الاخوة ينظرون للخطاب من جانب ساذج و هذه ليست اول مرة و ليس اول خطاب من هذا النوعالسلام عليكم و رحمة الله
اسمحو لي ايها الاخوة الكرام ان ادلي بدلوي في الحوار الجار بينكم عن الخطاب الملكي
و هنا اسمحو لي ان ابتدئه من خارج الصندوق و بالضبط من قصة طريفة لكن بها عبر في فن الاستراتيجيا و هي تدرس في المعاهد العليا حول العالم في مجالات الدراسات السياسية و الاستراتيجية و الديبلوماسية
الكل يعرف بيسمارك موحد المانيا و مؤسس الرايخ الالماني الثاني و صاحب مقولة المانيا ستوحد بالحديد و النار و في سبيل ذلك سيذل جارتيه و عدوتيه التارخيتين ' آل هابسبرغ اباطرة النمسا- المجر ' و 'فرنسا'
لكن من منا يعرف بيسمارك السياسي ؟ هذا الارستقراطي البروسي سليل اسرة عسكرية تتوارث المناصب بالوراثة في دوقية بروسيا الهامشية في وسط اوروبا الذي كرس حياته لهدف واحد هو احياء امجاد الامبراطورية الالمانية المقدسة و ان تكون بروسيا مركزها و في سبيل ذلك شحد كل قواه البلاغية في نشر القومية الجرمانية و اليمين المسيحي الملتزم كمعيار للامة الالمانية و قد حاز على شهرة و شعبية جارفة جعلت صيته غير طيب بالمرة في محيطه من انهزاميي بروسيا او الامارات و المدن-الدولة التي كان يتكون منها الاتحاد الالماني او حتى جيرانه شرقا و غربا و جنوبا
تماما كحال المغرب اليوم مغرب ناهض و فكر قومي يتبلور ليخلق المغرب-الامة ذلك الكيان التاريخي الذي لطالما حاول جيرانة شرقا و شمالا تفكيكه او تحجيمه
سنة 1862 كان بسمارك زعيم المعارضة قد حولته شعبيته الجارفة الى الرجل الاقوى في الدولة البروسية مما اجبر الملك البروسي المهادن و الضعيف على تعيينه مستشارا للدولة البروسية ' رئيس وزرائها و رأس السلطة التنفيذية فيها ' مباشرة بدأت امبراطورية النمسا المجر الجار الجنوبي بالتحرش في اقليم سيليزيا الحدودي ' يقع حاليا على جانبي الحدود بين بولاندا و التشيك ' فارتفع صوت النخبة و الشعب البروسي في الدولة الناهضة لسحق العدو الجنوبي الذي اصابته الشيخوخة و الاضطرابات و هنا كان منتظرا ان يلقي بسمارك خطابا ناريا بالبرلمان يعلن الحرب و يتوعد باقصى العبارات عدوه الجنوبي المتهاوي
لكن بسمارك خيب التوقعات فخرج في خطاب ناري لكن ضد النخبة التي تطالب بالثأر و الحرب و توعدها بالويل و الثبور بل و اردف يمتدح جيرانه النمساويين و يعدد محاسن التحالف معهم و يبرر افعالهم مما اصاب الحضور بالذهول
و النتيجة رقص النمساويون طربا من الخطاب و احتفلو به و توافقت النخبة الحاكمة ان البروسيين سيظلون على نهجهم مسالمين لا محاربين و لن يقدمو على اي خطوة تصعيدية بل و استمرو في سوء الجوار و التعنت و الاسائة و الاستكبار
بعدها باربع سنوات و بالضبط في 1866 يصرح بسمارك في تعليق على خطابه ' ان المسائل المصيرية لا تحسمها الخطب و المواقف بل يحسمها الحديد و الدم ' لينهي بعد 7 اسابيع حربا اذل فيها النمساويين و اقتطع فيها ثلث ارضهم و ساهم في استقلال الثلث الثاني و حرم النمسا من الاطلالة على البحر لتصبح دولة حبيسة بعد فقدانها اهم موانئ المتوسط في حينها ' البندقية ' بل و تحرك بعدها للجار الغربي فرنسا ليجهز عليها في الحرب السبعينية و يبتلع الازاس و اللورين
القصة اقصها من باب تشابه وضع بروسيا اواسط القرن 19 بالمغرب اليوم قوة ناهضة تسعى لاستعادة امجاد الماضي و توحيد الامة المغربية تحت لواء دولة واحدة خرجت من جهادها الاصغر ' الاستقلال ' لتخوض جهادها الاكبر ' معركة الوحدة الترابية و استعادة الحدود التاريخية ' و بروسيا كانت بجوار عدوين اول ينخره الفساد و عدم التجانس و تعدد القوميات جنوبا و عدو متفوق اقتصاديا و عسكريا غربا بالنسبة للمغرب عدو مترهل شرقا و عدو مستقو بالاتحاد و الحلف الذي ينتمي اليه شمالا
بسمارك بدا برنامجا نهضويا شاملا سنة 1962 هم انشاء دولة رفاه ' برنامج اجتماعي ' و قوة عسكرية و نهضة صناعية و اصلاحا اداريا و زراعيا للامة و هذا حول الانظار لبروسيا و جعل جيرانها الاقوياء ' بريطانيا العظمى و القيسرية الروسية ' بالاضافة الى جيرانها النمسا-المجر و فرنسا ينظرون لها بانزعاج و توجس تماما كما هو حاصل للمغرب مع جواره المغاربي و الاورو-متوسطي
هنا دهاء رجل الدولة بسمارك بان غطى نواياه بسواتر من الدخان و اعرب بلسانه و خطاباته عن سياسات مخالفة لواقعه فقد رأى ان بروسيا في 1962 رغم نهضتها الجزئية لم تكن جاهزة بعد لمواجهة محيطها قد تسقط جارتها الجنوبية التي تعاني الشيخوخة و الفشل لكن هذا كقطع راس الهيدرا و اعطاء الذريعة لباقي الجيران ليكررو مع بيسمارك ما فعلوه بنابليون فاختار زرع الشقاق بين الاعداء ' خاصة فرنسا و النمسا ' و خلق الحياد مع القوى الاوروبية و القارية الكبرى ' روسيا و بريطانيا ' بل و التحالف معهما قبل ان يبدأ بجني ثمار عمله الذي استمر 10 سنوات كاملة من الصبر و التحمل من انتقادات الداخل قبل الخارج
و هذا ما على مؤسسة المخزن ان تنهجه التحالف و اقامة علاقة متوازنة مع امريكا و الصين و خلق الانقسام بخلق تحالفات داخل الكيانين المحوريين للعدوين الشمالي ' الاتحاد الاوروبي ' و الشرقي ' الاتحاد الافريقي' باستخدام لغة المصالح و تبادل المنافع و الاعتماد المتبادل و بعدها الاستفراد بالعدوين كل في حينه و استكمال المشروع النهضوي و الوصول لخط النهاية في جهاد المغرب الاكبر و هو توحيد الامة المغربية داخل حدودها التاريخية
هذه نظرتي للسياسة المغربية و للتصرفات الملكية و اتمنى ان تكون مؤسسة المخزن عند حسن ظننا و ان تقطف الثمار عند نضجها لا قبل اوانها و لا ان تتركها لتتعفن
عذرا على الاطالة
في أمان الله