الثورات المتتابعة في الشرق الأوسط سرَّعت من عملية تبدل الأنظمة، ما يجعل الدولة الحليفة لنظام اليوم عدوةً لنظام الغد. أصبحت كل العلاقات الدولية تحت الاختبار، لا شيء فيها يعرف الثبات. خاصةً إذا كانت العلاقة بين دولتين كل واحدة منهما تُقدِّم نفسها للعالم كحاضنة الإسلام وحاميته، مصر وتركيا. أكبر دولتين تضمان معًا غالبية مسلمة في شرق البحر الأبيض المتوسط. دولتان قويَّتان جذورهما في التاريخ تدور حول رغبة إحداهما في إخضاع الأخرى، ورغبة الأخرى في التخلص من هذا الإخضاع، منذ أيام الإمبراطورية العثمانية.
فترة الهدنة أتت حين سلكت مصر وتركيا طرقًا مختلفة. تركيا تطلعت نحو الغرب، أوروبا ومنطقة بحر إيجة، وأدارت ظهرها لمصر والشرق العربي. صارت مصر ملجأ الهاربين من خصوم مصطفى كمال أتاتورك، وأصبحت القاهرة بذلك مركز المعارضة والمعاداة لتركيا. تلاشت التهدئة بسقوط الملكية في مصر، إذ انتهى عصر سيطرة الملك وأسرته من ذوي الأصول العثمانية التركية. اتسعت الهوة بين البلدين حين اتجه الرئيس جمال عبد الناصر إلى موالاة السوفييت. وفي سبيعينيات القرن العشرين حين غيَّر الرئيس محمد أنور السادات وجهته نحو الولايات المتحدة لم تتبدل الصورة.
كان من المفترض أن يحدث تقارب بين البلدين، فقد صارا حليفًا لحليفٍ مشترك. لكن السبب أن تركيا في تلك الفترة بدأت ترى في شرق المتوسط منبعًا خصبًا للنفوذ والثروة، فاستمر التنافس بين القوتين. تركيا غضبت من عدم مساندة مصر لها فيما يتعلق بالشأن القبرصي. ومصر كذلك غضبت من محاولات تركيا إنشاء علاقات أشد متانةً مع جيران مصر، ما يعني استبدال ثِقل مصر الإقليمي على المدى الطويل.
استمرت حالة العداء طوال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لكن حين وصل الرئيس السابق محمد مرسي إلى السلطة صارت تركيا حليفًا قويًّا لمصر. ثم غيرت وجهتها فور تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي لمقاليد الحكم. كذلك فعلت مصر، فقد مارست ضغوطًا عام 2014 لمنع حصول تركيا على مقعد دائم في مجلس الأمن. ليستمر صراعهما الذي لا يبدو أنَّه سيرى نهايةً دائمة، وأن أي تقارب مؤقت في وجهات نظر سيكون في خلفيته احتمالية انتهائه. وتصريحات الرؤساء عن الدولة العدو لا تخلو من تلميح إلى القوة العسكرية القادرة على هزيمة الطرف الآخر إذا لزم الأمر، فأي كِفة ترجح إذا وضعنا تركيا ومصر في ميزان القوة العسكرية.
ميدان المعركة: شرق المتوسط
التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط يشعل أزمة دبلوماسية
من بؤرة الصراع الأخيرة يمكن أن تندلع الحرب، مناطق استخراج الغاز من شمال قبرص. الحرب في تلك المنطقة تأخذ شكلًا مختلفًا عن الحروب التصادمية التقليدية، فالنصر فيها لمن يمنع وجود الطرف الآخر. التواجد الدائم والاستطلاع الكثيف وسرعة رد الفعل حال حدوث فعل عدائي، تلك العناصر هى الحاسمة للصراع في تلك البؤرة. تدرك تركيا ذلك لذا لا تخلو تلك المناطق من فرقاطاتها وغواصاتها. الفرقاطات التركية المُحدَّثة تتميز بقدرتها على حمل ردارات متطورة، وصواريخ أرض – جو. كما يمكنها حمل صواريخ سِي هوك+ المتخصصة في كشف وتفجير الغواصات.
لكن إذا أضفنا البحرية المصرية إلى المشهد فسوف ترجح كفتها كمًّا وقوةً. تمتلك البحرية المصرية حاملتي طائرات من طراز ميسترال. كما تمتلك غواصات ألمانية من طراز تايب، إضافةً إلى زوارق صواريخ روسية تطلق صواريخ موسكيت الأسرع من الصوت. بجانبهما فإن البحرية المصرية تتكون من 319 مُعدة بحرية، بينما تمتلك تركيا 194 مُعدةً فقط. فتمتلك مصر حاملتي طائرات بينما تمتلك تركيا صفرًا منهما. ويتساوى الطرفان في امتلاكهما صفر مُدمرات. لكن تتغلب تركيا على مصر في امتلاكها لـ 19 فرقاطة بينما تمتلك مصر 9 فقط.