مقال جدير بالقراءة من موقع الجزائر التايمز
حين وقف "يوليوس قيصر" و جسده ينزف دما، بعدما طعنه غدرا من وثق بهم، ظل يمشي في مشهد تاريخي يحكي قصة أعظم خيانة، إلى أن وقف أمام صديقه الكبير، "بروتوس"، الذي لم يتردد للحظة في طعنه أيضا، فقال حينها القيصر كلمته الشهيرة و هو يرى خنجر أحب مقربيه يبقر بطنه: "حتى أنت يا بروتوس؟"... كانت تلك الطعنة هي التي أسقطته و أزهقت أنفاسه...، نفس المشهد و بنفس الخيانة عاشتها الجبهة في الاجتماع الأخير للإتحاد الإفريقي، كان الاجتماع الأقسى على قلوبنا و الأصعب على تحملنا، لأن الرئيس الجنوب إفريقي في هذا الظرف التاريخي المحبط للصحراويين المغفلين، و بعدما عقدو عليه الآمال وقف أمام الكاميرا، و قال أنه يتبنى القرار رقم 693 الصادر عن قمة نواكشوط سنة 2018 و الذي يدعم جهود الأمم المتحدة الحصرية في القضية، مع إنشاء آلية "الترويكا" لمساندة الجهود الأممية...، ليجد "ابراهيم غالي" نفسه بعد هذا الموقف، محرجا، و هو الذي سوق منذ سنة 2016، رواية الاتحاد الإفريقي خط دفاعنا الأول،... في البداية تخلى عنا أصدقاء النضال و ثوار العالم...، و اليوم "رامافوزا" من قلب القارة الحزينة يصفعنا على مرأى و مسمع العالم، و كل ما نملكه اليوم هو القول حتى أنت يا "رامافوزا"... !!.
شيء ما تغير بين الأمس و اليوم، هذا المتغير قلب الوضع رأسا على عقب و قزم خارطة تحالفاتنا، و إن كنت أتحفظ على مصطلح التحالفات لأن ما كنا نحصل عليه في الماضي كان مجرد تعاطفات و ليست تحالفات بين دول، و دبلوماسيونا لم يستطيعوا رفع ذلك التعاطف إلى مستوى التحالف لسبب بسيط، هو أن قادتنا لا يملكون ما يقدمون لدول العالم لجلب التحالف؛ فلا نملك اقتصادا متطورا و لا نملك صناعة في أرض اللجوء و لا ثروات...، و الأنكى من هذا أن قيادتنا كانت تسعى فقط من الدول المتعاطفة المساهمة بسخاء في الحفاظ على السلة الغذائية للشعب الصحراوي، أي أن قادتنا كانوا يفرضون خراجا على تلك الدول التي تندهش من ترسانتنا العسكرية، فأصبحنا في نظر العالم كلوحة سريالية لطفل جائع بثياب رثة و حافي القدمين ممسك بلعبة باهظة الثمن...
موقف الرئيس الجنوب إفريقي المحبط للشعب لم يفاجئ العارفين بالوضع، و لا يعتبر زلزالا دبلوماسيا، لأن بوادر الموقف ظهرت منذ رئاسة جنوب إفريقيا الأخيرة لمجلس الأمن، و التي جعلتها تكتشف الحقائق الخفية بعد عجزها عن إدراج مناقشة القضية الصحراوية و رفض الأعضاء لها، مما أكد لـ "رامافوزا" أن بلاد "مانديلا" أضعف من أن تقف ضد المغرب و تواجهه دوليا، و أن المستقبل و مصلحة العالم يوجد إلى جانبه، و أن كبار مجلس الأمن هم أصدقاء المغرب و حلفاءه الحقيقيون، و أن الدولة التي ترأس مجلس الأمن لا يهم من تكون لأنها مجبرة على التقيد بأجندة المجلس و رأي الخمسة الكبار داخل المجلس.
و عندما قال الرئيس الجنوب إفريقي خلال القمة الإفريقية الأخيرة بأنه يؤيد القرار 693 الصادر عن قمة نواكشوط و يدعم الجهود الحصرية للأمم المتحدة في الملف، فهو لم يقصد أن الأمم المتحدة تمتلك رؤيا لحل الخلاف و منح الشعب الصحراوي مطالبه كما يريد الإعلام بالرابوني أن يسوق لنا، و لكن كان يقصد أن يوجه إلى بعض العواصم خطابا واضحا و في مقدمتها الجزائر، بأن دولة جنوب إفريقيا ستبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، و أن مواقفها ستخدم في المستقبل شعب دولة جنوب إفريقيا، و أن لا مزيد من المعارك التي لا تخص شعبها، ليبقى السؤال هو: ما أسرار هذا التحول في المواقف و هل لها خلافات مع دولة الجزائر؟
الواقع أن دولة جنوب إفريقيا تمر علاقاتها بالجزائر. من مرحلة جمود، و ذلك منذ رحيل "القايد صالح" مع وجود كلام مسرب من الدبلوماسية الجنوب إفريقية بالجزائر، عن ملاحظات كانت قد وجهتها "بريتوريا" لقصر المرادية تخص المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية التي وضعت "عبد المجيد تبون" على كرسي الجزائر، و أخرى حول المشاركة في التصويت على الدستور، و أن دولة جنوب إفريقيا فقدت التواصل الدبلوماسي مع قصر المرادية بعد مرض الرئيس "تبون"...، كما أن العارفين بطبيعة العلاقة بين البلدين يقولون بأن وصول "تبون" إلى السلطة حرم دولة جنوب إفريقيا من الامتيازات المالية بالمليارات و الاقتصادية التي كانت تحصل عليها في الجزائر نظير مواقفها الدبلوماسية الداعمة للبوليساريو.
و بالتوازي مع الجمود الذي أصاب العلاقات الجنوب إفريقية – الجزائرية و التي أثرت سلبا على القضية الصحراوية دوليا، فإن القمة الإفريقية الأخيرة كانت لمناقشة التجارة الحرة البينية لدول القارة المنهكة، و أن هذه القمة جاءت مباشرة بعد أن كشفت مراكز الدراسات الاقتصادية في أمريكا و أوروبا و آسيا عن نتائج قراءات لتحليل الظرفية، حيث تجمع تلك الدراسات التي تصدرها تقرير البنك الدولي على أن دول قليلة ستستفيد من مرحلة ما بعد الوباء و أنها ستحقق الطفرة الاقتصادية بكل من شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، و ذكرت تلك التقارير أن المغرب ضمن القائمة الضيقة للدول التي ستتعافي بسرعة من الجائحة و ستتحول إلى منصة اقتصادية رائدة في العالم، لكن ضمن الدراسات توجد بعض الملاحظات الخطيرة جدا و التي يمكن استخلاص بعض التوقعات منها حول مستقبل القارة لأن البنك الدولي يقول في توصيته الأخيرة "لا بد من خلق تعافي أخضر".
هذه التوصية تحيلنا على خطة المغرب الذي استثمر أزيد من 10 مليار دولار خلال العشرين سنة الأخيرة في بلدان العمق الإفريقي، و أنشئ منصات إنتاج للأسمدة، كلها بالقرب من المراكز المائية المهمة في إفريقيا، و ربط بين هذه الاستثمارات بنظام بنكي قوي، و كأن المغرب كان يعرف أن العالم سيمر من ضائقة معقدة و أن العودة إلى الواجهة و التعافي منها يمر عبر نوعين من الاستثمارات : الفلاحة و التكنولوجيا، و قد نجح إلى حد بعيد في الأمر، و أن الدراسات التي تضع المغرب في النادي الضيق لمن سيعتلون منصة الاقتصاد العالمي بعد الجائحة، لم تكمن محض صدفة أو مزايدات...، بل قراءة منطقية للمستقبل.
جنوب إفريقيا تعرف أن المغرب سيكون له دور أكبر في المستقبل القريب خصوصا و أن المغرب سيصنع لقاحات الشعوب الإفريقية، و يوجد على طريق الحرير الصينية أو التي أصبح تسمى من طرف الإعلام الاقتصادي بمشروع مرشال القرن 21، لهذا ترى جنوب إفريقيا أن المغامرة بمصلحة القارة و مصلحة شعوبها و مصلحتها كدولة قطب يجب أن يتوقف، و كأن "رامافوزا" تأثر بنصيحة الرئيس التونسي السابق "منصف المرزوقي".
حسام الصحراء للجزائر تايمز