محتويات هذا المقال ☟
ما هي أسباب الفشل الأمريكي في أفغانستان؟
يرى الكثير من المراقبين أن أمريكا فشلت في أفغانستان ولم تحقق أهدافها التي غزت البلد من أجلها , وفي هذا السياق
سلط موقع “ذي هيل” الضوء في تقرير على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وقال التقرير إن الرئيس جوزيف بايدن لا يتفق كثيرا مع سلفه دونالد ترامب، لكنهما كانا على موقف واحد وهو أن الحرب الطويلة في أفغانستان، والتي تعد من أطول حروب الولايات المتحدة في تاريخها يجب أن تتوقف. وهناك غالبية من الجمهوريين والديمقراطيين يوافقون على ضرورة مغادرة أفغانستان وترك الأفغان لقدرهم.
وكما قال الرئيس يوم الخميس في دفاعه الحار عن قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان قبل 11 أيلول/ سبتمبر، “لم نذهب إلى أفغانستان لبناء أمة”.
ويبدو أن كلمة “بناء الأمة” أصبحت كلمة قذرة في الذخيرة اللغوية للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو مفهوم مرتبط بشكل لا يتجزأ بالمغامرات الأمريكية الكارثية بمرحلة ما بعد 9/11 في أفغانستان والعراق.
وكان يطلق عليه في الماضي “التدخل الإنساني” في الصومال وكوسوفو والبوسنة وهاييتي وتيمور الشرقية.
شكوك في منطق التدخلات العسكرية
وطالما شك المحافظون في منطق التدخلات العسكرية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان. لكن أمريكا تدخلت كثيرا منذ الحرب الباردة. وكما قال المحلل الأمريكي فرانسيس فوكوياما بمقال له بمجلة “ذا أتلانتك” (2004) فقد التزمت أمريكا ببناء الدول في الفترة ما بين الحرب الباردة وعام 2005.
وناقش فوكوياما أنه كان على أمريكا تحسين طرق بناء الدول، لأنها ستتدخل مرة أخرى، لكن حربي العراق وأفغانستان كانتا وراء توقف الحماس لبناء الدول أو التسامح معه، على الأقل مؤقتا.
وقال ريتشارد كلارك، المسؤول السابق في شؤون الأمن القومي وخدم في الإدارات الديمقراطية والجمهورية: “لا يوجد هناك مدافعون كثر عن فكرة بناء الدول”. وكانت أي إدارة ستغزو أفغانستان بهدف تدمير القاعدة وملاحقة أسامة بن لادن.
لكن معظم الرؤساء الأمريكيين سكنهم هاجس الذهاب لأفغانستان وتحويلها لدولة تشبه أمريكا. وقال كلارك: “نحن الأمريكيون، نميل للتفكير أن كل مشكلة لها حل، بالعمل الصعب والإنفاق الكثير والذكاء”.
وقال دوف زاخيم، المسؤول الدفاعي في إدارة ريغان وبوش إنه توصل قبل عقدين أن بناء الدول لا يخدم المصالح القومية الأمريكية. وفي كتابه “حكاية فولكان: كيف أساءت إدارة بوش التعامل مع إعمار أفغانستان” قال: “لم ننجح”.
بريطانيا لديها تاريخ إستعماري ناجح
وربما كان البريطانيون بتاريخهم الاستعماري الطويل أنجح، إلا أن زاخيم يرى أن الفرق هنا هو أن المكاتب الاستعمارية البريطانية كان يعمل فيها فريق كرس حياته لفهم والتلاعب بسكان الدول التي تستعمرها بريطانيا.
أما أمريكا “فقد كانت تفتقد للحساسية الثقافية، فأنت تنقل الجيش والمجندين من كنساس إلى مزار شريف، فماذا تتوقع إذا”.
ولكنه يرى أن المهمة في أفغانستان كانت ستنجح لو لم يحرف بوش نظره بغزو العراق في 2003، و”تم نقل المصادر من أفغانستان إلى العراق”.
وبحلول عام 2003 عاد مليونا أفغاني إلى بلدهم وفتحت المدارس والأعمال الصغيرة وانتشر الإعلام الحر والمنظمات غير الحكومية واختفت طالبان. ثم انحرف نظر الأمريكيين نحو العراق بنتائج كارثية و”المشكلة” يقول زاخيم إنه “من السهل حرف نظرنا”.
وفي خطابه يوم الخميس قال بايدن إن التاريخ حذر من الفشل المحتوم في أفغانستان “لم تستطع أمة توحيد أفغانستان” لا بريطانيا أو الاتحاد السوفييتي و”لن أرسل جيلا آخر من الأمريكيين إلى حرب في أفغانستان بتوقعات منطقية لتحقيق نتيجة مختلفة”.
التخلي عن حلم مستحيل
لكن هناك فرقا تقول ميلر بين التخلي عن حلم مستحيل لبناء دولة حرة ومستقلة ومستقرة في أفغانستان، بسبب الخلافات القبلية والدينية والكراهية الإثنية من جهة والتخلي عن الحرية الاقتصادية وحقوق الإنسان التي عززها الوجود الأمريكي خلال العشرين عاما الماضية.
ولو توصلت أمريكا لنتيجة أنها لم تعد قادرة على بناء الدولة وتحقيق استقرار فيها، ولم تعد قادرة على التضحية بجنودها وأموالها لكان عليها التعلم، لكنها لم تتعلم.
فالخروج السريع وتقليل الخسائر بدون خطة واضحة لن يؤثر فقط على مصداقية أمريكا ولكنه قد يهدد الأمن الأمريكي. ويبدو بايدن كالهارب من أفغانستان بدون معالجة الموضوع الأساسي هذا كما يقول السفير الأمريكي السابق فرانك وينزر.
ففي خطابه الذي وصفه وينزر “بالمؤسف” لم يتحدث بايدن عن خططه لدعم الحكومة الأفغانية المحاصرة واحتواء الفوضى التي قد تنشأ من سقوطها، بالإضافة لمنع طالبان من مهاجمة القوات الأمريكية وذبح أعدائها واستضافة القاعدة من جديد.
فالولايات المتحدة تغادر بدون وضع قدرات أمنية تساعدها على حماية القوات الأفغانية أو القيام بعمليات رقابة ومكافحة إرهاب سريعة في كل البلد.
وفي خطابه أكد بايدن أن العاصمة كابول لن تكون سايغون 1975 عندما قام جيش شمال فيتنام بالسيطرة عليها “لن تكون هناك ظروف نرى فيها عملية إجلاء الناس من سقف السفارة الأمريكية في أفغانستان”.
لكن ما هي خططه لحماية 18.000 أفغاني تعاونوا مع القوات الأمريكية أو عائلاتهم التي يتراوح عددها ما بين 58.000 – 75.000 فرد ممن ستكون حياتهم في خطر لو انتصرت طالبان؟
ويتوقع وينزر زيادة عدد الأفغان الذين سيحتاجون للحماية، وساعد وينزر في عملية الإجلاء من فيتنام. ففي البداية قدرت واشنطن أن 150.000 فيتنامي من الجنوب سيحتاجون للأمريكيين كي يبقوا على قيد الحياة إلا أن العدد زاد ووصل إلى مليون وعلى مدى عقد فـ “الأعداد الأولى ليست الأخيرة”.
هجوم واسع لطالبان على القرى والبلدات
وردت حركة طالبان سريعا على الخروج الأمريكي وبدأت بشن هجوم على القرى والبلدات. وسيطرت الحركة خلال الشهرين الماضيين على 150 ولاية من 421 ولاية. ولم يرد بايدن على التطورات بزيادة عدد القوات كما فعل باراك أوباما مترددا في 2009 أو إبطاء عمليات الخروج، بل وأكد أن الانسحاب سيتم في موعده 11 أيلول/سبتمبر.
ووعد بمواصلة دعم الحكومة اقتصاديا وتقوية الجيش الأفغاني لكن وعده خرق بخروج القوات الأمريكية تحت جنح الليل في 2 تموز/يوليو من قاعدة باغرام وبدون إخبار القيادة الأفغانية، حيث وصلت جماعات النهب قبل أن تتسلم القوات الأفغانية القاعدة.
وكان على بايدن أن يتعلم الدرس الأساسي وهو الحماية المبكرة ليس للقوات الأمريكية بل والحكومة الأفغانية والجيش المكلف بحماية 38 مليون أفغاني، هذا علاوة على حماية الأفغان الذين تعاونوا مع الأمريكيين.
وكان عليه التأكد من استمرار الطيران الأمريكي بعملياته من الدول المجاورة لأفغانستان وقدرة الطيران الأفغاني على التحليق حتى بعد خروج المتعهدين الذين عملوا في صيانتها. وكان عليه التعاون مع جيران أفغانستان بما فيها إيران الخائفة من تداعيات سقوط الحكومة وبناء حائط احتواء لو سقطت كابول.