الأسلحة “فرط الصوتية”.. آلية عملها وطرق التصدي لها

اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بأن الولايات المتحدة لم تعد الدولة الرائدة عالميا في مجال تطوير الأسلحة فرط الصوتية، وباتت تحتاج لسنوات عديدة كي تستعيد مكانتها السابقة.

وأشار نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية جون هايتن خلال كلمة ألقاها اليوم الجمعة في مركز الأبحاث الاستراتيجية الدولية في واشنطن، إلى أن الولايات المتحدة “تتنافس الآن بشدة مع دول عدة في مجال الأسلحة فرط الصوتية”.

وأضاف: “لقد كنا في الطليعة قبل 10 سنوات حيث كان لدينا برنامجان ونموذجان.. لكنهما لم يعملا جيدا”.

وأعرب هايتن عن أسفه لقرار السلطات التخلي عن هذين البرنامجين بسبب فشلهما، داعيا إلى الإسراع في إنعاش مشاريع الأسلحة فرط الصوتية في البلاد.

ويأتي تصريح هايتن بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي أن بلاده تملك صواريخ “كبيرة وقوية” إضافة إلى عملها على تطوير صواريخ فرط صوتية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لفت مؤخرا، إلى تبلور حالة فريدة من نوعها في توازن القوى العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة من ناحية صناعة الأسلحة المتطورة والواعدة ووسائل توصيلها، حيث كان الاتحاد السوفيتي يلحق دائما بالولايات المتحدة، فيما صار على الآخرين التفكير الآن باللحاق بروسيا، التي صارت تسبقهم لسنوات في هذا المضمار.

وشدد بوتين على أن الوضع تغير وباتت روسيا الآن الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تملك الأسلحة فرط الصوتية، واصفا إياها بـ”أسلحة المستقبل”.

وفي خطاب سابق، قال بوتين إن روسيا ستبقى متفوقة على باقي الجيوش الرائدة في المستقبل المنظور إذ أنها ستحصل على أنواع أحدث من تلك الأسلحة إلى حين إنتاج دول أخرى أول نماذج من أسلحتها فرط الصوتية.

ما الأسلحة “فرط الصوتية”؟ وما آلية عملها؟ وهل يمكن التصدي لها؟

السلاح “فرط الصوتي” هو عبارة عن صاروخ يمكنه الانطلاق بسرعة “5 ماخ” – أي أسرع خمس مرات من سرعة الصوت على الأقل – وهو ما يعني أن بإمكانه اجتياز ميل (1.6 كيلومتر) في الثانية الواحدة.

 

– كانت هناك تجارب في الماضي لتحليق طيران تجاري بطائرات “كونكورد” بسرعات تفوق الصوت (واحد ماخ فأعلى)، وتم إنهاء هذا المشروع لاحقاً، ولكن هناك محاولات حديثة لإحياء الفكرة، وهناك مقاتلات حربية تخدم في جيوش دول مختلفة تفوق سرعاتها “2 ماخ” أو “3 ماخ”.

 

– يجري تطوير نوعين من أسلحة فرط صوتية حالياً، الأول الصواريخ “الجوالة” المزودة بمحركات نفاثة تدفعها لاجتياز سرعات الصوت، والآخر “الرؤوس الحربية فرط الصوتية” التي يمكن إطلاقها من مقاتلات، وهناك بالفعل أنواع من الصواريخ الجوالة “كروز” تنطلق بأسرع من الصوت مثل “توما هوك”.

 

– لكن الصواريخ فرط الصوتية مختلفة لأنها تعتمد على الإطلاق في الطبقات العليا من الغلاف الجوي – أعلى من الصواريخ الباليستية التقليدية – ثم تنفصل منها الرأس الحربي فرط الصوتية بسرعات هائلة نحو مستويات أدنى (إلى الأهداف المحددة).

 

– على غرار “أفانجارد”، يمكن لهذا النوع من الصواريخ حمل رؤوس نووية أو رأس حربي تقليدي ينطلق بسرعات هائلة لتدمير أهداف بدقة شديدة دون الحاجة لوقود دافع – بل باستخدام الطاقة الحركية فقط.

 

– من أجل عدم التقليل من أهمية تأثير الطاقة الحركية، يمكن تخيل كيلوجرام من مادة “تي إن تي” شديدة الانفجار تنطلق بأسرع عشر مرات من الصوت تستخدم الطاقة الحركية.. ما حجم القوة التدميرية وقتها؟

 

– تعد الصواريخ الباليستية الحالية سريعة للغاية لكنها ليس لديها القدرة على المناورة بنفس درجة الصواريخ الجوالة التي تتميز بقدرتها على المناورة – لكنها ليست سريعة للغاية.

 

– أما الصواريخ فرط الصوتية، فقد جمعت بين السرعة الخارقة والقدرة على المناورة وضرب وتدمير أهداف بعيدة المدى.

ما الذي تحتاجه الجيوش لتطوير أسلحة فرط صوتية؟

– قال أحد خبراء التسليح إنه عند بلوغ سرعة “5 ماخ”، لا يمكن الاعتماد على محركات تقليدية، بل إن الصاروخ فرط الصوتي ينطلق بسرعات هائلة تحتاج لأنظمة معينة.

 

– أشار الخبراء إلى أن تطوير صاروخ فرط صوتي يحتاج لتصميم مختلف يمكنه اختراق مسار سلس يحافظ من خلاله على تدفق الهواء الأسرع من الصوت داخل محركه.

 

– يكمن الحل هنا في وجود محرك احتراق داخلي أسرع من الصوت “SCRAMJET” يمكن تشغيله على سرعات بين 5 ماخ و15 ماخ.

 

– للحفاظ على استمرار تحليق الصاروخ بسرعات خارقة، من الضروري أيضاً وجود أجسام ومعادن تتحمل حرارة ترتفع بدرجات هائلة نتيجة الانطلاق بتلك السرعات.

 

سباق تسلح من نوع جديد

– بالطبع، تثير التجربة الحديثة لصاروخ “أفانجارد” القلق حيث تسلط التجربة الضوء على بدايات لسباق تسلح من نوع جديد لن يقتصر هذه المرة على روسيا والولايات المتحدة فقط بل تدخل أيضاً الصين على خط المنافسة.

 

– تستعد القوى الثلاث لعصر جديد من الصواريخ الأسرع والأذكى والأعلى قدرة على التدمير، وفي ظل تركيز التنافس على موسكو وواشنطن وبكين، لا يجب إغفال قوى أخرى لديها التكنولوجيا والقدرة الاقتصادية لتطوير أسلحة فرط صوتية، ومن بينها فرنسا والهند وأستراليا.

 

– تعمل اليابان ودول أوروبية على تطوير محركات فرط صوتية لكن لاستخدامات مدنية مثل محركات الدفع الصاروخية للمركبات الفضائية.

كيف يمكن التصدي للأسلحة فرط الصوتية؟

– تشكل الصواريخ فرط الصوتية تحدياً كبيراً أمام أنظمة الدفاعات الجوية نظراً لأنه بإمكانها مراوغة الرادارات المعادية نتيجة التحليق على أطوال موجية قصيرة والتحول نحو مستويات منخفضة أدنى من موجات الرادار بالإضافة إلى عدم إمكانية التنبؤ بمسارها.

 

– بالتالي، لا توجد أنظمة دفاع جوية (حالياً) لها القدرة على التصدي للأسلحة فرط الصوتية نظراً لكون هذه الأنظمة مخصصة لاكتشاف الصواريخ الباليستية ضعيفة المناورة – ذات سرعات أدنى – فضلاً عن تحليقها على مستويات مرتفعة.

 

– كشفت دراسة أجراها مركز “RAND” البحثي أن انطلاق صاروخ أسرع عشر مرات من سرعة الصوت نحو هدف على بعد ألف كيلومتر سيقلل زمن القدرة على ردعه إلى ست دقائق، وهو زمن طويل في الحروب.

 

– في المرحلة القادمة، ستركز دول متقدمة على استكشاف وسائل للدفاع عن نفسها في مواجهة هذا الجيل الجديد من الأسلحة، ولكن المشكلة ستكمن في التكلفة الباهظة، حيث إن الأمر سيتطلب مستشعرات تثبت في الفضاء يمكنها تتبع الأسلحة فرط الصوتية ورؤوسها الحربية كبداية.