محتويات هذا المقال ☟
تاريخ الدول العربية قد شهد العديد من ثورات تاريخية سياسية كان لها تأثيرات كبيرة على المنطقة وعلى العالم بشكل عام. هذه الثورات تعكس تطور الشعوب العربية وسعيها للحرية والعدالة الاجتماعية، وتعتبر نقطة تحول في تاريخ هذه الدول.
ثورات تاريخية سياسية (ثورة 1958 في العراق)
أوضاع العراق قبل 1958
ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية شهد العراق، خلال القرن العشرين، عدة ثورات، وانتفاضات، بلغت سبعاً تقريباً، أغلبها كان ضد الاحتلال الإنجليزي للعراق، وقد أدت إلى إحداث تغييرات شديدة في ظروفه وأحواله.
ومن أبرز هذه الثورات:
1. ثورة عام 1920 ضد الإنجليز
أثناء الحرب العالمية الأولى، تقدمت القوات البريطانية إلى ميناء البصرة، فاحتلتها في 6 نوفمبر 1914، بعد انسحاب الأتراك منها، ثم واصل الإنجليز تقدمهم وهم يتوغلون في الأراضي العراقية، إلى أن دخلوا بغداد في 11 مارس 1917. ولكي يكسب الإنجليز ود العراقيين نشر قائدهم (مود) بياناً جاء فيه:
“إننا لم ندخل بلادكم غزاة وأعداء، بل أصدقاء محررين.. ويا أهل بغداد إن تجارتكم، وإدخال الطمأنينة والأمن في بلادكم من الأمور التي توليها الحكومة البريطانية اهتماماً كبيراً دائماً”.
وبعد أن أتم الإنجليز احتلال العراق كله، أصدر القائد العام البريطاني (لويد جورج) في 30 نوفمبر 1918، عقب استسلام تركيا وألمانيا، بياناً أكد فيه أن بريطانيا حاربت من أجل تأمين حرية الشعوب، التي نالها العذاب من جور ألمانيا وحلفائها.
ومن ثمّ توقع العراقيون أن ينالوا حريتهم، خاصة بعد تصريح الحكومة البريطانية بأنها تعترف بالاستقلال التام للعرب، وأراضيهم التي تحررت من السيطرة التركية، وأنها تريد إقامة حكومات وطنية يختارها الأهالي اختياراً حراًّ. ولكن البريطانيين لم يفوا بوعودهم، وبدأوا يمارسون إجراءات إقامة حكم بريطاني مباشر في العراق. وزاد الطين بلة أن مؤتمر سان ريمو، الذي عُقد في أواخر أبريل 1920، شهد قرار الحلفاء فرض الانتداب البريطاني على العراق.
خرجت التظاهرات من مساجد بغداد، خلال شهر رمضان (مايو 1920)، تؤججها الخطب الحماسية والقصائد الوطنية. ثم اشتعلت الثورة في 30 يونيه 1920، حين اعتقل حاكم الرميثة البريطاني أحد زعماء القبائل، فجاء أنصاره وأخرجوه بالقوة. وانتشرت الثورة، وامتدت إلى مناطق عدة في أنحاء العراق، وخاصة بعد مقتل الحاكم البريطاني (ليجمان) في منطقة الفلوجة.
وتضامن الأكراد والتركمان مع العرب، في ثورتهم، في مناطق عديدة، كما أسهم كثير من الضباط والجنود العراقيين في الثورة. استمرت الثورة في ثورات تاريخية سياسية نحو خمسة أشهر، تكبد الإنجليز والعراقيون، خلالها، خسائر فادحة في الأرواح والأموال، واضطر الإنجليز، في نهاية الأمر، إلى التفاوض مع قيادات الثورة العراقية، وتم الاتفاق نهائياًّ، في 27 نوفمبر 1920، على الاعتراف باستقلال العراق.
وهكذا انتهت الثورة ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية، بعد نحو خمسة أشهر، وتُوجت بإعلان العراق دولة عربية مستقلة، يوم 23 أغسطس 1921، وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، الذي أعلن على الفور شكره للشعب العراقي على مبايعته إياه، وشكره لبريطانيا على مناصرتها للعرب، واعترافها به ملكاً على الدولة العراقية. وتعهد بأن أول عمل سيقوم به هو مباشرة الانتخابات، وجمع المجلس التأس يسي لوضع دستور للبلاد، والمصادقة على المعاهدة التي تنظم العلاقات بين العراق وبريطانيا.
2. التظاهرات الوطنية الكبرى “21 مارس 1930” ضد الإنجليز
ضمن موضع ثورات تاريخية سياسيةحاولت الوزارة العراقية، التي تشكلت برئاسة ناجي السويدي في 18 نوفمبر 1929، وضع أنظمة جديدة لإنهاء خدمات كثير من الموظفين البريطانيين، وإحلال عراقيين محلهم، فاحتج المندوب السامي البريطاني، وطلب من الملك فيصل بن الحسين عدم التصديق على هذه القرارات، فاستجاب الملك، وغضب أعضاء الوزارة؛ فأعلنوا استقالتهم، بعد أن أصدرت الوزارة بياناً إلى الشعب، شرحت أسباب الاستقالة وظروفها. فخرجت التظاهرات الغاضبة، تؤيد الحكومة المستقيلة، وتحتج على تدخل المندوب السامي البريطاني.
كما أرسلت القيادات الوطنية بيان احتجاج إلى الملك. وكانت تلك التظاهرات منظمة بأسلوب جيد، واشترك فيها طوائف الشعب كافة، لإعلان غضبها على أسلوب الحكم، وتدخل الإنجليز السافر في شؤون العراق.
وأدت هذه التظاهرات إلى توقيع معاهدة 1930، بين الإنجليز والعراق، وفيها وعد من بريطانيا بانضمام العراق لعصبة الأمم، والاعتراف بالعراق دولة حرة مستقلة. (انظر ملحق معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا)ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية
3. الانقلاب العسكري بقيادة بكر صدقي في 29 أكتوبر 1936
بدءاً من عام 1931، أخذت تظهر بين ضباط الجيش العراقي حركة تذمر من الأوضاع السائدة، وطمعت هذه الحركة في فرض سيطرة الجيش على الحكومة. وساند ضباط الجيش الوزارة التي كان يرأسها ياسين الهاشمي، في إخماد تمرد العشائر في الفرات الأوسط، وقوى المعارضة السياسية.
غير أن اتصال عدد من رؤساء الخلايا العسكرية ببعض قوى المعارضة، أبرزها جماعة الأهالي أدى إلى قيام تنظيم سياسي عسكري قوي، نجح في القيام بأول انقلاب عسكري أطاح بوزارة ياسين الهاشمي في 29 أكتوبر 1936.
لم يكن هذا الانقلاب بداية الانقلابات العسكرية في تاريخ العراق الحديث فحسب، بل كان كذلك أول انقلاب عسكري في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، وفتح الباب على مصراعيه لتدخل الجيش العراقي في سياسة البلاد.
كان قائد الانقلاب هو الفريق بكر صدقي، قائد الفرقة الثانية في الجيش العراقي، وكان على صلة وثيقة، وصداقة حميمة، بحكمت سليمان، أبرز أعضاء جماعة الأهالي، والذي تمكن من ضم صديقه الفريق بكر صدقي إلى جماعة الأهالي.
وكان حكمت سليمان هو الذي شجع بكر صدقي، من قبل، على شن حملته التأديبية ضد الآشوريين عام 1933، وهي الحملة التي انتصر فيها بكر صدقي، وذاع صيته كبطل وطني. واقتنع بكر صدقي، من ذلك الوقت، بإمكانية تدخل الجيش في السياسة، وبأن مستقبله ومستقبل الجيش، وتحقيق مطالبه، يتوقف، إلى حدٍّ كبير، على إسناد الحكم إلى حكمت سليمان، الذي كان حلقة الاتصال بين جماعة الأهالي والجيش.
ويبدو أن الهدف المشترك، لكل من بكر صدقي وحكمت سليمان، كان استخدام الجيش للإطاحة بوزارة ياسين الهاشمي.
وهكذا بدأ التخطيط للانقلاب، وحانت الفرصة في أكتوبر 1936، عندما كان طه الهاشمي، رئيس أركان الجيش العراقي، يقضي إجازة خارج العراق، وأصبح بكر صدقي وكيلاً عنه في رئاسة الأركان.
وعندئذ اتصل بكر صدقي بكل من الفريق عبد اللطيف نوري، قائد الفرقة الأولى، والعميد محمد علي جواد، آمر القوة الجوية، واتفق ثلاثتهم على الثورة؛ فزحفت قوات الفرقتين الأولى والثانية، والتي أُطلق عليها اسم “القوة الوطنية الإصلاحية”، إلى منطقة قريبة من بغداد، في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أكتوبر 1936، في الوقت الذي حلقت فيه بعض طائرات القوات الجوية العراقية، وراحت تلقي المنشورات على الأهالي، تدعوهم إلى التزام الهدوء والسكينة. وجاء في هذه المنشورات:
“أيها الشعب الكريم. لقد نفد صبر الجيش، المؤلف من أبنائكم؛ بسبب الأحوال التي تعانونها من جراء اهتمام الحكومة الحالية بمصالحها، ورغباتها الشخصية، دون أن تكترث بمصالحكم ورفاهيتكم. فطلب إلى صاحب الجلالة الملك إقالة الوزارة القائمة، وتأليف وزارة من أبناء الشعب المخلصين، برئاسة السيد حكمت سليمان، الذي طالما لهجت البلاد بذكره الحسن، ومواقفه المشرفة.
وبما أنه ليس لنا قصد من هذا المطلب إلاّ تحقيق رفاهيتكم؛ فلا شك في أنكم تؤيدون إخوانكم أفراد الجيش ورؤساءه في ذلك، وتؤيدونه بكل ما أوتيتم من قوة. وقوة الشعب هي القوة المعوَّل عليها في الملمات.
توقيع قائد القوة الوطنية الإصلاحية: الفريق بكر صدقي”.
بعد ذلك أخذت الطائرات تحلق في سماء بغداد، ومن ثم أدرك ياسين الهاشمي حرج موقفه ووزارته؛ فقدم استقالته، مبرراً إياها بقوله: “لاجتناب تعرض البلاد إلى خطر القلاقل الداخلية”.
وهكذا نجح الانقلاب في تحقيق هدفه الأساسي، وعهد الملك غازي بتأليف الوزارة إلى حكمت سليمان، فبادر إلى ذلك، وانتهى من تشكيلها في مساء يوم الانقلاب. وأسند إلى الفريق عبداللطيف نوري منصب وزير الدفاع، فكان أول قرار له هو تولية قائد الانقلاب، الفريق بكر صدقي، منصب رئيس أركان الجيش، حسب طلبه؛ لكي يتمكن من السيطرة الفعلية على الجيش.
خرجت التظاهرات في بغداد، وفي كثير من المدن العراقية، تعلن تأييدها للانقلاب وللوزارة الجديدة. وأصدرت الحكومة بياناً في 5 نوفمبر 1936، شرحت فيه أسباب الانقلاب، والسياسة التي ستتبعها، جاء فيه:
إن الظروف الاستثنائية، التي اضطرت المخلصين من إخواننا إلى أن يتكاتفوا، ويتعاضدوا مع ضباط الجيش الأشاوس، هي وليدة سياسة الحكومة الطاغية التي تجاوزت حدود الحكام المستبدين، في تجاوزاتها غير القانونية، وتحديها دستور البلاد؛ فاستهانت بالدماء التي أُهرقت، وتفننت في اضطهاد الحريات؛ فخنقت الصحف الحرة، ولاحقت الأحرار من أبناء البلاد، أينما ساروا وحيثما توجهوا…، وهي لم تُزح عن كراسي الحكم، إلاّ بعد أن تركت الخزينة في عوز لا يُستهان به.
الحكومة الحالية مؤلفة وفق رغبات الشعب، وستقوم بما يكفل إحلال الطمأنينة التامة لعامة الشعب، وتطبيق العدل على الجميع.
تستهدف الحكومة تحسين الصلات الودية مع الدول، بصورة عامة، والدول المجاورة بصورة خاصة، وتوثيق الروابط مع الأقطار العربية.
تعتزم الحكومة وضع خطة إصلاحية شاملة للمعرفة والثقافة، وإعمار الأراضي، وتوزيع الأراضي الأميرية غير المملوكة، وغير المزروعة منها على أبناء البلاد.
نال هذا البيان تأييداً وحماساً من قطاعات ضخمة من الشعب.
ويبدو أن هدف بكر صدقي من محاولته الانقلابية، كان محاولة إقامة دولة كردية على المدى البعيد؛ ففي ذلك الوقت كان حزب خويبون (الاستقلال) الكردي يواصل نشاطه في تركيا وسورية. وقد ذكر بعض أصدقاء بكر صدقي أنه كان، في بادئ الأمر، رئيساً للحركة الكردية الانقلابية، ووصفوها بأنها: “لا تؤمن بالعروبة ولا الدين”. ومما يثبت ذلك أنه، عقب نجاح الانقلاب، راح يطرد العرب من المراكز القيادية بالجيش، ومن المناصب الدينية، ويحل أكراداً محلهم.
يُضاف إلى ذلك أنه لم يؤيد فكرة “الوحدة العربية”، التي كان ينادي بها كثير من الضباط العراقيين العرب، ممن كانوا يرفعون شعار “عروبة العراق”. وأعلن، بدلاً من ذلك، مبدأ “العراق للعراقيين”، المضاد للوحدة العربية. أمَّا هدفه المباشر من الانقلاب فهو أن يحل محل رئيس أركان الجيش، طه الهاشمي، الذي كان يكرهه.
فاجأ هذا الانقلاب بريطانيا؛ فسارع السفير البريطاني إلى زيارة رئيس الوزراء، حكمت سليمان، واستوضحه خطة حكومته؛ فأجابه:
“إن الوزارة تؤكد على العلاقات الطيبة مع بريطانيا، وتحترم العهود والمواثيق، خاصة معاهدة عام 1930”.
ولكن بريطانيا لم تخف قلقها من السياسة العسكرية التي أخذ الفريق بكر صدقي يتبعها؛ بهدف تقوية الجيش العراقي، وزيادة عدد أفراده، عن طريق التجنيد الإلزامي، ودعم تسليحه، وعقد صفقات أسلحة مع إيطاليا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا.
بعد ذلك أخذ بكر صدقي يتدخل في شؤون البلاد الصغيرة والكبيرة، وبدأت الشائعات تتردد حول مظاهر الدكتاتورية العسكرية، التي يحاول إقامتها في البلاد. وخوفاً من معارضي الحكم، بدأ بكر صدقي وأنصاره، يعدون قوائم بأسماء المعارضين العسكريين والمدنيين، للتخلص منهم عن طريق الاغتيالات.
وسرت الشائعات في البلاد، وسادها جوّ من الاضطراب والتربص والتوجس، وبدأ خصوم بكر صدقي يضعون الخطط للتخلص منه. وحانت فرصتهم في 11 أغسطس 1937 لاغتيال بكر صدقي، ومعه آمر القوة الجوية، العميد محمد علي جواد، في مطار الموصل، وهما يستعدان للسفر إلى تركيا لحضور المناورات العسكرية هناك؛ إذ تقدم إليه جندي يدعى محمد علي طلعفري، وأطلق عليه رصاصتين من مسدسه؛ فسقط قتيلاً، فلما همّ محمد علي جواد بالإمساك بالجندي، تلقى رصاصة ألحقته بصاحبه. وكان ذلك بداية انقلاب عسكري جديد، نتج عنه إقالة وزارة حكمت سليمان، في 17 أغسطس 1937، وتشكيل وزارة جديدة، في اليوم نفسه، برئاسة جميل المدفعي.
4. ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنجليز عام 1941
في الأول من أبريل 1940، تولى رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزارة، للمرة الثالثة في حياته؛ فقد تولاها مرتين في عام 1933، وقد اشترط رشيد عالي الكيلاني على الأمير عبدالإله، الوصي على العرش أن يتعهد جميع السياسيين، ورؤساء الوزراء السابقين، في وثيقة مكتوبة، بمساندته، وإطلاق يده في رسم السياسة، التي يراها مناسبة لصالح العراق. وقد تم له ما أراد.
عُرف رشيد عالي الكيلاني بكراهيته للإنجليز، وسخطه على معاهدة التحالف الإنجليزي ـ العراقي، التي كان نوري السعيد ـ رئيس الوزراء الأسبق ـ قد وقعها مع الإنجليز في 30 يونيه 1930. ولكن خطأ رشيد عالي الكيلاني هو أنه أراد أن ينفّذ سياسة جديدة، باستخدام الأشخاص أنفسهم؛ فقد عهد إلى نوري السعيد بتولي وزارة الخارجية، فأصبح بالضرورة مطلعاً على جميع تصرفات رشيد عالي الكيلاني في العلاقات الدولية. وفي الوقت نفسه لم يكن بوسع رشيد عالي الكيلاني إخراج نوري السعيد من الوزارة؛ خشية انتقام بريطانيا.
حاولت بريطانيا، في بادئ الأمر، جسّ نبض وزارة رشيد عالي الكيلاني، والتعرف على حقيقة نواياها من المعسكرين المتحاربين في (الحرب العالمية الثانية)؛ بأن طلبت من العراق قطع علاقاته السياسية مع إيطاليا، كما فعلت وزارة نوري السعيد من قبل مع ألمانيا.
وطلبت بريطانيا، كذلك، وضع حد للدعاية النازية في الصحف والإذاعة العراقية. إلاّ أن رشيد عالي الكيلاني رفض قطع العلاقات مع إيطاليا، وأوضح أن مصلحة العراق تكمن في تجنب دخول الحرب، والوقوف على الحياد. وقد وصف أحد السياسيين البريطانيين موقف الوزارة العراقية بقوله: “إنهم يقصدون القول: إذا كسبت بريطانيا الحرب؛ فسنكون بمأمن على كل حال، وإذا اتضح أن النازيين هم الذين سيكسبون الحرب؛ فعلينا ألا نرتكب ما يثيرهم ضدنا”.
ومع ذلك، بدأ رشيد عالي الكيلاني يتصل بألمانيا وإيطاليا. ولم تخف هاتان الدولتان أطماعهما في المنطقة؛ فألمانيا طلبت أن تحلَّ محلّ بريطانيا في شركة نفط العراق، وإيطاليا طلبت أن تحلّ محلّ فرنسا في حماية الموارنة في لبنان. وطلب الألمان من العراق إظهار عمل إيجابي ضد الإنجليز، كما طلبوا إقالة نوري السعيد من وزارة الخارجية.
ولقد واجهت حكومة رشيد عالي الكيلاني ضغوطاً شديدة، من أمريكا وتركيا وغيرهما، فضلاً عن بريطانيا. وكان الغرض منها حمل رشيد عالي الكيلاني على إظهار المرونة تجاه المطالب البريطانية بإنزال قواتها في البصرة، وقطع العراق علاقاته مع إيطاليا، بعد أن أعلنت إيطاليا الحرب على بريطانيا، في 10 يونيه 1940 ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية
وقد ردّ رشيد عالي الكيلاني على مندوب بريطانيا بقوله: “إن المعاهدة المعقودة بيننا وبينكم لا توجب علينا ذلك”، فقال المندوب البريطاني: “ولكن سلفك، وهو وزير خارجيتك الآن، نوري السعيد، قطعها مع ألمانيا، ومن ثمَّ عليك أن تحذو حذوه”. فرفض رشيد عالي الكيلاني رفضاً قاطعاً.
وإزاء ذلك حاولت بريطانيا فرض حصار اقتصادي على العراق لإذلاله؛ إذ أن ألوف الأطنان من التمور كانت مكدسة في البصرة، والتمر من محاصيل التصدير الرئيسية لدى العراق. ومن ثمَّ امتنعت بريطانيا عن شرائه، فاتجه رشيد عالي الكيلاني إلى فتح باب جديد لبيع محصول التمر العراقي إلى اليابان، وكانت لا تزال دولة محايدة. كما انتهز الفرصة، وطلب شراء أسلحة حديثة للجيش العراقي، بعد أن توقفت بريطانيا عن تزويده بالسلاح. ورحبت اليابان بالعرض العراقي، وقدمت أسعاراً أفضل لشراء التمر.
ويبدو أن بريطانيا حثت أصدقاءها على مشاركتها في الضغط على حكومة رشيد عالي الكيلاني؛ فأوعز ونستون تشرشل ـ رئيس وزراء إنجلترا ـ إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، بأن يرسل خطاباً يحذر فيه العراق من مغبة التقارب مع المحور، وأن ذلك لا يمكن أن يخدم قضية استقلال العراق ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية . كما جاء خطاب من حسين سري، رئيس وزراء مصر، ينصح نظيره العراقي بضرورة التحالف مع بريطانيا.
وفي الوقت نفسه مارست بريطانيا أنواع الضغوط كلها، فقطعت إمدادات الأسلحة عن الجيش العراقي، وامتنعت عن توفير الدولارات، التي كان العراق في أمسِّ الحاجة إليها، لشراء المواد الأمريكية التي يحتاجها المستهلك العراقي. وسرت الشائعات أن العراق في طريقه إلى إعادة العلاقات مع ألمانيا.
وأبدت بريطانيا معارضتها الشديدة لهذه الخطوة، بل وهددت بأنها سوف تعيد النظر، في علاقاتها مع العراق، إذا أقدم على هذه الخطوة. ولم يكتف السفير البريطاني بإبلاغ هذا التهديد، بل أعلن أن حكومته قد فقدت الثقة برشيد عالي الكيلاني، وأنها تطالب باستقالته من رئاسة الوزارة.
استفز هذا التدخل السافر، من جانب بريطانيا، رشيد عالي الكيلاني، فأعلن أنه لا يهتم أبداً بثقة أي حكومة أجنبية، مادام يتمتع بثقة الشعب العراقي وتأييده. وطلبت الحكومة العراقية إيضاحاً من وزارة الخارجية البريطانية، في شأن تهديدات السفير البريطاني.
وجاء الجواب في ديسمبر 1940، بأن تردد رئيس الوزراء العراقي، في تنفيذ معاهدة 1930، يدفع الحكومة البريطانية إلى تأييد موقف السفير البريطاني في بغداد. وهي لذلك ترى أن استقالة رشيد عالي الكيلاني، من رئاسة الوزارة، هو الحل الوحيد لإعادة العلاقات العراقية البريطانية إلى وضعها الطبيعي.
كان من العوامل التي ساعدت رشيد عالي الكيلاني على التمسك بموقفه، والصمود أمام الضغوط والتهديدات المتتالية، ودعم شعور العداء داخل الشعب العراقي ضد بريطانيا، وجود دعاية قوية مضادة لإنجلترا، وموالية للمحور داخل بغداد، حتى أن مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، وعددًا من السياسيين السوريين، أمثال جميل مردم، وسعد الجابري، وشكري القوتلي، إضافة إلى أنصار مفتي فلسطين، ويراوح عددهم بين أربعمائة وخمسمائة شخص، اتخذوا بغداد مركزًا لهم، في الفترة من 15 أكتوبر 1939 إلى 29 مايو 1941 ضمن موضع ثورات تاريخية سياسية.
ولقد لعب المفتي، أثناء وجوده في بغداد، دورًا نشيطًا في تجميع عناصر مدنية وعسكرية، وتكونت لجنة سرية عليا لإدارة هذا النشاط، قيل إن رشيد عالي الكيلاني كان عضواً بها.
لم يتوقف الضغط البريطاني، بل طلبت بريطانيا ـ عن طريق سفارتها في واشنطن ـ من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، أن توقف شحن الأسلحة الأمريكية، التي طلبت حكومة رشيد عالي الكيلاني شراءها، أو على الأقل تؤجل الشحن إلى حين تولى وزارة جديدة في العراق؛ بدعوى خطر تسرب هذه الأسلحة إلى أيدي عرب فلسطين. وقد وافقت الحكومة الأمريكية بالفعل على هذا الطلب.
وواصل الإنجليز ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية، خلال ذلك، الضغوط على حكومة رشيد عالي الكيلاني، وطلبوا تدخّل عبدالإله، الوصي على العرش، فاستجاب لذلك، وطلب عقد اجتماع عاجل برئاسته، في البلاط الملكي، في 17 ديسمبر 1940، ثم أشفع ذلك بإرسال رئيس الديوان الملكي إلى رئيس الوزراء، يطلب منه الاستقالة.
ولكن رشيد عالي الكيلاني ردَّ على ذلك بأن الدستور العراقي لا يجيز للملك حق إقالة الوزارة، ومن ثمَّ فإن طلبه غير دستوري، خاصة أنه يأتي تحت ضغط من قوة أجنبية. فألقى الوصي خطاباً في الإذاعة، قال فيه:”إذا كانت الوزارة ـ خلافاً لرأيي ـ لا ترى من المصلحة أن تتنحى عن الحكم، وليس لي حق دستوري في إقالتها؛ فإنني أترك للوزراء تقرير موقفهم، وألفت نظرهم إلى أن تبعة الحوادث، التي يحتمل أن تنشأ عن إصرارهم، تقع على عواتقهم”.
عمد الإنجليز، بعد ذلك إلى وضع خطة، مع الوصي، تقضي بدعوة أعضاء الوزارة إلى الاستقالة؛ فيبقى رشيد عالي الكيلاني وحده، ومن ثمَّ يضطر إلى الاستقالة. ونفذوا الخطة بإحكام، وكان نوري السعيد (وزير الخارجية)، أول مستقيل، وتبعه وزير العدل، فالمعارف، فالمالية، فالدفاع، وهكذا وجد رشيد عالي الكيلاني نفسه وحيدًا.
وفي الوقت نفسه، عمد الوصي إلى عدم الحضور إلى البلاط، فتأخر توقيع الكثير من المراسيم، وأصيبت أعمال الحكومة بالشلل.
وفكر رشيد عالي الكيلاني في الاستقالة، ولكن العقداء الأربعة، وكانوا يمثلون الجيش العراقي، ويتكلمون باسمه، ألحوا عليه في البقاء، وأبلغوه أن الجيش يؤيده ويسير معه، ومن ثم اختار وزراء آخرين بدلاً من المستقيلين، وأرسل مرسوم تعيينهم إلى القصر، ليوقع عليها الوصي.
ولم يكتف بذلك، بل أعد مرسوماً بحل مجلس النواب، وحمله بنفسه إلى الوصي، وطلب منه توقيعه، فاستمهله الوصي بضع ساعات، وما كاد يودعه حتى أسرع إلى سيارته، ولاذ بالفرار إلى “الديوانية”، ليكون في حمى عشائرها، وفي حمى الفرقة العراقية المرابطة هناك.
عند هذا الحد، أرسل رشيد عالي الكيلاني برقية إلى الوصي في الديوانية، يوم 31 يناير 1941، محمّلاً الوصي المسؤولية كاملة، ومتهماً إياه بالخضوع للضغط الأجنبي.
ظل عبدالإله في الديوانية، خاصة بعد أن بلغته أنباء خروج التظاهرات الحاشدة؛ غضبًا من استقالة رشيد عالي الكيلاني، وأرسل في طلب طه الهاشمي، وكلفه بتشكيل الوزارة، في الأول من فبراير 1941، وطلب منه إحالة العقداء الأربعة إلى التقاعد، وظل الوصي في الديوانية خمسة أيام، بعد تشكيل الوزارة خوفاً من التظاهرات.
بعد أيام أصدر طه الهاشمي أوامره، بصفته وزيراً للدفاع، بنقل كامل شبيب، قائد الفرقة الأولى، من بغداد إلى قيادة الفرقة الرابعة في الديوانية. واستنكر العقداء الأربعة هذا النقل، ورفضوا الانصياع له، فاضطر طه الهاشمي إلى التراجع، وتجاهل الأمر، ولكن العقداء الأربعة تمكنوا، بعد ذلك، من تحريك الجيش، في الأول من أبريل 1941، وزحفت بعض القوات لاحتلال المواقع المهمة في العاصمة، وقدم بعض الضباط، إلى طه الهاشمي، طلبهم العاجل بتقديم استقالته فوراً، فاستجاب لذلك، وأرسل يخبر عبدالإله أنه اضطر لذلك، تحت وطأة التهديد.
فيما كان الهاشمي يوقع خطاب الاستقالة، كانت بعض وحدات الجيش تحيط بالقصور الملكية، وتحاول اعتقال عبدالإله، ولكنه أسرع بالفرار في زي امرأة، ولجأ إلى مفوضية أمريكا، فوضعه الوزير المفوض داخل سجادة في أسفل السيارة، وسار به إلى الحبّانية، على بعد 100 كم غربي بغداد، وفيها قاعدة جوية كبرى للإنجليز، فنقلوه بطائرة عسكرية إلى البصرة، ثم إلى القدس، ولحق به نوري السعيد. في ذلك الوقت، اتفق رشيد عالي الكيلاني، وقادة الجيش، على ضرورة عزل الوصي على العرش، وتعيين حكومة عسكرية، أطلق عليها “حكومة الدفاع الوطني”، يرأسها رشيد عالي الكيلاني. وتم الاتفاق على اختيار وصي جديد للعرش، واختاروا “الشريف شرف”، من الأسرة الهاشمية، وصيًّا على عرش العراق، فأعلن الوصي الجديد تكليف رشيد عالي الكيلاني بتأليف وزارة جديدة.
أعلنت الوزارة الجديدة التزامها الأكيد بمعاهدة 1930 مع بريطانيا، تجنباً للصدام معها. ولكن بريطانيا رفضت الاعتراف بها، وامتنع السفير البريطاني الجديد عن تقديم أوراق اعتماده. وأصدرت الحكومة البريطانية أوامرها إلى جزء من قواتها في الهند، والتي كانت متوجهة أصلاً إلى الشرق الأقصى، بالتوجه إلى البصرة.
فوصلت تلك القوات، يومي 17 و 18 أبريل 1941ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية، وظل تدفق القوات البريطانية يتتابع، دون أن تأبه بريطانيا إلى احتجاجات العراق، وأصدرت الوزارة العراقية في أول مايو 1941، بلاغاً قالت فيه إن إصرار الحكومة البريطانية على عدم سحب قواتها، والإخلال بوعودها، يضطر الحكومة العراقية إلى اتخاذ التدابير التي تكفل سيادة البلاد.
ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،تجاهلت بريطانيا معارضة العراق واحتجاجاته، وأصدر السفير البريطاني بيانًا موجهًا إلى سكان بغداد، هاجم فيه على قادة الجيش العراقي ورشيد عالي الكيلاني. وكان لابد من وقوع الصدام. اتجهت القوات العراقية إلى الحبّانية، فتحركت الطائرات البريطانية، وأرسل القائد البريطاني يطلب من القوات العراقية الانسحاب من مواقعها، ثم أتبع ذلك بهجوم جوي مباغت، يوم 2 مايو 1941، وأخذت الطائرات البريطانية تقصف معسكر الرشيد، والطرق المؤدية إلى بغداد، والمواقع المدنية حول الحبّانية.
حاول رشيد عالي الكيلاني الصمود، ودعا الشعب العراقي إلى الدفاع، واندلعت التظاهرات، ووجهت النداءات إلى العالمين العربي والإسلامي لنصرة الشعب العراقي. ولكن القوات البريطانية كانت قد أعدت قوة خاصة في فلسطين لغزو العراق، فانطلقت عبر شرق الأردن، ووصلت إلى الحبانية، وشددت الهجوم على الجيش العراقي.
ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،لم يستطع الجيش العراقي الصمود أمام هجمات القوات البريطانية، فاضطر إلى الانسحاب، وأخذت القوات البريطانية تزحف إلى بغداد، وعندئذ فر رشيد عالي الكيلاني، والحاج أمين الحسيني، والعقداء الأربعة، وكثير من أعضاء الحكومة، عابرين الحدود إلى إيران يوم 29 مايو 1941، وطلب الجيش العراقي الهدنة من الإنجليز في اليوم التالي، فأجيب إلى طلبه
وتألفت لجنة أهلية، برئاسة أحد الوزراء السابقين، فوقعت اتفاق الهدنة، ودخل الجيش البريطاني بغداد، واحتلها، وأعاد الوصي على العرش ورفاقه إلى الحكم. وأعلنت الأحكام العرفية، وأصدرت محكمة عسكرية، شكلت في بغداد، حكمًا غيابيًا بالإعدام على رشيد عالي الكيلاني، والعقداء الأربعة وأشخاص آخرين، وأصدرت أحكاماً بالسجن مدداً مختلفة على غيرهم.
أمَّا رشيد عالي الكيلاني والحاج أمين الحسيني، فقد فرّا من إيران إلى ألمانيا، وفرّ صلاح الدين الصباغ إلى تركيا، أما بقية الهاربين فقد قبضت عليهم بريطانيا في إيران، وأرسلتهم إلى روديسيا، ثم أُعيدوا إلى العراق، ونفذت فيهم الأحكام، وأعدم ثلاثة من العقداء الأربعة.
أمّا الرابع، وهو صلاح الدين الصباغ، فقد سلمته تركيا، بعد ثلاث سنوات، إلى السلطات العراقية، فأُعدم أمام وزارة الدفاع في أكتوبر 1945، وأما الحاج أمين الحسيني، فقد فرّ من ألمانيا إلى فرنسا ثم إلى القاهرة. واستقر هناك. وأما رشيد عالي الكيلاني، فقد فرّ من ألمانيا، ثم ذهب إلى الرياض، فأجاره الملك عبدالعزيز “يرحمه الله”.
5. ثورة يناير 1948
ظل الاحتلال العسكري البريطاني للعراق حتى أكتوبر في ثورات تاريخية سياسية، وأراد الإنجليز عقد معاهدة جديدة مع العراق، بدلاً من معاهدة 1930، التي لم يبق سوى سبع سنوات على انتهائها. وهكذا دارت المفاوضات بين الجانبين العراقي والبريطاني، في بغداد ولندن، في الفترة من 8 مارس 1947 إلى 4 يناير 1948، وانتهت بتوقيع معاهدة جديدة في ميناء بورتسموث البريطاني، في 15 يناير 194
وقَّعها صالح جبر عن العراق، والمستر بيفن عن إنجلترا، وهي تؤكد ما تضمنته معاهدة 1930، من وجوب التشاور التام الصريح بين الدولتين في جميع الشؤون الخارجية، والتحالف السياسي والعسكري بينهما، وتزيد في الامتيازات العسكرية البريطانية، ونصّت على أن لبريطانيا الحق في استمرار وجود قواتها في قاعدتي الحبّانية والشعيبة، إضافة إلى حق استخدام مطارات العراق بكاملها.
ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،عارضت الأحزاب العراقية الأخرى تلك المعاهدة، وأصدرت بيانات الشجب لها، واندلعت التظاهرات، وأضربت الصحف عن الصدور. وأذاعت الحكومة العراقية بياناً يحظر التظاهرات والإضراب، ويهدد بقمعها بكل شدة، فتجددت التظاهرات، واشتدت حدتها، وشارك فيها قطاعات كبيرة من العمال وأفراد الشعب. ووقع الصدام بين الطلاب ورجال الأمن، وسقط أربعة من الطلاب والأهالي قتلى، وجرح الكثيرون، وامتدت التظاهرات إلى مدن أخرى كثيرة في العراق. وصرح صالح جبر، رئيس الوزراء، في لندن، بأنه موقن بأن البرلمان والشعب العراقي سيؤيدان المعاهدة، وإنه سوف يعود إلى بغداد لسحق رؤوس المتظاهرين.
استمرت التظاهرات، وازداد عنفها، حين اتجهت وفود الطلاب إلى مستشفى المعهد الطبي لاستلام جثث الشهداء، فهاجمتها قوات الشرطة، وأطلقت الرصاص، فسقط طالبان، أحدهما من كلية الصيدلة، فحمله زملاؤه ودخلوا به إلى عميد كلية الطب، الذي أرسل استقالته احتجاجاً على الحكومة، ووصف عدوان رجال الشرطة بالبربرية الوحشية، واستقال معه 110 آخرون من الأساتذة.
حاول الوصي على العرش، عبدالإله، تهدئة الأوضاع، فأصدر بياناً في 26 يناير 1948، أعلن فيه أن المعاهدة لن تُبرم ولن تنفذ. ولكن رئيس الوزراء، لدى وصوله إلى بغداد، أعلن أنه سيمضي في تنفيذ المعاهدة حتى النهاية، فتجددت التظاهرات، في يوم 27 يناير ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،واشتد عنفها، وأصبحت العاصمة كأنها ساحة حرب، واحتلت الشرطة مداخل الطرق
وانطلقت سياراتها تجوب الشوارع، ونُصبت المدافع فوق البنايات العالية ومآذن المساجد، وسارت مواكب التظاهرات في الشوارع تتحدى رجال الشرطة، وتحرق سياراتها، وأضرمت النار في مبنى جريدة بغداد تايمز البريطانية، وأحرقت بعض مباني الإنجليز، ومكاتب الاستعلامات الإنجليزية والمحلات التجارية.
حاولت الحكومة الاستعانة بالجيش، ثم صرفت النظر عن ذلك، وقدم عدد من النواب استقالاتهم، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب، واستقال وزيرا المالية والشؤون الاجتماعية، فطلب عبدالإله من صالح جبر تقديم استقالته، فاستقال، ثم فر من بغداد إلى أصهاره “آل جريان” خارج بغداد.
قررت الوزارة الجديدة، التي شكلت برئاسة السيد محمد الصدر، رفض معاهدة بورتسموث، واعتبار يوم 27 يناير يوم الوثبة الوطنية.
6. انتفاضة 1952
ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية، عقب حدوث ثورة يوليه 1952 في مصر، ونجاح ضباطها في الاستيلاء على الحكم، تشجعت الأحزاب العراقية المعارضة، وأخذت تقدم المذكرات إلى عبدالإله، الوصي على العرش، تطالب بالتغيير الجوهري في البلاد. وعُقد مؤتمر في البلاط، يوم 3 أكتوبر 1952، حضره رؤساء الوزارات السابقون، ورؤساء الأحزاب. وقال أحد رؤساء الأحزاب: إن الوضع في العراق يتطلب ضرورة النظر إليه نظرة جدية، خاصة بعد تأميم محمد مصدق، رئيس وزراء إيران، النفط في بلاده، والأحداث الأخرى في مصر وغيرها. وقال إن الأسباب التي أدت إلى الانقلاب في مصر قائمة في العراق، وإذا كانت العوامل متشابهة، فلابد أن تكون النتائج واحدة، والمسألة مسألة وقت.
في يوم 26 أكتوبر 1952، أضرب طلاب كلية الصيدلة والكيمياء في بغداد ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،، احتجاجاً على تعديلات في لوائح الرسوب فيها، وانضم إليهم طلاب الكليات الأخرى، وحدثت بعض المصادمات بين الطلاب أنفسهم. واندلعت تظاهرات الطلاب، بعد ذلك، في 20 نوفمبر 1952، واستمرت في اليومين التاليين، ووقعت اشتباكات مع الشرطة، وسقط قتيل واحد، وجرح الكثير من الجانبين. وقدم رئيس الوزراء، مصطفى العمري، استقالة وزارته يوم 21 نوفمبر، وقرر كل من مجلس التعليم العالي ومجلس المعارف، تعطيل الدراسة في المعاهد العليا، ومدارس بغداد، اعتباراً من يوم 23 نوفمبر. وأذاع الطلاب بياناً هاجموا فيه الحكومة، وأعلنوا استمرار الإضراب حتى يتحقق الآتي:
أ. جوب الأخذ بمبدأ الاختيار المباشر في الانتخابات النيابية القادمة.
ب. جوب إحداث إصلاحات داخلية فورية لصيانة الحريات.
وضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،استؤنفت التظاهرات يوم 23 نوفمبر، وانضم العمال وفئات أخرى، بقيادة الشيوعيين، إلى الطلاب، وهم يحملون لافتات تهاجم الحكومة والإنجليز، وأحرقوا مكتب الاستعلامات الأمريكي، وأحرقوا قسم شرطة باب الشيخ، في بغداد، وقتلوا جندياًّ، وأحرقوا جثته.
في اليوم نفسه، تم تكليف الفريق الأول نورالدين محمود، رئيس أركان الجيش، بتشكيل الوزارة، فأعلن الأحكام العرفية، وحل الأحزاب، وأوقف صدور الصحف، واعتقل بعض السياسيين، ونزل الجيش إلى الشوارع في بغداد، وحظر التجول، وأطلق النار على المتظاهرين، وسقط منهم ثمانية عشر شخصاً قتلى، وجرح الكثيرون، وقُمعت الانتفاضة.
7. وأخيراً ثورة 14 (تموز) يوليه 1958 ضمن ثورات تاريخية سياسية،
والتي قضت على الحكم الملكي، وعصفت بحلف بغداد.
* هناك كذلك ثورتان أخريان قام بهما طائفتان من طوائف الأقليات في العراق، وهاتان الثورتان هما:
أ. ثورة الآشوريين “النساطرة”: أول يونيه 1932
في أعقاب معاهدة 1930 ضمن موضوع ثورات تاريخية سياسية،، بين العراق وبريطانيا، أظهر النساطرة، وخصوصاً الذين كانوا منهم يعملون في الجيش البريطاني، معارضة أن ينال العراق استقلاله، وبالتالي يفقدهم آمالهم في إقامة دولة خاصة بهم، لذلك عقد زعماؤهم اجتماعاً، في أواخر يونيه 1932، وضعوا فيه “الميثاق الوطني الآشوري”، والذي ينص على:
(1) الاعتراف بالآشوريين شعباً يسكن العراق، لا على أنهم طائفة دينية أو عنصرية.
(2) عادة أوطانهم في حكاري (منطقة حدودية بين تركيا وسورية والعراق).
(3) ذا استحال تنفيذ البند الثاني، فيجب إيجاد وطن لهم في العراق، مفتوحًا لجميع الآشوريين، وتشكيل هيئة لإعداد الأرض، وإيجاد المبالغ المالية المطلوبة، كما يجب تقديم الآشوريين على غيرهم في الوظائف الإدارية لهذه المنطقة، وفتح مدارس للآشوريين، وتأسيس مستشفى خاص بهم، وتأسيس أوقاف لرجال الدين منهم. وقد اختار الآشوريون منطقة دهوك وطناً لهم.
لم يستجب الإنجليز لهذه المطالب، وصمموا على القضاء على هذه الحركة، وجُلبت قوات عسكرية من مصر، على وجه السرعة، للتصدي لهذه الطائفة، وتم تسريح بعض الضباط الآشوريين من الجيش البريطاني وقُمعت الثورة.
ب. الثورة اليزيدية من ثورات تاريخية سياسية،
تعد الطائفة اليزيدية من الأقليات في العراق، ويتمركز اليزيديون في منطقة جبل “سنجار”، شمال العراق في محافظة نينوى
ثار اليزيديون في أول أكتوبر عام 1935، نتيجة لرفضهم تطبيق قانون التجنيد الإلزامي على أفراد عشائرهم، ولامتناعهم عن دفع الضرائب التي فرضتها الحكومة، تدخلت قوات الشرطة والجيش بقيادة الفريق بكر صدقي، وتمكنت من إخماد هذه الثورة في 7 أكتوبر 1935، بعد معركة حامية سقط فيها الكثير من اليزيديين، وتم تطبيق قانون التجنيد الإلزامي على أفرادهم.
أحداث الثورة في العراق
كانت استعدادات سفر الملك فيصل الثاني إلى لندن للقاء خطيبته قائمة على قدمٍ وساقٍ. وكان الملك متشوقاً للسفر، وحدد يوم الثامن من يوليه 1958، موعداً لسفره. ولكن في يوم 7 يوليه رجاه وزير المالية أن يؤجل سفره إلى يوم 9 يوليه؛ للتوقيع على قانون الخدمة الإلزامية، وقانون توحيد النقد والبنك المركزي لدول حلف بغداد. ووافق الملك بعد إلحاح، ثم في يوم 8 يوليه أرسل شاه إيران برقية من واشنطن، يقول فيها إنه قابل الرئيس أيزنهاور، ولديه معلومات يريد أن يبلغها لمجلس دول حلف بغداد؛ واقترح لقاء رؤساء دول الحلف، ورؤساء وزرائهم، في إستانبول يوم 14 يوليه 1958، واضطر الملك إلى تأجيل سفره مرة ثانية من 9 يوليه إلى 14 يوليه. وهيأ القدر بذلك نهاية حكم امتد من 21 أغسطس 1921 إلى 14 يوليه 1958، في مجزرة جماعية مثيرة.
أمَّا الأمير عبدالإله، الوصي على العرش، فكان في استانبول يقضي فصل الصيف. ولكنه عاد إلى العراق في موسم شديد الحرارة، وحين سُئل لماذا اختار حرّ العراق على هواء استانبول العليل؟ أجاب أنه علم، من بعض اتصالاته، ومن معلومات توافرت لديه، أن بعض المفسدين قد يقومون ببعض حركات التخريب، أثناء غيابه، وغياب الملك كذلك، عن العراق؛ ومن ثم فقد أراد أن يكون هو في العراق، أثناء غياب الملك.
أمَّا نوري السعيد فقد كان مع زوجته وأسرته في لندن، في شهر يونيه 1958، وكان قد طلب من الملك أن يرسل إليه برقية للحضور إلى بغداد، عند عزمه مغادرتها، فأرسل إليه الملك تلك البرقية. وهكذا جمع القدر بين الثلاثة الكبار معًا، في وقت واحد، ليكون الانقلاب والانقضاض عليهم، من جانب جماعة من الضباط كانت تترقب وجود الثلاثة الكبار معاً لكي تضرب ضربتها.
وقبل سرد أحداث الثورة في ثورات تاريخية سياسية، يجدر العلم أنه حدثت محاولات عدة، قام بها تنظيم الضباط الأحرار، قبل يوم 14 يوليه 1958، للإطاحة بالنظام الملكي، ولكنها كلها لم يحالفها النجاح، ومن هذه المحاولات:
المحاولة الأولى (نوفمبر 1956)
فكر الضباط الأحرار في اللواء الرابع عشر من الفرقة الأولى، والذي كان يجري بعض التدريبات آنذاك بالقرب من بغداد، في ضرورة الإسراع لإسقاط النظام الملكي. بادر العقيد الركن عبدالوهاب الشواف، آمـر الفوج الثالث من اللواء الرابع عشر، إلى عقد اجتماع للضباط الأحرار في الفوج لوضع خطة للسيطرة على اللواء، واعتقال آمره، ومن ثم التحرك نحو بغداد، غير أنهم اتفقوا على تأجيل تنفيذ هذه الخطة؛ بعد أن تبين أن نجاحها غير مضمون تماماً.
ومع ذلك فإن هذه المحاولة قد أثارت حماساً عالياً بين صـفوف كثير من الضباط. وتسربت أخبار هذه الخطة إلى الجهات العليا، فأصدرت تعليماتها بنقل اللواء إلى منطقة نائية؛ بحجة إجراء حركة تنقلات في الوحدات
المحاولة الثانية (ديسمبر 1956)
جرت هذه المحاولة عقب عودة اللواء التاسع عشر من الأردن، الذي كان آمره عبدالكريم قاسم، واتصل العقيد الركن عبدالوهاب الشواف، من اللواء الرابع عشر، بعبدالكريم قاسم، وقررا القيام بالحركة عند بدء مراسم الاحتفالات بعودة الوحدات من الأردن. ولكن لدى علمهم بخبر عزم نوري السعيد عدم حضور هذه الاحتفالات جعلهم يؤجلون القيام بالحركة إلى موعد آخر؛ لأن الضباط الأحرار قرروا عدم القيام بأية حركة إلاّ إذا كان الثلاثة الكبار (الملك فيصل وعبدالإله ونوري السعيد) مجتمعين؛ لعدم تكرار مأساة عام 1941 في ثورات تاريخية سياسية،
المحاولة الثالثة (أكتوبر 1957)
تقرر في خريف عام 1957 من ثورات تاريخية سياسية، القيام بمناورات باستخدام الذخيرة الحية، في منطقة بيخال في شمال العراق، وكان الغرض من هذه المناورات هو الدعاية لحلف بغداد، وعرض الأسلحة الأمريكية التي تم تزويد الجيش بها. وتقرر حضور الثلاثة الكبار لمشاهدة هذه المناورات، فاجتمعت اللجنة العليا للضباط الأحرار، وتدارست الموقف، وقـررت وضع خطة للقيام بالثورة، خلال هذه المناورات، خاصة وأن الوحدات المشاركة في المناورات يقودها الضباط الأحرار، ومنهم العقيد عبدالسلام محمد عارف، الذي كان يقود الفوج الثاني من اللواء العشرين، وكذلك اللواء الثالث الذي كان يقوده العقيد الركن خليل سعيد.
وكانت الخطة تتضمن اعتقال الثلاثة الكبار، ثم تتحرك الوحدات الأخرى في بغداد للسيطرة على المراكز المهمة، بعد إرسال كلمة السر إليها. ولكن الآمال خابت عندما تقرر سفر عبد الإله إلى اليابان وفرموزا في زيارة رسمية، ولم يحضر نوري السعيد المناورات، فتأجلت الحركة إلى موعد آخر.
المحاولة الرابعة (6 يناير 1958)
ضمن ثورات تاريخية سياسية، تدارست اللجنة العليا موضوع تنفيذ الثورة في عيد الجيش، الموافق 6 يناير 1958، أثناء الاحتفالات التي تجرى بهذه المناسبة في معسكر الرشيد، بحيث يتولى التنفيذ الوحدات المشاركة في هذه الاحتفالات التي كان يقودها الضباط الأحرار، وهي اللواء التاسع عشر، الذي كان يقوده عبدالكريم قاسم، وكتيبة المدفعية الثقيلة التي كان يقودها العقيد الركن محسن حسين الحبيب، والفوج الثاني، الذي كان يقوده العقيد محمود عبدالرزاق. وبعد مناقشات عديدة كانت أمام اللجنة خطتان لتنفيذ الثورة وهما:
1. خطة عبدالكريم قاسم:
وفيها تقوم دبابتان، عند مرورهـما أمام منصة التحية، التي سيقف عليها الملك وعبد الإله ونوري السعيد، بفتح نيرانهما عليهم، ثم يعمد الضباط الأحرار إلى اعتقال المسؤولين والسيطرة على الوحدات العسكرية، والزحف نحو بغداد لإعلان الثورة، غير أن اللجنة لم توافق على الخطة؛ خوفاً من وقوع ضحايا بريئة، واحتمال إصابة عدد من الضباط الأحرار الحاضرين للاحتفال.
2. خطة العقيد الركن ناجي طالب:
وفيها تتولى كتيبة المدرعات التي يقودها العقيد عبدالرحمن عارف، والتي ستتحرك من منطقتها في أبي غريب نحو معسكر الرشيد، بمناسبة احتفالات عيد الجيش في 6 يناير 1958، أثناء مرورها ببغداد، تطويق قصر الرحاب والإذاعة والجسور، واعتقال الثلاثة الكبار، وإعلان الثورة. بينما تبدأ الوحدات الأخرى المتمركزة في معسكر الرشيد في الزحف نحو بغداد. ولكن هذه الخطة لم يتم الاتفاق عليها؛ بسبب رفض العقيد عبد الرحمن عارف لها، بحجة صغر حجم القوة المنفذة للانقلاب، مما قد يؤدي إلى فشلها في تأدية هذه المهام العديدة.
المحاولة الخامسة (11 مايو 1958)
جاءت الفرصة الملائمة عند ورود خبر مرور اللواء الخامس عشر، الذي يرأسه الزعيم أحمد محمد يحيي ببغداد، أثناء تحركه من معسكر التدريب بالحبانية ـ ضمن وحدات الفرقة الأولى ـ إلى البصرة. وكان العقيد عبدالغني الراوي، وهو من الضباط الأحرار، يعمل رئيساً لأركان هذا اللواء، فاجتمع عدد من الضباط الأحرار في منزل الرائد حسن مصطفى النقيب وتقرر القيام بالحركة، ووضعت خطة تنفيذ الثورة، وكذلك البيانات التي كانت ستلقى لهذا الغرض، مع إبـلاغ الضباط الأحرار بالوحدات الأخرى للتحرك نحو بغداد، فور النجاح الأولي لمهمة اللواء الخامس عشر. وتحدد موعد الحركة ليلة 11/12 مايو 1958.
لم تنفذ الخطة لسبب رئيسي؛ وهو أن اللواء الخامس عشر لم يمر ببغداد كما كان مخططاً له، وإنما انتشر بين الفالوجة والرمادي، وتم نقله بالقطار مباشرة إلى البصرة. إضافة إلى اعتراض عدد من الضباط على حجم الأفراد المنوط بهم تنفيذ الخطة، إذ أن عددهم كان لا يكفي لإنجاحها.
وتُعد خطة 11 مايو 1958في ثورات تاريخية سياسية، ، من أوسع المحاولات؛ إذ شارك فيها مائة وأربعة عشر ضابطًا، إضافة إلى اشتراك أعضاء من حزب البعث العربي الاشتراكي[2].
المحاولة السادسة (29 مايو 1958)
اجتمعت اللجنة العليا، بعد أن تقرر إقامة حفل في 29 مايو 1958، في كلية القادة والأركان، بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيسها، وحضور الثلاثة الكبار، وقادة الفرق، ورئيس أركان الجيش الحفل المذكور، وتدراست اللجنة موضوع القيام بالحركة في هذا اليوم، ولكن تأجل تنفيذها؛ بسبب ورود أخبار بسفر عبدالإله ونوري السعيد إلى خارج العراق.
المحاولة السابعة (22 يونيه 1958)
وُضعت خطة هذه المحاولة عندما وردت المعلومات، التي تفيد بأن هناك خطة تدريب ليلي، تتضمن تحركاً ليلياً لكل من اللواء التاسع عشر الذي كان يقوده عبد الكريم قاسم، من منطقة تمركزه في معسكر المنصورة، واللواء العشرين بالتحرك من معسكره في جلولاء، على أن ينتهي التحرك الليلي بالوصول إلى منطقة أبو جسره، وأبو صيدا قبل أول ضوء. وتركزت الخطة على دخول بغداد، وإعلان الثورة بعد احتلال المراكز المهمة بها. ولكن تسرب أنباء هذه المسيرة الليلية إلى بعض القيادات المسؤولة في بغداد، ورصدها لتحركاتها، اضطر عبدالكريم قاسم إلى إلغاء هذه الخطة، وإجراء التدريب بصورة طبيعية.
وبعد هذه الحادثة أحاط عبدالكريم قاسم، والعقيد الركن عبدالسلام محمد عارف، والعقيد الركن عبداللطيف الدارجي جميع أعمالهم بسِرِّية أكثر مما كانت عليه في الماضي، وأقسموا اليمين فيما بينهم على الكتمان حتى لا تتسرب الأخبار مرة أخرى.
ثورة يوليه 1958( ثورات تاريخية سياسية)
أخبار مؤكدة وإهمال مقابل
سبق أن اتصل الملك حسين، ملك الأردن، بالحكومة العراقية، وأخبرها بمعلومات مؤكدة، عن وجود تنظيم في الجيش العراقي يُعدُّ لانقلاب عسكري. ولكن الفريق رفيق عارف، رئيس أركان الجيش العراقي، ردّ على كلام الملك، بأن لا وجود للحركات الانقلابية في الجيش العراقي.
وقبل حدوث الانقلاب بأكثر من شهر، ذكر عدنان مندريس، رئيس وزراء تركيا، لنوري السعيد في استانبول، أن لديه معلومات موثّقة، أن انقلاباً عسكرياًّ يجري الإعداد له في الجيش العراقي. ولكن نوري السعيد رفض تصديق ذلك. كذلك ذكر أحمد مختار بابان، رئيس وزراء العراق قبيل الثورة، أن مدير الأمن العام، بهجت العطية، جاءه قبل الثورة بثلاثة أيام، وقدم له تقريراً عن تحركات بعض الضباط الأحرار، بما يشير إلى قرب وقوع انقلاب. فأخبر الأمير عبدالإله بها، الذي بادر إلى الاتصال برفيق عارف، رئيس الأركان، فنفى صحة هذه المعلومات نفياً قاطعاً.
وقد حدثت مثل هذه الإبلاغات من جهات مختلفة، ولكن الحكومة كانت على ثقة عمياء بأن ذلك لن يحدث. وقد اعترف الفريق رفيق عارف، أثناء المحاكمة، أنه كان متسامحاً كثيراً مع الضباط الأحرار، وكانيغض الطرف عن أعمالهم وحركاتهم، ولم يتخذ أية إجراءات ضدهم مع أنه كان يعلم ما يعملون!… هكذا نامت الحكومة العراقية، ولم تستيقظ إلاّ على دوي المدافع، وهدير الدبابات يوم 14 يوليه 1958.
صدرت الأوامر، في 3 يوليه 1958 من ثورات تاريخية سياسية،، إلى لواء المشاة العشرين، الذي يقوده الزعيم الركن أحمد حقي، بالتحرك من مقره في معسكر جلولاء إلى الأردن، وسمى ذلك بـ “حركة صقر”. غير أنه أُرجئ تحرك اللواء لاستكمال بعض معداته، واستمر التأخير لمدة عشرة أيام، وهيأ ذلك ظرفاً أكثر ملاءمة للضباط الأحـرار؛ لأن كلاًّ من عبدالإله ونوري السعيد، اللذين كانا قد غادرا العراق في 3 يوليه، عادا في يوم 12 يوليه إلى بغداد، وأخذ الملك فيصل وعبدالإله يستعدان للسفر إلى استانبول، لحضور اجتماع حلف بغداد في 14 يوليه، ثم قضاء عطلة الصيف.
ومن ثم فقد اجتمعت اللجنة العليا للضباط الأحرار، وتدارست الموقف في ضوء تلك الظروف الجديدة؛ فقررت وجوب قيام اللواء العشرين بالحركة أثناء مروره ببغداد، غير أن عبد الكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف، لحرصـهما على الانفراد بتنفيذ الثـورة، وعـدم إخـبار أعضـاء اللجـنة العلـيا بموعـد التنفـيذ، وبعـد أن أقسـما يمـيناً على ذلك مع العقيد عبداللطيف الدراجي، سعيا بكل وسيلة ممكنة لعرقلة اجتماعات اللجنة العليا[3]؛ فقد عمل عبدالكريم قاسم على تأجيل اجتماعات اللجنة العليا، في الأيام القليلة السابقة ليوم 14 يوليه، بل وإثارة بعض الخلافات بين أعضائها؛ مما أدى إلى تأجيل الاجتماع دون اتخاذ أية قرارات.
وبناء على اقتراح عبدالكريم قاسم، عُقد الاجتماع التالي بمنزله في 4 يوليه؛ من أجل وضع خطة الثورة وتوزيع المراكز، ولكن الاجتماع انتهى سريعاً ودون اتخاذ أي قرار؛ بسبب حضور العقيد فاضل عباس المهداوي، وإخباره المجتمعين بعلم الاستخبارات العسكرية بذلك الاجتماع، ونصحه إياهم بفض الاجتماع بأقصى سرعة.
كانت اللجنة العليا قد قررت أن يكون موعد القيام بالحركة (أي ساعة الصفر)، هو أثناء مرور أية وحدات عسكرية بها ضـباط أحرار ببغداد، وذلك في ضوء خطة مسبقة، وزعت بموجبها الواجبات على أعضاء اللجنة العليا، والضباط الآخرين بالتنظيم، مع التأكيد على وجوب بقاء الضباط الأحرار بوحداتهم ليلة القيام بالحركة، حتى إذا ما تحركت الوحدات مارة ببغداد بادرت الوحدات الأخرى ببغداد بالإسراع لتنفيذ ما عُهد إليها من مهام طبقاً للخطة الموضوعة، وكلٌ حسب الدور المسند إليه.
ويذكر العقيد رجب عبدالمجيد، أن اللجنة العليا كانت على علم بأن رئاسة أركان الجيش قد أصدرت أوامرها إلى اللواء العشرين المتمركز في (جلولاء) بالتحرك إلى الأردن، وعلى علم بأن هذا اللواء يضم عدداً كبيراً من الضباط الأحرار، على رأسهم العقيد عبدالسلام محمد عارف، والعقيد عبداللطيف الدراجي، بل إن جميع أعضاء اللجنة العليا كانوا يعلمون بالموعد المنتظر للحركة، وتهيأ كل واحد منهم للقيام بواجبه، ولكن كانت هناك محاولات من العقيد عبداللطيف الدراجي، لتضليل اللجنة العليا عن التوقيت الحقيقي للحركة، خاصة خلال الاجتماع الذي تم يوم 10 يوليه في النادي العسكري، وحضره بعض الضباط الأحرار
يقول عبدالسلام محمد عارف: “شهد يوم الخميس 10 (تموز) يوليه 1958 في ثورات تاريخية سياسية،، نشاطاً واسعاً، فقد كان علي أن أمر على جميع الضباط المكلفين بتنفيذ العملية، لأشرح لهم تفاصيل الخطة وتحركاتهم، وقد حاول كثير من الضباط معرفة وقت الحركة ويومها، إلاّ أنني آثرت السرية، فقد كانت غايتنا الكتمان والمباغتة، واكتفيت بتبليغ عدد قليل جداًّ من الضباط، وهم المنوط بهم واجبات التنفيذ، وكان واجبي أن أسيطر على اللواء العشرين، وأعزل قيادته، وأتسلم القيادة، وأنا مازلت آمراً للفوج الثالث في اللواء”
القرار الحاسم
لم يُتخذ أي قرار نهائي بشأن مصير الثلاثة الكبار في حالة نجاح الثورة، إذ لم يتم الوصول إلى رأي محدد بشأنهم داخل اللجنة العليا، ولكن في صباح يوم 11 يوليه 1958 من ثورات تاريخية سياسية،، اجتمع كل من: عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف والعقـيد عبداللطيف الدراجي، والسيد رشيد مطلك، وتباحثوا في مصير الملك وعبدالإله ونوري السعيد، وتقرر في هذا الاجتماع قتل عبدالإله ونوري السعيد
أما مصير الملك فقد ظل معلقاً باستشارة بعض الزعماء المدنيين، ويبدو أن رشيد مطلك أخبر الثلاثة المجتمعين بضرورة قتل الملك، وكان عبدالكريم قاسم من المتحمسين، أيضاً، لقتل الثلاثة: الملك وعبدالإله ونوري السعيد، وعلى هذا اتخذ قرار نهائي بقتلهم جميعاً
الزحف على بغداد
في ثورات تاريخية سياسية، كانت الخطة التي وضعها عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام محمد عارف للقيام بالحركة، بعد أن صدرت الأوامر للواء العشرين بالتحرك من (جلولاء) إلى الأردن، مروراً ببغداد تتضمن ما يلي:
خداع الزعيم أحمد حقي بتركه مقتنعاً بأن أوامر قيادة الجيش ستنفذ بالتقدم إلى الفالوجة عبر بغداد، ومن الفالوجة يبدأ التحرك إلى عمان.
الطلب من الزعيم أحمد حقي أن يكون على رأس الجزء الأول من القوات الزاحفة، والتي ستتوقف عند الفالوجة، فإذا ما وصلها، تبادر الوحدات التي ما زالت تتقدم على الطريق من جلولاء بالاستيلاء على بغداد، وإحكام السيطرة عليها.
تضليل الزعيم أحمد حقي عن سبب تخلف الوحدات في الطريق، بتقديم معلومات وحجج مختلفة، وإبعاد أية شبهة أو شك، قد يساوره، عن السبب الحقيقي للتخلف، وعن المسافات التي تفصل الوحدات بعضها عن البعض الآخر، أو عدم لحاقها به.
عدم إلقاء القبض على الزعيم أحمد حقي أثناء القيام بالحركة، لكيلا تتسرب أنباؤها إلى القيادة العليا، أو الجهات المسؤولة.
في ثورات تاريخية سياسية تولي اللواء التاسع عشر، الذي يقوده عبدالكريم قاسم، مهمة تأمين ظهر القوات الزاحفة إلى بغداد، واعتقال اللواء غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة.
عدم إخبار القوات الزاحفة بما ستقوم به في بغداد من إعلان للثورة؛ لئلا يشتد الحماس عند الضباط والجنود، ومن ثم تصل أخبار ذلك إلى السلطات العليا.
إبلاغ الضباط الأحرار، الذين سيقومون بمهام التنفيذ في بغداد، وعدم إبلاغ أي ضباط آخرين؛ للمحافظة على السرية والمباغتة، ومنعاً لتسرب أخبار الثورة.
سير الأحداث
كان الزعيم أحمد حقي في مقدمة القوات الزاحفة، وعندما كان يسأل عن انتظام الوحدات في مسيرتها، أو عن سـبب تخلف البعض منها، كان العقيد عبدالسلام محمد عارف يختلق مختلف الأسباب لتبرير ذلك، ويطمئنه أن كل شيء يسير على ما يرام، وأمكن خداعه حتى وصل إلى الفالوجة. كما تولى الرائد قاسم أحمد الجنابي اعتقال اللواء الركن غازي الداغستاني، والسيطرة على مقر الفرقة الثالثة في بعقوبة.
وكان يجتمع آنذاك، في منزل الرائد عبدالستار عبداللطيف، ستة ضباط بانتظار بدء الحركة، وهم: الرائد جاسم العزاوي، والرائد إبراهيم التكريتي والرائد عبدالستار عبداللطيف، والرائد محمد مجيد، والرائد إبراهيم عباس اللامي”. وعندما أخطرهم مندوب عبدالسلام محمد عارف، انطلقوا في سيارتين خاصتين لملاقاة القوات الزاحفة على بعد خمسة عشر كيلو متراً من بغداد، فلحق ثلاثة منهم بهذه القوات، وتولى الباقون منهم مهمة الإرشاد عن المراكز الحيوية التي يجب الاستيلاء عليها.
فتفرقت هذه القوات إلى ثلاث مجموعات لاحتلال كل من قصر الرحاب، وبيت نوري السعيد، ودار الإذاعة، ومقر شرطة القوة السيارة، ودائرة البريد والبرق والهاتف، والجسور، ووزارة الدفاع، وبعض المراكز الحيوية الأخرى.
كان اللواء العشرون، الذي يقوده الزعيم أحمد حقي، مكوناً من ثلاثة أفواج، يقود الفوج الأول العقيد عبد اللطيف الدراجي، والفوج الثاني يقوده العقيد ياسين محمد رؤوف، الذي لم يكن من الضباط الأحرار، ويقود الفوج الثالث العقيد عبدالسلام محمد عارف. وقرر الضباط الأحرار اعتقال العقيد ياسين رؤوف، بعد أن عرض عليه عبدالسلام محمد عارف الاشتراك معهم إلاّ أنه رفض، ومن ثم بادر باعتقاله، وبسبب ذلك تأخرت الحركة بعض الوقت، وصدرت الأوامر إلى الوحدات الفرعية بالتحرك، كل حسب الهدف المحدد له من قبل، بعد أن وزعت عليها الذخائر.
السيطرة على معسكر الرشيد:
كانت خطة الاستيلاء على معسكر الرشيد في ثورات تاريخية سياسية،من أهم وأخطر خطط الثورة؛ لأن نجاح الثورة كان متوقفاً على نجاح السيطرة على هذا المعسكر؛ لأن الفريق الركن محمد رفيق عارف رئيس أركان الجيش كان من رجال النظام الملكي البارزين، فلو استطاع أن يفـلت من قبضة الضـباط الأحـرار، وأن يتصل بنوري السعيد لباءت الحركة بالفشل.
وكانت الخطة قد أوكلت مسؤولية الاستيلاء على هذا المعسكر إلى كلٍّ من الرائد جاسم العزاوي، والرائد عبدالستار عبداللطيف، والرائد إبراهيم التكريتي. وبدأ تنفيذ الخطة في الساعة الرابعة من صباح 14 يوليه 1958، بعد أن وصلت الإشارة المتفق عليها بالتنفيذ؛ وهي وصول بعض الدعم لهما (أفراد وعتاد) من العقيد عبداللطيف الدراجي قائد الفوج الأول، وعلى الفور تولى الرائد جاسم العزاوي ومن معه تطويق منزل رئيس أركان الجيش الفريق محمد رفيق عارف
بعد أن تمت السيطرة على الحرس المكلف بحمايته، وطُلب منه الاستسلام، فاستسلم دون مقاومة، ووضِع في سجن خُصص له من قبل. ثم توجه رجال الحركة نحو الباب الرئيسي للمعسكر لمنع دخول أي فرد، مهما كان منصبه أو رتبته، عدا الضباط الأحرار، وأمكن السيطرة عليه بوضع سيارة في مدخله وبعض الدبابات، كما ألقى الضباط الأحرار كلمة وطنية حماسية على الضباط والجنود الحاضرين أُعلن فيها قيام الثورة.
كما أُرسلت قوة مدرعة على الفور إلى مركز قوة الشرطة السيارة، فاستولت عليه دون أية مقاومة، ثم أُرسلت قوة أخرى إلى دار السفارة الأمريكية لحراستها، وحمايتها من غضب الجماهير، ولمنع لجوء نوري السعيد إليها.
الهجوم على قصر الرحاب
في ثورات تاريخية سياسية، بدأ الهجوم على قصر الرحاب في الساعة السادسة من صباح يوم 14 يوليه 1958، بعد أن صدرت الأوامر إلى الرائد منذر سليم من لواء المشاة العشرين بأن يتوجه، على رأس سريته، إلى القصر، حيث يقيم الملك وعبدالإله، ويسيطر عليه، ويحول دون فرارهما. ووصلت السرية، في التوقيت المحدد لها، بالقرب من القصر وحوله، في انتظار الهجوم عليه.
وفي حوالي السادسة والربع فُتحت النار باتجاه القصر، وأصابت الأعيرة النارية غرفة نوم عبدالإله في الطابق الأول، وحطمت زجاج النافذة. وذكر الملازم فالح حنظل، من ضباط الحرس الملكي خارج القصر، أنه كان هو الذي أخبر الحراسة الداخلية بأن وحدات من الجيش قد سيطرت على بغداد، وأن انقلاباً قد حدث.
أُصيب حرس الباب النظامي للقصر بالذهول، وهم يسمعون طلقات الرصاص تنهال عليهم، بينما كان عبدالإله في غرفة نومه، يكلم العقيد طه البامرني، آمر الحرس الملكي، مستفسراً عن الموقف، ويطلب منه أن يكسب أكبر وقت ممكن حتى يمكنه الاتصال بالقوات التي مازالت موالية.
في الوقت الذي ازدادت فيه مقاومة الحرس الملكي للمهاجمين، وصل بعض الضباط الأحرار إلى مدرسة المشاة القريبة من القصر، وانضم إليهم نحو 60 ضابط صف، وبعض الأسلحة والذخائر، كما تم نصب مدفع عيار 106مم، مضاد للدروع أمام القصر، واشتدت نيران المهاجمين للقصر، بينما توقف إطلاق النار من جانب الحرس الملكي. وعندئذ تقدم النقيب محمد علي سعيد، والنقيب حميد السراج، وعدد من ضباط الصف، ودخلوا حديقة القصر من بابه الجانبي، وفي غضون ذلك أطلق النقيب عبدالستار سبع العبوسي ثلاث قنابل عيار 106مم تجاه القصر، ولم تلبث ألسنة اللهب أن تصاعدت من الشرفة.
وعلى الفور أمر عبدالإله، أفراد الأسرة المالكة كافة بالنزول إلى أقبية القصر، وسراديبه، والاحتماء هناك. وأخبر العقيد البامرني، عبدالإله، بأن الهجوم قد ازداد، وأن أعداداً كبيرة من الجنود يشاركون في الهجوم، وأنه لم يتمكن من الوصول إلى أحد من الضباط المهاجمين لإقناعه بالتفاوض.
ومن ثم لم يعد لعبدالإله والملك بارقة أمل في السيطرة على الموقف، خاصة وأن العقيد طه البامرني آمر الحرس الملكي، انضم هو الآخر إلى الحركة، وأصدر أوامره إلى قوات الحرس بوجوب التسليم، وعلى الفور تم تسليم أفراد الحرس لأسلحتهم
. وخرجت العائلة المالكة، وخلفها يسير الملك وعبدالإله. وطلب الضباط الأحرار إليهم السير عبر حديقة القصر، والخروج من الباب الرئيسي لنقلهم إلى وزارة الدفاع بالسيارات العسكرية. وأثناء سيرهم في حديقة القصر، دخل النقيب عبدالستار سبع العبوسي من الباب الرئيسي، حاملاً رشاشه، فأطلق النيران على العائلة المالكة، ثم توالى إطلاق رصاص المهاجمين فسقط الملك، وعبدالإله، والملكة نفيسة، والدة الأمير عبدالإله، والأمـيرة عابدية، وجُرحت الأميرة هيام زوجة عبدالإله، ومعها خادمتها، كـما جُرح، من الضـباط الأحـرار، كلٌّ من النقيب حميد السراج، والنقيب مصطفى عبدالله. كما أصيب النقيب ثابت يونس بطلقة في رئته، وفارق الحياة.
أما سبب إطلاق النيران على العائلة المالكة، حسب رواية النقيب محمد علي سعيد، فهو ما قاله النقيب العبوسي: “بأنه تذكر حوادث حركة مايو 1941 التحررية، وما لاقاه الضباط الأحرار من إعدام وتنكيل، فأراد ألاّ تتكرر المأساة مرة أخرى، ويعود عبدالإله ليشنق ضباط الثورة”.
نُقلت جثث العائلة المالكة في سيارة تابعة للقصر، إذ توجهت إلى وزارة الدفاع، غير أن الجماهير الثائرة اعترضت السيارة، وسحبت منها جثة عبدالإله، ثم علقتها على بوابة وزارة الدفاع في شارع الرشيد، وفي المكان نفسه الذي أُعدم فيه أحد قادة ثورة 1941 ضمن ثورات تاريخية سياسية،، العقيد صلاح الدين الصباغ عام 1945. أما الأميرة هيام، قرينة عبدالإله، فقد نقلت إلى المستشفى الملكي (الجمهوري)، إذ تم إنقاذ حياتها.
كان رجال الثورة يقبضون على الوزراء، وكل من يشتبهون فيه، ويحشرونهم مقيدي الأيدي في سيارات، ومعهم الحراس مدججين بالسلاح إلى أن يصلوا بهم إلى منطقة “أبو غريب”، حيث مبنى المدرعات، ويحشرونهم في غرف ضيقة مغلقة النوافذ، في شدة حر يوليه، ويحرمون عليهم الشرب، أو الخروج لدورات المياه. وقد تسبب ذلك في موت البعض، وعلى رأسهم معاون مدير أمن بغداد العام “نائل”، ثم أسرعت قيادة الثورة بعد ذلك بتشكيل محكمة أسمتها محكمة “الشعب”، وهي محكمة عسكرية مقرها وزارة الدفاع، يتولاها مدع عام يسمى المهداوي، كانت تحكم بالإعدام شنقاً بالجملة على العشرات.
هروب نوري السعيد
عُهد إلى الرائد بهجت سعيد صباح يوم 14 يوليه 1958 في تاريخ ثورات تاريخية سياسية، بالتوجه بسريته إلى بيت نوري السعيد واعتقاله، ولحق به المقدم وصفي طاهر ليدله على البيت، إذ سبق أن عمل مرافقاً لنوري السعيد عدة سنوات. غير أن هـذه المهمة باءت بالفشل؛ لأن نوري السعيد كان قد فرّ هارباً بملابس النوم
وحمل مسدسه معه. استطاع أن يستقل قارباً متوجهاً إلى الرصافة، غير أنه عدّل عن وجهته، وذهب إلى منزل الدكتور صالح مهدي البصام، والذي لا يبعد كثيراً عن منزله. ومن هناك تم تهريبه بسيارة مرتضى البصام، شقيق صالح البصام، بعد أن وُضع في الصندوق الخلفي للسيارة، وتوجه به نحو الصالحية، ثم إلى الكاظمية، منزل الحاج محمود الاسترابادي صديق العائلة، وأمضى لدى عائلة الاسترابادي ليلة واحدة. وفي اليوم نفسه أصدرت حكومة الثورة بياناً تدعـو فـيه الشعب إلى إلقـاء القبض على نوري السعيد، حـيًّا أو ميتـًّا، ورصدت جائزة قدرها عشرة آلاف دينار لقاء ذلك.
وفي اليوم التالي في ثورات تاريخية سياسية، ، 15 يوليه، غادر نوري السعيد بيت الاسترابادي، متنكراً بعباءة نسائية، تصحبه زوجة الحاج محمود الاسترابادي وخادمتها، في حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، واستقلوا سيارة الاسترابادي التي كان يقودها مظـفر ابن الحاج محمود الاسترابادي، فأوصلهم إلى منزل هاشم جعفر، شقيق الوزير السابق الدكتور ضياء جعفر، غير أن ابن هاشم جعفر عندما علم بوجود نوري السعيد في المنزل، أسرع إلى وزارة الدفاع وقابل عبدالكريم قاسم، وأخبره بمكان وجود نوري السعيد، فأرسل على الفور مفرزة لاعتقال نوري السعيد، غير أن نوري السعيد عندما علم بخروج عمر ابن هاشم جعفر، ترك المنزل وتوجه، بصحبة زوجة محمود الاسترابادي والخادمة، إلى منزل صديقه محمد العريبي في منطقة البتاويين.
وعند استفساره لدى أحد المحلات عن المنزل، عرفه صاحب المحل وأخذ يصرخ: “نوري السعيد امسكوه”، وتجمهرت الجماهير حوله، فأخرج مسدسه، وأخذ يطلق النار يميناً ويساراً، ولكن الجماهير، بالاشتراك مع الجنود الموجودين في مكان الحادث، تبادلوا إطلاق النار معه؛ فسقط نوري السعيد قتيلاً.
ويقال إنه هو الذي أطلق الرصاص على نفسه، وقبل أن يموت أجهز عليه المقدم مصطفى طاهر بطلقات مدفعه الرشاش. ونُقلت جثته إلى وزارة الدفاع، حيث اطلع عليها عبدالكريم قاسم، وعدد من الوزراء، وقادة الفرق، وبقيت هناك إلى أن حل الظلام، وخلت الشوارع، فتم نقلها إلى مقبرة باب المعظم، حيث دفنت هناك. لكن بعض العناصر نبشوا القبر في اليوم التالي وأخرجوا الجثة، وسحلوها في شوارع بغداد، ثم أحرقوها.
احتلال الإذاعة وصدور البيان الأول للثورة
وصل العقيد الركن عبدالسلام محمد عارف إلى دار الإذاعة في الصالحية، واحتلها دون إطلاق رصاصة واحدة، واتخذ له مقراًّ مؤقتاً في مبنى جمعية الشبان المسلمين بجوار الإذاعة، ثم انتقل بعد ذلك إلى دار الإذاعة، وانتظر حتى الساعة السادسة صباحاً، موعد بدء البث، ليحضر الموظف المختص ويفتح الإذاعة. وأُذيع البيان الأول للثورة مباشرة عدة مرات، ثم مراسم تأليف مجلس السيادة، ومجلس الوزراء. وكانت البيانات هذه قد أعدها مسبقاً عبدالكريم قاسم بالاتفاق مع العقيد عبدالسلام محمد عارف، والعقيد عبداللطيف الدراجي. “البيان الأول للثورة”، (انظر ملحق البيـان الأول للثورة) ضمن ثورات تاريخية سياسية
إيران.. التاريخ والثورة (الثورة الإيرانية من وجهة النظر الإيرانية)
الثورة الإسلامية في إيران وتطوراتها
لعل من أهم القضايا في ثورات تاريخية سياسية هي الثورة الايرانية خيث العوامل التي أعطت للثورة الإسلامية في إيران أهمية كبيرة على هذا النحو هو الأسلوب الذي قامت به والنجاح الذي حققته في إنهاء عهد الملكية الطويل في إيران وإقامة أول جمهورية إسلامية في تاريخها، وكذلك الفكر الذي وجهها والمسلك الذي اتبعته والذي أثار حولها الكثير من الجدل وجلب لها عدداً من الأصدقاء
كما جلب عليها الكثير من الأعداء، يضاف إلى ذلك كله موقع إيران وأهميته الاستراتيجية والإسلامية واهتمام القوى الكبرى به، مع وجود النفط ـ الذي هو عصب الحياة والتقدم في الغرب والشرق ـ في أرضها.
فإذا كانت كافة القوى الإيرانية من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار قد شاركت في صنع الثورة، وإذا كانت كافة الاتجاهات السياسية الإيرانية من ليبرالية وعلمانية واشتراكية وشيوعية ودينية قد اتفقت على هدف واحد هو الإطاحة بالشاه ونظامه الحاكم إلا أن هذا لا يمنع من النظر إلى هذه الثورة من خلال بعدين أساسيين، البعد الأول هو قيام الدولة الصفوية في إيران فهي التي أحدثت تلك التغييرات الجذرية في الحضارة الإيرانية فكراً وعملاً.
وهي التي أحلت المذهب الشيعي الاثنى عشري كمذهب رسمي محل المذهب السني وجعلته المنطلق الوحيد للبناء الحضاري فيها، واستلهام الخلفية التاريخية للمذهب الشيعي في التفكير والتصرف حيث أعلنت الثورة عن اتخاذ نفس المسلك في محاولة لإحياء ذلك الفكر بكل أبعاده واتجاهاته ومنطقه في الحكم وبناء الحضارة.
أما البعد الثاني فهو أزمة تأميم البترول في إيران منذ 1951 م وما صاحبها من أحداث وخاصة أحداث 15 خرداد وضرب علماء الدين فإن وضع إيران في تلك الفترة داخلياً وخارجياً هو الذي وجه فكر الشاه ودفعه للمضي في الطريق الذي قاده إلى هذه النهاية على أن هذا البعد الثاني كان في حد ذاته مقدمة لأحداث الثورة الأخيرة، فرغم ما ساد إيران من هدوء واستقرار خلال الأعوام التي تلت أحداث تأميم البترول إلا أنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، فإذا كان البعد الأول يمثل منطلقاً معنوياً للفكر الثوري فإن البعد الثاني يمثل بداية حقيقية لأحداث أدت إلى انهيار النظام الملكي الحاكم وقيام الثورة الإسلامية ضمن ثورات تاريخية سياسية
إذا كان علماء الدين قد نجحوا في الوصول إلى زعامة الثورة وقيادة النظام الذي انبثق عنها بحيث أصبح آية الله روح الله الخميني زعيماً للثورة والنظام فقد اقتسمت القوى الكبرى المشاركة في الثورة السلطة في إيران بحيث صارت المؤسسات التشريعية والقضائية تحت سيطرة علماء الدين، والمؤسسات التنفيذية بمختلف أجهزتها من نصيب المثقفين الإسلاميين والليبراليين التكنوقراط، وصارت المؤسسات الإعلامية والصحفية لليبراليين واليساريين، أما المؤسسات العسكرية والأمنية فصارت تحت سيطرة الحرس الثوري بمساعدة الطلاب والعمال، وقد وزعت وزارات الحكومة المؤقتة على الزعماء السياسيين بمختلف اتجاهاتهم.
وقد اتضح من سير الأحداث ضمن ثورات تاريخية سياسية بعد ذلك أن الحكومة لم تكن مؤقتة فقط بل كانت شكلية فرغم أن هذه الحكومة قد ضمت معظم الشخصيات السياسية والدينية التي تزعمت أحداث الثورة وأنها قد تشكلت تحت رعاية الزعيم الخميني ورغم أن رئيسها المهندس مهدي بازركان قد شمر عن ساعد الجد للعمل من أجل استقرار الأوضاع وإعادة البلاد إلى حالتها الطبيعية واستكمال مسيرة الثورة وفق الأهداف التي أعلنتها إلا أن كل وزير في حكومته كان يعمل من أجل تمكين جماعته السياسية من النفوذ إلى الوظائف الهامة في الدولة، كما اتضح أن السلطة الحقيقية كانت بيد مجلس الثورة الذي لم يحل مع تشكيل هذه الحكومة وظل يمارس سلطاته مع وجودها ويستمد سلطته من الخميني ويعاونه حراس الثورة الإسلامية.
كان “بازركان” يؤكد أن الثورة تواجه معظم مشكلاتها في الداخل وان جزءاً من حلها في يد الحكومة وأكثر الأجزاء في يد الشعب، لم يكن “بازركان” مع المحاكمات السريعة لموظفي النظام الملكي لأن هذا يسيء إلى سمعة الثورة الإسلامية، وكان يدرك أن الثورة ما نجحت إلا باتحاد وتضامن كافة الجماهير بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية وأن على هذا الاتحاد أن يبقى حتى تستمر الثورة
وأن الثورة لم تنتصر بعد انتصاراً كاملاً بحيث يجلس من شاركوا في قيامها لاقتسام الغنائم، وقد شبه الثورة بالمسجد في بنائه حيث صممه شخص وقام بالعمل فيه بصفة أشخاص، وتبرع له هذا بمائة تومان وتبرع ذاك بعشرة آلاف، والجميع يعتبرون أنفسهم مالكين له وشركاء فيه في حين أن المسجد لا مالك له إلا الله.
ابتكر “بازركان” في حكومته وزارة جديدة سماها وزارة الدولة للتخطيط الثوري، وجعل عمل هذه الوزارة هو الإعداد المعقول والمحكوم والمنظم والصحيح للحكومة الواقعية المستقبلية للثورة عن طريق تلقي اقتراحات وآراء ونظريات كافة الأحزاب والمنظمات الثورية والقيام بتقنينها بواسطة لجان تشكل من مندوبين عن الأحزاب المختلفة وتتعاون في إطار المجلس الأعلى للتخطيط الثوري بكل إخلاص وبعيداً عن الرياء والادعاءات. إلا أن هذه الوزارة لم توفق في القيام بالمسؤولية التي ألقيت على عاتقها ولم تتلق من المواطنين أكثر من شكاوي إدارية أو قضائية.
ترك “بازر كان” موقعه في السلطة التنفيذية واستقال ليرشح نفسه في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي إزاء عدم اتفاقه مع علماء الدين من زعماء الثورة حول مفهوم الحرية والديمقراطية، ولم يحبذ الخميني الصدام بين علماء الدين ورجال السياسة والفنيين من زعماء الثورة وكان يرى ضرورة التعاون بينهم، وقد أكد هذا في أول رسالة وجهها إلى أول مجلس للشورى في إيران بعد الثورة ضمن ثورات تاريخية سياسية
كان الخميني يحبذ أن تظل الحكومة في يد الفنيين ممن لهم اتجاهات إسلامية لذلك فإنه عندما رأى عدم إمكان تحقيق تقدم في ظل حكومة بازركان لم يفقد الأمل واختار شخصية فنية أخرى هي الدكتور أبو الحسن بني صدر المستشار الاقتصادي للحكومة المؤقتة وعضو لجنة الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، ورشحه لتولي منصب رئاسة الجمهورية وسانده حتى نجح في الانتخابات وصار أول رئيس للجمهورية الإسلامية، وقد التقى فكر بني صدر مع الخميني في التخلص من التبعية الاقتصادية.
وقد زاد من ارتباط الخميني ببني صدر تلك الحلول التي طرحها في كتابه “قواعد الحكم الإسلامي وضوابطه” والتي حاول تطبيقها بعد توليه رئاسة الجمهورية، حيث كان يرى أن أفكار بني صدر العملية وسيلة لتحقيق فكرته وتطبيق نظرية ولاية الفقيه وأن أفكار بني صدر العملية مرحلة لا بد منها، لكن بني صدر عندما أصبح على قمة السلطة التنفيذية سعى إلى تأكيد الخطوات التي توصله إلى النتيجة التي يرتضيها وليس إلى تطبيق ولاية الفقيه.
جاءت نتيجة الاستفتاء على نظام الجمهورية الإسلامية بالأغلبية القريبة من الإجماع 98.2 % ورغم أن الاستفتاء لم يطرح نظماً أخرى بديلة إلا أنه لم ترتفع أصوات بالمطالبة بشكل آخر أو بنظام آخر، فكانت الموافقة على نظام الجمهورية رغبة شعبية في تغيير نظام الحكم الملكي الشاهنشاهي الذي ارتبط في أذهانهم بالقهر والظلم.
جرت عملية انتخاب أول رئيس للجمهورية الإسلامية في 25/ 1 / 1980 م، وقد خلت قائمة المرشحين من أسماء كبار علماء الدين، وكان أبرز المرشحين من الليبراليين والمثقفين الإسلاميين والعسكريين، وقد ساعد الحماس للثورة على المشاركة الكبيرة للجماهير في هذه الانتخابات، وكان نجاح “بني صدر” نتيجة لدعم علماء الدين له.
جرت أول انتخابات تشريعية في 15 / 3/ 1980 م لاختيار أعضاء أول مجلس للشورى وقد بدأ المجلس أعماله في 25 / 5/ 1980 م وحضر الخميني بنفسه الجلسة الافتتاحية وألقى كلمة أكد فيها على أن المجلس هو مركز كل القوانين والسلطات، وطالب بالتعاون بين المجلس والحكومة وأن لا يحاول أحدهما إضعاف الآخر.
استطاع علماء الدين أن يسيطروا على أغلبية مقاعد مجلس الشورى الإسلامي وإزاء ليبرالية رئيس الجمهورية واتجاه علماء الدين المحافظ فقد وقع الصدام منذ البداية بين رئيس الجمهورية والمجلس ابتداء من اختيار رئيس للوزراء حيث نجح علماء الدين في فرض “محمد علي رجائي” ليكون رئيساً للوزراء على غير رغبة “بني صدر”، وكان من الطبيعي أن يحدث انشقاق داخل السلطة التنفيذية وأن يكون رئيس الجمهورية في واد ورئيس الحكومة ومعه مجلس الشورى الإسلامي في واد آخر
كان الخميني يحاول تهدئة الأمور ويطالب الطرفين بالتعاون، لكن ذلك لم يمنع تصاعد الصراع، وقد نجح علماء الدين في أن يجمعوا الأسباب التي تؤدي إلى عزل بني صدر فاتهموه بالتردد في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية، وعدم الكفاءة في إدارة شؤون البلاد، والإسراف، ودعم القوى المعارضة للنظام الإسلامي، وعرضوا على مجلس الشورى الإسلامي اقتراحاً بسحب الثقة منه كرئيس للجمهورية، ووافق المجلس على الاقتراح بالأغلبية في 21 / 6/ 1981 م وصدق الخميني على القرار في 22 / 6/ 1981م في ثورات تاريخية سياسية
الدستور الإيراني
كان الدستور هو أول وثيقة رسمية معلنة صدرت من جانب النظام حول شكل الحكم وقام بصياغته كبار فقهاء النظام ومجلس الخبراء الذي تم انتخابه في 3 / 7/ 1979 م وانتهى من مناقشته وعرضه على مجلس الشورى الإسلامي، ثم عرض على مجلس الرقابة على القوانين، ثم أقره الفقهاء المراجع واعتمده الزعيم الخميني، وطرح للاستفتاء العام في 1 / 12/ 1979م (‘تم تصديق مجلس الشورى الإسلامي عليه في 3/12/1979م).
ويتكون الدستور من اثنا عشر فصلاً تضم مائة وخمساً وسبعين مادة وقد تضمنت المواد: الثانية والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والسابعة بعد المائة والتاسعة بعد المائة المباني الفقهية للنظام، وتتلخص في أن نظام الجمهورية الإسلامية يقوم على أساس الإيمان بالله الواحد فالحكم له والتشريع به والتسليم لأمره ثم الوحي الإلهي ودوره الأساسي في بيان القوانين
ثم المعاد ودوره الفعال في مسيرة تكامل الإنسان نحو الله، ثم العدل الإلهي في الخلق والتشريع، ثم الإمامة والزعامة العالية للإنسان وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله، عن طريق الاجتهاد المستمر للفقهاء جامعي الشروط على أساس القرآن وسنة الأئمة، والاستفادة من العلوم والفنون والتجارب الإنسانية الراقية ومحاولة تطويرها، ونفي أي نوع من التسلط والظلم والسيطرة، فضلاً عن إثبات العدل والقسط والاستقلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتضامن الوطني، والعمل بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كواجب اجتماعي من أجل أن يتحقق تطابق الأقوال بالأفعال حسب العقيدة.
ومن الواضح أن الدستور الإيراني قد أخذ كثيراً من مبانيه الفقهية عن نظرية ولاية الفقيه التي تجعل الإمامة والزعامة محور الحكم المسلمين أي الاعتقاد بحق الحكم للإمام علي بن أبي طالب بعد الرسول عليه السلام وتدرج الإمامة في اثنا عشر إماماً من نسله، ثم تأتي الزعامة في فترة غيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر، وتكون الزعامة للفقيه العادل المتقي العالم بالزمان الشجاع المدير المدبر الذي يعرفه أكثر الناس ويعترفون بزعامته ومن أهم الشروط المتوفرة فيه شرطي الصلاحية العلمية والعدل فضلاً عن التقوى اللازمة للإفتاء والبصيرة السياسية والاجتماعية والشجاعة والكفاءة والقدرة.
وقد أصبح الخميني أول زعيم ولي فقيه بحكم الدستور، وقد فشلت تجربة تعيين نائب للزعيم، وقد تولى مجلس الخبراء بعد ذلك مهمة تعيين زعيم جديد بعد وفاة الخميني وهو آية الله سيد علي خامنه أي الزعيم الحالي.
نظرية ولاية الفقيه
نظرية ولاية الفقيه نظرية شيعية قلباً وقالباً، بل إنها على وجه الدقة شيعية إيرانية لأنها تعتمد اعتماداً رئيسياً في معطياتها ومحاورها على فقه المذهب الشيعي الاثنى عشري وتستلهم روحها ومبادئها من المجتمع الإيراني وتجد لها امتداداً وعمقاً في الفكر الإيراني على مر العصور، إن التجربة الإيرانية في الحكم الديني، أو ربط الحكم السياسي بالعقيدة الدينية تضرب في القدم وتتحرك عبر العصور، فالشخصية الإيرانية تعتقد في مبدأ التفويض الإلهي للحاكم وأدت إلى اتحاد النظرة لمقام الملك بين الحاكم والشعب، لذلك فنظرية ولاية الفقيه ليست جديدة على الفكر الشيعي والفكر الإيراني عموماً فقد ورد الحديث عنها في كتب الفقه في عصور مختلفة، وقد اعترف الخميني مطبق النظرية الحديثة لولاية الفقيه بهذا الأمر، مؤكداً أنه قد بلور هذه النظرية وزودها بالأفكار المعاصرة فاكتسبت أبعاداً جديدة.
محاور النظرية
ثبات حق الفقيه في الحكم عند الشيعة سواء من خلال الأدلة القرآنية، أو أدلة من الأحاديث النبوية، أو أدلة من أحاديث أئمة الشيعة، أو أدلة من روايات الشيعة.
طبيعة ولاية الفقيه باعتبارها ولاية إلهية اعتبارية وليست تكوينية، فالولاية التكوينية أي بالتعيين من قبل الله ورسوله هي لأئمة الشيعة فقط، أما الولاية الاعتبارية فهي للعلماء العدول، وهي تختلف عن الولاية التكوينية من حيث مقام الولي ولكنها مثلها من ناحية الصلاحيات السياسية والإدارية والتنظيمية والتنفيذية.
شكل الحكومة الإسلامية المخالف للنظم الموجودة في العالم فهي ليست ملكية أو استبدادية أو مطلقة بل مشروطة، وهي ليست نيابية بالمعنى المتعارف عليه بل بمعنى التقيد بأحكام الإسلام وقوانينه، فهي حكومة قانون إلهي على الناس.
مزايا ولاية الفقيه على غيره باعتباره مكلفاً من قبل الله وله مواصفات خاصة من عقل وتدبير فضلاً عن الصفات العامة من العلم والعدالة.
معطيات النظرية
الإسلام دين متميز سواء من ناحية أنه دين جهاد وكفاح أو من ناحية أنه دين شامل في جوانبه الدينية والدنيوية.
تباين الصورة التي تعرض للإسلام مع حقيقة الإسلام نتيجة لعدم الفهم والخطأ في التصور مما جعل الإسلام الحقيقي غريباً بين الناس.
الإسلام أبطل نظام الملكية وولاية العهد باعتبار أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب قد جاهد ضد الملكية وولاية العهد واستشهد من أجل منع إقراره.
ضرورة وجود حكومة إسلامية سواء من خلال مبررات اجتماع سقيفة بني ساعده أو من خلال ماهية أحكام الشرع التي توصل لوضع تشريعات لتكوين دولة وإدارة سياسية واقتصادية وثقافية للمجتمع وتتضمن قوانين متنوعة تصنع نظاماً اجتماعياً كلياً، فضلاً عن الدقة في ماهية وكيفية أحكام الشرع التي تجعل من الضروري تشكيل حكومة لتنفيذها والعمل بها.
ضرورة وحدة العالم الإسلامي وهذه الوحدة لا يمكن أن تقوم إلا من خلال حكومة إسلامية.
هامش النظرية
النقطة الأولى تتركز حول عدم الأخذ بنظام ولاية الفقيه فيما سبق لسببين أساسيين هما: الأوضاع الاجتماعية للمسلمين عموماً، وحالة المجامع العلمية الدينية خصوصاً ومحاصرة النهضة الإسلامية من جانب اليهود والاستعمار.
النقطة الثانية تتعلق بأهمية الإعلام الإسلامي من أجل خلق نسق فكري يمكنه الصمود أمام مراكز الدعاية المضادة للإسلام.
النقطة الثالثة تدور حول ارتباط الولاية بالعمامة والعباءة باعتبار أن الواجبات التي على فقهاء الإسلام ليست على غيرهم.
النقطة الرابعة تتركز على دور القضاء في حكومة الفقيه الذي يجعل من يتولى منصب القضاء يكون من نفس صنف الوالي أي من الفقهاء.
النقطة الخامسة تؤكد على أن ولاية الفقيه تمهد لحكومة إمام الزمان التي ستكون تتويجاً لكل الجهود الشيعية في إقامة حكومة إسلامية تنفذ الأحكام الإلهية.
ملاحظات عامة على نظرية ولاية الفقيه
إن نظرية ولاية الفقيه موضع اختلاف بين علماء الشيعة في العالم.
لم يكن للخميني نظرية محددة قبل وضع كتابه الحكومة الإسلامية وتركزت معارضته للسلطة الحاكمة حول ضرورة تعديل قانون الإصلاح الزراعي، معارضة تحرير المرأة حسب الأسلوب المتبع في الغرب، معارضة التحالف مع الصهيونية وقطع العلاقات مع إسرائيل، وقد استكمل جوانب النظرية خلال فترة نفيه.
اهتمت النظرية بالجانب العملي والنظري في واقع المجتمع الإيراني المعاصر وظروفه السياسية مما خلق كثيراً من الثغرات في الجانب النظري والتناقض بينه وبين الفكر العملي، خاصة في شكل الحكومة فخشيته من شكل حكومة الإمارة ومن تأثير الوراثة في الإمام على نظام تتابع الحكام في الدولة الإسلامية جعل شكل الحكومة مبهماً إلى حد كبير، كما أن النظام الجمهوري الإسلامي الذي اختاره لم يكن مطروحاً في أصول النظرية.
عدم إمكانية تطبيق هذه النظرية في بلدان العالم الإسلامي لعدة أسباب أهمها:
أ. النظرية تقوم على الفقه الشيعي الذي يتعارض في كثير من مبادئه وأحكامه مع فقه أهل السنة.
ب. اهتمام النظرية بالجانب العملي يفرض أسلوباً معيناً في تطبيقها لا يتناسب في جزئياته أو في بعض كلياته مع ظروف المجتمعات الإسلامية.
ج. تعويل النظرية على ظروف المجتمع الإيراني قبل الثورة في صياغة جوانب كثيرة من هذه النظرية جعلها تفتقد شمولية النظرة إلى أحوال المسلمين عامة.
د. محاولة دمج النظرية لفكرة الثورة مع فكرة ولاية الفقيه مع ما بين هاتين الفكرتين من تناقض، لأن فكر الثورة في اتجاه الخروج على الواقع والتمرد على التقليد، وفكر ولاية الفقيه في اتجاه الدخول إلى التسليم والطاعة للمرجع الديني.
هـ. انغلاق النظرية على فكرة الإمامة الشيعية جعل إقامتها لا تتسع باتساع الفكر الإسلامي العام، كما جعلها لا تتجاوب مع النظريات الإسلامية حول شكل الحكومة الإسلامية.
إن نظام ولاية الفقيه مع احترامه لمبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والرقابة الشعبية على عملها من خلال الاستفتاء والانتخابات والصحافة إلا أنه يعتبر ذلك غير كاف لتحقيق أهداف الحكومة الإسلامية، ويرى من الضروري أن يساعدها ميكانيزم ذاتي وعناصر إيمانية من التقوى والعدالة، ومن ثم يكون من الضروري قيادة السلطات الثلاث من خلال زعامة فقيه عادل عالم مدبر فطن، ومن هنا فإن موقع الحكومة والسلطة التنفيذية في نظام ولاية الفقيه يتحدد من خلال نشاطها في خدمة النظام وولائها للولي الفقيه رغم أن مقبوليتها لدى الناس تأتي من خلال الانتخاب الحر المباشر لرئيس الجمهورية وتعيين ومنح الثقة للوزراء بالتنسيق بين رئيس الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي، وهذا ما يفرق بين هذا النظام وسائر النظم الديمقراطية أو الشعبية.
نجح “محمد علي رجائي” بدعم من علماء الدين في أن يتولى رئاسة الجمهورية في ثاني انتخابات للرئاسة بعد عزل “بني صدر” وقد اختار “رجائي” ثاني رئيس للجمهورية الإسلامية أحد علماء الدين ليكون رئيساً للوزراء وهو حجة الإسلام والمسلمين “محمد جواد باهنر”، إلا أن منظمة مجاهدي خلق ـ المعارضة لعلماء الدين والمؤيدة لبني صدر ـ قامت بتفجير مقر رئاسة الوزراء في 30 / 8/ 1981 م وكان كل من “رجائي” رئيس الجمهورية و”باهنر” رئيس الوزراء متواجدين فيه مما أدى إلى مصرعها في 30 / 8/ 1981 م.
اضطر النظام إلى إجراء الانتخابات للمرة الثالثة لاختيار رئيس جديد للجمهورية الإسلامية، وقد تقدم أحد علماء الدين هذه المرة لترشيح نفسه لهذا المنصب في سابقه هي الأولى من نوعها في تاريخ إيران هو حجة الإسلام والمسلمين “سيد علي خامنه أي”، وقد استطاع أن يفوز في هذه الانتخابات نتيجة دعم علماء الدين له فأصبح أول رئيس للجمهورية الإيرانية من علماء الدين في 2 / 10/ 1981م وقد اختار “خامنه اى” أحد الخبراء وهو المهندس “مير حسين موسوي” رئيساً للوزراء، وقد نجح رئيس الجمهورية في إكمال مدته القانونية لأول مرة كما نجحت حكومته في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية واسترداد جزء كبير من الأراضي الإيرانية التي احتلتها القوات العراقية خلال عهد “بني صدر”.
الحرب العراقية ـ الإيرانية
لقد كان قادة الثورة والنظام الحاكم يدركون أن المبادئ التي وضعوها والأفكار التي يروجون لها سوف تصطدم عاجلاً أم عاجلاً مع النظم التقليدية الموجودة في المنطقة فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، لذلك فإن مجلس قيادة الثورة لم يحل نفسه فور تشكيل الحكومة وظل هو الحاكم الحقيقي لإيران حتى نشوب الحرب العراقية الإيرانية، كما قام بإنشاء أجهزة ثورية ظلت تابعة لقيادة النظام حتى انتهاء الحرب، ولكن النظام لم يتوقع أن تصل المواجهات التي قد تحدث بينه وبين النظم الأخرى والولايات المتحدة إلى درجة الحرب الشاملة حيث كان يفترض أن تظل في شكل مناوشات أو حرب إعلامية أو تحرشات سياسية، كما لم يكن يتوقع أن تقوم حرب بينه وبين دولة جارة بهذه السرعة وقبل أن يتمكن من تثبيت إدارة الثورة للبلاد.
ذكرت المصادر الإيرانية أن عدداً من الاشتباكات المحدودة قد وقع بين القوات العراقية وقوات الجندرمة الإيرانية في أماكن متفرقة غرب البلاد قامت على أثرها الطائرات العراقية بقصف هذه المواقع في شهر حزداد 1358 هـ.ش (يونيو 1979 م)، وأن العراق أعلنت أن هذا القصف نتيجة خطأ في التقديرات، ومن ثم فقد اجتمعت لجنة عسكرية إيرانية عراقية مشتركة لبحث الآثار الناجمة عن هذا القصف في شهر مهر 1358 هـ. ش (أكتوبر 1979 م) ضمن ثورات تاريخية سياسية
قامت إيران باستدعاء سفيرها في بغداد في شهر فروردين 1359 هـ. ش (أبريل 1980 م) وفي 27 شهر يور 1359 هـ. ش (17 / 9/ 1980 م) أعلن الرئيس العراقي صدام حسين أن اتفاقية الجزائر 1975 م التي تقسم الحدود بين الدولتين في شط العرب قد أصبحت حبراً على ورق وأن جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى جزر عربية ينبغي أن تعود للسيادة العربية وأن على إيران أن تخرج منها.
وعلى الفور عقد مجلس الشورى الإسلامي في إيران اجتماعاً طارئاً وسرياً حضره رئيس الوزراء نتج عنه قطع العلاقات السياسية مع العراق وإعلان حالة الطوارئ.
إذا كانت الحرب أحد المصائب قد وقعت على رأس القيادة العسكرية فقد وقع أشد منها على رأس القيادة السياسية في نفس السنة خلال حادثين رهيبين، حيث تمكنت منظمة مجاهدي خلق في السابع من شهر تير بتفجير مقر حزب الجمهورية الإسلامية مما أدى إلى مقتل آية الله بهشتي أمين الحزب ومنظر الثورة واثنين وسبعين آخرين من قيادات الثورة معظمهم من علماء الدين وبينهم بعض المسؤولين في السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية
أما الحادث الآخر فقد تحدثنا عنه من قبل حيث تمكنت منظمة مجاهدي خلق أيضاً من تفجير مقر مجلس الوزراء وقد قتل في هذا الحادث رئيس الجمهورية الذي انتخب بدلاً من بني صدر وهو علي رجائي وكذلك رئيس وزرائه محمد جواد باهنر وعدد من الوزراء والمسؤولين التنفيذيين. وقد استطاعت القيادة الإيرانية التماسك بعد هذا الحادث وقررت بعد أقل من شهر أن تقوم بعمليات عسكرية تحت اسم “ثامن الأئمة” في منطقة شرق نهر كارون يقودها رحيم صفوي قائد القوات البرية وجيش حراس الثورة بمساعدة الفرقة “77 خراسان” من أجل فك حصار مدينة عبدان.ضمن ثورات تاريخية سياسية
كان قرار الخميني بالتعبئة العامة من أهم القرارات التي اتخذت لمعالجة قضية الحرب التي يسميها الإيرانيون بالحرب “التحميلية” أو الحرب المفروضة، لأن التعبئة العامة إضافة إلى أهميتها لجبهات القتال والظروف الأمنية داخل البلاد، والإعداد لموجات هجومية من أجل استرداد الأراضي التي احتلتها الجيوش العراقية فقد اتخذت معنى جديداً يستهدف بقاء النظام واستمراره وأسلوباً لسياسة حكمه في المستقبل. فقد وجد النظام في التعبئة العامة أسلوباً مناسباً لحل مشاكله في عدة قطاعات دفعة واحدة وتحقيق منجزات عسكرية وسياسية، تمثلت في الأفكار التالية:
مواجهة القصور العسكري في التسليح والتنظيم والتخطيط بفكرة الدفع الذاتي للأمواج البشرية المتلاحمة بمساعدة الحماس الديني والمذهبي والوطني وبهدف رفع الروح المعنوية لآلة الحرب الإيرانية مما يؤثر سلباً على العدو.
خلق عنصر المنافسة بين الفئات المختلفة من القبائل والطوائف والمحافظات والتي تنتمي إلى عروق شتى من فرس وترك وبلوش وتركمان وغيرها، وذلك من خلال نظام الوحدات المتطوعة المتكاملة سواء في التسليح أو العتاد أو الفنيين أو القادة أو الموجهين الدينيين من نسيج واحد وأبناء محافظة واحدة أو عشيرة واحدة استكمالاً لنظرية الدفع الذاتي التي تعتمدها قيادة التعبئة العامة.
مواجهة القصور الاقتصادي ومعالجته عن طريق تفريغ مواقع الطلب على السلع الغذائية والضرورية، وسد المجال أمام طلبات الاستيراد لغير السلع الاستراتيجية في تلك المرحلة، ووقف المطالبة بتوفير مستلزمات الحياة المستقرة.
الاستحواذ على القوى البشرية المؤثرة في المجتمع لخدمة أهداف النظام الحاكم، وسد السبيل على الجماعات السياسية المعارضة في الاستفادة من هذه القوى لصالحها في خلق توتر أو القيام بأعمال إرهابية ضاغطة، فضلاً عن إخلاء الساحة للجان الثورية من أجل تعقب أعداء النظام.
شغل العراق ودول الخليج والدول الكبرى بتحليل حركة التعبئة العامة عن القيام بمبادرات أو أعمال تزيد الضغط الواقع على النظام الإيراني خلال هذه المرحلة.
لقد نظمت عملية التعبئة العامة من خلال مشروع تجنيدي تحت اسم “لبيك يا خميني” عينت له قيادة خاصة برئاسة حجة الإسلام والمسلمين محمد علي رحماني تكون تابعة لجيش حراس الثورة الإسلامية، وقد استهدف المشروع حسب قرار الخميني إنشاء جيش قوامه عشرين مليون متطوع، وقد نجحت القيادة في المرحلة الأولى في إنشاء جيش من القوات الشعبية المدربة تحت اسم “فتح 1” في أقل من عامين، ألحق به جيش آخر تحت اسم “فتح 2” أرسل إلى الجبهات في الثاني عشر من شهر فروردين 1363 هـ. ش (1 / 4/ 1984). وقد وصف سيد علي خامنه أي هذا الجيش بقوله: “لقد كان المحور الحقيقي لهذا الجيش منذ بداية تنظيمه هو التشكيلات الشعبية والتنظيمات الجماهيرية، لذلك فجيش التعبية ليس منظمة شكلت لمراقبة الجماهير بل إن التعبئة هي الجماهيرية التي نظمت لمراقبة الثورة، إن التعبئة هي بمعنى الحضور المنظم القوي للجماهير في ساحات الثورة الإسلامية والسيطرة على الأوضاع ومواجهة معارضي الثورة، ولذلك فإني أؤكد على أهمية العمل العقائدي في جيش التعبئة وأن تظل المساجد هي قواعد التعبئة الأساسية ومن خلالها تنمو التعبئة، وينبغي أن يشعر الأخوة الذين يخدمون في جيش التعبئة أنهم يخدمون في ركاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
أدى النجاح الذي حققه “سيد علي خامنه أي” في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية وكفاءته في تحويل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد حرب، وقدرة رئيس وزرائه “مير حسين موسوي” على إدارة شؤون البلاد، إلى إعادة الكرة وترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة بعد انتهاء مدته القانونية.
أسفرت نتائج فرز أصوات الناخبين عن فوز “خامنه أي” بأغلبية ساحقة حيث لم يكن منافساه “حبيب الله أصغر أولادي” و”محمود مصطفوي كاشاني” رغم ماضيهما المشرق في الكفاح الثوري بقادرين على هزيمته في هذه الانتخابات.
اختار “خامنه أي” في فترة ولايته الثانية “مير حسين موسوي” مرة أخرى ليكون رئيساً للوزراء ليكملا معاً المسيرة، وتعتبر حكومة “مير حسين موسوي” أول حكومة تمثلت فيها أبعاد حكومة الولي الفقيه سواء بسبب استقرار السلطة التنفيذية في يد أحد علماء الدين، وسواء بسبب السيطرة الكاملة التي حققها علماء الدين على السلطتين التشريعية والقضائية، وكان اختيار شخصية متجاوبة من الفنيين كرئيس للوزراء استكمالاً لدائرة ولاية الفقيه، حيث كان موسوي حريصاً على اختيار وزراء يمثلون نفس التوجه بالتشاور مع رئيس الجمهورية وكان معظمهم من الفنيين، فكان منهم أحد عشر مهندساً وخمسة أطباء واثنين من رجال الاقتصاد واثنين من رجال التعليم أي عشرين وزيراً من بين الستة والعشرين الذين قدمهم ثم ثلاثة يحملون لقب حجة الإسلام وتاجر واحد واثنين من العسكريين أحدهما من الجيش والثاني من حراس الثورة الإسلامية.
استطاع حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني أن يحتكر رئاسة السلطة التشريعية ثلاث دورات برلمانية متتالية دون معارضة حيث انتخب في الدورة الثالثة رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي دون صوت معارض واحد. وقد أبدى تعاوناً ملحوظاً مع زميله “خامنه أي” وحكومته في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، فقد استطاعا ترجمة رغبات الخميني وتعليماته فيما يتعلق بشكل وأسلوب ومضمون وأهداف الحرب إلى واقع عملي، وقد تركزت جهود هذين الرجلين في هذه المرحلة حول ربط الحرب بالدين وما يستتبع ذلك من تطوير للقيادة العسكرية والعمليات والتعبئة والدعم المادي واقتصاديات المجتمع وفوق ذلك كله المفهوم السياسي والعقائدي للحرب
فقد تولى “سيد علي خامنه أي” فضلاً عن كونه رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للدفاع، كما عين الخميني هاشمي رفسنجاني ممثلاً له في هذا المجلس فضلاً عن كونه رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي، ومشرفاً سياسياً على جيش حراس الثورة الإسلامية، وكان لتولي محسن رضائي قيادة جيش الحراس أثره الكبير في التفاهم والانسجام بين القيادات العسكرية والقيادات السياسية لأنها تمثل رفقة كفاح طويل قبل قيام الثورة وبعد استقرار النظام.
بعد عدد من العمليات العسكرية الناجحة التي قامت بها إيران ضد القوات العراقية استعادت خلالها معظم الأراضي الإيرانية المحتلة حاولت القوات الإيرانية التوغل داخل الأراضي العراقية وتصعيد الحرب إلا أن القوات العراقية ردتها وألحقت بها خسائر كبيرة، عبّر عنها المجلس الأعلى لدعم الحرب في تقريره الذي تضمن عشر نقاط لمواجهة متطلبات الحرب، وقد وافق الخميني على هذه النقاط مطالباً المجلس والمتخصصين في الشؤون العسكرية أن يحددوا الضرورات ويعملوا لها وأن لا يقصروا.
كشفت النقاط العشر التي تضمنها تقرير المجلس الأعلى لدعم الحرب عن افتقاد الآلة العسكرية الإيرانية للقوات الكافية وللأسلحة والمعدات اللازمة وللإمكانات المادية التي تساعد على استمرار الحرب، حيث أنه لم يمضي أكثر من ستة أشهر على تقرير المجلس الأعلى لدعم الحرب حتى أدرك الخميني فشل هذا المجلس في تحقيق الهدف المنشود، مما جعله يختار شخصاً واحداً يلقى إليه بكل مسؤوليات الحرب، ويمنحه كافة الصلاحيات التي تمكنه من القيام بهذه المسؤوليات، وكان هذا الرجل هو هاشمي رفسنجاني، فأصدر قرار بتعيينه نائباً للقائد العام لكل القوى في 2 / 6/ 1988م.
جاء في قرار التعيين تكليف رفسنجاني بالمهام التالية:
إنشاء قيادة عامة لكل القوات لتحقيق الوحدة الشاملة بينها.
التنسيق الكامل بين الجيش والحراس والتعبئة وقوات الأمن في كافة مجالات الدفاع عن الإسلام المقدس، وأن على كافة الإدارات والمؤسسات والأجهزة التابعة لها أن تنتظم وتبدي قبولها ودعمها للتنسيق الكامل مع القوات المسلحة.
مركزة الصناعات العسكرية في قاعدة إسلامية مقدسة تتبع لها كل الكادرات الفنية والصناعية والعسكرية والهندسية وكافة الإمكانات تحقيقاً لأهداف القيادة العامة.
العمل على تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الإمكانات المادية والمعنوية والموارد العامة للمعسكرات في إعداد وتنظيم المؤسسات الضرورية.
مركزة الشؤون المعنوية والثقافية والدعوة للقوات المسلحة في جميع المجالات.
التنفيذ الحاسم والصحيح لقرارات المحاكم العسكرية والأمنية وتعقب المخالفين في كل شأن.
الاستفادة الصحيحة من المساعدات الشعبية في كافة المجالات.
وأن على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وضع كافة إمكاناتها في سد احتياجات الحرب، وأن على شعب إيران والقوات المسلحة والنظامية والأمنية التحلي بالصبر الثوري والثبات والاستقامة في مواجهة مؤامرات الاستكبار العالمي، وليكونوا على يقين من أن النصر من نصيب الصابرين.
وقد جاء في تعليق للإذاعة الإيرانية (طهران بالفارسية) على هذا القرار أن هاشمي رفسنجاني قد أصبح بذلك مسؤولاً مسؤولية كاملة عن الحرب، عملياتها ونتائجها وله السلطة الكاملة في قرارها وتوجيهها، والاستفادة من كافة الإمكانات الرسمية والشعبية لخدمة هذا المجال.
والواقع أن هذا القرار قد كشف عن الخلل الموجود في القيادة العسكرية كما دل على وجود صراع بين القادة والمسؤولين الإيرانيين خاصة فيما يتعلق بمحاولة إلقاء تبعة تردي القوات المسلحة وهزائمها الأخيرة وطردها من شرق “البصرة” و “الفاو” و “جزر مجنون” و “شلامجة”، ويتضح هذا من الكلمة التي ألقاها آية الله حسين علي منتظري في أسر الشهداء بمناسبة ذكرى “الخامس عشر من خرداد” حيث قال: “إنني أريد من السيد/ هاشمي (رفسنجاني) أن يأخذ أمر الإمام (الخميني) بجدية كاملة، والابتعاد عن الشكليات والشعارات، والقيام بتخطيط صحيح، والاستفادة من الأفراد الأكفاء أصحاب الخبرة، وإدماج الأجهزة المتشابهة، وإنشاء قيادة حاسمة بجدية كاملة، وأن يعطي السيد/ هاشمي لنفسه وقتاً كافياً لتنفيذ أوامر الإمام، وحشد كافة القوات العسكرية والإمكانيات الشعبية لتحقيقه.
وقد أعلن رفسنجاني في خطبة الجمعة التالية للقرار تعيينه نفسه حاكماً عسكرياً في البلاد، فكان موقفه أشبه بانقلاب سلمي على الحكومة، حيث يقول في هذه الخطبة: “نظراً لاشتداد الحرب واشتراك الاستكبار العالمي والقوى الرجعية فيها لنصرة “صدام حسين” فقد عهد إلى الإمام بأن أكون نائبه كقائد عام لكل القوى فأعمل على تنظيم الشؤون الإدارية والعمليات، وأحقق التنسيق اللازم بين كل القوات من الجيش والحراس والتعبئة وكذلك القوات غير النظامية وقوات الأمن والجندرمة، وأن أعمل على تمركز الأمور في القوات المسلحة وعدم ضياع الإمكانيات هباء، وحسب قرار الإمام فإنه سيتم الاستفادة أيضاً من الإمكانات غير العسكرية لخدمة القطاعات العسكرية، وأن على القوات المسلحة العمل على تحقيق هذه المركزية سريعاً وعدم التخلف عن تنفيذ أمر الإمام”.
وقد ألقى رفسنجاني اللوم على الجيش في هزائم “الفاو” و “شلامجة” و “حلبجة” ثم قام بعزل رئيس القيادة المشتركة للجيش وتعيين العميد علي شهبازي خلفاً له. كذلك أشار “سيد علي خامنه أي” في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الجامع بطهران بعد صدور قرار الخميني بثلاثة أسابيع إلى فشل الجهاز العسكري في المحافظة على الانتصارات، وقال: “إن انسحاب قواتنا من “الفاو” و “شلامجة” ليس مسألة صدفة، ولكنه نتيجة محاولات ومؤامرات السنتين الأخيرتين من جانب الاستكبار العالمي، ولكنني أعلن بشكل حاسم أنه حتى لو أعطيت عدة أضعاف هذه المساعدات لنظام صدام فإن هذا النظام لن يستطيع أن يقاوم قواتنا، لقد أمضينا أربع مراحل من الحرب ونحن الآن في المرحلة الخامسة، وهي مرحلة توجيه ضربة إلى النظام الصهيوني العراقي والقوى الاستكبارية الحامية لهذا النظام… إن ما ترونه في الجبهة الآن، أي انسحاب قواتنا من “الفاو” و “شلامجة” و “جزر مجنون” ليس مسألة صدفة، إنني لا أدعي أننا لم نضيع شيئاً، أو أنه ليست لدينا نقاط ضعف، ولكن هذا الضعف ليس نتيجة تقصير وإنما أدت إليه مجموعة من المشاكل والمفاسد التي ينبغي القضاء عليها”.
وهكذا انتهت المرحلة الرابعة من مراحل القتال، ولم تكن المرحلة الخامسة التي أشار إليها “خامنه أي” في خطبته سوى محاولة لرفع الروح المعنوية لأن الأمور كانت في يد “رفسنجاني” الذي لم يشر إلى استمرار القتال من قريب أو بعيد، بل إنه أخذ يدرس الأوضاع ولم يكد يمضي أكثر من شهر ونصف على توليه الأمور حتى أخذ يمهد لقبول إيران قرار مجلس الأمن.
إذا كان الخميني قد حاول وقف التدهور العسكري على جبهات القتال بإعلان توحيد قيادات القوات المسلحة النظامية وشبه النظامية من حراس وجيش وجندرمة وأمن ولجان ثورية واختار هاشمي رفسنجاني الرجل القوي في النظام لكي يتولى القيادة العامة لكل القوى نيابة عنه إلا أن تدهور الأوضاع الداخلية وتداعي قدرة القوات العسكرية على الجبهات كان يحتاج إلى أكثر من معجزة. وكان رفسنجاني نفسه يدرك ذلك، ويبدو هذا من خطبه وتصريحاته التي كانت تشير إلى إعادة التفكير في قضية الحرب والبحث عن وسائل بديلة تخرج إيران منها دون أن تخدش كبرياء الثورة، ولا شك أنه أعاد قراءة ودراسة قرار مجلس الأمن رقم 598، وربما وجد فيه بعض الجوانب الإيجابية، حيث صرح في إحدى خطبه بقوله: “رغم أنه يوجد في قرار مجلس أمن المنظمة الدولية نقاط إيجابية حيث أدان العراق بطريقة غير مباشرة إلا أنه مع الأسف لم يعرف المعتدي والمجرم بصورة علنية ومباشرة تحت ضغط وتأثير الدول التي لها حق النقض (الفيتو) وباقي الدول الاستكبارية في مجلس الأمن”.
ويبدو أن تصريحات “رفسنجاني” في هذا الصدد قد لقيت أصداء إيجابية لدى الجماهير الإيرانية المنهكة، وقوى المعارضة الداخلية، والجناح المعتدل من علماء الدين، مما جعل رفسنجاني يواصل محاولات إقناع الرأي العام الإيراني والمسؤولين الإيرانيين بشكل غير مباشر برأيه في معقولية قرار مجلس الأمن حيث أخذ يدلي بالأحاديث الصحفية والإذاعية التليفزيونية التي يتضح فيها رأيه، ولعل حديثه الذي أدلى به في 23 / 7/ 1987 م إلى مندوبي جريدة إطلاعات والذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات ودار معظمه حول هذا الموضوع وركز فيه على النقاط الإيجابية في قرار مجلس الأمن يؤكد هذا الاتجاه.
وقف الحرب وبداية مرحلة جديدة
في ثورات تاريخية سياسية أدت الدراسة التي قام بها رفسنجاني عندما تولى مسؤولية الحرب باعتباره نائب القائد العام لكل القوى إلى أن إيران لا تستطيع الاستمرار في الحرب، فانتهز فرصة قيام القوات الأمريكية المتواجدة في مياه الخليج بإسقاط طائرة ركاب إيرانية ومصرع 295 راكباً، وأقنع الخميني بضرورة قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 ووقف إطلاق النار حفاظاً على بقاء النظام على أساس أن أمريكا تحاول جر إيران إلى حرب لا تحمد عقباها.
وقد قبل الخميني رأي رفسنجاني وطلب منه أن يصوغ إعلاناً بهذا المعنى، فعقد رفسنجاني مؤتمراً صحفياً أعلن فيه قبول إيران قرار مجلس الأمن وقبول وقف إطلاق النار قال فيه: “لقد وصلنا آخر الأمر إلى قرار تاريخي هام يتعلق بالحرب، وهو قرار إمام الأمة بقبول وقف إطلاق النار الذي يفتح فصلاً جديداً في تاريخ أمتنا، لقد اتخذ هذا القرار من خلال اجتماع كبير دعوت إليه باعتباري مسؤولاً عسكرياً وسياسياً جميع القيادات السياسية والعسكرية في البلاد، ودرسنا معاً في هذا الاجتماع أمس الأوضاع الراهنة وحددنا المسائل ورأينا أن أول خطوة ينبغي أن تتخذ في هذه الظروف هي قبول قرار مجلس الأمن
كما استوضحنا رأي الإمام بشكل تفصيلي فيما يتعلق بهذه الخطوة، وكان رأيه واضحاً، وسوف يدرك شعبنا المحروم يقيناً أن هذه الخطوة كانت لصالح الإسلام والشعب.. لقد أدركنا ـ حسب معلوماتنا الخاصة ودراساتنا ـ أن الاستكبار العالمي قد حشد كل قواه من أجل منعنا من تحقيق انتصار سريع ومن أجل استمرار إلحاق الخسائر بنا وبشعب العراق، ونتيجة لهذا فقد رأينا أنه ليس من المصلحة في الوقت الحاضر أن نستمر في هذا الموضوع خاصة وأن حضرة الإمام (الخميني) قد رأى في توتر الخليج وإسقاط طائرة ركاب إيرانية بها 295 راكباً مؤشراً على المخطط الاستكباري
كذلك القسوة غير العادية التي يمارسها صدام داخل بلده وخاصة القتل الذي يجري في العراق والذي يشجعه الاستكبار والذي يعطي نظام العراق بلا حد ولا حساب ولم يسبق له مثيل إمكانات الحرب التي رأيناها، كل هذه الظروف والأدلة التي تجمعت لنا نصل إلى أن مصلحة الثورة وشعب إيران وشعب العراق والمنطقة تقضي بأن نقبل القرار، وقد أمر حضرة الإمام (الخميني) أن نتبع مصلحة الإسلام.. لقد فكرنا في أن قبولنا قرار مجلس الأمن لن يفقدنا شيئاً بل يعطينا شيئاً، من المؤسف أن دعايات الاستكبار العالمي المشعل للحرب قد صورتنا في صورة طلاب حرب
ورغم أن صداماً هو المعتدي وهو الناقض لكل قوانين الحرب فقد صوره على أنه هو الذي قبل قرار مجلس الأمن وأنه مستعد للعمل بحكم المجتمع الدولي، وهذه الصورة تعجب العامة، ولكننا أثبتنا الآن أننا يمكن أن نتوقف عند نقطة معينة في هذا الأمر، ويمكن أن نكون جادين عندما نرى جدية الأطراف الأخرى في تحقيق هذه المسألة.. إننا ما زلنا نعتقد في ضرورة معاقبة المعتدي وحصولنا على حقوقنا، ولكننا تجاوزنا فقط عن شرط أن تشكل لجنة تحديد المعتدي قبل وقف إطلاق النار عندما أكدوا لنا أن تشكيل هذه اللجنة سوف يكون بشكل واقعي وحقيقي.
إن برامجنا لن تتغير وأهدافنا ثابتة ولكن كيفية وشكل جهادنا سوف يتغير تبعاً للأسلوب الذي نرى تناسبه مع المستقبل، وهذا ليس متعلقاً بقبولنا قرار مجلس الأمن.. إننا سوف نستمر في كل شيء ما عدا الحرب، فإذا تم وقف إطلاق النار فلن تكون هناك معارك على الجبهات، ولكن الأوامر التي أصدرها الإمام (الخميني) حول التنسيق بين الجيش والحراس وإلغاء الأجهزة والأدوات المكررة وحشد إمكانات الدولة لخدمة القوات المسلحة وكذلك التعليم الفني لمدة أطول وبصورة أفضل، ومؤسسات دعم الجبهات كلها سوف تستمر، وكذلك تعبئة الجماهير للخدمة في الجبهة ولو لم تكن هناك معارك، حيث تكون التعبئة من أجل احتياطي جهادنا المقدس، إن قرار وقف إطلاق النار يستند إلى الحجة والأسباب وفتوى الإمام”.
وقد انتهز الخميني فرصة حلول موعد فريضة الحج ووجه رسالة إلى شعب إيران ومسلمي العالم تناول فيها قضية الحرب وقبول إيران قرار مجلس الأمن رقم 598، قال فيها: “لقد أثبت شعب إيران أنه يستطيع أن يتحمل الجوع والعطش ولكنه لن يقبل أن تنهزم الثورة أو تضرب المبادئ التي تقوم عليها، إن الخميني يفتح صدره اليوم لكل الصواريخ والأسلحة والدعايات التي توجه ضده شأنه شأن كل المناضلين والشهداء، إن حربنا حرب عقيدة ولا تعترف بالتراجع أو الموت، وينبغي أن نحشد في حربنا العقائدية كل جنود الإسلام، وسوف يعوض شعبنا إن شاء الله كل التضحيات المادية والمعنوية بحلاوة هزيمة الاستكبار.. إن شعبنا شعب مظلوم وليس داعية حرب ولكنه يدافع عن وجود الإسلام.. أما فيما يتعلق بقبول قرار مجلس الأمن فإنها مسألة مريرة جداً وغير مريحة للجميع ولكن مصلحة الثورة والإسلام تقتضي ذلك رغم أننا ما زلنا نعتقد في كل ما أكدناه حول هذه الحرب، ولقد وافقت على قبول وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن بعد هذه الأحداث الأليمة وبالنظر إلى تقرير الخبراء السياسيين والعسكريين الذين أثق في التزامهم وإيمانهم وصدقهم تجاه الإسلام والثورة، ويعلم الله أننا وضعنا عزتنا واعتبارنا قرباناً في سبيل مصلحة الإسلام والمسلمين وإلا ما كنت رضيت عن هذا العمل، ولن أضن بنفسي على الاستشهاد في سبيلها.. اليوم يوم امتحان إلهي فلا تدعوا الثورة تقع في يد غير الأخلاقيين أو دعاة الهزيمة والردة، وينبغي أن نضع مخططاً من أجل تحقيق أهداف ومصالح شعب إيران المحروم، ويجب أن نكون على صلة بأحرار العالم والمسلمين، وأن تكون حماية المناضلين والمكافحين ضمن أهداف سياستنا الخارجية.. إن ما أدى إلى هذا القرار في الظروف الراهنة قدر إلهي، وقد عقدت معكم ميثاقاً بأن أحارب حتى آخر نقطة دم وحتى آخر نفس، ولكن قبولي لقرار مجلس الأمن اليوم إنما كان لتحقيق المصلحة المشتركة، وفقط بأمل رحمة اله ورضاه فعلت ما رأيته صواباً، وإن كنت قد تنازلت عن عزتي فإن هذا عهد مني لله.. إنني أعلم أن الاستشهاد أسهل عليكم من إحساسكم بالضعف ولكن ألا يجدر هذا بخادمكم أيضاً؟! ولكننا نتحمل لأن الله مع الصابرين”.
أدرك الخميني ضرورة القيام بتغييرات في النظام وسياساته بحيث تتلاءم مع ظروف وقف الحرب، وقد تمثلت أولى محاولات التغيير في إلغاء قراره السابق بمنح حق التعزير الشرعي والقانوني والإجرائي للحكومة الصادر في 7 /12 / 1987 م وأصدر قراراً جديداً بتشكيل مجمع تحديد مصلحة النظام (مجمع تشخيص مصلحت نظام) برئاسة “سيد علي خامنه اي” رئيس الجمهورية في 9 / 9/ 1988 م، ومنح في هذا القرار حق التعزير للفقهاء جامعي الشروط في حين أعطى مجمع تحديد المصلحة الحق في التنفيذ أو عدم التنفيذ.
كذلك رأى الخميني تعديل أوضاع المؤسسات الثورية مثل مؤسسة المستضعفين، ومؤسسة الخامس عشر من خرداد، ومؤسسة الشهيد، ومؤسسة معوقي الحرب ومؤسسة مساعدات الإمام، فأصدر قرار بتكليف مير حسين موسوي رئيس الوزراء بدمج هذه المؤسسات وإنشاء مؤسسات جديدة تلبي احتياجات الجماهير في مرحلة ما بعد الحرب.
امتدت رياح التغير إلى الممارسة السياسية حيث اضطر علي أكبر محتشمي وزير الداخلية إلى إعلان موافقة الوزارة على السماح للأحزاب السياسية في إيران بممارسة نشاطها السياسي وفقاً للضوابط واللوائح والقوانين التي أقرها مجلس الشورى الإسلامي.
شمل التغيير أيضاً تنظيمات علماء الدين حيث أمر الخميني بإنشاء “المجلس الأعلى لهيئة الدعوة الإسلامية” وعين آية الله جنتي رئيساً له.
وافق الخميني على الطلب الذي تقدم به مائة وثمانية وعشرون عضواً في مجلس الشورى الإسلامي بتعديل الدستور وشكل لجنة لمراجعة الدستور واقتراح التعديلات اللازمة، وتتكون من “سيد علي خامنه اي” رئيساً وعضوية حجج الإسلام” طاهري خرم آبادي، هاشمي رفسنجاني، مؤمن، أميني، مير حسين موسوي، حسن حبيبي، موسوي أردبيلي، موسوي خوئينيها، محمد كيلاني، خزعلي، محمد يزدي، إمامي كاشاني، أحمد جنتي، مهدوي كني، آذر قمي، توسلي محلاتي، مهدي كروبي، عبدالله نوري، وخمس ممثلين لمجلس الشورى هم: حسن هاشميان، عميد زنجاني، أسد الله بيات، نجفقلي حبيبي، سيد هادي خامنه اي، وحدد القرار مدة شهرين لعمل اللجنة، كما حدد إطار المسائل موضوع البحث وهي: الزعامة، المركزية في السلطات الثلاث، عدد أعضاء مجلس الشورى وتغيير تسميته، عمل مجمع تحديد المصلحة المشتركة، فضلاً عن أسلوب إعادة النظر في الدستور.
وبدأت لجنة تعديل الدستور عملها فشكلت أربع لجان فرعية لتتولى كل منها بحث عدد من المسائل لكن وفاة الخميني أوقفت عمل اللجنة بشكل مؤقت.
وفاة الخميني
توفي الخميني في 3 / 6/ 1989 م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين بعد عملية جراحية لوقف نزيف في جهازه الهضمي قبل أحد عشر يوماً من وفاته، وكان آية الله العظمى روح الله بن مصطفى أحمد الموسوي الخميني قد ولد في مدينة خمين بالمنطقة الوسطى من إيران سنة 1901 م، وكان أبوه قد قتل ضحية خلاف بين بعض أمراء الأسرة الحاكمة في إيران في العصر القاجاري ولم يكن روح الله قد تجاوز ستة أشهر من عمره، وأتم الخميني دراسته الأساسية في سن التاسعة عشرة ثم ذهب إلى “أراك” حيث تتلمذ على يد كل من آية الله محسن أراكي وآية الله عبدالكريم حائري
ثم ذهب إلى قم سنة 1921 م، وهناك ساعد في إنشاء مركز الدراسات والبحث العلمي الديني والمذهبي، وقد تزوج سنة 1927 م وأنجب ثلاث بنات وولدين هما مصطفى وأحمد، وقد توفي مصطفى على أثر حادث غامض في العراق سنة 1977 م، وقد حصل الخميني على درجة الاجتهاد في قم في الفلسفة وأسس الفقه الإسلامي، وكان من أوائل كتبه “كشف الأسرار” الذي أفتى فيه بعدم طاعة الحاكم الدكتاتور، كما هاجم فيه علماء السلطان، وله كتاب العلوم الإسلامية (إلهيات إسلامي) في أحد عشر مجلداً معظمها باللغة العربية حاول أن يقنن فيه الأيديولوجية الإسلامية ومعرفة الله، وقد اعتقل الخميني في يونيو سنة 1963 م
ثم أفرج عنه وحددت إقامته بمنزله ثمانية أشهر، ثم نفي إلى تركيا ثم إلى العراق، حرض على مظاهرات قم الدامية ثم على مظاهرات تبريز التي انتهت بمذبحة، وفي خريف سنة 1978 م غادر العراق إلى باريس وشكل هناك مجلساً لقيادة الثورة ضد نظام الشاه، وظل هناك حتى عاد إلى طهران في أول فبراير سنة 1979 م ومن هناك أعلن نجاح الثورة الإسلامية في 11 / 2/ 1979م.
ومع الإعلان عن وفاة الخميني أعلن الحداد الرسمي لمدة أربعين يوماً وتعطيل الدوائر الرسمية في إيران لمدة أسبوع وقد عقد مجلس الخبراء برئاسة آية الله مشكيني اجتماعاً طارئاً في 4 / 6/ 1989 م اختار خلاله سيد علي خامنه اي للزعامة بأغلبية ثلثي الأصوات خلفاً للخميني.
الزعيم “خامنه اي”
ولد “آية الله سيد علي خامنه اي” في مشهد سنة 1939 م وينحدر من أسرة متدينة من السادة “أصحاب العمائم السوداء” وقد درس العلوم الدينية في الحوزة العلمية بمدينة مشهد، ثم انتقل إلى الحوزة العلمية، في قم لاستكمال دراسته، ثم ذهب إلى النجف بالعراق ليتابع دراسته بحوزتها العلمية، ثم عاد إلى قم مرة أخرى ليتتلمذ الفقه والسياسة والثورة على يد الخميني، شارك في الكفاح السياسي ضد الشاه ونظامه الحاكم مما أدى إلى اعتقاله وسجنه ست مرات بين سنوات 64 ـ 1978 م، كان عضواً في أول مجلس لقيادة الثورة الإسلامية بزعامة الخميني، عين “خامنه اي” نائباً لوزير الدفاع سنة 1979 م في أول حكومة بعد الثورة ضمن ثورات تاريخية سياسية
ثم ممثلاً للخميني في المجلس الأعلى للدفاع، أصبح إماماً للجمعة في طهران منذ يناير سنة 1980 م، تعرض لمحاولة اغتيال في 27 / 6/ 1981 م مما أدى إلى حدوث شلل في ذراعه الأيمن، أصبح ثالث رئيس جمهورية في أكتوبر سنة 1981م. تعرض لمحاولة اغتيال أخرى أثناء إلقاء خطبة الجمعة في المسجد الجامع بطهران في مارس سنة 1985 م عندما فجرت منظمة مجاهدي خلق قنبلة في المسجد بالقرب من المنبر ولكنه لم يصب بأذى وأكمل خطبته، كما أن “خامنه اي” أديب واسع الثقافة ومجتهد متمرس يجيد اللغة العربية إجادة تامة، له آراء فقهية عديدة وألف العديد من الكتب منها:
مستقبل الإسلام، التصدي للثورة الغربية، دور المسلمين في حركة تحرير الهند، وله دراسات فقهية في الاقتصاد الإسلامي والعدالة الاجتماعية والأخلاق الإسلامية.
إعادة ترتيب الأوراق
كانت الخطوة الأولى التي تمت في إعادة توزيع السلطة وترتيب الأوراق هي استقرار خامنه اي في منصب الزعامة الذي تحددت سلطاته، وكانت الخطوة الثانية هي استقرار الدستور بعد تعديله بما يتناسب مع الوضع الجديد، وكانت الخطوة الثالثة هي توزيع المسؤوليات والحقائب وتمثلت في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية فضلاً عن مجمع تحديد مصلحة النظام.
وقد تزامنت عملية انتخابات رئاسة الجمهورية التي خلت بتعيين خامنه اي زعيماً مع عملية الاستفتاء على الدستور بعد تعديله وأدت النتيجة إلى فوز هاشمي رفسنجاني بمعقد رئاسة الجمهورية بأغلبية ساحقة 94.5% وإقرار الدستور المعدل.
وقد تنحى سيد علي خامنه اي عن رئاسة الجمهورية قبل موعد انتهاء مدته القانونية وآثر أن يبدأ رفسنجاني مهمته مبكراً فتسلم منصبه في 17/8/1989 م، وفي نفس اليوم انتخب مهدي كروبي رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي بدلاً منه وانتخب حسين هاشميان نائباً لرئيس المجلس وأسد الله بيات نائباً ثانياً، وفي نفس اليوم أيضاً عين آية الله خامنه أي آية الله محمد يزدي رئيساً للسلطة القضائية.
تعديل الدستور وموقف الولي الفقيه
استكملت لجنة تعديل الدستور واللجان المنبثقة عنها أعمالها بعد أن كانت قد تلقت آلاف الاقتراحات، وقد بلغ مجموع جلسات اللجنة إحدى وأربعين جلسة توصلت خلالها إلى عدد من القرارات بشأن تعديل عدد من مواد الدستور، وكان أهم قراراتها هو:
مركزة إدارة السلطة التنفيذية والمسؤوليات الناجمة عنها في يد رئيس الجمهورية مما يعني إلغاء منصب رئيس الوزراء.
تعديل المادة 157 من الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية بحيث تتمركز إدارة السلطة القضائية في يد مجتهد عادل عالم بالشؤون القضائية مدير مدبر.
يكون الاسم الرسمي للمجلس التشريعي هو مجلس الشورى الإسلامي وأن يبقى عدد أعضائه كما هو (270 عضواً) على أن يضاف عضو واحد إلى المجلس عن كل مليون شخص زيادة في عدد سكان إيران كل عشر سنوات.
يكون قرار تعيين أو عزل المدير التنفيذي للإذاعة والتليفزيون لرئيس الجمهورية وإجماع آراء رؤساء السلطات الثلاث.
يكون لمجمع تحديد مصلحة النظام الحق في النظر في القوانين التي يرفضها مجلس الرقابة على القوانين إذا أصرت الحكومة عليها، وإقرارها أو رفضها حسب المصلحة العامة، فضلاً عن وظيفة المجمع كمستشار للزعيم والفصل في النزاع بين السلطات الثلاث وعرض أسلوب حل المشاكل على الزعيم لإقراره.
منح الحق لمجلس الشورى الإسلامي في مساءلة كل وزير على حده بطلب من عشرة أعضاء، وكذلك مساءلة رئيس الجمهورية بطلب من ثلث أعضاء المجلس، وحق النظر في سحب الثقة من رئيس الجمهورية بطلب من ثلثي أعضاء المجلس.
فيما يتعلق بولاية الفقيه فلم يمس التعديل المبدأ على إطلاقه وظلت للولي الفقيه كل الصلاحيات التي كانت له، وإن كان التعديل قد أكد على عدم اشتراط أن يكون الولي الفقيه مرجعاً من مراجع التقليد وإنما يكفي أن يكون مجتهداً، وأكد التعديل على الفرق بين حكم الولي واعتبره بحسب اجتهاده وتكون حجة عليه أمام المراجع ولا تكون ملزمة إلا لمقلديه، ويتولى مجلس الخبراء تعيين وعزل الزعيم وألغيت فكرة نائب الزعيم.
دلت قائمة الوزراء التي قدمها هاشمي رفسنجاني إلى مجلس الشورى الإسلامي بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء على رغبة النظام في التغيير والاتجاه إلى التعمير وإعادة البناء، كما دل نجاح الوزراء في الحصول على ثقة المجلس بأغلبية كبيرة على هذا الاتجاه، بحيث جاءت نتيجة الاقتراع على الثقة كما يلي:
246 موافقاً 10 معارضاً 4 ممتنعاً.
سيد محمد خاتمي وزير الثقافة والإرشاد القومي
1.
245 موافقاً 5 معارضاً 7 ممتنعاً.
بيزن نامدار نجنة وزير الطاقة
2.
242 موافقاً 10 معارضاً 9 ممتنعاً.
أكبر تركان وزير الدفاع ودعم القوات المسلحة
3.
231 موافقاً 18 معارضاً 10ممتنعاً.
غلا مرضا اقازاده وزير النفط
4.
227 موافقاً 16 معارضاً 6 ممتنعاً.
مصطفى معين وزير الثقافة والتعليم العالي
5.
224 موافقاً 18 معارضاً 16 ممتنعاً.
حسين كمالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية
6.
224 موافقاً 20 معارضاً 15 ممتنعاً.
عبدالله نوري وزير الداخلية
7.
222 موافقاً 21 معارضاً 9 ممتنعاً.
محمد سعيدي كيا وزير الطرق والنقل
8.
221 موافقاً 30 معارضاً 10 ممتنعاً.
غلا مرضا فروزش وزير جهاد التعمير
9.
218 موافقاً 26 معارضاً 11 ممتنعاً.
محمد هادي نزاد حسينيان وزير الصناعات الثقيلة
10.
217 موافقاً 28 معارضاً 12 ممتنعاً.
محمد رضا نعمت زاده وزير الصناعة
11.
213 موافقاً 35 معارضاً 10 ممتنعاً.
علي أكبر ولايتي وزير الخارجية
12.
209 موافقاً 30 معارضاً 18 ممتنعاً.
إسماعيل شوشتري وزير العدل
13.
203 موافقاً 16 معارضاً 11 ممتنعاً.
سيد محمد غرضي وزير البريد والبرق والهاتف
14.
195 موافقاً 43 معارضاً 19 ممتنعاً.
محسن نور بخش وزير الاقتصاد والمالية
15.
186 موافقاً 53 معارضاً 20 ممتنعاً.
عيسى كلانتري وزير الزراعة
16.
165 موافقاً 86 معارضاً 9 ممتنعاً.
ايرج فاضل وزير الصحة
17.
160موافقاً 86 معارضاً 12 ممتنعاً.
محمد علي نجفي وزير التربية والتعليم
18.
158 موافقاً 79 معارضاً 18 ممتنعاً.
علي فلاحيان وزير المعلومات
19.
150 موافقاً 85 معارضاً 23 ممتنعاً.
حسين محلوجي وزير التعدين
20.
147 موافقاً 93 معارضاً 18 ممتنعاً.
عبدالحسين وهاجي وزير التجارة
21.
145 موافقاً 97 معارضاً 14 ممتنعاً.
سراج الدين كازروني وزير الإسكان وبناء المدن
22.
إعادة البناء وتحويل إيران من الثورة إلى الدولة
لا شك أن محاولة الانتقال في إيران من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة مع المحافظة على روح الثورة في الأداء المنظم قد استتبعت كثيراً من التغييرات التي يمكن ملاحظتها بوضوح ـ في عملية إعادة البناء ومحو آثار الحرب ـ سواء على مستوى النخبة أو السلطة الحاكمة أو القوانين أو تعديل الاستراتيجية العامة وسياستها وحتى على مستوى الممارسات الفعلية في حركة النظام داخل إيران وخارجها.
لقد كان من الصعب مع وجود الزعيم الراحل آية الله الخميني الجزم بوجود صقور وحمائم داخل النخبة لأن النغمة العالية للثورة في كافة التوجهات والسياسات وما كان يزكيها من حرب مع العراق وظروف إقليمية ودولية غير مواتية وتبلور جبهة معادية واسعة ضد النظام الإيراني جعلت الأصوات المعتدلة تخفت، والأصوات المعارضة تغادر الساحة إلى الخارج أو تنزوي في الداخل، ولكن مع قبول إيران وقف الحرب، وبدء التغييرات الدستورية، ثم وفاة الخميني، وبدء التغييرات في الجهاز الحاكم
واستقرار ثنائية القيادة بين “خامنه اي” و”رفسنجاني” بدأ التمايز بين الصقور والحمائم في النظام، بل لقد أصبح للحمائم القدرة على إزاحة الصقور من مائدة اتخاذ القرار، فتضاءل عدد المتشددين وكثر عدد الفنيين لا على مستوى السلطة التنفيذية وحدها بل امتد إلى السلطتين التشريعية والقضائية، فقد جاءت نتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي في دورته الرابعة مؤيدة للتوجه الجديد، كما امتد التغير إلى السلطة القضائية فأقفلت محاكم الثورة فعلياً وتولى الحمائم مناصب المدعي العام والمفتش العام ورئاسة المحكمة العليا مما أدى إلى اتخاذ فلسفة جديدة للقضاء الإيراني.
وقد تقلص عدد علماء الدين في السلطة التنفيذية وانسحبوا إلى مواقع اختصاصهم الحقيقية في التشريع والقضاء.
وقد انعكس التغيير في النخبة على قوانين النظام وسياسته، حيث كانت أهداف السياسة الخارجية (مثلاً) في المرحلة الأولى تتضمن عدداً من النقاط التي تعبر عن تداخل الأهداف والمفاهيم بين الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، فمن المحافظة على استقلال إيران وسيادتها على أراضيها إلى تحرير مستضعفي العالم من سلطة المستكبرين، ومن إيجاد علاقات حسنة مع الآخرين إلى تصدير الثورة الإسلامية بكل الوسائل المتاحة
ومن تحقيق الأمن القومي الإيراني إلى مساعدة حركات التحرر في العالم،هذا التداخل الثوري في المفاهيم والأهداف جعل النظام الحاكم يضع نظرية الاستضعاف أساساً للسياسة الخارجية تطبيقاً لقاعدة التولي والتبري الفقهية مما كان له رد فعل سلبي على العلاقات الإيرانية مع دول العالم، حيث وضع النظام جيش حراس الثورة الإسلامية في خدمة السياسة الخارجية وتحقيق أهدافها في مجالي تصدير الثورة ومساعدة المستضعفين مما أدى إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول
لكن حدث تحول تدريجي في السياسة الخارجية تمثل في الانسحاب المنظم للأنشطة العنيفة خارج إيران خاصة من مراكز التوتر في العالم عامة والعالم الإسلامي خاصة، واصبح الدعم الذي تقدمه إيران للحركات الثورية والإسلامية يخضع لمراجعات كثيرة فانكمش بشكل حاد، كما قام الرئيس رفسنجاني بعملية فصل واضحة بين وزارة الخارجية وجيش حراس الثورة الإسلامية.
وقد بدأت التعديلات التي أدخلت على الدستور الدائم للجمهورية الإسلامية إلى دعم كبير للسلطة التنفيذية حيث أصبح رئيسها هو الشخصية الثانية الرسمية في البلاد مما أتاح لرفسنجاني أن يطلق يده في قيادة المؤسسة السياسية ورسم خططها لمدة ثماني سنوات هي فترة الدورتين اللتين يسمح بهما الدستور لرئيس الجمهورية
ويشير اختيار رفسنجاني لقائمة وزرائه إلى رغبة في تحويل مجلس الوزراء من حكومة سياسية للثورة إلى حكومة فنية متخصصة فرغم اختياره ثلاثة من علماء الدين من أعضاء مجلس الشورى لثلاث وزارات حساسة هي المعلومات والداخلية والعدل إلا أنه استبقى من الوزراء السابقين من أصبح ذا خبرة في مجال إدارته مثل “ولايتي” في الخارجية و”خاتمي” في الإرشاد الإسلامي و”غرضي” في الاتصالات و”سعيدي كياً” في الطرق والنقل و”كازروني” في الإسكان، و”اقازاده” في النفط.
ودل على تغيير السياسة الإيرانية إغماض العين إزاء نفوذ وتسلل رؤوس الأموال الأمريكية أو الشركات الاستثمارية في إيران رغم مواجهة الحكومة ضغوط كثيرة من المتشددين.
وفي إطار هذا التحول سارعت إيران إلى مد جسور اللقاء والتعاون مع عدد من الدول في أوروبا ومع الجمهوريات المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتي ودول أمريكا اللاتينية.
وتمثل الفترة الثانية من رئاسة رفسنجاني للجمهورية الإسلامية في إيران محصلة سياسات الفترة الأولى حيث احتفظ 13 وزيراً من بين 22 وزيراً بمواقعهم في الحكومة ودفع رفسنجاني بدماء جديدة لتطوير المسيرة المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي ووضع خطة خمسية ثانية تستكمل فيها مشروعات التعمير ويتم فيها دفع عجلة التطوير الاقتصادي من الانغلاق للانفتاح ضمن ثورات تاريخية سياسية
وقد حدد رفسنجاني مهام الحكومة في النقاط التالية:
وضع برنامج اقتصاد بدون نفط والقيام بأنشطة ومشروعات أساسية وعمرانية وإنتاجية وتفتيت مركزية النشاط الاقتصادي وتوزيعه على مختلف أنحاء البلاد.
وضع برامج اقتصادية من خلال نموذج الاقتصاد الإسلامي وفكره وأبعاده يتم خلالها التنسيق بين قضية إعادة البناء والإعمار وبين قيم الثورة ومصالح الجماهير.
الاهتمام بقضية الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي وفك التبعية الاقتصادية.
دلت أحداث المعركة الانتخابية التي دارت بين الاتجاهات المختلفة التي يتزعمها رموز النظام الحاكم في إيران من أجل صياغة مجلس نيابي جديد في دورته الخامسة أن رياح التغيير تواصل دفعها وأنه لا مفر للنظام من أن يهيئ نفسه لقبول التغيير من خلال إعادة صياغة هيكل النظام وسياساته وربما استراتيجيته حتى يضمن لنفسه البقاء والاستمرار في حكم إيران.
فإذا كانت العناصر المعتدلة والإصلاحية قد نجحت في الوصول إلى عضوية مجلس الشورى الإسلامي وكونت تكتلاً مؤثراً في مواجهة المحافظين المتشددين فإن الاتجاه لتعديل الدستور من أجل منح الرئيس هاشمي رفسنجاني فترة رئاسة ثالثة قد واجه اعتراضاً كبيراً في الأوساط السياسية مما أدى برفسنجاني نفسه إلى رفض هذا الاتجاه، لذلك أخذت الجماعات السياسية في اختيار مرشح جديد لرئاسة الجمهورية ووضع الشروط الواجب توافرها في هذا الرئيس.
وقد وضحت أهم ملامح التحول السياسي في إيران خلال الفترة الأخيرة ويمكن رصدها فيما يلي:
العودة للجمع بين الزعامة السياسية والمرجعية الدينية في شخص الزعيم آية الله “خامنه اي” ويدعم ذلك أن المراجع الباقين على قيد الحياة في مرحلة سنية وعلمية متقاربة مع “خامنه اي” وهو يفضلهم بالإنجازات التي حققها في تطوير وتحديث الحوزات الدينية وزيادة دخلها ومشروعاتها وزيادة عدد المقلدين فضلاً عن نضج الفتاوي التي يصدرها.
استقرار موقع آية الله هاشمي رفسنجاني كمساعد سياسي وتنفيذي ومستشار للزعيم ورئيس لمجمع تحديد مصلحة النظام، وقد دل قرار إعادة تنظيمه وتشكيله وتحديد السلطات الثلاث على الأهمية التي أعطيت للجهاز ورئيسه.
ارتباط السلطة التنفيذية بالشعب خاصة جيل الشباب بعد وصول شخصية مقبولة من علماء الدين لرئاسة الجمهورية لقي برنامجه الإصلاحي ترحيباً كبيراً بين الأوساط الشعبية خاصة وأن هذا الرئيس “خاتمي” وضع على عاتقه الحفاظ على سيادة القانون والدستور.
ضخ دماء جديدة في السلطة التنفيذية من الفنيين والشباب وإتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة في تحمل المسؤولية.
تشكيل المجالس المحلية من خلال الانتخاب الحر لتقوم بدورها في عملية البناء والمتابعة والرقابة.
توجيه الاقتصاد إلى الانفتاح والخصخصة وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص والتعاونيات.
تهيئة المجال لنشاط الجمعيات السياسية وظهور الأحزاب وحرية الرأي والنقد.