العلاقات الاسرائيلية الامريكية والدعم الامريكي لاسرائيل بالتفصيل
العلاقات الإسرائيلية الأمريكية

العلاقات الاسرائيلية الامريكية ليست علاقة ثنائية، وإنما هي علاقة من ثلاثة أضلاع، علاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واليهود الأمريكيين. وقد أسهمت الثقافة الأمريكية إسهاماً أساسياً في ميل شريحة كبيرة من المواطنين الأمريكيين إلى إسرائيل والارتباط بها وتأييدها، وذلك من خلال التعاطف مع اليهود الذين استطاعوا أن يكونوا لأنفسهم صورة إيجابية في المجتمع الأمريكي انعكست بالتالي على إسرائيل.والعلاقات الاسرائيلية الامريكية ، والدعم الأمريكي لها بمختلف أشكاله اقتصاديا وعسكرياً وسياسياًً، يظهر وجود روابط ذات نوعية خاصة بين البلدَين، فالعلاقات بينهما يمكن وصفها بالخاصة والمتميزة، في ضوء كثافة المبادلات بين البلدَين على الصعيد الحكومي والاجتماعي، بالإضافة إلى دعم إسرائيل اللامحدود.

 

 العلاقات الإسرائيلية الأمريكية
العلاقات الإسرائيلية الأمريكية

دور اللوبي الصهيوني في تطور العلاقات الاسرائيلية الامريكية

نشأت العلاقات الاسرائيلية الامريكية منذ أكثر من خمسين عاماً، وتطورت هذه العلاقات بشكل كبير بعد حرب يونيه 1967، فمع توجه السياسة الأمريكية إلى الخيار الإسرائيلي، ازدادت مكانة إسرائيل وأهميتها للولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت تلعب دوراً رئيسياً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

وفي ضوء المتغيرات التي شهدتها المنطقة بعد حرب أكتوبر1973، ازدادت قناعة صانعي القرار الأمريكي بأهمية ربط دور إسرائيل الإستراتيجي بالأهداف الأمريكية في المنطقة، وأصبحت تحالفاً مكتوباً خلال عقد الثمانينيات وتصاعد هذا التحالف إلى قمته منذ بداية القرن الحادي والعشرين، حيث استأثر بخصوصية مؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية وشغل مساحة كبيرة من السياسة الداخلية والشؤون العامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من حلفائها في أوروبا أو جيرانها في كندا ودول أمريكا اللاتينية. وترجع المكانة الإسرائيلية في هذا التحالف إلى قوة اللوبي الصهيوني وارتباطه بالقوى اليمينية المحافظة في أمريكا، مع قدرته على التأثير في دوائر صنع القرار.

وتُعَدّ الولايات المتحدة الأمريكية ـ في ضوء هذه العلاقات الاسرائيلية الامريكية ـ هي المساند الرئيسي لإسرائيل، من خلال التأييد السياسي المطلق والدعم غير المحدود للقدرات العسكرية وتدبير المطالب الضخمة للإنفاق العسكري الكبير، والتمويل لسياسات الهجرة والاستيطان في الأراضي المحتلة، والمعاملة التفضيلية الكاملة في إطار العلاقات التجارية، كما أن هناك التزاماً أمريكياً واضحاً بأمن إسرائيل من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

ولا شك أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، استطاع أن يُوسع من دائرة تأثيره في مؤسسات الرأي العام وأجهزة صنع القرار الأمريكي بما فيها مؤسسة الرئاسة ذاتها، وهو أمر ليس بجديد على العلاقات بين البلدَين منذ سنوات طويلة، إلا أن التطورات في حجم واتساع ونوعية وخطورة هذا التغلغل اتخذت منحنى بالغ الارتفاع في السنوات الأخيرة، من خلال سيطرة هذا اللوبي على أهم أجهزة الرئاسة الأمريكية بل وأيضاً على وسائل الإعلام المختلفة والمراكز المالية والاقتصادية المهمة.

وإلى جانب التغلغل الواضح للوبي الصهيوني في مختلف المؤسسات التي تشترك في صنع القرار الأمريكي، فإن الوضع داخل دوائر الرأي العام ليس بحال أفضل خاصة تجاه العالم العربي، كما تعتمد إسرائيل على عدد من هذه المنظمات التي تنتشر داخل أمريكا على شكل شبكة تغطي مجموعة المصالح الإسرائيلية وتفرض سيطرتها بمختلف الأساليب على مراكز صناعة واتخاذ القرارات التي تؤثر في تلك المصالح سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو على مستوى العلاقات الاسرائيلية الامريكية بوجه عام. وتُعَدّ إسرائيل رصيداً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية في ضوء العوامل التالية:

1. الموقع الجغرافي

أ . ميزات موقع إسرائيل الجغرافي يؤكدها جميع المدافعين عن فكرة كون إسرائيل رصيداً إستراتيجياً لواشنطن، وكما علق “مايكل هاندل” ـ وهو متخصص في الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية ـ أن إسرائيل قاعدة انطلاق مثالية لتنفيذ عمليات في كافة الاتجاهات، ويمكن بلوغها بسهولة بطرق بحرية قصيرة عبر البحر المتوسط.

ب. تُعَدّ الأراضي التي تحتلها إسرائيل موقعاً متميزاً للتخزين المسبق للعتاد، والذي يسمح بسرعة تدخل القوات الأمريكية لمواجهة الأزمات في منطقة الخليج العربي أو في منطقة الشرق الأوسط أو في أوروبا.

2. البنية التحتية

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية تمتلك إسرائيل أفضل التسهيلات وأكثرها تقدماً في المنطقة ولديها أفضل العاملين تدريباً، كما لديها تسهيلات معاونة من الطراز الأول، تستطيع بها أن توفر للقوات الأمريكية ما تحتاج إليه من إمكانات صيانة واستعداد قتالي، إذ إن الموانئ الإسرائيلية قادرة تماماً على خدمة ومعاونة كلّ سفن الأسطول السادس الأمريكي بما في ذلك حاملات الطائرات التي تسير بالطاقة النووية، وكذا القدرة على فتح قواعدها الجوية أمام القوات الجوية الأمريكية.

3. التجارب والبحث والتطور

تُعَدّ أنشطة البحث والتطوير الإسرائيلية ذات أهمية كبرى لواشنطن، بسبب التكامل الوثيق بين الإسرائيليين والشركات الأمريكية، حيث تُعَدّ الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بالأبحاث والتطوير أكثر مرونة وأقلّ بيروقراطية وأقلّ تكلفة مما هي في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذا فإن مشاركة الترسانة الإسرائيلية في العقود الأمريكية، يتيح للولايات المتحدة الأمريكية الحصول على إنتاج نوعي جيد رخيص الثمن في المجالات التي بلغت إسرائيل فيها كفاءة تكنولوجية عالية.

4. التعاون الاستخباراتي

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية تُعَدّ مساهمة إسرائيل في التجسس السياسي حجة إضافية لتبرير دورها كرصيد إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، فلدى الإسرائيليين الذين جاءوا من مختلف دول المنطقة القدرة على معرفة اللغات والأفكار اللازمة لأيّ تحليل للمعلومات.

5. القدرة على التدخل

إن أهمية القدرة الإسرائيلية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تجعل منها شريكاً مرغوباً فيه إلى أقصي حد، ويذهب راي كلاين المدير المساعد السابق لوكالة الاستخبارات المركزية إلى إدراج إسرائيل ضمن ما يسميه “تحالف عموم المحيطات” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويشمل كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وتايوان

اللوبي الصهيوني ودوره في دعم العلاقات الإسرائيلية الأمريكية

أولاً: اليهود الأمريكيون

يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية حالياً ما يقرب من 6 ملايين يهودي، يؤلفون نحو 2.1% من مجموع السكان، وقد حدث تدفق للهجرات اليهودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من عام 1881 – 1941، عندما هرب نحو 4 ملايين يهودي من الفظائع والفقر والأزمات السياسية في أوروبا الوسطى والشرقية. ولا يزال معظم اليهود الأمريكيين يتركزون في شمال وشرق أمريكا، يعيش في نيويورك مليون و100 ألف يهودي، من مهاجري القرن العشرين، الذين نجحوا في الاندماج بالمجتمع الأمريكي، وأخذ مفهوم الشعب اليهودي يجتذب أتباعاً إثر ظهور الصهيونية السياسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنذ تأسيس إسرائيل أصبحت اليهودية أساساً لقومية حديثة.

ومنذ منتصف القرن العشرين، صارت إسرائيل تشكل بصورة متزايدة، مصدراً للانتماء العاطفي لدى اليهود الأمريكيين، سواء كانوا علمانيين أو متدينين أو أرثوذكساً أو محافظين، أغنياء أو فقراء، ديموقراطيين أو جمهوريين. وقد عزز انتصار إسرائيل في حرب عام 1967 هذه المشاعر.

والواقع أن التطور الذي انتهي بالمؤسسة اليهودية الأمريكية وعدد هائل من اليهود الأمريكيين إلى إجماع حول تأييد إسرائيل، قد استغرق عشرات السنين. فالصهيونية السياسية في شكلها السابق لعام 1948، لم تكن ذات جاذبية خاصة بالنسبة لليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ اعتقدوا أنه إذا تصرف اليهود كصهيونيين، أي بوصفهم أصحاب هوية قومية منفصلة، فإن ذلك سوف يهدد ولاءهم للولايات المتحدة الأمريكية. والحقيقة هي أن الأيديولوجية السياسية التي استهوت اليهود الأمريكيين في تلك الفترة – أكثر من غيرها– هي الليبرالية.

وبحلول أربعينيات القرن العشرين، غَدَا الاندماج هدفاً غير بعيد بل حقيقة واقعة بالنسبة إلى كثرة من الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين من اليهود الأمريكيين الذين تزايد اهتمامهم بقضايا البقاء، بعد أن كشف النقاب عن الإبادة أو المحرقة الجماعية وفظائعها، وتحولت أكثرية اليهود الأمريكيين عن تعاليم الصهيونية الكلاسيكية إلى ولاء أكثر تعاطفاً مع إسرائيل، بوصفها رمزاً لبقاء اليهود وانتصارهم، ومحوراً للوجود اليهودي وللهوية اليهودية، ويذكر العالم السياسي تشارلز ليبمان ” أن تأييد إسرائيل أصبح تأييداً لا لدولة أو لسكانها، بل لإسرائيل بوصفها رمزاً لهوية الشخص اليهودية”.

ويحتوي الكتاب السنوي اليهودي الأمريكي على لائحة بمائتَي منظمة قومية يهودية، مما يجعل اليهود أكثر الأقليات الأمريكية تنظيماً على صعيد المؤسسات، فلديهم كنس – التي تمثل مؤسسات اجتماعية وتُشرف على سلسلة واسعة من البرامج الاجتماعية والثقافية والسياسية والعمل على تأييد إسرائيل- ومراكز للشباب ووكالات للعلاقات الطائفية واتحادات ومنظمات تمويل ومجموعات ثقافية وتعليمية ومحافل أخوية وتنظيمات تهتم بقضايا خاصة ومنها منظمات تضطلع بأنشطة اجتماعية وثقافية وخيرية، تخدم المجتمع الأوسع غير اليهودي بأساليب مفيدة، وأغلبية المنظمات علمانية في الأساس، وتستند عضويتها وأنشطتها إلى القومية اليهودية.

ومن الواضح أن تزايد اصطباغ المهاجرين اليهود بالصبغة الأمريكية لم يؤد إلى تخليهم عن هويتهم اليهودية، بل أدى إلى تأكيدهم إياها على نحو أكثر تجانساً مع المجتمع الأمريكي، وكانت النتيجة، هي تكاثر المؤسسات والمنظمات اليهودية التي أنشئت في النصف الأول من القرن العشرين، والمعني بالمؤسسة اليهودية الأمريكية هو المنظمات وقياداتها. وهذه التنظيمات هي التي تهيئ الإطار الهيكلي للتعبير عن الهوية العرقية، كما أن تأييد إسرائيل أصبح الشعار الأيديولوجي السائد، والذي يُعَدّ جزءاً من جداول أعمال جميع منظمات المؤسسات اليهودية، سواء كانت اجتماعية أو خيرية أو دينية أو تعليمية.

ثانياً: المنظمات الصهيونية

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون يهودي أمريكي هم أعضاء في تشكيلة من المنظمات الصهيونية الرسمية، وهذه المجموعات تُعرف وتقدم نفسها بوصفها صهيونية، وتتمسك ببرنامج القدس الذي صدر عام 1968 عن المنظمة الصهيونية العالمية – والذي يدعو إلى وحدة الشعب اليهودي، وتجمع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي، والمحافظة على هوية الشعب اليهودي – بتنمية التعليم اليهودي،علاوة على حماية الحقوق اليهودية في كلّ مكان. وتشجع المنظمات الصهيونية الأمريكية على الهجرة وتعليم العبرانية وترعى الأنشطة السياسية والثقافية المناصرة لإسرائيل وتساعد في بيع السندات الإسرائيلية، وتجميع المال لحملات اتحاد “النداء اليهودي” والإشراف على مشروعات الكيبوتس داخل إسرائيل.

والواقع أن أدوار المجموعات الصهيونية الأمريكية، كانت دائماً تختلف طبقاً لتعريف الحركة الصهيونية العالمية وتطورها، وأعلن البرنامج الرسمي لها والذي تبناه المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا سنة 1897″ وهو السعي لإقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين”، ومنذ ذلك الوقت، طرأت عدة تحولات على معنى الصهيونية ومحور اهتمامها، حيث بدأ الاهتمام بتطوير الاقتصاد وبناء المجتمع اليهودي في فلسطين، وتشجيع الهجرة اليهودية. ووجهت المنظمات الصهيونية الأمريكية طاقاتها للعمل داخل المجتمع اليهودي ودوائر السياسة الأمريكية، لقبول وتأييد إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وشملت مسؤوليتها المجالات الرئيسية التالية: الشؤون السياسية، والتعليم اليهودي، وتعلم اللغة العبرية، وعملية التهجير، والتمويل.

1. المنظمات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية (انظر ملحق المنظمات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية)

في سنة 1951، أعاد المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون صياغة مهمة الصهيونية فجعلها “توطيد دولة إسرائيل، وتجميع المثقفين في أرض إسرائيل، وتعزيز وحدة الشعب اليهودي”. وعندما وقعت حرب يونيه 1967، اجتاح التأييد لإسرائيل فئات المجتمع اليهودي الأمريكي، حيث اتجه جميع يهود المنظمات إلى العمل لدعم إسرائيل، وبدأت المؤسسات والوكالات اليهودية الجديدة التي سمي أتباعها الصهيونيين الجدد، تأخذ على عاتقها أعباء العلاقات العامة، وكسب التأييد وجمع المال نيابة عن إسرائيل، وهي المهام التي كانت المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، مسؤولة عنها بعد إنشاء دولة إسرائيل.

2. الاتحاد الصهيوني الأمريكي ودوره في دعم إسرائيل

الاتحاد الصهيوني الأمريكي مسجل في ولاية نيويورك كمنظمة ذات عضوية ومعفاة من الضرائب بموجب قانون ضريبة الدخل، ويتألف الاتحاد من ست عشرة منظمة صهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وأهمها المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمة الصهيونية النسائية في الولايات المتحدة الأمريكية “الهداسا” ، وعضوية الاتحاد الصهيوني مفتوحة أيضاً لمنظمات ومؤسسات يهودية قومية أخرى ليست، بالضرورة، صهيونية، وهذه تدخل ضمن مجموعتَين إضافيتَين من الأعضاء هما:

المنظمات المنتسبة التي تقبل برنامج القدس لكن أعضاءها ليسوا بالضرورة من الصهيونيين العلنيين، والوكالات ذات الصلة بالاتحاد، وهي مؤسسات قومية برعاية صهيونية كانت دائماً على علاقة فعلية بالحركة الصهيونية، والمنظمات الثلاث المنتسبة إلى الاتحاد الصهيوني هي: الاتحاد السفاردي الأمريكي (اليهود الشرقيين)، ورابطة آباء الإسرائيليين الأمريكيين، وعصبة النساء من أجل إسرائيل، والوكالتان اللتان لهما صلة بالاتحاد هما، مؤسسة الشباب الصهيونية الأمريكية، والصندوق القومي اليهودي.

وخلال العلاقات الاسرائيلية الامريكية يتولَّى الاتحاد الصهيوني الأمريكي تنفيذ برنامج يستهدف إلى إيجاد استحسان أكبر للثقافة اليهودية في المجتمع اليهودي الأمريكي، وتعزيز استمرار الحياة اليهودية والمركزية الروحانية لإسرائيل بوصفها الوطن اليهودي.

كما يكافح من أجل الوصول إلى جمهورَيْن هما: المجتمع اليهودي الأمريكي، والمجتمع الأمريكي الأوسع، وهدفه داخل المجتمع اليهودي الأمريكي هو تعزيز التزامه بالأهداف الصهيونية المرتكزة على مبادئ مركزية إسرائيل وعلى كون اليهود شعباً.

يرى الاتحاد الصهيوني أن هدفه في المجتمع الأمريكي الأوسع هو : تعريف الشعب الأمريكي بإسرائيل “مشكلاتها وإنجازاتها وأفكارها الاجتماعية وصِلتها الوثيقة بالقِيم الديموقراطية الأمريكية، وتطابق المصالح الأمريكية والإسرائيلية”.

من أجل ربط المجتمع اليهودي الأمريكي بإسرائيل، يساعد الاتحاد مؤسسة الشباب الصهيونية الأمريكية وبرنامج الباحثين المقيمين، وعن طريق هذا البرنامج ، يجيء الباحثون والصحفيون وموظفو الدولة الإسرائيليون إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة مدتها أسبوعان في ضيافة الجمعيات اليهودية. وخلال إقامتهم يشاركون في اجتماعات ومحاضرات وحلقات نقاش، تستخدم لنقل المعلومات عن إسرائيل.

وكذلك، فإن المؤسسة السياحية للاتحاد الصهيوني، ترسل وفوداً خاصة إلى إسرائيل تضم أصحاب المهن والأكاديميين ورجال الدين ورجال الأعمال ومجموعات من المجتمع، كما يعمل الاتحاد الصهيوني على تشجيع الهجرة إلى إسرائيل بالسعي لعقد المؤتمرات والأسواق والمعارض التي تُعرف الجمهور بفرص العمل في إسرائيل.

ويحتفل الاتحاد الصهيوني ـ بواسطة مؤسساته الصهيونية الإقليمية ـ احتفالات سنوية بيوم إسرائيل عبر المواكب والرقص وحفلات الموسيقى، والدعوة للاعتراف الدولي بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي سنة 1980، احتفل بيوم القدس في ستة وثمانين تجمع للجماعات اليهودية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، كما تزور القافلة الصهيونية ـ والتي تُعَدّ مركزاً لتدبير الرحلات تشارك في رعايته دائرة الإعلام بالمنظمة الصهيونية ـ نحو عشرين مدينة أمريكية، من أجل الدعاية لإسرائيل، كما أسس الاتحاد الصهيوني مجلساً أكاديمياً صهيونياً، يضطلع بتجنيد أساتذة الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل والدعاية لها ومناصرة الصهيونية، حيث يتولَّى المجلس نشر وتوزيع دليل لتدريس الصهيونية والتعريف بإسرائيل في الجامعة، على نطاق واسع، يشمل شرحاً لتاريخ الصهيونية وإسرائيل.

3. المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية

تأسست عام 1897 ومقرها نيويورك، وتنشط داخل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال شبكة من عشرين مكتباً منتشرة في عدة ولايات، كما يوجد للمنظمة مكتبان دائمان في إسرائيل. والمسؤول عن جمع الأموال لدعم أنشطة هذه المنظمة هو الصندوق الصهيوني الأمريكي.

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية وتتولَّى المنظمة الدعاية لإسرائيل وتؤكد مصداقية السياسة الإسرائيلية، وتشجع على الارتباط التام بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حول محور الحرية والديموقراطية، كما ساعدت المنظمة في تأسيس دولة إسرائيل، وتغير دورها الآن ليكون “الدفاع عن إسرائيل”، من خلال إبراز أهمية صهيونيتها السياسية، فموقفها ليس مجرد تأييد لإسرائيل، ولكن العمل على دعم العلاقات الاسرائيلية الامريكية ، ودعم التحالف اليهودي ـ الإنجيلي، ودعم العلاقات بين إسرائيل واليهود الأمريكيين، كما تمثل قاعدة الوحدة اليهودية الحقيقية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

وترصد المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية أنشطة الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض، ومكاتب الحكومة في واشنطن، كما توزع المنظمة عبر وكالاتها الإخبارية على أعضائها الراعين لها، نشرة إخبارية أسبوعية تشمل موضوعات متعلقة بإسرائيل، وتوزعها على موظفي الدولة والصحافة، علاوة على إرشادات لأسلوب التحرك والعمل، وتتهم الدول العربية والفلسطينيين بالإرهاب وحث القارئ على الانضمام للمنظمة “لمحاربة الإرهاب”، وتقف المنظمة في تعصب تام إلى جانب إسرائيل وتجري اللقاءات مع القيادات الإسرائيلية لشرح الموقف الإسرائيلي والدعاية ضد الفلسطينيين ووصم المنظمات الفلسطينية بالإرهاب.

وتشمل برامج المنظمة للشباب ما تصفه بالثقافة العبرية والصهيونية، حيث تنظم حلقات دراسية حرة ومنابر في ساحات الجامعات لمكافحة ما تسميه “الدعاية العربية المعادية لإسرائيل”، كما ترعى المنظمة فرعاً مساعداً للشباب يدعى “المسادة” وهو اسم أطلق على قلعة قديمة فضل فيها المقاتلون اليهود الانتحار الجماعي على التسليم للرومان، وتعمل المسادة بتوجيه من دائرة الشباب في المنظمة الصهيونية بالولايات المتحدة الأمريكية، ولها فروع في المدارس الثانوية والجامعات في سائر أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وتنشر مجلة دورية كلّ ثلاثة أشهر تحت عنوان ” عين على صهيون” ويشارك شباب المسادة في “عرض يوم إسرائيل” وفي ذكرى” تبديل شعلة تشانوكا” أطلق هذا الاسم على عيد يهودي لإحياء ذكرى تكريس المعبد عام 165 ق.م بواسطة جوباس المكابي هذه الذكرى تشارك فيها مئات المجتمعات اليهودية بالولايات المتحدة الأمريكية

وفي الأنشطة السياسية المؤيدة لإسرائيل ومن الأنشطة الرئيسية لدائرة الشباب في المنظمة الصهيونية، هو الزيارة الصيفية للفتيان والشبان من سن الثالثة عشرة إلى سن الثالثة والعشرين لإسرائيل لفترة زمنية تصل إلى أربعين يوماً، وخلال هذا البرنامج يُشَجَّع الشباب اليهودي على بلوغ الهدف النهائي للحركة الصهيونية، وهو الهجرة إلى إسرائيل.

والأنشطة الكبرى للمنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، ذات شقَّين: شق ثقافي ينظم الحلقات الدراسية وحلقات النقاش والمعارض والاحتفالات الهادفة إلى تنمية العلاقات الثقافية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وشق تعليمي لتعليم اللغة والدين.

4. اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل

إن ما يعرف عادة باللوبي اليهودي أو الإسرائيلي أو المناصرة لإسرائيل، يتمثل في الهيكل العام لقوى الضغط اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتولَّى الدعاية لدعم إسرائيل، باسم الطائفة اليهودية الأمريكية، علاوة على لجان العمل السياسي المناصرة لإسرائيل التي من خلالها تُوْضَع السياسات التي تتفق مع أهدافها

علاوة على توجيه المساهمات المالية للمرشحين السياسيين ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى التي تمثل الصوت الرسمي ليهود الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص إسرائيل في كلا الميدانَين القومي والدولي، إضافة إلى المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي الذي يستهدف البنتاجون والمؤسسة العسكرية.

ويمكن نشاط اللوبي أن يتخذ أشكالاً مختلفة من التدخل السياسي مثل: المناقشات مع زعماء الكونجرس وسواهم من الزعماء، إعداد المختصرات والمذكرات والخطب والتحاليل التشريعية، وحتى وضع مشاريع قوانين من أجل اللجان والنواب في مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين، وإيجاد علاقات بالمعاونين التشريعيين الرئيسيين وسواهم من الشخصيات الفاعلة، وترويج المعلومات والمواقف وتحريك المراسلات والمخابرات الهاتفية بشأن القضايا التي يطرحها الناخبون، بالإضافة إلى تنظيم مواعيد إلقاء المحاضرات للسياسيين المؤيدين، وسواها من أشكال التأييد الأخرى.

ومسألة قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية مسألة متعددة، بل اتهمت أحياناً بالتآمر على الحياة السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتُعَدّ القوى الموالية لإسرائيل مسؤولة عن دفع الحكومة الأمريكية إلى انتهاج سياسة متعاطفة ومدعمة لإسرائيل والتي يمكن أن تتعارض أحياناً مع المصالح الأمريكية

كما أن أيّ حديث مناهض للوبي اليهودي أو بكونه مصدر تهديد محتمل للولايات المتحدة الأمريكية، يؤخذ من جانب المنظمات اليهودية الأمريكية على أنه معاد للسامية، وتكمن قوة هذا اللوبي في أنه يتمشى مع أحد مقومات الإستراتيجية الأمريكية ويتمشى مع التيار السياسي الأمريكي سواء في الكونجرس أو لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

ولما كان اليهود الأمريكيون يؤلفون مجموعة غنية نسبياً، فالاحتمال أنهم يتبرعون بأكثر من نصف الهبات الكبرى للحملات الديموقراطية القومية، ومبالغ متزايدة للحملات الجمهورية أيضاً، وقد أصبح تأثير هذه الأموال أكبر من أيّ وقت مضى. ومن الدلالات على نفوذ اللوبي قدرته على الوصول إلى القيادات الأمريكية المختلفة، ومن ثم التأثير التام في العملية السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

5. منظمة لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأمريكية American Israel Public Affairs Committee AIPAC

هذه المنظمة هي أضخم أجهزة اللوبي الصهيوني، وتمتلك خبرة احترافية في التعامل مع أعضاء الكونجرس والتلاعب بالنظام السياسي الأمريكي، وذلك من خلال إستراتيجية غرس الرعب واتباع أسلوب الابتزاز، ويمكن تبيُّن ذلك من خلال الحضور السياسي الأمريكي البارز لمؤتمرات الإيباك السنوية والذي يشمل نسبة كبيرة من أعضاء الكونجرس بمجلسَيه وعدداً من أبرز الشخصيات في البيت الأبيض الذي يستغلون هذه الفرصة للتباري في تأييد إسرائيل.

وبدأت هذه اللجنة في ممارسة دورها بشكل كبير منذ عام 1959، بعد أن تشكل لها مجلس قومي من ممثلين عن قادة المنظمات المحليين والقوميين الذين كانوا على استعداد للانخراط في سلك العاملين على دعم إسرائيل، وكان في استطاعتهم جباية الأموال للجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية. وقد جرى توسيع اللجنة التنفيذية بغية بلوغ الهدف ذاته، وهو المزيد من اندماج المجموعات اليهودية الأمريكية.

ويجمع مؤتمر السياسة السنوي الأعضاء العاملين وقادة الطائفة وممثلين عن المجموعات المستهدفة أو المشاركين المخلصين، وعشرات السياسيين والوجهاء من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهو المنبر الذي تعرض من فوقه اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية مواقفها السياسية وأولوياتها الضاغطة الراهنة، وتتبنى المقترحات السياسية، وتحث الأعضاء وتحفز الساسة على التعهد العلني بدعم إسرائيل.

إن المنصب الرئيسي داخل هذه المنظمة هو رئاسة اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية، يتولاه رجل ثري ويتمتع باحترام المؤسسة اليهودية الأمريكية وينتمي إليها. ومنذ أواخر الستينيات بدأت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية تجند وتوظف شباباً ناشطين وكان معظمهم على صلة بالمنظمات المحلية أو المؤسسات اليهودية، وتضم اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية لجان عمل سياسي تؤيد إسرائيل. وتُمَوَّل اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية عن طريق الرسوم والهبات التي يدفعها الأعضاء والمنظمات وتصل ميزانيتها إلى عدة ملايين من الدولارات، كما تحصل على الهبات من أغنياء الولايات المتحدة الأمريكية ومن أعضاء النوادي مثل “نادي الكابتول” و “نادي واشنطن” وغيرهما.

دور المنظمة لدعم إسرائيل

تتفوق اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية على أية منظمة أمريكية أخرى في اتخاذ مواقف وقيادة حملات تعكس مواقف الحكومة الإسرائيلية المسؤولة في أيّ وقت، ومثال ذلك تأييد توماس داين لخطة الرئيس الأمريكي ريجان من أجل السلام في الأول من سبتمبر 1982، وفي أثر رفض الحكومة الإسرائيلية القوي لهذه الخطة، أخذت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية تمارس الضغوط على إسرائيل.

وخلال السنوات الأولى للجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية، كانت أولويتها في اللوبي تتمثل في مجرد زيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، غير أن دورها اتسع فيما بعد فأخذ يشمل تبني حملة ضد تسليح بعض الدول العربية، ابتداء “بمصر فالسعودية فالأردن” وفي الثمانينيات كانت الأولوية الأخرى هي تحويل القروض الأمريكية إلى هبات وهو مطلب تحقق إلى حدّ بعيد سنة 1983، وقد احتفظت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية أيديولوجياً ببعض القضايا العريضة: “من ذلك أن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تؤيد إسرائيل – إسرائيل كالولايات المتحدة الأمريكية دولة ديموقراطية ومن ثم فهي موضع ثقة- إسرائيل الحليف الإستراتيجي الوحيد في المنطقة القادر على حماية المصالح الأمريكية…”.

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية نشطت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية إلى تحركات وضغوط بشأن عدد من القضايا المختلفة، مثل حملة الدفاع عن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والحملات ضد المقاطعة العربية لإسرائيل، وتخطيط حملة ضد أسطورة اللاجئين الفلسطينيين على حدّ تعبيرها، أو الحملة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لإقناع العالم والشعب الأمريكي بأن المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية ويجب إعلان الحرب عليها، وأن إسرائيل دولة تدافع عن أمنها ومن ثم تحاول الإقناع بمشروعية الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك الحملة أيضاً لضرب العراق لكونها دولة تهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل معاً.

والتعاون الإستراتيجي يُعَدّ من أولويات اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية، والحجة السياسية الرئيسية هي قدرة إسرائيل على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة. كما تؤكد الدور الإسرائيلي في مواجهة الإرهاب الدولي، وأن إسرائيل من خلال اضطلاعها بهذا الدور تكون في خندق واحد مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتسرد اللجنة المنافع التي ستجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من تبني اتفاقيات التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل من استخدام الموانئ والمطارات الإسرائيلية وتخزين المعدات الأمريكية في إسرائيل لسرعة الفتح الإستراتيجي لقواتها بمنطقة الشرق الأوسط.

كما تدعو اللجنة، الكونجرس الأمريكي إلى تأييد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهو ما نجحت فيه من خلال إعلان الكونجرس لهذا القرار في سبتمبر 2002، وتدعو إلى زيادة فرص التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وزيادة مشتريات الحكومة الأمريكية من إسرائيل لا سيما العسكرية منها، بالإضافة إلى الحصول على المساعدة الأمريكية والتحرك من أجل زيادة حجم مشتريات حلف شمال الأطلسي للمنتجات الإسرائيلية العسكرية.

كما تدعو وسائل الإعلام الأمريكية إلى مناصرة إسرائيل وتقديم النقد الجماعي ضد أعداء إسرائيل، وتؤكد في تقاريرها أن احتلال الضفة الغربية وغزة أمر شرعي فهما جزء من إسرائيل الكبرى والدعوة إلى تمويل الهجرات اليهودية إلى إسرائيل، من أجل بناء إسرائيل القوية التي تساند الولايات المتحدة الأمريكية. وتستخدم اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية وسائل حديثة وناجحة في التأثير من خلال: “التودد إلى الأشخاص الرئيسيين في وسائل الإعلام الأمريكي ـ التشاور والتنسيق الوثيقَين مع المؤيدين ـ استخدام ناخبين محليين لسياسيين لممارسة الضغط، ومن الواجبات الموكولة إليهم مراسلة الناخبين وإعداد وكتابة الخطب والانضمام إلى شتى اللجان وإعداد الدراسات حول القضايا المطلوبة وحضور الاجتماعات مع الناخبين”.

إن سر نجاح هذه اللجنة لا يكمن في مجرد تعاون السياسيين المؤيدين لإسرائيل أو حشد يهود الولايات المتحدة الأمريكية، بل في قدرة تلك اللجنة على استخدام النخبة وشبكات الناخبين لمصلحتها، والذي يمكن أن يؤدي ـ في معظم الأحيان ـ إلى تشكيل الضغط على مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين وتستفيد تلك اللجنة كثيراً من أصدقائها من النخبة الأمريكية، خاصة في مجال التشريع والمساعدات المتزايدة لإسرائيل.

6. لجان العمل السياسي الإسرائيلية ـ الأمريكية

برزت لجان العمل السياسي كقوة سياسية مهمة في أعقاب إصلاحات قانون الانتخاب الفيدرالي عامي 1974
و1976، الذي حدد مبلغ التبرعات الفردية للمرشحين السياسيين بألف دولار، وتستطيع مجموعات الأفراد، الذين يؤلفون مجتمعين لجنة عمل سياسي، أن تتبرع بمبلغ يصل إلى 5 آلاف دولار لكلّ مرشح وفي انتخابات واحدة.

ومنذ عام 1982، كان مجموع لجان العمل السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية يصل إلى 3300 لجنة، يمثل نصفها تقريباً المصالح التجارية، والترشيح لمنصب فيدرالي يُعَدّ عملية باهظة التكاليف، لذا أصبحت لجان العمل السياسي مصدراً حاسماً من مصادر التمويل والتي تصل إلى نسبة تصل بين 25-35% من إجمالي مصادر التمويل.

وقد أدركت الشبكة المؤيدة لإسرائيل أهمية لجان العمل السياسي وإمكاناتها، ومن ثم بادر أعضاء اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية وأنصارها إلى تأسيس عدد من أكبر لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل، الأمر الذي أمدَّ اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية بما يساعدها في تقرير كيفية صرف الأموال، ومن الأسباب الهامة لفعالية لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل، استعمالها المتسم بالحرص والمنهجية للمال.

وكما هو الحال عموماً بالنسبة للوبي المؤيد لإسرائيل، فإن السبب الرئيسي لقوة لجان العمل السياسي، هو تركيزها على قضية واحدة من قضايا السياسة الخارجية، وهذه الإستراتيجية تمكنها من استخدام المال على أشد الوجوه فعالية، فهي تستهدف السياسيين الذين لهم علاقة بالمساعدة الأمريكية للشرق الأوسط، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو الخاصة بتقرير السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي مجلس الشيوخ يشمل هؤلاء السياسيون أعضاء لجنة العلاقات الخارجية ولجنتها الفرعية لشؤون الشرق الأدنى وشؤون جنوب آسيا أو لجنة مجلس الشيوخ للمخصصات، ولا سيما اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية، أمّا في مجلس النواب، فهي تستهدف أيضاً أعضاء لجنتَي الشؤون الخارجية والمخصصات واللجان الفرعية ذات الصلة، وما من شك أن لجان العمل السياسي أصبحت مصدراً أساسياً ومهماً لأنشطة الطائفة اليهودية واللوبي المؤيد لإسرائيل.

7. مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى

بدأت الجهود الرامية إلى إنشاء مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، الذي يشار إليه باسم “مؤتمر الرؤساء” أو “نادي الرؤساء”، سنة 1955. ولكنه لم يزاول عمله رسمياً إلا في عام 1959، ويضم مؤتمر الرؤساء أكثر من سبع وثلاثين منظمة منتمية إليه، مثل “الاتحاد الصهيوني الأمريكي ـ المؤتمر المركزي للحاخامين الأمريكيين ـ صهيونية حيروت ـ الصندوق القومي اليهودي ـ الاتحاد الصهيوني للعمال ـ المجلس القومي للنساء اليهوديات ـ مجلس الشباب اليهودي الأمريكي الشمالي ـ المنظمة الصهيونية العالمية ـ اللجنة اليهودية الأمريكية وغيرها”.

وفي حين أن اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية هي قوة الضغط الخاصة بالجماعة المناصرة لإسرائيل والمعروفة ببأسها وقدرتها على المناورة السياسية، فإنه يمكن وصف مؤتمر الرؤساء بأنه الذراع الدبلوماسية لها، ويرتكز نفوذه على الادعاء بأنه يمثل إجماع المنظمات التي يتركب منها، بشأن المسائل التي تعني إسرائيل وسواها من القضايا الدولية، والواقع أن مؤتمر الرؤساء يعكس موقف الطائفة اليهودية الأمريكية جمعاء.

لقد كانت مهمة مؤتمر الرؤساء الأصلية توفير منبر داخلي لمعالجة القضايا المتعلقة بإسرائيل، والعمل أيضاً كصوت خارجي يعكس إجماع الزعماء اليهود الأمريكيين، وقد انبثقت من هذا التوجه الأساسي عدة مهام كبرى متداخلة، مثل: تأويل وتبليغ موقف اليهود الأمريكيين إلى الحكومة الأمريكية وصانعي السياسة ووسائل الإعلام والحكومة الإسرائيلية والدول والهيئات الدولية الأخرى، علاوة على تأويل وتبليغ موقف الحكومة والجمهور الأمريكيَّين إلى الحكومة الإسرائيلية والطائفة اليهودية الأمريكية، بالإضافة إلى عرض الموقف الإسرائيلي على الحكومة الأمريكية والطائفة اليهودية الأمريكية والجمهور عامة.

وهكذا كثيراً ما يوصف مؤتمر الرؤساء، بمعنى حقيقي جداً، بأنه رابطة السياسة الخارجية للمؤسسة اليهودية الأمريكية الرسمية، وهو ليس بلوبي من الناحيتَين القانونية والعملية، لكنه أكثر من مجرد معبر عن الإجماع، فهو يضطلع بدور أساسي في إنشاء علاقات وثيقة وشرعية مع أولئك الذين يقبضون على زمام السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

8. الموقف السياسي لمؤتمر الرؤساء
يرتكز دور مؤتمر الرؤساء، كناطق باسم الطائفة اليهودية الأمريكية وممثل سياسي لها، على دعواه، أنه يعبر عن الموقف الموحد أو الإجماع لدائرتها المتنوعة التي تضم فئات تختلف سياسياً وأيديولوجياً أو تختلف تنظيمياً. ويساعد على نجاح المؤتمر في تحقيق الإجماع، أنه لا يجب عليه أكثر من معالجة القضايا المتعلقة بإسرائيل والشؤون الدولية. كذلك، يتمسك مؤتمر الرؤساء بالموقف الذي تتبناه عملياً جميع المنظمات اليهودية المنتمية إلى المؤسسة اليهودية، فكلّ رأي أو انتقاد مناهض يجب أن يُعبر عنه بصورة خصوصية وليس بشكل علني.

كما أن مؤتمر الرؤساء يتميز بميزة خاصة وهو إمكانية الوصول إلى البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية، لسبب واضح وهو أن المؤسسة اليهودية التقليدية، اتخذت من هذا المؤتمر ممثلاً رسمياً لها وذلك لعدة أسباب، أولاً ثمة إجماع بشأن إسرائيل أكبر منه بشأن أية قضية أخرى ومن مصلحة الجميع المحافظة على ذلك، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، على أساس أن إسرائيل لها دوراً أساسي في الإستراتيجية الأمريكية، بل هي من أهم حلفائها. ثانياً: أن المؤتمر لا يهدد أحداً لأن سلطته ليست نابعة منه وإنما من الشرعية التي تمنحه إياها المجموعات المعنية الأخرى، وهو لا يمارس أيّ سلطة على المنظمات التي ينبثق منها، وإنما خطط لها برامجها وتحركاتها السياسية.

ومن جهة أخرى فبالإضافة للدور الأساسي الذي يضطلع به المؤتمر، وهو دور الناطق الرسمي العام، إلا أنه أيضاً ينفذ أعمالاً تطبيقية أخرى على غرار المنظمات المختلفة المؤيدة لإسرائيل، حيث يقود أحياناً حملات قومية وإعلامية بشأن موضوعات أو قضايا محددة تصب أساساً في مصلحة إسرائيل.

9. المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي

تأسس المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي سنة 1977، كي يؤلف مركزاً لرصد البنتاجون، وليؤثر في سياسة الأمن القومي، ومنذ أن تأسس هذا المعهد، كان يتولَّى – بالدرجة الأولي – دور صلة الوصل بين الطائفة اليهودية والمؤسسة الدفاعية في واشنطن، ويمثل زاوية المثلث التي تربط فئة مختارة من المحللين الدفاعيين في واشنطن بالمؤسسة الدفاعية الإسرائيلية.

وتساعد الأنشطة التي يمهد لها المعهد في إيجاد جو من التعارف والاتصال المستمر بين موظفي الدفاع الأمريكيين والزعامة اليهودية الأمريكية وموظفي الدفاع الإسرائيليين، ومع أن المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي هو المنظمة اليهودية الوحيدة التي تعالج شؤون الأمن بوجه خاص، فهو ينجز أعماله في إطار اهتمام متعاظم بالشؤون العسكرية في أوساط منظمات المؤسسة اليهودية.

كما يضطلع بدور رئيسي في الترويج للأولويات بالنسبة للأمن الإسرائيلي ويشرح في نظرته الإستراتيجية أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فيقول: “إن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية مرتبط بمجموعة دولية تتمثل في أوروبا الغربية واليابان وإسرائيل وكندا وأستراليا ونيوزلندا”، ومن ثم يضع إسرائيل جنباً إلى جنب مع دول حلف الناتو واليابان.

ويذكر جوزيف شوربا عضو هذا المعهد في كتابه بعنوان ” سياسات الهزيمة”، في الجزء التمهيدي، “أن هدف هذا الكتاب هو التدليل على أن حيوية إسرائيل حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن على الأخيرة أن تلتزم بصورة قاطعة بالدفاع عن ذلك البلد والمحافظة عليه، لأن إسرائيل ستبقي ذات أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية”.

ويذكر جوزيف شوربا في كتابه الثاني “التراجع عن الحرية”، “أن الأنظمة العربية غير المستقرة لا يمكنها أبداً أن تكون بديلاً عن الدور الإسرائيلي الهام لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها”.

ثالثاً: بعض الأدوار التي اضطلعت بها المنظمات الأمريكية اليهودية لمصلحة إسرائيل

لا شك أن التأثير السياسي للمنظمات الأمريكية اليهودية كان واضحاً في الولايات المتحدة الأمريكية لمصلحة إسرائيل ومن أمثلة ذلك:

1. تعيين وزير خارجية يهودي هو هنري كيسنجر، الذي كان يتمتع بثقة الرئيس الأمريكي نيكسون، ومن ثم استطاع أن يؤدي دوراً مهماً في مصلحة إسرائيل خلال حرب أكتوبر1973، من خلال إمدادها خلال الفترة الحرجة من الحرب بجسر جوي وبحري من الأسلحة الحديثة أدى إلى التأثير على التوازن العسكري وقت الحرب علاوة على تأديته دوراً مهماً في تحقيق السلام بين إسرائيل ومصر، من أجل إبعاد مصر عن معادلة الصراع في المنطقة.

2. تأثير الإيباك (Aipac) سلباً أو إيجاباً في إمكانية إعادة انتخاب أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين، مما جعل أغلبهم يصوت دائماً لمصلحتهم، وقد أدى ذلك إلى موافقة الرئيس الأمريكي “بيل كلينتون”، في أبريل 1995 على حضور المؤتمر السنوي للمنظمة في أول سابقة من نوعها على المستوى الرئاسي، وذلك من أجل دعمه خلال الترشح لفترة ولاية ثانية، بل تحرك الرئيس كلينتون أيضاً من أجل دعم أيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما فشل مؤتمر كامب ديفيد الثاني خلال المباحثات بين إسرائيل والفلسطينيين.

3. حصول إسرائيل وبضغط من المنظمات اليهودية ومن الموالين لإسرائيل داخل مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين، على ضمانات استثنائية من الحكومة الأمريكية لقروض تبلغ عشرة مليارات من الدولارات لدعم خطط ومشروعات توطين المهاجرين السوفيت، مع تعهد إسرائيلي ـ لم يحترم كثيراً ـ بعدم تقديم دعم حكومي للاستيطان خارج حدود إسرائيل في 4 يونيه 1967، هذا بالإضافة إلى ما حققه اتفاق التجارة الحرة بين البلدَين والذي بدأ سريانه منذ يناير 1995 من دخول للسلع الإسرائيلية إلى الأسواق الأمريكية، بينما يشكل أول سابقة في تاريخ التجارة الخارجية الأمريكية، فضلاً عن اتفاق التعاون الإستراتيجي في المجال العسكري، والذي أثار عندما عقد حفيظة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي، حيث يتيح هذا الاتفاق انفتاح أسرار وبرامج الحلف أمام طرف خارجي عن الحلف وهو إسرائيل.

4. وفي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، سيطر اليهود على أكثر المناصب حساسية في الإدارة الأمريكية، ومن ثم المنظمات أن تتحرك لمساندة إسرائيل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية إذ كان كل من نائب مستشار الأمن القومي “صموئيل برجر” ومستشار الرئيس للأمن القومي “ليون بيرن”، من اليهود المتشددين ويُعَدّ منصباهما من أشد المناصب حساسية بالنسبة للسياسة الأمريكية، ومن صلاحياتهما حضور جلسة الموجز الرئاسي اليومي مع الرئيس ونائبه ومستشار الأمن القومي “أنتوني ريج”، ويُناقَش خلال هذه الجلسة أكثر التقارير خصوصية في واشنطن وأكثر المعلومات حساسية والمتعلقة بالتطورات العالمية

كما أن المجلس القومي الأمريكي خلال فترة الرئيس كلينتون كان يضم سبعة أعضاء من اليهود من مجموع أعضاء المجلس الأحد عشر ويشغلون أشد الوظائف حساسية من الأمن والخارجية، حيث يشغل “ساندي برجر” منصب نائب رئيس المجلس، ومارتن أنديك ـ الذي عين سفيراً فيما بعد للولايات المتحدة في إسرائيل ونقل إليها أخباراً سرية ـ كان يشغل منصب المدير المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وشغل “دان شيفتر” منصب المستشار الرئيسي للرئيس لشؤون غربي أوروبا، وشغل “دونا ستاينبرج” منصب مستشار الرئيس لشؤون أفريقيا، كما شغل ريتشارد فنبرج منصب مستشار الرئيس لشؤون أمريكا اللاتينية، وشغل “ستانلي روس” منصب المستشار لشؤون آسيا، هذا بالإضافة إلى تولي وظائف على درجة هامة لقضايا الشرق الأوسط ولمصلحة إسرائيل ومن أمثلة ذلك:

أ. تولى “دينيس روس” فريق السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كلّ من “دان كورتزر” و “أهارون ميللر” المسؤولَين عن قضايا الشرق الأوسط، وكلّها أسماء معروفة تماماً في إسرائيل بسبب وقوفهم دائماً لنصرتها في كافة القضايا السياسية.

ب. تولى “أينرمكيف” مسؤولية إعداد برامج الرئيس الأمريكي وتنظيم مواعيده، و”فيل ليديا” منصب المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي، و”روبرت روبن” منصب مدير الدعاية للرئيس و”ميكي كاتور” مسؤولية الاتفاقيات التجارية الدولية وكلّهم من الموالين تماماً لإسرائيل ويخضعون للمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم كان لهم تأثير كبير في توجيه السياسة الأمريكية لخدمة القضايا الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها.

5. تحرك المنظمات اليهودية الأمريكية، وبإيعاز من إسرائيل، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لتأكيد أن المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية، بل استطاعت أن تقنع الشعب الأمريكي من خلال وسائل الإعلام بذلك، مما أثر سلباً على القضية الفلسطينية لمصلحة إسرائيل، بل جُمِّدَت بقرار من الكونجرس أيّ أموال للجماعات التي يرى أنها جماعات إرهابية، بل أكثر من ذلك يطالب أعضاء الكونجرس بدعم إسرائيل مادياً واقتصادياً من أجل الوقوف في مواجهة الإرهاب الفلسطيني الذي يُهدد أمن إسرائيل.

العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في المجال السياسي

من أشهر المقولات تعبيراً عن الجانب السلبي في بداية الرؤية الأمريكية لليهود، الخطاب الذي ألقاه “بنيامين فرانكلين أحد أبطال الاستقلال الأمريكي عام 1789، يقول في بعض فقراته: “أينما حل اليهود هبط المستوى الأخلاقي والشرف التجاري، فقد ظلوا دائماً في عزلة لا يندمجون في أيّ أمة، ويدفعهم الشعور بأنهم مضطهدون إلى خنق الأمة اقتصادياً، كما حدث في أسبانيا والبرتغال، فإذا لم تتمسك الولايات المتحدة الأمريكية بدستورها فسنراهم في أقلّ من مائة عام يقتحمون هذه البلاد لكي يسيطروا عليها ويدمروها، ويغيروا نظام الحكم الذي سالت من أجله دماؤنا”.

وقد صدقت تنبؤات فرانكلين عن اليهود ودورهم في الحياة الأمريكية، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أهم ميادين نشاط الحركة الصهيونية التي ساهمت في العمل من أجل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين وذلك في أعقاب وعد بلفور عام 1917، حيث نجحت هذه الحركة في الحصول على قرار الكونجرس الأمريكي في 30 يونيه 1922، بدعم إنشاء دولة إسرائيل، وبصيغة لا تقلّ عن وعد بلفور نفسه في شيء.

واستقر في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك، القسم الأعظم من اليهود، ونسبتهم تعدت 43% من يهود العالم، وتضمهم الكثير من المنظمات وعلى رأسها منظمة “إيباك” “Aipac” (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأمريكية)، ذات الفاعلية والسيطرة على القرار الأمريكي ليخرج دائماً لمصلحة إسرائيل؛ ومن هنا، يجدر تسمية المنظمات اليهودية بأنها ” لجنة توظيف إمكانيات الولايات المتحدة الأمريكية لمصلحة إسرائيل”.

وقد مارست هذه المنظمات تأثيرها على السياسة الأمريكية إلى درجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي – أيّاً كان- يصبح له تأثير على السياسة الخارجيـة للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من تأثيره في بلده، كذلك فإن الصوت الانتخابي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يكون حاسماً لانتخاب الرئيس الأمريكي أو أحد أعضاء الكونجرس، حيث يمكن الفوز بفارق بسيط.

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية فإن اهتمام رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء الكونجرس باسترضاء إسرائيل يفوق كلّ تصور حيث استمر الدعم، وازداد مع تغلغل الحركة الصهيونية في جميع نواحي الحياة الأمريكية إلى الدرجة التي جعلت زعيم الأغلبية في الكونجرس الأمريكي، يقول لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون عند اجتماعه بأعضاء الكونجرس أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2002: “إنه عندما يكون الأمر متعلقاً بإسرائيل، فإنه لا يوجد حزب جمهوري وآخر ديموقراطي، ولكن يكون هناك قرار متفق عليه لمصلحة إسرائيل”

وربما تساير تلك المقولة العبارة التي استهلت بها “بربارة طوخان”، كتابها “مسيرة الغباء” بأن هناك ظاهرة تاريخية لا ترتبط بالزمان ولا بالمكان، وهي جديرة بالذكر والبحث في آن واحد ألا وهي ميل بعض الدول إلى تبني سياسات تتعارض ومصالحها الذاتية، وقد اعتاد الرئيس الأمريكي الأسبق “جون كيندى” الإشارة إلى هذه الحقيقة في خطبه، حيث كان يقول: “إن السياسة الخارجية هي المجال الوحيد الذي يمكن الخطأ فيه أن يقتلنا جميعاً”، وربما كانت هذه المسيرة تنطبق على الوضع الحالي في العلاقات الاسرائيلية الامريكية

والعلاقات الاسرائيلية الامريكية السياسية اتسع مجالها كثيراً خاصة في أعقاب نصر أكتوبر 1973، بحيث لم تقتصر على الاهتمام بقضية الصراع العربي – الإسرائيلي، لكن امتد نطاقها ليشمل مصالح الدولتَين في أفريقيا، وآسيا، وأحياناً في أوروبا.

الدعم الأمريكي لإسرائيل في المجال الاقتصادي

(1948 – 1985)

في البداية كان الغرض من الدعم المالي الخارجي، هو تشجيع الهجرة إلى إسرائيل واستيعاب المهاجرين إليها، وتطوير زراعتها وصناعتها. وفي مواجهة قرار الجامعة العربية بمقاطعة إسرائيل وفرض حصار اقتصادي عليها، سارعت الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لعقد الاتفاقيات التجارية معها وتقديم القروض والهبات إليها وتشجيع الاستثمارات الخاصة المباشرة، عندئذ تمكنت إسرائيل من اجتياز مرحلة التأسيس وتطوير الزراعة والصناعات الغذائية.

وفي الستينيات، رُكِّز على تطوير الصناعة والخروج إلى أفريقيا وآسيا، وتدفقت الأموال الأمريكية لتطوير اقتصاد إسرائيل وتسليحها، وارتفعت بدرجة طفيفة أهمية القطاع الصناعي، بينما انخفضت أهمية الزراعة في توليد الدخل القومي وارتفع المحتوى المستورد لمكونات الإنتاج، وطوال واحد وعشرين عاماً من 1948 إلى 1968، بلغ فائض الاستيراد نحو 7.5 مليارات دولار.

وتحرص إسرائيل على تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، بلغ في المتوسط 9.2% سنوياً خلال الفترة من عام 1950 إلى عام 1971، وبالفعل فلقد تضاعف الناتج القومي بالأسعار الثابتة نحو خمس مرات فيما بين عامَي 1950 و1969. كما تضاعف نصيب الفرد من هذا الناتج نحو ثلاث مرات في المدة نفسها وبلغ نصيب الفرد الواحد من الدخل (1156) دولاراً في عامَي 1968 و1969، ثم ارتفع وأصبح (2098) دولاراً في عام 1974 على أساس أن الدولار يساوي 6 ليرات.

وفي عام 1974 أصبح الناتج القومي لإسرائيل 8.5 مليارات دولار، فيما كان الناتج القومي – على سبيل المثال – لدولة مثل مصر لا يتعدى 8.5 مليارات دولار والفرق في عدد السكان بيِّن. ولذلك يستهلك الاقتصاد الإسرائيلي سنوياً أكثر مما يولده جهازه الإنتاجي من سلع وخدمات، وذلك على الرغم من ارتفاع معدل التراكم الرأسمالي فيه واختفاء ما يمكن أن يُسمَّى ادخاراً محلياً.

وفي إسرائيل تزيد الموارد الكلية على إجمالي الناتج القومي، مما أتاح جهداً استثمارياً مكثفاً أدى إلى ارتفاع معدل النمو السنوي، من دون أن يصاحب ذلك ضغط على مستويات الاستهلاك، وقد أدى ذلك إلى الكشف عن ظاهرتَين متناقضتَين تماماً، فقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي ظاهرة ارتفاع معدلات التراكم الرأسمالي، إذ مثلت الاستثمارات نحو 30% من الناتج القومي الإجمالي وهي نسبة عالية بكلّ المعايير.

ويهدف التمويل الخارجي أساساً إلى تمويل التكوين الرأسمالي في الاقتصاد الإسرائيلي، فقد ارتفعت نسبة رأس المال الأجنبي إلى الاستثمارات من 25% في السنوات الخمس الأولى لنشوء إسرائيل إلى 38% في السنوات الخمس التالية، ثم إلى 45% في السنوات الخمس التي بعدها، وفي بعض السنوات بلغ حجم التمويل الخارجي إلى ما يقترب من 34% من الناتج القومي الإجمالي.

ويجري تدفق رأس المال من الخارج عبر عجز ميزان المدفوعات الإسرائيلي، فلقد كان فائض الاستيراد هو المصدر الأساسي لتمويل عملية التراكم الرأسمالي، حتى ليمكن القول بأنه على خلاف دول العالم، فإن موارد الاقتصاد الإسرائيلي تتشكل من الناتج القومي وعجز الميزان التجاري. ويمثل فائض الاستيراد نسبة تراوح بين 18 و27% من إجمالي الموارد المتاحة بل تزيد أحياناً التدفقات المالية من الخارج على عجز الميزان التجاري، فخلال الفترة ما بين عامَي 1949 و1967 بلغت التدفقات الخارجية (4889.8) مليون دولار، وفيما بين عامَي 1949 و 1967 تجمع لدى إسرائيل احتياطي من العملات الأجنبية بلغ 713 مليون دولار يضاف إلى فائض عام 1967 وقدره 293 مليون دولار، فأصبح احتياطيها 1006 ملايين دولار

إنها ظاهرة فريدة في نوعها أن تنشأ دولة بأكملها نشوء مشروع اقتصادي تموله الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا وحده كاف لبيان الالتقاء العضوي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وظلت المساعدات الخارجية بنداً ثابتاً من جملة الموارد المتاحة لإسرائيل سنوياً، مما يفسر عملية البحث الدائم من قبل إسرائيل عن مورد مالي خارجي جديد، كلما أشرف مورد مالي قديم على النضوب.

ففي عام 1952 مثلاً، التزمت الحكومة في ألمانيا الغربية أن تدفع لإسرائيل والهيئات اليهودية الأخرى تعويضات تبلغ (854) مليون دولار، وعندما بدأت هذه التدفقات الهامة في التناقص، ازدادت التعويضات الفردية بشكل غير متوقع، كما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حملة تشجيع استثمار رأس المال الخاص الأمريكي في إسرائيل حينما أخذت حملات الجباية الدولية في التقلص.

وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية على هذا النحو تدفقت الأموال على إسرائيل من الخارج بصفة دائمة، واستخدمت لذلك كلّ القنوات الممكنة مثل الهبات والتبرعات والتعويضات الجماعية والفردية والقروض الحكومية والاستثمارات، ولعبت الحركة الصهيونية العالمية دوراً بارزاً في توفير الدعم الخارجي. وبرزت دولتان اضطلعتا بدور خاص لدعم إسرائيل هما ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وتكونت في الوقت نفسه شركات للاستثمار جمعت بين كبار الرأسماليين في العالم من يهود وغير يهود، وهناك ثلاث قنوات اتخذها التحويل الخارجي للاقتصاد الإسرائيلي وهي التحويلات من طرف واحد والتحويلات الرأسمالية والاستثمارات الأجنبية.

دور الولايات المتحدة الأمريكية لدعم اقتصاد إسرائيل

أولاًً: مرحلة جولات الصراع العربي- الإسرائيلي (1948 – 1974)

ارتبطت الحركة الصهيونية العالمية منذ البداية بحركة الرأسمالية العالمية، وفي بداية القرن علقت الصهيونية العالمية آمالها على ألمانيا ذات الرأسمالية الاقتصادية الصاعدة والمنافسة لبريطانيا، وبعد “تصريح بلفور” وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، انتقل الولاء إلى بريطانيا العظمى التي فتحت أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية. ومنذ الحرب العالمية الثانية نقلت المنظمة الصهيونية العالمية مقرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأخذت تعلق عليها الآمال، بكونها السند الرئيسي للحركة الصهيونية، ولم تظهر الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الصريح والمكشوف إلا مع حرب يونيه 1967، ومنذ ذلك التاريخ وهي لا تخفي علاقاتها الخاصة بإسرائيل ولا التزامها الكامل نحوها.

1. على الرغم من أن الحكومة الأمريكية قد اعترفت بدولة إسرائيل منذ اللحظة الأولى لإعلان نشوئها في 15 مايو 1948، إلا أن الدعم المالي الرسمي الأمريكي لإسرائيل لم يظهر بشكل مباشر إلا عام 1951، حيث بلغ 100 ألف دولار، بل لقد ظلت مساعدات الحكومة الأمريكية لإسرائيل متواضعة للغاية لفترة طويلة، حيث كانت تصل إلى نحو 60-100 مليون دولار سنوياً في المتوسط وبنسبة 1.2% من إجمالي المساعدات الرسمية الأمريكية خلال الفترة من1951 إلى 1970، وكانت القفزة الكبرى في المعدل السنوي للمساعدات مع بداية عام 1971 وحتى عام 1973، حيث بلغ متوسطها ما بين 480 – 600 مليون دولار سنوياً، لكن المساعدات الرسمية الأمريكية لإسرائيل عادت وارتفعت مرة أخرىمنذ عام 1974، حيث بلغ متوسطها السنوي نحو2257) مليون دولار، بنسبة راوحت بين 20 و25% من إجمالي المساعدات الرسمية الأمريكية لكلّدول العالم.

2. إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل” اقتصادية – عسكرية”: بلغت خلال الفترة من عام 1951 وحتى عام 1959 552.9 مليون دولار تمثل نحو 1.2% من إجمالي المساعدات الأمريكية عن تلك الفترة والتي بلغت 45536 مليون دولار، وازدادت خلال الفترة بين عامَي 1960 و1969 إلى 834.8 مليون دولار تمثل نحو 1.4% من إجمالي المساعدات الأمريكية التي بلغت 61528 مليون دولار، وازدادت خلال الفترة بين عامَي 1970 و1974 إلى 4356.9 مليون دولار.

3. كان أول تمويل قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، في نوفمبر 1949، في صورة قرض من البنك الأمريكي للتصدير والاستيراد بمقدار 135 مليون دولار، منها 20 مليون دولار للآلات الصناعية، وفي عام 1951، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية هبة بمبلغ 65 مليون دولار، وقرضاً من بنك التصدير والاستيراد الأمريكي قدره 30 مليون دولار، بينما كانت حصيلة سندات إسرائيل 74 مليون دولار، وكان الغرض من الهبة تنفيذ عدد من المشروعات الإسرائيلية الهامة مثل إنجاز مشروع مصنع السماد الكيماوي ومشروع بوتاس البحر الميت وإنتاج الكبريت والفوسفات واستغلال مصافي البترول في حيفا وشراء زوارق صيد وسيارات نقل مجهزة بثلاجات.

4. كذلك استفادت إسرائيل منذ عام 1951 من المعونة الفنية طبقاً لبرنامج النقطة الرابعة، وفي عام 1952 قدمت الولايات المتحدة الأمريكية 73 مليون دولار لتوطين المهاجرين والنهوض العمراني والاقتصادي وكان بنك التعمير والاستيراد قد بادر منذ العام الأول لنشوء إسرائيل بمنحها قرضاً بمبلغ مائة مليون دولار، ومنذ عام 1955 حصلت إسرائيل على مساعدات أمريكية طبقاً لبرنامج فائض الحاصلات الزراعية، ناهيك من التبرعات التي قدمتها منذ اللحظة الأولى، الجمعيات اليهودية والهيئات الخيرية والصناديق التابعة للاحتكارات الكبرى مثل روتشيلد وفورد وروكفلر.

5. بعد حرب يونيه 1967، صارت الولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الرئيسي للأموال الأجنبية على اختلاف أشكالها من تبرعات وقروض واستثمارات، وعلى سبيل المثال، فإن المساعدات الأمريكية التي قدمتها خلال السنوات الخمس الأولى التي تلت العدوان قد تجاوزت ضعف ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات مماثلة لإسرائيل طيلة العشرين عاماً السابقة، وفيما بين عامَي 1969 و 1972 أيْ خلال 4 سنوات حصلت إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية على 1369.6 مليون دولار، أيْ ما يزيد على ما تلقته منها طوال العشرين عاماً من 1949 إلى عام 1968، الذي بلغ 1327.4 مليون دولار.

6. تصاعدت المعونات الرسمية الأمريكية لإسرائيل ابتداءً من عام 1971، عندما قفزت القروض العسكرية الأمريكية من 85 مليون دولار في عام 1969 إلى 545 مليون دولار عام 1971،علاوة على 55.5 مليون دولار قروض برنامج الغذاء، وتلقت إسرائيل مساعدات قدرها 973.7 مليون دولار خلال عامَي 1972 و1973.

7. وفي عام 1973، تلقت إسرائيل 912 مليون دولار منحة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، خلاف المساعدات التي بلغت 492.8 مليون دولار، وفي عام 1974 بلغت المنح المباشرة 790 مليون دولار، فلقد أستأنفت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتها الضخمة لإسرائيل بهدف تحويل موازين القوى لمصلحتها، فحصلت إسرائيل بعد الحرب على مساعدات قدرها 2646.35 مليون دولار لتمويل شراء الأسلحة منها مليار ونصف المليار دولار في شكل منحة عسكرية، وعلى 982.7 مليون دولار قروض عسكرية، والباقي منح اقتصادية ، وظلت تخصص مبلغاً منها مماثلاً لتمويل مشتريات الأسلحة. وفي السنوات التي تلت حرب أكتوبر، أصبحت الهبات والقروض الميسرة من الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل تتراوح بين مليار ونصف مليار دولار سنوياً.

8. وفي ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية القروض الأمريكية لإسرائيل، تُعَدّ قروضاً ميسرة تماماً، حيث تحصل على فترات سماح للتأجيل، والإعفاءات الدورية من الديون السابقة، والمبادرة بتقديم منح أو قروض جديدة، علاوة على المعاملة التفضيلية في التعريفة الجمركية والمعاملة الضريبية المتميزة التي تعامل بها الهبات الممنوحة لإسرائيل، كلّها تجعل القروض الأمريكية مثل قروض سندات إسرائيل.

9. وعن المساعدات الأمريكية لإسرائيل، فتقدر إحصائيات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن إدارة الرئيس جونسون قدمت لإسرائيل ما مقداره (359) مليون دولار خلال الفترة من 1964 حتى 1968 منها نحو 151 مليون دولار هي مساعدات اقتصادية ولبرامج الغذاء، وبذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المرتبة الأولى في تزويد إسرائيل بالسلاح والأموال والدعم السياسي.

وفي عهد الرئيس نيكسون – وعلى الرغم من أنه لم يكن مديناً بنجاحه لأصوات اليهود – إلا أنه أرسل 50 طائرة فانتوم لإسرائيل وأكثر من 75 مليون دولار مساعدات اقتصادية، والتي ظلت ترتفع باطراد ليصل مجمل المساعدات في الموازنات المعلنة في الفترة من 1968 حتى 1974 نحو 4.623 بلايين دولار. أمّا الرئيس فورد فقد كان من أوائل النواب الذين طالبوا إسرائيل في عام 1970 بعدم الانسحاب من أية أراضٍ عربية محتلة، وكان من أجرأ الرؤساء في حضور حفلات الجباية الصهيونية للأموال لإسرائيل، كما سجل أرقاماً قياسية في الدعم والمواقف المنحازة لإسرائيل، وأول من سلح إسرائيل بطائرات أف 15، أف 16 وصواريخ بيرشنج القادرة على حمل رؤوس نووية.

10.وفيما يتعلق بالتبرعات والهبات اليهودية الأمريكية، فقد وصل حجم تبرعات اليهود الأمريكيين لإسرائيل منذ عام 1948 وحتى بداية عام 1975 إلى أكثر من 11 مليار دولار، واللافت، على سبيل المثال، أنه خلال حرب 1967 جُمعَت تبرعات طوارئ بلغت 175 مليون دولار في يوم واحد. كما جمعت منظمة “سندات إسرائيل” منذ نشوء إسرائيل وحتى عام 1971 مبلغ 1890مليون دولار وتباع السندات بأجل يراوح بين 10 و15 سنة بفائدة تبلغ 4%، ولصاحب السند أن يطلب الدفع عند الاستحقاق بالليرة الإسرائيلية لغرض الاستثمار أو السياحة داخل إسرائيل، وتقدر المبيعات الأمريكية من سندات إسرائيل بنحو 70% من مبيعاتها في العالم كل هدا في ضوء العلاقات الاسرائيلية الامريكية

والواقع أن تبرعات المنظمات الصهيونية الأمريكية تزيد عادة من المساعدات الحكومية الأمريكية لإسرائيل، ويقدم التبرعات الخاصة كبار الرأسماليين حيث تفرض ضريبة على دخولهم لمصلحة إسرائيل، كذلك فإن هذه التبرعات تشكل مع حصيلة سندات إسرائيل التي تباع في الولايات المتحدة الأمريكية، وسيلة ملائمة لإخفاء الحجم الحقيقي للمساعدة الأمريكية لإسرائيل.

11.وفيما يتعلق بالاستثمارات الأمريكية في إسرائيل: فتتمتع هذه الاستثمارات بضمانات خاصة، إذ تحصل على الحدّ الأقصى من التسهيلات والامتيازات الممنوحة لأصحاب رؤوس الأموال الخاصة. وقبل نشوء إسرائيل، كانت الاستثمارات الأمريكية تتعاون مع الوكالة اليهودية في إرساء بدايات الاقتصاد اليهودي في فلسطين، ولعبت الدور البارز عندئذ شركتان هما (الشركة الاقتصادية الفلسطينية) و (الشركة الأمريكية الفلسطينية)، وقد تأسست الأخيرة لتنمية علاقات التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وللمساعدة في تنمية الموارد الاقتصادية ومنح عون مالي للمشروعات التجارية والمصرفية والائتمانية والصناعية والزراعية والتعاونية، وقد عمدت الشركة إلى تأسيس شركات عديدة داخل إسرائيل، بالمشاركة مع الهستدروت “الاتحاد العمالي الاشتراكي”.

12. وبعد تأسيس إسرائيل، أقبلت رؤوس الأموال الأمريكية عليها، خلال عشر سنوات من عام 1952 حتى عام 1962، وزادت رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في إسرائيل 3-4 مرات، بينما زادت الاستثمارات الأمريكية فيها أكثر من 8 مرات. وقبل حرب يونيه 1967، بلغت قيمة الاستثمارات الأمريكية في إسرائيل مليار دولار، وأصبح رأس المال الأمريكي عندئذ يمثل 60% من مجموع الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، حيث كان نمو 200 شركة أمريكية تشكل شبكة كاملة من الفروع والوكالات في جميع أنحاء الاقتصاد الإسرائيلي، وكان أهمها شركة (امبال) لتصنيع البترول والغاز، والتي شاركت في تأسيس بنك التنمية الصناعية الإسرائيلي الأمريكي، بهدف تمويل المشروعات الصناعية والاستثمارات طويلة الأمد.

13. وبعد حرب يونيه 1967، زحف رأس المال الأمريكي إلى إسرائيل، حيث قفز من 40 مليون دولار عام 1967 إلى 93 مليون دولار خلال الستة الأشهر الأولى من عام 1968، وتدفقت رؤوس الأموال الأمريكية على الأراضي التي احتلت، فشيدت فندق هليتون القدس وفندق هيات هاوس في القدس العربية، كما نفذت الشركات الأمريكية مشروعات قيمتها 106 ملايين دولار تضم المؤسسات العملاقة التالية: موتورولا، مونسانتو، وستنجهاوس، فنادق هوليداى، وتيكو للكيماويات، كما نفذت مجموعة إخوان ماير أعمال الاستثمار وتمويل التجارة الخارجية، ودخلت استثمارات أمريكية تحت أسماء مستعارة في تأسيس شركات للتنقيب عن البترول في خليج السويس ومياه البحر المتوسط، مثل شركة بتروكان وشركة أعمال البحر الميت التي تستغل الاحتياطيات الهائلة للفوسفات في البحر الميت، وسعت الولايات المتحدة الأمريكية لبناء خط أنابيب البترول “إيلات ـ عسقلان” ليكون البترول العربي تحت سيطرة إسرائيل.

14.ويمكن القول إن العون الأمريكي لإسرائيل هو فيض دافق بلا حدود، فالتحويلات الأمريكية التي كانت تمثل 20% من إجمالي التدفقات المالية لإسرائيل قد ارتفعت في السنوات التي تلت حرب 1973إلى 50%، والاستثمارات الأمريكية أصبحت تمثل 62 – 70% من إجمالي الاستثمارات الخاصة في إسرائيل.

ولا شك أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل لا تقف عند حدّ هذا التمويل بكافة أشكاله، فهناك مساعدات أخرى غير مباشرة تتمثل في تيار التجارة المتبادلة إذ تستوعب الولايات المتحدة الأمريكية 20% من صادرات إسرائيل، وفي مقدمتها الماس، كما أنها تزود إسرائيل بأغلب وارداتها الإستراتيجية، وفي مقدمتها البترول والخامات والمنتجات الزراعية. كما تتعاون معها أيضاً في مجال البحوث العلمية والتطبيقية وفي نقل التكنولوجيا وكلّها علاقات عضوية تسهم في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي على الرغم من مشاكله الهيكلية المزمنة.

ثانياً: مرحلة الاستقلال الاقتصادي الإسرائيلي (1975- 1985)

خلال هذه المرحلة حاولت إسرائيل إحداث نوع من الاستقلال الاقتصادي عن الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما أوضحه إيجال ألون في عام 1977، عندما قال :” إنه ليس هناك أخطر على مستقبلنا الروحي والعقائدي واستقلالنا، من المساعدات التي نتلقاها من الإخوة والأصدقاء”، كما طالب عايزرا وايزمان الرئيس الأسبق لإسرائيل بمزيد من الاستقلال الإسرائيلي عن الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت نفسه كانت هناك اتجاهات مستمرة من قبل المنظمات الصهيونية الأمريكية من أجل مساعدة إسرائيل لتوسيع علاقاتها الاستثمارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك زيادة حجم الاستثمارات الأمريكية في إسرائيل، وتوسيع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فنجد أن إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، قد نجح في عام 1976 بالتعاون مع القيادات اليهودية الأمريكية في إنشاء منظمة أعمال أطلق عليها اسم “لجنة التنمية الاقتصادية لإسرائيل”، والتي كان الهدف منها هو مساعدة إسرائيل اقتصاديا وتقنياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجحت هذه المنظمة بالفعل في العمل مع أكثر من 200 شركة إسرائيلية، وتشكل مجلس إدارة هذه المنظمة من عدد من كبار رجال الأعمال الأمريكيين والإسرائيليين، وقدمت في يونيه 1983 خطة عمل لتحقيق استقلال مالي لإسرائيل قبل عام 1990، وكان من أبرز بنود هذه الخطة:

1. انخراط منظمات يهودية ورجال أعمال يهود في الاستثمار داخل إسرائيل.

2. انخراط هذه المنظمات في توسيع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتوسيع عمليات تسويق الصادرات الإسرائيلية داخل الأسواق الأمريكية.

3. جذب بنوك أمريكية إلى إسرائيل، علاوة على جذب 50 شركة أمريكية ذات تقنية عالية لبناء مصانع لها في إسرائيل.

4. ضرورة انتهاج إسرائيل سياسة صناعية للمستثمرين الأجانب.

5. بيع حكومة إسرائيل لأجزاء من القطاع الحكومي للقطاع الخاص.

6. إنشاء وتطوير منظمة تسويق خاصة لتبادل الاستثمارات في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مع العمل على أن تصبح إسرائيل مركزاً لسوق تجارية عالمية حرة.

7. وضع برامج في الولايات المتحدة الأمريكية لتوفير الفرص لدعوة اليهود للعيش في إسرائيل.

8. إنشاء برامج لتوسيع وتطوير الصادرات الإسرائيلية، مع توسيع وتطوير عمليات البحوث الصناعية والتطوير، خاصة مراكز البحث والجامعات والمعاهد الإسرائيلية.

ومن المحاولات الأخرى للاستثمار في إسرائيل، ما بادر إليه عدد من الأثرياء اليهود والمسيحيين الأصوليين الصهاينة من تأسيس ما يسمى صندوق إسرائيل الإستراتيجي في دالاس بولاية تكساس برأسمال قدره (140) مليون دولار، ومن أجل الدعاية لهذا الصندوق لجذب الاستثمارات الأمريكية إلى إسرائيل قال رئيس الصندوق: “إن إسرائيل هي القوة العظمى التالية، ونحن نحقق أرباحاً كثيرة بالاستثمار في إسرائيل والتي تملك أفضل العقول في العالم وتنتج أعظم المنتجات بأسعار منافسة، ولقد استطاعت إسرائيل أن تقتحم سوق المال والبورصة في نيويورك بشركاتها الطبية ونظمها البنكية وأساليب التقنية العالية”.

واليهودي الأمريكي يشعر وهو خارج إسرائيل بأن قوّته التي يتمتع بها في الساحة الأمريكية تعود إلى قوة إسرائيل التي يحتمي بها وتخترق القوانين الدولية وقواعد الشرعية الدولية. ولتعويض النقص الذي يحس به – نظراً لعدم استجابته لنداء دولة إسرائيل للهجرة إليها والبقاء في أمريكا- فإنه يقُدم لإسرائيل مُختاراً أو مُضطراً ضريبة عالية سياسية واقتصادية ومالية وفي صور وأشكال مختلفة.

هذا وقد شهد عام 1974 رقماً قياسياً في جمع الجباية، حينما جمع بليون دولار من اليهود وأصدقائهم وأرسل إلى إسرائيل، وفي هذا العام نفسه، وحينما حدد الكونجرس سقفاً للمبيعات العسكرية لإسرائيل بمبلغ 730 مليون دولار. وكان مطلوباً من إسرائيل أن تقترض 300 مليون دولار لتغطية جزء من هذه المشتريات، عندئذ تقدمت الحكومة الأمريكية بضمان هذا القرض حيث قامت بتغطيته عدة جهات صهيونية منها بيوت مال يملكها الصهيوني لوب روديس بطرح سندات ضمان مدتها عشرون عاماً، واشترت جزءاً منها مقاطعات محلية في لوس أنجلوس وشيكاغو وتنيسي ووسكاونسن وميتشجن، بالإضافة إلى اتحاد صناعة الملابس النسائية، وقد أعلن وقتها سكرتير عام هذا الاتحاد قائلاً:”نحن مهتمون بهذا القرض لأنه يخدم قضية هامة”.

وخلال الفترة من 1975 وإلى 1985 وصل مجمل المساعدات الأمريكية لإسرائيل إلى 27342.6 مليون دولار، منها (16600) مليون دولار مساعدات عسكرية ومنح وقروض اقتصادية تبلغ قيمتها 9424.5 مليون دولار، والباقي مساعدات في مجال برنامج الغذاء ومنح لتوطين المهاجرين اليهود وقروض إسكان بضمانات ومنح للمستشفيات والمدارس.

وتقسم هذه المساعدات إلى ثلاث فترات زمنية كالآتي:

1. الفترة 1975- 1977

إجمالي حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل 5265.7 مليون دولار، منها مساعدات عسكرية 3 مليارات دولار، و1854.5 مليون دولار مساعدات اقتصادية، علاوة على 33.6 مليون دولار برامج غذاء و 70 مليون دولار لتوطين مهاجرين، و 75 مليون دولار قروض إسكان، 12 مليون دولار منح للمستشفيات والمدارس، علاوة على أنواع أخرى.

2. الفترة 1978- 1981

إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 11295 مليون دولا، منها 7400 مليون دولار مساعدات عسكرية، (3119) مليون دولار مساعدات اقتصادية، 50 مليون دولار قروض إسكان، 15.7 مليوناً منح مستشفيات ومدارس، 12.9 مليون دولار لبرنامج التغذية، 95 مليون دولار لتوطين المهاجرين، علاوة على أنواع أخرى.

3. الفترة 1982- 1985

إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 10781.9 مليون دولار، منها 6200 مليون دولار مساعدات عسكرية و4451 مليون دولار مساعدات اقتصادية و 52.5 مليون دولار لتوطين المهاجرين اليهود، 14.9 مليون دولار منح مستشفيات ومدارس علاوة على أنواع أخرى.

ومع تصاعد حجم المساعدات وأسلوب دفعها بصفتها منحاً لا ترد واستخدام بعضها لتطوير صناعات عسكرية إسرائيلية داخل أمريكا، فإن الحكومة الأمريكية أنفقت ما يقارب 1500 دولار على كلّ إسرائيلي بعد أن كان المبلغ 700 دولار قبل عام 1973، وذلك يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت على كلّ إسرائيلي ما نسبته 40% مما تنفقه على المواطن الأمريكي الذي يبلغ متوسط الإنفاق له3700 دولار، كما أن إسرائيل تأخذ أكثر من ثلث المساعدات الكلية المقررة للعالم الثالث كلّه.

ويمكِّن التحليل الميزات التي اتصفت بها هذه المساعدات خلال الفترة من 1975 إلى 1985، من تعرُّف مساحة أكبر من هذه المساعدات وأهم الميزات الخاصة بها.

1. منذ عام 1975، تسلمت إسرائيل كلّ المساعدات الاقتصادية نقداً، كما سمح لإسرائيل بحرية استعمال المساعدات بدون تحديد للمشروعات أو البرامج أو الأغراض.

2. منذ عام 1979، مُنحت إسرائيل حق الدخول في مناقصات وعطاءات القوات المسلحة الأمريكية وخاصة في مشروعاتها فيما وراء البحار، كما سمح لها أيضاً بتسديد قيمة الأسلحة الأمريكية مقابل بضائع إسرائيلية.

3. منذ عام 1980 وبعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979، تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية، بتزويد إسرائيل بالنفط عند حدوث أزمة تؤدي لانقطاعه عن إسرائيل، وهو أول اتفاق من نوعه تعطيه الولايات المتحدة الأمريكية لإحدى الدول.

4. في عهد إدارة الرئيس رونالد ريجان سمح لإسرائيل باستخدام 900 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لتطوير الطائرة ليفي على الرغم من منافستها للطائرات الأمريكية، وعلى الرغم من أن تقديرات وزارة التجارة الأمريكية تشير إلى أن قيمة تصدير بليون دولار يخلق فرص عمل لنحو 24 ألف عامل أمريكي.

5. منذ موازنة عام 1984، بدأت إسرائيل في تسلم قيمة كلّ المساعدات المالية المخصصة لها مرة واحدة، في بداية السنة المالية في شهر أكتوبر، بخلاف أسلوب الأقساط وهو ما كان متبعاً في تسلم المساعدات سابقاً.

6. أقر الكونجرس تشريعاً يقضي بألاَّ تقلّ قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل منذ موازنة عام 1984 عن مستوى قيمة الأقساط السنوية لديونها للولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعروف أنه قد أُجِّل دفع هذه الديون التي تقدر بنحو 23.5مليار دولار منها 11.5 مليار دولار تخص الحكومة الأمريكية و 9.5 مليارات دولار ديون عسكرية تخص البنتاجون وحده. ومنذ العام نفسه، تحولت كلّ أنواع المساعدات الأمريكية لإسرائيل إلى منح لا ترد.

وبعد 35 عاماً من الصداقة الإسرائيلية ـ الأمريكية، يأتي الرئيس الأمريكي ريجان ليقول :” إن إسرائيل هي رصيد إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وحليف وشريك في حماية المصالح المشتركة في الشرق الأوسط”.

الأزمة المالية في إسرائيل خلال الثمانينيات

خلال عقد الثمانينيات وبسبب حرب لبنان، واجه الاقتصاد الإسرائيلي مشاكل عديدة، لعل أبرزها هو انخفاض الإنتاجية وسقوط معدل النمو الاقتصادي إلى الصفر، بالإضافة إلى المعدلات العالمية للتضخم وصعود حجم الدين الخارجي، وقد أُجِّل دفع الأقساط والفوائد في محاولة لإسقاطهما نهائياً، هذا بالإضافة إلى (5) مليارات دولار تخص يهود العالم وخاصة يهود الولايات المتحدة الأمريكية من حملة السندات والأوراق المالية الإسرائيلية، وينظر إليها في جملتها بشكل عام على أنها نوع من المشاركة في بناء إسرائيل وتعويض عن عدم هجرتهم إليها، وهي عموماً قروض طويلة الأمد وبفائدة منخفضة نسبياً، وكذلك نحو 6 مليارات من الدولارات من مدخرات الإسرائيليين في البنوك الإسرائيلية وتتميز بأنها ذات مدد قصيرة الأجل، إضافة إلى قروض على أسس تجارية تخص بشكل أساسي بنوكاً أمريكية وبعض بنوك ألمانيا الغربية.

وهكذا يتضح أن أكثر من 70% من هذا الدين الخارجي لإسرائيل غير مبني على أسس تجارية متعارف عليها، أمّا بقية الدين، فهو يعود على البنوك التجارية بما فيها البنوك الإسرائيلية، ونصف هذه البقية تقريباً مبني على أساس قروض قصيرة المدى.

ويقول الكاتب الإسرائيلي رافائيل بنفينيستى:” هناك اعتقاد دائم وسط الرأي العام والسياسيين من إسرائيل ، بأنه إذا ساءت الأحوال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تهب لنجدتنا ومساعدتنا”، ويقول أيضاً: “لا أحد يهتم مادام وراءه بنك يدفع”.

كما يقول ستيفن سيجال الأستاذ بجامعة كاليفورنيا:” يجب أن لا ينظر إلى المساعدات الأمريكية على أنها إحسان لإسرائيل، بل يجب النظر إليها بصفتها جزءاً من الأمن والدفاع والمصالح الحيوية الأمريكية مثل حلف الناتو تماماً، وأن إسرائيل ليست مشكلة للولايات المتحدة الأمريكية بل رصيد وسند لها”.

وعموماً فمنذ صيف عام 1984، وبعد شهور قليلة من توقيع اتفاق التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تولت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني مسؤولية علاج الأزمة الجديدة في الاقتصاد الإسرائيلي، وفي أغسطس 1984، زار الولايات المتحدة الأمريكية فريق عمل إسرائيلي برئاسة وزير المالية. تحدثت الجرائد الأمريكية عن اقتراح بمنح إسرائيل معونة مالية عاجلة تراوح ما بين 700 مليون ومليار دولار، وكانت إسرائيل قد طلبت معونة عاجلة قيمتها نحو مليار دولار بالإضافة إلى مليارَين و600 مليون دولار المقررة في موازنة عام 1985.

وفي المشروع المقدم من الإدارة الأمريكية إلى الكونجرس والخاص بالمساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل في موازنة عام 1985، تبنى السناتور الجمهوري ” شارلز بيرسي”، مع بعض القيادات الصهيونية مثل “كلارنس لونج” الديموقراطي، اقتراحاً بزيادة المساعدات أكثر مما طلبت الإدارة الأمريكية لتصبح صفقة كاملة تضم مليار و400 مليون دولار هي مساعدات عسكرية بزيادة قدرها 55 مليون دولار على مساعدات عام 1984 ومليار و200 مليون دولار مساعدات اقتصادية بزيادة قدرها 290 مليون دولار على المخصص في عام 1984؛ لكي تساعد إسرائيل في حل أزمتها الاقتصادية وخاصة مشكلة النقص في السيولة النقدية.

ولأول مرة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، تقدمت الحكومة الأمريكية بعدة مقترحات لإصلاح الاقتصاد الإسرائيلي في عام 1985 والذي أطلق عليه خطة “هيبرت” ذات النقاط العشر والتي تتضمن “استقطاع مليارَين من الدولارات من الموازنة التي بدأت في أبريل 1985 وخفض الاستهلاك خاصة من السلع المستوردة وتحديد مستوى معين من التضخم تلتزم به الحكومة واستقطاع من الدعم الحكومي للسلع وإعادة تثمين قيمة الشيكل وزيادة حجم القوة الاقتصادية وتجميد الأجور من أجل خفض الأسعار وزيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وتحقيق استقلالية بنك إسرائيل عن الحكومة”.

وفي الوقت نفسه، فقد تصاعدت الضغوط الإسرائيلية والصهيونية الأمريكية ومعها الكونجرس، تطالب كلّها بالإفراج عن المساعدات الإضافية لإسرائيل من دون انتظار حدوث إصلاح في الاقتصاد الإسرائيلي. وفي 15 مايو 1985، طلب الرئيس ريجان رسمياً من الكونجرس الموافقة على تقديم مليار ونصف المليار دولار مساعدة خاصة لإسرائيل، حيث قام مجلس الشيوخ بإقرارها في اليوم عينه، بينما كانت لجنة الشؤون الخارجية واللجنة الفرعية للمخصصات في مجلس النواب قد وافقتا على هذا المبلغ قبل أن يطلب منهما الرئيس رسمياً، وهكذا حصلت إسرائيل على المساعدات العادية والطارئة، وهذا يعني أن اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية قادر على الضغط على الإدارة الأمريكية والكونجرس من أجل دعم إسرائيل بمطالبها من المساعدات حتى لا يتأثر اقتصادها بأيّ شكل من الأشكال.

وواقع الأمر أن نحو ثلثَي المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية كانت لأغراض عسكرية، وجاء نصيب المساعدات الاقتصادية أقلّ من الثلث، وبهذا تكون المساعدات الأمريكية عنصراً حاسماً لدعم الأمن القومي الإسرائيلي، حتى لا تتحمل إسرائيل عبء المطالب العسكرية التي قد تؤثر بشكل مباشر على اقتصادها، بحيث يمكن تخصيص جزء من مواردها لأغراض التطور الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى حجم المنح والقروض الاقتصادية، فإن حجم المساعدات العسكرية يصل إلى نسبة 57 – 65% من حجم المساعدات الأمريكية، ويصل حجم المساعدات الاقتصادية إلى نسبة 30-35%.

ومنذ عام 1976 وحتى عام 1985، زاد حجم المساعدات العسكرية الأمريكية بشكل واضح، فوصلت وصلت إلى نحو 1400 – 1700 مليار دولار، 50% – 60% منها في المتوسط في شكل قروض والباقي منح بمتوسط سنوي (500 – 850) مليون دولار، وبلغت هذه المنح خلال هذه السنوات العشر (7700) مليون دولار. كما أن القروض العسكرية قروض ميسرة جداً، حيث تسدد على 30 سنة بعد فترة سماح مدتها عشر سنوات وبسعر فائدة 2 – 3 %.

ومع بداية عقد الثمانينيات كان هناك تطور مهم آخر في العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فقد اتخذ الكونجرس قراراً بأن تصبح المساعدات الاقتصادية الأمريكية لهذه الدولة جميعها في شكل منح منذ العام المالي 1981، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت المنح تمثل 80% من المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل خلال الفترة من 1974 إلى 1983. ويمكن القول إن هذه الفترة تمثل عقد التحول الإستراتيجي، ويدعم هذا الاستنتاج أن هذه التطورات قد توجت بتوقيع مذكرة التفاهم حول التعاون الإستراتيجي بين البلدَين في 30نوفمبر1981.

إنه من الملاحظ من خلال عرض هذه المساعدات المالية، أن هناك ارتباطاً بين الخط البياني لهذه المساعدات وموقف الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، فلقد كانت الطفرة الكبرى فيها عام 1974انعكاساً لنتائج حرب أكتوبر 1973، وإعلاناً عن التزام الولايات المتحدة الأمريكية الحاسم بحماية إسرائيل وضمان تفوقها، كما كانت الطفرة الكبرى الأخرى بعد ذلك بخمس سنوات عام 1979، بمناسبة توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إيذاناً ببدء مرحلة السلام بمبادرة مصرية وتصور إسرائيلي ومباركة أمريكية، ومن ثم فهو أمر مثير للخيال والتأمل أن يكون كلّ من الحرب والسلام سبباً في تصاعد حدة التأييد الأمريكي لإسرائيل والدعم المالي لها.

العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في المجال الأمني والعسكري بعد أحداث سبتمبر 2001

مثلت أحداث 11 سبتمبر 2001، حداً فاصلاً للنظام العالمي الجديد، لأنها أصابت قلب الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة على هذا النظام، وأنزلت بها من الخسائر ما لم تكن تتوقعه عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة. وانعكست الخسائر الأمريكية على كلّ العالم بدرجات متفاوتة، وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد الإرهاب، وطالبت العالم كله بالوقوف معها في معاركها السياسية والعسكرية والاقتصادية ضد المنظمات الإرهابية والدول التي تشجع الإرهاب، وما أطلقت عليه “الدول المارقة”. وقد اغتنمت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة، لتحقق مزيداً من المكاسب بتوظيف العولمة لمصلحتها بدرجة أشد كثافة من قبل.

وربما كان انعكاس أحداث سبتمبر على المنطقة الشرق أوسطية يفوق مثيله في بعض المناطق الأخرى عدا منطقة شبه القارة الهندية التي شهدت أحداث أولى جولات الحرب ضد الإرهاب، والانعكاس يتحدد في النظرة الأمريكية للمنطقة العربية وإسرائيل فيما قبل وبعد سبتمبر 2001.

كان التغلغل الأمريكي في المنطقة العربية يستند إلى الأوضاع العربية الداخلية التي تتسم بالافتقار إلى الديموقراطية، ولكن بعد أحداث سبتمبر تأكد للولايات المتحدة الأمريكية أن حالة النظم العربية هي عامل رئيسي في التأثير في مصالحها ونفوذها في المنطقة وبالتالي تهديد للأمن القومي الأمريكي. في الوقت الذي استمرت فيه إسرائيل حليفاً إستراتيجياً موثوقاً في قدرته وكفاءته لتحقيق المصالح الأمريكية.

ومن هنا فإن محور السياسة الأمريكية الذي تركز عبر نصف قرن على حماية إسرائيل، وتأمين مصادر النفط، ومحاربة النفوذ الشيوعي، تعدل ليصبح حماية إسرائيل وتأمين مصادر النفط وتدعيم الوجود الأمريكي الجديد في المنطقة بمزيد من الضغط المباشر على الأنظمة العربية المعتدلة وغير المعتدلة.

وفي بداية تولي الرئيس بوش السلطة في يناير 2001، لم تكن قضية الشرق الأوسط ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي عاب فيه الرئيس بوش على إدارة سلفه الرئيس كلينتون الانغماس في قضية الشرق الأوسط، بينما لم يحقق فيها التأثير المطلوب، ثم جاءت أحداث سبتمبر، واتهام تنظيم القاعدة بتركيبته الشرق أوسطية إجباراً لإدارة بوش على الانغماس بدورها في القضية نفسها.

أولاً: الأهداف والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بعد أحداث سبتمبر، ودور إسرائيل في تحقيقها

تتعدد وتتشابك المصالح الأمريكية في المنطقة، وقد أثبتت أحداث سبتمبر، ومن قبلها أحداث عاصفة الصحراء عام 1991، أن إسرائيل ليست الحليف الإستراتيجي المطلق للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولكنْ هناك دور لإسرائيل، ودور آخر للدول العربية المعتدلة، ولا بدّ أن تبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهداً للتنسيق المباشر مع كلّ الأطراف.

ووفقاً للرؤية الأمريكية، فإن التوازنات الإستراتيجية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تتطلب توثيق العلاقة بين الدفاع والأمن، حتى يمكنها أن تحافظ على مكانتها الدولية وزعامتها في قيادة العالم، ويكون هذا الأمن محققاً من خلال تحالف دولي يحقق تغييراً للخرائط السياسية في مناطق المصالح الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً. وكانت إسرائيل هي أول من تفهمت هذا الموقف لتستثمره لمصلحتها في المنطقة.

وهناك اتفاق إسرائيلي ـ أمريكي غير معلن للقضايا التي تمس المصالح الأمريكية، والتي تمس الأمن الإسرائيلي، ودور كلّ منهما للعمل على تفعيل تلك القضايا لمصلحة الآخر. كذلك هناك العديد من المسائل الإستراتيجية التي يجب أن تبتعد عنها إسرائيل تماماً، من منطلق أن أيّ تدخل أو مشاركة إسرائيلية سوف تؤدي إلى معارضة عربية شديدة تضر بالمصالح الأمريكية نفسها، ويأتي في مقدمتها:

1. الأوضاع العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على التواجد العسكري في منطقة الخليج من منطلق تحقيق مصالحها الحيوية، واستجابة لرغبة بعض دول الخليج في تحقيق الأمن، وهذا الوجود تدعم في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، وخصوصاً الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية لتقليص قدرة العراق في امتلاك أسلحة تدمير شامل. وتحرص الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تثير إسرائيل أيّ مطالب للمساهمة في ذلك الوجود، أو تبادل زيارات أو تدريب مشترك أو أيّ عنصر من عناصر التعاون مع القوات الأمريكية الموجودة في الخليج حتى لا تثير المشاعر العربية وهذا الوجود مر بثلاث مراحل منذ عام 1991 وحتى الآن.

المرحلة الأولى: الوجود من أجل تحقيق أمن الدول الخليجية مقابل أجر منذ عام 1991، وكان هذا الوجود بديلاً عن اتفاق دمشق الذي وقعته الدول الخليجية مع مصر وسورية عام1991، والذي أمسى غفلاً.

المرحلة الثانية: الوجود من خلال عقد اتفاقيات أمنية مع دول الخليج كلّ على حدة، وكان ذلك منذ عام 1993، من أجل إقرار الوجود وشرعيته.

المرحلة الثالثة: تكثيف التواجد من خلال اتفاقيات أمنية موسعة، بحيث انتقلت قيادة الأسطول الخامس إلى البحرين، وقيادة القوات الجوية المركزية الأمريكية إلى قطر، وتجهيز قاعدة إدارية في عمان مع استمرار الوجود في المملكة العربية السعودية والكويت.

ومن خلال ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية حققت وجودها في أهم منطقة في العالم تتوسط أهدافها الإستراتيجية في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وتقترب من مناطق المصالح الإستراتيجية القادمة في وسط آسيا وشبه القارة الهندية.

ولاشك أن أيّ تنسيق إسرائيلي ـ أمريكي بخصوص هذه القواعد، أو ربطها مع المخزون الإستراتيجي الأمريكي في إسرائيل، سوف يثير مشاعر الدول العربية، وبما يهدد المصالح الأمريكية نفسها.

2. أمن منابع البترول

وهي مسألة تتعلق بسابقتها، فعلى الرغم من أن أحد أهداف العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية هو لتأمين، والحفاظ على منابع البترول، إلا أنه منذ عام 1990، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، هي التي تتولى التأمين من خلال وجودها في الخليج، وتبعد إسرائيل تماماً لعدم إثارة الشعور العربي.

ثانياً: الحرب ضد الإرهاب

جاءت أحداث سبتمبر 2001 لتغيير مفهوم العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية تجاه النظام العالمي الجديد، ولتصبح إسرائيل، من خلاله، أداة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط لدعم القرار الأمريكي في الحرب ضد الإرهاب، ولتطلق الولايات المتحدة الأمريكية يد إسرائيل لتحقق العديد من أهداف ومصالح إسرائيل نفسها، تحت ستار هذه الحرب. لذلك سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بدور محدود في نطاق المشرق العربي (فلسطين – الجنوب اللبناني)، دون الانتشار أكثر من ذلك. حيث تتولى الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها باقي المناطق من خلال سياسات مختلفة.

ووجهة النظر الإسرائيلية ـ الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط أنها منطقة يتغلغل فيها الإرهاب والذي ينتشر في أرجاء العالم ويمس المصالح الإسرائيلية ـ الأمريكية. وعندما حددت الولايات المتحدة الأمريكية الدول المارقة، فإنها اختارت أربع دول عربية من هذه الدول (سورية ـ العراق ـ ليبيا ـ السودان)، إلى جانب وجود عناصر من القاعدة في كلّ من اليمن والمملكة العربية السعودية والصومال، والكويت، والإمارات وكلّها دول تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك فإن إسرائيل أضافت الفلسطينيين وحزب الله اللبناني إلى لائحة الإرهاب.

 العلاقات الإسرائيلية الأمريكية
العلاقات الإسرائيلية الأمريكية

ومن هنا، فإن إسرائيل يجب أن تبتعد عن المشاركة في أيّ عمليات تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب في المناطق وبالأساليب التالية:

1. العراق: حيث إن مشاركة إسرائيل في أيّ عمليات عسكرية، سوف تؤدي إلى انهيار التحالف مع الدول العربية الفاعلة، وتخسر الولايات المتحدة الأمريكية الكثير نتيجة مشاركة إسرائيل.

2. أمن البحر الأحمر: حيث إن الدول العربية الفاعلة مصر والمملكة العربية السعودية تَعُدّان أمن البحر الأحمر مسؤولية عربية خالصة، وأن أيّ وجود إسرائيلي في هذا البحر يؤثر على الأمن القومي العربي. كذلك فإن للولايات المتحدة الأمريكية قدراتها العسكرية المنتشرة جنوب البحر الأحمر، دون الحاجة إلى مشاركة إسرائيلية.

3. محاولة الالتفاف لمساعدة أيّ دولة لشن أعمال عدوانية ضد دول عربية: مثل مبادرة تركيا إلى تأكيد وجودها في المنطقة الكردية، أو العدوان على الحدود السورية.

4. شن إسرائيل عمليات عسكرية باستغلال الهجوم الأمريكي المحتمل ضد العراق: مثل أن تهجم على لبنان أو سورية، أو الحدود المصرية، وبما يمثل إحراجاً لموقف الولايات المتحدة الأمريكية، وفض التحالف العربي من حولها.

في الوقت عينه، أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل للتصرف تجاه الفلسطينيين، إضافة إلى التعرض لحزب الله في الجنوب اللبناني. ويأتي ذلك بذريعة حرص الولايات المتحدة الأمريكية على أمن إسرائيل، إلى جانب إطلاق يدها لتقليص قدرة الفلسطينيين، وبما يحقق إذعانهم لشروط السلام في مرحلة مقبلة، والقبول بالمشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي لإنشاء الدولة الفلسطينية وفي هذا:

1. مارست إسرائيل إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين، وتغاضت الولايات المتحدة الأمريكية عما تقترفه إسرائيل بل عطلت العديد من القرارات الدولية التي تدين الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

2. رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن ما تفعله إسرائيل يأتي في نطاق الحرب ضد الإرهاب، والذي يشمل مسرح العالم، وأن إسرائيل تضطلع بدورها في الشرق الأوسط لتدمير البنية التحتية للإرهاب في فلسطين.

3. نسقت إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية تسجيل المنظمات الفلسطينية حماس – الجهاد التي تكافح وتقاوم الأعمال العسكرية الإسرائيلية، لتكون على لائحة المنظمات الإرهابية التي يجب التصدي لها وينطبق عليها شروط الحرب ضد الإرهاب عسكرياً واقتصادياً ومعنوياً، من دون أن تفصل الإدارة الأمريكية ما بين مفهوم الإرهاب والتصدي للاستعمار، أو أن تحدد ميدان المعركة، هل هو كلّ أرض فلسطين أم الأماكن المحدودة التي توجد بها هذه المنظمات.

4. دعمت الإدارة الأمريكية الموقف الأدبي لرئيس الوزراء الإسرائيلي “أريل شارون” في ممارساته الإرهابية ضد الفلسطينيين ووصفه الرئيس الأمريكي بوش بأنه “رجل سلام”، متغاضياً عن شعور الرأي العام العالمي ضد ممارساته.

5. حرصت الإدارة الأمريكية على تحقيق مطالب إسرائيل الاقتصادية والعسكرية من أجل الاستمرار في مقاومة الانتفاضة.

6. حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على دفع بعض حلفائها لتأييد ما تفعله إسرائيل في المنطقة، ويثير الرأي العام العالمي، وجاء ذلك عن طريق توقيع إسرائيل لاتفاقيات مع العديد من الدول لمقاومة الإرهاب بشكل عام ومن دون أن يذكر الفلسطينيون مباشرة. وقد شملت هذه الاتفاقيات دولاً في المنطقة مثل تركيا ، ودولاً أخرى، مثل أستراليا وغيرها.

ثالثاً: تصاعد الدور الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين نتيجة للدعم الأمريكي

منذ تولي شارون السلطة في إسرائيل في فبراير 2001، فقد كان برنامجه الانتخابي، هو تحقيق أقصى قدر من الأمن للإسرائيليين، وعلى ذلك فقد تعلقت به آمال الشعب الإسرائيلي في إخماد الانتفاضة الفلسطينية التي تسبب هو نفسه في إشعالها حين دخل المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000.

وقد كانت الانتفاضة تشكل عاملاً سلبياً، محدوداً، في هذا الوقت على الأمن الإسرائيلي، وبالتالي تنعكس آثارها على الأمن القومي الأمريكي، حيث حدثت في توقيت متزامن معها ومن دون تنسيق مسبق ما بين الانتفاضة وبعض الأعمال المضادة للوجود الأمريكي في المنطقة، مثل الهجوم على المدمرة كول، ثم أعقبها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

بدأ شارون في تصديه للانتفاضة الفلسطينية باتفاق إسرائيلي ـ أمريكي من خلال مشروع “المائة يوم” والذي يستهدف مواجهة الانتفاضة بأقصى عنف لإخمادها، وقد نسق تلك الخطة مع الإدارة الأمريكية، التي كانت تستهدف التهدئة في منطقة الشرق الأوسط، حتى تتفرغ لتنفيذ أولويات اهتمامها في العالم، من دون ضغوط حيث لم يكن الشرق الأوسط ضمن هذه الأولويات وفشلت المائة يوم الأولى، ثم المائة الثانية، وأخل شارون بتعهداته للإدارة الأمريكية.

وبعد أحداث سبتمبر 2001 تطور الفكر العسكري الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة، بدءاً بخطة “بكل الألوان” والتي تستهدف اقتحام بعض مناطق السلطة الفلسطينية، وقتل الفدائيين الفلسطينيين، وفشلت أيضاً هذه الخطة، لتتطور إلى خطة “جهنم”، التي تركزت على اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية بالكامل وإعادة الحصار وتدمير البنية التحتية الفلسطينية.

وتحمل الفلسطينيون كلّ إجراءات القمع الإسرائيلية، وازدادت عملياتهم الاستشهادية داخل إسرائيل، ثم تطورت الخطة إلى “حقل الأشواك” بإنشاء مناطق عازلة بين المدن والقرى الفلسطينية لمنع الفلسطينيين من الانتقال الآمن، وتلتها خطة “السور الواقي” ببناء أسوار عالية على نمط “حائط برلين”، للفصل ما بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل، مستقطعة أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية. وخلال عمليات القمع ضد الفلسطينيين امتد الجدار في مرحلته الأولى إلى 110 كم، وفي المراحل التالية إلى نحو315 كم، تقتطع إسرائيل من خلاله مساحات كبيرة من أراضي فلسطين، وباكتمال هذا الجدار ستعزل المدن والقرى الفلسطينية، وتوضع تحت مراقبة إلكترونية مع إحاطة الجدار بخنادق تمنع سكانها من مغادرتها أو الوصول إلى مزارعهم إلا من خلال بوابات محددة وبعد الحصول على تصاريح لعبور تلك البوابات.

وحرصت إسرائيل في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، أن تستغل الفرصة، لتعلن أنها في حرب مستمرة ضد الإرهاب، وتعني بذلك الفلسطينيين، متمشية بذلك مع السياسة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب.

ومع التأييد الأمريكي المطلق للتوجه الإسرائيلي، فقد انعكست آثار هذا التأييد على المصالح الأمريكية نفسها في المنطقة كالآتي:

1. فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقية كونها قوة عظمى وحيدة تدير النظام العالمي، وأصبحت في نظر الشعوب العربية تكيل بمكيالَين، وتؤيد إسرائيل تأييداً أعمى على حساب العرب. وقد انعكس ذلك على الشارع الأمريكي نفسه، والذي بدأ يتساءل “لماذا يكرهوننا” علماً بأن الشعوب العربية أو الإسلامية لا تكره الشعب الأمريكي ولكن تكره الانحياز الأمريكي تجاه إسرائيل على حساب العرب.

2. أدى الانحياز الأمريكي إلى ازدواجية الاتهام من وجهة نظر الرأي العام العربي وذلك من خلال إقرار الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، فيما تقترفه الأخيرة من قمع في الأراضي الفلسطينية حيث كان العلم الأمريكي مستهدفاً إلى جانب العلم الإسرائيلي في الحرق من قبل المظاهرات الشعبية العربية المؤيدة للفلسطينيين، كذلك استهداف بعض المنشآت الأمريكية، وتصاعد شعارات مقاطعة كلّ ما هو أمريكي.

3. فقدت الولايات المتحدة الأمريكية حريتها في اتخاذ القرار لتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق، نتيجة لتصاعد الرأي العام العالمي الرافض للحرب وموقف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية نفسهم من هذه الحرب، كما فقدت التحالف العربي المؤيد لها، بل إن قادة الدول الفاعلة في المنطقة مثل مصر، طالبوا بنزع أسلحة التدمير الشامل الإسرائيلية والتفتيش عليها على المستوى نفسه للجان التفتيش الموجهة إلى العراق.

4. اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية للرضوخ إلى مطالب الشركاء الأوروبيين وروسيا والدول العربية الفاعلة مصر، والمملكة العربية السعودية لإصدار قرار متوازن خاص بالعراق القرار الرقم 1441، من أجل الحفاظ على التحالف الدولي، وهو إجراء يعطي دلالات هامة للغاية في أن النظام الدولي الجديد لن يقتصر على القرار المطلق للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الحلفاء سوف يكون لهم دور في القرارات المصيرية، وهو ما ينطبق أيضاً على قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

5. أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية من حساباتها قدرة، إسرائيل تماماً في مسألة العراق، على الرغم من أن إسرائيل دائماً كانت هي التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة إلى العراق، من أجل تقليص قدراتها، والتحول بالأسلوب نفسه إلى دول عربية أخرى، وذلك حتى لا تفقد الولايات المتحدة الأمريكية التحالف مع الدول العربية.

رابعاً: انعكاسات العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية بعد أحداث سبتمبر

هناك انعكاسات إيجابية من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وإسرائيل، وهناك انعكاسات سلبية أيضاً.

1. الانعكاسات الإيجابية

أ. أعلنت إسرائيل نفسها قوة رئيسية مؤثرة في الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً وتتحكم في مسار الأحداث، طبقاً لرؤيتها هي، وليس نتيجة لضغوط معينة.

ب. كشفت إسرائيل عن ضعف النظام العربي، وعدم قدرته على تحقيق إستراتيجية متكاملة لمواجهتها، وفي هذا فقد أضافت قدرة للنظام الأمريكي في إثبات احتياج النظام العربي لجهوده لإيقاف ممارسات إسرائيل:

ج. فتح المجال كاملاً أمام الإدارة الأمريكية في تحقيق إستراتيجيتها في المنطقة والتي تتحدد في:

(1) عدم السماح بنشوب حرب نظامية بين إسرائيل وإحدى جاراتها الرئيسية مصر وسورية.

(2) التحكم في مسار الأزمة من خلال قرار أمريكي تفرضه في الوقت المناسب.

(3) تأكيد تقارب الأنظمة العربية من النظام العالمي الجديد، وإقرار اعتراف تلك الأنظمة بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي القادرة على تحقيق مسار السلام في المنطقة.

(4) تأكيد الفجوة التكنولوجية بين العرب وإسرائيل من ناحية استخدام القدرة العسكرية مستقبلاً.

2. النتائج السلبية من وجهة نظر أمريكية – إسرائيلية

أ. على الرغم من آلة الحرب الإسرائيلية المتطورة، فإنها لم تتمكن من إيقاف الانتفاضة، وتحملت خسائر كبيرة تصل نسبتها إلى نحو عشرين في المائة من خسائر الفلسطينيين البشرية، على الرغم من الفارق في التسليح والتدريب والسيطرة، وقد تحملت إسرائيل خسائر بشرية ما بين 600 – 700 قتيل وآلاف الجرحى من خلال نحو مائة وعشر عمليات فدائية، في الفترة من سبتمبر 2000 إلى أكتوبر 2002.

ب. تضرر الاقتصاد الإسرائيلي أضراراً بالغة، لدرجة أن انهيار التحالف ما بين الليكود والعمل، في نوفمبر 2002، كان بسبب الموازنة الاقتصادية، وتخصيص مبالغ للمستوطنات الإسرائيلية يحتاج إليها الجيش في دعم قدراته، وقد تحملت إسرائيل خسائر من جراء الانتفاضة بلغت نحو اثنَي عشر مليار دولار حتى منتصف عام 2002.

ج. ازدادت نسبه الهجرة المضادة من إسرائيل إلى الخارج بأعداد كبيرة.

د. ازدادت المقاومة للوجود الأمريكي في المنطقة، وأهمها ما حدث في الكويت من مهاجمة أفراد عسكريين أمريكيين عدة مرات خلال شهريّ أكتوبر ونوفمبر 2002.

هـ. رفض المملكة العربية السعودية استخدام أراضيها في ضرب العراق.

و. الرفض الجماعي العربي لتوجه الولايات المتحدة الأمريكية لضربة عسكرية ضد العراق.

خامساً: الإجراءات الأمريكية لإحداث توازن في المنطقة

على الرغم من حرص الإدارة الأمريكية على دعم إسرائيل وضمان بقائها وأمنها وجعلهما هدفاً رئيسياً للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، إلا أن هناك عوامل رئيسية تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذها ضماناً لمصالحها في المنطقة والتي يأتي في مقدمتها:

1. تأمين الوجود الأمريكي في منطقة الخليج واستمرار شرعيته.

2. تأمين مصادر البترول، وتدفقه إلى الغرب بمعدلات مناسبة.

3. تأمين طرق المواصلات من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق والغرب، والتي تتحكم فيها دول المنطقة.

4. تأمين التحالف الدولي ضد الإرهاب، واضطلاع الدول العربية باجتثاث جذور الإرهاب في أراضيها.

5. يضاف إلى كل هذا متغيران رئيسيان، هما:

أ . توجه الولايات المتحدة الأمريكية لتقليص قدرات العراق من أسلحة التدمير الشامل التي تدعي أن العراق لا يزال يحتفظ بها، ومن خلال تقليص قدرة العراق يتحقق مزيد من التأمين إلى دول الخليج وإسرائيل، نتيجة حرمان العراق كلّ مصادر قوّته العسكرية إلى جانب تغيير نظام الحكم العراقي الذي أدى إلى امتلاك هذه الأسلحة.

ب. إنهاء مشكلة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ضمن نطاق شامل لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، لكونه جزءاً من هدف النظام العالمي الجديد، حتى يتحقق استقرار المنطقة من جانب، وحتى لا يؤثر التوتر الحادث حالياً في تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في شن ضربه ضد العراق.

وإذا كانت الالتزامات الأمريكية ثابتة في الأربعة عوامل الأولى، إلا أن المتغيرَين المضافَين يمثلان موقفاً حاداً في الإستراتيجية الأمريكية، لأن الدول العربية بالكامل، ترفض توجيه ضربة عسكرية للعراق، وتؤثر أن يكون الحل سلمياً وبالطرق الدبلوماسية، نتيجة لقبول العراق استقبال المفتشين الدوليين.

وقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية منذ تحقيق انتصارها في أفغانستان، والذي واكب تصعيد العمل العسكري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، أن تتخذ موقفاً متوازناً في مسار الأحداث في المنطقة ينبع من ثلاث ركائز:

1. توقف العمليات الفدائية الفلسطينية داخل إسرائيل، والتي أدت إلى الانكشاف الإستراتيجي الإسرائيلي، وتكبيدها خسائر بشرية واقتصادية، إلى جانب إحساس الإسرائيليين من الداخل بعدم الأمان، وبالتالي تزداد الهجرة المضادة إلى خارج إسرائيل. يزاد على ذلك أن الإدارة الأمريكية وصفت الانتفاضة بالإرهاب في 2 نوفمبر 2001، وبما يطلق يد شارون لمزيد من التصعيد وتقويض السلطة الفلسطينية.

2. محاولة لتخفيف الحصار عن الفلسطينيين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية وحتى لا تنسف إسرائيل ما تحقق من خطوات سابقة على طريق السلام، وحتى لا تُتهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأنها تتغاضى عن حقوق الإنسان المهدرة في فلسطين، وقد عَدّ شارون في وقت من الأوقات ذلك التوجه من الإدارة الأمريكية تضحية بإسرائيل لإرضاء العرب.

3. طرح المبادرات السلمية لدفع الأطراف للجلوس على مائدة المفاوضات وتجنب أعمال العنف المتبادلة، ويأتي ذلك تتويجاً لجهود الدول العربية الفاعلة وأهمها مصر والمملكة العربية السعودية، والتي تتولى الضغط المستمر على الإدارة الأمريكية لممارسة مسؤوليتها تجاه الفلسطينيين.

سادساً: المبادرات الأمريكية لإنهاء الصراع العسكري الفلسطيني – الإسرائيلي

1. تقرير جورج ميتشيل: “George Mitchell”

وهو الذي وضعته لجنه بقيادة جورج ميتشيل، الرئيس السابق لمجلس الشيوخ الأمريكي، وحددت توصياته في 30 أبريل 2001، وأعلنت في مؤتمر شرم الشيخ، وقد قبلت كلّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية المقترحات الواردة في التقرير والتي تتلخص في الآتي:

أ . إنهاء العنف بصورة فورية، عبر تنفيذ وقف فوري غير مشروط للعنف، والاستئناف الفوري للتعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ثم بناء الثقة.

ب‌. على حكومة إسرائيل تجميد كلّ نشاط استيطاني بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات الموجودة.

ج. على إسرائيل أن تضمن أن جيشها يتخذ إجراء الرد “غير القاتل للفلسطينيين”.

د . على إسرائيل فك الحصار وتحويل كلّ الموارد الضريبية للسلطة الفلسطينية.

هـ. على السلطة الفلسطينية عدم الاستتار بالأماكن الآهلة بالسكان لإطلاق النيران ضد الإسرائيليين.

و . وعليها استئناف التعاون مع السلطات الأمنية الإسرائيلية.

ز . على الطرفَين تدارس اتخاذ إجراءات أمنية لحماية المناطق المقدسة للأديان الثلاثة.

وقد قتلت تلك المبادرة بمجرد ولادتها، حيث إن كلّ طرف قرأ بنودها بمفهوم مغاير عن الآخر إلى جانب أنه في بداية التقرير، برأ ميتشيل شارون من أنه تسبب في الانتفاضة نتيجة زيارته للمسجد الأقصى وهو ما أغضب العالم العربي. وللإشراف على تنفيذ بنود التقرير فقد كلفت الولايات المتحدة الأمريكية المبعوث “وليام بيرنز” التوجه إلى المنطقة في السابع والعشرين من مايو 2001 لتقريب وجهات النظر ولكنه فشل في التوصل إلى نقاط اتفاق بين الطرفَين.

2. وثيقة تينيت “Teneit”

مع انهيار الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية بما كان ينذر باشتعال حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، فقد بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إرسال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “جورج تينيت” إلى المنطقة في 5 يونيه2001، بهدف وقف إطلاق النيران بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهي المهمة التي انتهت بخطة عرفت باسمه.

واحتوت على تأكيد التزام أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية بتطبيق اتفاقات لجنة ميتشيل. كما تعرض التقرير للأسلوب الذي تتعاون فيه أجهزة الأمن لكلا الطرفَين لفرض مناطق عازلة، والتصدي لأعمال العنف. ويطلب التقرير بدء عقد الاجتماعات الأمنية خلال أسبوع، لوضع جدول زمني محدد لرفع الحصار الداخلي عن المدن الفلسطينية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من داخل المدن ومطار وميناء غزة. وفشلت مقترحات تينيت أيضاً في تحقيق تقارب فلسطيني ـ إسرائيلي.

3. مهمة المبعوث الأمريكي أنتوني زيني

في أعقاب الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي “كولين باول” 19 نوفمبر 2001، وحدد فيه السياسة الأمريكية إزاء عملية السلام على المسار الفلسطيني وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، على أن يعيش العرب والإسرائيليون معاً في سلام وأمن، ودعا فيه عرفات إلى بذل أقصى الجهود لوقف ما أسماه بالعنف ضد إسرائيل، كما دعا شارون لوقف كلّ أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية مع العمل من أجل استئناف المفاوضات التي يجب أن تتمخض عن نشوء دولة فلسطينية تتمتع بكلّ المقومات، على أن تعترف هذه الدولة بإسرائيل دولة يهودية لها الحق في العيش داخل حدودها الآمنة.

قررت الإدارة الأمريكية إرسال بعثة سلام أمريكية برئاسة الجنرال المتقاعد “أنتوني زينى” ومساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز إلى الشرق الأوسط، على أن تبدأ مهمتها في 26 نوفمبر 2001. وتعددت زيارات الجنرال زيني للمنطقة، وكان باستمرار غير محايد من وجهة النظر الفلسطينية، وبالتالي فقد فشلت مهمته.

4. مهمة وزير الخارجية الأمريكي “كولين باول” في المنطقة

في أعقاب اجتياح إسرائيل للأراضي الفلسطينية ” خطة السور الواقي” في 27 مارس 2002 وارتكابها مذبحتَي جنين ونابلس وحصارها المدن الفلسطينية الأخرى، فإن الرئيس بوش لم يكن راضياً عن التصرف الإسرائيلي، والذي جاء في أعقاب مؤتمر القمة العربي في عمان والذي أرسل رسالة سلام إلى إسرائيل.

وقد حركت مذبحة جنين مشاعر العالم أجمع، وبما جعل الرئيس بوش، يرسل تهديداً صريحاً لإسرائيل من أجل إيقاف اجتياحها للأراضي الفلسطينية والانسحاب إلى أوضاع ما قبل 28سبتمبر 2000.

وأعلن الرئيس بوش أنه كلف وزير الخارجية الأمريكي التوجه إلى المنطقة لإيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإنهاء حالة العنف، وعودة الأطراف إلى مائدة المفاوضات، وإنهاء الحصار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وقد بدت مظاهر عدم نجاح مهمة باول في تأجيلها عدة مرات لأسباب غير مقنعة، ولكن كانت حقيقتها هي ترك إسرائيل، حتى تنهي مهمتها في عملية السور الواقي وخصوصاً في جنين، والتي حدثت فيها مذبحة رهيبة.

وقد زار كولين باول المنطقة في النصف الأول من مايو 2002، ولم يحقق شيئاً أمام التعنت الإسرائيلي وبالتالي فقد فشلت مهمته تماماً وعاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنه سوف يعود مرة أخرى لجولة أخرى من المباحثات وهو ما لم يحدث.

5. مبادرة الرئيس بوش للسلام في الشرق الأوسط

في 24 يونيه 2002، حدد الرئيس بوش خطته للسلام والتي بدأها في بيانه بأن “الوضع بائس ويائس بالنسبة للفلسطينيين، ومن الصعب عليهم العيش تحت بند الاحتلال والهجمات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه، فإنه من الصعب على الإسرائيليين العيش تحت بند الإرهاب”.

وتركزت أفكار البيان على الآتي:

أ . تأييد الولايات المتحدة الأمريكية نشوء دولة فلسطينية مؤقتة في غضون ثمانية عشر شهراً.

ب. دعوة إسرائيل إلى الانسحاب لمواقعها قبل 28 سبتمبر 2000.

ج. نشوء دولة فلسطينية دائمة في غضون ثلاث سنوات في إطار تسوية نهائية في الشرق الأوسط.

د . إن أيّ تسوية يجب أن تعتمد على قرارَي مجلس الأمن رقمَي 242، 338 مع ضرورة حل القضايا المتعلقة بالقدس ولجنة اللاجئين الفلسطينيين وتحقيق السلام بين إسرائيل وكلّ من سورية ولبنان.

ولم ينسَ الرئيس بوش وصف القيادة الفلسطينية بأنها قيادة غير مسؤولة تشجع على الإرهاب، ولا بدّ من تغييرها.

6. قرار مجلس الأمن الرقم 1397 الصادر في 12 مارس 2002

مع تصاعد الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية، فقد تصاعد تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة وكان هناك متغيران رئيسيان أمام الإدارة الأمريكية:

الأول : يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها حيث تقترب الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ وانتخابات مجلس النواب، والتي يستهدف الرئيس الأمريكي من خلالها الحصول على أغلبية برلمانية مناسبة، كذلك فإن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق، كان يتطلب إيجاد تحالف عربي معها، وهو لن يتحقق مع تصاعد الحصار الإسرائيلي للفلسطينيين من دون تدخل أمريكي لإيقاف هذا الحصار، وإزالته.

الثاني: خاص بإسرائيل نفسها، وهو عبء المعاناة التي تلاقيها إسرائيل من استمرار الانتفاضة والتي أثبت الفلسطينيون خلالها قوة إرادة وشجاعة على الاستمرار ورفض الاستسلام، ومعاناة إسرائيل تنعكس في جزء كبير منها على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

لذلك فقد تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس الأمن بالقرار رقم 1397 في 12 سبتمبر 2002، والذي يُعَدّ ترجمة لبيان الرئيس بوش في 24 يونيه 2002، والذي ووفق عليه بالإجماع، وهو أول قرار دولي رسمي يحدد نشوء دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيلية في فلسطين، ويتلخص القرار في الآتي:

أ . يؤكد مجلس الأمن رؤية تتوخى منطقة تعيش فيها دولتان إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها.

ب. يعلن بالغ قلقه إزاء استمرار أعمال العنف المأساوية التي وقعت منذ سبتمبر 2000.

ج. يرحب بالجهود الدبلوماسية للمبعوثين الخاصين في الشرق الأوسط ويشجعهم على بذل جهود لإقرار السلام.

د . يطالب بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف.

هـ. يدعو الجانبَين الفلسطيني والإسرائيلي للتعاون في تنفيذ خطتَي ميتشيل وتينيت.

7. قرار مجلس الأمن الرقم 1402 الصادر في 30 مارس 2002

استمرار أعمال العنف المتبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين واستمرار الرفض العربي لضرب العراق اضطرا الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم مشروع قرار آخر لمجلس الأمن، كانت الموافقة عليه بالإجماع ويتلخص في الآتي:

أ . يعرب المجلس عن بالغ قلقه إزاء استمرار تفاقم الحالة.

ب. يدعو الطرفَين إلى أن يقدما فوراً على تنفيذ وقف فعلي لإطلاق النار، ويدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية.

ج. يؤكد من جديد طلبه الوارد في القرار الرقم 1397 بوقف جميع أعمال العنف على الفور.

8. “خريطة الطريق”

وهي إفراز لجهود اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط، والتي عقدت في شهر سبتمبر2002 بحضور وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية الروسي، وممثل الاتحاد الأوروبي، والأمين العام للأمم المتحدة إلى جانب وزيرَي خارجية مصر والأردن.

وقد صِيغَت الخطة بواسطة الإدارة الأمريكية، ووضعت اللجنة الرباعية ملاحظاتها عليها، كما حملها المندوب الأمريكي لاستطلاع آراء الدول المهتمة في المنطقة.وهي تتأسس على قرارَي مجلس الأمن رقم 242 ، 338، ومقررات مؤتمر مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والمبادرة العربية.

تنفذ الخطة من خلال ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تمتد من أكتوبر إلى ديسمبر 2002: وتتخذ خلالها السلطة الفلسطينية عدة إجراءات منها:

أ . تعيين حكومة فلسطينية جديدة.

ب. إعلان حق إسرائيل في الوجود وبسلام وأمن.

ج. الوقف الفوري للانتفاضة المسلحة وجميع أعمال العنف.

د . إعادة بناء نظام أمني متكامل تحت إشراف لجنة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والأردن.

وتتخذ إسرائيل من جانبها عدة إجراءات منها:

أ . تحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني.

ب.الكف عن إجراء العمليات التي تمس الثقة خاصة مهاجمة المدن وتدمير البيوت والأملاك الفلسطينية.

المرحلة الثانية: تُنجز خلال عام 2003: وتنفذ خلالها السلطة الفلسطينية الآتي:

أ . مواصلة إجراءات الإصلاح السياسي وتعزيز دور المجلس التشريعي.

ب. التوصل إلى اتفاق أمني جديد مع الإسرائيليين وفق خطة “تينيت”.

وتنفذ إسرائيل من جانبها ما يلي:

أن يعيد الجيش الإسرائيلي نشر قواته في المواقع التي كان يتمركز فيها قبل 28 سبتمبر 2000.

ويتخذ العرب من جانبهم مع إسرائيل إجراء الآتي:

أ . تعيد مصر والأردن سفيرَيهما في إسرائيل.

ب. تبدأ محادثات سلام بين إسرائيل وكلّ من سورية ولبنان.

ج.استئناف المحادثات متعددة الأطراف.

المرحلة الثالثة خلال عامَي 2004 و2005

أ . وتُجرى خلالها مفاوضات الحل النهائي لإعلان دولة فلسطين في نهاية عام 2005. على مرحلتَين:

(1) المرحلة الأولى: إعلان دولة داخل حدود مؤمَّنة بنهاية عام 2004.

(2) المرحلة الثانية: إعلان دولة داخل حدود رسمية ولها مؤسساتها عام 2005.

ب. تطبيع العلاقات ما بين إسرائيل والدول العربية.

الملاحظات الرئيسية على الخطة

أ . المرحلة الأولى خلال عام 2002 لم تتحقق مع مرور الوقت. وحُلَّت وحل حكومة الائتلاف الإسرائيلية، وسيبدأ شارون في إقرار هذه الخطة بعد الانتخابات الإسرائيلية الجديدة في 28 يناير 2003. علماً بأن شارون أعلن أن هناك خططاً حديثة سوف تعلن عقب الانتخابات ولن تكون خريطة الطريق هي الخطة الوحيدة.

ب. الخطة لا تحتوي على جداول زمنية محددة تفرض على الجانبَين، حيث إن خبرة التفاوض مع إسرائيل أنها لا تلتزم بأيّ توقيتات مفتوحة، وقد تحقق ذلك خلال “المرحلة الأولى من الخطة”، المفروض أن تنفذ خلال عام 2002.

ج. تركت الخطة الأسباب الرئيسية لفشل جميع المحادثات السابقة المتعلقة بالقدس واللاجئين والحدود، إلى المرحلة الثالثة، وهي معرضة أيضاً للفشل.

والحصيلة النهائية أن العلاقات الإستراتيجية ما بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تتأثر حالياً بشدة نتيجة إدراك الولايات المتحدة الأمريكية بأن مصالحها في المنطقة لن تتوقف على علاقاتها بإسرائيل فقط، ولكن مصالحها الرئيسية تتأثر بشدة طبقاً لطبيعة علاقاتها مع العرب، وهذا ما يجب أن يستثمره العرب.