(التايمز): الرياض ترى الحوثيين (حصان طروادة) لتأثير إيران بالمنطقة..(لكن) الى أي مدى ستتحمل الخسائر هناك !؟
رأت صحيفة "التايمز" البريطانية أن الحملة العسكرية، بقيادة السعودية، على الحوثيين والموالين للرئيس المخلوع، علي صالح، إن كان الهدف منها تحقيق الاستقرار في اليمن، الذي يعتبر من أفقر دول الجزيرة، فعندها ستكون المقامرة تستحق كل هذا العناء، لكن الواقع يقول غير ذلك.
وأشارت إلى أن الصحراء الواقعة شرق صنعاء تدور فيها حرب بالوكالة بين السعوديين والإيرانيين. ولا توجد هناك إشارات عن تراجع الحوثيين أو داعميهم عن الحرب، والرابح الوحيد من هذه المواجهة هم المتطرفون الإسلاميون الذين استفادوا من الفوضى وفشل الحكومة، كما أظهرت التجارب من أفغانستان إلى الصومال.
وأضافت أن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تهدئة التصعيد، خاصة وأن كليهما لديه نفوذ على الأطراف المتنازعة.
فالسعودية كما تقول الصحيفة تهتم كثيرا بالعلاقات الاقتصادية مع واشنطن ولندن وقلقة من مظاهر التقارب الأمريكي الإيراني. وفي اتجاه آخر فتح الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب قنوات جديدة يجب استخدامها الآن.
وتدعو جيران اليمن لتوخي الحذر وأن تقوم بإقناع الفصائل المتصارعة بالعودة إلى المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة لأن البديل عن الحوار حسب تحليل «التايمز» هو كارثة إنسانية يمكن لتنظيم «القاعدة» استغلالها.
وتتفهم الصحيفة موقف السعودية من الحوثيين الذين تمردوا على الحكومة المركزية في صنعاء منذ عقد من الزمان وسيطروا على العاصمة صنعاء سبتمبر 2014 وترى الرياض فيهم "حصان طروادة" للتأثير الإيراني في المنطقة.
وتصف الصحيفة الحملة البرية بأنها للانتقام من مقتل جنود التحالف، حيث قرر الرئيس هادي الانسحاب من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، وتلقى الحملة المضادة للحوثيين دعما تكتيكيا من الولايات المتحدة وبريطانيا المزودين الرئيسيين للمقاتلات والقنابل الذكية لكل من السعودية ودول الخليج.
وتلقى الحملة دعما من الأمم المتحدة على شكل قرار أممي يدعو الحوثيين للانسحاب من العاصمة صنعاء كشرط مسبق لبدء المحادثات.
وتحدثت الصحيفة عن الثمن الذي يدفعه المدنيون حيث شكلوا نصف القتلى في الحرب منذ مارس الماضي. ويقول الناشطون إن الأهداف الأخيرة التي قصفت شملت مصنع تعبئة مياه صحية كجزء من معاقبة السكان، ومن لا تصيبه الغارات يعاني من الجوع بسبب الحصار على البلد الذي يستورد نسبة 90% من المواد الغذائية.
وترى الصحيفة أن الحرب تعيد اليمن للفوضى التي يزدهر فيها تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية "وعلى التحالف التوقف ومنح الدبلوماسية فرصة لأن البديل لن يكون النصر بل صومال جديدة".
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إن الكارثة الإنسانية اليمنية مستمرة ولكنها لا تحظى باهتمام إعلامي كبير.
وتضيف الصحيفة أن الهجمات الجوية التي تهدف لإعادة الرئيس هادي إلى العاصمة واحتواء الحوثيين لا تلتفت للمدنيين، حيث سقطت قنابل على المدارس والمستشفيات والمصانع ومخيمات اللاجئين. ووصل عدد القتلى إلى 4.500 منذ بدء الغارات.
وحذرت الأمم المتحدة من أن 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 25 مليون على حافة الجوع.
وأشارت إلى تحضيرات التحالف والموالين لهادي للهجوم على صنعاء و»سيكون هذا كارثة على المدنيين الذين يعانون من نقص الطعام والدواء ومن نقص المياه الصالحة للشرب».
وتشارك في الحرب كل دول الخليج باستثناء عمان، ولكن الولايات المتحدة غضت الطرف عن ما يجري في اليمن، خاصة وأنها مشغولة بتطمأنة دول الخليج حول الاتفاق النووي الذي تقول إنه لن يؤثر في التحالفات التقليدية بينها ودول الخليج.
وتقول إن الغارات التي تقوم بها طائرات من دون طيار الأمريكية ضد المتشددين تؤكد أن ما يجري هو تصعيد للحرب. وتعتقد أن حلا سلميا للأزمة طال انتظاره ولن يتحقق من دون ممارسة الولايات المتحدة ضغطا على السعودية.
ومن هنا رأت مجلة "إيكونوميست" أن سحق الحوثيين مستحيل، مشيرة إلى قلة خبرة الجيوش الخليجية التي ستقاتل في أرض استعصت على الغزاة طيلة تاريخها.
وتحذر من أنه كلما طال أمد الحرب وزاد عدد الضحايا المدنيين، سيخسر التحالف تأييد حلفائه المقاتلين على الأرض والذين يتألفون من رجال قبائل ووحدات منشقة عن الجيش اليمني ومقاتلين إسلاميين.
ومن هنا، فالحملة التي تقودها السعودية في اليمن جوا وبرا تواجه، كما تقول صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، امتحانا صعبا، خاصة وأن ارتفاع عدد الضحايا يشكل تحديا للتأييد الشعبي للحرب.
وتشير إلى أن العملية في وسط اليمن هي الأكبر منذ 80 عاما، وبالنسبة لدول التحالف هي المرة الأولى التي تخوض فيها الدول المشاركة حربا حقيقية.
ويقول الكاتب إن العسكريين السعوديين يمجدون، في العلن والسر، العمل العسكري في اليمن ويصورونه على أنه مرحلة أولى في سياسة طموحة أشمل تهدف للردع وتضع حدا للنفوذ العسكري والسياسي الإيراني في المنطقة.
ويرى الكاتب أن محافظة مأرب ذات الكثافة السكانية القليلة أصبحت مركزا للمعركة في سياسة الخليج العسكرية المستقبلية، بسبب موقعها الذي لا يبعد سوى 75 ميلا شمالا من العاصمة، ولأن فيها مصافي البترول ومخازن الأسلحة وخطوط إمداد الحوثيين والسيطرة عليها يعني قطع الإمدادات عن المتمردين في العاصمة، وهي بالتالي مفتاح النصر.
وينقل التقرير عن الباحث جورج غوس، الخبير في شؤون الخليج وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة "تكساس إي أند أم" قوله: "هذه في الحقيقة، إنها المرة الأولى التي تخرج فيها لكثير من هذه البلدان خارج حدودها".
ومع ذلك تحظى الحملة العسكرية، خاصة بعد مقتل الجنود الإماراتيين، بدعم شعبي بدا واضحا من خلال إعلام التواصل الاجتماعي في الإمارات والسعودية والبحرين.
ولكن مع استمرار القتال، وبينما يعد التحالف لاجتياح صنعاء، يتوقع المحللون العسكريون والمسؤولون في التحالف أن ترتفع الخسائر بشكل كبير وأن يؤثر ذلك سلبا في معنويات المواطنين. ويعلق غوس: "أعتقد أن السؤال الأكبر هو مدى إمكانية تحمل الخسائر، فالإمارات والكويت وقطر، هذه المجتمعات لم تعان فعلا من خسائر في حروب خارجية من قبل".
ومما يساعد دول الخليج هو تصوير الصراع في اليمن على أنه جزء من حرب أوسع ضد إيران ونفوذها العدواني في العالم العربي. وينقل التقرير عن مصطفى العاني من مركز دراسات الخليج قوله إن "النقاش العام في السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين بسيط للغاية: العمل العسكري في اليمن ليس لإنقاذ اليمن من سيطرة الميليشيات الحوثية، وفقط، ولكنه جزء أيضا من مواجهة إقليمية متأخرة مع إيران".
ويتساءل الكاتب إن كانت هذه الإستراتيجية قادرة على الصمود بعد معركة صنعاء؟ قائلا إن نتيجة تجربة اليمن ستكون مؤشرا على مدى إمكانية انتصار سعودي أوسع. وإذا ما نجح التحالف في الانتصار على الحوثيين وطردهم من صنعاء وإعادة حكومة هادي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فستثبت سياسة التدخل الجديدة التي تنتهجها الرياض نجاحها بحسب ما يقوله المحللون العسكريون الخليجيون.
وفي حالة فشل الهجوم على صنعاء وارتفعت الخسائر، فلن تكون هناك شهية لأعمال عسكرية مستقبلية في العراق أو سوريا، حيث الصراع أطول ومعقد. وحسب تقدير "غوس"، فهناك بعض السعوديين الذي يحاولون تسويق الحملة على أنها خطوة أولى في إستراتيجية شجاعة جديدة. صحيح أنها جديدة، ولكن هل ستطبق على حالات أكثر صعوبة وتعقيدا مثل سوريا والعراق؟.
ويرى المراقبون أنه في حال انتصر التحالف في معركة صنعاء فقد تتحول قوة تحالف اليمن إلى قوة مهام تدخل يعتمد عليها مجلس التعاون الخليجي. ولو استمرت الحرب وزادت الخسائر، فقد تنتهي سياسة التدخل العسكري عند حدودها الجنوبية.