غاز شرق المتوسط هل يشعل حرباً بين القوى العالمية و الاقليمية؟

مع ازدياد التوتر بين دول شرق المتوسط، وخصوصاً التدخل التركي في ليبيا، تشهد المنطقة بوادر أزمة جديدة ما زالت في طور الملامح الأولية.

فما يجري اليوم من أحداث وتحركات سياسية وأمنية هي مجرد بوادر أولية لصراع أكبر لم تتضح كافة ملامحه حتى اليوم.

وهناك بعض الدول ما زالت ذات مواقف متناقضة نظراً لأن السياسات الإقليمية والدولية ما زالت تحاول التأقلم مع الوضع الجديد شرق المتوسط، وهذا يفرض أيضاً إعادة النظر في ملفات وأزمات أخرى مجاورة لتتوافق مع المصالح الاقتصادية للدول المعنية بثروات البحر المتوسط.

هل تشعل سفن التنقيب التركية حربا شرق المتوسط؟ (صور)

تشير المعطيات الأولية الأمريكية الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز في حوض شرق المتوسط.

وتزيد الدراسة الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في العام 2010، إلى أن هناك ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج.

إلا أن هذه التقديرات تبقى في الإطار التقديري، إلا أنها في الوقت ذاته لا تشمل أيضاً الأرقام المتعلقة بحوض دلتا النيل، وبالرغم من ذلك فهي مؤشر على مستوى الصراع الاقتصادي لدول حوض المتوسط.

الصورة:

الصراع في هذا الحوض الغني يحمل أبعاداً إقليمية ودولية، مع استعداد كل هذه الدول للمواجهة العسكرية، إذ يرى مراقبون أن الملف العسكري على الطاولة في المتوسط.

وفي تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، أكدت فيه أن تركيا تفكر في نشر أنظمة إس-400 الصاروخية الدفاعية التي تنتظر تسليمها من روسيا على طول الساحل الجنوبي للبلاد، بالقرب من السفن الحربية التي تراقب عمليات استكشاف مصادر الطاقة قبالة سواحلها.

سفينة حربية تركية

وبحسب التقرير؛ الذي نقل عن مصادر تركية، فإن أنظمة إس-400 التي سلمتها موسكو لأنقرة تعمل بشكل كبير على تعزيز القدرات العسكرية لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وسط تنامي الخلافات بين الدولة المتوسطية.

غاز شرق المتوسط: أصل الحكاية

                                      التموضع الروسي

روسيا دخلت أيضاً على خط الصراع في هذه المنطقة الثرية تحت الأعماق البحرية، وفي ظل تنامي الرفض الإقليمي لتدخلات تركيا وخصوصاً من الاتحاد الأوروبي يأتي هنا التوافق الروسي التركي حول الغاز، مع الأخذ بعين الاعتبار الخلاف في ملفات أمنية في سوريا وليبيا.

وفي الصيف الماضي، خلال حضور وزير الطاقة الروسي، الكسندر نوفاك، اجتماع الـ16 للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا وروسيا في أنطاليا، عرض استعداد بلاده لمرافقة تركيا في التنقيب عن مصادر الطاقة التقليدية في المياه الإقليمية، الواقعة شرق البحر المتوسط. الوزير الروسي، أكد أن شركات بلاده تنفذ مشاريع ناجحة في مجال الطاقة، شرقي البحر المتوسط، معرباً عن استعدادها للتعاون هناك مع تركيا في هذا المجال، وهذا ما حرك الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً في لف الطاقة شرق المتوسط.

والأسبوع الماضي، أقر المشرعون الأمريكيون تشريعاً يساعد في تعزيز مواقع الولايات المتحدة في سوق الغاز شرق المتوسط، وإضعاف مواقع روسيا وتركيا في المنطقة.

وينص القانون الذي تم إقراره الأسبوع الماضي على تعزيز العلاقات الأمنية مع اليونان ورفع الحظر عن توريد الأسلحة إلى قبرص.

ونقل موقع «ذي هيل» الإعلامي عن السناتور الأمريكي ماركو روبيو قوله: «من خلال رفع الحظر الأمريكي عن توريد الأسلحة إلى قبرص وزيادة المساعدات العسكرية اللازمة لليونان، يساهم هذا التشريع في تفعيل الموقف الشامل تجاه استقرار الشركاء الرئيسيين في المنطقة».

                                              رؤية موسكو

ويرى مراقبون أن الهيمنة الروسية على الساحل السوري جزء من الصراع شرق المتوسط، خصوصاً وأن روسيا مصممة على إبعاد إيران من واجهة المتوسط والصراع على الطاقة، لتسيطر بشكل كامل على الساحل عبر قواعدها العسكرية.

وقال الدكتور تركي القبلان رئيس مركز ديمومة للدراسات الاستراتيجية، إن المصالح الروسية تتقاطع من خلال سوريا في ظل توترات منطقة غاز شرق المتوسط، خاصة أن موسكو في ديسمبر 2017، وقّع بوتين قانوناً لتوسيع قاعدتي طرطوس وحميميم لترسيخ الوجود الدائم لروسيا في سوريا. وإلى جانب موانئ سوريا، تتطلع موسكو إلى ليبيا.

وأضاف القبلان أن الطموحات الروسية الرامية إلى لعب دور جيوسياسي أكبر في شرق المتوسط، تنامت بعدما وقع الطرفان الروسي والسوري اتفاق «عقد عمريت» في 2013، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، ويشمل عمليات تنقيب في مساحة 2190 كيلومتراً مربعاً ويمتد على مدى 25 عاماً، بكلفة 100 مليون دولار.

ولفت إلى أبعاد الموقف التركي في شرق المتوسط، مشيراً إلى أن تركيا لا تعترف بجزيرة كريت وبالتالي فهي ترى أن حدودها المائية تمتد حتى الحدود المائية الليبية ما يعني أن إقليم شرق المتوسط يمكن اقتسامه مناصفة مع ليبيا استناداً إلى مبدأ «الجرف القاري» وليس مبدأ الحدود البحرية أو المياه الإقليمية.

ومن هنا أيضاً يمكن قراءة الموقف الروسي في ليبيا باعتباره يرتكز على أبعاد اقتصادية، وطموحات روسية بإبعاد الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة عن الساحة الليبية.