يمكن القول أن العلاقات المغربية السعودية التي بدأت عام 1957 تشهد حالة ممتازة من التقارب، كما يوجد تطابق في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية بشكل عام ويحرص البلدان في الآونة الاخيرة على تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما.
ونظرا لمتانة العلاقات الجامعة بين الطرفين، قام العاهل المغربي الراحل «الحسن الثاني» بالتفكير، في عهد الملك «فهد بن عبد العزيز»، في إلغاء البعد الديبلوماسي لسفارتي البلدين وتعويضهما بشخصيتين من القيادتين تتواجدان في ديوانَي القصرين .. أي أن مستشارا سعوديا سيحل بالديوان الملكي المغربي، وكذلك بالنسبة للمستشار المغربي الذي ينتقل نحو ديوان البلاط السعودي، مع اقتصار عمل السفارتين على التدابير القنصلية. وذلك حسب ما ذكره الكاتب والصحفيّ «طلحة جبريل» من جريدة الشرق الأوسط.
ويحتفظ الملك الحالي «سلمان بن عبد العزيز» الذي قضي عطلته الصيفية في المغرب بتاريخ جيد من العلاقات مع المغرب. ففي عام 1980 قام الملك «الحسن الثاني» بتقليد الملك الحالي والأمير آنداك «سلمان بن عبد العزيز» وسام الكفاءة الفكرية . كما دعم المغرب السعودية عندما دخل «صدام» الكويت، وأوفد قادة عسكريين للقاء الملك «فهد». ويوجد بين البلدين حاليا ملفات يتم التنسيق فيها على أعلى مستوى ومنها حاليا الملف اليمني والسوري لسخونتهما الحالية، والملف الفلسطيني بحكم رئاسة المغرب للجنة القدس.
«وقد دارت في الملف الفلسطيني مباحثات عديدة بين المغرب والسعودية وفي هذا السياق فقد جاء في الثمانينيات مبعوث فلسطيني إلى الرباط، يحمل ورقة صغيرة دونها بخط اليد. كانت تلك الورقة هي عبارة عن تفاصيل المبادرة التي ستحمل عدة أسماء». أطلق عليها في البداية «مبادرة فهد»، ثم تاليا «مبادرة السلام العربية»، ثم لاحقا «مبادرة قمة فاس»، وهو الاسم الذي لازمها حتى اليوم.
كان المبعوث هو القيادي الفلسطيني الراحل «خالد الحسن». أما لماذا كان هو أول من حمل «مبادرة فهد» للعاهل المغربي، فهذه واقعة لم يعرف أسبابها وأسرارها أحد.
هناك احتمالان، إما أن الملك «فهد» أراد أن يخبر «الحسن الثاني» أن الفلسطينيين، موافقون على المبادرة، أو أنه أراد أن يبقى الاتصالات، التي جرت آنذاك بعيدة عن أية تكهنات لو كان نقل الرسالة مبعوث سعودي.
وبينما كانت السعودية تدعم المغرب في حربها في الصحراء، حرص ملك المغرب على إكرام الملك «فهد» من خلال القول له «فاس أصبحت مدينتك، لماذا لا تكون لك فيها إقامة دائمة، على غرار مدينة طنجة». وهكذا جاءت فكرة تشييد قصر ملكي للملك «فهد بن عبد العزيز» في مدينة فاس في وسط المغرب، أي في المدينة التي أطلقت مبادرته.
وفي هذا السياق كان للملك «فهد» دور كبير في عام 1984 في تسوية خلافات حدودية بين المغرب والجزائر.
ومن الحوادث اللطيفة بين البلدين، وتحديدا بين الملك «الحسن» والملك «فهد» أن تسربا حصل في سفينة نفط ايرانية قبالة سواحل المغرب وهددت بقعة النفط الضخمة سواحل المغرب فقام الملك «فهد» بالتبرع بمبلغ 50 مليون دولار للمساهمة في إيجاد حلول لها ولكن جاءت رياح قوية دفعتها ولكن المبلغ قد وصل المغرب فقام ملك المغرب ببناء جامعة تحت اسم الملك «فهد» تكريما له.
وللتدليل على قوة العلاقات حديثا، فقد أعلن المغرب «التضامن الكامل والمطلق مع المملكة العربية السعودية» فور إعلان الرياض لعاصفة الحزم ضد الحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع «صالح» في اليمن مضيفا أن الرباط «تابعت عن كتب وبانشغال كبير التطورات الخطيرة في اليمن والمتمثلة في استعمال الميليشيات القوة والعنف والإمعان في نسف مكتسبات الحوار الوطني اليمني وضرب الشرعية».
وفضلا عن هذا فقد شاركت المغرب عسكريا عبر 6 طائرات حربية في العمليات العسكرية تحت قيادة السعودية.
وبحكم هذه العلاقات القوية فقد طرح منذ وقت فكرة ضم المغرب لمجلس التعاون الخليجي، ولكن هذا الملف لم يخل من التوترات حيث أظهرت وثائق ويكليكس أن السعودية كانت لا ترغب بانضمام المغرب خشية من الآثار السلبية في الملف الاقتصادي ولكنها أكدت على أهمية العلاقات معها.
وفي هذا السياق ظهرت بعض المؤشرات المزعجة عندما تقدم زعيم البوليساريو في 2012 بطلب وساطة ملك السعودية الراحل، «عبد الله بن عبد العزيز» لدى ملك المغرب «محمد السادس» في نزاع الصحراء حتى لا يطول النزاع أكثر وينزلق من إطاره السياسي نحو مواجهات مسلحة محتملة.
لكن الرياض كانت دائما حريصة على أن تعلن أن موقفها هو موقف الرباط في كافة القضايا تقريبا.
وبالرغم من البعد الجغرافي بين البلدين إلا أن هناك تطويرا للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية ويحرص قادة البلدين على إجراء الزيارات المتبادلة.
العلاقات الاقتصادية
أما اقتصاديا فقد تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، من مليار دولار في عام 2000 إلى 2 مليار دولار في 2011. وارتفعت الصادرات المغربية إلى السعودية، من 62 مليون دولار عام 2006 إلى 260 مليون دولار عام 2011، فيما ارتفعت الصادرات السعودية إلى المغرب لتبلغ نحو 1.75 مليار دولار عام 2011.
ومن أهم المواد المصدرة من السعودية إلى المغرب : المواد الكيماوية والطاقة والمعادن والصناعات الميكانيكية والتعدين والصناعات الخفيفة والأغذية إضافة إلى النسيج والألبسة.
في نوفمبر 2013، أعلن مجلس الأعمال المغربي السعودي عن إنشاء شركة «المملكتين للنقل البحري» وهي شركة مشتركة للملاحة التجارية يزيد رأسمالها عن 415 مليون ريال سعودي/حوالي 1 مليار درهم مغربي ، وتغطي هذه الشركة خط مباشر بين الدار البيضاء وجدة.
وفي سياق منفصل وحول علاقات المغرب مع إيران فإنه من الطبيعي أن تكون العلاقات ليست على ما يرام نظرا للتنافس السعودي الإيراني، فقد دخلت المغرب وإيران مرحلة القطيعة بعد قيام الثورة في إيران وسقوط نظام الشاه، واتخذ خلالها المغرب موقفا مناهضا للنظام الجديد هناك، ثم انقطعت العلاقة بين البلدين عام 1981 نتيجة إعلان المغرب منح حق اللجوء السياسي للشاه.
يضاف إلى ذلك موقف الثوار الإيرانيين من قضية الصحراء الداعم لاستقلال الشعب الصحراوي ليزيد من عمق الهوة بين الدولتين.
وأثناء الحرب العراقية الإيرانية أبدى الملك «الحسن الثاني» في مؤتمر القمة العربية الثاني عشر المنعقد بفاس في المغرب عام 1982 استعداده، إلى جانب باقي الدول العربية، تنفيذ التزاماته نحو العراق بموجب معاهدة الدفاع المشترك العربية في حالة استمرار إيران في الحرب.
تصاعد الخلاف الدبلوماسي المغربي ـ الإيراني 6 مارس/أذار 2009 بإعلان الرباط قطع علاقاتها مع إيران بعد التراشق الأخير بين البلدين على خلفية موقف المغرب المتضامن مع البحرين بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين عن أنها المحافظة الـ 14 لإيران. واتهمت الرباط سفارة إيران بالنشاط الدعوي للتشيع في المغرب والدعم اللا معلن لانفصاليي البوليساري.
ولكن الاهتمام الايراني بالمغرب بسبب موقعها المميز وخاصة على الأمريكتين ما زال قائما.
تبقى العلاقات الشخصية بين العائلتين الملكيتين في المغرب والسعودية قوية جدا وهي أقرب إلى التحالف، وقد دلل على هذا المشاركة المغربية في عاصفة الحزم. والود الكبير بين الملكين والحفاوة الضخمة التي يعدها كل طرف في استقباله للآخر.
المصدر | الخليج الجديد