شريان عراقي في جسم النصر الكبير .. قصة السوفيت في العراق ابان الحرب العالمية الثانية

إنضم
16 نوفمبر 2010
المشاركات
2,174
التفاعل
538 1 1
303.jpg
قدم معهد الاستشراق لدى اكاديمية العلوم الروسية الى موقعنا معلومات مثيرة غير معروفة لحد الآن حتى للمؤرخين الروس والاجانب عن تواجد الخبراء العسكريين السوفيت ابان الحرب العالمية الثانية في العراق بهدف تأمين ترانزيت المعدات والذخائر العسكرية الامريكية والبريطانية وغيرها من الشحنات الى الاتحاد السوفيتي الذي كان انذاك يخوض حربا ضارية ضد جحافل الجيوش النازية الالمانية. واليكم بعض تلك المعلومات :

شهد تاريخ العلاقات السوفيتية العراقية ابان الحرب العالمية الثانية صفحة مجيدة تكاد تكون غير مدروسة لحد الآن. والمقصود بالامر هو انشاء ما يسمى بـ "الممر الفارسي" الذي باشر بعد مرور نصف سنة على نشوب الحرب السوفيتية الالمانية (1941 - 945 ) بنقل الامدادات الامريكية والبريطانية العسكرية الى الاتحاد السوفيتي. وشهدت تلك الفترة افتتاح البعثات السوفيتية العسكرية وإنشاء معسكرات ومراكز خاصة ووكالات للنقل وحتى قاعدة جوية ميدانية واحدة في الاراضي العراقية .

واوكلت الى شركة التعاون العسكري التقني السوفيتية مهمة تنظيم استلام وتجميع الطائرات الحربية وسيارات الشحن القادمة من الولايات المتحدة بالدرجة الاولى ونقلها فيما بعد الى الاتحاد السوفيتي بالاضافة الى النقل غير المنقطع للمواد الخام الاستراتيجية والذخائر وغيرها من المواد الى الحدود السوفيتية. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ان اقامة فريق التعاون التقني العسكري السوفيتي في العراق لمدة زهاء سنتين ( اعوام 1942 – 1944) يعتبر فترة منسية لم يعرف احد عنها شيئا علما ان المؤرخين العسكريين السوفيت والغربيين والباحثين في مجال العلاقات السوفيتية العراقية لا يذكرون تلك الصفحة او ينكرونها.

نظرا الى ان سفن الامداد العسكري البريطانية والامريكية المتوجهة الى الموانئ السوفيتية الشمالية أخذت تتعرض في خريف عام 1941 لهجمات مستمرة من قبل الغواصات والطائرات الالمانية المرابطة في النرويج فان قيادتي هذين البلدين بدأتا في التفكير بفتح طريق جنوبي آمن لايصال المساعدات العسكرية للاتحاد السوفيتي حليفهما الجديد ضد المانيا . وهو طريق يمر بالموانئ العراقية والايرانية الواقعة في الخليج العربي ويؤدي الى جمهوريتي اذربيجان وتركمانستان السوفيتيتين انذاك. وبدأت المحادثات البريطانية الامريكية السوفيتية بهذا الشأن. وطرحت الحكومتان البريطانية والامريكية هذه المبادرة. فيما لم يوافق الجانب السوفيتي في البداية على المبادرة الامريكية البريطانية بحجة احتمال تكبد خسائر لا مفر منها والزمن الطويل الذي يستغرقه نقل المعدات عبر الممر الفارسي. لكن الجانبين توصلا في نهاية المطاف الى اتفاق

بهذا الشأن مما دفعهما الى المباشرة باتخاذ الاجراءات الرامية الى اعداد البنية التحتية في المنطقة ليتم تزويد الجيش السوفيتي بما يلزمه من الاسلحة والذخائر والمعدات الحربية والمحروقات والمعدات والارزاق وذلك عبر اراضي العراق وايران.

كان من المتوقع ان يعقد في مطلع عام 1942 في بغداد اجتماع رسمي يحضره رؤساء البعثات العسكرية للاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحدة. ووصل الى بغداد العقيد ايفان كورميليتسين المسؤول في المفوضية الشعبية للتجارة الخارجية السوفيتية برفقة فريق من الخبراء العسكريين السوفيت، وذلك لحضور الاجتماع وبحث مسائل تنظيم نقل الطائرات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي عبر العراق. وعقد الاتفاق بين ممثلي دول التحالف الثلاث بشأن وضع خطة لتوريد الاسلحة لموسكو.

وتوجهت البعثة السوفيتية في اعقاب المباحثات من بغداد الى البصرة حيث تم انشاء مقر لها ومكثت هناك حتى انتهاء مفعول اتفاقية توريد المعدات العسكرية في نهاية عام 1944. وانشأ الخبراء السوفيت في العراق في تلك الفترة البنية التحتية التكنولوجية الواسعة النطاق التي كان من شأنها تأمين توريد المعدات الحربية، وذلك بمساعدة الحلفاء. وبالاضافة الى مقر البعثة في البصرة تم انشاء القاعدة الجوية السوفيتية بقيادة العقيد مورافيوف والمعسكر السوفيتي المرابط في القاعدة الجوية البريطانية في الشعيبة والذي يبعد حوالي 20 ميلا عن مدينة البصرة حيث تم تشغيل معامل امريكية اضافية تقوم بتجميع الطائرات المخصصة للجيش السوفيتي.

ثمة مذكرات كتبها ليونيد زورين الذي حل محل كورميليتسين في شهر مارس/آذار عام 1942 بمنصب مسؤول المفوضية الشعبية للتجارة الخارجية السوفيتية. وجاء في المذكرات :" كنا في مطلع عام 1944 نستلم الطائرات في مطار المعقل فقط . لكنه لم يكن بوسعه تجميع الطائرات لعدم وجود مواقع انتاجية ملائمة لذلك. وبدأنا نفكر في انشاء قاعدة جوية اكبر. وبدا ان مطار الجيش البريطاني العاشر في قاعدة الشعيبة يصلح لذلك. وباشرنا بتجهيز هذه القاعدة وتوجيه الطائرات القادمة الى هناك دون ان نوقف تجميع الطائرات في المعقل . لذا فان مركز جهودنا انتقل في مايو عام 1942 الى منطقة الشعيبة حيث تم نشر معسكر سوفيتي كان يعمل فيه الخبراء والفنيون في الطائرات وتجميعها ، الامر الذي ساعد في رفع اهمية مطار الشعيبة الذي تحول الى مركز رئيسي لتجميع الطائرات الامريكية. وظل المعسكر السوفيتي في الشعيبة يعمل لغاية اكتوبر/ تشرين الاول عام 1944.

من اللافت ان القاعدة الجوية البريطانية التي كان الانجليز منذ قليل يخططون لضرب مشاريع النفط السوفيتية في القوقاز منها صارت تستخدم ، من سخرية القدر، لتزويد الاتحاد السوفيتي بالاسلحة وتعزيز قدرته الدفاعية بما في ذلك في جبهة القوقاز السوفيتية الالمانية.

كما عرفنا من مذكرات زورين فان القيادة السوفيتية رسمت مسارات نقل الطائرات الامريكية من العراق الى الاتحاد السوفيتي وذلك مرورا بطهران حيث كانت تعبأ بالوقود ثم الى مدينة كيروفوآباد السوفيتية.

وفي اكتوبر/تشرين الاول عام 1942 اصدر اناستاس ميكويان المفوض الشعبي في شؤون التجارة الخارجية السوفيتية امرا بتقسيم شركة "ايران سوفترانس" الى شركتين تقوم الاولى بنقل الطائرات والشحنات العسكرية الامريكية والبريطانية عبر العراق وايران. والثانية تقوم بايصال تلك الشحنات الى مقاصدها في اراضي الاتحاد السوفيتي.

وكانت مهمة شركة :ايران سوفترانس" تنحصر في مراقبة وصول الشحنات الحربية الى الموانئ العراقية واستلام الشحنات فيها وتنظيم تحرك الشحنات في داخل العراق ونقلها من الموانئ العراقية الى الموانئ الايرانية الواقعة على بحر قزوين والمراكز الشمالية الايرانية الواقعة على الحدود السوفيتية الايرانية.

ومن اجل تنفيذ هذه المهام منحت السلطات العراقية المكتب الرئيسي لشركة "ايران سوفترانس" صلاحيات خاصة بما فيها توقيع الاتفاقيات والعقود مع مؤسسات النقل والشحن العراقية الداخلية وفتح الحسابات في المصارف العراقية واجراء التحويلات المصرفية والحسابات مع تلك المؤسسات واستئجار المستودعات لتخزين المنتجات العسكرية وفتح فروع للشركة يتولى رئاستها اشخاص مفوضون بغية اجراء عمليات النقل.

وقد افتتحت المكاتب والوكالات التابعة للشركة السوفيتية في عدد من المدن والمناطق العراقية مثل كركوك وتنومة وخانقين والشعيبة ناهيك عن موانئ البصرة والمعقل وام قصر. وقامت الشركة بنقل الطائرات وسيارات الشحن التي تم تجميعها في معامل رفدية والشعيبة والبصرة.

كانت الشحنات القادمة الى موانئ شط العرب والخليج توصل الى الاتحاد السوفيتي بمسارين رئيسيين احدهما هو: وصول الشحنات الى موانئ البصرة وام قصر والمعقل ثم نقلها الى بغداد ثم الى كركوك عن طريق السكك الحديد ثم نقلها برا بواسطة الناقلات الانجليزية الى مركزهانة الايراني من حيث تنقل بالناقلات السوفيتية حتى مدينة تبريز ثم نقلها بالسكة الحديد الى مدينة جولفة السوفيتية. وبلغ طول هذا المسار 1615 كيلومترا. اما طول المسار الثاني فبلغ 1627 كيلومترا. وانه كان يمر بالموانئ العراقية ثم الى بغداد بالسكة الحديد ثم الى مدينة خانقين العراقية ثم حتى مدينة قزوين الايرانية بواسطة الناقلات البريطانية من حيث تنقل الشحنات بالناقلات السوفيتية حتى ميناء بهلوي الايراني.

فيما يتعلق بمعامل تجميع الشاحنات فقد انشئ فيها ما يسمى بمراكز الاستلام التي عمل فيها الخبراء العسكريون السوفيت الذين قاموا بالمراقبة الفنية لحالة سيارات الشحن العسكرية التي تم تجميعها من قبل الامريكيين والانجليز.


من البديهي ان موضوع توريد المعدات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي كان اكثر من مرة موضوعا للمحادثات السوفيتية الامريكية على المستوى العالي. وان ستالين لكونه قائدا اعلى للقوات السوفيتية كان يراقب شخصيا عملية توريد ألاليات المخصصة للجيش السوفيتي عبر الممر الفارسي. لذلك فان القيادة الامريكية فضلت حل اهم المسائل عن طريق ستالين مباشرة. وعلى سبيل المثال فان الرئيس الامريكي روزفلت وجه في مطلع يوليو/تموز عام 1942 رسالة الى الزعيم السوفيتي ستالين ورد فيها :" لقد جعلت الازمة المصرية المهددة لطرق المواصلات والتموين للاتحاد السوفيتي جعلت رئيس الوزراء تشيرتشل يوجه طلبا عاجلا اليّ للنظر في امكانية نقل 40 قاذفة من طراز " آ - 20 " ترابط حاليا في العراق مخصصة للاتحاد السوفيتي الى الجبهة المصرية. وفي هذا السياق رأيت ان من المستحسن توجيه هذا الطلب اليكم آخذا بعين الاعتبار مصالح الجهود العسكرية للامم المتحدة باسرها". ووافق ستالين في رسالته الجوابية على الطلب قائلا انه "لا مانع له من نقل الطائرات العشرين المخصصة للاتحاد السوفيتي من العراق الى الجبهة المصرية".

ثمة حقيقة مثيرة قد تكون مجهولة مفادها ان تواجد التشكيلات العسكرية البريطانية والامريكية والسوفيتية في العراق جعل القيادة الامريكية تقترح على القيادة السوفيتية عقد القمة الثلاثية لهذه الدول في العراق. ووجه روزفلت رسالة شخصية الى المارشال ستالين اقترح فيها ان تعقد القمة بجوار بغداد في موقع تتموضع فيه معسكرات ثلاثة تتوفر فيها كل اسباب الراحة والحراسات الامريكية والبريطانية والروسية المطلوبة. وبعد ان رفض ستالين هذا الاقتراح ظل روزفلت يصر على عقد القمة في العراق ، ولكن اقترح هذه المرة البصرة لعقدها حيث يمكن تنظيم الحراسة الممتازة ،على حد قوله.

ثمة دليل على موقف الشعب العراقي من الاتحاد السوفيتي ورد في تقرير قدمه الدبلوماسي السوفيتي في ايران ايفانوف في 6 يونيو/حزيران عام 1944. وتناول التقرير بصورة خاصة عمل الفريق العسكري التقني السوفيتي في العراق. وابرز التقرير الحفاوة التي كان يكنها العراقيون تجاه الخبراء السوفيت الذين يقومون باداء واجبهم في البلاد. وجاء في التقرير ما يلي:" عندما يسير الخبراء السوفيت بشاحنة لحضور العمل يلقاهم العراقيون كبارا وصغارا بصيحات "خوروش ، خزروش" بمعنى "جيد" ومشكلين باصابعهم رمز النصر. وبالطريقة ذاتها يرحبون بكل ضابط سوفيتي يمشي في الشارع. ويهم الجميع في العراق ،بمن فيهم الطلبة والمحامون والاطباء، الوضع في الاتحاد السوفيتي وحياة اهاليه وامكانية زيارته. ويشارك الشعب بكل سرور في جمع التبرعات لصالح الجيش الاحمر رغم ان هذه المساعدة لم تعلن رسميا. وكان عمال الموانئ العراقيون يرسمون سرا امضاءاتهم على صناديق يقومون بشحنها الى عربات القطار لتوجه فيما بعد الى الاتحاد السوفيتي. كما انهم كانوا يرسمون نجوما وتحيات تكريما للجيش الاحمر.

ويمكن الاستنتاج بشكل عام ان معارك الحرب العالمية الثانية بينت بوضوح الاهمية الاستراتيجية الكبيرة للعراق بالنسبة الى دفاع الدولة السوفيتية وامنها. وفي حقيقة الامر فان البنية العسكرية التقنية القوية التي تم انشاؤها بالاراضي العراقية في اطار تنفيذ برامج توريد ألاليات الحربية الغربية الى الاتحاد السوفيتي والموارد البشرية العراقية والاجواء العراقية لعبت دورا كبيرا في انقاذ الاتحاد السوفيتي من الهزيمة في الحرب على ايدي الالمان.

وقد منحت الخبرة المكتسبة نتيجة التعاون بين البلدين في السنوات المأساوية للحرب العالمية الثانية منحت رئيس الوزراء العراقي انذاك حمدي الباججي بان يقول في برقية التهنئة التي بعث بها الى ستالين يوم 8 مايو/آيار عام 1945 :" يفتخر العراق انه كان اول بلد من البلدان العربية انضم الى الامم المتحدة ويسره الآن بان يؤكد ان الحكومة العراقية كانت تتعاون حق التعاون مع حكومتكم من اجل مواجهة العدوان والظلم".

اذن فاستنادا الى الحقائق يمكن القول ان سنوات الحرب المذكورة شهدت ترانزيت مئات آلاف الاطنان من الشحنات عبر الموانئ والمطارات والقواعد العراقية الى الاتحاد السوفيتي. وكانت تلك الشحنات تحتوي على بنزين الطائرات العالي النوعية الذي تم انتاجه من النفط العراقي، والطائرات وسيارات الشحن التي قام بتجميعها الخبراء الامريكيون والبريطانيون بالتعاون مع العراقيين، ناهيك عن المعدات العسكرية والذخائر والارزاق. ويقول المؤرخ البريطاني موتر ان ميناء عراقيا واحدا قام بترانزيت 250 الف طن من الشحنات الى الاتحاد السوفيتي وذلك في الفترة ما بين 1 يوليو/تموز عام 1943 و1 سبتمبر/ايلول عام 1944.واختلف مستوى تدفق الشحنات المارة بـ "الممر الفارسي" في فترات مختلفة. وعلى سبيل المثال فاذا كان شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941 شهد ترانزيت نسبة 5.2% من اجمالي الشحنات الموردة الى الاتحاد السوفيتي فان شهر اكتوبر/تشرين الاول عام 1942 شهد نسبة 52% من هذه الشحنات .

وعموما بلغ مجموع الشحنات العسكرية الموردة الى الاتحاد السوفيتي عن طريق العراق بواسطة هذا الممر الاستراتيجي زهاء 4.2 مليون طن مما يعادل نسبة 23.8 % من مجموع الشحنات الغربية الموردة للاتحاد السوفيتي ابان الحرب العالمية الثانية.

 
رد: شريان عراقي في جسم النصر الكبير .. قصة السوفيت في العراق ابان الحرب العالمية الثانية

مشكوووووووووووور
 
رد: شريان عراقي في جسم النصر الكبير .. قصة السوفيت في العراق ابان الحرب العالمية الثانية

هلا حبيبي منور
 
عودة
أعلى