سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم

رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

سعيد بن عامر الجمحي​


كان الفتى سعيد بن عامرالجمحي واحداً من الآلاف المؤلفة اللذين خرجوا إلى منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش ليشهدوا مصرع خبيب بن عدي أحد أصحاب محمد بعد أن ظفروا به غدراً ..
وقف الفتى سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يطل على خبيب وهو يقدم إلى خشبة الصلب وسمع صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة و الصبيان وهو يقول : إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلو ثم رآه يقبل على زعماء القوم و يقول : والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعاَ من الموت لاستكثرت من الصلاة !!
ثم أبصر سعيد بن عامر خبيبا يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول :
اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بددا و لا تغادر منهم أحدا ثم لفظ أنفاسه الأخيرة و به ما لم يستطع إحصاءه من ضربات السيوف و طعنات الرماح ..
عادت قريش إلى مكة و نسيت في زحمة الأحداث الجسام خبيباَ و مصرعه لكن الفتى اليافع سعيد بن عامر الجمحي لم يغب خبيب عن خاطره لحظة لأن خبيبا علم سعيدا ما لم يكن يعلم من قبل ، علمه أن الحياة الحقة عقيدة و جهاد في سبيل العقيدة حتى الموت و علمه أيضا أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب و يصنع المعجزات وعلمه أمراَ آخر هو أن الرجل الذي يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبي مؤيد من السماء عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر إلى الإسلام ..

هاجر سعيد بن عامر إلى المدينة و لزم رسول الله صلوات الله عليه وشهد معه خيبر و ما بعدها من الغزوات و لما انتقل النبي الكريم إلى جوار ربه وهو راض عنه ظل من بعده سيفا مسلولا في أيدي خليفتيه أبي بكر وعمر ، وعاش مثلا فريدا فذا للمؤمن الذي اشترى الآخرة بالدنيا ، وآثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النفس وشهوات الجسد ، وكان خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفان لسعيد بن عامر صدقه وتقواه ، ويستمعان إلى نصحه ويصيخيان إلى قوله ..
ولقد دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعيدا إلى مؤازرته وقال : يا سعيد إنا مولوك على أهل (حمص).
فقال سعيد : يا عمر ناشدتك الله ألا تفتني ..
فغضب عمر وقال : ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني !! والله لا أدعك .. ثم ولاه على (حمص) وقال : ألا نفرض لك رزقا؟
قال : وما أفعل به يا أمير المؤمنين ؟! فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ، ثم مضى إلى حمص وما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من اهل حمص فقال لهم : اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم ، فرفعوا كتابا فإذا فيه : فلان وفلان وسعيد بن عامر ، فقال : ومن سعيد بن عامر ؟!
فقالوا : أميرنا ..!!
قال : أميركم فقير؟!
قالوا : نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار ، فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته.
لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه فقال :
كيف وجدتم أميركم ؟ فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعاله ، كل واحد منها أعظم من الآخر .
قال عمر : فجمعن بينه وبينهم ، ودعوت الله ألا يخيب ظني فيه ، فقد كنت عظيم الثقة به فلما أصبحوا عندي وهم وأميرهم ، قلت : ما تشكون من أميركم ؟
قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ..
فقلت : وما تقول في ذلك يا سعيد ؟ فسكت قليلا ، ثم قال :
والله إني كنت أكره أن أقول ذلك ، أما وإنه لا بد منه ، فإنه ليس لأهلي خادم ، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلا حتى يختمر ، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس .
قال عمر : وما تشكون منه أيضا ؟
قالوا: إنه لا يجيب أحدا بليل ..
قلت : وما تقول في ذلك يا سعيد ؟
قال :إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضا .. فأنا قد جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل ..
قلت : وما تشكون منه أيضا؟
قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوما في الشهر ..
قلت : وما هذا يا سعيد ؟
قال : ليس لي خادم يا أمير المؤمنين ، وليس عندي ثياب غير التي علي ، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج غليهم في آخر النهار.
ثم قلت : وما تشكون منه ايضا؟
قالوا : تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه .
فقلت : وما هذا يا سعيد ؟!
فقال :شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك ، ورأيت قريش تقطع جسده وهي تقول : أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ فيقول : والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي ، وأن محمدا تشوكه شوكة ... وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ... وأصابتني تلك الغشية.
عند ذلك قال عمر : الحمد لله الذي لم يخيب ظني به ، ثم بعث له بألف دينار ليستعين به على حاجته فلما رأتها زوجته قالت له : الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك ، اشتر لنا مؤنة واستأجر لنا خادما فقال لها : وهل لك فيما هو خير من ذلك ؟ قالت : وما ذاك.؟!
قال : ندفعها إلى من يأتينا بها ، ونحن أحوج ما نكون إليها.
قالت : وما ذاك؟!
قال : نقرضها الله قرضا حسنا.
قالت : نعم وجزيت خيرا.
فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صرر ، وقال لواحد من أهله : انطلق بها إلى أرملة فلان ، وإلى أيتام فلان ، وإلى مساكين فلان ...
رضي الله عن سعيد بن عامر الجمحي فقد كان من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ..
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

ثمامة بن أثال الحنفي






في السنة السادسة للهجرة عزم الرسول صلوات الله عليه على أن يوسع نطاق دعوته إلى الله ، فكتب ثمانية كتب إلى ملوك العرب والعجم ، وبعث بها إليهم يدعوهم فيها إلى الاسلام .. وكان في جملة من كاتبهم ثمامة بن أثال الحنفي.
تلقى ثمامة رسالة النبي عليه الصلاة و السلام بالازدراء والإعراض .. وأخذته العزة بالإثم ، فأصم أذنيه عن سماع دعوة الحق و الخير ، ثم أنه ركبه الشيطان فأغراه بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووأد دعوته ، فدأب يتحين الفرص للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصاب منه غرة ، و كادت تتم الجريمة الشنعاء لولا أن أحد أعمام ثمامة ثناه عن عزمه في آخر لحظة ، فنجى الله نبيه من شره .

لكن ثمامة إذا كان قد كف عن رسول الله صلوات الله عليه ؛ فإنه لم يكف عن أصحابه ، حيث جعل يتربص بهم ، حتى ظفر بعدد منهم وقتلهم شر قتلة ، فأهدر النبى عليه الصلات والسلام دمه ، وأعلن ذّلك في أصحابه .

لم يمض على ذّلك طويل وقت حتى عزم ثمامة ابن أثال على أداء العمرة ، فانطلق من أرض اليمامة موليا وجهه شطر مكة ، وهو يمني نفسه بالطواف حوا الكعبة والذبح لأصنامها . وبينما كان ثمامة في بعض طريقه قريبا من المدينة نزلت به نازلة لم تقع له بحسبان ، وذلك أن سرية من سرايا رسول الله صلوات الله عليه ، كانت تجوس خلال الديار خوفا من أن يطرق المدينة طارق ، أو يريدها معتد بشر .. فأسرت السرية ثمامة - وهي لا تعرفه - وأتت به إلى المدينة ، وشدته إلى سارية من سواري المسجد ، منتظرة النبي الكريم أن يقف بنفسه على شأن الاسير ، وأن يأمر فيه بأمره .. ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، وهم بالدخول فيه رأى ثمامة مربوطا في السارية ، فقال لأصحابه : أتدرون من أخذتم ؟
فقالوا : لا يارسول الله.
فقال : هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، فأحسنوا أساره ، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله وقال: اجمعوا ما كان عندكم من طعام وابعثوا به إلى ثمامة بن أثال ، ثم أمر بناقته أن تحلب له في الغدو والرواح وأن يقدم إليه لبنها ، وقد تم ذلك كله قبل أن يلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم او يكلمه .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على ثمامة يريد أن يستدرجه إلى الإسلام وقال : ما عندك يا ثمامة ؟

فقال : عندي يا محمد خير ... فإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال ، فسل تعط منه ما شئت .. فتركه الرسول صلى الله عليه وسلم يومين على حاله ، يؤتى له بالطعام والشراب ، ويحمل إليه لبن الناقة ثم جاءه ، فقال : ما عندك يا ثمامة؟

قال : ليس عندي إلا ما قلت لك من قبل، فإن تعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما تشاء، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال: أطلقوا ثمامة ، ففكوا وثاقه وأطلقوه.

غادر ثمامة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومضى حتى إذا بلغ نخلا من حواشي المدينة فيه ماء أناخ راحلته عنده ، وتطهر من مائه فأحسن طهوره ، ثم عاد أدراجه إلى المسجد ، فما إن بلغ حتى وقف على ملأ من المسلمين وقال : أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم اتجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد .. والله ما كان على ظهر الأرض وجه أبغض إلي من وجهك .... و قد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي ، ووالله ماكان دين أبغض إلي من دينك ؛ فأصبح دينك أحب الدين كله إلي .. ووالله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح أحب البلاد كلها إلي .. ثم أردف قائلا :
لقد كنت أصبت في أصحابك دما فما الذي توجبه علي ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : لا تثريب عليك يا ثمامة ... فإن الإسلام يجب ما قبله ... و بشره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه، فانبسطت أسارير ثمامة وقال :
والله لأصيبن من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك ، و لأضعن نفسي و سيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك .. ثم قال : يا رسول الله إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى أن أفعل ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : امض لأداء عمرتك و لكن على شرعة الله و رسوله ، وعلمه ما يقوم به من المناسك .

مضى ثمامة إلى غايته حتى إذا بلغ بطن مكة وقف يجلجل بصوته العالي قائلا : لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك لبيك .... إن الحمد و النعمة لك و الملك ... لا شريك لك ..

فكان ثمامة أول مسلم على ظهر الأرض دخل مكة ملبيا .. وسمعت قريش صوت التلبية فهبت مغضبة مذعورة ، و استلت السيوف من أغمادها ، و اتجهت نحو الصوت لتبطش بهذا الذي اقتحم عليها عرينها . ولما أقبل القوم على ثمامة رفع صوته بالتلبية ، وهو ينظر إليهم بكبرياء ، فهم فتى من فتيان قريش أن يرديه بسهم ، فأخذوا على يديه وقالوا : ويحك أتعلم من هذا ؟ إنه ثمامة بن أثال ملك اليمامة ... و الله إن أصبتموه بسوء قطع قومه عنا الميرة وأماتونا جوعا ، ثم أقبل القوم على ثمامة بعد أن أعادوا السيوف إللى أغمادها وقالوا : ما بك يا ثمامة؟!! أصبوت وتركت دينك و دين آباك ؟!!

قال : ما صبوت ولكني تبعت خير دين ... اتبعت دين محمد .. ثم أردف يقول : أقسم برب هذا البيت ، إنه لا يصل إليكم بعد عودتي إلى اليمامة حبة من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبع دين محمدا عن آخركم ..
اعتمر ثمامة بن أثال عل مرأى من قريش كما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتمر ، وذبح تقربا لله .. لا للأنصار و الأصنام، ومضى إلى بلاده فأمر قومه أن يحبسوا الميرة عن قريش ، فصدعوا بأمره و استجابوا له ، و حبسوا خيراتهم عن أهل مكة .

أخذ الحصار الذي فرضه ثمامة على قريش يشتد شيئا فشيا ، فارتفعت الأسعار ، وفشى الجوع في الناس واشتد عليهم الكرب ، حتى خافوا على أنفسهم و أبنائهم من أن يهلكوا جوعا .. عند ذلك كتبوا إلى رسول صلى الله عليه وسلم يقولون : إن عهدنا بك أنك تصل الرحمن وتحض على ذلك ... وها أنت قد قطعت أرحامنا ، فقتلت الآباء بالسيف ، و أمت الأبناء بالجوع .. و إن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا و أضر بنا ، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث الينا بما نحتاج إليه فافعل ، فكتب صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها .

ظل ثمامة بن أثال - ما امتدت به الحياة وفيا لدينه ، حافظا لعهد نبيه ، فلما التحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، و طفق العرب يخرجون من دين الله زرافات ووحدانا ، و قام مسيلمة الكذاب في بني حنيفة يدعوهم إلى الإيمان به ، وقف ثمامة في وجهه ، وقال لقومه : يا بني حنيفة إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه ، إنه والله لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم ، وبلاء على من لم يأخذ به ، ثم قال :
يا بني حنيفة إنه لا يجتمع نبيان في وقت واحد ، وإن محمدا رسول الله لا نبي بعده ، ولا نبي يشرك معه .. ثم قرأ عليهم :
(حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) .. ثم قال : أين كلام الله هذا من قول مسيلمة : (يا ضفدع نقي ما تنقين ، لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين) ثم انحاز بمن بقي على الإسلام من قومه ومضى يقاتل المرتدين جهادا في سبيل الله وإعلاء لكلمته في الأرض ..

جزى الله ثمامة بن أثال عن الإسلام والمسلمين خيراً ، واكرمه بالجنة التي وعد المتقون.





 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

البراء بن مالك الأنصاري

كان أشعثاً أغبراً ضئيل الجسم معروق العظم تقتحمه عين رائيه ثم تزور عنه ازورارا، ولكنه مع ذالك ، قتل مائة من المشركين مبارزة وحده ، عدا عن الذين قتلهم في غمار المعارك مع المحاربين ، إنه الكمي الباسل المقدام الذي كتب الفاروق بشأنه إلى عماله في الآفاق : لا تولوا البراء جيشا من جيوش المسلمين مخافة أن يهلك جنده بإقدامه.
إنه البراء بن مالك الأنصاري ، أخو أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى ، طفقت قبائل العرب تخرج من دين الله أفواجا ولم يبق إلا من ثبت الله قلبه على الإيمان.
صمد الصديق رضي الله عنه ، لهذه الفتنة المدمرة العمياء ، صمود الجبال الراسيات ، وجهز من المهاجرين والأنصار أحد عشر جيشا ، وعقد لقادة هذه الجيوش أحد عشر لواء ، ودفع بهم في أرجاء جزيرة العرب ليعيدوا المرتدين إلى سبيل الهدى والحق ، وليحملوا المنحرفين على الجادة بحد السيف.
وكان أقوى المرتدين بأسا ، وأكثرهم عددا ، بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب ، فقد اجتمع لمسيلمة من قومه وحلفائهم أربعون الفا من أشداء المحاربين . وكان أكثر هؤلاء قد اتبعوه عصبية له لا إيمانا به ، فقد كان بعضهم يقول : أشهد أن مسيلمة كذاب ، ومحمدا صادق .. لكن كذاب ربيعة (مسيلمة) ، أحب إلينا من صادق مضر (محمد صلى الله عليه وسلم).
هزم مسيلمة أول جيش خرج إليه من جيوش المسلمين بقيادة عكرمة بن أبي جهل ورده على أعقابه . فأرسل له الصديق جيشا ثانيا بقيادة خالد بن الوليد ، حشد فيه وجوه الصحابة ، من الأنصار والمهاجرين ، وكان في طليعة هؤلاء وهؤلاء البراء بن مالك الأنصاري .
التقى الجيشان على أرض اليمامة في نجد ، فما هو إلا قليل حتى رجحت كفة مسيلمة وأصحابه ، وزلزلت الأرض تحت أقدام جنود المسلمين ، وطفقوا يتراجعون عن مواقفهم ، حتى اقتحم أصحاب مسيلمة فسطاط خالد بن الوليد رضي الله عنه ، واقتلعوه من أصوله ، وكادوا يقتلون زوجته لولا ان أجارها أحد منهم. عند ذلك شعر المسلمون بالخطر الداهم ، وأدركوا أنهم إن يهزموا امام مسيلمة فلن تقوم للإسلام قائمة بعد اليوم ، ولن يعبد الله وحده لا شريك له في جزيرة العرب . وهب خالد إلى جيشه ، فأعاد تنظيمه ، حيث ميز المهاجرين عن الأنصار ، وميزأبناء البوادي عن هؤلاء وهؤلاء ، وجمع أبناء كل أب تحت راية واحد منهم ، ليعرف بلاء كل فريق في المعركة ، وليعلم من أين يؤتى المسلمين.
ودارت بين الفريقين رحى معركة ضروس لم تعرف حروب المسلمين لها نظيرا من قبل ، وثبت قوم مسيلمة في ساحات الوغى ثبات الجبال الراسيات ولم يأبهوا لكثرة ما أصابهم من القتل . وأبدى المسلمون من خوارق البطولات ما لو جمع لكان ملحمة من روائع الملاحم. ولكن كل هذه البطولات تتضاءل أمام بطولة البراء بن مالك رضي الله عنه وعنهم أجمعين. ذلك أن خالدا حين رأى وطيس المعركة يحمى ويشتد ، التفت إلى البراء بن مالك وقال : إليهم يا فتى الأنصار ... فالتفت البراء إلى قومه وقال :
يا معشر الأنصار لا يفكرن أحد منكم بالرجوع إلى المدينة ، فلا مدينة لكم اليوم ، وإنما هو الله وحده ... ثم الجنة .. ثم حمل على المشركين وحملوا معه ، وانبرى يشق الصفوف ، ويعمل السيف في رقاب أعداء الله حتى زلزلت أقدام مسيلمة وأصحابه ، فلجأوا إلى حديقة التي عرفت في التاريخ بعد ذلك باسم حديقة الموت لكثرة من قتل فيها في ذلك اليوم.

كانت حديقة الموت هذه رحبة الأرجاء عالية الجدران ، فأغلق مسيلمة والآلاف المؤلفة جنده عليهم أبوابها ، وتحصنوا بعالي جدرانها ، وجعلوا يمطرون المسلمين بنبالهم من داخلها فتتساقط عليهم تساقط المطر. عند ذلك تقدم مغوار المسلمين الباسل البراء بن مالك وقال : يا قوم ، ضعوني على ترس ، وارفعوا الترس على الرماح ، ثم اقذفوني إلى الحديقة قريبا من بابها ، فإما أن أستشهد وإما أن أفتح لكم الباب ..
وفي لمح البصر جلس البراء بن مالك على ترس فقد كان ضئيل الجسم نحيله ، ورفعته عشرات الرماح فألقته في حديقة الموت بين الآلاف المؤلفة من جند مسيلمة ، فنزل عليهم نزول الصاعقة ، وما زال يجالدهم أمام باب الحديقة ، ويعمل في رقابهم السيف حتى قتل عشرة منهم وفتح الباب وبه بضع وثمانون جراحة من بين رمية بسهم أو ضربة بسيف ... فتدفق المسلمون على حديقة الموت، من حيطانها وأبوابها وأعملوا السيوف في رقاب المرتدين اللائذين بجدرانها حتى قتلوا منهم قريبا من عشرين الفا ووصلوا إلى مسيلمة فأردوه صريعا.
حمل البراء بن مالك إلى رحله ليداوى فيه ، وأقام عليه خالد بن الوليد شهرا يعالجه من جراحه حتى أذن الله له بالشفاء ، وكتب لجند المسلمين على يديه النصر.
ظل البراء بن مالك يتوق إلى الشهادة التي فاتته يوم حديقة الموت ، وطفق يخوض المعارك واحدة بعد الأخرى شوقا إلى تحقيق أمنيته الكبرى وحنينا إلى اللحاق بنبيه الكريم ، حتى كان يوم فتح (تستر) من بلاد فارس ، فقد تحصن الفرس في إحدى القلاع الممردة ، فحاصرهم المسلمون وأحاطوا بهم إحاطة السوار بالمعصم فلما طال الحصار واشتد البلاء على الفرس ، جعلوا يدلون من فوق أسوار القلعة سلاسل من حديد ، علقت بها كلابيب من فولاذ حميت بالنار حتى غدت أشد توهجا من الجمر فكانت تنشب في أجساد المسلمين وتعلق بها ، فيرفعونهم إليهم إما موتى وإما على وشك الموت.
فعلق كلاب منها بأنس بن مالك أخي البراء بن مالك ، فما إن رآه حتى وثب على جدار الحصن ، وأمسك بالسلسلة التي تحمل أخاه ، وجعل يعالج الكلاب ليخرجه من جسده فأخذت يده تحترق وتدخن ، فلم يأبه لها حتى أنقذ أخاه ، وهبط إلى الأرض بعد أن غدت يده عظاما ليس عليها لحم.
في هذه المعركة دعا البراء بن مالك الأنصاري الله أن يرزقه الشهادة ، فأجاب الله دعاءه ، حيث خر صريعا شهيدا مغتبطا بلقاء الله .
نظر الله وجه البراء بن مالك في الجنة ، وأقر عينه بصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنه وأرضاه.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

عبدالله بن حذافة السهمي​


لقد كان في وسع التاريخ أن يمر بهذا الرجل كما مر بملايين العرب من قبله دون أن يأبه لهم أو يخطروا له على بال ، لكن الإسلام العظيم أتاح لعبدالله بن حذافة السهمي أن يلقى سيدي الدنيا في زمانه : كسرى ملك الفرس ، و قيصر عظيم الروم ، وأن تكون له مع كل منهما قصة ما تزال تعيها ذاكرة الدهر و يروها لسان التاريخ .
أما قصته مع كسرى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبي صلى الله عليه و سلم أن يبعث طائفة من أصحابه بكتب إلى ملوك الأعجام يدعهم فيها إلى الإسلام .
انتدب عليه الصلاة والسلام ستة من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم ، و كان أحد هؤلاء الستة عبدالله بن حذافة السهمي ، فقد اختير لحمل رسالة النبي صلوات الله عليه إلى كسرى ملك الفرس .
جهز عبد الله بن حذافة راحلته ، وودع صاحبته وولده ، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد و تحطه الوهاد ؛ وحيدا فريدا ليس معه إلا الله ، حتى بلغ ديار فارس ، فاستأذن بالدخول على ملكها ، وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له .. عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزين ، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا ، ثم أذن لعبد الله بن حذافة بالدخول عليه .

دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس مرتديا شملته الرقيقة ، مرتديا عباءته الصفيقة ، عليه بساطة العراب ، لكنه كان عالي الهامة ، مشدود القامة تتأجج بين جوانحه عزة الإسلام ، وتتوقد في فؤاده كبرياء الإيمان .. فما إن رآه كسرى مقبلا حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال :
لا ، إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمرا لرسول الله .. فقال كسرى لرجاله : اتركوه يدنو مني ، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده ، ثم دعا كسرى كاتبا عربيا من أهل الحيرة وأمره أن يفض الكتاب بين يديه ، وأن يقرأه عليه فإذا فيه :

" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ....."

فما أن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشتعلت نار الغضب في صدره ، فاحمر وجهه ، وانتفخت أوداجه لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه ... فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح : أيكتب لي بهذا ، وهو عبدي؟!! ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه فأخرج.
خرج عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى وهو لا يدري ما يفعل الله له ... أيقتل أم يترك حرا طليقا ؟ لكنه ما لبث أن قال : والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله الله صلى الله عليه وسلم ، وركب راحلته وانطلق . ولما سكت عن كسرى الغضب ، أمر بأن يدخل عليه عبد الله فلم يوجد.
فلما قدم عبد الله على النبي الله صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب ، فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال :" مزق الله ملكه".
أما كسرى فقد كتب إلى (باذان ) نائبه على اليمن : أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك ، ومرهما أن يأتياني به .. فبعث (باذان) رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله الله صلى الله عليه وسلم ، وحملهما رسالة له ، يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون ابطاء.
خرج الرجلان يغذان السير حتى لقيا النبي صلى الله عليه وسلم ، ودفعا إليه رسالة (باذان) وقالا له :
إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا (باذان) أن يبعث إليك من يأتيه بك ... وقد أتيناك اتنطلق معنا إليه ، فإن أجبتنا كلمنا كسرى بما ينفعك ويكف أذاه عنك ، وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك .. فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهما : ارجعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غدا .. فلما غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي ، قالا له : هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى ؟ فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : لن تلقيا كسرى بعد اليوم .. فلقد قتله الله ، حيث سلط عليه ابنه (شيرويه) في ليلة كذا من شهر كذا .. فحدقا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وبدت الدهشة على وجهيهما ، وقالا : أتدري ما تقول ؟! أنكتب بذلك (لباذان) ؟! قال : نعم ، وقولا له : إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى ، وإنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك .
خرج الرجلان من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقدما على ( باذان) وأخبراه الخبر ، فقال : لئن كان ما قاله محمد حقا فهو نبي ، وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا .. فلم يلبث أن قدم على (باذان) كتاب (شيرويه) وفيه يقول :
أما بعد فقد قتلت كسرى ، ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا ، فقد استحل قتل أشرافهم و سبي نسائهم وانتهاب أموالهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك . فما إن قرأ (باذان) كتاب (شيرويه) حتى طرحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام ، وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن .
وفي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا لحرب الروم فيه عبد الله بن حذافة وكان قيصر الروم قد تناهت إليه أخبار المسلمين وما يتحلون به من صدق الإيمان واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله ، فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه وأن يأتو به حيا .. وكان عبد الله بن حذافة ممن وقع في الأسر.
نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلا ثم بادره قائلا : إني أعرض عليك أمراً !!
قال : وما هو ؟
فقال : أعرض عليك أن تتنصر ... فإن فعلت خليت سبيلك ، وأكرمت مثواك ، فقال الأسير في أنفة وحزم : هيهات .. إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه.
فقال قيصر : إني لأراك رجلا شهما ... فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني . فتبسم الأسير المكبل بقيوده وقال : والله لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت.
قال : إذن أقتلك.
قال : أنت وما تريد ، ثم أمر به فصلب ، وقال لقناصته - بالرومية - ارموه قريبا من رجليه ، وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى.
عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه ، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب ، ثم دعا بقدر عظيمة فصب فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين ، فأمر بأحدهما أن يلقى فيها فألقي ، فإذا لحمه يتفتت ، وإذا عظامه تبدو عارية...
ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية ، فكان أشد إباء لها من قبل.
فلما يأس منه ، أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحباه فلما ذهب به دمعت عيناه ، فقال رجال قيصر لملكهم : إنه قد بكى ... فظن أنه قد جزع وقال : ردوه إلي ، فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأبى ، فقال : ويحك ، فما الذي أبكاك إذا؟!
فقال : أبكاني أني قلت في نفسي : تلقى الآن في هذه القدر ، فتذهب بنفسك ، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله .
فقال الطاغية : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
فقال له عبد الله : وعن جميع أسارى المسلمين أيضا ؟
قال : وعن جميع أسارى المسلمين أيضا.
قال عبد الله : فقلت في نفسي : عدو من اعداء الله ، أقبل رأسه فيخلي عني وعن أسارى المسلمين جميعا ، لا ضير في ذلك علي. ثم دنا منه وقبل رأسه ، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين ، وأن يدفعوهم إليه فدفعوا له.
قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخبره خبره ، فسر به الفاروق أعظم السرور ، ولما نظر إلى الأسرى قال : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة .. وأنا أبدأ بذلك...
ثم قام وقبل رأسه ...
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

عمير بن وهب الجمحي​


عاد عمير بن وهب الجمحي من بدر ناجيا بنفسه ، لكنه خلف وراءه ابنه (وهبا) أسيرا في أيدي المسلمين .. وقد كان عميرا يخشى أن يأخذ المسلمون الفتى بجريرة أبيه ، وأن يسوموه سوء العذاب جزاء ما كان ينزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ، ولقاء ما كان يلحق بأصحابه من النكال. وفي ذات ضحى توجه عمير إلى المسجد للطواف بالكعبة والتبرك بأصنامها ، فوجد صفوان بن أمية جالسا إلى جانب الحجر ، فأقبل عليه وقال : عم صباحا يا سيد قريش .
فقال صفوان : عم صباحا يا أبا وهب ، اجلس نتحدث ساعة فإنما يقطع الوقت بالحديث ..
فجلس عمير بإزاء صفوان بن أمية ، وطفق الرجلان يتذاكران بدرا ، ومصابها العظيم ، ويعددان الأسرى الذين وقعوا في أيدي محمد وأصحابه ، ويتفجعان على عظماء قريش ممن قتلتهم سيوف المسلمين . فتنهد صفوان بن أمية وقال : ليس - والله - في العيش خير بعدهم ، فقال عمير : صدقت والله ، ثم سكت قليلا ، وقال : ورب الكعبة لولا ديون علي ليس عندي ما أقضيها به ، وعيال أخشى عليهم الضياع من بعدي ، لمضيت إلى محمد وقتلته ، وحسمت امره ، وكففت شره ، ثم أتبع يقول بصوت خافت : وإن في وجود ابني وهب لديهم ما يجعل ذهابي إلى يثرب أمرا لا يثير الشبهات.
اغتنم صفوان بن أمية كلام عمير بن وهب ولم يشأ أن يفوت هذه الفرصة ، فالتفت إليه وقال : يا عمير ، اجعل دينك كله علي ، فأنا أقضيه عنك مهما بلغ ... وأما عيالك فسأضمهم إلى عيالي ما امتدت بي وبهم الحياة ... وإني في مالي من الكثرة ما يسعهم جميعا ويكفل لهم العيش الغريد .. فقال عمير : إذا ، اكتم حديثنا هذا ولا تطلع عليه أحدا !!
أمر عمير بن وهب بسيفه فشحذ وسقي سماً ، ودعا براحلته فأعدت وقدمت له ، فامتطى متنها .. بلغ عمير المدينة ومضى نحو المسجد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما غدا قريبا من بابه أناخ راحلته ونزل عنها.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالسا مع بعض الصحابة قريبا من باب المسجد ، يتذاكرون بدرا وما أكرمهم الله به من نصر ، فحانت من عمر التفاتة فرأى عمير بن وهب ينزل عن راحلته ، ويمضي نحو المسجد متوحشا سيفه ، فهب مذعورا وقال :
هذا ال--- عدو الله عمير بن وهب ... والله ما جاء إلا لشر ، لقد أثار المشركين علينا في مكة ، وكان عينا لهم علينا قبيل بدر ثم قال لجلسائه : امضوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكونوا حوله ، واحذروا أن يغدر به هذا الخبيث الماكر.
ثم بادر عمر إلى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله ، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوحشا سيفه ، وما أظنه إلا يريد شرا،
فقال عليه السلام : أدخله علي .
فأقبل الفاروق على عمير بن وهب وأخذ بتلابيبه ، وطوق عنقه بحمالة سيفه ، ومضى به نحو الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال ، قال لعمر :
أطلقه يا عمر ، فأطلقه ،
ثم قال له : استأخر عنه ، فتأخر عنه ، ثم توجه إلى عمير بن وهب وقال :
ادن يا عمير ، فدنا وقال : انعم صباحا ،
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، لقد أكرمنا الله بالسلام ، وهو تحية أهل الجنة ،
فقال عمير : والله ما أنت ببعيد عن تحيتنا ، وإنك بها لحديث عهد .
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : وما الذي جاء بك يا عمير ؟!
قال : جئت أرجو فكاك هذا الأسير الذي في أيديكم ، فأحسنوا إلي فيه .
قال : فما بال السيف الذي في عنقك ؟!
قال : قبحها الله من سيوف ... وهل أغنت عنا شيئا يوم بدر؟!!
قال : اصدقني ، ما الذي جئت له يا عمير ؟ قال : ما جئت إلا لذاك .
قال : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية عند الحجر ، فتذاكرتما أصحاب القليب من صرعى قريش ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ... فتحمل لك صفوان بن أمية دينك وعيالك على أن تقتلني ، والله حائل بيني وبين ذالك.
فذهل عمير لحظة ، ثم ما لبث أن قال : أشهد أنك لرسول الله ، ثم أردف يقول : لقد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، لكن خبري مع صفوان بن أمية لم يعلم به أحد إلا أنا وهو... والله لقد أيقنت أنه ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي ساقني إليك سوقا ، ليهديني إلى الإسلام ... ثم شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأسلم ،
فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : فقهوا أخاكم في دينه ، وعلموه القرآن ، وأطلقوا أسيره .
فرح المسلمون بإسلام عمير بن وهب أشد الفرح ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال لخنزير كان أحب إلي من عمير بن وهب حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو اليوم أحب إلي من بعض أبنائي ..
وفيما كان عمير يزكي نفسه بتعاليم الإسلام ، ويحيا أروع أيام حياته وأغناها ، كان صفوان بن أمية يمني نفسه الأماني ، ويمر بأندية قريش فيقول : أبشروا بنبأ عظيم يأتيكم قريبا فينسيكم وقعة بدر. ثم إنه لما طال الإنتظار على صفوان بن أمية ، أخذ القلق يتسرب إلى نفسه شيئا فشيئا ، حتى غدا يتقلب على أحر من الجمر ، وطفق يسأل الركبان عن عمير بن وهب فلا يجد عند أحد جوابا يشفيه إلى أن جاءه راكب فقال : إن عميرا قد أسلم ... فنزل عليه الخبر نزول الصاعقة .. إذ كان يظن أن عمير بن وهب لا يسلم ولو أسلم جميع من على ظهر الأرض.
أما عمير بن وهب فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله لقد غبر علي زمان وأنا دائب على اطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الإسلام ، وأنا أحب أن تأذن لي بأن أقدم على مكة لأدعو قريشا إلى الله ورسوله ، فإن قبلوا مني فنعم ما فعلوا ، وإن أعرضوا آذيتهم في دينهم كما كنت اوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم ، فوافى مكة ، وأتى بيت صفوان بن أمية وقال : يا صفوان ، إنك لسيد من سادات مكة ، وعاقل من عقلاء قريش ، أفترى أن هذا الذي أنتم عليه من عبادة الأحجار والذبح لها يصح في العقل أن يكون دينا ؟! أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

أجزل الله مثوبة عمير بن وهب ، ونور له في قبره.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

الطفيل بن عمرو الدوسي​


الطفيل بن عمرو الدوسي سيد قبيلة دوس في الجاهلية ، وشريف من أشراف العرب المرموقين ، وواحد من أصحاب المروءات المعدودين .
كان شاعراً مرهف الحس ، رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر. غادر الطفيل منازل قومه في تهامة متوجها إلى مكة ، ورحى الصراع دائرة بين الرسول الكريم صلوات الله عليه وكفار قريش ، كل يريد أن يكسب لنفسه الأنصار ، ويجتذب لحزبه الأعوان فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لربه وسلاحه الإيمان والحق .
ومن هنا كانت للطفيل ابن عمرو الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى حدث الطفيل قال :
قدمت مكة ، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا علي فرحبوا بي أكرم ترحيب ، أنزلوني فيهم أعز منزل ، ثم اجتمع إلي سادتهم وكبراؤهم وقالوا :
يا طفيل ، إنك قد قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ، ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعماتك في قومك ما قد حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمعن منه شيئا ، فإن له قولا كالسحر : يفرق بين الولد وأبيه وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها .
قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره ، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعت أمري على ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئا .
ولما غدوت على المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج وإياها نعظم ، حشوت في أذني قطنا خوفا من أن يلامس سمعي شيء من قول محمد . لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائما يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا ، ويتعبد عبادة غير عبادتنا ، فأسرني مظهره ، وبهرتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه شيئا فشيئا على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض مما يقول ، فسمعت كلاما حسنا ، وقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا طفيل ، إنك لرجل لبيب شاعر ، وما يخفى عليك الحسن من القبيح ، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ، قال الطفيل : ثم مكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل داره دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي عنك كذا وكذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك حتى سددت أذني بقطن لئلا اسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه ، فوجدته حسنا ، فاعرض علي أمرك ، فعرض علي أمره ، وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق ، فوالله ما سمعت قولا أحسن من قوله ، ولا رأيت أمرا أعدل من أمره ، عند ذلك بسطت يدي له ، وشهدت ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ودخلت في الإسلام .
قال الطفيل : ثم أقمت في مكة زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام وحفظت فيه ما تيسر لي من القرآن ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت : يا رسول الله ، إني امرؤ مطاع في عشيرتي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له آية.
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرف على منازلهم وقع نور فيما بين عيني مثل المصباح ،
فقلت : اللهم اجعله في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها عقوبة وقعت في وجهي لمفارقة دينهم ، فتحول النور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الناس يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأن أهبط إليهم من العقبة فلما نزلت ، أتاني أبي و كان شيخا كبيرا فقلت . إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني .
قا ل: ولم يا بني ؟! ،
قلت : لقد أسلمت و تابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ،
قال : أي بني ديني دينك ، فقلت : اذهب و اغتسل و طهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت ،
فذهب و اغتسل و طهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم . ثم جاءت زوجتي ، فقلت : إليك عني فلست منك و لست مني قالت : ولم !! بأبي أنت و أمي ، فقلت : فرق بيني و بينك الإسلام ، فقد أسلمت و تابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ،
قالت: فديني دينك ، قلت : فاذهبي و تطهر من ماء ذي شرى وذو الشرى صنم لدوس حوله ماء يهبط من الجبل فقالت : بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية شيئا من ذي الشرى ؟!
فقلت : تبا لك و لذي الشرى قلت لك : اذهبي و اغتسلي هناك بعيدا عن الناس ، و أنا ضامن لك ألا يفعل هذا الحجر الأصم شيئا ،
فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوسا فأبطؤوا علي إلا أبا هريرة فقد كان أسرع الناس إسلاما .
قال الطفيل : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ومعي أبو هريرة فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام : ما وراءك يا طفيل ؟
فقلت : قلوب عليها أكنة وكفر شديد ، لقد غلب على دوس الفسوق والعصيان ،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ورفع يده إلى السماء ،
فقال أبو هريرة : فلما رأيته كذلك خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا ، فقلت : واقوماه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول
: اللهم اهد دوسا .. اللهم اهد دوسا .. اللهم اهد دوسا ،
ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام .
قال الطفيل : فلم أزل بأرض دوس ادعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضت بدر وأحد والخندق ، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ثمانون بيتا من دوس أسلموا وحسن اسلامهم فسر بنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر فقلنا : يا رسول الله : اجعلنا ميمنتك في كل غزوة تغزوها واجعل شعارنا : (مبرور).
ولما آلت الخلافة من بعده إلى صاحبه الصديق وضع الطفيل نفسه وسيفه وولده في طاعة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعة جيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ، ومعه ابنه عمرو. وفيما هو في طريقه إلى اليمامة رأى رؤيا ، فقال لأصحابه :
إني رأيت رؤيا فعبروها لي ؟ فقالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت رأسي قد حلق ، وأن طائرا خرج من فمي ، وأن امرأة أدخلتني في بطنها ، وان ابني عمرا جعل يطلبني حثيثا لكنه حيل بيني وبينه ، فقالوا : خيرا
فقال : أما أنا والله فقد أولتها : أما حلق رأسي فذالك أنه يقطع ، واما الطائر الذي خرج من فمي فهو روحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في بطنها فهي الأرض تحفر لي فأدفن في جوفها وإني لأرجو أن أقتل شهيدا . واما طلب ابني لي فهو يعني أنه يطلب الشهادة التي سأحظى بها إذا أذن الله لكنه يدركها فيما بعد . وفي معركة اليمامة أبلى الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي اعظم البلاء ، حتى خر صريعا شهيدا على أرض المعركة . واما ابنه عمرو فما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح وقطعت كفه اليمنى فعاد إلى المدينة مخلفا على أرض اليمامة أباه ويده.

وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، دخل عليه عمرو بن الطفيل ، فاتي للفاروق بطعام ، والناس جلوس عنده ، فدعا القوم إلى طعامه ، فتنحى عمرو عنه ، فقال له الفاروق : مالك ؟! لعلك تأخرت عن الطعام خجلا من يدك، قال : أجل يا أمير المؤمنين . قال : والله لا أذوق هذا الطعام حتى تخلطه بيدك المقطوعة ، والله ما في القوم أحد بعضه في الجنة إلا أنت ، يريد بذلك يده .

ظل حلم الشهادة يلوح لعمرو منذ فارق أباه فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها عمرو مع المبادرين وما زال يقاتل حتى ادرك الشهادة التي مناه بها أبوه .
رحم الله الطفيل بن عمرو الدوسي ، فهو الشهيد وأبو الشهيد .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/عبد الله بن سلام

الصحابي الجليل عبد الله بن سلام

هو الصحابي الجليل عبد الله بن سَلاَم بن الحارث، وكُنيته: أبو يوسف، من ذُرِّيـة يوسف الصدِّيق عليه السلام. قال عنه الذهبي في السير: " الإمام الحَبْر، المشهود له بالجنة، حليف الأنصار، من خواصِّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ".
كان عبد الله يهوديًّا من يهود بني قَيْنُقَاع، ثم أسلم مَقْدَمَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة[1].

قصة إسلامه:

روى حميد، عن أنس: أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه إلى المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " أخبرني بهنَّ جبريل آنفًا ". قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة.
قال: " أمّا أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى المغرب. وأما أول ما يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد حوت. وأما الشَّبَهُ، فإذا سَبَقَ ماء الرجل نَزَعَ إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزع إليها ".
قال: أشهد أنك رسول الله.
وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت; وإنهم إنْ يعلموا بإسلامي بهتوني، فأرسلْ إليهم، فسَلْهُمْ عنِّي.
فأرسل إليهم.
فقال: " أي رجل ابن سلام فيكم؟ "
قالوا: حَبْرُنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا.
قال: " أرأيتم إن أسلم، تسلمون؟ "
قالوا: أعاذه الله من ذلك!
قال: فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ; وأن محمدًا رسول الله.
فقالوا: شرُّنا وابن شرِّنا; وجاهلنا وابن جاهلنا.
قال: ويلكم! اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقًّا.
قالوا: كذبت.
فقال: يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بُهْتٌ؟!
فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم[2].

فضله:

عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في ابن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسد بن عبيد:
{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } الآيتين [آل عمران: 113، 114][3].
وعن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } [الأحقاف: 10][4].

وعن مصعب بن سعد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل من هذا الفَجِّ رجلٌ من أهل الجنة "، فجاء ابن سلام[5].

والآية { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }، قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام[6].

وهو ممن يؤتون أجورهم مرتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيِّه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدَّى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أَمَةٌ يطؤها، فأدَّبـها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها؛ فله أجران"[7].
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار.

وفاته:
تُوُفِّي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين[8] من الهجرة.

الهوامش:

[1] صيد الفوائد،
[2] أخرجه البخاري 7/ 195 و 198 في الهجرة، من طريق محمد بن سلام، عن عبد الصمد بن عبد الوارث بهذا الإسناد.
[3] أخرجه الطبري في تفسيره (7644) و (7645) من طريقين.
[4] أخرجه مالك في الموطأ، ورواه البخاري 7/ 97 في المناقب، باب مناقب عبد الله بن سلام. ومسلم (2483) في الفضائل.
[5] إسناده حسن من أجل عاصم بن بهدلة، وهو في المسند 1/ 169 و 183، وصححه الحاكم 3/ 416، ووافقه الذهبي.
[6] تفسير مجاهد 1/ 331.
[7]البخاري ومسلم.
[8] صيد الفوائد، الرابط:

عن موقع قصة الإسلام
 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/الأقرع بن حابس الدارمي

الأقرع بن حابس الدارمي رضي الله عنه

اسمه ولقبه:
هو الأقرع بن حابس بن عقال التميمي المجاشعي الدارمي، اسمه فراس بن حابس؛ ولقب الأقرع لقرع كان به في رأسه. وهو عم الشاعر المشهور الفرزدق.

حاله في الجاهلية:
كان رضي الله عنه من سادات العرب في الجاهلية، إذ كان من وجوه قومه بني تميم. وهو أحد حكام العرب في الجاهلية، كان يحكم في كل موسم، وهو أول من حرَّم القمار.

قصة إسلامه:
لما قدم وفد تميم كان معهم، فلما قدموا المدينة قال الأقرع بن حابس رضي الله عنه حين نادى: يا محمد، إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ". وقيل: بل الوفد كلهم نادوا بذلك،
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " ذلكم الله فما تريدون ؟"
قالوا: نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ونفاخرك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بالشعر بعثنا ولا بالفخار أمرنا ولكن هاتوا ". فقال الأقرع بن حابس لشاب منهم: قم يا فلان، فاذكر فضلك وقومك. فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء، فنحن خير من أهل الأرض، أكثرهم عددًا، وأكثرهم سلاحًا، فمن أنكر علينا قولنا فليأتِ بقول هو أحسن من قولنا، وبفعال هو أفضل من فعالنا ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس الأنصاري رضي الله عنه -وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم -: " قم فأجبه ". فقام ثابت رضي الله عنه فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوهًا، وأعظم الناس أحلامًا، فأجابوه. والحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزًّا لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها مُنع منا نفسه وماله، ومن أباها قاتلناه، وكان رغمُه في الله تعالى علينا هيّنًا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات.
فقال الزبرقان بن بدر لرجل منهم: يا فلان، قم فقُلْ أبياتًا تذكر فيها فضلك وفضل قومك. فقال:
نحن الكرام فلا حي يعادلنـا * نحن الرءوس وفينا يقسم الربـع
ونطعم الناس عند المحل كلهم * من السديف إذا لم يؤنس القزع
إذا أبيـنا فلا يأبى لنا أحـد * إنا كذلك عند الفـخر نرتفـع​
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليَّ بحسان بن ثابت ". فحضر، وقال: قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود (أي:الجمل المسن). فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثَمَّ فأجبه ". فقال: أسمعني ما قلت. فأسمعه، فقال حسان رضي الله عنه:
نصرنا رسـول الله والدين عنـوة *** على رغم عات من معد وحاضر
بضرب كإبزاغ المخاض مشاشـه *** وطعن كأفواه اللقـاح الصـوادر
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى *** إذا طاب ورد الموت بين العساكر
فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى *** وأمـواتنا من خير أهل المقـابر
فلولا حيـاء الله قلنـا تكرمـًا *** على الناس بالخَيْفين هل من منافـر​
فقام الأقرع بن حابس رضي الله عنه فقال: إني والله يا محمد، لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، قد قلت شعرًا فاسمعه. قال: "هات". فقال:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا *** إذا خالفونا عند ذكـر المكـارم
وأنَّا رءوس الناس من كل معسر *** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا حسان، فأجبه". فقال:
بني دارم لا تفخروا إن فخركم *** يعود وبالاً عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتـم *** لنا خول من بين ظئـر وخادم​
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد كنت غنيًّا يا أخا بني دارم أن يذكر منك ما كنت ترى أن الناس قد نسوه ". فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليهما من قول حسان رضي الله عنه.
فقام الأقرع بن حابس رضي الله عنه فقال: يا هؤلاء، ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أرفع صوتًا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أرفع صوتًا، وأحسن قولاً. ثم دنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يضرّك ما كان قبل هذا ".
وفي وفد بني تميم نزل قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [الحجرات: 4].
ثم أسلم القوم وبقوا بالمدينة مدةً يتعلمون القرآن والدين، ثم أرادوا الخروج إلى قومهم، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم وكساهم.

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
شهد رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينًا والطائف. ومن مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ أَبُو بَكْر رضي الله عنه: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا } حَتَّى انْقَضَتْ.

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: " مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ ".

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ ". فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ رضي الله عنه: كُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ: " لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ثُمَّ إِذًا لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تُطِيعُونَ وَلَكِنَّهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ ".

وكان رضي الله عنه من المؤلفة قلوبهم؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت المؤلفة قلوبهم خمسة عشر رجلاً، منهم: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وسهيل بن عمرو العامري (رضي الله عنهم أجمعين).

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
شهد الأقرع بن حابس رضي الله عنه مع خالد بن الوليد رضي الله عنه حروب العراق، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وكان على مقدمة خالد بن الوليد رضي الله عنه. واستعمله عبد الله بن عامر رضي الله عنه على جيش سيَّره إلى خراسان، فأصيب بالجوزجان هو والجيش، وذلك في زمن عثمان رضي الله عنه. ويُروى أن عيينة رضي الله عنه والأقرع رضي الله عنه استقطعا أبا بكر رضي الله عنه أرضًا، فقال لهما عمر رضي الله عنه: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفكما على الإسلام، فأما الآن فاجهدا جهدكما؛ وقطع الكتاب.

وفاته:
استشهد رضي الله عنه بجوزجان سنة 31هـ.

عن موقع قصة الإسلام
 
التعديل الأخير:
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/الأرقم بن أبي الأرقم

الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه

نسبه وقبيلته
الأرقم بن أبي الأرقم وكان اسمه عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يكنى أبا عبد الله قال ابن السكن أمة تماضر بنت حذيم السهمية ويقال بنت عبد الحارث الخزاعية.

إسلامه
كان من السابقين الأولين قيل أسلم بعد عشرة وقال البخاري له صحبة وذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة فيمن شهد بدرا وروى الحاكم في ترجمته في المستدرك أنه أسلم سابع سبعة.
وقد أسلم الأرقم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج أبو بكر الصديق يريد رسول الله وكان له صديقا في الجاهلية، فلقيه فقال: يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها فقال رسول الله: إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل فلما فرغ رسول الله من كلامه أسلم أبو بكر فانطلق عنه رسول الله وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورا منه بإسلام أبي بكر ومضى أبو بكر وراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا ثم جاء الغد عثمان بن مظعون وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا رضي الله عنهم.

دار الأرقم ومكانتها في الإسلام

تُعد دار الأرقم رضي الله عنه وأرضاه إحدى الدور التي كان لها دور هام في تاريخ الإسلام، فقد كانت المحضن التربوي الأول الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم فيه طليعة أصحابه الذين حملوا معه المسئولية الكبرى في تبليغ رسالة الله تعالى، يقول ابن عبد البر: وفي دار الأرقم ابن أبي الأرقم هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا من قريش بمكة يدعو الناس فيها إلى الإسلام في أول الإسلام حتى خرج عنها وكانت داره بمكة على الصفا فأسلم فيها جماعة كثيرة وهو صاحب حلف الفضول.

لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم؟

1- أن الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، فما كان يخطر ببال قريش أن يتم لقاء محمد وأصحابه بداره.

2 - أن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه من بني مخزوم، وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، فلو كان الأرقم معروفًا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره، لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو

3 - كان الأرقم رضي الله عنه فتىً عند إسلامه، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره، ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع الإسلامي، فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام، ومن ثم نجد أن اختيار هذه الدار كان في غاية الحكمة من جميع النواحي.

مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم

عن الأرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر: ضعوا ما كان معكم من الأثقال فرفع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ المزربان فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم فقال هبه لي يا رسول الله فأعطاه إياه.

وعنه رضي الله عنه أنه جاء إلى رسول الله فسلم عليه
فقال: أين تريد ؟
فقال: أردت يا رسول الله ههنا وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس،
قال: " ما يخرجك إليه أتجارة ؟"
فقال: قلت لا ولكن أردت الصلاة فيه،
قال: " الصلاة ههنا وأومأ بيده إلى مكة خير من ألف صلاة وأومأ بيده إلى الشام "

وفاته

عن محمد بن عمران بن هند عن أبيه قال: حضرتْ الأرقم بن أبي الأرقم الوفاة فأوصى أن يصلي عليه سعد فقال مروان: أتحبس صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل غائب أراد الصلاة عليه؟
فأبى عبد الله بن الأرقم ذلك على مروان وقامت معه بنو مخزوم ووقع بينهم كلام ثم جاء سعد فصلى عليه وذلك سنة 55 هـ بالمدينة وتوفي وهو ابن بضع وثمانين سنة.

عن موقع قصة الإسلام

المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة.......... ابن حجر العسقلاني
صفة الصفوة.................... ابن الجوزي
المستدرك....................... الحاكم النيسابوري
الاستيعاب...................... ابن عبد البر
 
التعديل الأخير:
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/الأشعث بن قيس الكندي

الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه

اسمه ولقبه وبيان حاله

هو الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي أحد بني الحارث بن معاوية، ويكنى أبا محمد؛ وإنما سمي الأشعث لشعوثة رأسه. ولد رضي الله عنه سنة 23 ق.هـ، وكان شريفًا مطاعًا جوادًا شجاعًا، له صحبة. وكان من ذوي الرأي والإقدام موصوفًا بالهيبة، وهو أول راكب في الإسلام مشت معه الرجال يحملون الأعمدة بين يديه ومن خلفه.

حاله في الجاهلية
كان في الجاهلية رئيسًا مطاعًا في كندة، وكان من ملوك كندة، وهو صاحب مرباع حضرموت، وكان الأشعث بن قيس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قبل ذلك ملكًا على جميع كندة، وكان أبوه قيس بن معديكرب ملكًا على جميع كندة أيضًا، عظيم الشأن.

عمره عند الإسلام
كان عمره رضي الله عنه عندما أسلم 33 سنة، إذ إنه ولد قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وقدم بوفد كندة سنة عشر من الهجرة.

قصة إسلامه
قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين أو ستين راكبًا من كندة، ولم يأتِ وفد بهذه الضخامة وهذه الكثافة؛ وذلك لإثبات عزتهم ومنعتهم، وهو وفد يتناسب مع مقام الملوك. أما مظاهر أبهة الملك فكانت: "فدخلوا عليه مسجده وقد رجلوا جممهم، واكتحلوا، ولبسوا جباب الحبرات، مكثفة بالحرير". فهو ليس وفدًا عاديًّا كبقيَّة الوفود، وقد خطفوا أبصار الناس، وهمهم الأول أن يشعروا النبي صلى الله عليه وسلم بعزتهم وأنفتهم، وعلى رأسهم سيدهم الأشعث بن قيس رضي الله عنه.
فلما دخلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوَ لم تسلموا ؟" قالوا: بلى. قال: " فما هذا الحرير في أعناقكم ؟" فشقوه ونزعوه وألقوه. وقام سيدهم الأشعث ليفخر أنه وقريش من أرومة واحدة، فهم جميعًا أبناء الملوك، وهم بنو آكل المرار.
فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسن تصرفهم، واستجابتهم لله ورسوله، لكنه لن يطمس حقيقة النسب، وأراد بحكمته صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بعد هذه الوحشة؛ فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: " ناسب بهذا النسب ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا ".
ولا علاقة لقريش بآكل المرار، وإن كانت إحدى جدات النبي صلى الله عليه وسلم من بني آكل المرار، لكن سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- لا يتبع نسب أمه، بل يتبع نسب أبيه، ولا ينتفي منه، فهو من قريش.

الرسول يعلمه المساواة والتواضع
يقال: إن الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتتكافأ دماؤنا؟ فقال: " نعم، لو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك به ". وباهلة هي قبيلة مرذولة في العرب.

أهم ملامح شخصيته
القيادة
حيث كان ملكًا على قومه في الجاهلية والإسلام.

الكرم والسخاء
يظهر هذا من موقفه عندما تزوج أخت سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ونحر من نوق المدينة الكثير حتى ظن الناس أنه ارتد، فأطعم الناس، وأعطى أصحاب النوق أثمانها.

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
عن الأشعث بن قيس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من قومي لا يروني أفضلهم، فقلنا: يا رسول الله، إنا نزعم أنكم منا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا ننتفي من أبينا، ولا نقفو أمَّنا ". قال الأشعث رضي الله عنه: لا أسمع أحدًا نفى قريشًا من النضر بن كنانة إلا جلدته.
وفي مسند الإمام أحمد عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ". فَقَالَ الأَشْعَثُ رضي الله عنه: فِيَّ كَانَ وَاللَّهِ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَلَكَ بَيِّنَةٌ ؟" قُلْتُ: لا. فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: " احْلِفْ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَنْ يَحْلِفَ. فَذَهَبَ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ...} [آل عمران: 77] إ.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ رضي الله عنه عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ.
وروى سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: شهدت جنازة فيها جرير والأشعث رضي الله عنهما، فقدم الأشعث جريرًا وقال: إني ارتددت ولم ترتد.

وقد شارك رضي الله عنه في فتح أصفهان مع النعمان بن مقرن رضي الله عنه ، فلما استخلف عمر رضي الله عنه خرج الأشعث رضي الله عنه مع سعد رضي الله عنه إلى العراق فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، واختط بالكوفة دارًا في كندة ونزلها. وقد استعمله عثمان رضي الله عنه على أذربيجان. وشهد تحكيم الحكمين، وكان آخر شهود الكتاب.

موقفه في حرب صفين ونصحه للأمة
نصح الأشعث بن قيس رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه قائلاً: "اللهَ اللهَ يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، هَبُوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟! أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام فمن للبعوث والذراري؟! الله الله، فإن الله يقول: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات: 9]. فقال له معاوية رضي الله عنه: فما الذي تريد؟ قال: نريد أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوالله لتخلن بيننا وبين الماء أو لنضعن أسيافنا على عواتقنا، ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه. فقال معاوية رضي الله عنه لأبي الأعور عمرو بن سفيان: يا أبا عبد الله، خلِّ بين إخواننا وبين الماء. فقال أبو الأعور لمعاوية: كلا، والله لا نخلي بينهم وبين الماء، يا أهل الشام، دونكم عقيرة الله؛ فإن الله قد أمكنكم منهم. فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء، فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلاً حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاوية رضي الله عنه إلى الشام بأهل الشام، وعليّ إلى العراق بأهل العراق.

أثره في الآخرين
روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو وائل، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن عدي الكندي. وهي أحاديث يسيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ ".

وفاته
مات رضي الله عنه بالكوفة سنة أربعين أو إحدى وأربعين، وهو ابن ثلاث وستين. قيل: بعد قتل علي بن أبي طالب t بأربعين ليلة. وقد صلى عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما.

عن موقع قصة الإسلام​
 
التعديل الأخير:
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/البراء بن مالك

البراء بن مالك رضي الله عنه*

التعريف به ومولده
هو البراء بن مالك بن النضر الأنصاري أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه[1].
ولقد ولد سيدنا البراء بن مالك بالمدينة وبها عاش إلى أن خرج مقاتلاً في سبيل الله في اليمامة وفي أرض الفرس حتى لقي الله شهيدًا
وقال عنه ابن عبد البر كان البراء بن مالك هذا أحد الفضلاء ومن الأبطال الأشداء قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه[2].

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم على حب الشهادة في سبيل الله وعلى اليقين بنصر الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مستجاب الدعوة...
عن أنس قال دخلت على البراء بن مالك وهو يتغنى فقلت له قد أبدلك الله ما هو خير منه فقال: أترهب أن أموت على فراشي لا والله ما كان الله ليحرمني ذلك وقد قتلت مائة منفردا - أي مبارزة من المشركين في ميادين القتال - سوى من شاركت فيه...
انظر إلى يقين البطل المغوار بربه وحسن ظنه بمولاه

الشجاعة والإقدام وحب الجهاد
عن أنس بن مالك قال لما بعث أبو موسى على البصرة كان ممن بعث البراء بن مالك وكان من ورائه فكان يقول له اختر عملا فقال البراء ومعطي أنت ما سألتك قال نعم قال أما إني لا أسألك إمارة مصر ولا جباية خراج ولكن أعطني قوسي وفرسي ورمحي وسيفي وذرني إلى الجهاد في سبيل الله
فبعثه على جيش فكان أول من قتل...
وعن ابن سيرين: قال: لقي البراء بن مالك يوم مسيلمة رجلا يقال له حمار اليمامة قال: رجل طوال في يده سيف أبيض قال: وكان البراء رجلا قصيرا فضرب البراء رجليه بالسيف فكأنما أخطأه فوقع على قفاه قال: فأخذت سيفه وأغمدت سيفي فما ضربت إلا ضربة واحدة حتى انقطع فألقيته وأخذت سيفي...
وعن محمد بن سيرين: أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين –يوم حرب مسيلمة الكذاب - فجلس البراء بن مالك رضي الله عنه على ترس فقال ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط فاقتحم إليهم وشد عليهم وقاتل حتى افتتح باب الحديقة فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً ولذلك أقام خالد بن الوليد عليه شهراً يداوي جرحه....
وعن أنس بن مالك قال: لما كان يوم العقبة بفارس، و قد زوى الناس، قام البراء بن مالك فركب فرسه و هي تزجي، ثم قال لأصحابه: بئس ما عودتكم أقرانكم عليكم فحمل على العدو ففتح الله على المسلمين...
عن ابن سيرين قال: بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزآرة فقتله وأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا فبلع ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه...

بين الأخوة في الله والأخوة في النسب
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: بينما أنس بن مالك و أخوه البراء بن مالك عند حصن من
حصون العدو، والعدو يلقون كلاليب في سلاسل محماة فتعلق بالإنسان فيرفعونه إليهم فعلق بعض تلك الكلاليب بأنس بن مالك فرفعوه حتى أقلوه من الأرض فأتي أخوه البراء بن مالك فقيل: أدرك أخاك وهو يقاتل في الناس فأقبل يسعى حتى نزل في الجدار ثم قبض بيده على السلسلة وهي تدار فما برح يجرهم ويداه تدخنان، حتى قطع الحبل ثم نظر إلى يديه فإذا عظامها تلوح قد ذهب ما عليها من اللحم أنجى الله عز وجل أنس ابن مالك بذاك...

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن أنس بن مالك يقول: كان البراء بن مالك رجل حسن الصوت فكان يرجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فبينما هو يرجز إذ قارب النساء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك إياك والقوارير قال: فامسك...

من مواقفه مع الصحابة:
عن أنس قال: لقي أبي بن كعب البراء بن مالك فقال: يا أخي ما تشتهي؟ قال: سويقا وتمرا فجاء فأكل حتى شبع فذكر البراء ابن مالك ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اعلم يا براء أن المرء إذا فعل ذلك بأخيه لوجه الله لا يريد بذلك جزاء ولا شكورا بعث الله إلى منزله عشرة من الملائكة يقدسون الله ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له حولا فإذا كان الحول كتب له مثل عبادة أولئك الملائكة وحق على الله أن يطعمهم من طيبات الجنة في جنة الخلد وملك لا يبيد.

أهم المعارك ودوره فيها:
مع مجاهد من المجاهدين الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم ونهلوا من ينابيع حكمته وشاهدوا بطولته صلى الله عليه وسلم، ليسجل التاريخ بطولة وشجاعة هذا المجاهد الذي كان يطلب الموت في كل مظانه، وكان قلبه منعقدًا بطلب الشهادة في سبيل الله سائلاً الله بلسانه أن يتقبله الله في قافلة الشهداء وقد كان ذلك ، إنه المقاتل المجاهد الشهيد البراء بن مالك.

معركة اليمامة
لما انتهى أصحاب مسيلمة إلى حائط حفير فتحصنوا به وأغلقوا الباب فقال البراء بن مالك ضعوني على برش واحملوني على رؤوس الرماح ثم ألقوني من أعلاها داخل الباب ففعلوا ذلك وألقوه عليهم فوقع وقام وقاتل المشركين وقتل مسيلمة قلت وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة وكانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون وكان المسلمون بضعة عشر ألفا فلما التقوا جعل كثير من الأعراب يفرون فقال المهاجرون والأنصار خلصنا يا خالد فميزهم عنهم وكان المهاجرون والأنصار قريبا من ألفين وخمسمائة فصمموا الحملة وجعلوا يتدابرون ويقولون يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم فهزموهم بأذن الله وألجئوهم إلى حديقة هناك وتسمى حديقة الموت فتحصنوا بها فحصروهم فيها ففعل البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان الأكبر ما ذكر من رفعه على الأسنة فوق الرماح حتى تمكن من أعلى سورها ثم ألقى نفسه عليهم ونهض سريعا إليهم ولم يزل يقاتلهم وحده ويقاتلونه حتى تمكن من فتح الحديقة ودخل المسلمون يكبرون وانتهوا إلى قصر مسيلمة حتى قتل مسيلمة بحربة وحشي وبسيف أبي دجانة[3].

معركة تستر
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال بينما أنس بن مالك وأخوه عند حصن من حصون العدو يعني بالحريق وكانوا يلقون كلاليب في سلاسل محماة فتعلق بالإنسان فيرفعونه إليهم ففعلوا ذلك بأنس فأقبل البراء حتى تراءى في الجدار ثم قبض بيده على السلسلة فما برح حتى قطع الحبل ثم نظر إلى يده فإذا عظامها تلوح قد ذهب ما عليها من اللحم وأنجى الله أنس بن مالك وبذلك وروى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رب أشعت أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك ". فلما كان يوم تستر من بلاد فارس انكشف الناس فقال المسلمون يابراء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم والحقتني بنبيك فحمل وحمل الناس معه فقتل مرزبان الزارة من عظماء الفرس وأخذ سلبه فانهزم الفرس وقتل البراء [4].

من أقواله
عن أنس أن خالد بن الوليد قال للبراء يوم اليمامة: قم يا براء. قال: فركب فرسه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يأهل المدينة لا مدينة لكم اليوم، وإنما هو الله وحده والجنة[5].

وفاته
لقي البراء زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على ربك". قال: أقسمت عليك يا رب منحتنا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبي الله صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدًا رضي الله عنه[6].
ولقي البراء بن مالك ربه شهيدًا على يد الهرمزان بعد أن منح الله المسلمين أكتاف الفرس.
وهكذا انتهت حياة الشهيد المجاهد الصحابي البراء بن مالك الذي كان لا يهاب القتل أو الموت الموقن بالشهادة في سبيل الله التي طلبها في كل معاركه، حتى نالها في تستر.

قالوا عنه
قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ "[7].
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد جيش المسلمين ألا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم[8].

الهوامش:
[1] الاستيعاب 1/47.
[2] الاستيعاب 1/47.
[3] البداية والنهاية 6/268.
[4] الإصابة في تمييز الصحابة 1/281.
[5] الإصابة في تمييز الصحابة 1/281.
[6] الاستيعاب 1/47.
[7] سنن الترمذي 5/692.
[8] الاستيعاب 1/47.


*جزء كبير من المقالة عن موقع قصة الإسلام
 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/سعيد بن زيد

الصحابي الجليل سعيد بن زيد

اسمه ونسبه:
هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، القرشي، العدوي، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وزوج أخته فاطمة.

كنيته:
أبو زيد.

إسلامه:
أسلم قديماً هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل إسلام عمر، كما كان إسلام عمر في بيت سعيد.
كان سعيد بن زيد رضي الله عنه من سادات الصحابة المهاجرين وفضلائهم، ومن المهاجرين الأولين، شهد سعيد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير وقعة بدر.

قال الواقدي : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه هو وطلحة بن عبيد الله إلى طريق الشام يتحسسان الأخبار عن عير لقريش .

وكان سعيد بن زيد من العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم.

ذكر شيء عن خبر والده زيد بن نفيل:
كان والد سعيد هو زيد بن عمرو بن نفيل على الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام من قبل بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وكان يرى أن قريشاً على غير الحق, وهم يعبدون الأصنام؛ فكان يتنقل ويبحث ويسافر إلى الشام ويتساءل مع رهبان النصارى؛ لعله يجد ضالته المنشودة وبغيته الغالية، وهو الدين الحنيف, فأخبره أحد رهبان النصارى بأنه قد حان اقتراب نبي يخرج بمكة بدين إبراهيم عليه السلام، فلما تأكد زيد هذا الخبر؛ كرَّ راجعاً إلى مكة، فلما كان في أثناء الطريق لقيه ركب ببلاد لخم فقتلوه قبل أن يتبلغ ببعثة نبينا محمد عليه السلام، وقد أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه يبعث يوم القيام أمة وحده، وقد ترحم عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستغفر له ودعا له.

ذكر شيء من فضائل سعيد بن زيد:
قدم سعيد بن زيد رضي الله عنه الكوفة، فسمع رجلاً يقع في علي بن أبي طالب ويسبه، فاشتد نكيره عليه, فكان رضي الله عنه لا تأخذه في الله لومة لائم.

وروي: «أن مروان بن الحكم لما جاءه الأمر من معاوية أن يأخذ من أهل المدينة البيعة لابنه يزيد بولاية العهد، فلما تريث, قال له رجل من جند الشام: ما يحبسك؟ قال مروان: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع؛ فإنه سيد أهل البلد، وإذا بايع بايعوا. ( أخرجه الحاكم والطبراني في الكبير، وأخرجه البخاري في التاريخ الصغير)

وروي: « أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لما فتح دمشق ولى سعيد بن زيد نيابتها، ولقد أوذي سعيد بن زيد في ذات الله؛ فقد روى هو بنفسه أن عمر بن الخطاب قبل أن يُسلِم كان يوثقه ويعذبه بأنواع العذاب، يريد أن يرجع إلى الكفر بعد إسلامه ». رواه البخاري في صحيحه.

وكان لسعيد بن زيد رضي الله عنه مواقف حازمة في ميادين جهاد المشركين، وله اليد البيضاء يوم اليرموك، وقد أشار خالد بن الوليد أن يكون موقف سعيد بن زيد في القلب من صفوف المسلمين.

وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب له بسهمه وأجره من بدر هو وطلحة؛ لأنهما كانا غائبين بأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريق الشام.

دعوة مظلوم صادقة:
روى أبو نعيم في الحلية، من طريق بكر بن حزم: أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه ظلمها, وتعدى على حدود ملكها، فرفعت فيه إلى والي المدينة مروان بن الحكم، وسعيد يقول: لم أظلمها، ولم آخذ من ملكها شيئاً، ثم إن سعيداً أراد أن يظهر براءته بين المسلمين, فتوجه إلى ربه، فدعا عليها وقال: اللهم إن كانت علي كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في أرضها، وأظهر لي نوراً مبيناً للمسلمين. فبينما هي تمشي في أرضها إذ سقطت في حفرة من أرضها فماتت .

مات سعيد بن زيد رضي الله عنه بقصره بالعقيق سنة إحدى وخمسين من الهجرة، وهو ابن بضع وسبعين سنة فيما قيل، وحُمل إلى المدينة، وصُلي عليه بمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقبره بالمدينة رضي الله عنه.


عن شبكة الألوكة

 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/خولة بنت حكيم

الصحابية الجليلة خولة بنت حكيم

خولة بنت حكيم بن أمية السلمية ، صحابية جليلة ، أسلمت مع المجموعة المبكرة من المسلمين ممن صافحت نسمات الإسلام أسماعهم منذ أن هبت في الأيام الأولى ، فكتبت في قائمة السابقات إلى هذا الدين.

- زوجها عثمان بن مظعون من سادة المهاجرين ، وأحد أولياء الله المتقين ، وأول من دفن بالبقيع.

- كانت خولة رضي الله عنها امرأة صالحة فاضلة، وهي ممن اهتم بأمور النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت حريصة على إدخال السرور إلى نفسه ، قالت عائشة رضي الله عنها : لما ماتت خديجة رضي الله عنها جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ألا تزوج ؟
قال : ومن ؟
قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً.
قال: ( من البكر ومن الثيب ) ؟
فقالت: أما البكر فعائشة بنت أحب خلق الله إليك. وأما الثيب فسودة بنت زمعة، قد آمنت واتبعتك،
قال: اذكريهما علي.
قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة،
قالت: ماذا ؟
قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة.
قالت: انتظري فإن أبا بكر آت، فجاء أبوبكر فذكرت ذلك له. فقال: أو تصلح له وهي ابنة أخيه ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أخوه وهو أخي ، وابنته تصلح لي.
قالت: وقام أبوبكر، فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، ووالله ما أخلف وعداً قط، تعنى أبا بكر.
قالت: فأتى أبوبكر المطعم فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية.
قال: فأقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين ؟
فأقبلت على أبي بكر فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصبئه وتدخله في دينك.
فأقبل عليه أبو بكر فقال : ما تقول أنت ؟
فقال : إنها لتقول ما تسمع ،
فقام أبوبكر وليس نفسه من الموعد شيء ، فقال لها : قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها ،
قالت : ثم انطلقت إلى سودة بنت زمعة ، وأبوها شيخ كبير قد جلس عن الموسم فحييته بتحية أهل الجاهلية ، وقلت: أنعم صباحاً ،
قال : من أنت ؟
قلت : خولة بنت حكيم ، فرحب بي ، وقال ما شاء الله أن يقول ،
قلت : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة ،
قال : كفؤ كريم ، ماذا تقول صاحبتك ؟
قلت: تحب ذلك، قال: قولي له فليأت،
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها.
قالت: وقدم عبد بن زمعة فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثو على رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة.

- وكانت خولة رضي الله عنها كثيرة الدخول على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فكن يكرمنها ويتفقدن شؤونها ، ويسألن عن أحوالها ، ومن ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته وعبد الرزاق في مصنفه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
دخلت امرأة عثمان بن مظعون واسمها خولة بنت حكيم على عائشة وهي باذة الهيئة. فسألتها: ما شأنك ؟
فقالت زوجي يقوم الليل ويصوم النهار،
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له عائشة، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
( يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك فيّ أسوة ؟ فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا ).
ولقد تأثر عثمان رضي الله عنه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى زوجه، واهتم بها، حتى إنها جاءت بعد ذلك عطرة كأنها عروس فلقن لها: مه ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس.

- وعاشت خولة مع زوجها عثمان بن مظعون عيشة طيبة،فلما توفي تأثرت لوفاته، فقالت ترثيه:

يا عين جودي بدمع غير ممنون * على رزية عثمان بن مظعون
على امرئ بات في رضوان خالقه * طوبى له من فقيد الشخص مدفون
طاب البقيـع له سكنى غرقده * وأشرقت أرضه من بعد تفتين
وأورث القلب حزناً لا انقطاع له* حتى الممات فما ترقا له شوني​

- ومن مناقب هذه الصحابية الجليلة أن الله تعالى سماها في القرآن مؤمنة ، فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره ، تحت قوله تعالى : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } قال : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا ابن أبي الوضاح يعني محمد بن مسلم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم. وقال ابن وهب ، عن سعيد بن عبد
الرحمن وابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن خولة بنت حكيم بن الأوقص من بني سليم : كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فخولة بنت حكيم السلمية كانت ممن وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم وأرجأها النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أرجأ، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم..

قال ابن حجر: قوله بنت حكيم أي ابن أمية بن الأوقص السلمية وكانت زوج عثمان بن مظعون وهي من السابقات إلى الإسلام وأمها من بني أمية.


المصدر: صور من سير الصحابيات ، لعبد الحميد السحيباني ، ص227


 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/الفريعة بنت مالك

الصحابية الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية


- أبوها مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري الخزرجي الخدري .
- أخوها الشقيق سعد بن مالك بن سنان ، أبو سعيد الخدري .
- أخوها لأمها قتادة بن النعمان الأنصاري الظفري ، من أهل بدر .
- حضرت بيعة الرضوان في السنة السادسة من الهجرة .

- توفي زوجها سهل بن رافع بن بشير الخزرجي حين خرج في طلب عبيد له ، فغدروا به وقتلوه قرب المدينة المنورة ، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمكث في بيتها أربعة أشهر وعشراً ، فامتثلت ، فلما تمت عدتها خلف عليها سهل بن بشير بن عنبسة الأنصاري .

المصدر: صور من سير الصحابيات ، لعبد الحميد السحيباني ، ص 55​


 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/أم سُلَيم بنت مِلْحان

الصحابية الجليلة أم سُلَيم بنت مِلْحان


من منّا لا يعرف الصحابي المحبوب أنس بن مالك، خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة الذين أكثَروا من رواية الحديث النبوي، بل إنه الثالث بين هؤلاء الكرام، لم يسبقه في هذا الشرف إلا أبو هريرة وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم.
وحديثنا اليوم عن أم هذا الصحابي، وإحدى المبشرات بالجنة، فقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: ( دخلتُ الجنة فسمعتُ خَشْفةً بين يديَّ، فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان ). والغميصاء، والرميصاء كذلك، لقَبان لأم سُليم، واسمها سهلة أو سهيلة ، وقيل رملة. وروت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر حديثًا

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحيطها برعايته وإكرامه ويقول: ( إني أرحمها. قُتل أخوها معي ) رواه البخاري ومسلم. وأخوها هو حرام بن ملحان، الذي شهد بدراً وأحداً، واستشهد سنة 4هـ، يوم بئر معونة. ونلحظ في موقف النبي صلى الله عليه وسلم خُلُق الوفاء، ومَن أجدَرُ بالوفاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهو يحيطها بعطفه ورعايته، إكراماً لأخيها الذي استُشهد! كما نلحظ مقام الشهيد عند الله وعند رسوله، فالشهيد جدير بأن يكون حيّاً يرزق عند ربه، وأهله جديرون بالإكرام، فكرامته تشمل أهله جميعاً!.
وماذا نتحدث عن فضائل أم سليم الأنصارية، وكل صفحة من حياتها تستحق أن تفرد بالحديث؟. لذلك سنلتقط من حديقتها هذه الأزهار:

* ما إن رأت الإسلام ينشر عبيره في يثرب حتى وجدت فيه الحق والخير فأسلمت. وكان زوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك غائباً، فلما رجع ووجدها قد أسلمت غضب غضبًا شديدًا من إسلامها، وقال لها: أصبوتِ؟ قالت: ما صبوتُ، ولكن آمنتُ بهذا الرجل، ثم جعلت تلقِّن أنسًا، وتشير إليه بقولها: "قل لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدًا رسول الله"؛ فكان مالك يقول لها: لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول له: لا أُفسِده، فلم تعبأ به، بل راحت تغرس الإيمان في نفس ولدها أنس فأسلم مثلها. وانطلق مالك بن النضر غاضباً يريد الشام فلقيه عدو له فقتله. فلما بلغها قتْلَه، قالت: لا أَفطِم أنسًا، حتى يَدَع الثَّدْي

* وعندما قدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً جاءته أم سليم بولدها أنس ليخدمه، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أكثِرْ ماله وولده وبارك له فيما أعطيته ). رواه مسلم.

* وبعد أن شبّ ولدها جاءها أبو طلحة الأنصاري يخطِبها لنفسه، وكان لا يزال على الشرك، فوقفت منه موقف المؤمنة المستعلية بإيمانها، الداعية التي تحب أن تهدي العالمين.. قالت: يا أبا طلحة ما مثلُك يُرَدّ، ولكنك امرؤ كافر. وقالت له: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده هو حجر لا يضرك ولا ينفعك، أو خشبة تأتي بها إلى النجار، فينجرها لك، هل يضرك هل ينفعك؟ أفلا تستحيي من عبادتك هذه؟ فإن أسلمتَ، فإني لا أريد منك صداقًا غير إسلامك، فوقع الإسلام في قلب أبي طلحة، ونطق بالشهادتين، فتزوَّجته، وكان الصداق بينهما الإسلام.. ، وفي هذا يقول التابعي ثابت ابن أسلم: ما سمعنا بمهرٍ قطّ كان أكرَمَ من مهر أم سليم: الإسلام!.

* وكانت أم سليم كريمة كزوجها أبي طلحة، فكانت كل حين تُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم التمر والرطب والسَّمن وأصناف الطعام. بل كانت كذلك تُعِدّ الطعام له ولأصحابه.

* وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها أحياناً، فتدركه الصلاة فيصلي عندها على حصير، وكان إذا مرّ قرب بيتها "دخل عليها، فسلّم عليها" كما في البخاري ومسلم.

* وكانت تحب النبي صلى الله عليه وسلم وتتبرَّك بآثاره، وإذا عرِق على فراش أو وسادة نشَّفت ذلك العرق وجعلته في قوارير عطرها فيزداد طيباً وأريجاً، وقد سألها النبي عن ذلك مرة فقال: ( ما تصنعين يا أم سُليم؟) فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا. قال: ( أصبتِ ). رواه مسلم.
وكانت تتبرّك بشَعر النبي الشريف، فلما أراد أن يحلق رأسه بمِنى، أخذ أبو طلحة شِقّ شعره، فجاء به إلى أم سليم، فكانت تجعله في سُكَّتها (والسُّك نوع من الطيب) [انظر سير أعلام النبلاء].

* وقصة صبرها حين توفي صبي لها، مشهورة وثابتة، قد رواها البخاري ومسلم، حيث إنها لما تزوَّجت بأبي طلحة رُزِقت منه غلامًا يسمى "عميرًا"، ومرض الغلام مرضًا شديدًا، وقبل أن يخرج أبوه سعيًا وراء لقمة العيش، قبَّل ابنه وخرج، ولكن الموت رفرف على الغلام وأبوه غائب، فقامت الصحابية الجليلة وغسَّلت ابنها، وكفَّنته، وصلت عليه أربع تكبيرات، وحفرت له قبره ودفَنته، ولما عاد زوجها ليلاً، قامت فهيَّأت له نفسها، وأعدَّت له طعامه، فأكل ثم سألها: كيف عمير؟ قالت له: يا أبا طلحة، إن عميرًا بات الليلة لا يشتكي تعبًا، نام نومًا هادئًا, وفي رواية : هو أسكَنُ ما كان ونام معها زوجها في تلك الليلة، وقبَّل أن يتوجه لصلاة الفجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: أين عمير؟ فإني أريد أن أقبِّله قبل أن أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا طلحة، إني حزينة، قال: ولِم؟ قالت له: لقد أخذت من الجيران شيئًا طلبوه مني، فقال لها: أتحزنين إذا أخذوا وديعتهم؟ فقالت له: أتحزن يا أبا طلحة إذا أخذ الله منا وديعته؟ وفي رواية أخرى : وارُوا الصبي [أي ادفنوه، فقد توفي]وعند ذلك لم يَسَع أبا طلحة إلا أن قال : إنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب إلى المسجد، وصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وشكا له زوجتَه، فدعا له، وقال: ( بارك الله لكما فى ليلتكما )، فولدت غلاماً فحنّكه النبي صلى الله عليه وسلم وسمّاه عبد الله. فرزقهما الله عشرة من الذكور كلهم حفظوا القرآن.
وروي أن عبد الله بن أبي طلحة كان من الصالحين، وقد رزقه الله سبعة بنين، كلهم قد قرأ القرآن.

* وكانت أم سُليم بعد هذا مجاهدة شجاعة:
روى مسلم عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء، ويداوين الجرحى.
وفي غزوة أحد خرج مع المسلمين أربع عشرة امرأة يحملن الطعام والشراب، ويسقين الجرحى ويداوينهم، وكان منهنّ فاطمة الزهراء، وعائشة الصدّيقة، وأم سُليم وأم عُمارة المازنية.
وفي غزوة خيبر كذلك كان لها ولعدد من الصحابيات مشاركة طيبة.
، وفي غزوة أحد سقت العطشى، وداوت الجرحى، ثم شهدت غزوة حُنَين، وأبلت فيها بلاءً حسنًا؛ فحزَمت خنجرًا على وسطها وهى حامل يومئذٍ بعبدالله بن أبي طلحة, فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سُليم، معها خنجر، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما تصنعين به يا أم سليم ؟)
فقالت أم سليم: يا رسول الله، أتخذ ذلك الخنجر إن دنا منى أحد من المشركين، بَقَرت بطنه, وأقتل هؤلاء الذين يفرون عنك،
فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا أم سُليم، إن الله قد كفى وأحسَن )

لقد كان الجهاد والاستشهاد شرفاً يتسابق إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينفرد به الرجال، بل تشارك به النساء، ألسنَ شقائق الرجال؟!. أليس للدين مكانة في قلوب الرجال والنساء تستحق أن تُفدى بالأموال والأنفس؟!

ولو كان النساء كمثل هذي * لفُضِّلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسْمِ الشمس عيبٌ * ولا التذكيرُ فخرٌ للهلال​

عن مقالة في مركز الشرق العربي للكاتب محمد عادل فارس وأخرى في شبكة الألوكة​
 
الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه)

الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه)



صحابي جليل من أعلام الصحابة (رضي الله عنهم) ومن قراء القرآن الماهرين، ولحب الرسول (صلى الله عليه وسلم) قراءته قال يوصي اصحابه : ( من سره ان يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )... كيف بدأت قصة هذا الصحابي مع الاسلام والايمان..؟

كان عبدالله بن مسعود او (ابن ام عبد) كما ينادونه الناس صغير السن، وقد دأب على ان يخرج بغنم لأحد الرجال من قومه منذ البكور ثم لا يعود الا اذا اقبل الليل.

ابن مسعود.. والرجل المبارك

وفي ذات يوم ابصر الغلام المكي عبدالله بن مسعود رجلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد، وقد اصابهما التعب الشديد، واشتد عليهما العطش حتى جفت منهما الشفاه والحلوق.
فلما وقفا عليه، سلما وقالا: يا غلام، احلب لنا من هذه الشياه ما نطفئ به ظمأنا، ونبل عروقنا.
فقال الغلام: لا افعل فالغنم ليست ليّ، وانا عليها مؤتمن...
فلم ينكر الرجلان قوله، وبدا على وجهيهما الرضا عنه.
ثم قال له احدهما: دلني على شاة لم ينز عليها فحل،
فاشار الغلام الى شاة صغيرة قريبة منه، فتقدم منها الرجل واعتقلها، واخذ يمسح على ثديها بيده وهو يذكر عليها اسم الله،
فنظر اليه الغلام في دهشة وقال في نفسه: ومتى كانت الشياه التي لم تنزُ عليها الفحول تدر لبناً؟!
لكن ثدي الشاة ما لبث ان انتفخ، واخذ اللبن يخرج منه كثيراً وفيراً.
فاخذ الرجل الاخر حجراً مجوفاً من الارض، وملأه باللبن، وشرب منه هو صاحبه، ثم سقيا الغلام معهما، وهو لا يكاد يصدق ما رأى...
فلما ارتويا، قال الرجل المبارك لثدي الشاة: انقبض. فما زال ينقبض حتى عاد الى ما كان عليه.
عند ذلك قال الغلام للرجل المبارك: علمني من هذا القول الذي قلته.
فقال له: انك غلام معلم.
كانت هذه هي بداية قصة عبدالله بن مسعود مع الاسلام...

اذ لم يكن الرجل المبارك الا رسول الله (صلوات الله عليه)، ولم يكن صاحبه الا الصديق رضي الله عنه، فقد خرجا في ذلك اليوم الى شعاب مكة، لشدة ما آذتهما قريش ولشدة ما انزلت بهما من البلاء.
لم يمض غير قليل حتى اسلم عبدالله من مسعود وعرض نفسه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليخدمه، فوضعه الرسول (صلوات الله عليه) في خدمته.

ومنذ ذلك اليوم انتقل الغلام المحظوظ عبدالله بن مسعود من رعاية الغنم الى خدمة سيد الخلق والأمم.
لزم عبدالله بن مسعود رسول الله (صلوات الله عليه) ملازمة الظل لصاحبه، فكان يرافقه في حله وترحاله، ويصاحبه داخل البيت وخارجه، حتى دعي بصاحب سر رسول الله.
فاهتدى بهدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتخلق باخلاقه واتصف بصفاته، حتى قيل عنه: انه اقرب الناس الى رسول الله (صلى الله عيله وسلم) هدياً وسمتاً.

ابن مسعود... العالم

وتعلم ابن مسعود في مدرسة الرسول (صلوات الله عليه) فكان من اقرأ الصحابة للقرآن، وافقهم لمعانيه، واعلمهم بشرع الله.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمرُ ذات ليلة عند ابي بكر، ويتفاوضان في أمر المسلمين، وكنت معهما، ثم خرج رسول الله وخرجنا معه، فاذا رجل قائم يصلي بالمسجد نتبينه فوقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستمع اليه، ثم التفت الينا وقال :( من سره ان يقرأ القرآن رطباً كما انزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد...) ثم جلس عبدالله بن مسعود يدعو فجعل الرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول له :( سل تعطه.. سل تعطه )

ولقد بلغ من علم عبدالله بن مسعود بكتاب الله انه كان يقول: والله الذي لا اله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله الا وانا اعلم اين نزلت واعلم فيم نزلت، ولو اعلم ان احداً اعلم مني بكتاب الله تناله المطيُ لأتيته.
الفاروق يسأل... وعبدالله بن مسعود يجيب
لم يكن عبدالله مبالغاً فيما قاله عن نفسه، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلقى قافلة في سفر من اسفاره، والليل مخيم يحجب الركب بظلامه، وكان في الركب عبدالله بن مسعود، فامر عمر رجلاً ان يناديهم: من اين القوم؟ فاجابه عبدالله: من الفج العميق.
فقال عمر: اين تريدون؟
فقال عبدالله: البيت العتيق.
فقال عمر: ان فيهم عالماً... وامر رجلاً فناداهم: اي القرآن اعظم؟
فاجابه عبدالله: { الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم ...}
قال: نادأهم اي القرآن أحكم؟
فقال عبدالله { ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى ....}.
فقال عمر: نادهم اي القرآن أجمع؟
فقال عبدالله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }.
فقال عمر: نادهم اي القرآن أخوف؟
فقال عبدالله :{ ليس بأمانيكم ولا اماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً }.
فقال عمر: نادهم اي القرآن أرجى؟
فقال عبدالله : { قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم }.
فقال عمر: نادهم أفيكم عبد الله بن مسعود؟! قالوا: اللهم نعم.

المجاهر بالقرآن

ولم يكن عبدالله بن مسعود قارئاً عالماً عابداً فقط وانما كان -مع ذلك- قوياً حازماً مجاهداً مِقداماً اذا جد الجد.
فيكفيه انه اول مسلم على ظهر الارض جهر بالقرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فقد اجتمع يوماً اصحاب رسول الله في مكة، - وكانوا قلة مستضعفين- فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم اياه؟!
فقال عبدالله بن مسعود: انا أسمعهم اياه.
فقالوا: انا نخشاهم عليك، انما نريد رجلا له عشيرة، تحميه وتمنعه منهم اذا اراده بشر،
فقال: دعوني فان الله سيمنعني ويحميني...
ثم غدا الى المسجد حتى اتى مقام ابراهيم في الضحى، وقريش جلوس حول الكعبة، فوقف عند المقام وقرأ :بسم الله الرحمن الرحيم- رافعاً صوته- { الرحمن * علم القرآن * خلق الانسان * علمه البيان...}.
ومضى يقرؤها، فتأملته قريش وقالت: ماذا قال ابن أم عبد؟!
تبا له... انه يتلو بعض ما جاء به محمد...
وقاموا اليه واخذوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ماشاء الله ان يبلغ، ثم ذهب الى اصحابه والدم يسيل منه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك.
فقال : والله ما كان اعداء الله اهون في عيني منهم الآن، وان شئتم لاغادينهم بمثلها غداً
قالوا. لا، حسبك، لقد اسمعتهم ما يكرهون.

وفاة الزاهد عبدالله بن مسعود

عاش عبدالله بن مسعود الى زمن خلافة عثمان رضي الله عنه، فلما مرض مرض الموت جاءه عثمان عائداً، قال له: ما تشتكي؟
قال: ذنوبي.
قال:فما تشتهي؟
قال: رحمة ربي.
قال: الا آمر لك بعطائك الذي امتنعت عن اخذه منذ سنين؟!
قال: لا حاجة لي به.
قال: يكون لبناتك من بعدك.
قال: اتخشى على بناتي الفقر؟ اني امرتهن ان يقرأن سورة الواقعة... واني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة ابداً ).
ولما أقبل الليل لحق عبدالله بن مسعود بالرفيق الاعلى ولسانه رطب بذكر الله، ندي بآياته البينات.

رضي الله تعالى عن عبدالله بن مسعود، فقد كان من العلماء العاملين والمؤمنين الصادقين.

عن موقع جريدة البصائر العراقية
 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/معاوية ..رجل الدولة

معاوية رجل الدولة


الدكتور محمد عبد الستار البدري


من الجمل الخالدة في التاريخ الإسلامي مقولة «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني.. ولو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا شدوها أرخيتها وإذا أرخوها شددتها»، كذلك مقولة «ما من شيء ألذ عندي من غيظ أتجرعه»،

إنهما المقولتان الصادرتان عن رجل يعد في تقديري من أقدر رجال الدولة في التاريخ الإسلامي، فهو الذي استطاع أن يتغلب في دربه على أعتى المصاعب، ومع ذلك وضع قاعدة قوية استمرت واحدا وتسعين عاما، وعندما ورثت الدولة العباسية دولته الأموية، فإنها لم تُغير كثيرا في حجم الدولة والتي وصلت لقرابة مليون كيلومتر مربع، كما لم تغير في قواعد تسييرها التي أرساها معاوية بن أبي سفيان ومن بعده، ولذا فهو بحق سياسي من الطراز الأول، ولكن مما لا شك فيه أنه أيضا من أكثر الشخصيات التاريخية التي حظيت باختلافات فكرية وعقائدية بسبب الخلاف السياسي الذي وقع بينه وبين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ولكن الاختلافات حول شرعيته ليس هنا مجال مناقشتها، فالمقصود اليوم إبراز دوره كرجل دولة وحنكته السياسية والاستراتيجية التي لا خلاف عليها.

لقد تميز معاوية بن أبي سفيان بفراسة وذكاء شديدين منذ نعومة أظافره، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن أمه هند بنت عتبة زوجة عزيز مكة أبي سفيان بن حرب الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إن من دخل بيته فهو آمن كانت ترى فيه عن سائر إخوته خليفة والده في إمارة قريش، ولكن زلزال الرسالة والنبوة على أيدي الرسول عليه الصلاة والسلام غير بقوة شرعية النظام الحاكم في قريش وأخرجها من الظلمات إلى النور، فانقلبت الآية لا سيما بعد تأخر دخول أبي سفيان بن حرب وأسرته في الإسلام فأصبحوا «الطلقاء» بعد أن كانوا الأمراء، وإزاء هذا المتغير الجديد بدأ معاوية صعوده السياسي وسط عمالقة ممن لهم السبق، كما أن المجتمع الجديد لم ينس واقعة محاولة والدته أكل كبد حمزة عم النبي، فنعته خصومه بأنه «أبن آكلة الكبد»، بينما حذره أبوه بجملة في إحدى رسائله له قائلا: «إن هذا الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسول الله، وقصر بنا تأخرنا، فصاروا قادة وسادة وصرنا أتباعا»، وعلى الرغم من أن التيار السياسي والاجتماعي كان ضد معاوية فإنه استعان بعدد من الأحداث التي كفلت له القدرة على مواجهة الواقع الجديد، وعلى رأسها تقريب الرسول عليه الصلاة والسلام له وجعله من كتبة الوحي وزواج أخته بالمصطفى عليه الصلاة والسلام.

لم يتقلد معاوية أي وظيفة قيادية في عهد الرسول ومن بعده أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولكن الأخير فتح المجال لبني أمية من خلال تأمير أخيه يزيد بن أبي سفيان الجيش الإسلامي المتوجه إلى الشام، أما معاوية فكانت بدايته في فتح قيسرية بتوجيه من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي ولاه فيما بعد إمارة بجنوب الشام في العام الهجري السابع عشر، ثم تم إسناد فلسطين والأردن ومن بعدهما ولاية الشام كلها له، وقد آثر معاوية منذ البداية أن يقرب أهل الشام له، ومع مرور الوقت بدأت الشام تدين له بالولاء التام، فلقد لعب دورا كبيرا في جعلها المركز الأساسي للتجارة في الدولة الإسلامية وهو ما فتح لها المجال لمزيد من الانتعاش الاقتصادي، كما أنه أصلح الشوارع واهتم بالزراعة وبرفعة الرعية هناك وهو ما ضمن له حب وتأييد أهل الشام.

كذلك استحدث معاوية أول أسطول في التاريخ الإسلامي، حيث أصر الرجل على إقامة أول عمارة إسلامية على الرغم من معارضة القيادة السياسية لبعض الوقت، وبمجرد بنائها بدأت يد الدولة الإسلامية تطول المناطق التي كانت مستعصية عليها لا سيما الجزر التي كانت تقع أمام سواحل الشام، وهو ما وقى الدولة الإسلامية شرورا بيزنطية كثيرة وكسر تسيد أسطولها لشرق البحر المتوسط، وفكرة إقامة الأسطول في حد ذاتها عمقت من الموقع الجيوستراتيجي للشام كطريق تجاري هام في الدولة الإسلامية، وجعلتها القاعدة السياسية والاقتصادية الهامة وأثرت مباشرة على تأمينها ورفاهيتها الاقتصادية مما زاد من شعبية معاوية، لا سيما بعدما أمن الحدود الشمالية للبلاد.

ولكن الزلزال الخطير الذي هز الأمة الإسلامية بمقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه هز شرعية معاوية، خاصة بعدما تولى علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) الولاية، وهنا آثر معاوية أن يمنع البيعة له مستندا إلى ضرورة القصاص لمقتل الخليفة عثمان، كما أنه آثر أيضا أن لا يدخل في الصراع الداخلي بعد انشقاق طلحة والزبير عنه وحدوث موقعة الجمل، وهو ما جعله ينتظر قدوم الحرب إليه مثبتا وضعه السياسي والعسكري بدعم قوي من أهل الشام، ثم كانت واقعة صفين الشهيرة ولكنه استطاع أن يعالج الأمر سياسيا من خلال التحكيم الذي أضر بالإمام علي بن أبي طالب وفق ما أورده المؤرخون، ولكن الحظ خدم معاوية كثيرا فلقد نجا من محاولة الاغتيال التي دبرت للتخلص منه ومن عمرو بن العاص والإمام علي (كرم الله وجهه) في وقت واحد، فكانت النتيجة انفراده بالحكم بعدما آل لواء المعارضة للحسن بن علي رضي الله عنهما الذي آثر الصلح فدانت الدولة الإسلامية لمعاوية وبايعه أغلبية من المسلمين فيما عرف بعام الجماعة في 41 هجريا، وقد حكم معاوية تسع عشرة سنة، فأسس لدولة الخلافة الأموية وأدخل البريد ونظم الدواوين، كما توسعت الدولة الإسلامية في عهده بشكل كبير وينسب له فضل أول محاولة لإسقاط القسطنطينية بمحاصرتها بالأسطول لسنوات طويلة، كما أن توسعاته الخارجية شرقا وغربا كانت محل تقدير لدى الجميع، وقد تجلت عظمته السياسية في الوسيلة التي تعامل بها مع المعارضة الداخلية حيث استخدم اللين في أغلب المناسبات والشدة في مناسبات أقل في محاولة للم الشمل مستعينا على ذلك بجملته الشهيرة «إني لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم تكن إلا كلمة يشتفي بها مشتف جعلتها تحت قدمي ودبر (خلف) أذني».

هكذا أصبح معاوية بن أبي سفيان أحد أعظم الشخصيات السياسية في التاريخ الإسلامي لما يملكه من رؤية وبعد نظر وفراسة سياسية، وهو ما سمح له بأن يؤسس لحكم جديد ويغير المعادلة السياسية السائدة، ولكن الملاحظ أن الصرح السياسي الهائل والعظيم الذي شيده معاوية ممثلا في الدولة الأموية واجه في مناسبات كثيرة أزمة شرعية منذ ميلاد الدولة وحتى مماتها حيث استمرت الحركات الثورية طوال فترة وجودها إلى أن أزيلت على أيدي الدولة العباسية.

عن الشرق الأوسط
 
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه/د.أبو الفتوح صبري

جعفر بن أبي طالب.. الشهيد الذي يطير مع الملائكة
قُطعت يداه في الجهاد فعوضه الله بجناحين في الجنة

إعداد الدكتور أبو الفتوح صبري


جعفر بن أبي طالب من أوائل المسلمين وله مواقف شهيرة ومقامات حميدة وأجوبة سديدة وأحوال رشيدة، وقد قال جعفر للنجاشي: كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأتي الفواحش ونسيء الجوار فبعث رسول الله، فدعانا إلى الله، وأمرنا بالكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور.

وقال عنه ابن كثير: لما قتل جعفر وجدوا فيه بضعاً وتسعين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر.

ابن عم النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخو علي، وأبو عبد الله جعفر بن أبي طالب..

أسلم جعفر (رضي الله عنه)، قبل أن يدخل الرسول (صلى الله عليه وسلم) دارَ الأرقم ويدعو فيها(الطبقات لابن سعد)، وكان (رضي الله عنه) من السابقين في الإسلام..
قال ابن إسحاق: أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفسا..
وعن الحسن بن زيد، أن عليا أوّل ذَكَرٍ أسلم، ثم أسلم زيد، ثم جعفر. ورُوي أن أبا طالب رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلياً (رضي الله عنه) يصليان، وعليٌّ عن يمينه، فقال لجعفر (رضي الله عنه): صِل جناح ابن عمك وصلِّ عن يساره(أسد الغابة).

هجرته إلى الحبشة

لما أسلم جعفر، أصابه ما أصاب المسلمين من أذى الكفار.. فلما أذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة، هاجر إليها جعفر وزوجته أسماء بنت عميس، وظلا بها حتى فتح خيبر.
كان جعفر أمير المؤمنين المهاجرين إلى الحبشة، فاستطاع أن يُقنع النجاشي بأن القرآن الذي نزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)، والإنجيل الذي نزل على عيسى (عليه السلام) يخرجان من مشكاة واحدة.. ففسدت بذلك خطة قريش للوقيعة بينه وبين المهاجرين..

جعفر والنجاشي وجهاً لوجه

لما هاجر المسلمون إلى الحبشة، فرارا بدينهم من أذى قريش، بعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد تطلب من النجاشي -ملك الحبشة العادل- تسليمهم..
فقال جعفر لإخوانه: أنا خطيبكم اليوم.. فكان نعم الخطيب، ونعم المدافع عن قضيته..

لما دخل جعفر على النجاشي سلّم ولم يسجد، معللا ذلك بقوله: - إنا لا نسجد إلا لله عز وجل.. ثم زاد الأمر إيضاحا: إن الله بعث إلينا رسولا، ثم أمرنا ألا نسجد لأحد إلا لله عز وجل، وأمرنا بالصلاة والزكاة.
ثم قال جعفر للنجاشي: إنّك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فأمُرْ هذين الرجلين(أي: عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد) فليتكلم أحدهما، فتسمع محاورتنا..
فقال عمرو لجعفر: تكلّم..
فقال جعفر للنّجاشي: سله: أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيداً أبقنا من أربابنا، فارددنا إليهم.
فقال عمرو: بل أحرار كرام.
فقال: هل أهرقنا دماً بغير حقٍ فيُقتص منا؟
قال عمرو: ولا قطرة.
فقال: هل أخذنا أموال الناس بغير حق، فعلينا قضاؤها؟
فقال عمرو: ولا قيراط(مختصر سيرة الرسول).

لقد استطاع جعفر أن يحصل من خصمه اللدود على اعتراف بأنهم –أي المسلمين- قوم شرفاء، أطهار، أحرار.. فلا مبرر إذاً لما تقوم به قريش من محاولة استعادتهم وتسليمهم..

وعندئذ، شعر جعفر بأنها اللحظة المناسبة لبيان حقيقة هذا الدين الجديد للنجاشي ومن معه.. فقال له: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام... فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومُنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارِك، ورجونا أن لا نُظلَم عندك أيها الملك»( السيرة النبوية لابن هشام).
ثم أوضح له الفرق بين ما كانوا عليه قبل الإسلام، وكيف أصبحوا بعد أن شرّفهم الله بالإسلام: أمّا الذي كنا عليه فتركناه، فهو دين الشيطان. كنا نكفر بالله، ونعبد الحجارة. وأمّا الذي تحوّلنا إليه فهو دين الله الإسلام، جاءنا به من الله رسولٌ، وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقاً له(مختصر سيرة الرسول للشيخ محمد بن عبد الوهاب).
ثم قرأ جعفر على القوم سورتي العنكبوت والرّوم، ففاضت عينا النجاشي من الدمع،
فقال: زدنا من هذا الحديث الطيب،
فقرأ عليه سورة الكهف. ولعل أصعب اللحظات التي مرت على جعفر وأصحابه هي تلك التي سأله فيها النجاشي عن رأي الإسلام في عيسى ابن مريم وأمه.. ولم يجد جعفر حرجا في بيان ما يعتقده المسلمون في عيسى وأمه.. فالمقام ليس مقام مناورة ومجاملة، ولكنه مقام مكاشفة ومصارحة..
قال جعفر: نقول كما قال الله: هو كلمته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفرضها ولد(السيرة النبوية لابن كثير )،
وفي رواية النهاية لابن الأثير: ولم يفترضها ولد، أي: لم يؤثر فيها ولم يحزها –يعني قبل المسيح- وفي رواية ابن الجوزي: ولم يقرعها ذكر.. ثم قرأ عليه سورة مريم..
وحينئذ.. جمع النجاشي كل قسيس وراهب،
فقال لهم: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّاً؟
قالوا: اللهم نعم. قد بَشَّرَنَا به عيسى،
وقال: مَن آمن به فقد آمن بِي، ومَن كفر به فقد كفر بِي..
ثم رفع النجاشي بقَشَّةٍ من سواكه قدر ما يقذي العين،
فقال: واللهِ ما زاد المسيح على ما تقولون نقيراً..
ثم قال لجعفر وأصحابه: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده.. أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم.. انزلوا حيث شئتم، واللهِ لولا ما أنا فيه من المُلك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه.
ثم أقبل على جعفر،
ثم قال: اذهبوا فأنتم سُيوم (سيوم أي: آمنين) بأرضي، من سَبّكم غرم.

حب النبي له

لما هاجر جعفر (رضي الله عنه) إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية -ومعه امرأته أسماء بنت عميس- لم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، ثم ترك الحبشة مهاجرا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو بخيبر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
« لا أدري بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟».

وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لما قدِم رسول الله من خيبر، قدِم جعفرُ (رضي الله تعالى عنه) من الحبشة، تلقاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقبَّل جبهته، ثم قال: « واللهِ ما أدري بأيهما أنا أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟».

وروى أبو داود في كتاب الأدب -باب في قُبلة ما بين العينين- أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تلقَّى جعفر بن أبي طالبٍ فالتزمه وقبَّل ما بين عينيه.

أبو المساكين

كان جعفر (رضي الله عنه) كريما جوادا، وكان لكرمه يقال له أبا المساكين؛ لإحسانه إليهم، ورفقه بهم.. روى ابن ماجه في كتاب الزهد -باب مجالسة الفقراء- عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال:
« كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكنيه أبا المساكين».
وروى البخاري في كتاب الأطعمة، عن أبي هريرة قال:
«.. وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليُخرج إلينا العُكَّةَ(العُكَّةُ بالضم: آنية السمن، والجمع عُكك وعِكاك) ليس فيها شيء، فنشتقُّها فنلعق ما فيها.

أشبهت خَلْقي وخُلُقي

أخرج الحاكم عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لجعفر:
«.. أما أنت يا جعفر، فأشبهتَ خَلْقي وخُلُقي، وأنت من شجرتي التي أنا منها »،
قال: قد رضيتُ يا رسول الله بذلك..
فكان أبو هريرة يقول: ما أظلت الخضراء على وجهٍ أحب إلي بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من جعفر بن أبي طالب؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أشبهت خلقي وخلقي.

فضل جعفر:

قال أبو هريرة (رضي الله عنه) ما احتذى النعالَ ولا انتعل، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور(الكورُ بالضم: الرَّحْلُ بأداته) بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفضل من جعفر بن أبي طالب، (رضي الله عنه) ،
(قال ابن كثير في البداية والنهاية: وكأنه إنما يفضله في الكرم، فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه). أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري.

وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
رأيت كأني دخلت الجنة فرأيت لجعفر درجة فوق درجة زيد، فقلت: ما كنت أظن أن زيدا يدون أحدا، فقيل لي: يا محمد، تدري بما رفعت درجة جعفر؟ قال: قلت: لا، قيل: لقرابة ما بينك وبينه
(أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).

وأخرج الحاكم أيضا، عن أنس بن مالك (رضي الله تعالى عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
« نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهدي »
( أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه).

وعن أبي موسى (رضي الله عنه) قال:
لقي عمرُ أسماءَ بنتَ عميس فقال:
أنتم نِعْم القوم، لولا أنكم سُبقتم بالهجرة، فنحن أفضل منكم، كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يحمل راجلكم ويعلم جاهلكم، ففررنا بديننا.
فقالت: لستُ براجعة حتى أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)،
فدخلتْ عليه فقالت: يا رسول الله، إني لقيت عمر فقال كذا وكذا، فقال:
« بلى، لكم هجرتان: هجرتكم إلى الحبشة، وهجرتكم إلى المدينة »
( أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).

جعفر يطير في الجنة

أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأن جعفر شهيد.. فهو ممن يُقطع له بالجنة..
ولما كانت يداه قد قطعتا وهو يدافع عن لواء رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقد عوّضه الله عنهما بجناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء.. ولذلك فهو الشهيد الطيار.

أخرج الحاكم عن ابن عباس (رضي الله تعالى عنهما)، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
« دخلت الجنة البارحة، فنظرت فيها، فإذا جعفر يطير مع الملائكة..».
وعن أبي هريرة (رضي الله تعالى عنه) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
« مرَّ بي جعفرُ الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم، أبيض الفؤاد ».
أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

دعاء النبي لجعفر:

روى الحاكم في المستدرك أن عبد الله بن جعفر، قال: لو رأيتني وقثم وعبيد الله بن العباس نلعب إذ مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على دابة فقال:
« احملوا هذا لي » فجعلني أمامه، ثم قال لقثم: « احملوا هذا لي »
فجعله وراءه ما استحيا من عمه العباس أن حمل قثم، وترك عبيد الله، ثم مسح برأسي ثلاثا، فلما مسح قال:
« اللهم اخلف جعفرا في ولده » .
قلت لعبد الله بن جعفر ما فعل قثم؟
قال: استشهد،
قلت لعبد الله: الله ورسوله كان أعلم بخبره
قال: أجل.

الدروس والعبر

1 ـ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب: فلم يكن جعفر (رضي الله عنه) أميرا على المهاجرين إلى الحبشة، ومتحدثا رسميا باسمهم، لصلة القرابة بينه وبين النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولكن لأنه كان جديرا بذلك، بدليل أنه استطاع أن يُفشل خطة قريش في استعادة المهاجرين، بل واستطاع –بفضل الله- أن يقنع النجاشي ومن معه بالإسلام، وأنه هو الدين الحق.

2 ـ المؤمن كيّس فطن: وكذلك كان جعفر (رضي الله عنه). فقد كان مطلوبا منه أن يوضح حقيقة موقفه ومن معه من المهاجرين، ولماذا تركوا وطنهم وهاجروا إلى بلد لم يعرفوه من قبل... ولم يكن ذلك بالأمر السهل، فبناءً على كلامه سيقرر النجاشي مصير هؤلاء.. إما بطردهم من أرضه وتسليمهم إلى قومهم، وإما بالسماح لهم بالبقاء، وإعطائهم «حق اللجوء السياسي».. فماذا فعل جعفر؟

أولاً:
قام بانتزاع شهادة عزيزة من خصمه، بأنه ومن معه ليسوا عبيدا آبقين يجب إعادتهم إلى أسيادهم، بل هم أحرار كرام، وبالتالي، فهم أحرار في تصرفاتهم، وأنهم ليسوا قتلة مجرمين يستحقون القصاص، ثم إنهم ليسوا سارقين أخذوا أموال الناس بغير حق.

ثانيا:
قام ببيان حقيقة الدين الجديد، موضحا الفرق بينه وبين ما كانوا عليه من جهالة وضلال وعبادة لما لا يضر ولا ينفع، ليخرج بنتيجة مفادها أن الإسلام هو دين الفطرة، وأنه الأحق بالاتباع.

ثالثا:
كان صريحا وواضحا في بيان حقيقة المسيح وأمه (عليهما السلام)، وأنهما ليسا إلهين، بل هما من البشر، فالمسيح نبي مثل محمد، وأمه صدِّيقة، وأن ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) وعيسى (عليه السلام) يخرجان من مشكاة واحدة.. ومنبع واحد..
وبسبب قوة حجة جعفر، اقتنع النجاشي بعدالة قضيته، فأنصفه ومن معه: (انزلوا حيث شئتم)، (اذهبوا فأنتم سُيوم بأرضي) وأعلن إسلامه لله رب العالمين.

عن صحيفة العرب القطرية
 
رد: سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم

سلسلة طويلة لقد قرأت فقط اول منشور وان شاء الله اكمل واضع اخر تعليق مشكور
 
عدي بن حاتم الطائي/د.عثمان قدري مكانسي

عدي بن حاتم الطائي

الدكتور عثمان قدري مكانسي

كان - كما يقول عن نفسه- أشدّ الناس كراهية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ولم يكن بوسعنا - آل طيء- أن نحارب أحداً، فخشيت أن أقع بيد المسلمين إن جاءوا إلينا داعين إلى دينهم مقاتلين من يقف في طريقهم .

وكنت رئيس قومي، شريفاً فيهم، أدين بالنصرانيّة، فقلت لغلامي: ويحك أعدد لي عدداً من الجمال ذللاً سماناً فاحبسها قريباً مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد فآذنّي.
ثم إنّه أتاني ذات غداة فقال: " يا عديّ أما زلت راغباً عن دين محمد وجيشه ؟
قلت: بلى،
قال: فإني رأيت رايات، فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمد قد دنت، فإن رأيت أن تصنع الآن ما تريده فافعل،
قلت: فقرّب إليّ أجمالي، فقربها، فاحتملت بأهلي وولدي وقلت: ألحقُ بأهل ديني من النصارى فهم أقرب إلى نفسي، ودنوت من الشام مخلّفاً أختي سـفـّانة بنت حاتم وأهلها.

فلما قدمت الشام أقمت بها، وتجيء خيل المسلمين فتصيب أختي فيمن أصابت. فلما عُرِضَتْ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيمن عُرض من السبايا - وكان (صلى الله عليه وسلم) قد عرف هربي إلى الشام- قالت: يا رسول الله ، غاب الوافد وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة، لا أستطيع أن أخدم أحداً، فمُنّ عليّ، مَنّ الله عليك .
قال - صلى الله عليه وسلم- : " من وافدك ؟ "
قالت: عديّ بن حاتم .
قال: " الذي فرّ من رسول الله ، وكان أولى به أن يلحق بركب الإيمان، وقد عُرف عنه وفرةُ عقله ؟
قالت: هو ذاك يا رسول الله ، فمُنّ عليّ .
قال- صلى الله عليه وسلم- : إنّها ابنة كريم كان يَقري الضيف، ويُعين على نوائب الحق، والكريم يُكرَم في نفسه وأهله.
صلى الله عليك يا رسول الله إنه لا يعرف أصحابَ الفضل إلا أولو الفضل، ولا الكرامَ إلا الكريم، صدقتَ إذ قلت َ: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وأنت يا سيدي تضرب المثل الأعلى دائماً في حسن الأخلاق وسموّها .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إنّه - صلى الله عليه وسلم- يا ابنة حاتم مُطلقك ومعتقك فاسأليه ما يحملك إلى أهلك وأخيك .
فسألته، فأعطاها ما يحملها وأكرمَها ثم أرسلها .
قال عديّ : وكرهتُ ما فعلتُ أشدّ الكره، فقلت: لو أتيتُ هذا الرجل -محمداً صلى الله عليه وسلم- فإن كان كاذباً لم يخفَ عليّ كَذِبُه ، وإن كان صادقاً اتّبعته، فأتتني أختي فقالت:
قد فعل محمد من الجود والعرفان ما لم يفعله أبوك حاتم، إيتِهِ راغباً أو راهباً، فهو أهلٌ لكل خير ومكرمة، فقد أتاه كثير من الناس فأصابوا منه الفضل والكرامة، فلتكن واحداً منهم، قلتُ: هذا ما حدثتني به نفسي و إني لقاصده .

فلما أقبلت إلى المدينة المشرفة استشرفني الناس وقالوا: عديّ بن حاتم ، عديّ بن حاتم ، فأتيته وهو جالس في المسجد فلما وصلت إليه أخذ بيدي ، وكان - صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك قال: " إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي " ثم أخذني إلى داره - صلى الله عليه وسلم - ،فألقت إليه خادمتـُه وسادة جلس عليها، وجلست بين يديه على وسادة دفعها إليّ ، ثم قال:
" يا عديُّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ " .
قلت: إن لي ديناً .
قال: " أنا أعلم بدينك منك " .
قلت: أنت أعلم بديني منّي ؟
قال: " نعم ، نعم ألست ترأس قومك ؟ " .
قلت: بلى .
قال: " ألست ركوسياً نصرانياً ؟ " .
قلت: بلى .
قال: " ألست تأكل المرباع ( ربع الغنيمة) ؟ " .
قلت: بلى .
قال: " فإن ذلك لا يحل في دينك " .
قال عدي: فحرّكتُ لساني في فمي متلجلجاً لا أحِيرُ جواباً .
قال: " يا عديّ أسلم تسلم ... إنه ما يمنعك أن تسلم إلا غضاضة تراها من حولي، وإنك ترى الناس إلباً واحداً علينا .
ثم أمعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في النظر إلى وجه عدي ثم قال:
" هل أتيتَ الحِيرة ؟ ( وهي عاصمة العراق قديماً ) " .
قال عدي: لم آتها، وقد علمت مكانها.
قال - صلى الله عليه وسلم- : " يوشك الظعينة ُ( المرأة في هودجها ) أن ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد " .
قال عدي في نفسه: فأين لصوص طيء ؟!
قال - صلى الله عليه وسلم- : " ولتـُفتـَحنّ علينا كنوزُ كسرى بن هرمز " .
قال عديّ متعجباً: كنوز كسرى بن هرمز ؟!!
قال - صلى الله عليه وسلم- مؤكداً: " كسرى بن هرمز، كسرى بن هرمز " .
ثم أردف النبي - صلى الله عليه وسلم- قائلاً :
" وليفيضنّ المال حتى لا يقبله أحد " .

قال عديّ: فقد والله رأيت اثنتين: الظعينة ترتحل بغير جوار حتى تطوف بالكعبة، وقد كنت في أوّل خيلٍ أغارت على كنوز كسرى بن هرمز .. وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة ، فلقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في اثنتين وليصدقنّ في الثالثة .

لقد أسلم عدي وحسن إسلامه وثبت على دينه مع قومه حين ارتدّ كثير من الناس عن الإسلام، وحارب المرتدين مع الصديق أبي بكر، وكان جواداً شريفاً في قومه .

أحبّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- ، وأحب عديّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- ومَن أحبّ رسولَ الله اقتدى به ، وانتفع بسيرته ، وسار على طريقته ، فكان من الخالدين .

عن موقع رابطة أدباء الشام​
 
عودة
أعلى