كان العسكر في الشرق الأوسط بشكل تقليدي، من الطبقات المحترمة في المجتمع وغالبا ما ظهروا على واجهة التاريخ السياسي.
والحديث لا يدور عن القادة العسكريين الذين تحولوا إلى حكام يقدر ما يدور عن المؤسسات العسكرية. على سبيل المثال، المماليك في مصر كانوا من البداية فئة عسكرية واستولوا على السلطة لاحقا وحكموا مصر حتى وقوعها في أيدي الأتراك حينما قام محمد علي باشا بالقضاء عليهم ومسحهم من وجه الأرض في عام 1811.
في الدولة العثمانية كانت عناصر الانكشارية تعتبر رسميا من عبيد السلطان، ولكن مع الزمن تحولوا إلى مؤسسة سياسية نافذة ومؤثرة حتى قضى عليهم بشكل دموي السلطان محمود الثاني عام 1826 م.
طبعا الدولة لا يمكن أن تقوم وتستمر بدون قوات مسلحة ولكن الجيش قد يتحول إلى مصدر خطر على النخبة السياسية عندما يحصل على الاستقلال الاجتماعي والاقتصادي( الانكشارية باتت تشكل الخطر على السلطان عندما تحول عناصرها من محاربين محترفين الى مالكي أراضي واقطاعيين). إذا الجيش يمكنه ضمان النصر في ساحة القتال ولكن قد يتحول في زمن السلم إلى مشكلة ولذلك إحدى المهام الرئيسية للحكام كانت دائما تكمن في عدم السماح للجيش كمؤسسة بالتحرك خارج مسؤولياتها الأساسية - ضمان أمن الدولة. ولكن الجيش طالما تحول في الكثير من الفترات إلى شاهد على فقدان السلطات المدنية لشرعيتها بسبب الفشل في الاقتصاد والسياسة الخارجية وبالتالي وقف أمام خيار حماية الدولة من الزعماء الفاشلين.
ومن نافل القول إن الصراع بين الحكام والعسكر في بلدان الشرق الأوسط استمر في العصر الحديث أيضا وهو أمر كان مرتبطا قبل كل شيء بقضايا شرعية السلطة وضبط القوات المسلحة خلال فترة السلم.
وتجدر الإشارة إلى أن الانقلاب العسكرية يعتبر الوسيلة الوحيدة تقريبا لاستلام العسكر للسلطة والحصول على صفة الطبقة الحاكمة. في بعض الاحيان كانت دول الشرق الاوسط تشهد تنفيذ مجموعة ضباط لانقلاب على مجموعة اخرى وهو ما يشبه عملية التبادل في القيادات العسكرية التي لا تعرف العمليات الديمقراطية. على سبيل المثال شهدت سوريا في الفترة 1950-1970 وقوع سلسلة من الانقلابات العسكرية كانت خلالها تتم الإطاحة بمجموعة من الضباط على يد مجموعة أخرى. في بعض الأحيان يقدم العسكر على تنفيذ انقلاب عسكري بهدف ضبط توازن القوى في البلاد عندما يبدو لهم أنه اهتز، وذلك كما جرى في تركيا في النصف الثاني من القرن الماضي.
في مقدمة الانقلابات العسكرية المشهورة والمؤثرة في الشرق الأوسط يمكن، وضع الانقلاب الذي وقع في مصر والمعروف بثورة الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر في 1952 – (عبد الناصر ورفاقه كانوا من الضباط القادة، هو كان برتبة مقدم ورفاقه برتبة رائد).
ومع تحليل الانقلابات الاخرى في المنطقة يمكن القول إن الضباط القادة بالذات كانوا المجموعة الاكثر نشاطا في العمل الثوري لأنها الأكثر عددا والأكثر طموحا ولا تملك الامتيازات الممنوحة للجنرالات. بالإضافة لذلك من الصعب على الهيئات الأمنية ذات الشأن( التي مهمتها عادة حماية النظام القائم) مراقبة الضباط برتبة مقدم ورائد . أما الخمول الثوري السائد بين الجنرالات فيمكن تفسيره بأنهم عادة يدخلون ضمن النخبة السياسية العليا.
تسبق الانقلابات العسكرية عادة ظهور الظروف المحلية الدولية " المواتية". على سبيل المثال، كانت مصر قبل عام 1952 تعاني من عدم استقرار سياسي ومرارة الخسارة في الحرب الأولى ضد إسرائيل وهو ما تسبب بتدني شعبية النظام الملكي ولذلك لم يهب أحد لحمايته عندما وقع الانقلاب. وكانت الانقلابات العسكرية في الشرق الأوسط تنفذ في فترة الليل أو الصباح الباكر وذلك لتجنب مشاركة الجماهير فيها. القاعدة تقول يجب تنفيذ الثورات والانتفاضات الشعبية في النهار أو المساء أما الانقلاب العسكري ففي عمق الليل أو الصباح الباكر.
انقلاب عام 1958 في العراق جرى على خلفية شبيهة بما جرى في مصر، امتعاض من النظام الملكي وتنامي الشعور الوطني ضد الانضمام الى الاحلاف العسكرية برعاية الانكليز والامريكان. قاد الانقلاب العقيد عبد الكريم قاسم والجنرال عبد السلام عارف.
في 1 سبتمبر/ أيلول عام 1969 نفذت مجموعة من الضباط بقيادة النقيب معمر القذافي انقلابا عسكريا في ليبيا وأصبح بعد ذلك أصغر حاكم في الدول العربية من حيث السن( 27 عاما).
يمكن إضافة إلى هذه الانقلابات كذلك، الذي حدث في سوريا عام 1963 وفي الجزائر عام 1965. بعد ذلك بات العسكر يشكلون النخبة الحاكمة في معظم الدول العربية وحافظوا على هذا الوضع خلال كل القرن العشرين.
يسود بين الخبراء والمختصين اختلاف في وجهات النظر حول الدور الذي لعبه العسكر في التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دول الشرق الاوسط. يعتبر البعض أن الأنظمة العسكرية لعبت دورا كبيرا في تحديث الشرق الأوسط، ولكنها في نهاية المطاف تفسخت وانحطت مع الزمن وتحول كبار الضباط الى طبقة اوليغارشية وغطسوا في الفساد. من المعروف أن الجنرالات كانوا يشغلون مناصب إدارية عالية في بلادهم بعد الاستقالة وتحول الجيش الى مالك كبير للعقارات والمؤسسات الانتاجية والمنشآت. بعد حلول القرن الحادي والعشرين لم يعد الجنرالات المؤسسة الوحيدة المنظمة والمتعلمة في المجتمع. لقد تطورت المؤسسات المدنية وظهرت التكنولوجيات المعلوماتية الجديدة ونما الطموح كثيرا بين الشباب وكل ذلك أدى وبشكل تدريجي لفقدان العسكر لقدرتهم على الإمساك الحكم وبالمجتمع. ولكن " الربيع العربي" الذي عقدت علبه الآمال الكبيرة في تنفيذ التغيرات الاجتماعية لم يتمكن من ضمان الانتقال من الحكم العسكري الى الادارة المدنية وتسبب انتشار الفوضى وضعف الإرادة لدى رجال السياسة، بمنح العسكر الفرصة من جديد.