
استيلاء فرنسا على خزنة القصبة…قصة نهب مال أمة
في خضم سطو الجنود على بيوت وقصور الجزائر العاصمة، صعد الجنرال دوبورمونت سلالم أزقة المدينة العتيقة برفقة مجموعة من كبار ضباطه إلى القلعة بحثا عن الكنوز و اتخذ من زعيم الطائفة اليهودية الجزائرية يعقوب بكري وزميله يهوذا بن دوران دليله الخاص نحو خزنة الدولة .
كانت "الخزنة"، قبل أن تطأها أقدام دوبورمونت غرفة مظلمة سرية تشبه مغارة علي بابا، لا يدخلها سوى اثنين من رجال الدولة الجزائرية هما الخزنجي ( وزير المالية والداي ( حاكم دولة الجزائر ) نفسه
وقَدَّرها Michel Habart بـ 200 إلى 500 مليون فرنك حتى وإن كان يُرجّح تقدير المؤرخ Michaud ؛ أي: 350 مليون فرنك. أما البريطاني الدكتور Shaw ، الذي زار مدينة الجزائر في 1720م، فقد تحدث عن 40 ملیون بیاستر Piasters ، ما يعادل 200 مليون فرنك. وقد علق بأن "هناك تأكيدات على أن ما يوجد من الكنوز المتراكمة في مدينة الجزائر (..) يتجاوز ما يوجد في أي مدينة أخرى من مدن العالم". وحتى القنصل الأمريكي Shaler تعرض لها بإسهاب في كتابه Esquisse de l'Etat d'Alger الصادر سنة 1826م في الوقت الذي بلغت شهرتها جميع البلدان المتوسطية والأوربية وحتى الأمريكية.
دخل الجنرال دوبورمونت، إذن، "الخَزْنَة" وشاهد بعينيه وهما جاحظتين عن آخرهما محتوياتها من الكنوز منبهراً تحت أنوار الشموع والمشاعل الخافتة جرار وأكياس ضخمة تحتوي على كميات خيالية من الذهب الفضة، الألماس، المجوهرات، وكميات هائلة من مختلف الأقمشة والألبسة الفاخرة، وأجمل وأغلى ما أنتجته الأسواق العالمية في ذلك الوقت. بالإضافة إلى تُحَف فنية عسكرية فخمة، وأسلحة من أَجْوَدِ ما زخرت به ترسانات العالم مُرَصَّعة بالذهب والجواهر النادرة ... تشهد جميعا على الترف والذوق الراقي الذي بلغته الجزائر في العهد العثماني.
أما هذه الأسلحة الثمينة، فقد وزع قائد الحملة بعضها على ضباطه وضباطه السامين مباشرة. أما البقية فستعرف مصيرا بقي غامضا إلى يومنا هذا. غامضا لأنها تَحَوَّلتْ إلى موضوع سطو منظم من طرف دوبورمونت وكبار سياسيي فرنسا والملك على رأسهم. وقد تكفل الجنرال من أول لحظة بإتلاف وحرق الوثائق الوحيدة الموجودة " بالخزنة" والكفيلة بإعطاء القيمة الحقيقية لكنوز القصبة تفاديا لِتَسَرُّب أي معلومات محرجة جنائيا وسياسيا. ثم حَوَّلَ محتويات "الخزنة" إلى الملك بباريس. غير أن ما دخل رسميا إلى صناديق الدولة الفرنسية وما تم التصريح به هو : 48 مليون فرنك فقط في حين يؤكد الصحفي الجزائري عمار حمداني بعد قيامه بأحدث البحوث والتحريات الدقيقة حول هذه القضية أن قيمة الكنوز التي استولى عليها الجنرال دوبورمونت تتراوح بين حد أدنى قدره بـ : 150 مليون فرنك وحد أقصى يتراوح بين 700 إلى 800 مليون فرنك ذهبي.
شَدَّت عملية الاستيلاء على كنوز القصبة - بغض النظر عن أموال الداي الخاصة التي بلغت قيمتها عشرات الملايين من الفرنكات والتي لقيت في معظمها نفس المصير - انتباه العالم، وبَلَغَتْ أحداثها آفاق أوربا وأمريكا. خصوصا بعد أن بدأت تتسرب بعض الأخبار عن الغموض الذي ساد عملية تحويلها إلى فرنسا فاضطر الملك إلى فتح تحقيق شكلي بشأنها لحفظ سمعة بلاده. وانتهى التحقيق بتبرأة ذمة جيش دوبورمونت وعدم الاعتراف إلا بـ 48 مليون فرنك كقيمة للكنوز. أما الإطارات المكلفة بالتحقيق التي رفضت التوقيع على المحضر والتقرير الختامي المفبرك، مثل المقتصد فُلأَنْدَان (Flandin)، فقد سلطت عليها كل متاعب الدنيا حتى آخر أيامها بسبب نزاهتها...

فوزي سعد الله، قصبة الجزائر, الذاكرة، الحاضر و الخواطر ص401
#صفحة_إيالة_الجزاير