مقاتلات الحرب الباردة.. تكنولوجيا "مرعبة"كانت ستغير العالم

نموذج لطائرة من طراز A-12 Avenger II. (صورة غير مؤرخة) - Creative Commons
شهدت فترة الحرب الباردة ثورة في تكنولوجيا الطيران قادتها الولايات المتحدة للسيطرة على السماء فوق ساحة المعركة، إذ استثمرت بكثافة في الطائرات المقاتلة لتمكنها من تغيير قواعد اللعبة، وفق موقع "ساندبوكس".
وأدت التهديدات الوجودية التي عززت المشتريات العسكرية طوال الحرب الباردة إلى نهضة في تكنولوجيا الطيران، ما دفع الولايات المتحدة إلى تمويل برامج لم تكن لتحظى بذلك في ظل الظروف العادية.
كما لم تحظ بعض برامج الطيران بفرصة لتغيير قواعد اللعبة في ساحة المعركة. وكان ذلك لتحقيق أي تفوق في ظل مخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة نووية بدت حتمية في ذلك الوقت.
ودارت أحداث الحرب الباردة في الفترة بين 1947 و1991 بين أكبر قوتين في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تمثلت في (مواجهة سياسية وأيديولوجية وأحياناً عسكرية بشكل غير مباشر).
وفي ظل النفقات العسكرية الهائلة خلال تلك الفترة، لم يكن ممكناً تمويل العديد من البرامج التكنولوجية الثورية، والتي كان من الممكن أن تغير عالم الطيران العسكري.
ويرجع السبب إلى أن ذلك الوقت شهد صناعة طائرات متطورة للغاية كان إنتاجها مكلفاً جداً، بما لا يمكّن من تشغيلها بأعداد حقيقية. وفي أحيان أخرى، كانت هذه الجهود مبنية على مفاهيم خاطئة عن الطيران، والتي لم يكن من الممكن إثباتها إلا من خلال التجربة، قبل عصر المحاكاة الحاسوبية.
ديناصور بوينج الفضائي
جاءت الطائرة "Boeing X-20 Dyna-Soar" رداً على جهود ألمانيا في الحرب العالمية الثانية لصنع قاذفة قنابل يمكنها مهاجمة نيويورك. وكان من المقرر أن تكون طائرة بوينج ذات مقعد واحد وأن تنطلق في السماء وتتجاوز ارتفاع الصواريخ الأميركية.
وفي الخمسينيات كانت لتصبح "X-20 Dyna-Soar" أول قاذفة فرط صوتية في العالم، وهي مشابهة جداً من حيث المفهوم والاستخدام لنظام القصف المداري الجزئي للصين الذي تصدر عناوين الأخبار حول العالم بعد نجاح التجربة عام 2021.

طائرة من طراز بوينج X-20 Dyna-Soar الأميركية. (صورة غير مؤرخة) - U.S. Air Force
وكان يفترض أن ترتفع الطائرة لتصل إلى الخط الفاصل بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء، بفضل تصميم هيكلها وسرعتها التي تفوق سرعة الصوت، بما يمكّنها من تجاوز الطبقات العليا للغلاف الجوي.
وكان تصميمها يسمح لها بالطيران حول العالم، لتطلق حمولتها فوق الأهداف السوفيتية على بعد أميال، قبل أن تشق طريقها عائدة إلى الأراضي الأميركية لتتمكن من الهبوط بمسار انزلاقي، بما لا يختلف كثيراً عن المكوك الفضائي الذي صُنع بعد عقود.
كانت "X-20" بمثابة خيال علمي في خمسينيات القرن الماضي، وُلدت في العصر النووي والأيام الأولى من الحرب الباردة. وبحلول عام 1960، استقر التصميم العام للطائرة إلى حد كبير، مستفيداً من شكل جناح دلتا مع جنيحات صغيرة للتحكم بدلاً من الذيل التقليدي.
وللتحكم في الحرارة الهائلة خلال رحلة عودة الطائرة، كانت الخطة أن تستخدم الطائرة سبائك فائقة مثل "René 41" المقاومة للحرارة في هيكلها، مع قضبان الموليبدينوم والجرافيت والزركونيا المستخدمة جميعها في الحماية من الحرارة على الجانب السفلي من الطائرة.
وبعد إطلاق سبوتنيك في عام 1957، رأت الولايات المتحدة حاجة ملحّة لتركيز مواردها نحو المدار نفسه، وإلغاء العمل على القاذفات شبه المدارية، لإعادة تخصيص الأموال نحو مشاريع فضائية جديدة لوكالة الفضاء ناسا.
أول طائرة شبحية
في ديسمبر 1977، نفذت شركة "لوكهيد مارتن Lockheed Martin" عرضاً تجريبياً لطائرة "هاف بلو Have Blue" الذي كان مقدمة لإنتاج الطائرة "F-117 Nighthawk".
وقبل أكثر من عقد ونصف من ظهور "هاف بلو"، كانت طائرة بوينج من طراز "الطائر الهادئ 853-21 Quiet Bird" تخطو بالفعل خطوات كبيرة لتصبح أول طائرة شبحية في العالم

طائرة بوينج من طراز 853-21 Quiet Bird الأميركية. (صورة مؤرخة) - Boeing Images
طوال عامي 1962 و1963، جرَّبت بوينج مفاهيم تصميم الطائرات الشبحية في طراز "Quiet Bird"، ودمجت أشكالاً ومواد بناء مختلفة في محاولة للحد من قدرة الرادارات على رصد الطائرة، وذلك قبل وقت طويل من قيام "لوكهيد مارتن" بتطوير الوسائل اللازمة دون بنائها فعلياً، كما كان تطويرها مكلفاً للغاية.
ولم يقدّر الجيش الأميركي آنذاك القيمة القتالية التي يمكن أن تقدمها الطائرة الشبحية في ساحة المعركة، وتوقف البرنامج في النهاية. وربما لو استمر لدخلت التقنية الشبحية الخدمة قبل أكثر من عقد من الزمن الذي ظهرت فيه.
ولم يقدّر الجيش الأميركي آنذاك القيمة القتالية التي يمكن أن تقدمها الطائرة الشبحية في ساحة المعركة، وتوقف البرنامج في النهاية. وربما لو استمر لدخلت التقنية الشبحية الخدمة قبل أكثر من عقد من الزمن الذي ظهرت فيه.
سمكة كونفير: بديل الطائر الأسود
عندما دخلت طائرة التجسس "U-2 Dragon Lady" التابعة لشركة لوكهيد الخدمة بالجيش الأميركي، كانت الدفاعات الجوية السوفيتية قادرة بالفعل على تعقبها، وكان المسؤولون الأميركيون يعلمون أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يتحول التعقب إلى استهداف.
لذلك، كلفت الاستخبارات المركزية الأميركية شركتي "كونفير Convair" و"لوكهيد" بتطوير طائرة استطلاع جديدة يمكنها التحليق على ارتفاعات أعلى، وبسرعات أكبر بكثير، مع تقليل فرص رصدها من الرادارات لتقليل فرص إسقاطها.

طائرة من طراز U-2 Dragon Lady تحلق فوق سماء كوريا الجنوبية. 21 أكتوبر 2009 - Reuters
وحققت "لوكهيد" هذه المتطلبات من خلال طائراتها "A-12" وما تلاها من طائرات "SR-71"، لكن "كينج فيش King fish" من شركة "كونفير" كانت المنافس الأساسي لها في ذلك الحين.
كينج فيش-FISH
كما تم تطوير "كينج فيش" من نسخة "كونفير" الأولى"First Invisible Super Hustler" وتعرف اختصاراً بـ"FISH" أو السمكة.
كان من الممكن أن تُحمل "FISH" عالياً بواسطة القاذفة "B-58 Hustler" المعدلة، قبل إطلاقها وتشغيلها بواسطة محركات نفاثة بسرعات تزيد على 4 ماخ (4828 كيلومتراً في الساعة تقريباً).
وبسبب المخاوف بشأن تعقيد مفهوم "FISH" وتكلفتها، صدرت تعليمات إلى "كونفير" بمحاولة التوصل إلى تصميم جديد مبني على محرك "Pratt & Whitney J58 turboramjet" التوربيني، وهو نظام الدفع ذاته الذي كانت شركة "لوكهيد" تعمل عليه في تصميم طائرتها "A-12".
نموذج من المقاتلة "كينج فيش". (صورة غير مؤرخة) - Sandboxx
كان من الممكن أن تُحمل "FISH" عالياً بواسطة القاذفة "B-58 Hustler" المعدلة، قبل إطلاقها وتشغيلها بواسطة محركات نفاثة بسرعات تزيد على 4 ماخ (4828 كيلومتراً في الساعة تقريباً).
وبسبب المخاوف بشأن تعقيد مفهوم "FISH" وتكلفتها، صدرت تعليمات إلى "كونفير" بمحاولة التوصل إلى تصميم جديد مبني على محرك "Pratt & Whitney J58 turboramjet" التوربيني، وهو نظام الدفع ذاته الذي كانت شركة "لوكهيد" تعمل عليه في تصميم طائرتها "A-12".

كان تصميم "كينج فيش" يسبق زمانه إلى حد كبير، إذ كان يقتضي وضع محركي "J58" داخل جسم الطائرة بزاوية تحد من رصد الرادار لانبعاثاتها. وكان تصميم جناح الدلتا يشبه بشكل مذهل أجنحة الطائرات الشبحية التي جاءت بعد عقود.
وكان مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" مدفوعين إلى حد كبير بانتقادات مهندس الطيران الأسطوري كيلي جونسون الذي يعمل في شركة لوكهيد المنافسة، وكانت هناك مخاوف من أن "كينج فيش" دمجت الكثير من التقنيات غير المختبرة، بحيث لا يمكن تصنيعها واختبارها وتشغيلها ضمن الميزانية المخصصة للبرنامج.
وكان جونسون صريحاً في رأيه أن تصميم "كينج فيش" جاء لصالح خاصية التخفي على حساب أداء الطائرة، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه خطأ في ذلك الوقت، على الرغم من أنه أصبح شائعاً في الطائرات الشبحية في الوقت الراهن، لكن بنهاية المطاف فازت شركة لوكهيد.
وكان مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" مدفوعين إلى حد كبير بانتقادات مهندس الطيران الأسطوري كيلي جونسون الذي يعمل في شركة لوكهيد المنافسة، وكانت هناك مخاوف من أن "كينج فيش" دمجت الكثير من التقنيات غير المختبرة، بحيث لا يمكن تصنيعها واختبارها وتشغيلها ضمن الميزانية المخصصة للبرنامج.
وكان جونسون صريحاً في رأيه أن تصميم "كينج فيش" جاء لصالح خاصية التخفي على حساب أداء الطائرة، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه خطأ في ذلك الوقت، على الرغم من أنه أصبح شائعاً في الطائرات الشبحية في الوقت الراهن، لكن بنهاية المطاف فازت شركة لوكهيد.
A-12 Avenger II: أول شبح ينطلق من حاملة طائرات
في 13 يناير 1988، حصل فريق مشترك من شركتي "ماكدونيل دوجلاس McDonnell Douglas"، و"جنرال ديناميكس General Dynamics" على عقد تطوير لما كان سيصبح لاحقاً الطائرة "A-12 Avenger II".
وبمجرد اكتمالها كان سيذكرنا تصميم جناحها بطائرتي "B-2 Spirit" أو "B-21 Raider" التابعتين لشركة "نورثروب جرومان Northrop Grumman"، واللتين ظهرتا في وقت لاحق، على الرغم من أنهما أصغر بكثير وبزوايا أصعب.

طائرة من طراز "A-12 Avenger II". (صورة غير مؤرخة) - Sandboxx
وعلى الرغم من أن الطائرة "A-12" هجومية، إلا أنها كانت تفي بمتطلبات تصميم المقاتلات، وتحمل على متنها أنظمة رادار، ومجموعة متنوعة من صواريخ "جو-جو".
وكان من الممكن أن تكون "A-12"، أول مقاتلة شبحية حقيقية في العالم، إذ إن طائرة "F-117 Nighthawk"، التي كانت في الخدمة بالفعل، لم يكن لديها رادار على متنها ولا القدرة على الاشتباك مع أهداف جوية.
بل إن الطائرة "F-117" التابعة لسلاح الجو الأميركي لم تكن مقاتلة شبحية، إلا أن الطائرة "A-12" التابعة للبحرية كانت كذلك.
ومع ذلك، وبدون سابق إنذار، تم إلغاء برنامج "A-12 Avenger" في يناير عام 1991 من قِبَل وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت ديك تشيني. وقيل في وقت لاحق إنها كانت تعاني من مشكلات تتعلق بوزنها الزائد، وتكلفتها الكبيرة وتخلفها عن الجدول الزمني المحدد.
واستغرق الأمر في البحرية الأميركية 26 عاماً أخرى، حتى حصلت على أول مقاتلة شبحية تنطلق من حاملة للطائرات وهي "F-35C".
.........
وكان من الممكن أن تكون "A-12"، أول مقاتلة شبحية حقيقية في العالم، إذ إن طائرة "F-117 Nighthawk"، التي كانت في الخدمة بالفعل، لم يكن لديها رادار على متنها ولا القدرة على الاشتباك مع أهداف جوية.
بل إن الطائرة "F-117" التابعة لسلاح الجو الأميركي لم تكن مقاتلة شبحية، إلا أن الطائرة "A-12" التابعة للبحرية كانت كذلك.
ومع ذلك، وبدون سابق إنذار، تم إلغاء برنامج "A-12 Avenger" في يناير عام 1991 من قِبَل وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت ديك تشيني. وقيل في وقت لاحق إنها كانت تعاني من مشكلات تتعلق بوزنها الزائد، وتكلفتها الكبيرة وتخلفها عن الجدول الزمني المحدد.
واستغرق الأمر في البحرية الأميركية 26 عاماً أخرى، حتى حصلت على أول مقاتلة شبحية تنطلق من حاملة للطائرات وهي "F-35C".
.........
التعديل الأخير: