وهو عبارة عن التدابير أو الترتيبات الخاصة بالقوات المسلحة وقيادتها والعمليات التكتيكية أثناء القتال الفعلي.
وخلاصة القول وبعبارة موجزة يمكن التمييز بين أفرع الفن العسكري كما يلي:
أ- الاستراتيجية الكبرى (العليا) تختص بالمسائل العليا أو (سياسة الحرب).
ب – الاستراتيجية هي التطبيق العملي للاستراتيجية العليا على المستوى الأقل وهو (قيادة الحرب) .
ج – التكتيك: هو التطبيق العملي للاستراتيجية على المستوى الأقل وهو(القتال الفعلي)(13).
أهداف الاستراتيجية العسكرية :
تهدف الاستراتيجية إلى تحقيق هدف السياسة عن طريق الاستخدام الأمثل لكافة الإمكانات والوسائل المتوفرة ، وتختلف الأهداف من سياسة لأخرى، فقد لا يتحقق الهدف إلا باتباع أسلوب هجومي لاحتلال أراضي الغير، أو باتباع أسلوب دفاعي لحماية أرض الوطن ومصالح وقيم الأمة. وقد يكون الهدف سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو معنوياً وقد يكون صغيراً كاحتلال جزء من أرض دولة ما أو كبيراً كالقضاء على كيان تلك الدولة نهائياً ، وقد يكون من الضروري أحياناً للوصول إلى الهدف النهائي للسياسة تحديد وتحقيق عدد من الأهداف المرحلية التي يؤدي تحقيقها إلى إحداث تغييرات حادة وهامة في الموقف الاستراتيجي أو إلى توجيه الوضع الاستراتيجي باتجاه يؤدي حتماً إلى الهدف النهائي(14).
وسائل الاستراتيجية العسكرية:
تتباين الوسائل التي تستخدمها الاستراتيجية لتحقيق هدفها تبعاً للتباين في طبيعة وأهمية ذلك الهدف، وتبعاً للإمكانات والقدرات المتاحة، وللظروف والأجواء المحلية والدولية السائدة. فلقد كان بعض الاستراتيجيين القدماء مثل كلاوزفتز يرون أن الوسيلة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة الحاسمة للوصول للهدف في حين يرى المحدثون منهم أن الحل العسكري أو وسيلة القوة العسكرية هي واحدة من الوسائل، وأن الأفضل عدم اللجوء إليها فعلاً إلا بعد عجز واستنفاذ الوسائل الأخرى من دبلوماسية وسياسية واقتصادية ونفسية عن تحقيق الهدف(15).
والاستراتيجية الناجحة هي التي تنجح في تحقيق وتأمين التوافق والتلاءم بين الوسيلة والهدف، وفي خلق التأثير النفسي الكافي لزعزعة ثقة الخصم بنفسه وتفتيت إرادته وعزيمته وحرمانه من حرية العمل مما سيؤدي حتماً إلى قبوله بالشروط المفروضة عليه، فمن الضروري عمل دراسة واعية للموقف بشتى جوانبه لمعرفة العدد المطلوب قهره وتمييز نقاط ضعفه الأكثر حساسية مع تحليل عميق للتأثيرات الحاسمة التي يمكن أن تحدثها الوسيلة المختارة ، وهذا يقتضي إنشاء مخطط استراتيجي يتضمن كافة الأعمال الممكنة وردود الأفعال المتوقعة عليها محلياً ودولياً لوضع الحلول المناسبة كي يكون المخطط مترابط الاجزاء وقادراً على مواجهة أية مفاجئات أو ردود فعل غير ملائمة(16).
مبادئ الاستراتيجية العسكرية :
لكل موقف استراتيجية تلائمه ولكل دولة استراتيجية تناسبها وتتلائم مع ظروفها وقد يكون اختيار هذه الاستراتيجية أو تلك صائباً في مكان وزمان معينين وغير صائب في زمان أو مكان آخر فالاستراتيجية تتأثر بعوامل الزمان والمكان وعقلية المخططين وظروف العصر وتقنيته وغير ذلك من العوامل، ولقد حدد كلاوزفتز مبادئ الإستراتيجية بثلاثة عوامل وهي: أ- تجميع القوى.
ب – عمل القوى ضد القوى.
ج – الحل الحاسم عن طريق المعركة في الحقل الرئيسي.
ونلاحظ أن كلاوزفتز وهو العسكري الألماني يعبر من خلال مبادئه عن روح العسكرية الألمانية العنيفة التي تعتمد على القوة.
أما ليدل هارت فقدم ثمانية عوامل هي:
أ- مطابقة الجهد مع الإمكانات . ب – متابعة الجهد وعدم إضاعة الهدف.
ج – اختيار الخط الأقل توقعاً.
د – استثمار خط المقاومة الأضعف.
ه – اختيار خط عمليات يؤدي إلى أهداف متناوبة.
و – المرونة في المخطط والتشكيل بحيث يتلاءمان مع الظروف.
ز – عدم الزج بكافة الإمكانات إذا كان العدو محترساً. ح – عدم تسديد الهجوم على نفس الخط أو بنفس طريقة الهجوم السابق.
ونلاحظ أن ليدل هارت صاحب العقلية الإنجليزية عبر عن مبادئه بالعقلية المجبولة على الحرص والتي تسعى للحصول على الكثير بأقل الخسائر.
أماماوتس تونج فقد حدد للاستراتيجية ستة عوامل تختلف في كثير عن سابقاتها هي:
أ- الانسحاب أمام تقدم العدو. ب – التقدم أمام العدو المتراجع.
ج – استراتيجية واحد ضد خمسة.
د – تكتيك خمسة ضد واحد.
ه – التمون من تموين العدو نفسه.
ز – تلاحم تام بين الجيش والشعب.
ونلاحظ عقلية ماوتس تونج الصينية المأخوذة من أفكار قدماء العسكريين والمفكرين الصينيين التي تعتمد على الإمكانات البشرية الهائلة وإمكانيات التقنية المحدودة.
أما لينين وستالين فوضعا ثلاثة عوامل هي:
أتلاحم معنوي بين الجيش والشعب في حرب شاملة. ب – أهمية حماسة المؤخرات. ج – ضرورة القيام بإعدادات نفسية قبل البدء بالعمل العنيف. ونلاحظ أن المبادئ الروسية تهتم بقوة الشعب التي لا تقل عن القوة العسكرية من أجل الدفاع عن الوطن. أما الاستراتيجيون الأمريكيون فوضعوا مبدأين فقط هما:
أ- ردع متدرج. ب – رد مرن.
وقد استوحوا ذلك من ظروفهم في ظل أوضاع التوازن النووي في العالم.
ومن خلال استعراضنا للمبادئ الموضوعة سابقاً نلاحظ بالإضافة إلى اختلافها تأثر واضعيها بظروف بلادهم وعقائدهم وقيمهم العسكرية الموروثة وتأثر بعضهم بالأوضاع الخاصة التي واجهت كفاح بلادهم وبذلك فهي لا تشكل قوانين عامة يمكن تطبيقها بمجملها في جميع الظروف وعلى كافة الظروف وعلى كافة الحالات(17).
العوامل المؤثرة على الاستراتيجية العسكرية:
تتأثر السياسة العسكرية بالعوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية وبما أن هذه العوامل ليست ثابتة فإن قواعد الاستراتيجية العسكرية قد تتغير هي الأخرى؛ لذلك فإن الاستراتيجية الحديثة تتطور جنباً إلى جنب مع تطور الاقتصاد والسياسة وكذلك فإن تطورات العلم والتكنولوجيا تؤثر تأثيراً مباشراً في الاستراتيجية فهي تعتمد على أحدث الإنجازات في العلوم الحديثة وترتبط ارتباطاً مباشراً بالعلوم الاجتماعية والطبيعية(18).