يقول الكاتب جون بولوك فى كتابه " حروب المياة الصراعات القادمة فى الشرق الاوسط " :
( عندما وقع الرئيس السادات معاهدة السلام مع اسرائيل فى عام 1979 كان مصمماً على الا تكون هناك حروب قادمة بين مصر والدولة اليهودية , وكان مدركاً تماماُ فى نفس الوقت الاعتبار الاستراتيجى المهيمن لمصر الا وهو امن النيل .
يعلم كل المصريين ان المصالح الحيوية لبلدهم تمتد لسبعة ألاف كيلومتر داخل قلب القارة الافريقية , غير ان للجيش المصرى دور خاص , فهناك مستويات عديدة مختلفة من الامن القومى فى مصر وامن وحيد فقط من الفئة ( أ ) يقع تحت الحماية المباشرة للقوات المسلحة . فأى تهديد لامن النيل يخول القيادة العامة المصرية اصدار اوامر مباشرة بتدخل الجيش دون انتظار موافقة البرلمان المصرى .
كانت زيارة الرئيس السادات للقدس بالنسبه للعالم اعظم انقلاب فى تاريخ الدبلوماسية الشخصية فى هذا القرن , ورغم تباين ردود الافعال والانقسام الحاد تجاه خطوة كهذه الا ان الرئيس السادات حصل على تأييد شعبى لخطوته المفاجئة وهذا ما كان يتوق اليه دائماً .
وبالرغم من ذلك كان الرئيس السادات على وشك السقوط اثر انقلاب عسكرى , ومن خلال المعلومات التى حصلنا عليها من القاهرة والقدس وواشنطن كنا قادرين على جمع تفاصيل مؤامرتين لعزل الرئيس السادات , وكانت الاسباب الداعيه لعزله فى كلتا المؤامرتين لا تكمن فقط فى انه اراد ان يعقد سلام مع اسرائيل , لكنه ايضاً كان ينوى تحويل مياه النيل لرى صحراء النقب كنوع من الاغراء لاسرائيل بالموافقة على السلام , وكان موضوع المياه سيعجل بسقوطه قبل ان تقتله رصاصات الجماعات الاصولية المتطرفة فى ذكرى الانتصار العظيم فى اكتوبر 1981 .
فى اجتماع اللجنة السياسية الذى عقد اثناء مؤتمر السلام بين مصر واسرائيل فى كامب ديفيد , نافش المفاوض الاسرائيلى امكانية التعاون فى مشروعات المياه بين البلدين من خلال تحويل 1% من مياه النيل الوارده لمصر من خلال مواسير الى اسرائيل , وهذه الفكرة القديمة سوف يكون لها جدوى اقتصادية مفيدة للطرفين .
الرئيس السادات حبذ الفكرة ورأى ان خطوة كهذه ستؤدى الى التعاون بين الدول المجاورة وسيمكن فيما بعد من ربط الاردن ولبنان بشبكة مياه اقليمية , ولم يفطن الرئيس السادات الى المعارضه القوية لخطوة كهذه سواء فى داخل بلاده او خارجها .
كان جهاز المخابرات المصرية على دراية تامة بالخطط العربية التى تستهدف احداث القلق فى مصر عن طريق مساندة " منجستو هايلاماريام " فى اثيوبيا والمتمردين فى جنوب السودان وكلاهما يمكن ان يؤثر على جريان النيل الى مصر , وكان رجال الامن على استعداد تام للتصدى لهذه الخطط وحماية مصر من كل مكروه لكنهم لم يقبلوا فكرة تحويل جزء من مياه النيل الى اسرائيل .
يقول احد الضباط " لقد كان من الصعب علينا ان نقنع رجالنا ( رجال المخابرات ) بحماية الخطط التى تسوى خلافاً مع عدونا دام لفترة ثلاثين عام , لكن حينما يتعلق الامر بمد فرع من النيل مهما كان صغيراً خارج الحدود المصرية , حينئذ ستفضل الاغلبية ان تفقد عينا من ان ترى ذلك اليوم "
وبدلا من ان يعمل رجال المخابرات وحدهم فقد كانوا يحتاجون لمعرفة تفاصيل ما يجرى من امور بين رجال السياسة والوزراء السابقين وضباط الجيش .
وتولدت خطة الانقلاب الاولى : اخلال بالامن , مسيرات ينظمها ممثلو النقابات المهنية والعمالية والطلاب الثائرون المؤيدين للمعارضة , ثم يحرك الجيش وحداته الى الشوارع متظاهراً بانه يحافظ على الامن , ولكن فى الحقيقة لانضمام قواته الى صفوف المتظاهرين .
وكان سيتم القبض على الرئيس السادات , وكانت اشارة البدء هى اى اعلان عن اتفاقية مع اسرائيل تتضمن مياه النيل .
ولكى يكتسب عمل مدبروا الانقلاب صفة الشرعية فقد تم التواصل مع احد اعضاء مجلس الشعب المصرى " البرلمان " الا ان العضو المعروف بامانته وآرائه الجريئة المعارضة للحكومة خشى ان يكون مكلف برسم خطة الانقلاب , فما كان من العضو المذكور الا ان ابلغ الاجهزة الامنية عن الضابطين الذين تواصلا معه , وكان من نتاج ذلك ان منيت الخطة بالفشل .
وحتى اليوم فقد ظل اسم الضابطين المتورطين والاحداث كلها سرية تامة , وتبعاً للتفسيرات الهامسة لضباط الامن فقد تم فصل الضابطين من الخدمة دون محاكمة , فقد خشيت الحكومة من انكشاف مدى السخط الذى سيسود الجيش اذا ما تمت مكاكمتهما امام القضاء) .
لى عودة للحديث عن محاولة الانقلاب الثانية التى تعرض لها الرئيس السادات , والاكثر خطورة