكون بعيدة عن المنطق الريعي الذي استغلت به ثروة البترول والغاز، إذ يكمن التحدي في كيفية إقامة صناعات تحويلية تثمن هذه الموارد المعدنية وعدم الاكتفاء ببيعها في صيغتها الخام.
في الوثيقة التي عرضها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن لبيان السياسة العامة للحكومة، يظهر التوجه العام الداعم لاستغلال المعادن. ولهذا الغرض، كشفت الحكومة عن إعداد خرائط مفصلة عالية الدقة للمكامن المعدنية في البلاد، بهدف تسهيل عملية التنقيب واكتشاف مناجم جديدة خاصة فيما يتعلق بما يسمى بالأراضي النادرة التي تمتلك منها مساحات شاسعة وفق التقديرات الدولية.
وفي هذا السياق، تم استكمال 24 خريطة جيولوجية ذات مقياس 1 إلى 50 ألف وخريطتين ذات مقياس 1 إلى 200 ألف وتوجد 13 خريطة ذات مقياس 1 إلى 500 ألف قيد الإنجاز. كما تم استكمال 17 تأليفا للمواد المعدنية و3 قيد الإنجاز، فضلا عن إتمام 105 خرائط للموارد المعدنية وخريطتين جيوفيزيائيتين للجزائر، وخريطة للمناجم والمحاجر و11 خريطة للمناجم القديمة، وخريطة لاستغلال الذهب التقليدي كما تم إعداد الوثيقة التقنية والقانونية المتعلقة بإنشاء وحدة وطنية للجيوفيزياء المحمولة جوا. ورُصد فقط لعملية البحث المنجمي 30 مليون دولار تنقسم على 3 مراحل، كانت الأولى سنة 2021 وانتهت بنسبة 100 بالمائة بميزانية قدرها 1,820 مليار دينار وشملت 26 مشروعا ينقسم ما بين الأعمال الميدانية والمكتبية والمخبرية. أما المرحلة الثانية سنة 2023 فخصص لها مبلغ مبلغ 1.755 مليار دينار وتم فيها إبرام الصفقة من قبل الوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية. والأشغال جارية حاليا في سنة 2023 لاستكمال المرحلة الأخيرة من برنامج البحث المنجمي والتي تضم 15 مشروعا بقيمة 1.3 مليار دينار.
مشروع غار جبيلات
وحاليا يعد مشروع غار جبيلات للحديد في الجنوب الغربي للجزائر الأكثر جلبا للاهتمام، وهو مشروع ذو أهمية وطنية بطاقة استخراجية قدرها 3 ملايين طن سنويا كمرحلة أولية، ويتيح استحداث أزيد من 3 آلاف منصب شغل مباشر، وفق الحكومة التي تدرج إنجازه في إطار التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة الجنوبية الغربية، حيث سيرافق استغلاله إنجاز بنية تحية قوية تتمثل في الطرق والسكك الحديدية والمرافق المياه والغاز الطبيعي والكهرباء.
وبعد افتتاح هذا المنجم، تم إطلاق إعلان في كانون الأول/ديسمبر 2022 لإبداء الاهتمام وطنيا ودوليا لتطوير مركزات الحديد ومنتجات مماثلة للصفائح عالية الجودة، لتعرب 4 شركات عن اهتمامها، ويتم التوقيع في نيسان/أبريل 2023 على مذكرة تفاهم بين شركتي «فيرال» الجزائرية و«توسيالي» التركية لإنجاز مصنع لإنتاج مركزات الحديد. ثم التوقيع في حزيران/جوان 2023 على مذكرة تفاهم بين شركة «فيرال» ومجمع صيني لاستغلال المعادن المستخرجة من منجم غار جبيلات وتثمين إنتاجه. وبموازاة ذلك، تم إطلاق الأشغال المتعلقة بالشطر الأول من خط السكة الحديدية غار جبيلات تندوف بشار على مسافة 200 كلم بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2023 وسيتم إطلاق الشطر الثاني على مسافة 175 كلم خلال الشهر الحالي بأجل إنجاز مدته 30 شهرا، أما الشطر الثالث على طول 575 كلم فسيتم إطلاق أشغاله نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023. ويتربع «غار جبيلات» على مساحة إجمالية تقدر 15 ألف هكتار، حيث سيتم في المرحلة الأولى استغلال 5 آلاف هكتار منه، باحتياطات مقدرة بـ1 مليار طن من الحديد الخام. وهذا المنجم الضخم مقسم إلى ثلاثة مناطق، وسط، شرق وغرب، بمساحة تقدر بـ40 ألف هكتار، مع سهولة في الاستغلال لتواجدها في فضاء مفتوح.
منجم الزنك والرصاص
ومن أبرز المشاريع التي تصفها الحكومة بالاستراتيجية، استغلال منجم وادي أميزور بولاية بجاية في الشمال الشرقي للجزائر، والذي سيتم إطلاقه في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تزامنا مع عيد اندلاع الثورة الجزائرية وسيسمح بإنتاج 170 ألف طن في السنة من مركز الزنك و30 ألف طن في السنة من مركز الرصاص، كما سيسمح باستحداث حوالي 700 منصب شغل مباشر و4 آلاف منصب شغل غير مباشر. ويتوقع أن يحقق مداخيل للجزائر بقيمة 400 مليون دولار.
وواجه هذا المشروع قبل فترة، معارضة من بعض سكان المنطقة الذين أثاروا مخاوف بيئية من استغلاله. وطالبت حتى أحزاب سياسية مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بالقيام بدراسات جادة حول المنجم لتقييم الآثار البيئية، وإزالة الغموض حول طريقة استغلال المنجم.
لكن الوزارة المعنية تؤكد أن أنها قامت بكل دراسات الجدوى الخاصة باستغلال المنجم والتي تناولت جوانب الاستكشاف والاستغلال والمعالجة والتخطيط المنجمي والأثر على البيئة وكذا الدراسة الفنية والاقتصادية مع النمذجة الاقتصادية، علاوة على إعداد دراسة سوق من أجل القدرة على إثبات مردودية هذا الاستثمار. وأكدت وزارة الصناعة، أنه لتجنب الضرر على البيئة، فقد تم اختيار منهج استغلال باطني مناسب يسمح بالحفاظ على الموقع والاستجابة للضروريات البيئية.
وقبل الإعلان المرتقب لانطلاقه، أشرف وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، شخصيا على افتتاح ندوة وطنية بجامعة بجاية تهدف لتفنيد المخاوف المتعلقة باستغلال منجم الرصاص والزنك بأميزور. وأبرز الوزير أنه سيتم بكل شفافية وأمانة علمية بحضور خبراء وأساتذة ودكاترة وطلبة جامعيين من ذوي الاختصاص لمُناقشة جميعِ الجوانب الاقتصادية والتقنيةِ والبيئيةِ المتعلّقةِ بهِ.
مشروع الفوسفات المتكامل
أطلقت الحكومة على مشروع استغلال الفوسفات بمناجم الشرق الجزائري بالقرب من الحدود التونسية، مشروع الفوسفات المتكامل، والذي يهتم بتطوير وإثراء وتحويل كيميائي لفوسفات مكامن بلاد الحدبة ولاية تبسة، من أجل إنتاج وتسويق الأسمدة، حيث سيمكن إنجاز المشروع من إنتاج 6 ملايين طن من الفوسفات القابل للتسويق برقم أعمال عند التصدير يقدر بحوالي 2 مليار دولار أمريكي في السنة وكذا استحداث أزيد من 2000 منصب شغل مباشر.
ولأجل الوصول لهذه الغاية، تم الشروع في ربط مواقع مشروع الفوسفات المتكامل بالسكك الحديدية، حيث أطلقت بتاريخ 11 آب/أغسطس الماضي، أشغال إنجاز مقاطع عنابة بوشقوف على مسافة 54 كلم وطريق التفاف تبسة تينوكلة على مسافة 43 كلم، وربط المكمن الجديد لبلاد الحدبة على مسافة 23 كلم. وينتظر إنجاز المقطع بوشقوف الدريعة على مسافة 121 كلم في آجال مدتها 10 أشهر، أما ما تعلق بمقطع وادي الكبريت جبل العنق على مسافة 177 كلم، فإن الأشغال جارية ومن المقرر استكمالها قبل نهاية سنة 2023.
إضافة لذلك، يتم حاليا العمل على توسعة ميناء عنابة من أجل إنجاز نهائي منجمي، وقد تم إطلاق استشارة لاختيار مؤسسة دولية متخصصة في الأشغال البحرية الكبرى بهدف الانطلاق في الأشغال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بأجل إنجاز مدته 24 شهرا.
استغلال الذهب
ويشهد قطاع الذهب الذي يتم استخراجه من أقصى الجنوب الجزائري، انتعاشا بعد اعتماد سياسة تتيح للشباب التنقيب في إطار منظم.
وتقيم حاليا شركة إينور الوطنية مناضد للذهب بكل من تمنراست وأميسميسا وجانت لاستلام خام الذهب ومعالجته لاستخراج معدن الذهب وتوقيع عقود تجارية مع المؤسسات المصغرة المكلفة بالاستغلال الحرفي للذهب.
ووفق الحكومة، مكنت هذه الأعمال من استلام إلى غاية اليوم، 38.300 طن من خام الذهب، والتي أتاحت عملية معالجتها استخراج 238.5 كلغ من الذهب ومن أجل تعزيز قدراتها في معالجة خام الذهب، سجلت شركة «إينور» عملية اقتناء منشأتين متنقلتين لمعالجة خام الذهب، كما تم اكتشاف معدنة جديدة للذهب من نوع «كارلين» بالجزائر.
مشاريع منجمية أخرى
ويجري حاليا، وفق الحكومة إنجاز العديد من المصانع لإنتاج مواد معدنية ومشتقات كيميائية، مثل مصنع كربونات الكالسيوم بمعسكر غرب البلاد، والبنتونيت (مادة طينية) بمغنية في أقصى الشمال الغربي. ومن المقرر إنجاز مصانع أخرى نهاية 2023 بينها ثلاثة مصانع لكربونات الكالسيوم بقسنطينة شرق البلاد، ومصنع لإنتاج مادة الدولوميت (مواد كلسية) بولاية أم البواقي في الشرق، ومصنع لإنتاج مادة الدياتوميت في معسكر وآخر لإنتاج مادة الفلسبار الكيميائية في عنابة، حيث ستكمن هذه المصانع بعد وضعها حيز الخدمة من تلبية الطلب في السوق الوطنية.
ومن بين المشاريع الكبرى التي يمكن أن تجسد، ما أعلن عنه مجمع «ليون» الماليزي الذي يسعى لإقامة مشاريع صناعية «هيكلية ضخمة» في الجزائر، في قطاع الحديد والصلب والألمنيوم، بقيمة إجمالية تناهز 6 مليار دولار، ستسمح بخلق حوالي 10 آلاف منصب شغل، وفق ما ذكر مديره العام الذي زار الجزائر مؤخرا.
توسيع الصادرات
تدخل عملية استغلال المناجم المكثفة ضمن استراتيجية تنويع الصادرات خارج المحروقات وزيادة مداخيل البلاد من العملة الصعبة وتعزيز احتياطي الصرف الذي ينتظر أن يصل إلى 73 مليار دولار مع نهاية السنة الجارية، وفق ما أعلنه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن الذي ذكر أيضا أن الجزائر تمتلك بالإضافة لذلك احتياطات من الذهب تقدر بـ 5,5 مليون أونصة، تعادل حوالي 10 مليار دولار بالسعر الحالي في السوق الدولية.
وتتوقع الجزائر، بحسب قانون الموازنة العامة، تحقيق نمو اقتصادي يقدر بنسبة 5.3 في المئة سنة 2023 مع صادرات خارج المحروقات تقدر بـ 13 مليار دولار. وكانت شعبة الحديد والصلب الأكثر مساهمة في هذه الصادرات، حيث حققت شركة توسيالي للحديد والصلب عبر مصنعها بوهران غرب الجزائر، صادرات بنحو مليار دولار سنة 2022. ويؤكد خبراء في الاقتصاد أن الجزائر في استغلالها للمعادن لا بد أن تستخلص الدروس من تجربتها مع البترول والغاز، إذ يجب أن يتم تثمين هذه الموارد إلى أقصى حد في الجزائر عبر الصناعات التحويلية، والاعتماد على ذلك في إعادة بعث النسيج الصناعي الذي تراجع في السنوات السابقة ليشكل نحو 5 بالمائة فقط من الناتج المحلي الخام. والمعروف أن هذا النوع من الصناعات التي تعتمد على المعادن، ذات قدرة على استيعاب عمالة مكثفة ما يفتح آفاقا واسعة للتشغيل فضلا عن عودة المعادن ومشتقاتها لتصبح سلعا ذات مردود مجز في الأسواق الدولية، وهو ما يدر مداخيل إضافية مضمونة تعد الجزائر في أمس الحاجة لها.