عملية البقرة الحلوب - الحرب الساقطة من التاريخ بين مصر وإسرائيل

yasoo63

عضو
إنضم
21 نوفمبر 2007
المشاركات
324
التفاعل
292 0 0
**** **** ****


KGB_756c4_450x450.png


هذا الموضوع يتم نشره بأذن خاص من الكاتب نقلا عن

كتاب الاسد الحزين

الكاتب – توحيد مجدي

الناشر – دار كنوز للنشر والتوزيع

الطبعه الاولي – 2015



كتب توحيد مجدي في كتابه الاسد الحزين .

بين مصر وإسرائيل العديد من المواجهات العسكرية والحرب التاريخية المعروفة، ورسمياً وقعت أحداث حرب فلسطين خلال الفترة من السبت الموافق 29 نوفمبر 1947 حتى ليلة الأربعاء الموافق 20 يوليو 1949.

كما بدأت معركة العدوان الثلاثي على مصر فجر الإثنين الموافق 29 أكتوبر 1956 وانتهت رسمياً مساء الإثنين الموافق 5 نوفمبر 1956.

ثم بدأت حرب 1967 التي عُرفت باسم "النكسة" في الساعات الأولى من صباح الإثنين الموافق 5 يونيو 1967 وانتهت رسمياً مساء يوم السبت الموافق 10 يونيو 1967.

ومعركة أكتوبر المجيدة بدأت في تمام الثانية وخمس دقائق ظهر السبت الموافق 6 أكتوبر 1973 وانتهت رسمياً مساء الأربعاء الموافق 24 أكتوبر 1973. وللتوثيق فإن إطلاق النيران لم يتوقف بين الجانبين إلا مساء الجمعة الموافق 14 يناير 1974.

تواريخ يعرف معظم الناس على الأقل الجزء الأهم منها، لكن هناك حرباً أعلنتها مصر على دولة إسرائيل بتاريخ 16 فبراير 1960 لم تسجل في وثائقنا المصرية ولم يخبرنا بها كاتب من قبل ولا يعرفها أحد لكني سأكشف أسرارها بالتفاصيل في الصفحات التالية لتكون توثيقاً لما حدث بالفعل للأجيال القادمة.

تلك الحرب الغامضة في التاريخ الحديث كانت ستنشب بين مصر وإسرائيل في 16 فبراير 1960 ضمن خطة منهجية أطلقت عليها الاستخبارات السوفيتية KGB اسم عملية "البقرة الحلوب"، وهي خطة روسية تحققت بالفعل في 5 يونيو 1967.

طبقاً لوثائق الأرشيف السري للولايات المتحدة الأمريكية والأرشيف المهرب الخاص بالاستخبارات السوفيتية KGB الخاص بالجنرال الروسي "فاسيلي ميتروخين" كانت عملية "البقرة الحلوب" عملية حقيقية كاملة الترتيبات.

حيث تقرر في خطتها السوفيتية الأصلية أن تجتاح مصر حدود دولة إسرائيل من جنوبها إلى شمالها خلال أقل من ثمانية وأربعين ساعة، وباختصار بسيط كانت مصر يومها على مسافة حجر واحد من تحرير كل فلسطين.

وفي تقدير التداعيات المتوقعة لتلك الحرب حددت الاستخبارات السوفيتية KGB بخطتها أن رد الفعل الدولي الغربي والأمريكي على مصر سيلازمه هجوم عسكري مضاد ساحق سيدمر مقدرات القوات المصرية وبذلك تنتهي زعامة الرئيس جمال عبد الناصر ومعها التهديد القائم بسبب أفكاره بإمكانية خروج مصر من سيطرة نفوذ الحظيرة السوفيتية.

وللتوثيق سأبدأ التفاصيل موثقة من واقع الملفات السوفيتية "عظيمة السرية" من البداية: في مساء 7 نوفمبر 1992 وصل الجنرال المتقاعد "فاسيلي نيكيتش ميتروخين"، المسؤول الأسبق عن فرع جمع وتنظيم وإدارة معلومات أرشيف الاستخبارات السوفيتية KGB، إلى العاصمة البريطانية (لندن) وسط إجراءات أمنية "منتهى السرية" على متن رحلة أوربية داخلية أقلعت به من مطار مدينة "ريجا" عاصمة لاتفيا (دولة لا تفيا حالياً).

في عملية هادئة نظيفة نفذها تلك الليلة ضباط الفرع الخارجي التابعين لجهاز الاستخبارات البريطانية الشهير بالاسم المختصر "Mi 6" – تأسس عام 1909 -ليتضح أن ميتروخين عمل طيلة الوقت بسرية تامة أثناء خدمته لدى الاستخبارات السوفيتية KGB التي تقاعد منها عام 1985 لحساب نفسه ومصلحته الشخصية.

المثير أن فاسيلي نيكيتش ميتروخين جنرال جهاز الاستخبارات السوفيدية KGB الذي تقاعد عام 1985 أثبت ملفه توليه خلال الفترة من عام 1972 حتى عام 1984 إدارة عملية نقل الأرشيف السري الروسي الخاص بأجهزة الاستخبارات السوفيتية من مقره القديم في ميدان لوبيانسكايا إلى الجديد في ضاحية "ياسينيفو" القريبة من موسكو.

خلال فترة خدمته نجح ميتروخين في تهريب آلاف الوثائق والمستندات الخاصة بملفات عمليات سوفيتية استخباراتية "عظيمة السرية" أخفاها بعناية فائقة داخل أرضية الكوخ الصيفي – داتشا – الذي امتكلته عائلته خارج مدينة موسكو.

لم يحاول ميتروخين عقب انتهاء فترة خدمته الرسمية الاتصال بأي طرف غربي حتى قرر في عام 1992 لأسباب خاصة بأسرته وحاجته للمال وأولاده للعيش في مناخ حرية للذهاب للسفارة الأمريكية في مدينة ريجا، عاصمة لاتفيا، في مخاطرة منه لعرض ومقايضة ما لديه من وثائق معلومات سوفيتية على عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA .

غير أن حظه أوقعه في ضابط صغير السن قليل الخبرة لم يأخذ عرضه على محمل الجديدة، واعتقد أنه جنرال روسي متقاعد يحاول النصب على السفارة الأمريكية بعدد من المستندات السويفيتية المقلدة، فرفض تصعيد الموضوع إلى رؤسائه وتسبب في ضياع الفرصة الثمينة.

عقب فشل محاولته في ريجا وعندما لم يكشفه أحد قرر "ميتروخين" تجربة حظه مرة ثانية وذهب مباشرة إلى مقر السفارة البريطانية بمدينة ريجا (لاتفيا) حيث عرض عليهم ما لديه من آلاف النسخ لوثائق ومستندات اعتبرها المسئول البريطاني المختص عقب فحصها بعناية – ثروة معلوماتية واستخباراتية غير مسبوقة لا تقدر بثمن، لكنه طلب أصولها.

في هذه الأثناء اتفقت الاستخبارات البريطانية M16 على كل التفاصيل مع "ميتروخين" الذي قايض على نقله من عائلته إلى بريطانيا مع منح أفرد أسرته حق اللجوء السياسي ومميزات طلبها لنفسه ولعائلته، فوافقت الحكومة البريطانية مقابل الحصول على كل أرشيفه الشخصي الذي نجح في تجميعه وتهريبه على مدار شهور طويلة عرض نفسه خلالها لخطر الموت.

لكنه اشترط نقله أولاً، وفي ذات الليلة يعطي ضابط الاستخبارات البريطانية عنوان الكوخ الصيفي الذي يملكه خارج موسكو لكي يستخرجوا من أرضيته بأساليبهم الخاصة أرشيف المعلومات كاملاً ومن ثم نقله إلى السفارة البريطانية في موسكو ومنها بالبريد الدبلوماسي مباشرة للندن.

للتوثيق : نفذت مهمة استعادة أرشيف ميتروخين من الكوخ الصيفي خارج موسكو مجموعة خاصة من ضباط جهاز Mi 6 بينهم ضابط العمليات الخارجية "ريتشارد توملينسون"

في التفاصيل خضع "ميتروخين"، مع أفراد أسرته خلال هروبهم لعملية تجميل سريعة محترفة أجراها خبير في التجميل السينمائي انتظرهم في السفارة البريطانية بالعاصمة اللاتفية ريجا أبدلت كامل ملامحهم بشكل تام.

طبقاً للمسجل في ملفات ووثائق العملية البريطانية السرية للغاية لتهريب الجنرال السوفيتي ميتروخين وأسرته إلى لندن واستعادة أرشيفه الشخصي من موسكو، فقد سارت الأمور على نحو نموذجي بلغ حد الملل الإنجليزي.

كان فاسيلي نيكيتش ميتروخين جنرال فرع أرشيف جهاز الاستخبارات السوفيتية KGB المتقاعد قد جمع كل مستندات ذلك الأرشيف السوفيتي المهرب ووثائقه بنفسه في سرية تامة معرضاً حياته للخطر أثناء مدة خدمته الرسمية لدى الجهاز الروسي مئات المرات.

وطبقاً للتفاصيل استغرق الأمر من ميتروخين اثنى عشر عاماً لجميع ذلك الأرشيف انطلاقاً من مسئولية منصبه كنائب فعلي لمدير الاستخبارات السوفيتية KGB التي عمل لحسابها على مدار خسة وعشرين عاماً كاملة قضي منها الأعوام العشرة الأخيرة في خدمة مستقبله ومستقبل أسرته الذي قايض عليه بنجاح جهاز الاستخبارات البريطانية Mi 6.

وكان الأرشيف عبارة عن 250 ألف مستند ووثيقة سويفيتية رسمية للعمليات كانت الأكثر سرية على الإطلاق، صُنفت كلها تحت بنود "منتهى السرية" و "عظيم السرية" و"سري للغاية" و "سري"، كشفت في مجملها آلاف التفاصيل والمعلومات التي لا تقدر بثمن من واقع ملفات عمليات نفذتها أجهزة الاستخبارات السوفيتية KGB في مختلف دول العالم في الفترة من عام 1955 حتى عام 1985 عندما تقاعد "ميتروخين".

تضمنت تلك الوثائق ملف عملية "البقرة الحلوب" الخاصة بالسياسة السوفيتية الحقيقية تجاه مصر أثناء نظام الرئيس جمال عبد الناصر، وأخرى حدثت في مصر ولم يكشف عنها نهائياً حتى تاريخ هروب ميتروخين وأسرته من مسكو إلى لندن ليلة 7 نوفمبر 1992.

وسعياً وراء تتابع الأحداث والأسرار سأنتقل بكم مباشرة إلى العاصمة السوفيتية موسكو حيث مقر قيادة جهاز الاستخبارات الروسية KGB في 2 ميدان "لوبيانسكايا بلوشخاد"

التاريخ : أول يناير عام 1960

المكان: نحن الآن في الدور الثالث من مبنى جهاز الاستخبارات السوفييتية KGB جرس الهاتف الداخلي يرن بشكل متصعد في مكتب "أليكساندر نيكولاي فيتش شيليبين" المدير الثاني للجهاز، سمعه شيليبين لكنه يطالع تقريراً مهماً وينظر إلى الهاتف المزعج من وقت لآخر حتى توقف تماماً عن الرنين.

ثوانٍ حتى يصاب الهاتف الأحمر بعدوى الرنين المتكرر، وذلك الهاتف يربط مكتب مدير الاستخبارات السوفيتية KGB مباشرة ومجمع الكرملين ومكتب الزعيم الروسي "نيكيتا سيرجييفيتش خروتشوف" السكرتير العام لأول للحزب الشيوعي السوفييتي.

يعتدل مدير جهاز KGB في جلسته ويشد بذته الرسمية وتقريباً يلقى بالتقرير المهم الذي كان يطالعه أمامه وكأن الطرف الآخر على الهاتف سيدخل عليه كتبه حالاً عبر أسلاك الهاتف وهو يعلم أن المتحدث هو الزعيم السوفييتي خروتشوف بنفسه.

لم تستغرق المحادثة بين شيليبين مدير جهاز KGB والزعيم الروسي طويلاً، وقد حرص خروتشوف على التحدث بنفسه ذلك اليوم إلى مكتب أليكساندر شيليبين لسرية الموضوع وخطورته، وقد طلب من ميدر الاستخبارات السوفيتية KGB أن يحضر إليه على الفور مع الملف الخاص بالزعيم المصري جمال عبد الناصر.

طبقأً لوثائق أرشيف العمليات السوفيتية المهربة التي عُرف باسم "أرشيف ميتروخين".

قصد خروتشوف على الهاتف بالتحديد ملف فرعي حمل الكود عملية "البقرة الحلوب" ومعه التقرير النفسي الأخير الخاص بالرئيس المصري جمال عبد الناصر.

بعد أن نمى إلى علم مكتب معلومات الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف أن علماء جهاز KGB أصدروا تقريرهم الدوري عن نفسية عبد الناصر عن الفترة من يونيو 1959 وحتى يناير 1960.

طبقاً لما أفصحت عنه وثائق أرشيفية ميتروخين "عظيمة السرية" نكتشف على عكس كل ما سجل وكتب أن الزعيم جمال عبد الناصر لم يكن في تلك الفترة الزمنية الحليف الأكبر والأهم بالنسبة للاتحاد السوفيتي كما أخرونا في التاريخ، على الأقل مثلما وثقت المستندات الاستخباراتية السوفيتية.

بل على العكس تماماً الجهاز الروسي رصد مع بداية عام 1960 ما أطلقوا عليه "تنامي الدور الناصري" بما يتعارض مع المصالح السوفيتية في العالم وليس في مصر والشرق الأوسط فقط.

بعد أن أعلن الرئيس جمال عبد الناصر سياسة واحدة واضحة للأعداء وللأصدقاء أنه ضد نفوذ ومصالح الامبراطوريات العظمى والدول الاستعمارية والأجنبية في مقدرات وثروات الدول النامية الساعية للحرية والاستقلال.

في سياق الأرشيف الروسي نكشف أن أفكار الزعيم المصري – العربي جمال عبد الناصر كانت وصلت في تلك الفترة الزمنية إلى معظم شعوب دول العالم المختلفة وأصبحت أفكار القومية وقوداً لمعظم حركات التحرر بدول أمريكا الجنوبية التي سميت "اللاتينية" ، وأنها غمرت معظم الدول الأفريقية ووصلت إلى شبه القارات الهندية والصينية حتى جنوب شرق آسيا، بل بلغت مشارف الحدود السوفيتية ونفذت إلى العاصمة موسكو نفسها.

ومن هنا نبعت مخاوف الاستخبارات السوفيتية KGB من تنامي الرئيس المصري بعد أن وصلت إلى الدول التي اعتبرتها موسكو موالية وتابعة وصديقة للاتحاد السوفيتي، الأمر الذي كان من شأنه تأليف شعوب تلك الدول على موسكو.

في المجمل، أصبح جمال عبد الناصر يشكل تهديداً مباشراً بكل المقاييس المنطقية على مصالح الاتحاد السوفيتي في العالم، بل توقعت عقول الاستخبارات السوفيتية KGB أن الخطوة التالية للرئيس المصري ستكون الانفصال عن روسيا، لذلك حرصت موسكو على رصد الحالة النفسية للرئيس جمال عبد الناصر بشكل مستمر في إطار متابعته بتقارير نفسية دورية نصف سنوية أشرف على إعدادها علماء طلب النفس العاملين لحساب الاستخبارات السوفيتية KGB .

الغريب أن من يحقق ويطالع بيانات التقارير "عظيمة السرية" التي وضعتها الاستخبارات السوفيتية بشكل دوري عن الحالة النفسية للرئيسي جمال عبد الناصر سيكتشف معها دائماً بشكل مترابط قصاصات معلوماتية عن مدى التقدم الإنتاجي والصناعي المصري بمجالات شتى أقلقت موسكو ودلت على اقتراب وصول مصر إلى وضع الاكتفاء الذاتي.

وقد رأت موسكو في شهر يناير عام 1960 أن أكثر التقديرات خطورة على مستقبل الصناعات السوفيتية العسكرية في العالم هو التقدم المصري في الصناعات العسكرية، بالأخص مشروعا منظومة تطوير الأسلحة السرية التي قاد عمليات إنتاجها الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه.

هكذا وضع الاتحاد السوفيتي الرئيس جمال عبد الناصر على رأس قائمة التهديدات التي كان من المقرر أنها ستواجه الصناعات العسكرية السوفيتية مستقبلاً على أقل تقدير في منطقة الشرق الأوسط.

من هنا كانت الحاجة الروسية الماسة لخطة استراتيجية تُحكمه تُستدرج فيها مصر والرئيس جمال عبد الناصر إلى معركة أكبر من قدراتهم الحقيقية يمكن استغلالها من قبل موسكو للقضاء على زعامته ومشروعاته السرية والعلنية العملاقة، حتى تضطر مصر عقب هزيمتها طبقاً للخطة للبقاء تحت رحمة الحاجة الماسة إلى عون المساعدات السوفيتية المختلفة وتظلم روسيا تستفيد إلى ما لا نهاية وللأبد من تواجدها في قلب القاهرة التي ستموت من دون موسكو.

أغلق أليكساندر شيليبين مدير الاستخبارات السوفيتية KGB الهاتف الأحمر وبعدها بأقل من ساعة وصل إلى الكريملن للقاء الزعيم الروسي نيكيتا خروتشوف حاملاً ملف عملية "البقرة الحلوب" والتقرير النفسي الأخير عن الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

قابل أليكساندر شيليبين، مدير جهاز KGB الشهير بقسمات وجهه العبوس، الزعيم السوفييتي خروتشوف ودخل مباشرة في الموضوع وراح يشرح أهداف خطة عملية "البقرة الحلوب" موضحاً أنها تعتمد على توريط الجيش المصري في حرب إقليمية شاملة مع إسرائيل تحد من قدراته وتضعه مع الرئيس المصري في مواجهة العالم كله.

وأشار "شيليبين" لعنصر استراتيجي مهم اعتبره في صالح الاتحاد السوفييتي، مؤكداً أن مصر بلغت تلك الفترة حالة من التخمة العسكرية والثقة الزائدة بالنفس بسبب صفقة سلاح عملاقة وقعها الرئيس جمال عبد الناصر في صباح 21 سبتمبر 1955 مع الرئيس التشيكوسلوفاكي "أنطونين زابوتوتسكي" ثاني رؤساء دولة تشيكوسلوفاكيا في العهد الشيوعي وزعيم الحزب الشيوعي بداية من 21 مارس 1953 حتى 13 نوفمبر 1957.

وكانت اتفاقية صفقة السلاح التشيكوسلوفاكية قد قلبت موازين القوى يومها في الشرق الأوسط وأصبح الميزان رسمياً طبقاً لما أجمعت عليه الوثائق الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية الأمريكية بنسبة 7 إلى واحد لصالح مصر.

أوضح "شيليبين" في شرحه للزعيم السوفييتي خروتشوف أن تلك الاتفاقية مدوية على الاتحاد السوفييتي المورد الأول للسلاح إلى مصر لأن نظام الرئيس جمال عبد الناصر تجرأ على موسكو وعقد أول اتفاقية عملاقة بملف التسليح مع دولة تابعة للنظام الشيوعي لكنها ليست روسيا الأم.


جاءت الصفقة لتوريد أسلحة روسية الصنع منها 150 طائرة مقاتلة من طراز "ميج 15" مع عدد 50 طائرة قاذفة متوسطه المدى من طراز "اليوشن 28" و 70 طائرة نقل عسكري من طراز "اليوشن 14" و 230 دبابة طراز "تي 34" و 200 عربة مدرعة طراز "152 بي تي آر" وعدة مئات من المدافع الروسية الثقيلة بعيدة المدى مع عدة آلاف من أنواع متميزة من الرشاشات الحديثة سريعة الطلقات.

وعقب الصفقة تراجع الرئيس جمال عبد الناصر عن طلبيات أسلحة روسية كان يلح قبلها على الاتحاد السوفييتي للحصول عليها، والأخطر أنه راح يصنع ما نقص جيشه محلياً مما شكل خسارة مادية وسياسية كبيرة على الخزانة السوفييتية عام 1955.

من هنا هدفت خطة عملية "البقرة الحلوب" إلى إعادة مصر ورئيسها جمال عبد الناصر إلى الحظيرة السوفييتية وإفراغ المخازن المصرية من الأسلحة التشيكوسلوفاكية حتى لو كان ذلك على حساب تدمير الجيش المصري والهزيمة المروعة للدولة المصرية.

في الجلسة ألح الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف على أليكساندر شيليبين، مدير جهاز الاستخبارات السوفييتية KGB لوقف تنامي الدور السياسي الإقليمي والدولي للرئيس المصري جمال عبد الناصر وإيجاد وسيلة فعالة لكبح جماح ماكينته العسكرية المحلية.

في عجالة عرض أليكساندر شيليبين، مدير جهاز KGB، على الزعيم السوفيتي خروتشوف خطة لتسميم المعلومات الاستخباراتية المصرية بهدف تضليل وتفويض منظومة المعلومات المصرية، الأمر الذي سيدفع الأجهزة المصرية لتقدير مخاطر وهمية غير حقيقية تعتبرها خطراً وشيكاً يستوجب قرارات سياسية، وعندما تقدم تلك المخاطر طواعية للرئيس جمال عبد الناصر المعروف بشخصيته الحادة فإنه سيفضل قرار الحرب التي تتمناها موسكو بين مصر وإسرائيل.

وفي أثناء تطبيق الخطة السوفييتية نقلت الاستخبارات السوفيتية عن طريق عملائها داخل النظام المصري إلى الرئيس جمال عبد الناصر معلومات مغلوطة زعمت وقتها أن إسرائيل حشدت قواتها على الحدود مع حليف الجمهورية العربية المتحدة في سوريا وأن تلك أبيب على وشك أن تشن حرباً شاملة لاحتلال كل الأراضي السورية.

سربت الاستخبارات السوفيتية KGB المعلومات نفسها بدعوى أنها حصرية ودقيقة لمكتب وزير الدفاع المصري المشير عبد الحكيم عامر الذي كان يشعر بضغط الجيش الإسرائيلي وتهديده المتنامي وضغطه على الحدود المصرية.

وكان "عامر" قد طلب من رئيسه جمال عبد الناصر أكثر من مرة خلال عام 1959 شن عملية هجومية مباغتة شاملة ضد دولة إسرائيل مع وعد رسمي منه بأن الجيش المصري سينتصر خلال أسبوع واحد وسيدخل إلى قلب تل أبيب لتحرير فلسطين.

حاصرت موسكو الرئيس جمال عبد الناصر بتلك المعلومات التي زعمت أن أسرائيل على وشك الهجوم على سوريا حيث سربتها عن طريق أكثر من مصدر، وبصفته ساعتها. رئيساً لـ "الجمهورية العربية المتحدة"، التي تشكلت من مصر وسوريا بالتوقيع على ميثاق الجمهورية المتحدة في 22 فبراير 1958، كان عليه اتخاذ قراره لإنقاذ دولته في سوريا.

طلب الرئيس جمال عبد الناصر – بعد أن تشكك في عدة نقاط استراتيجية – فحص المعلومات بهدوء، معتمداً على خبراته العسكرية الطويلة، وفي النهاية لم يقتنع بالمعلومات السوفيتية وطلب أن يأتوا له بدليل قاطع حتى يأمر بتحرك شامل للقوات المصرية.

(( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – نفس الموقف ونفس الكمين في مايو 1967 ونفس المعلومات المغلوطه ووقع عبد الناصر في الفخ واعلن التعبئه وهُزمت مصر – فما الفرق بين 1960 و 1967 ؟ ))

أبلغت رغبة الرئيس جمال عبد الناصر إلى الاتحاد السوفييتي الوحيد في العالم مع اولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة التي كان لها طائرات تجسس متطورة لا يمكن للرادارات العامة بمنطقة الشرق الأوسط كشفها، فأمر الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف أن يعد جهاز الاستخبارات السوفييتية KGB بشكل عاجل للرئيس المصري الدليل الحقيقي على الأرض كي يقتنع جمال عبد الناصر بضرورة اتخاذ قرار سريع لأن الجيش الإسرائيلي يستعد بالفعل لمهاجمة سوريا.

كانت رغبة الرئيس جمال عبد الناصر في الحصول على دليل قوي هو كل ما احتاجت إليه خطة عملية "البقرة الحلوب" فقامت الاستخبارات السوفييتية KGB بتزويد النظام المصري بعدد من الصور الجوية والمعلومات العسكرية المغلوطة أكدت أن إسرائيل تحشد قواتها على الحدود مع سوريا.

في ليلة 31/ 30 يناير 1960 أمر الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة – ألغى ميثاقها في 28 سبتمبر – 1961 القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية والسورية بتنفيذ عملية محدودة ضد شمال دولة إسرائيل.

فقصفت المدفعية السورية الحدود الإسرائيلية الشمالية بالمدافع الثقيلة لجس النبض ميدانياً فقتل خلال القصف شرطي إسرائيلي وجرح مواطنون من سكان شمال إسرائيل، ولم يرد الجيش الإسرائيلي على النيران السورية من أي موقع.. حتى قرر جيش الاحتلال الإسرائيلي فجأة الرد صباح 31 يناير 1960 على القصف السوري عن طريق عملية إغارة أسندت إلى "لواء الجولاني"، أو كما تسمى الفرقة رقم "1" وهي فرقة مشاه نظامية في الأساس يتميز أفرادها بارتداء "الباريه" العسكري بني اللون علمها المميز الأصفر والأخضر.

استدعى "دافيد بن جوريون" – بصفته وزير للدفاع يومها – "العاد بيليد" قائد لواء الجولاني خلال الفترة من عام 1958 حتى منتصف عام 1960 حيث أنسد لقواته عملية الرد التي حملت اسم الكود "كرة المضرب" فتوجهت وحدة خاصة صوب النيران العربية ومكان تمركز المدفعية السورية داخل قرية "توفيق" السورية القريبة من هضبة الجولان والحدود الإسرائيلية السورية.

وللأهمية، فمن الثابت أن بن جوريون، أول وزير دفاع إسرائيلي، تولى المنصب مرتين، الأولى من 14 مايو 1948 حتى 26 يناير 1954 والثانية بداية من 21 فبراير 1955 حتى 26 يونيو 1963.

عقب معركة شرسة مالت كفتها إلى القوات الإسرائيلية بسبب عدم وجود تعزيزات عسكرية سورية نوعية وكافية في تلك البلدة احتلت القوة الإسرائيلية البلدة الصغيرة ولغمتها ودمرتها بالكامل في مواجهة عسكرية خاطفة سقط فيها 9 سوريين وجرح 15 بينما قتل فيها ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح 17 من القوات نفسها.

بث راديو "صوت العرب" من القاهرة بياناً تناقلته كل شبكات الإذاعات الدولية العامة يومها أفاد بأن الغارة الإسرائيلية على قرية "توفيق" السورية جاءت في إطار حرب شاملة خططت فيها إسرائيل لغزو الجمهورية العربية المتحدة واحتلال سوريا.

وأكد بيان إذاعة صوت العرب من القاهرة باللغة العربية أن الجيش العربي المصري – السوري صد الغزو الإسرائيلي الغاشم "جيش العدو الصهيوني" على حد تعبيرات البيان الرسمي – وأوقع مئات القتلى والجرحى مع عشرات الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا داخل الأراضي السورية .

هدأت المواجهات العسكرية شمال إسرائيل واستنفرت الجهة المصرية السورية ضد الحدود الإسرائيلية بشكل عام وكان قرار شن العمليات العسكرية بيد رئيس الجمهورية العربية المتحدة ووزير دفاعه القائد العام للجيش المشير "محمد عبد الحكيم عامر" الذي تولى المنصب خلال الفترة من 9 ديسمبر 1954

يذكر للتوثيق أن عبد الحكيم عامر تمت ترقيته في 23 فبراير 1958 لرتبة المشير تمهيداً لتوليه منصب نائب ريس الجمهورية الذي شغله "عامر" بداية من ليلة 7 / 6 مارس 1958 على فترات حتى 30 سبتمبر 1965.

خف التوتر العسكري عقب العملية الإسرائيلية الخاطفة على قرية "توفيق" السورية وعاد الهدوء من جديد ولم يثبت للرئيس جمال عبد الناصر أن إسرائيل حشدت وحدة قوات على الحدود مع سوريا مثلما أكدت من قبل معلومات الاستخبارات السوفييتية KGB .

في إطار تنفيذ الخطة السوفييتية لتسريع وتصعيد وتيرة التوتر بين الجمهورية العربية المتحدة وإسرائيل كثفت الاستخبارات السوفييتية بداية من أول شهر فبراير عام 1960 معلوماتها المغلوطة التي دعمتها بصور جوية مفبركة عن تحركات عسكرية إسرائيلية حاشدة مزعومة على حدود مصر.

في السياق نفسه نشر الصحفي المصري "محمد حسنين هيكل" رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأهرام" المصرية ، المعروف وقتها بقرية من النظام الحاكم في القاهرة، بتاريخ 1 فبراير 1960 خبراً رسمياً صدر من رئاسة الجمهورية العربية المتحدة كان نصه:

"أعلنت الجمهورية العربية المتحدة حالة الطوارئ وصدرت الأوامر بتحرك القوات العربية إلى الحدود الإسرائيلية في مصر وسوريا".

اشتعلت الشوارع الجماهير العربية وضغط وزير الدفاع المصري عبد الحكيم عامر بقوة على الرئيس جمال عبد الناصر وحذره أكثر من مرة ونبهه إلى أن معلوماته أكيدة وطلبت منه إبراء مسئوليته إذا هاجمت إسرائيل سوريا واحتلتها، فما كان من رئيس الجمهورية العربية المتحدة إلا أن أصدر تعليماته بتحرك القوات المصرية إلى داخل شبه جزيرة سيناء.

كانت سيناء في تلك الفترة خالية تقريباً من القوات الدولية التي ركزت عمليات مراقبتها من داخل مقرها في مدينة غزة الفلسطينية، وكان للجيش المصري داخل سيناء فرقة مشاه واحدة مع 100 دبابة ووحدات ميكانيكية متنوعة متناثرة.

في صباح 8 فبراير 1960 نشرت الصحف المصرية القومية نقلاً عن الرئيس جمال عبد الناصر تصريحاً جاء نصه كالتالي:

"أعلن الرئيس جمال عبد الناصر أن الجمهورية العربية المتحدة تتوقع الهجوم علهيا من جانب إسرائيل في أي لحظة .. هنا القاهرة".

أضيئت في العاصمة الأمريكية واشنطن الأضواء الحمراء وأمر "دوايت دافيد إيزنهاور"، الرئيس الأمريكي الجمهوري الرابع والثلاثين في ترتيب الرؤساء، الذي شغل مهام منصبه في الفترة من 20 يناير 1953 حتى 20 يناير 1961، كل الأجهزة الأمريكية المعنية بمتابعة الموقف في منطقة الشرق الأوسط ومصر عن كثب.

كما طلب الرئيس الأمريكي إيزنهاور من وزير دفاعه الجديد وقتها "توماس سوفيرجن" جاتس جي آر"، ، ضرورة إبلاغه على مدار الساعة بحقيقة ما يدور على الأرض من تطورات.

في منتصف ليلة 15 فبراير 1960 حدثت واقعة مهمة للغاية هي بداية قصة الحرب التي لم تنشب أبداً بين مصر وإسرائيل.

وهنا أكشف أحد الأسرار المهمة والجديدة، ففي داخل محيط منطقة المفاعل النووي في مدينة ديمونة داخل صحراء النقب جنوب إسرائيل تقع محطة تجسس أمريكية من أخطر محطات التجسس والتنصت في الشرق الأوسط كله، ما زالت تعمل بكامل طاقاتها حتى يومنا هذا.

يدير تلك المحطة السرية للغاية بشكل دوري 120 ضابطاً وخبيراً وعالماً يعملون بدوام كامل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA التي تأسست في 18 سبتمبر عام 1947 ومقر قيادتها مقاطعة لينجلي بولاية فيرجينيا الحدودية الواقعة غرب العاصمة الأمريكية واشنطن.

وتدار تلك المحطة حتى كتابة تلك السطور – بناءاً على اتفاقية رسمية وقعت في منتصف مايو عام 1951 بين وكالة CIA وبين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للتعاون في مجال تبادل المعلومات الاستراتيجية والاستخباراتية.

وهي – لدواعي التوثيق – اتفاقية وقعها عن إسرائيل "رؤوفين شيلواح"، المدير الأول مؤسس مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة (المواساد)، الذي شغل منصبه خلال الفترة من 13 ديسمبر 1949 حتى 22 سبتمبر 1952 والمشرف يومها على نشاط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية السرية بداية من 1 أبريل 1951 ، كما وقعها عن الولايات المتحدة الأمريكية الجنرال "والتر بيدل سميث"، المدير الرابع في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، الذي شغل منصبه في الفترة من 7 أكتوبر 1950 حتى 9 فبراير 1953.

أثناء عملية مسح يومية دورية روتينية يقوم بها ضباط المحطة الأمريكية مرتين كل 12 ساعة للمناطق الحدودية الإسرائيلية الجنوبية مع مصر رصدت الأجهزة المتقدمة ليلة 14 فبراير 1960 تحركات عسكرية غير معتادة في شبه جزيرة سيناء المصرية.

خارج الملف

((( ... للأهمية، ولدواعي التوثيق، طورت الولايات المتحدة الأمريكية تلك المحطة كما زودتها بأحدث أجهزة التجسس العسكرية وتم تحديدها في الفترة من 1 يناير حتى 1 مايو 2008 عندما افتتحت وعادت إلى سابق عهدها في مراقبة الشرق الأوسط كله.

وتضم محطة الرادار الأمريكي المجددة في منطقة ديمونة حالياً موقعين متجاورين متصلين بعضهما ببعض، مساحة كل منهما 400 متر مربع، بكل مربع منها برج عملاق للتنصت والتجسس والاتصالات، دولياً وهما أطول برجين على سطح الكرة الأرضية داخل حدود جغرافيا دولة إسرائيل، وفي الوقت نفسه هما أطول رادارين عسكريين رسميين للتجسس والتصنت على مستوى العالم حالياً.

ترصد على مدار الساعة من خلالهما وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ما يدور على سطح البحر والأرض وفي آفاق السماء من مدينة ديمونة الإسرائيلية في صحراء النقب إلى قلب القاهرة والرياض وعمان ودمشق وبغداد وبيروت.

ومن داخل تلك المحطة يمكن الكشف عن أي "صاروخ باليستي" يمكن أن يطلق من مسافة 2400 كيلو متر في اتجاه إحداثيات دولة إسرائيل لتحذيرها كي تتخذ إجراءات الطوارئ العامة تمهيداً لاعتراضه )) .

أعود إلى أحداث ما رصدته محطة التجسس الأمريكية منتصف ليلة 15 فبراير 1960 داخل حدود مفاعل ديمونة جنوب صحراء النقب المجاورة لشبه جزيرة سيناء المصرية وأطالع يومية الرادار الأمريكي السرية للغاية المسجلة تلك الليلة.

ونكشف أن السر وراء عدم تمكن المحطة الأمريكية ليلتها من رصد الأحداث الجارية المريبة على الأرض داخل شبه جزيرة سيناء كان وراء ضعف قدرات أجهزة الرصد الأمريكية العسكرية الليلية في المقام الأول.

وثانياً: بسبب مساحة شبه جزيرة سيناء مترامية الأطراف بمساحة جغرافية رسمية تبلغ 60.008 كيلو متر مربع مثل 6% من المساحة الكلية السيادية للجمهورية العربية المتحدة، مما يعني أنها أكبر ثلاث مرات من مساحة دولة إسرائيل المعترف بها دولية البالغة 20.770 كيلو متر مربع.

ثالثاً: لان موقف الزعيم جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة السياسي اتسم يومها بالغموض والصمت بداية من العملية الإسرائيلية في قرية "توفيق" السورية يوم 31 يناير 1960.

بل إن الأوامر التي صدرت للجيشين المصري السوري بداية من صباح 8 فبراير 1960 فرضت الصمت اللاسلكي، على تحركات واتصالات القوات وهي حالة عسكرية تصمت فيها جميع أجهزة الاتصالات للتمويه والتغطية ومنع التنصت المضاد، وعندما تقرر الجيوش فرض تلك الحالة اللاسلكية يصبح التنبؤ بوجود تحرك عسكري وشيك من الأمور البديهية.

رابعاً: لم تتأكد المحطة الأمريكية ليلتها مما دار داخل شبه جزيرة سيناء بسبب خطأ بشري تراخى خلاله مسئول الرصد داخل المحطة عن متابعة تطور البيانات التي استقبلتها تلك الليلة أجهزة المحطة مع مطابقتها مع ما سجل من بيانات استطلاع في الساعة التالية.

المهم تطورات الأحداث وبدأت القوات السورية تناوش الجيش الإسرائيلي في منطقة الحدود الإسرائيلية السورية فقتلت جنديين إسرائيليين بالقرب من هضبة الجولان السورية وأصبح الوضع جد خطير.

على ذلك أمر الرئيس جمال عبد الناصر في الساعات الأولى من فجر 16 فبراير 1960 بتحرك القوات المصرية في اتجاه الحدود المصرية الإسرائيلية مع صحراء النقب عقب اعتماده دقة معلومات جهاز الاستخبارات السوفييتية KGB التي زرعتها موسكو لتضليل منظمة التقديرات المصرية.

عبرت القوات المصرية قناة السويس إلى داخل شبه جزيرة سيناء في هدوء تام خلال الفترة من فجر يوم 17 حتى مساء ليلة 18 فبراير 1960 خلال عملية عبور شاملة تعتبر الأولى بالنسبة للتوثيق العسكري في تاريخ المعارك المصرية الإسرائيلية

وساعتها عبرت على رأس القوات المصرية الفرقة المصرية الثانية مشاة والفرقة الرابعة المدرعة مع ست فرق أخرى مع فرق النخبة، من واقع عشر فرق أساسية عاملة بالجيش المصري وقتها، وثلاث فرق مدرعة وميكانيكية وفرقة SU-100 مضادة للدبابات

وعليه كان للجيش المصري في مساء ليلة 18 فبراير 1960 صحراء النقب الإسرائيلية خمسمائة دبابة مصرية روسية حديثة أمام 25 دبابة إسرائيلية في كل الجنوب الإسرائيلي.

في مساء ليلة 18 فبراير 1960 فوجئت محطة التجسس الأمريكية في ديمونة بالحشود المصرية العسكرية بكامل عتاها ورجالها تنتظر الأمر الرئاسي من رئيس الجمهورية العربية المتحدة الريس جمال عبد الناصر لاجتياح حدود دولة إسرائيل عسكرياً بعدما وعده وزير دفاعه المشير عبد الحكيم عامر بأنه سيحتلها – كما حدد – خلال أسبوع واحد.

فأبرقت محطة التجسس والتنصت الأمريكية بصحراء النقب بالمعلومات إلى "آلين ويلش دوليس"، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، الخامس في ترتيب مديري الوكالة الذي شغل منصبه في الفترة من 26 فبراير 1953 حتى 29 نوفمبر 1961.

هرع آلين آلين دوليس إلى البيت الأبيض (مقر الإدارة الأمريكية في واشنطن)، مؤكداً أن الحرب بين الجمهورية العربية وإسرائيل ستنشب خلال 12 ساعة وعلى الرئيس دوايت إيزنهاور التصرف السياسي العاجل.

بالتزامن، نقلت محطة التجسس الأمريكية في صحراء النقب، طبقاً لاتفاقية تشغيلها الأمنية مع تل أبيب، كل البيانات إلى القيادة والحكومة الإسرائيلية التي فشلت جميع أجهزة استخباراتها في رصد ما يحدث على حدودها الجنوبية مع مصر في حالة استرخاء تام غر مسبوقة في تاريخ الدولة العبرية.

في صباح 19 فبراير 1960، دُعي رئيس الوزراء "دافيد بن جوريون" إلى اجتماع حرب عاجل لبحث خطة طوارئ الدفاع عن حدود دولة إسرائيل أمام اجتياح مصري – عربي وشيك .

الثابت للتوثيق أ دافيد بن جوربون هو أول رئيس لوزراء دولة إسرائيل وأنه شغل ذلك المنصب مرتين الأول من 14 مايو 1948 حتى 26 يناير 1954، والثانية ن 3 نوفمبر 1955 وحتى 16 يونيو 1963 عندما قرر الانسحاب من الحياة السياسية نهائياً حتى وفاته منعزلاً في مزرعته الخاصة في منطقة "سدي بوكر" بصحراء النقب في 1 ديسمبر عام1973.

دخلت دولة إسرائيل في حالة هيسترية تشبه حالة الجنون وحضر الاجتماع كل من "إيسار هارشيل"، المدير الاثني لمؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة "الموساد" الذي شغل منصبه خلال الفترة من 22 سبتمبر 1952 حتى 1 سبتمبر 1963.

كما حضر الجلسة نفسها اللواء "حاييم هرتزوج"، مدير الاستخبارات الحرية الإسرائيلية المعروفة بالاسم الكودي "أمان"، والمعروف أن "هرتزوج" أصبح عبد ذلك بعدة أعوام رئيساً لدولة إسرائيل، شغل منصب في الفترة من 5 مايو عام 1983 حتى 13 مايو عام 1993.

في الجلسة الطارئة هاجم "إسحاق رابين" رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الذي تولى مهام منصبه خلال الفترة من 28 أبريل 1959 إلى 23 يناير 1961 ، بقوة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خاصة الحربية وطلب تحويل رؤساء تلك الأجهزة إلى تحقيق رسمي موسع.

دافع اللواء حاييم هرتزوج، مدير الاستخبارات الحربية الإسرائيلية، عن فشل جهز دون سند من المنطق بينما طالب العجوز دافيد بن جوريون، رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي في الوقت ذاته من الجميع بالتركيز على بحث إجراءات إنقاذ دولة إسرائيل أولاً.

في الجلسة حدثت واقعة سجلها التاريخ عن تلك الحرب التي لم تنشب أبداً بين مصر وإسرائيل في فبراير عام 1960.

فقد أخذ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية إسحاق ابين ورقة صغيرة وكتب عليها جملة محفوظة حالياً في أرشيف المتحف العسكري للجيش الإسرائيلي في القدس كتب فهيا إلى "عيزر فايتسمان"، قائد سلاح الجو الإسرائيلي الذي شغل منصبه خلال الفترة من مايو 1958 وحتى أبريل 1966:

"عيزر.. لقد خُدعنا في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المزعومة وفاجأنا المصريون وسروايلنا إلى أسفل.. الأربع والعشرين ساعة التالية تاريخية في حياة دولة إسرائيل وأنت المسئول في سلاح الجو".

عقب الاجتماع أعلنت دولة إسرائيل الطوارئ التي سُميت من يومها بالاسم كودي الحالة "روتم" وهي تعني الآن حالة الطوارئ العسكرية الزرقاء.. أما "روتم" نفسها كجملة فتعني "زهرة المكنسة"، كناية عن أنها حالة طارئة عندما تعلن تكون دولة إسرائيل معرضة لخطر كنسها من على خريطة العالم والوجود.

الثابت أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت في الجلسة نفسها التعبئة العامة الفورية وتمكن الجيش الإسرائيلي من حشد سبعة آلاف جندي وقامت القيادة الإسرائيلية بدراسة سريعة أكدت أن الحرب ستندلع على أقصى تقدير صباح يوم 22 فبراير 1960.

في مساء ليلة 19 فبراير 1960 أبرقت "جولدامائير"، وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها التي شغلت المنصب خلال الفترة من 19 يونيو 1956 حتى 12 يناير 1966، إلى "أبا إيبان" المندوب الإسرائيلي الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة ، طالبة منه إيقاظ "داج هجمالمار أجني كارل همرشولد" السكرتير العام لمنظمة الأمم المتحدة الثابت شغله لمنصب في الفترة من 10 أبريل 1953 حتى مقتله في حادث طائرة شمال زامبيا بتاريخ 18 سبتمبر 1961.

في برقيتها العاجلة طلبت جولدا مائير من أبا إيبان إبلاغ همرشولد أن الرئيس جمال عبد الناصر قرر اجتياح دولة إسرائيل لتدميرها، وفي التوقيت ذاته هاتفت جولدا مائير السفير الإسرائيلي في واشنطن "إبراهام هرمان" الذي تولى المنصب في الفترة من عام 1959 حتى عام 1968، حيث كلفته بضرورة إطلاع وزارة الخارجية والإدارة الأمريكية بشكل عاجل وفوري على الموقف مع تحذير واشنطن من خطورة ما ستتعرض له إسرائيل بعدما هدد الرئيس جملا عبد الناصر بتدميرها عدة مرات علنية.

في صباح 23 فبراير 1960 كلف وزير الدفاع الإسرائيلي دافيد بن جوريون قائد سلاح الطيران عيزر فايتسمان بالقيام بعملية استطلاع جوية شاملة على حدود شبه جزيرة سيناء أسند عيزر فايتسمان قائد سلاح الطيران الإسرائيلي العملية إلى طائرتين من طراز "فيتور بي" بالإقلاع على الفور لتصوير أرض العمليات فقاد المقاتلة الأولى للتصوير المقدم طيار احتياط "يوسي ساريج" بينما قاد الثانية للحراسة والتمويه والتغطية المقدم طيار احتياط "يعقوب أجاسي".

فجاءت النتائج كارثية بعدما أكدت الصور الحديثة التي التقطتها المقاتلتان الإسرائيليتان آن حشود الجيش المصري تقف على مسافة متر من خط الحدود المصرية – الإسرائيلية بل إن هناك قطعاً مصرية عبرت الحدود بالفعل بمسافة أمتار قليلة داخل حدود إسرائيل .

بل كانت المعلومة المروعة التي صورتها المقاتلتان الإسرائيليتان أن لإسرائيل في المنطقة الجنوبية كلها عدد 25 دبابة إسرائيلية تقف أمام 550 دبابة مصرية سوفيتية الصنع حديثة يمكنها اجتياح كل دولة إسرائيل خلال سبع ساعات على أكثر تقدير استراتيجي.

في صباح 25 فبراير هرع السكرتير العام داج همرشولد إلى القاهرة للقاء الرئيس جمال عبد الناصر.. وفي اللقاء أبلغ همرشولد القاهرة أن العالم كله يقف ضد أي تصعيد عسكري عربي شامل في المنطقة.

واستمع همرشولد في اللقاء بتركيز شديد إلى معلومات الرئيس جمال عبد الناصر المستندة على معلومات استخباراتية عسكرية سوفيتية خاصة ودقيقة، واسباب قرار التحريات القوات.

فطلب منه همرشولد العودة إلى نيويورك للتباحث مع الإدارة الأمريكية لأن إسرائيل نفسها لا تريد الحرب.. وفي اللقاء أخير السكرتير العام للأمم المتحدة الرئيس المصري أنه يشتم في الموضوع رائحة مؤامرة غريبة وغير مريحة ربما تعرض لها مصر. فوعد الرئيس جمال عبد الناصر سكرتير عام المنظمة الدولية بأنه سيلتزم بضبط النفس لمدة 24 ساعة إضافية حتى يصله تأكيد دولي بأن إسرائيل لا تسعى لمهاجمة الجمهورية العربية المتحدة .

في صباح 26 فبراير 1960 هاتف الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور الرئيس جمال عبد الناصر في محاولة جادة من واشنطن لنزع فتيل الحرب الوشيكة بأي ثمن.

وأرسلت الولايات المتحدة إلى القاهرة للقاء الرئيس عبد الناصر فريقاً متخصصاً حمل معه ملفاً كاملاً شمل جميع المعلومات الحقيقية عن ميدان المعركة مع صور حديثة التقطتها محطة الرادار الأمريكية في صحراء النقب وأخرى دقيقة التقطتها طائرات الاستطلاع والتجسس الأمريكية للمنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل.

أصيب الرئيس المصري جمال عبد الناصر بحالة ذهول استراتيجية بسب الاختلافات الجوهرية التي برزت بين دقة المعلومات والصور السوفيتية ونظيرتها الأمريكية، وبدأ يقارن بينها ويأكله الشك أن الاتحاد السوفيتي كانت له مصلحة في اندلاع الحرب بين الجمهورية العربية المتحدة ودولة إسرائيل في شهر فبراير عام 1960.

على الفور عقب تأكده من المعلومات والصور الاستخباراتية الأمريكية الدقيقة، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أوامره العاجلة والواضحة إلى القوات المصرية والسورية بالتراجع الفوري لخط وقف إطلاق النيران، وأبطل الرئيس عبد الناصر حالة الطوارئ العسكرية على الحدود مع دولة إسرائيل.

وللتغطية على ما حدث أبدلت القيادة المصرية في الساعات الأولى من صباح 27 فبراير 1960 امر المعارك الحربية بأمر المناورات الروتينية وعادت القوات المصرية لحالتها الطبيعية عقب انسحاب الحشود المصرية العسكرية إلى مواقعها الأولى قبل العملية.

ربما نجت وقتها الجمهورية العربية المتحدة من أول مكيدة سوفيتية خططت موسكو لاستدراج وتوريط مصر في حرب دولة شاملة كان الهدف السوفييتي من ورائها تركيع الرئيس جمال عبد الناصر والقضاء على تأثيره وزعامته السياسية بالعالم، لكن استمرت بعدها موسكو في العملية التي اكتملت صباح 5 يونيو 1967.

في الواقع أن الحرب التي خططت لها روسيا في فبراير 1960 لم تندلع أبداً واختفت كل التفاصيل من كتب الحرب مع بياناتها ووقائعها، لكن ما حدث في إسرائيل كان خطيراً مصر في المستقبل.

فقد درت إسرائيل عقب انتهاء الأزمة كل البيانات وإعادة تمثيل وقائع الأحداث، كما حققت القيادة الإسرائيلية بشكل رسمي دقيق ومطول في حقيقة فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة في التوصل إلى المعلومات المصرية الحيوية في وقتها المناسب.

وتحولت الحالة "روتم" في القيادة الإسرائيلية من مجرد حالة طوارئ حرب لم تندلع في فبراير 1960 مع الجيش المصري إلى خطة هجومية إجهاضية متكاملة شنتها إسرائيل على مصر وحليفاتها من الدول العربية صباح 5 يونيو 1967.

أما في العاصمة السوفيتية موسكو فقد استدعى نيكيتا خروتشوف الزعيم الروسي العنيد رجله الجنرال أليكساندر شيليبين مدير جهاز الاستخبارات الروسية KGB .

وفي اللقاء أبلغ الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف مدير جهاز KGB غضبه الشديد من فشل عملية "البقرة الحلوب" في مرحلتها الأولى طلب خروتشوف من شيليبين ضرورة تطوير الخطة على الفور والعمل على احتواء الموقف مع القاهرة.

فسافر أليكساندر نيكولاي فيتش شيليبين، مدير الاستخبارات السوفيتية KGB على رأس وفد أمني سوفييتي رفيع المستوى وسط إجراءات متناهية السرية إلى العاصمة المصرية القاهرة حيث تقابل الوفد الروسي مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر.

خلال اللقاء أصر وفد الاستخبارات السوفييتية أمام الرئيس المصري على أن المعلومات السوفيتية كانت دقيقة وأن إسرائيل حشدت قواتها بالفعل، لكن جمال عبد الناصر لم يهتم ببحث المبررات الوهمية بل انتهز الفرصة بذكاء وحصل على وعد أكيد بتوريد أسلحة روسية حديثة إلى مصر.

للتأكيد على معلومات الوثائق السوفيتية اطلع الوفد الاستخباراتي الروسي الرئيس جمال عبد الناصر على تسجيل مفبرك زعموا أنه لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي بن جوريون وهو يعطي قيادة جيشه أوامره الصريحة بشن الحرب على سوريا واحتلالها فجر يوم 22 فبراير 1960.

وانتهى اللقاء بأن صدق الرئيس جمال عبد الناصر وقادة نظامه المعلومات السوفيتية وبدأت الصحف المصرية والإذاعة المصرية والعربية تكشف تباعاً عن معلومات منسوبة لمصادر مهيمنة أكدت أن الرئيس جمال عبد الناصر كشف مؤامرة إسرائيلية بمعاونة السوفييت وأن مصر دافعت عن سوريا ضد الاحتلال الإسرائيلي الوشيك في 22 فبراير 1960.

نجت مصر من تلك الحرب التي لم تندلع في شهر فبراير 1960 لكنها خدت في 15 مايو 1967 عندما نفذت الاستخبارات السوفيتية KGB خطة "البقرة الحلوب" للمرة الثانية كما هي دون أدنى تغيير في السيناريوهات.

وساعتها أقنعت موسكو الرئيس جمال عبد الناصر بأن إسرائيل تحشد قواتها على الحدود مع سوريا تمهيداً لغزو دمشق واحتلالها، فاتخذ عبد الناصر قرارات طرد المراقبين الدوليين من سيناء حشد قواته .. والباقي سجله التاريخ في صباح 5 يونيو 1967.

إلى هنا تنتهي تفاصيل أسرار تلك الحرب التي لم تندلع أبداً في شهر فبراير 1960 بين الجمهورية العربية المتحدة ودولة إسرائيل، كشفتها بملف عمليات الاستخبارات السوفيتية KGB "عظيمة السرية" في مصر مع حقائق حصرية مروعة سأكشفها بالفصول الاخري من الكتاب .

المصدر – كتاب الاسد الحزين

الكاتب – توحيد مجدي

الناشر – دار كنوز للنشر والتوزيع

الطبعه الاولي – 2015


 
المؤمن لايلدغ من جحر مرتين ولكننا لدغنا في المرة الثانيه لأننا كنا ضعاف الايمان
ولم تكن القياده كفؤ بالمرة
 
عودة
أعلى