أن تكون " استشهاديا ماركسيا "!
Posted: 26 Aug 2016 02:21 PM PDT
أعلن حزب العمال الكردستاني أمس الجمعة مسؤوليته عن تفجير انتحاريّ جديد استهدف مركزاً للشرطة التركية في مدينة جيزري أدّى إلى مقتل 11 عنصر أمن وجرح العشرات من الشرطة والمدنيين بينهم طفل رضيع، وهذه ليست غير واحدة من عمليّات ضخمة ما انفكّ الحزب ينفّذها منذ عودة الصراع المسلّح مع السلطات الكرديّة في تموز/يوليو السنة الماضية.
انتهاء عملية المصالحة التي أدخلت الأكراد في العملية السياسية من خلال حزب الشعوب الديمقراطي (القريب سياسياً من حزب العمال) إلى البرلمان للمرّة الأولى كان نتيجة مباشرة لمناورة سياسية وعسكرية كبيرة نفّذها النظام السوري بتسليمه مناطق واسعة في سوريا لوحدات الحماية الكرديّة (الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي) ضارباً بذلك عدة عصافير بحجر واحد أهمّها إخراج الأكراد من منظومة النضال الشعبيّ العام ضدّ النظام، وشقّ الوحدة الوطنية السورية بين عرب وكرد، وتوظيف الحزب في مواجهة السياسات التركيّة في سوريا (وتركيا طبعاً، فما لبثت نجاحات «الذراع» السورية نفسها على الجسم الأكبر في تركيا من خلال تعضيدها الاتجاه المعادي لأنقرة ودعم التوجه المسلح لقيادته هناك).
استخدم الحزب في العمليّة الأخيرة 10 أطنان من المتفجرات حمّلت على شاحنة مفخخة قادها انتحاريّ من أعضاء الحزب وخلّفت، كعادة العمليّات الكبيرة هذه، دماراً هائلاً في المنازل والمحلات التجارية القريبة من مكان التفجير وحصدت عدداً من الأرواح، بمن فيها منفّذ العملية طبعاً.
تفتح العمليّات التي ينفّذها حزب العمال الكردستاني، الجدل حول قضايا فكرية وسياسية شائكة، سواء من حيث الأسلوب، الذي يتماثل مع أسلوب التنظيمات التي يعتمدها نقيضه الفكريّ الأقصى، كتنظيم «الدولة الإسلامية»، عدوّه اللدود، أو من حيث الاصطلاحات المستخدمة.
فإلى استخدامه العمليات الانتحارية، ودوغمائيته العقائدية الشبيهة، أحياناً كثيرة، بدوغمائية خصومه «الجهاديين»، فإن الحزب الذي يعرّف عن نفسه بكونه تنظيماً «ماركسيّاً لينينياً»، يتبنّى أيضاً بعضا من مصطلحات خصومه فيما يتعلّق باعتبار انتحاريّيه استشهاديين وقتلاه شهداء.
كان لافتاً، على سبيل المثال، تسمية أول كتيبة لمقاتلي الحزب في سوريا الذين يقاتلون إلى جانب «وحدات الحماية الكردية» باسم «كتيبة الشهيد سركان»، وقد حظي الإعلان عن هذه الكتيبة بمراسم رسميّة للحزب في رأس العين (الحسكة) حضره ممثلون عن «الإدارة الذاتية» (أي مسؤولو الحكومة الكردية في كردستان السورية أو «روج آفا») ومؤسسة عوائل الشهداء، والحزب الشيوعي الكردستاني وغيرها من تنظيمات أو مجموعات قريبة من الحزب أو تدور في فلكه.
وإذا كان التسليم بمصطلحات الأديان لإضفاء قدسيّة على نضال ذي طابع مناهض للدين أمراً مفهوماً سياسياً، كنوع من الاستفادة البراغماتية (أو الانتهازية) من الرأسمال الرمزيّ للدين، ومن الإجلال الشعبيّ لمن يضحّون بحيواتهم في سبيل قضية عادلة باعتبارهم شهداء، فإن الخطورة الأكبر تتمثّل في التقديس المطلق للعمل الانتحاريّ وتبرير مقتل المدنيين في سبيل «غاية عظمى».
والحقيقة أن التدقيق التاريخيّ في قضية العمليّات الانتحاريّة يكشف أن أول من قام بها في العصر الحديث كانت حركة علمانية هي «نمور التاميل» في سريلانكا، وهذه المعلومة تكشف خضوع هذا الموضوع لعمليّة انتقائية ذات ذاكرة قصيرة جعلته محصورا بـ«الجهاديين» وحركات التطرّف في العالم الإسلامي.
أما نموذج حزب العمال الكردستاني فيكشف، باتباعه الأساليب القتالية نفسها للمنظمات «الجهادية»، وتوظيف مصطلحاتها حول الشهادة والشهداء، أن المنطقة التي تقيم داخلها التنظيمات ذات الطابع الأيديولوجي الصارم، على اختلاف مدارسها، أقرب إلى بعضها البعض مما يعتقد هؤلاء الخصوم الايديولوجيون الشرسون.
أن تكون استشهاديا ماركسيا!
رأي القدس