استحوذت صفقات السلاح العربية على اهتمام إعلامي بارز خلال الآونة الأخيرة, فهناك صفقات غير مسبوقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي, توازيها صفقات روسية لكل من سوريا وإيران.
وفي حين تمضى الصفقات الأمريكية قدما, تتعثر الصفقات الروسية ويتم حظرها بصورة مفاجئة, خاصة تلك المتعلقة بإيران.
وفي محاولة لكشف حقيقة هذه الصفقات وأبعادها ودلالاتها السياسية كان هذا الحوار مع الخبير في الشأن العسكري العميد صفوت الزيات.
وهذا نص الحوار:
بماذا تفسرون التدافع الخليجي نحو التسلح, وهل لذلك علاقة بخطط الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة؟
أتصور جملة أسباب تفسر التدافع الخليجي الحالي نحو التسلح:
أولا: تدرك دول الخليج والولايات المتحدة أن هناك خللا في التوازن العسكري بين دول الخليج وإيران لصالح الثانية, وهم يريدون إعادة هذا التوازن مرة أخرى، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من العراق.
وأحب أن أشير هنا إلى أنه قبل الغزو الأمريكي للعراق 2003م كانت هناك معادلة توازن بين العراق وإيران, والآن العراق خارج التوازن ربما لسنوات طويلة قادمة.
الأمر الثاني: إن الولايات المتحدة بتعاقدات السلاح ربما توفر ما يسمى بـ"العملية التبادلية", والفكرة تقوم أنه عندما يتوفر نمط سلاح أمريكي يمكن لها أن تنتشر قواتها في هذه الدول بفاعلية أكبر, وبصورة أسرع.
الأمر الثالث: ربما يكون هناك تفكير لدى الإدارة الأمريكية إذا عزفت عن إجهاض البرنامج النووي الإيراني في الفترة الحالية, فستلجأ إلى الاحتواء, بمعنى توفير قدرات عسكرية تحيط بدولة إيران وتمنع توسع النفوذ الإيراني وتحد من قدرتها على استخدام طاقتها النووية, ثم تلجا بعد ذلك إلى تقويض النظام السياسي الإيراني ذاته.
نضيف إلي جملة هذه الأمور, الوضع الاقتصادي, والاتجاه إلى خفض نفقات الدفاع في الولايات المتحدة, حيث أصبح المجتمع الصناعي العسكري بحاجة إلى صفقات للحفاظ على عجلة التصنيع والاستخدام, وبالتالي هذه الصفقات التي ربما تصل إلى 16 مليار دولار في الخليج وحده, وتدفقها على المجمع الصناعي الأمريكي ربما تمثل شريان حياة بالنسبة له.
وهل ترون في هذه الصفقات مقدمة لحرب وشيكة في المنطقة, أم محاولة لدرء مخاطر هذه الحرب بإيجاد توازن عسكري بين إيران ودول الخليج العربي؟
إن فكرة شن حرب بمبادرة من دول الخليج مستبعدة, فهذه الأنظمة تتمتع بالانضباط والحكمة والعقلانية, وتدرك حجم الخلل في التركيبة السكانية, والذي يميل بقوة لصالح إيران, وكذا الوضعية الجغرافية, فليس لها عمق جغرافي يساعدها في المناورة العسكرية, ما عدا المملكة العربية السعودية, يضاف إلى ذلك طبيعة النظم الحاكمة هناك وكونها أنظمة محافظة, كل ذلك يدعونا إلى القول بأنها لن تبادر إلى عملية عسكرية ضد إيران.
ولكن هناك احتمال أن يدفع تطور البرنامج النووي الإيراني, الولايات المتحدة و"إسرائيل" لعمل عسكري ضد إيران, ومن ثم فهناك ربما ردود فعل من قبل النظام الإيراني تستهدف قواعد عسكرية ردا على هذه العدوان المحتمل الذي قد يشن في وقت ما.
وهناك سيناريوهات قادمة وقد تتطور الأمور لخيار عسكري أمريكي أو "إسرائيلي", ويكون هناك رد إيراني, ولكن حرب تقودها دول الخليج, أو غزو عسكري اعتقد أنها أمور مستبعدة خاصة مع التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان, والمزاج السائد في الولايات المتحدة والذي يتمثل في النفور من استخدام القوة العسكرية على خلفية ما يحدث من خسائر في العراق وأفغانستان.
وهل يمكن أن تردع هذه الصفقات إيران عن تطلعاتها النووية والتوسعية في الخليج العربي؟
إن البرنامج النووي الإيراني لم يثبت أنه ذو بعد عسكري حتى الآن, فلا دلائل قوية على ذلك, رغم الادعاء الغربي وما تمرره "إسرائيل" من معلومات غير موثقة, فلم يتم التأكد من عسكرية هذا البرنامج بعد.
وأتصور أن إيران تمتلك نظام برجماتي, فهم يريدون أن تتوافر لهم القدرة النووية, والوصول إلى ما يسمى "الحافة النووية", وهي رسالة إلى الغرب و"إسرائيل" أن لديها القدرة على التصنيع النووي, ويبقى قرار التصنيع معلقا, ومن هنا تحقق أهدافها في أن تكون دولة قوية ومركزية في المنطقة.
إن الحوار الدائر الآن عبر الدبلوماسية الإجرائية, وما تم فرضه من عقوبات على إيران في 4 دفعات متتالية, فضلا عن العقوبات الفردية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها, هذا السيل من العقوبات هدفه الوصول إلى صفقة مع إيران تضمن من خلالها أنها لن تصل إلى الحافة النووية.
ولذا أتصور أن هذه الصفقات العسكرية لا تشكل شيئا بالنسبة لتطلعات إيران ورغباتها النووية والتوسعية.
وهل يمكن أن تغير هذه الصفقات في المدى القريب من الموازين العسكرية في الخليج؟
اعتقد أن موازين القوى حتى قبل هذه الصفقات, كان فيها قدر من التوازن, وإن كانت تميل في المجمل لصالح إيران, فدول الخليج العربي تتمتع بتفوق جوي, أي أن الطيران الخليجي متفوق على نظيره الإيراني, لكن هذا لا يعني أن التفوق العسكري التام في صالح دول الخليج, فإيران تتمتع هي الأخرى بتفوق استراتيجي عسكري إذا وضعنا في الاعتبار الأبعاد البحرية والدفاع الجوي, حيث تملك صواريخ ربما تمكنها من مواجهة الولايات المتحدة و"إسرائيل". فلديها القدرة على عرقلة المرور في الخليج من 3 إلى 10 أسابيع كاملة, وهذا يؤثر في الاقتصاد العالمي, خاصة إذا علمنا أن هذه مضيق هرمز تمر فيه 20 بالمائة من حاجة العالم النفطية, ونحو 40 بالمائة من الصادرات النفطية البحرية.
وماذا عن التخوفات الصهيونية من هذه الصفقات, من حيث قدرتها على إيجاد خلل في التوازن العسكري لصالح الدول العربية في مواجهة الكيان الصهيوني؟
الحقيقة أن هذه النقطة في حاجة إلى تفصيل, فالولايات المتحدة في أعقاب حرب الخليج الأولى في العام 1991م أفشلت عمدا التوجه العربي الجماعي الدفاعي الذي سمي حينها بـ"إعلان دمشق", وكان برغبة من دول الخليج في إنشاء هذه التحالف والاعتماد على القوات المصرية والسورية في حفظ أمن الخليج العربي.
ومن بعدها خلقت الولايات المتحدة دائرتين منفصلتين تماما, دائرة خليجية مركزها إيران, حيث تعمل الولايات المتحدة على توفير أنظمة التسلح لدول الخليج لمواجهة التهديد المشترك من قبل إيران.
والدائرة الثانية مركزها "إسرائيل" وتشمل الدول المحيطة بها مثل مصر وسوريا والأردن, وتسعى أن يكون التفوق العسكري فيها لصالح "إسرائيل".
فهي تعمل من خلال شروط وضمانات لعدم نقل هذه الصفقات من الدائرة الأولى للثانية, لذا فإن هذه الصفقات لا تعني شيئا بالنسبة لميزان القوى العربي الإسرائيلي.
ننتقل إلى الصفقات الروسية, وسؤالنا عن الأسباب التي دعت روسيا إلى حظر صفقة (اس300) إلى إيران؟
إن روسيا لها سجل غير نظيف في استخدام صادرات أسلحتها, وقد عانينا من ذلك في حرب أكتوبر 1973م, فالإتحاد السوفيتي حينها قام بدور مشبوه للحفاظ على خلل الميزان العسكري لصالح "إسرائيل", ولم يوفر أنظمة متقدمة ومتطورة للنظامين المصري والسوري, حيث أولى أهمية أكبر للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية, في ظل سياسة الوفاق وعمل على جني مكاسب سياسية من هذا الأمر.
ما نريد أن نقوله, أن روسيا من أكثر الدول المصدرة للسلاح استغلالا لصادراتها في السياسة الخارجية, فهي وريثة الاتحاد السوفيتي في هذا الأمر, فهي تعقد الصفقات وتلغي بما يتوافق مع سياستها الخارجية.
فهي على سبيل التمثيل, لديها مصالح في جورجيا, ولديها رغبة في وقف الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا, وكانت ترغب في التوصل لاتفاقية مرضية مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة النووية, والتي وقعت في ابريل الماضي, كما ترغب في التوسع في آسيا الوسطى..هذه المصالح ربما تقايضها بهذه الصفقات.
ولكن مع ذلك لا ننسى أن روسيا زودت مفاعل بوشهر الإيراني قبل عدة أشهر بالوقود اللازم وهذه الخطوة لم تكن برضا الولايات الأمريكية.
ما نريد أن نثبته أن صادرات التسليح ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة الخارجية الروسية وبما يحقق المنفعة القومية الروسية, ويجب أن نفكر في الصفقات التي نسمع عنها ويكون أحد طرفيها روسيا في هذا الإطار.
وماذا عن صفقاتها العسكرية مع سوريا؟
لقد عملت روسيا على تحجيم الترسانة العسكرية السورية, التي كانت تأمل في الحصول على طائرات ميج 28, وأنظمة صاروخية من طراز أس300, وطائرات سخوي30 و35 المتطورة, ولم تقم روسيا بالاستجابة لهذه الطلبات واقتصرت على أنظمة دفاع بحرية قريبة المدى.
حقيقة السجل الروسي ليس مشجعا بحال, وقد تكون الصفقة مع سوريا نوع من الإشارات للولايات المتحدة و"إسرائيل", كما أن مواعيد الصفقة وحجمها غير معلومة وقد يتم الرجوع عنها في أي وقت, خاصة إذا علمنا أن صفقتها مع إيران كانت في العام 2007م, أي قبل 3 سنوات, ثم قررت أخيرا حظرها, لأنها كما أسلفنا توظف صادراتها العسكرية لخدمة سياستها الخارجية.
وهل يمكن أن يصمت الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حال تمت الصفقة الروسية لسوريا؟
ربما وجدنا إشارات غاضبة من الولايات المتحدة و"إسرائيل", لكن هذه الإشارات لا تعبر عن وضع حقيقي, كون هذه الصفقات لا تسبب خللا في الميزان العسكري العربي ـ "الإسرائيلي", حيث لم تتوفر معلومات كافية عنها من حيث حجم المنظومة وكثافتها وقدراتها القتالية.
وأقول أن هذه التصريحات غير مبررة؛ لان الطرف "الإسرائيلي" يمتلك السلاح النووي, وتدعمها الولايات المتحدة لدرجة الإشباع العسكري, فهي تملك أحدث الأسلحة التي لا يوجد لها نظير لدى العرب جميعا.
وفي حين تمضى الصفقات الأمريكية قدما, تتعثر الصفقات الروسية ويتم حظرها بصورة مفاجئة, خاصة تلك المتعلقة بإيران.
وفي محاولة لكشف حقيقة هذه الصفقات وأبعادها ودلالاتها السياسية كان هذا الحوار مع الخبير في الشأن العسكري العميد صفوت الزيات.
وهذا نص الحوار:
بماذا تفسرون التدافع الخليجي نحو التسلح, وهل لذلك علاقة بخطط الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة؟
أتصور جملة أسباب تفسر التدافع الخليجي الحالي نحو التسلح:
أولا: تدرك دول الخليج والولايات المتحدة أن هناك خللا في التوازن العسكري بين دول الخليج وإيران لصالح الثانية, وهم يريدون إعادة هذا التوازن مرة أخرى، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من العراق.
وأحب أن أشير هنا إلى أنه قبل الغزو الأمريكي للعراق 2003م كانت هناك معادلة توازن بين العراق وإيران, والآن العراق خارج التوازن ربما لسنوات طويلة قادمة.
الأمر الثاني: إن الولايات المتحدة بتعاقدات السلاح ربما توفر ما يسمى بـ"العملية التبادلية", والفكرة تقوم أنه عندما يتوفر نمط سلاح أمريكي يمكن لها أن تنتشر قواتها في هذه الدول بفاعلية أكبر, وبصورة أسرع.
الأمر الثالث: ربما يكون هناك تفكير لدى الإدارة الأمريكية إذا عزفت عن إجهاض البرنامج النووي الإيراني في الفترة الحالية, فستلجأ إلى الاحتواء, بمعنى توفير قدرات عسكرية تحيط بدولة إيران وتمنع توسع النفوذ الإيراني وتحد من قدرتها على استخدام طاقتها النووية, ثم تلجا بعد ذلك إلى تقويض النظام السياسي الإيراني ذاته.
نضيف إلي جملة هذه الأمور, الوضع الاقتصادي, والاتجاه إلى خفض نفقات الدفاع في الولايات المتحدة, حيث أصبح المجتمع الصناعي العسكري بحاجة إلى صفقات للحفاظ على عجلة التصنيع والاستخدام, وبالتالي هذه الصفقات التي ربما تصل إلى 16 مليار دولار في الخليج وحده, وتدفقها على المجمع الصناعي الأمريكي ربما تمثل شريان حياة بالنسبة له.
وهل ترون في هذه الصفقات مقدمة لحرب وشيكة في المنطقة, أم محاولة لدرء مخاطر هذه الحرب بإيجاد توازن عسكري بين إيران ودول الخليج العربي؟
إن فكرة شن حرب بمبادرة من دول الخليج مستبعدة, فهذه الأنظمة تتمتع بالانضباط والحكمة والعقلانية, وتدرك حجم الخلل في التركيبة السكانية, والذي يميل بقوة لصالح إيران, وكذا الوضعية الجغرافية, فليس لها عمق جغرافي يساعدها في المناورة العسكرية, ما عدا المملكة العربية السعودية, يضاف إلى ذلك طبيعة النظم الحاكمة هناك وكونها أنظمة محافظة, كل ذلك يدعونا إلى القول بأنها لن تبادر إلى عملية عسكرية ضد إيران.
ولكن هناك احتمال أن يدفع تطور البرنامج النووي الإيراني, الولايات المتحدة و"إسرائيل" لعمل عسكري ضد إيران, ومن ثم فهناك ربما ردود فعل من قبل النظام الإيراني تستهدف قواعد عسكرية ردا على هذه العدوان المحتمل الذي قد يشن في وقت ما.
وهناك سيناريوهات قادمة وقد تتطور الأمور لخيار عسكري أمريكي أو "إسرائيلي", ويكون هناك رد إيراني, ولكن حرب تقودها دول الخليج, أو غزو عسكري اعتقد أنها أمور مستبعدة خاصة مع التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان, والمزاج السائد في الولايات المتحدة والذي يتمثل في النفور من استخدام القوة العسكرية على خلفية ما يحدث من خسائر في العراق وأفغانستان.
وهل يمكن أن تردع هذه الصفقات إيران عن تطلعاتها النووية والتوسعية في الخليج العربي؟
إن البرنامج النووي الإيراني لم يثبت أنه ذو بعد عسكري حتى الآن, فلا دلائل قوية على ذلك, رغم الادعاء الغربي وما تمرره "إسرائيل" من معلومات غير موثقة, فلم يتم التأكد من عسكرية هذا البرنامج بعد.
وأتصور أن إيران تمتلك نظام برجماتي, فهم يريدون أن تتوافر لهم القدرة النووية, والوصول إلى ما يسمى "الحافة النووية", وهي رسالة إلى الغرب و"إسرائيل" أن لديها القدرة على التصنيع النووي, ويبقى قرار التصنيع معلقا, ومن هنا تحقق أهدافها في أن تكون دولة قوية ومركزية في المنطقة.
إن الحوار الدائر الآن عبر الدبلوماسية الإجرائية, وما تم فرضه من عقوبات على إيران في 4 دفعات متتالية, فضلا عن العقوبات الفردية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها, هذا السيل من العقوبات هدفه الوصول إلى صفقة مع إيران تضمن من خلالها أنها لن تصل إلى الحافة النووية.
ولذا أتصور أن هذه الصفقات العسكرية لا تشكل شيئا بالنسبة لتطلعات إيران ورغباتها النووية والتوسعية.
وهل يمكن أن تغير هذه الصفقات في المدى القريب من الموازين العسكرية في الخليج؟
اعتقد أن موازين القوى حتى قبل هذه الصفقات, كان فيها قدر من التوازن, وإن كانت تميل في المجمل لصالح إيران, فدول الخليج العربي تتمتع بتفوق جوي, أي أن الطيران الخليجي متفوق على نظيره الإيراني, لكن هذا لا يعني أن التفوق العسكري التام في صالح دول الخليج, فإيران تتمتع هي الأخرى بتفوق استراتيجي عسكري إذا وضعنا في الاعتبار الأبعاد البحرية والدفاع الجوي, حيث تملك صواريخ ربما تمكنها من مواجهة الولايات المتحدة و"إسرائيل". فلديها القدرة على عرقلة المرور في الخليج من 3 إلى 10 أسابيع كاملة, وهذا يؤثر في الاقتصاد العالمي, خاصة إذا علمنا أن هذه مضيق هرمز تمر فيه 20 بالمائة من حاجة العالم النفطية, ونحو 40 بالمائة من الصادرات النفطية البحرية.
وماذا عن التخوفات الصهيونية من هذه الصفقات, من حيث قدرتها على إيجاد خلل في التوازن العسكري لصالح الدول العربية في مواجهة الكيان الصهيوني؟
الحقيقة أن هذه النقطة في حاجة إلى تفصيل, فالولايات المتحدة في أعقاب حرب الخليج الأولى في العام 1991م أفشلت عمدا التوجه العربي الجماعي الدفاعي الذي سمي حينها بـ"إعلان دمشق", وكان برغبة من دول الخليج في إنشاء هذه التحالف والاعتماد على القوات المصرية والسورية في حفظ أمن الخليج العربي.
ومن بعدها خلقت الولايات المتحدة دائرتين منفصلتين تماما, دائرة خليجية مركزها إيران, حيث تعمل الولايات المتحدة على توفير أنظمة التسلح لدول الخليج لمواجهة التهديد المشترك من قبل إيران.
والدائرة الثانية مركزها "إسرائيل" وتشمل الدول المحيطة بها مثل مصر وسوريا والأردن, وتسعى أن يكون التفوق العسكري فيها لصالح "إسرائيل".
فهي تعمل من خلال شروط وضمانات لعدم نقل هذه الصفقات من الدائرة الأولى للثانية, لذا فإن هذه الصفقات لا تعني شيئا بالنسبة لميزان القوى العربي الإسرائيلي.
ننتقل إلى الصفقات الروسية, وسؤالنا عن الأسباب التي دعت روسيا إلى حظر صفقة (اس300) إلى إيران؟
إن روسيا لها سجل غير نظيف في استخدام صادرات أسلحتها, وقد عانينا من ذلك في حرب أكتوبر 1973م, فالإتحاد السوفيتي حينها قام بدور مشبوه للحفاظ على خلل الميزان العسكري لصالح "إسرائيل", ولم يوفر أنظمة متقدمة ومتطورة للنظامين المصري والسوري, حيث أولى أهمية أكبر للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية, في ظل سياسة الوفاق وعمل على جني مكاسب سياسية من هذا الأمر.
ما نريد أن نقوله, أن روسيا من أكثر الدول المصدرة للسلاح استغلالا لصادراتها في السياسة الخارجية, فهي وريثة الاتحاد السوفيتي في هذا الأمر, فهي تعقد الصفقات وتلغي بما يتوافق مع سياستها الخارجية.
فهي على سبيل التمثيل, لديها مصالح في جورجيا, ولديها رغبة في وقف الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا, وكانت ترغب في التوصل لاتفاقية مرضية مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة النووية, والتي وقعت في ابريل الماضي, كما ترغب في التوسع في آسيا الوسطى..هذه المصالح ربما تقايضها بهذه الصفقات.
ولكن مع ذلك لا ننسى أن روسيا زودت مفاعل بوشهر الإيراني قبل عدة أشهر بالوقود اللازم وهذه الخطوة لم تكن برضا الولايات الأمريكية.
ما نريد أن نثبته أن صادرات التسليح ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة الخارجية الروسية وبما يحقق المنفعة القومية الروسية, ويجب أن نفكر في الصفقات التي نسمع عنها ويكون أحد طرفيها روسيا في هذا الإطار.
وماذا عن صفقاتها العسكرية مع سوريا؟
لقد عملت روسيا على تحجيم الترسانة العسكرية السورية, التي كانت تأمل في الحصول على طائرات ميج 28, وأنظمة صاروخية من طراز أس300, وطائرات سخوي30 و35 المتطورة, ولم تقم روسيا بالاستجابة لهذه الطلبات واقتصرت على أنظمة دفاع بحرية قريبة المدى.
حقيقة السجل الروسي ليس مشجعا بحال, وقد تكون الصفقة مع سوريا نوع من الإشارات للولايات المتحدة و"إسرائيل", كما أن مواعيد الصفقة وحجمها غير معلومة وقد يتم الرجوع عنها في أي وقت, خاصة إذا علمنا أن صفقتها مع إيران كانت في العام 2007م, أي قبل 3 سنوات, ثم قررت أخيرا حظرها, لأنها كما أسلفنا توظف صادراتها العسكرية لخدمة سياستها الخارجية.
وهل يمكن أن يصمت الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حال تمت الصفقة الروسية لسوريا؟
ربما وجدنا إشارات غاضبة من الولايات المتحدة و"إسرائيل", لكن هذه الإشارات لا تعبر عن وضع حقيقي, كون هذه الصفقات لا تسبب خللا في الميزان العسكري العربي ـ "الإسرائيلي", حيث لم تتوفر معلومات كافية عنها من حيث حجم المنظومة وكثافتها وقدراتها القتالية.
وأقول أن هذه التصريحات غير مبررة؛ لان الطرف "الإسرائيلي" يمتلك السلاح النووي, وتدعمها الولايات المتحدة لدرجة الإشباع العسكري, فهي تملك أحدث الأسلحة التي لا يوجد لها نظير لدى العرب جميعا.