محتويات هذا المقال ☟
تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تعزيز وجودها العسكري على جانبي الحدود السورية – العراقية لأسباب عدة، بينها «مواجهة إيران»، بالتزامن مع ضغوط في بغداد لوضع مستقبل الوجود الأميركي على الطاولة، وضغوط من روسيا لتعزيز وجودها العسكري شرق الفرات.
وكان موضوع الوجود العسكري الأميركي في العراق، بنداً رئيسياً في لقاءين منفصلين عقدهما الرئيس ترمب في دافوس مع نظيره العراقي برهم صالح، ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، إذ برز تباين بين تأكيد البيت الأبيض على «استمرار الشراكة الاقتصادية والأمنية» مع العراق، والتعاون مع كردستان العراق في الحرب ضد «داعش»، مقابل حديث صالح عن «السيادة».
وحسب المعلومات المتوفر من مسؤولين غربيين، هناك 10 اقتراحات للتعاطي مع مطالب سياسيين عراقيين ببحث الوجود الأميركي والحفاظ على أدوات لـ«مواجهة إيران»، تشمل:
1 – التأكيد على أن أي بحث للوجود الأميركي يجب أن يتناول أموراً أخرى أوسع من الجانب العسكري، إذ أعلن المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد «داعش»، السفير جيمس جيفري، أول من أمس، أنه «على المسؤولين العراقيين التفكير في العلاقات الثنائية التي تتجاوز مسألة الوجود الأميركي».
2 – حضّ «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) على لعب دور أكبر في قتال «داعش» حال قررت واشنطن بموجب تفاهم مع بغداد إعادة الانتشار، أو لانشغال القوات الأميركية بضرورة الدفاع عن نفسها بعد تصاعد الضغوط والتهديدات في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد اغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني. وسيكون هذا بنداً على محادثات اجتماع التحالف الدولي في الدنمارك، الأربعاء المقبل.
3 – البحث مع رئاسة إقليم كردستان زيادة الوجود الأميركي سواء من حيث عدد الأفراد أو القواعد العسكرية. وأفادت مصادر استخباراتية أمس بأن هناك اقتراحات شملت إقامة نقاط -قواعد عسكري قرب السليمانية وجنوب أربيل وقرب حلبجة. وتضمنت المقترحات رفع عدد القوات الأميركية من 500 إلى ألفي جندي، إضافة إلى خمسة آلاف موجودين في العراق. وقال دبلوماسيون إن تعزيز الانتشار في كردستان يرمي إلى حماية القواعد العسكرية إزاء زيادة المخاطر.
4 – التكامل بين الوجود العسكري غرب العراق وشرق سوريا، ذلك أن معظم القوات التي انسحبت من شرق الفرات، بداية العام، أقامت في كردستان العراق، بحيث انخفض عدد القوات الأميركية من ألف إلى 500 عنصر موجودين قرب حقول النفط شرق الفرات.
5 – الحفاظ على قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية بوجود 150 جندياً أميركياً وراجمات صواريخ وحماية جوية، لقطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت.
6 – الإبقاء على الوجود الجوي للتحالف الدولي ضد «داعش» في أجواء شمال شرقي سوريا، وبقاء الحلفاء الرئيسيين، بريطانيا وفرنسا، في أرض المعارك لقتال «داعش» ودعم «قوات سوريا الديمقراطية».
7 – منع القوات السورية والتنظيمات الإيرانية من التقدم إلى قاعدة التنف والتزام «قواعد الاشتباك».
8 – إبعاد القوات الروسية عن الشريط الممتد من فش خابور في الزاوية السورية – العراقية – التركية إلى شمال البوكمال على نهر الفرات. وحصل هذا مرات عدة في الأيام الأخيرة، عندما قامت دوريات أميركية بقطع الطريق أمام الشرطة الروسية التي حاولت الوصول إلى فش خابور، بوابة شرق الفرات على كردستان العراق.
9 – التمسك باتفاق «منع الصدام» بين روسيا وأميركا في الأجواء الشمالية الشرقية لسوريا، خصوصاً بعد تعزيز موسكو منظومتها الجوية في القامشلي.
10 – استمرار حصول «غارات غامضة» على مواقع إيرانية في البوكمال، التي حاولت طهران تأسيس بنية تحتية لتكون طريقاً بديلاً بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت.
وحسب المعلومات، فإن وفداً أميركياً يقوم بجولة إلى لندن وبروكسل في الأيام المقبلة لإجراء محادثات مع مسؤولين أوروبيين لفرض عقوبات اقتصادية، والاتفاق على تنسيق الخطوات في العراق وسوريا للضغط على موسكو ومواجهة نفوذ طهران بعد سليماني.
هل يستطيع العراق طرد القوات الأمريكية؟
يبدو أن إيران تريد تحويل انتقامها لمقتل سليماني لمكاسب استراتيجية، وأكبر هذه المكاسب هو إخراج القوات الأمريكية من العراق، فهل تستطيع بغداد إجبار واشنطن على سحب قواتها وهل تنصاع إدارة ترامب أم تبقي الجيش الأمريكي بالعراق رغم أنف الحكومة والبرلمان؟.
فرغم إصدار البرلمان العراقي قراراً يطالب الحكومة بسحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن اللافت أن البرلمان لم يصدر قانوناً ملزماً بهذا الشأن بل قرار، وبالتالي هو غير ملزم عكس القانون.
ولهذا انتقد التيار الصدري القرار واعتبره غير كاف.
القوة الاقتصادية أحد أوراق أمريكا في الرد.. ادفعوا التكلفة
عقب قرار البرلمان العراقي، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد 5 يناير/كانون الأول 2020، بفرض عقوبات على بغداد.
وقال إنه إذا غادرت قواته فسيتعين على بغداد أن تدفع لواشنطن تكلفة قاعدة جوية هناك.
ترامب أبلغ الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: «لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها».
الرئيس الأمريكي قال أيضاً إنه إذا طالب العراق برحيل القوات الامريكية ولم يتم ذلك على أساس ودي، «سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيئاً صغيراً».
سيناريو محتمل.. القرار قد يكون فرصة لإشعال حرب عصابات ضد القوات الأمريكية
في حال عدم تفعيل الحكومة العراقية للقرار، أو رفض الأمريكيين الالتزام به
فيمكن للميليشيات الشيعية الموالية لإيران استغلاله كمبرر لتنفيذ هجمات ضد الوجود الأمريكي بالعراق.
لكن المشكلة أنه في السابق كانت إيران تلجأ للضغط على القوات الأمريكية بهذا الأسلوب، في وقت كانت البلاد تمتلئ بعشرات الميليشيات والجماعات المسلحة كثير منها سنية ومعادية لإيران، وبالطبع كانت الهجمات المدفوعة من طهران تتوارى داخل هذه الفوضى.
أما اليوم فإنه لا توجد ميليشيات إلا ميليشيات إيران، بل إن هذه الميليشيات أصبحت منظمة تماماً تحت مظلة الحشد الشعبي، وبالتالي فإنه لا يمكن لإيران وأنصارها التبرؤ من أي هجمات ضد الأمريكيين كما كان يحدث من قبل، كما أن رد الفعل الأمريكي القاسي على الهجوم الذي استهدف قاعدة في شمال العراق وأدى لمقتل متعاقد أمريكي أظهر أن عهد الصبر الأمريكي قد انتهى.
سيناريو الفوضى محدودة العنف والحصار
يبقى هناك خيار أمام العراق أو بالأدق القوى العراقية الموالية لإيران، وهو خلق فوضى منخفضة العنف للأمريكيين في العراق، عبر مظاهرات تبدو شعبية تشمل محاولات اقتحام للقواعد أو المقرات الأمريكية في العراق وإمكانية عرقلة عمل هذه القواعد عبر أعمال شغب أو محاصرة أو مطاردة العاملين فيها، بشكل لا يوفر لأمريكا مبرراً باستخدام قوتها لاستهداف الميلشيات العراقية.
لكن ما يقلل من أثر هذه المحاولات هو أن الأمريكيين في العراق أصبحوا شبه معزولين في مقرات وقواعد محصنة، كما أن الرد الأمريكي على الاعتداء على محيط السفارة يظهر حساسية أمريكا حتى لمثل هذا العنف المنخفض، كما أن السفارة الأمريكية ينطبق عليها جغرافياً مفهوم دولة داخل دولة، إذ إنها أكبر مساحة من الفاتيكان، مما يجعلها قادرة على الاستغناء عن محيطها بشكل كبير.
كما أن الأمريكيين أغلقوا قنصليتهم في البصرة كي يتجبنوا الاحتكاك مع الميلشيات الشيعية في معاقلها.
بالإضافة إلى أن معظم القواعد الأمريكية في العراق موجودة في الشمال الكردي أو الوسط السني، ومحيط بغداد.
ويقود هذا التوزيع الجغرافي إلى قضية في منتهى الخطورة تتعلق بوحدة العراق.
هل يلجأ الأمريكيون إلى تشجيع الأكراد على الانفصال؟
يمكن أن يرد الأمريكيون على مسعى القوى الموالية لإيران لإخراج القوات الأمريكية من العراق، عبر التركيز على أن القرار اتخذ في غيبة أغلب الكتل السنية والكردية في البرلمان.
كما ألمحت تقارير إعلامية إلى أن رئيس الحكومة العراقية مستقيل وبالتالي لا يحق له اتخاذ قرارات أساسية ومفصلية كهذا القرار.
فالأمريكيون يقدمون أنفسهم كحماة للأقليات في العراق، خاصة في ضوء المخاوف السنية والكردية من هيمنة الأحزاب الشيعية الطائفية الموالية لإيران.
وقد يترجم هذا على الأرض أن أمريكا ربما تعتمد في وجودها في العراق على القواعد العسكرية الموجودة في كردستان العراق، وبالطبع فإن الأكراد سوف يستغلون ذلك من أجل محاولة جذب الدعم الأمريكي لتحقيق مطالبهم الانفصالية.
علماً بأن الولايات المتحدة اعترضت على رغبة الأكراد في الانفصال عبر الاستفتاء الشهير الذي أقيم في عام 2017، وقالت إنها لا تعترف بنتائجه.
وقد مكن هذا الموقف الأمريكي قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني من استعادة مدينة كركوك الغنية بالنفط من البشمركة الكردية مما شكل ضربة قاصمة لحلم الاستقلال الكردي.
فانحياز العراق تحت قيادة الأحزاب الطائفية الشيعية لإيران بشكل كامل من شأنه دفع الولايات المتحدة للانحياز السافر لكردستان العراق، وهو ما يهدد وحدة العراق بالفعل.
فالإيرانيون باستخدامهم العراق ساحة للانتقام لمقتل سليماني يقامرون بوحدة هذا البلد العربي بعد أن سبق أن بددوا استقلاله عبر الهيمنة على مقدراته.
وإذا كانت إيران قد افتعلت هذه الأزمة منذ البداية عبر تنفيذ ميليشياتها لهجمات على القاعدة الأمريكية في شمال إيران حتى يتم وأد الحراك العراقي المطالب باستقلال البلاد عن الإيرانيين والأمريكيين معاً، فإنها اليوم أمام خيار عراق تتقاسم فيه الهيمنة مع الأمريكيين رغم أنفها، أو عراق مبتور منه شطره الكردي أو عراق يلحق به في دائرة الحصار.