شكل استرداد ميليشيات الحوثي “فرضة نهم” خسارة عسكرية كبيرة للشرعية اليمنية بذات الحال الذي عكسته في نفوس مؤيديها الذين يرون في خسارتها، انتكاسة لحلم استعادة العاصمة صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية. فبعد ثلاث سنوات من سيطرة قوات الجيش اليمني على “نقيل فرضة نهم”، المطلة على صنعاء من جهتها الشرقية، اختلف الوضع اليوم باستعادة الميليشيات السيطرة عليها، إضافة لمواقع أخرى استراتيجية بمحيطها، وهو ما دفع محمد علي الحوثي، عضو المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة حاكمة للحوثيين)، لوصفها بأنها “أهم الجبهات في صنعاء”.
خسائر عسكرية
بحسب اعتراف قيادات عسكرية يمنية، فقد سيطر الحوثيون على سلسلة “جبال يام”، و”معسكر اللواء 312” بعدما كانت القوات الحكومية قد استحوذت عليه في فبراير (شباط) 2016، وهو المعسكر الذي يمثّل أحد أهم المواقع في المديرية، التي تعد بوابة العاصمة الشرقية، وتبعد عنها فقط نحو 25 كم، وسلسلة جبلية تمتد لعدة كيلو مترات، هي بمثابة الستار الذي يفصل قوات الجيش اليمني عن صنعاء، إضافة إلى مواقع استراتيجية أخرى.
العين على مأرب
وبناءً على المعطيات التي انتهجها الحوثيون وكشفها خطاب قادتهم ومقاتليهم، فقد حشدت الميليشيات خلال الأسابيع الماضية آلاف المقاتلين شرقي صنعاء، وكانت أنظارهم تتجه صوب محافظة مأرب الغنية بالنفط (شرق)، التي تضم أعتى معاقل القوات الحكومية الموالية للرئيس هادي منذ اندلاع الحرب مطلع عام 2015.
الهجوم من ثلاثة محاور
وبحسب تصريحات ساقها المتحدث باسم الجيش الحوثي يحيى سريع، “فإن الميليشيات شنّت هجومها نحو مدينة مأرب من ثلاثة محاور مستغلة حالة الهدوء التام التي تسود جبهات القتال خلال الأشهر الماضية”.
وأوضح المتحدث باسم الحوثي، “كان الأول من مديرية صرواح (غربي المدينة)، تمكنوا خلاله من السيطرة على معظم المواقع العسكرية للقوات الحكومية ومنها سلسلة جبال “هيلان” الاستراتيجية، المطلة على الجهة الغربية لها، قبل أن تتمكن القوات الحكومة من صدّ الهجوم وتشن هجوماً مضاداً مسنودة بمقاتلات التحالف. استعادت على إثره معظم المواقع في جبال هيلان الاستراتيجية.”
أضاف، “أما المحور الثاني، فكان الهجوم من مديرية نهم غرب مأرب (التابعة إدارياً لمحافظة صنعاء)، وفيه شن الحوثيون هجمات عنيفة، وحققوا مكاسب عسكرية نتج عنها السيطرة على فرضة نهم، فيما المحور الثالث، انطلق بشن هجمات متفرقة على قوات الجيش في مديرية مجزر (شمالي غربي المدينة)، ذات التضاريس المنبسطة، تمكنوا خلاله من السيطرة على مدينة “براقش” التاريخية ومناطق عسكرية مهمّة سبق للجيش اليمني السيطرة عليها في عام 2016″
رد فعل حكومي هادئ
وبالنظر إلى ردة الفعل الحكومية المنتظرة، ظهرت الشرعية اليمنية متسمة بالهدوء، أي أن الرد العسكري المتوقع في هذه الحروب لم يحضر حتى اللحظة.
لكن محافظ مأرب سلطان بن علي العرادة توعّد الحوثيين بالقتال. وأكد خلال اجتماع عقده فور عودته من السعودية، بالسلطات العسكرية والأمنية بالمحافظة، أن “إقدام ميليشيات الحوثي الانقلابية لن تطأ المحافظة مرة أخرى”. فيما وصفت وزارة الدفاع اليمنية، تراجع قواتها في نهم بأنه “انسحاب تكتيكي”، وهو التصريح الذي قوبل باستهجان شعبي واسع.
اختراق اتصالات الجيش
وفي معلومات مثيرة، تؤكد ما ذهب إليه الكثير عن حالة الإهمال وغياب الاحترافية العسكرية الذي بني عليه تموين الجيش اليمني، تحدثت وسائل إعلام مختلفة نقلاً عن مصادر عسكرية يمنية قولها، “إن من ضمن الأسباب التي مكّنت الحوثيين من إحراز التقدم في جبهة نهم، تمكنهم من اختراق شبكة الاتصالات اللاسلكية الخاصة بالجيش الوطني وإصدار أوامر وهمية إليهم بالانسحاب من مواقعهم، وكذلك قيامها بتعطيل شبكة الاتصالات الأخرى والإنترنت حتى أصبحت المنطقة العسكرية السابعة التابعة للجيش الوطني في تلك الجبهات معزولة تماماً”.
حجة حوثية
ونشر عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي محمد البخيتي تغريدة على تويتر تحدث خلالها عن تقدم المليشيات، قائلاً، “كانت الأمور تسير بيننا وبين حزب الإصلاح بشكل جيد، تهدئة في الجبهات، ودعوة مشتركة لعودة المقاتلين اليمنيين من جبهات الحدود مع السعودية، واستشعار الطرفين لخطر المشروع الإماراتي غرب تعز، وخطر استهداف وحدة اليمن، ولكننا فوجئنا بهجوم مباغت في جبهة نهم وبغطاء جوي من دولتي العدوان (السعودية والإمارات) رغم وجود تفاهم بين العسكريين من الجانبين على الهدنة”.
وتابع البخيتي، “لا نعرف بالتحديد الأسباب التي دفعتهم لهذا التصعيد، وعلى ما يبدو أن ضغوط دول العدوان كانت سببا لذلك، وعلى أي حال فإنها خطوة غير موفقة، ولم تكن في صالحهم خصوصا أن موازين القوى باتت تميل لصالحنا”.
الإصلاح يسخر
ولكن حزب الإصلاح وصف تصريح البخيتي بـ”الممجوج والكاذب”، وقال في بيان رسمي أصدره الحزب ونشره موقع قناة سهيل الناطقة باسمه، إن “البخيتي يحاول من خلالها النيل من مواقف الحزب الثابتة ضد مشروع الحوثي التدميري المدعوم من إيران”، مضيفاً، أن “تلك الأقوال لم تعد تنطلي على أحد وأنها توضح حالة الانهزامية والهستيرية التي يمر بها البخيتي وجماعته”.
تهم فساد
وتتهم المؤسسة العسكرية اليمنية من قبل قطاع واسع من اليمنيين بالفساد والانشغال عن مهام استعادة الدولة بالإثراء وجمع الغنائم والسلاح، ومنها أن 70% من قوام الجيش لأسماء وهمية بحسب تصريح وزير الدفاع اليمني محمد المقدشي، مطلع العام الماضي، وهو ما اعتبره الكثير من أبرز عوامل الانتكاسات العسكرية في غير جبهة وميدان عسكري. كما تتهم بالتقصير في مهام استعادة الدولة من قبضة الميليشيات الحوثية والانشغال بترتيب أوضاع منتسبيها الشخصية خارج الوطن، وترك البلاد تتدبر أمرها داخلياً.
تقصير بلا تبرير
وفي محاولة لفهم تلك التطورات العسكرية المتلاحقة ومآلاتها، سألت “اندبندنت عربية” الخبير العسكري اليمني عبدالعزيز الهداشي، الذي قال، “إن ما حدث في نهم هزيمة مذلة لا يمكن تبريرها لأي سبب كان، عدا كونها تقصيرا واضحا لجيش الشرعية”.
من يخسر الجبل لن ينتصر في السهل
وفي سياق حديثه أضاف الهداشي، “من أولى قواعد الحرب أن من لم يستطع أن يدافع في الجبال الشاهقة والقلاع والثكنات الحصينة، (في إشارة لتضاريس منطقة نهم)، فمن الصعب عليه أن يدافع في أرض مفتوحة وتضاريس سهلة منبسطة”.
ردود فعل لم تتم
وتحدث الهداشي عن الإجراءات الحكومية المفترض حدوثها بعد حادثة نهم، ومنها أنه “كان من المفترض أن يباشر جيش الشرعية بشن هجوم مضاد من جنوب وغرب محافظة الجوف بهدف الوصول السريع إلى مناطق جديدة شمالي صنعاء وشرق عمران لخنق الميليشيات وتشتيتها وإضعاف قدراتها، وهذا ما تنتهجه كل جيوش العالم”.
إقالة قادة الدفاع
ومن بين الحلول التي كانت منتظرة، قال، “كان المفترض من الرئيس هادي المسارعة بإقالة قيادات عسكرية في وزارة الدفاع من العيار الثقيل وهذا لم يتم، وإزالة الكشوفات الوهمية وحالة الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية، التي يعول عليها تحرير الوطن، وحتى التغييرات التي جرت في المنطقتين السادسة والسابعة ليس لها علاقة بما تم”.
يتابع، “عقب خسارة نهم لاحظنا تراجع الجيش بسرعة دون وعي، فيما كان من المفترض الشروع فوراً في إنشاء إجراءات الدفاع عن محافظتي مارب والجوف عبر حفر الخنادق وبناء السواتر الترابية والتمويهات ونشر حقول الألغام لإعاقة تقدم الميليشيات”.
قادة بالواسطة
ويرى الهداشي، أن من أسباب الانتكاسات العسكرية “تعيين قيادات في الجيش ليس لهم علاقة بالعمل العسكري، ولا يعرفون فتح خريطة عسكرية، وبعضهم أطفال يتم تعيينهم بحسب الولاءات وخبرتهم تكاد تكون صفرا”.
الشرعية لا تبادر
وعن توقعاته لما ستؤول إليه التحركات العسكرية أجاب “الشرعية للأسف لا تبادر، وتكتفي فقط بالانتظار أين سيواجهها الحوثي؟ هل في مارب أم صرواح أم الجوف؟، ولهذا فإن العرف العسكري يقول إن الطرف المهاجم هو المنتصر دوماً”.