ساد الهدوء التام في وسائل الإعلام الدولية وفي تحاليل الخبراء العسكريين إزاء الاختبارات التي أجريت يوم الاثنين في العشرين من الشهر الجاري على صواريخ “أجني-4” البالستية الهندية. والقضية لا تكمن في أن هذه الصواريخ أقل شأناً من صواريخ “أجني-5” العابرة للقارات الذي تم اختبارها لأول مرة في شهر نيسان/أبريل لعام 2012. القضية تكمن في أن سباق التسلح في المحيط الهندي، على ما يبدو، وصل إلى مستوى لم تعد فيه اختبارات الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية تسبب حالة من القلق لدى الحلفاء والخصوم على حد سواء.
بعد الإطلاق الناجح لصواريخ “أجني- 4” من قاعدة الإطلاق في جزيرة ويلر قبالة ساحل ولاية أوريسا، أعلنت منظمة أبحاث الدفاع والتنمية أن هذا النوع من الصواريخ أصبح على استعداد للخدمة في القوات المسلحة. وبهذا يضاف إلى قدرة الهند الدفاعية صواريخ يصل مداها إلى 4000 كم، قادرة على حمل رؤوس حربية، بما في ذلك النووية، ويصل وزنها إلى طن واحد.
خلافاً لما كان عليه الحال في شهر نيسان/أبريل 2012 عندما أثارت وسائل إعلام عالمية ضجة كبيرة معلقة بذلك على أول اختبار لصاروخ هندي آخر من نوع “أجني-5″، في هذه المرة اكتفت وسائل الإعلام هذه بنشر تقارير إخبارية جافة. حتى أن وسائل الإعلام الباكستانية قامت فقط بإعادة نشر الأخبار التي أذيعت في الهند دون التعليق عليها نهائياً. وهنا يشير بوريس فولخونسكي الخبير في المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية قائلاً:
المشكلة ليست فقط في الخصائص الفنية والتعبوية لكلا الصاروخين. فعلى الرغم من أن “أجني-5” تتمتع بمدى أكبر، على الأقل بنحو 5 ألاف كيلو متر، مما يعني انضمام الهند إلى نادي الدول العظمى التي تمتلك صواريخ بالستية عابرة للقارات، فإنه وقبل اعتماد صواريخ “أجني-5” في الخدمة يحتاج هذا السلاح لإجراء سلسلة من الاختبارات. في حين أن صواريخ “أجني-4” كما ذكر آنفاً يمكن أن تصبح في الخدمة في المستقبل القريب.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تثر محاولات الهند الحثيثة لتقوية القدرات الصاروخية النووية ردود فعل حادة في وسائل الإعلام وتعليقات الخبراء؟ يقول بوريس أنه يمكن أن تكون هناك تفاسير عديدة وأضاف قائلاً:
أولاً إن هذا النوع من الصواريخ بعيدة المدى لا يمكن أن تثير قلق الدول التي تتابع بغيرة ازدياد قدرة القوات الدفاعية الهندية، والحديث هنا يدور بالطبع عن باكستان. فمن أجل ضرب أي نقطة أو موقع على أراضي الجارة باكستان يحتاج الأمر إلى صواريخ قديمة موجودة في خدمة القوات الهندية منذ زمن بعيد، على سبيل المثال “أجني-2″ و”أجني-3”.
بمعنى آخر فإن اختبار “أجني-4” بالإضافة إلى اختبارات “أجني-5” السابقة واللاحقة لم تكن موجهة للجارة باكستان. هذا ويمكن أن تشعر الصين بارتياح تام بسبب امتلاكها لصواريخ تفوق خصائصها الصواريخ الهندية.
الخلاصة هي أن تعزيز القدرات الهندية كمّاً لم يؤد إلى تغيير نوعي لموازين القوى في المنطقة، ويتابع الخبير الروسي حديثه قائلاً:
ومع ذلك، فإن عملية تعزيز القدرات العسكرية بشكل تدريجي لا يمكن إلا وأن يثير حذر خصوم الهند المحتملين. ففي الوضع الدولي الراهن من الصعب أن نتوقع بأن أي من البلدان يمكن أن تقرر أن تنتقل بتنافسها الجيوسياسي إلى مستوى المواجهات العسكرية المباشرة. ولكن الوضع في المنطقة، ليس فقط في منطقة المحيط الهندي أو ما يسمى أيضاً بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، يتغير بشكل سريع، لكن ليس نحو الأفضل.
لابد من أن نذكر هنا بأن الصين تعزز من تواجدها الاقتصادي والسياسي والبحري في منطقة المحيط الهندي. كما أن الهند بدورها تزيد من نشاطها وتطور تعاونها بما في ذلك العسكري مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادي بما في ذلك مع الدول التي لها مشاكل في علاقاتها مع الصين. وأخيراً فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن عن حقها أكثر فأكثر بضرورة تواجدها ومشاركتها في شؤون آسيا. وعلى ضوء ذلك فإن تعزيز القدرات العسكرية وتزايدها لاحقاً لا يمكن اعتباره عاملاً إيجابياً للمنطقة.
الهند تعزز من قدراتها الصاروخية