الفروسية في حوض البحر الأبيض المتوسط

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
939 0 0
الفروسية في حوض البحر الابيض المتوسط


874chevalerie.jpg





الفروسية الغربية
كانت أوروبا مسرحاً للتطورات التقنية والإيديولوجية الجذرية فيما يتعلق بسلاح الفرسان أو الفروسية[1]. وسرعان ما انتشر هذا التطور إلى كل أوروبا من الشمال إلى الجنوب ومنها إلى كافة بلدان حوض المتوسط.
عند نهاية العصور القديمة وفي بداية القرون الوسطى، ورث جنود أوروبا الغربية التقاليد العسكرية الخاصة بالإمبراطورية الرومانية والتي كانت تعطي الأفضلية للمشاة. ولغاية عصر الكارولينجيين، كان الفارس يحارب بالأسلحة نفسها التي كان يستخدمها المشاة وبنفس الطريقة أيضاً إذ كان الفارس مزوداً بسيف وبرمح. وكان هذا الأخير يستخدم وكأنه حربة أو مزراق. لم يكن هناك تقنية خاصة بالمحاربة على الخيل إذ أن الركوب عليه كان يشكل عائقاً كونه يحد من حرية التحرك.
ثم تطور سلاح الفرسان في عصر الكارولينجيين وأصبح أكثر أهمية لاسيما في التفكير السائد خلال هذه الفترة، من جهة لأن المحارب الذي يركب الخيل أصبح شريكاً لصاحب السلطة ومن جهة أخرى، لأن السلاح الدفاعي المستخدم أخذ يتطور أكثر فأكثر وكان، نظراً لثمنه الباهظ، ينحصر بالنخبة فقط.
ابتداءً من النصف الثاني للقرن الحادي عشر، ظهرت إلى جانب طرق المحاربة القديمة، تقنية جديدة للمحاربة بواسطة الرمح، أصبحت تميز بين المحاربين على الخيول والمشاة. ويبدو أن هذه التقنية تطورت أولاً على يد النورمانديين ثم انتشرت إلى باقي الدول الأوروبية التي باتت تستخدمها ابتداءً من القرن الثاني عشر. خلال المحاربة، يُنزل الخيال رمحه شيئاً فشيئاً إلى مستوى أكثر انخفاضاً أفقياً ثم يمسكه بقوة بعد إسناده تحت إبطه الأيمن في حين أنه يدير رأس الرمح بيده. ومع المقابض التي أصبحت أكثر ارتفاعاً، بات الركوب على الخيل أكثر ارتياحاً حيث أصبح بإمكان الخيال أن يمتطيه بسرعة أكبر ويعطيه العنان. وتسمح هذه الطريقة القيام بتخلل أكثر دقة وأقوى لاسيما بمساعدة سرعة الحصان. وهذه تقنية تصادم خاصة بالمحاربة على الحصان. وهي فعالة لاسيما في هجوم جماعي يستلزم التنسيق والانضباط، كما أنها رافقت تطور الأسلحة الدفاعية التي باتت متقنة جداً. فقد تم وضع زردية لحماية الفارس، أصبحت فيما بعد أكثر طولاً ثم أتت لتدعمها ابتداءً من القرن الثالث عشر، رقائق حديدية قبل أن يتم استبدالها بوقاء كامل. أما الخوذة التي كانت مزودة في بادئ الأمر بفتحة على مستوى الأنف، فأخذت تتطور تدريجياً إلى أن تم إلغاء الفتحة واستبدالها بثقوب للعينين والتنفس فقط. كما تم إلغاء الترس الذي كان الخيال يحمله بيده إذ أن الأجهزة الدفاعية باتت كافية لوحدها.
على المستوى الجماعي، كان الرمح السلاح الخاص بالمحارب على الخيل. أخذ طول الرمح يزداد مع الوقت من 3 إلى 4 أمتار. وهو مزود بقبضة لليد كي لا ينزلق منها، وبقوس معقوف لربطها بالوقاء يعرف بقبضة الدرع. عندما ينكسر الرمح، يتابع الخيال المحاربة في ساحة المعركة باستعمال سيفه أو الدبوس في بعض الحالات النادرة.
كان الحصان هو أيضاً محمياً بواسطة زردية تحولت فيما بعد إلى قصبة الأنف ورقائق حديدية. على الحصان أن يكون قوياً وسريعاً في الوقت نفسه، ومعتاداً على خوض المعارك.
كانت هذه المعدات ثمينة جداً لذا كان استعمالها ينحصر بالنخبة. إضافة إلى ذلك، وبما أن تقنية المحاربة كانت خاصة بالفروسية فقط، كان لا بد للرجال الذين يمارسونها أن يشعرون بتميزهم عن الآخرين ويشكلون فرقاً من المحاربين سرعان ما أصبحت فاخرة وتتمتع بقوانين خاصة بها. لذا، لم يعد من المسموح التحدث عن أية خيل أو خيالة وإنما عن فرسان وفروسية.
حتى ولو أن نسبة الفرسان لم تكن تفوق 10 % من عناصر الجيش وأن الفرسان ليسوا ذا فعالية إلا تجاه فروسية التصادم وليس تجاه جيش من المشاة، كانوا يشكلون بالنسبة إلى التفكير السائد على الأقل، القوة العسكرية الأساسية.
كانت تقنية المحاربة المتبعة في الفروسية تستخدم على نطاق واسع خلال عصر الصليبيين حيث كثر اللجوء إليها في الإمبراطورية البيزنطية كما لدى عدد من الملوك المسلمين.
كما خلقت هذه التقنية منافسة شديدة في إسبانيا الإسلامية. والعكس كان أيضاً صحيحاً. ففي الأندلس، قبل وصول الفروسية الخفيفة من البربر (أنظر الفصل حول الفروسية)، استمد الجنود المسلمون الإلهام من أعدائهم المسيحيين لتشكيل فرق الفرسان الخاصة بهم وتجهيزها. كان الأمر يتعلق بأسلحة ثقيلة تم وصفها في المصادر الإسبانية مثل الركوب على الخيل مع "اللجام" أي مع ساق ممدودة، علماً بأن الخيّال كان مجهزاً بمعدات ثقيلة للحماية وجالساً على خيل ذي مقابض عالية. كانت هذه الطريقة في ركوب الخيل خاصة بتقنية التصادم. مع قدوم المرتزقة البربر وخاصة الزناتة منذ عصر الخلافة (القرن العاشر) لاسيما لخدمة سلطان غرناطة الناصري (1232 ـ 1492)، عرفت شبه جزيرة إيبيريا فعالية أسلحة الخيالة الخفيفة وتقنية "الكر والفر". أربكت هذه التقنية في المحاربة المسيحيين في بادئ الأمر. ثم قرروا استخدامها مع إعطائها اسم "الخيالة على طريقة الزناتة"[2] نسبة للبربر الذين كانوا يتقنونها. وكان المسيحيون خاصة الكاستيليين وإنما أيضاً الأراغونيين، حريصين على تحسين جنودهم ومحاربة العدو باستخدام طرقهم الخاصة. فكانوا يدعون الخيالة البرابرة إلى بلاطهم ليتعلم منهم الشرفاء طريقة ركوب الخيل التي أصبحت شائعة خاصة في المناطق الواقعة على الحدود. وتكثر المراجع إلى تشكيل الفرق المحاربة في الوقائع التي كان يسردها ملوك كاستيا حيث كان يتم التفريق بين رجال الأسلحة (hombres d’armas) الذين كانوا يركبون الخيل مع اللجام و ginetes الذين كانوا يحاربون الجنود المسلمين بواسطة تقنية الكر والفر (والمعروفة بالإسبانية بـِ torna-fuye). وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجنود الإسبانيين تمكنوا من الانتصار على الرجال الفرنسيين المزودين بأسلحة ثقيلة، خلال الحروب الإيطالية، لاسيما بفضل التحاق عدد من المحاربين الاحتياطيين من gineta بجنودهم خلال هذه الحروب.
في القرن السادس عشر، جاءت الأسلحة النارية المحمولة التي استخدمها الجنود المشاة خاصة، لتضع حداً لتفوق الفروسية على باقي تقنيات المحاربة.

سلاح الفرسان في الإمبراطورية البيزنطية
كان الوضع مختلفاً تماماً في الإمبراطورية البيزنطية. فهنا لم يعد يمكن التحدث عن الفروسية وإنما يجدر ذكر سلاح الفرسان. لا شك أن سلاح الفرسان كان فاخراً كما كان الفرسان الذين يحاربون، خاصة الذين يستخدمون أسلحة ثقيلة، مؤلفين من النخبة أو حتى من الأغنياء، على عكس المشاة الذين ينتمون إلى الأوساط الشعبية. ولكن، كان المشاة يتمتعون نظرياً بالوضع القانوني نفسه ويستفيدون من المزايا نفسها خاصة الضرائبية. فالجندي يمارس مهنة لخدمة الدولة التي تقوم بدفع أجره، أكان من المشاة أو من الفرسان. لذا، لم يكن الفرسان يشكلون مجموعات خاصة ومميزة.
كذلك، كانت التقنية العسكرية البيزنطية تولي مكانة هامة للمشاة. فهي كانت تلعب، كونها وريثة التقاليد الرومانية والأفواج العسكرية، دوراً أساسياً في الفرق العسكرية في الشرق، عند نهاية العصور القديمة. فسلاح الفرسان هو سلاح معاون. لكن الجنود البيزنطيين كانوا يتمتعون بمهنية عالية، إذ كانوا يدركون كيفية التأقلم بسرعة. لكن هذه الأوضاع أخذت تنقلب شيئاً فشيئاً، ليس عبر العدد فقط وإنما من الناحية العملية أيضاً إذ تم اعتماد أفضل تقنيات المحاربة والأسلحة التي كان يستخدمها العدو.
للإمبراطورية أسلحة ثقيلة وأخرى خفيفة. من جهة، كانت ترسل لمواجهة الخيالة الساسانيين المزودين بأسلحة ثقيلة كان يطلق عليهم لقب "جبال من فولاذ"، فرسان مصفحين بدروع ثقيلة وبخيول مجهزة هي أيضاً، على غرار أعدائهم، إضافة إلى الكاتافراكت الرومانية. من جهة أخرى، أصبحت القدرة على التحرك أساسية أكثر فأكثر، لمواجهة شعوب الصحاري والسهوب والمحاربين في الجيوش الأموية. كانت هذه الأخيرة مؤلفة من نسبة كبيرة من المشاة الذين يتمتعون بقدرة هائلة على التحرك نظراً لكونهم يتنقلون على الخيول أو الجمال. في القرن السادس، وصف مؤرخ القيصرية سلاح الفرسان باعتباره في ذروة التكنولوجيا العسكرية في هذه الفترة. فأشار إلى فرسان مزودين بأسلحة دفاعية من الطراز الجيد، مستوحاة من فرسان الهون ومؤلفة من زردية أو وقاء من حرشف يصل إلى الركبتين ومن خوذة ودرع صغير. أما الأسلحة الهجومية فكانت تتألف من الرمح والسيف والقوس. لم تكن الخيول محمية بأجهزة معينة إذ كان هؤلاء الفرسان يستخدمون تقنية التصادم أكثر من كونهم قواسين متحركين.
في القرون التالية، لم تعد للمحاربة بالقوس أية أهمية تذكر، لاسيما تلك التي تمارس من خلال الركوب على الخيل. فهي لم تشكل أبداً سلاحاً خاص بالفرسان البيزنطيين، بل كانت تخصص فقط للمرتزقة المتحدرين من الشعوب الرحالة التي كانت لديها تقاليد في استعمال القوس، كما في الإمبراطورية الرومانية.
بموازاة ذلك، أخذت الأسلحة الثقيلة تتطور. ففي القرن العاشر، أنشأ الإمبراطور نقفور فوقاس فوجاً عسكرياً يتألف من النخبة، أطلق عليه اسم Kataphractos، مستوحى من الجيوش الاحتياطيين الذين كانوا يستخدمون الأسلحة الثقيلة في العصور القديمة الرومانية المتأخرة. كان إنشاء هذا الفوج باهظ الثمن لذا لم يكن عدد الملتحقين به كبيراً بحيث لم يتجاوز 500 شخصا. كان هؤلاء الرجال مسلحين بدروع ثقيلة من الرأس إلى القدمين، ويركبون خيولاً هي أيضاً كانت مزودة بمعدات وقائية. وكانوا يحاربون بواسطة الرمح الذي يمسكونه بأيديهم والسيف والدبوس. كانت مهمتهم تقضي بقصف خطوط العدو بأسلحتهم. منذ القرن الحادي عشر، أصبحت مهمتهم مرتبطة بالمرتزقة اللاتينيين الذين كانوا يستوردون تقنيات جديدة تستخدم الرمح الأفقي الثابت. لم يتوصل الفرسان البيزنطيون، على الرغم من جهودهم، إلى مضاهاة البيزنطيين في استعمال الرمح. ثم تراجع الدور المناط بهم على حساب عناصر أجنبية أخذت تسيطر على سلاح الفرسان، في حين كانت الأسلحة الثقيلة تتخذ من الفرسان الغربيين نموذجاً لها.
وهكذا، لعبت التأثيرات الأجنبية دوراً رئيسياً في تطور سلاح الفرسان البيزنطيين. نظراً لموقعها على الحدود بين الشرق والغرب، وقعت الإمبراطورية تحت تأثير كل من هذين العالمين. كان الجنود المشاة والانضباط الصارم الموروث عن الإمبراطورية الرومانية وتقاليد العصور القديمة في المتوسط في بادئ الأمر، من أهم ميزات جيش الإمبراطورية. لكن التقنية البيزنطية لم تكتف بالنماذج القديمة بل أرادت التأقلم مع شروط الحرب المعاصرة والأعداء الذين كانت تواجههم في عصرها، خاصة القادمين من الشرق. فبهدف مواجهة محاربي السهوب وسلاح الفرسان الساسانيين والمشاة العرب، كان لا بد من اعتماد أسلحة فعالة، ثقيلة وخفيفة في الوقت نفسه، في تقنيات المحاربة لدى الجنود. لكن سلاح الفرسان لم يتوصل إلى لعب الدور الأساسي الذي كان يتمتع به في المجتمعات الغربية أو الإسلامية، ذلك لأن المشاة احتفظوا بالأولوية في التقنيات البيزنطية، حتى ولو أن أهميتهم تطورت على مر العصور. على الرغم من أن الإمبراطورية البيزنطية استوحت تقنياتها على نطاق واسع من التقنيات المستخدمة في إمبراطوريات أخرى، إلا أنها بقيت تعتمد بشدة على المحاربين الاحتياطيين الأجانب الأكثر خبرة في استخدام الأسلحة (القوس أو تقنية الرمح الأفقي الثابت مثلاً)، لذا كانت توظف أعداداً كبيرة منهم.

الفروسية الإسلامية
في العالم العربي الإسلامي وخاصة في جزئه الشرقي، تأخذ كلمة "فروسية" معنى أعمق من مجرد ركوب الخيل أو الخيالة. للفروسية مفهوم واسع يغطي مجموعة الأنظمة أو المواد النظرية والعملية التي يجدر على كل جندي من النخبة إتقانها لمواجهة الظروف مهما كانت. إن جندي النخبة في هذه الفترة هو، قبل كل شيء، فارس. ولكن قد يتم إرباكه أو إجباره على الانفصال عن ركوبته. كما يمكنه المشاركة في عملية الحصار لمدينة ما أو اللجوء إلى استعمال الدبلوماسية أو حتى الحيل والمراوغة. الفروسية تعني إذاً فن الركوب على الحصان وإنما أيضاً علم الأحصنة وطب الأحصنة (إذا ما احتاج الجندي إلى معالجة حصانه خلال حملة ما) والبيطرة (في حال احتاج إلى تسمير نعاله) وتقنيات وتكنولوجيات الحرب أي حسن استخدام الأسلحة على الحصان كما على الأرض، مثل القوس والرمح والدبوس والسيف وآلات الحصار والأسلحة المحرقة والحيل واستراتيجية الحرب (لاستعمالها بنفسه ولفهم المناورات التي يقوم بها العدو) والدبلوماسية وممارسات أخرى لا بد من تطبيقها خلال الحرب كالسباحة (في حال الاضطرار إلى تجاوز نهر ما) والمصارعة (في بعض الحالات من المواجهة الجسدية) إضافة إلى الصيد والبولو اللذين يعتبران بمثابة تدريب على الحرب. فالصيد يسمح باكتساب بعض المهارة ومقاومة التعب، ورياضة البولو قريبة جداً من تقنية حمل السيف.
نعتقد عامة أن رياضة البولو عرفت ازدهاراً ونمواً كبيراً تحت المماليك في سلطنة مصر وسوريا (1250 ـ 1517). في الواقع، وكونهم جنود النخبة، فهم يقضون معظم أيامهم في القيام بتمارين مختلفة خاصة بالفروسية بحيث أن قوتهم باتت مرتبطة جداً بهذا النوع من الممارسات. ولكن يبدو أنه في هذا المجال، ورثوا تقنيات هذه الرياضة عن الخليفة العباسي الذي خدموه لفترة طويلة (كلمة مملوك تعني عبد في المجال العسكري. وقبل أن يستولوا على الحكم بأنفسهم، كان عدد من المماليك يخدمون ملوكاً إسلاميين).
تم تطوير هذا الفن شيئاً فشيئاً تحت عدة تأثيرات إلى أن توصل في القرن العاشر إلى الفروسية التعليمية. ونقل العرب الجوانب الأخلاقية كالنبالة والشجاعة والكرم وهي صفات حميدة نجدها في كلمة "فارس" إذ أن الفروسية الخاصة بهم كانت جد رديئة.
أما البيزنطيون والساسانيون فقد ساهموا بنقل قواعد الفروسية والتقنيات المعقدة لاستعمال الأسلحة التي كانت خاصة ثقيلة.
ولا يمكننا أن ننسى تأثير الأتراك الذي تميز برماية القوس على حصان ذي سرعة فائقة إذ كانوا يستخدمون القوس المركب من عدة عناصر والذي كان يتمتع بقدرة اختراق كبيرة. كما أن إتقان هذه الرياضة يستلزم ممارسة يومية.
إن استخدام هذه التقنية على حصان متحرك هو مجازفة فعلية. لكن الأتراك كانوا يلفتون نظر كل أعدائهم بسبب مهارتهم وبراعتهم في رماية القوس إلى الأمام كما إلى الوراء، وهم يمتطون جوادهم. وكأغلبية الشعوب الرحالة، كانوا يستخدمون تقنية "الكر والفر" حيث كانت مجموعة من الفرسان المزودين بأسلحة خفيفة، تنكب على العدو بسرعة كبيرة من دون إتباع أي نظام معين. بعد ذلك، يشرعون في رماية أقواسهم بدقة ثم يغادرون، بالسرعة نفسها، للهرب من ضربات العدو، ثم يكررون هذا الهجوم مرة تلو الأخرى.
إن تقنية رماية القوس على الحصان تهدف إلى إحداث الخلل لدى العدو. يتم بعدها تطبيق تقنية المواجهة بالرمح التي يتمرن عليها المملوك بمثابرة ، كما بالدبوس. في نهاية المطاف، تأتي المحاربة بالرمح. وهكذا، إن الفروسية المتطورة التي كان يمارسها المملوك، ليست إلا توليف لكل هذه التقنيات الفروسية المختلفة علماً بأن تأثير القواسين الأتراك كان سائداً وليس حصرياً.
أما الفرسان الإفرنج فكانوا مندهشين بالفروسية عند المماليك والأتراك وكان يشيدون بمهارة الفرسان. لكن الرماية عن بعد كانت تشكل بالنسبة لهم مشكلة إيديولوجية. فهم يعتبرونها كتقنية لا تليق بالبواسل كالمسلمين. من جهة أخرى، حتى ولو كان الفرسان المملوك مزودين بوقاء وزردية، إلا أنهم لم يتوصلوا أبداً إلى مضاهاة الحماية الخاصة بالفرسان الغربيين إذ كانت تنقصهم حرية التحرك لممارسة رماية القوس بدقة وفعالية.
في الغرب الإسلامي، في المغرب وفي الأندلس، لم تكن الفروسية متطورة إلى هذا الحد. تبع الجنود المسلمون في إسبانيا، خلال عدة قرون، تقنيات المحاربة التي كان يطبقها أعداؤهم المسيحيون مع الأسلحة نفسها كالزردية والرمح الطويل والدرع والحصان المزود بدرع واقي، في حال كان يخدم لإحدى الشخصيات الهامة. لكن ما تميز به المسلمون أخذوه عن المحاربين البرابرة الذين كانوا معروفين بأسلحة الفروسية الخفيفة، أشهرهم الزناتة المعروفين بأنهم أفضل الفرسان. سلاحهم المفضل ليس القوس على الحصان وإنما الرمح، أكثر خفة وأقصر من تلك التي يستخدمها الفرسان. كما أنهم يستعملون سيفاً وترساً من جلد. نظراً إلى ركوبهم على أحصنة ذات قوابض منخفضة لا تعيق حرية تحركهم، كانوا يلجأون إلى تقنية الكر والفر (الخاصة بالشعوب الرحالة، كما أشرنا إليه سابقاً) لإرهاق أعدائهم. في بادئ الأمر، كانت مهارتهم في الفروسية تذهل ملوك الأندلس الذين كانوا يحضرون بعض المرتزقة لمساعدة جنودهم، إلى جانب الفرسان المزودين بأسلحة ثقيلة، على غرار الفرسان الغربيين. وسرعان ما أصبح هؤلاء الجنود الذين يمتطون الأحصنة، من النخبة في جيوش الأندلس. وكانت مهارتهم تثير أيضاً إعجاب المسيحيين الذين، كما ذكرنا سابقاً، كانوا يحضرون بعض المرتزقة للالتحاق بجنودهم قبل أن يتدربوا بأنفسهم على فن استعمال أسلحة الفروسية الخفيفة. وبذلك، ساهموا في تخليد أعدائهم في الروايات الملحمية أو Romanceros fronterizos حيث كان الخيالة الذين يتبعون طريقة البربر في المحاربة، يساعدون الفرسان.
وهكذا، كانت الفروسية ثمرة لعدة تأثيرات. وقد رفعت، خاصة في الشرق، إلى رتبة فن متطور خاص بالحضارة العربية الإسلامية. وهي ليست أقل مستوى من الفروسية في أوروبا الغربية، على العكس. ولكن، شأنها شأن كافة سلاح الفرسان، خسرت مكانتها إذ أن اختراع الأسلحة النارية المحمولة وإتقانها فيما بعد، ساهم في وضع حد لأهميتها في أوساط الجنود.



هامش

[FONT=&quot][1] راجع أعمال جان فلوري لكل ما يتعلق بطريقة المحاربة أو المقاتلة الخاصة بالفروسية، لاسيما كتابه بعنوان "الفروسية" الذي صدر عام 1998. [/FONT]
[FONT=&quot][2] كلمة jinete أو ginete تعني في اللغة الكاستيلية "فارس جيد"، ولكن معناها المحدد قد يكون "فارس مزود برمح وبدرع". وهي كلمة مشتقة مباشرة من كلمة زناتة zénète مع تحويل « ze » إلى « gi ». [/FONT]​
 
رد: الفروسية في حوض البحر الأبيض المتوسط

ولا يمكننا أن ننسى تأثير الأتراك الذي تميز برماية القوس على حصان ذي سرعة فائقة إذ كانوا يستخدمون القوس المركب من عدة عناصر والذي كان يتمتع بقدرة اختراق كبيرة. كما أن إتقان هذه الرياضة يستلزم ممارسة يومية.
إن استخدام هذه التقنية على حصان متحرك هو مجازفة فعلية. لكن الأتراك كانوا يلفتون نظر كل أعدائهم بسبب مهارتهم وبراعتهم في رماية القوس إلى الأمام كما إلى الوراء، وهم يمتطون جوادهم.
------------------
اعتقد ان هذه التقنيات اصلها من شرق ووسط اسيا وليس الاتراك كما يقول المصدر
 
رد: الفروسية في حوض البحر الأبيض المتوسط

مع اني اختلف معك في كثير من الافكار الا ان كثير من مواضيعك جميلة ............خذ هالتقييم
 
رد: الفروسية في حوض البحر الأبيض المتوسط

مع اني اختلف معك في كثير من الافكار الا ان كثير من مواضيعك جميلة ............خذ هالتقييم

بارك الله فيك اخي اشرف
وحتى انت دائما لا تبخلنا في الاجابة على اسلتنا التي تتعلق باأسلحة الطيران
ومعلومة لعيونك
هناك فريق بريطاني لبحث الاثار قد يكشف لغز كنز ملكة سباء
:yahoo[1]:
 
رد: الفروسية في حوض البحر الأبيض المتوسط

ولا يمكننا أن ننسى تأثير الأتراك الذي تميز برماية القوس على حصان ذي سرعة فائقة إذ كانوا يستخدمون القوس المركب من عدة عناصر والذي كان يتمتع بقدرة اختراق كبيرة. كما أن إتقان هذه الرياضة يستلزم ممارسة يومية.
إن استخدام هذه التقنية على حصان متحرك هو مجازفة فعلية. لكن الأتراك كانوا يلفتون نظر كل أعدائهم بسبب مهارتهم وبراعتهم في رماية القوس إلى الأمام كما إلى الوراء، وهم يمتطون جوادهم.
------------------
اعتقد ان هذه التقنيات اصلها من شرق ووسط اسيا وليس الاتراك كما يقول المصدر


المغول هم من ابتكر هذه التقنية حيث كانو يعتمون علي رنة حوافر الحصان ليحديد الزمن الذي تكون كل الحوافر مرفوعة عن الارض حينها يطلقون السهم من القوس
 
رد: الفروسية في حوض البحر الأبيض المتوسط

المغول هم من ابتكر هذه التقنية حيث كانو يعتمون علي رنة حوافر الحصان ليحديد الزمن الذي تكون كل الحوافر مرفوعة عن الارض حينها يطلقون السهم من القوس

نعم اخي هم اصحاب الفكرة
icon14.gif
 
عودة
أعلى