"أنا هنقل تمثال رمسيس وهو واقف.. وبدل ما تبقى جنازة يبقى موكب!"الكلمتين دول قالهم الدكتور المهندس أحمد محمد حسين في لقاء تلفزيوني عن نقل تمثال رمسيس من ميدان رمسيس لموقعه الحالي في المتحف المصري الكبير، اللي هيتم افتتاحه بكرة.لو سألت أي واحد عن المتحف المصري الكبير وقولتله تعرف إيه اللي موجود في المتحف أو إيه الآثار الموجودة فيه رقم ١ هيقولك تمثال رمسيس، التمثال ده اتنقل هنا ازاي؟ دي معجزة هندسية مش واخدة حقها على إيد مهندس نقدر نعتبره جندي مجهول إسمه أحمد حسين، وده أعتقد من أحسن الأوقات اللي ممكن ندي فيها الكريدت للراجل ده تاني الله يرحمه، لإنه مخدش حقه إعلاميًا أولاني.في ٢٠٠٤ إتاخد قرار نقل تمثال رمسيس من موقعه في ميدان رمسيس للمتحف المصري الكبير، ورسيت المناقصة على شركة عريقة بحجم المقاولون العرب، والشركة بطبيعة الحال بدأت تشوف شركات متخصصة في التعامل مع الآثار وتماثيل عملاقة بحجم ٨٣ طن، وكان كل الشركات اللي قدمت مقترحات إزاي يتم نقل التمثال بسلام لمكانه الجديد كان بيدور حول شكل واحد فقط، وهو تفكيك التمثال إلى قطع ونقله إلى المكان الجديد ومن ثم تركيبه تاني على هيئته المعروفة، واللي كان عايز يبان إنه جامد وعظيم كان بيقول إنه هينقل التمثال كقطعة واحدة بس نايم على ظهر سيارة وأما يروح المكان الجديد يوقفوه تاني.اقتراحات من هنا ومن هناك لحد ما شركة المقاولون العرب خدت قرار إنها تروح تقابل الدكتور المهندس أحمد محمد حسين - دكتور في كلية الهندسة جامعة عين شمس وقتها - عشان ياخدوا رأيه في نقل التمثال، وكان مطلوب منه يعمل حاجة واحدة بس، كان مطلوب منه يعمل Risk Analysis لطريقة نقل التمثال بالفك والنقل أو النقل نايم، وقالهم طبعًا فيه ريسك غير إنك هتقطع التمثال أصلًا وماذا لو الونش عطل زي ما حصل قبل كدة؟ الراجل اقترح عليهم اقتراح تاني،. قالهم ببساطة ليه نفك ونركب وليه ننيّم التمثال، التمثال ده يتنقل وهو واقف عادي، التخوف الهندسي ببساطة في نقله واقفًا إنه فيه مطالع ومنازل كباري وطريق دائري محتمل يسير فيه، فأي ميل قدام أو ورا زي الكباري أو ميل جانبي زي الدائري، التمثال هيقع وبدل ما كان يتقطع ٦-٨ قطع ويتنقل ويتركب هيبقى مليون قطعة مرميين في الشارع، الراجل قالهم التمثال هيتنقل واقف وفي نفس الوقت مش هيقع، إزاي؟! عملهم ماكيت عشان يوصلهم فكرته وخلى التمثال ببساطة يكون "بيتمرجح" على حد قوله.المقاولون العرب نفسهم مش قادرين يستوعبوا الفكرة، فبعتوله تاني بيقولوله طب وهنا فين الريسك، قالهم مفيش ريسك، الريسك زيرو.الناس مش بالعين الفكرة ١٠٠٪ ولازم قرار سيادي بالمغامرة والتجربة، زاهي حواس بعت لشركة ألمانية قالهم هنعمل كذا كذا وقالوله إزاي ده مستحيل والأفضل يتم فكه وتركيبه بعد النقل، فاروق حسني وزير الثقافة وقتها قال إن أستاذه وهو في الجامعة كان شغال على ترميم شروخ في رجل التمثال والفكرة دي صعبة تتنفذ، فتم تأجيل الفكرة إلى أجل غير مسمى.وفي يوم حسني مبارك في مؤتمر كان بيتعاير من شركة فرنسية كانت عايزة تنول شرف نقل التمثال، وبتقوله إذا كنتوا مش عارفين تطلعوا شوية آثار غارقة في المياه، هتنقل إزاي تمثال بحجم ٨٣ طن، شعشعت في دماغ أبو علاء ورجع قالهم التمثال ده يتنقل في ٤ شهور، فبدءوا يرجعوا الرسومات والتصاميم وبدءوا يصنعوا معدات مخصوصة للنقل! واستعانوا بونش سعة ٤٧٥ طن من المقاولون العرب، اللي كان رئيسها وقتها إبراهيم محلب ولسه مش مقتنعين بالفكرة، فحطوا نفسهم مسئولين بالدرجة التانية والمهندس أحمد حسين مسئول بالدرجة الأولى، يعني لو التمثال حصله حاجة إنت اللي هتشيل، وعشان يطمنوا نفسهم أكتر وأكتر بنوا مجسم بنفس الحجم والوزن تقريبًا وجربوا نقله من نفس المكان عشان يختبروا الفكرة، والفكرة نجحت.وجه يوم التنفيذ وكل حاجة زي الفل وعلى حد قول المهندس أحمد حسين جه الصحافة والإعلام والمراسلين وكله جاي يصور ويشوف التمثال هيقع إمتى وفين؟! ولما طلب المهندس من سائق الونش إنه في الأول يمشي حاجة بسيطة ويعدين يفرمل عشان يشوف ديناميكية وحركة التمثال ع الونش عاملة ازاي، فالتمثال اتحرك لورا ورجع تاني مكانه، ولإن المواطنين العاديين كانوا بيتفرجوا ومش فاهمين كان إيه اللي بيتم فنيًا، فالناس جريت وقالك التمثال كان هيقع بس لحقوه!فالتجربة تمت والتمثال اتنقل وبعد وصوله موقعه الجديد الصحافة والمراسلين والإعلاميين اتلموا على مين بقى؟! بالظبط، على الوزرا والمحافظين والممثلين اللي راحوا يتصوروا جنب الإنجاز وسابوا المهندس صاحب الإنجاز الحقيقي والفكرة العبقرية اللي مسئول بالدرجة الأولى عن سلامة التمثال واقف لوحده، ولما مراسل سأله تهدي العمل ده لمين، قاله "مهديهوش لحد.. أهديه لنفسي، العمل ده بتاعي أنا، أنا بهديه للمهندسين المصريين والعرب وبقولهم محدش مديكم فرصة ومحدش حيديكم فرصة".