قتل سليماني جزءا من خطة مدروسة ومقتله سيترك أثرا بعيدا

شرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها في واشنطن، جوليان بورغر، يقول فيه إن قتل قائد عسكري مؤثر سيترك آثارا بعيدة المدى على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ويشير التقرير، إلى أن حياة قاسم سليماني العسكرية خلفت وراءها الجثث في الشرق الأوسط كلها، و”الآن انضم إليها”، لافتا إلى أن وفاته تغلق فصلا فظيعا في تاريخ نزاعات المنطقة التي لا تنتهي، لكنها ستفتح واحدا قد يكون أسوأ.

ويقول بورغر إن لا أحد يمكنه التكهن بما ستؤول إليه الأحداث على الأقل للاعبين المهمين، وهما الولايات المتحدة وإيران، فلا شيء يشير إلى أن الأمر الذي أصدره دونالد ترامب بقتل قاسم سليماني بعد خروجه من مطار بغداد كان جزءا من خطة تم الإعداد لها بشكل مدروس، مشيرا إلى أن إيران شعرت بالصدمة من التصعيد الذي بدأ من ترامب.

وتلفت الصحيفة إلى أن في الحرب الانتقامية الجارية بين البلدين، قتلت جماعة مسلحة مدعومة من إيران متعهدا أمريكيا الجمعة الماضية، لترد واشنطن بغارات انتقامية يوم الأحد، أدت إلى مقتل أعداد من عناصر مليشيا كتائب حزب الله، التي ردت بالزحف على السفارة الأمريكية في بغداد، مشيرة إلى أن مقتل سليماني أفقد إيران وكيلها في المنطقة، وغرز خنجرا في قلب القوة الإيرانية.

ويجد التقرير أنه إذا كان ترامب يعتقد أنه بأمره قتل الزعيم العسكري الإيراني أنه سيحصل على الترحيب والحفاوة ذاتهما عندما قتل زعيم تنظيم الدولة، أبا بكر البغدادي، فإنه يكون مخطئا؛ لأن تنظيم الدولة هزم وتناثرت جثث مقاتليه في كل مكان.

 

وينوه الكاتب إلى أنه بالمقارنة فإن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري هو رمز ملتح للجمهورية الإسلامية، وهو ثاني أقوى رجل بعد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مشيرا إلى أن قتله هو فعل حرب صارخ ضد قوة إقليمية مهمة، وجيشها البالغ عدده نصف مليون جندي هو أقوى جيش تواجهه الولايات المتحدة منذ مواجهة متطوعي جيش الشعب الصيني قبل 60 عاما في كوريا.

وتقول الصحيفة أن لا شيء حتميا في هذا النزاع، فقبل ستة أعوام بدأ إرث الثورة الإسلامية بالتلاشي، وكان هناك اتفاق متعدد وقعته دول عدة عام 2015، ومعاهدة عدم اعتداء مع سليماني، في أثناء الحملة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا.

وينقل التقرير عن المديرة السابقة لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي لترامب، كريستين فونتينروز، قولها: “لفترة كان لدينا اتفاق جنتلمان (أعيان) ونحن نخوض الحرب ضد تنظيم الدولة وهو أن قواته لا تستهدفنا ولا نحن نستهدفهم”.

ويبين بورغر أنه مع خروج ترامب من الاتفاقية النووية، وانهيار تنظيم الدولة، الذي كان عدوا مشتركا، بدا سليماني العدو اللدود والأول للولايات المتحدة، مشيرا إلى قول فونتينروز: “كان هدف الفرصة.. عندما تعرف أن رجلا سيئا جدا سيكون في مكان ما يمكنك استهدافه وتعرف أنك لن تحصل على هذه الفرصة مرة أخرى”.

وتشير الصحيفة إلى أن فونتينروز تتوقع أنه في الوقت الذي يمكن فيه قيام المليشيات الشيعية في العراق برد فوري انتقاما لمقتل أحد كبار قادتها الذين قتلوا إلى جانب سليماني، إلا أن طهران ستنتظر وتختار وقت ومكان وطريقة انتقامها، ثم تضرب مرة تلو الأخرى، وربما لسنوات قادمة.

ويورد التقرير نقلا عن فونتينروز، قولها: “أعتقد أنهم سيحاولون توجيه ضربات لنا في مناطق أخرى من العالم، ربما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وإرسال رسالة بأنهم يستطيعون الوصول إلينا في أي مكان وعلينا ألا نشعر بالأمن، وأعتقد أن الولايات المتحدة ستحاول توسيع هجومنا بطريقة مماثلة”.

ويلفت الكاتب إلى أن الباحثة في المجلس الأطلسي استبعدت وقوع حرب الآن، قائلة: “ما ننظر إليه هي حرب غير منظمة وشبه غير متوقعة ضد مصالح بعضنا”.

 

وتجد الصحيفة أن هناك أسباب عدة لافتراض أن هذا المستوى من النزاع ما بين البارد والساخن سيستمر؛ لأن كل طرف لديه تاريخ في سوء قراءة نوايا ومستوى الطرف الآخر.

ويستدرك التقرير بأنه “رغم معرفة نتائج تداعيات مقتل سليماني، إلا أن من الواضح أن ترامب لم يخطط جيدا لمرحلة ما بعد الاغتيال، أو يفكر مليا بتداعياته، واتخذ القرار في منتجعه في فلوريدا، وقرر دون الخطاب المعهود الذي يلقيه الرؤساء في حالات مهمة كهذه، وكل ما فعله هو أنه وضع العلم الأمريكي على حسابه في “تويتر”، وترك للبنتاغون مهمة تولي أمر الإعلان”.

ويقول بورغر إن “ترامب أفرغ قضايا الأمن القومي القائمة على دراسة الإيجابيات والسلبيات من محتواها، ولم يعد يعقد اجتماعات لمناقشة السياسة، وغادر المفكرون المستقلون في فلك ترامب الإدارة، وتركوه يعتمد على حدسه وتغليبه على أي خبير”.

وترى الصحيفة أن ما قاد الأمريكيين والإيرانيين إلى هذا التصعيد أمر واحد، وهو الكراهية المستحكمة التي يكنها الرئيس لسلفه باراك أوباما وإرثه الدبلوماسي المتمثل بالاتفاقية النووية عام 2015، ولهذا أصبح تدميرها وخنق إيران اقتصاديا محور السياسة الخارجية لترامب.

وينوه التقرير إلى أن من بقي في فلك الرئيس يعرفون كيف يغذون دوافعه ورغبته من خلال تدمير أي آثر لأوباما، ويعرفون كيف يردون على تركيزه على الحملة الرئاسية لإعادة انتخابه، مشيرا إلى أن قرار مقتل سليماني أخذ في عين الاعتبار انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وكيف يمكن أن يكون شعارا من شعاراته الانتخابية، كما فعل أوباما مع مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

ويستدرك الكاتب بأن مقتل سليماني ستتم حكايته على خلفية الهجمات المتكررة والغموض وتعميق الحس بالرهبة.

وتختم “الغارديان” تقريرها بالإشارة إلى قول العقيد المتقاعد دانيال ديفيس، الذي حارب في أفغانستان: “لو أدت الأمور لحرب فلن ينفعنا ذلك (قتل سليماني) مطلقا.. سيكون كارثة على الجميع”.