مهمة شمال خط الموت

إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
36
التفاعل
2 0 0
مهمة شمال خط الموت
الكاتب عقيد طيار/ عبد الغني احمد
|
ضمن اهداف مجلتنا منذ انطلاقتها الى جانب ما وقفتم عليه من ابراز التقنية الدفاعية و طرح القضايـا الإستراتيجية و الإحاطـة بمجـمل العلـوم الدفاعية برية وبحرية و جوية هو محاولة تسليـط الضــوء إن لم يكـن الإظـهار والإبـراز الكامل للأسلـحة المعنويـة أيـضاً ودورها المميــز و التـي تسير بـموازاة التقنـية الماديـة ومحاولة زرع الثقة في الكوادر فلـم نكـن لنغفل هـذه الاسلـحة الفتاكـة والمنظومـة الصلبــة المتشكلـــة مــن الإيــمان والإصـرار و الثـقة بالنـفس والارادة حتى يتجلى الإنسان مقاتلاً فذاً جديراً بالدفـاع عـن وطنه و مكتسباته .
وضمـن هـذه الخـطة لـم نستــغرق طويــلاً فى البحث و التنقيب كشأن بحثنا عن المعلومات المادية المتغيرة ابتغاء للدقة و التي تتطلب الكثير من الجهد و العناء بل بالعكــس تمامـــاً فسرعــان ما تسارعت الينا القصص والحكايا المفعمة بالامجاد و البطولات مبعث فخر سطرها جنود مجهولون على امتداد ترابنا العزيز فقد طالعتنا ومضات جديرة بالافتخار و مبعثا للاعتزاز لكل الصنوف و الصفوف و امام هذا الكم تضاعفت حيرتنا و تزايدت بذلك غبطتنا و تزاحمت علينا الروايات و تسارعنا بروح واحدة لأبجدة تلك الملاحم و البطولات حتي تستطيع الاجيال اللاحقة استقرائها و كلنــا فخر بما قدمه افراد الشعب المسلح من تضحيات ووقفات عز جديرة بالتوقف عندها ، وبين هذا و ذاك روايـة روى أبـطالها تراب الوطـن بدمائـهم الزكيــــة و أضحوا شهداء و ثانيةً تناثر عناصرها و تباعد أفرادهـا وكـان مـن الصعوبة لملمتها و ثالثة حكاية قد لا تصدق شأنها شأن الملاحم لا تتكرر ولا تروي بل تعاش واقعا فقط و اخرى تفتقر للدلائل و المرجعية وغيرها وغيرها وغيرها.
بطولات و امجاد متواترة تتلقفها المسامع بكل تحفظ في مختلف الميادين صولات و جولات فــي زمــن طـغى عليــه المشكـكون والمحبطون و أعداء الوطن الذين يحاولون نهشه باستمرار , ويغيظهم ويحزنهم بقائه كتلة متراصة صلبة . و كسرا لهذا الجمود سنشرع انطلاقاً من هذا العدد في محاولة تأطير هذه الملاحم لجعلها كلمات راقدة تحاول ان تسموا لتجد لنفسها مكانا يتمكن منه الاخرون تبين ملامحـها و تزامناً مع صدور العدد التاسع الذي يصادف ذكرى العدوان الاطلسي الفاشل على الجماهيرية العظمى أسترجعت ذاكرتنا أيام المواجهة و الاستفزازات معركة بين الارادة و الغطرسة , سنوات لازالت خالدة في ذاكرة كل أفراد الشعب المسلح...تواجد مكثف لقطع الاسطـــول السـادس البحريـة ،إنتهاكـات و إختراقات تأهب و استعداد دائم ، أعتراض جوي و بحري اشتباكات ومطاردات و غيرها الكثير الذى لازالت الذاكرة تحتفظ ببعضه.

جذور المواجهة
إمتـداداً لرحلة البـطولات التـي سطرهـا أجدادنـا وإنتزاعهم التفوق بكل جدارة في مياه البحر الابيض المتوسـط الأمـر الـذي أزعـج الولايات المتحدة الامريكية لتعلن أول حالة حرب فى تاريخها خارج أراضيها أثر قيام البحارة الليبيون بأسر السفينة فيلادلفيـا تلـك الحداثــة المشــهورة لتتواصل المسيرة و يحمل الاحفاد المشعل من جديد بعد تجدد المواجهة مع بزوغ ثورة الفاتـح واجلاء القوات الامريكيه من أكبر قواعدها خارج امريكا اضافة الى استعادة ليبيا السيطرة على اقليمها الجوي بعد تحررها من التبعية لاقليم مالطا الجوي بدات المواجهة من جديد خاصة مع إمتلاك ليبيا لطائرات الميراج 5 التي حققت في وقتها التفوق الجوي على نظيرتها طائرة الفانتوم F-4 الامريكية التي كانـت تعـمل من ضـمن تشكيلات الاسطول السادس الامريكي والتى كانت صيدا سهلا لمقاتلاتنا الامر الذي ادى الي انتاج طائرة F-14 الاحدث والتي كانت تشكل العمود الفقري لطيران البحرية في السبعينـــات و الثمانينــات من القرن الماضي وذلـك سعيـاً لتحقيـق التــفوق الجـــوى والذي عزز في منتصف الثمانينات بالطائرة F-18 Hornet الاحدث و ذات القدرات العالية على المناورة و المدي و قوة التسليح و كان سلاح الجو الليبي قد تم تعزيزه بأحدث الطائرات المقاتلة في تلك الفترة مثل الميــج 21 و 23 و 25 و السوخــــوي 22 و الميراج F-1 و غيرها، ومع تنوع المدارس وجدية التدريب و توفير الامكانيات و الروح المعنوية العالية كانت الندية هي العامـــــل الرئيسي ليس بين المعدات و التقنية فحسـب بــــل النديــة في القدرات البشرية فكان مستوى الطياريـن عـلى أعـلى درجــة لا يضاهيــه إلاَّ مستــوى أرقــى الأسلحــة فـــــي العالــــم بأعتـراف الخصـوم أنفســهم ، وتوالـت الأحــداث برســـم خـط المواجــهة " خط الموت " الــذي حــدده القائـــد الاعلى " العقيد معمر القذافي "عند درجة 32.30 و كان ذلك من خلال حق ليبيا الطبيعي بإعتبار خليج سرت مياه اقليمية ليبية نتيجة دخوله في عمق التضاريس الليبية ، فاستجاب الشعب المسلح للارادة السياسية و اعتبر النيل من السيادة واجب دونه الموت و كما هى العادة كان الدفاع الجوى بكل شرائحه في صدر المواجهة بكامل أفراده و معداته من صورايخ و رواصد ومنظومات دفاعية متنوعة و كان نسور الجو يجوبون السماء ليـلاً و نهـاراً يتصـدون لكـــل الاختراقـــات والاستفزازات و كان التنسيق على اكمل وجه بين قطاعات الدفاع الجوي و السلاح الجوي و البحرية عبر القواعد الجوية و منظومات الصواريخ المضادة للطائرات المنتشرة على امتداد الساحل الليبي ، ومع تصاعد الموقف السياسي برفض العربدة الامريكية في البحر المتوسط ومع تصاعد العداء المباشر في عهد الرئيس ريجن كانت المواجهه حتمية في الجو و البحر فشحدت الهمم وسطرت الملاحم مـن خـلال صفـحات المواجـهه اليوميـة مع العدو ، ونحن نقلب صفحات المواجهة اخترنا لكم هذه الحادثة كما وردت من اصحابها الذين شاركو فيها و التي تم التحقق من تفاصيلها من خلال الوثائق و السجلات و شهادات العدو أيظا كنموذج لما حققه مقاتلينا من أمجاد فى ساحات الوغى جديرة بأن تستقرئها الاجيال لحمل المشعل ومواصلة المسيرة بخطى واثقة وعزيمة صلبة وارادة لا تلين .
فمع تزايد التوتر في المنطقة في منتصف الثمانينات زادت الطلعات الجوية الاستفزازية المنطلقة من الاسطول السادس الرابض قبالة الساحل الليبي و تزايدت بالمقابـل طلــعات الاستـطلاع والاستكشاف والاعتراض الليبية و بالتالي كان لا مفر من الاحتكاك المباشر مع طيران العدو و بشكل يومي في بعض الاحيان و على امتداد الساحل الليبي و من مختلف القواعد الجوية و مختلف انواع الطائرات المقاتلة و نحن نسرد اليوم احدى قصص الاشتباكات الجوية المتكرر كنموذج لما كان يحدث من مواجهات نتناولها ببعض التحليل الموضوعي ليس من باب الدعاية رغم انها مطلوبة في ساعات المواجهة و لكن عرفاناً منا لما قدمه ويقدمه جنود مجهولون من اجل هذا الوطن المعطاء حتى تقتفى الاجيال الاثر ونثق فى أنفسنا لمواجهة أى عدوان .

بداية المهمة
كانت البداية في يوما دافئا من أيام شهر النوار/ فبراير المشمسة وبعد استكمال الادبيات الخاصة والطقوس اليومية للطيارين من تلقين صباحى واطلاع الطيارين على خطة الطيران لذلك اليوم وكشف اللياقة الصحية وغيرها أنطلق الطيارون كالعادة كل حسب ما وزعت عليه المـهام استعــدادا لتنفيــذ الطلعات اليومية ضمن برامج التدريب المكثفة ناهيك عن تواجد ما يسمى استعداد حالة أولى وهو ما يصطلح عليه بالدشمة (Scramble) وهوبقاء الطيارين مع طائراتهـم فـى الدشـم مرتديـن كامـل التجهيزات استعدادا لتنفيـذ واجبـــات الاعتــراض حسب الاوامـر التى تصـدر من مراكز العمليات والتوجيه بالدفاع الجوى حال اقتراب أى هدف وتجاوز خط الاكتشاف الى خط الاعتراض فى زمن قياسى لايتعدى دقيقتان فور استلام الامر (Scramble) حتى الاجواء ليقوم موجهوا الدفاع الجوى بتوجيه المقاتلات لاعتراض الهدف وهكذا كانت الحاله العامه لكل الاسراب المقاتلة فى كل قواعد الساحل الليبى فى تلك الفترة ، أما فى قاعدة عقبة بن نافع ومعيتيقة الجويتان لـم يكـن الأمـر مختلـفاً فـقد كـان السرب بطائرات الميج 23 فى معيتيقة وسربى طائرات الميراج 5 وطائرات الميراج F-1 بقاعدة عقبة بالتنسيق مع مركزى التوجيه والسيطرة يضطلعون بذات المهام والواجبات .
وفـى هـذه الأثنـاء وأمام رغبة الطيارون الجامحة للمواجهة تم التنسيق بين سرب 1023 الميج 23 وسرب الفاتح الميراج F-1 بقيام الاخير بتنفيذ طلعة استطلاع فى الاعماق على أن تتم المؤازرة والاشتراك من سرب الميج 23 وهكذا أنطلقت الاستعدادات والتحضير الدقيق للطلعة وأعتبرت كطلعة اثبات وجود ، حيث تم أختيار التشكيلين بحيث ضم تشكيل الميـراج F-1 كـلا مــن رائـــد طيـار مختار محمـد عصمان كقائد تشكيل (Section leader) بمعية ملازم طيار البشيـر محمـد سالـم No 2 ورائد طيار بلقاسـم عـمار بلقاسم كقائــد تشكيـــل مسانـد ( Deputy leader ) بمعية ملازم طيار محمد سالم نصر No 4. أما تشكيل الميج 23 فكان يضم رائد طيار سالم النداب كقائد تشكيل (Section leader ) والمرحوم الشهيد ملازم طيار سالم رمضان عيسى No 2 أما ( Deputy leader ) فقد كان ملازم طيار المبروك الصويعى والملازم طيار محمود يونس No 4 . ونظرا لبعد النقطة الافتراضية للاشتباك فقد تم التحضير لان يسبق اقلاع الميراج F-1 بكامل تسليحها وخزاناتـها بزمـن ( 35 ) دقيـقة قبـل إقـــلاع التشكيــل الميــج 23 المسانـد لتأميـن الحمايــة ، وهكــذا كــــان .


تسلسل عملية الاعتراض و المواجهة


فعلى تمام الساعة 13:10 من يوم بتاريخ 12 / 2 / 1986 أقلع تشكيل من سرب الميراج F-1 يضم 4 طائرات من قاعدة عقبة الجوية قاصدا الاتجاه 030 بعد أن أجرى عملية الانضمام بكل نجاح مواصلا التسلق حتى ارتفاع 27.500 قدم حسب المخطط متخـداً وضعيـة قتاليـة غيــر مألوفـــة تسمى ( Fluid four formation ) وهو ضرب من ضروب التشكيلات القتالية المعهودة يستخدم فى حالة الافتقار للتغطية الرادارية الارضية ويتفوق عليه فى قدرته على ارباك الخصم فى اتخاذ القرار الهجومى المناسب بحيث يمكن استغلال أى خطأ أو تأخير للاطباق على أى مهاجم والاحتفاظ بامتلاك زمام المبادرة ناهيك عما يوفره من تغطية أشمل للطائرات المتقدمة اضافة الى كونـه وسيلــة لحمايـة المؤخرة ما يصطلح عنه قتاليا (Clear the tail ) وما يميزه أيظا احتمالية اكتشافه عندما يكون فى مواجهة الرادارات بزاوية مثاليه كونه هدفان وليس اربع اهداف وأخيرا يعتبر التشكيل القتالى الذى يضمن التوازن بين مقدمته ومؤخرته. ولهذا تم اختيار هذا الاتجاه ليواصل حتى بلوغ الارتفاع المطلوب أى الاستقرار ومواصلة الطيران تحت السيطرة الراداريه للدفاع الجوى وفعلا وتتبعا لاقصى قوانين السلامة فى مثل هذه الطلعات التى يأتى فى أولوياتها تفادى الارسال بالراديو نهائيا واقتصار ذلك على حركات خفيفة للاجنحة كاشارة لامر معين تم التدريب عليه مراراً حيث واصل التشكيل الطيران بسرعة 0.92 ماخ وطى الامواج الزرقاء الهادئة بكل سكون لم يعكره الا صوت مركز عمليات الحاملة على القناة 9 Red وهو يأمر طائراته بضرورة الاستعداد لاعتراض المقاتلات الليبية فيما لو أستمرت فى التقدم ولم تقفل راجعه . الا أن التشكيل أستمر فى نفـس الإتجــاه وبــدأ جهاز الحاســـــب الملاحى ( Navigation Computer ) لطائرات التشكيل يتجاوز فى قراءته للمسافة 75 ميل بحري مع بدأ تلاشى التغطية الرادارية الارضيه لمركزى التوجيه والسيطرة ، ومع ذلك واصل التشكيل التقدم سيما بعد تأكده من اقلاع طائرتين لاعتراضه حتى 120 ميل بحري فى تمام الساعة 13:28 وفى هذه الاونه أصدر قائد التشكيل أوامره بالدوران 60 درجة ناحية اليمين للاتجاه شرق كامل 090 درجة ، وبعد أن أستقر التشكيل فى الاتجاه الجديد ، وفى السكون المطبق حدقوا بأعينهم عبر شاشات الرادار وضمن مجال الرؤية الطبيعى لتلك المياه الزرقاء من ذلك الارتفاع وبينما هم كذلك حتى لاحظ قائد التشكيل وبنظره خاطفه اقتراب احدى التشكيلات المعادية على ارتفاع منخفض بزاوية تقرب الى الساعة الخامسة فقام على الفور رمزيـــــا بأصدار تعليماته الدوران والالتفاف 180 درجة لكامل التشكيل نحوهما الامر الذى يحتم تغيرا فى المواضع لمثل هذا النوع من التشكيل القتالى بحيث يتحول No 3 الى قائد تشكيل ( Potential leader ) الى جانب No 4 الذى سيتحول الى No 2 وورائهم قائد التشكيل الذى سيتحول الى No 3 وNo 2 الى No 4 وعندما لاحظت الطائرات المعادية هذا التكتيك لم تجد بدا أمام ارتباكها لاكتشافها وجود أربع طائرات وليس طائرتين حسب ما توقعا مما أجبرهما على أختيار مبدأ التسلق ثم الهروب أو الخروج من المواجهة بأقصى القدرات من منتصف التشكيل للادبار وطلب المساندة العاجلة ، وفى هذا الوقت كان طياروا سرب الميج 23 بعد أن أنهوا كافة استعداداتهم وهم يتحرقون شوقا للاشتراك والمساندة قد تسارعوا الى طائراتهم بروح معنوية عالية ملبين نداء الوطن والتجهيز للاقلاع. هنا أعطى آمر التشكيل لاعضائه أمر الدوران 180 درجة فى اتجاه الشرق الكامل والتأهب للمواجهة ، وفعلا ففى تمام الساعة 13: 35 تقدم تشكيل من أربع طائرات نوع F- 18 Hornet من ارتفاع منخفض أيضا متخذا وضعية التشكيل القتالي ( Battle formation ) والتسلق مباشرة للتشكيل الذى لم يتردد قائد تشكيله باصدار أمر الانفصال الثنائى أى قائد التشكيل مع رقم 2 ورقم 3 مع رقم 4 فى مواجهة التشكيل الذى أمتثل للانفصال أيضا لينقسم وتبدأ مع أوامر من مركز عمليات الحاملة بضرورة تجهز أربع طائرات أخرى نوع F- 18 Hornet للدعم والمساندة.

ولمزيداً من التفاصيل الدقيقة من الذين عايشوا الواقعة و لإضفاء مزيد من المصداقية على الموضوع فضلنا ترك سرد تفاصيل الاشتباك من أمري التشكيلين المشتركين في العملي

حيث روي للمسلح امر التشكيل الاول الميراج F-1 الاشتباك كما يلي:
بعد الانفصال و اتجاه التشكيل المعادي نحونا اصدرت الامر الى رقم 2 بالتسارع الاقصى مستخدماً الحارق اللاحق و الاستدارة مباشرة نحو هدفه فيما توجهت مباشرة نحو الطائرة الاخري و كانت طائرة امر التشكيل المعادي في وضع المواجهة المباشرة (Head on) حيث دخلنا مباشرة في الاشتباك بالتسلق الحاد نحو الاعلى و من ثم التقاطع و الالتفاف السريع لأخذ الاسبقية في التموضع المناسب حيث دخلنا مباشرة في ما يسمى الوضع المائل (Oblique plane) ونظرا لما تتمتع به طائرة F-18 من قدرة عالية على المناورة حيث كانت طائرة حديثة جدا في تلك الفترة كانت له اسبقية اخذ الموضع الانسب مما اضطرني الى اجراء مناورة إلتفافية حادة جداً لمنع الخصم من وضعي في مرمى الهدف عندها لاحضت عدم قدرته على الثبوت في مكانه الامر الذي قادني الى مزيد من الحدة فى المناورة مما جعل طائرته تتعرض لازاحة جانبية كبيرة فقمت على الفور بإستغلال خطأ الخصم بمناورة تسمي:ــ
Barrel roll inside turn with nose high ( أي إنطلاق الطائرة بسرعة فائقة حول محورها على أن تكون مقدمتها إلى أعلى ) الامر الذى اعطاني التفوق في اخذ الموضع المناسب لوضع الخصم في مرمي الهدف عندها حاول الافلات بكل الطرق لكنني حافظت على تفوقي وكان في مرمى جهاز التهديف الخاص بي من حوالي ارتفاع 30,000 قدم نزولاً حتي ارتفاع 10,000 قدم (كما هو موضح في الصور) و من ثم تم الانفصال و عودتي لمساندة رقم 2 الذي تمتع بمهارة عالية و قدرة مكنته من مجاراة خصمه بالرغم من قلة خبرته في تلك الفترة

أما عن اشتباك التشكيل الثاني فقد حدثنا آمره عن تفاصيل الاشتباك حيث أثني على المستوي الجيد الذي تمتع به الملازم طيار محمد نصر (استشهد سنة 2001 في تحطم طائرة أثناء التدريب) و ما كان يتمتع به من حسن استعداد و كفاءة بحيث خاض المعركة بدون اي توجيهات مني حيث بقي مسانداً لي طوال فترة الاشتباك بالرغم من امتداد المعركة طوال اكثر من دقيقتين و تمكنا من أحداث تفوق نوعي على الطائرات المعادية وتسجيل تفاصيل ذلك عبر صــــــور جـــــــهاز التصويب أما عن سرب الميج 23 المساند فقد عبر العقيد طيار ركن محمود يونس عن سعادته البالغة لما تحقق في هذه الطلعة المشتركة من تفوق و قد لخص للمسلح مسترجعا بذاكرته سنوات المواجهة ....كنا نتحرق للمواجهة و نتدافع للاعتراض و كم كانت سعادتنا غامرة لاننا اثبتنا وجودنا و تفوقنا على اقوى سلاح جوي في العالم مازلـت أذكــر تلك المواجهة والتي اعتبرها مبعثاً للاعتزاز و الفخر حيث أقلعنا في ذلك اليوم 12/2/1986 الساعة 13:45 بحسب التعليمات الصادرة و عند اقترابنا من موقع الاشتباك الساعة 13:57 شاهدنا احدى طائرات الميراج F-1 و هي فى حالة قبض على طائرة F-18 مما دب فينا الحماس و انطلقنا للمساندة مع اقتراب 4 طائرات F-18 مساندة من موقع الاشتباك وفيما انسحب زملاؤنا قمنا بتتبع تشكيل الميراج F-1 لتأمين الحماية له حيث كانت هذه هي المهمة المحددة لنا بينما قام آمر التشكيل مع رقم 2 بالاشتباك المباشر مع طائرت F-18 تمكنوا فيها من اظهار براعتهم و تفوقهم على الطائرات المعادية رغم حداثتها حتي نهاية الاشتباك الذي انتهى بإنسحاب الطائرات المعادية من سماء المعركة الى حاملة الطائرات و لم يظهروا ثانية حيث بقينا بعض الوقت في المنطقة تحسباُ لأي طارئ و استعداداً لتنفيذ الاوامر وبعدها استعدنا التشكيل و قفلنا عائدين الى قاعدة معيتيقة الجوية و هبطنا بسلام على تمام الساعة 14:35

من خلال ما تم سرده يتضح جليا الروح المعنوية العالية التى يتحلى بها مقاتلونا اضافة للمهارة والحرفية الشديدة التى كان يتمتع بها الطيارون المقاتلون باعتراف قادتهم كما جاء على لسان قائد الاسطول السادس عقب هذا الاشتباك ( بأن ليبيا لديها من الطيارين الاكفاء ما تستطيع به مظاهاة الطيارين الامريكيين ) الامر الذى دعى بالمخططين العسكريين تجنب مواجهة السلاح الجوى العربى الليبى حينها وضرورة ايجاد السبل الممكنة التى تحول دون قيام السلاح الجوى بتنفيذ واجباته الامر الذى جعلهم ينفذون غارتهم الهمجية تحت جنح الظلام مع سلسلة التعتيم والتشويش الالكترونى التى كلفتهم الكثير وكل ذلك دون أن تتحقق ايا من الاهداف التى يسعون اليها بل على العكس بقيت الارادة والتصميم والثقة بالنفس والعزيمة أسلحتنا دون اى مساس.
أما على المنظور الاستراتيجى فقد تعمد خط الموت بدماء البررة من ابطالنا وها هو الخليج خليجنا وترابنا طاهر من اى دنس وأخيرا إنتـصار إرادتـنا واضـح للعيــان .

تحليل وخلاصة
قد تجلب الاسلحة المادية الانتصار المؤقت والمحدود بينما تجلب الاسلحة المعنوية النصر الدائم والاستراتيجى أن الثقة بالنفس والعزيمة والايمان بالقضية هم ركائز النصر الحتمى .
هذه المجابهة المشرفة انما هى احدى المواجـهات ضمـن سلسلـة الجـولات والصولات فى شتى الميادين والساحات .
انما العدو عبارة عن سلاح مدجج محاط بهالة اعلامية غرضها بث الرعب علينا اختراقها لمعرفة حقيقتها .
الاسـتعداد الدائـم للمـوت ذودا عـن الوطن والتضحية من أجله هو السلاح الفتاك الذى لم يخترع العدو سلاحا لمقاومته .
تقدير قوة العدو والاستعداد الجيد والتدريب المتواصـل والتسلـح بالجديـد هـى الطريـق لاثبــات الوجــود وفـرض الارادة .
تواتر الاجيال وتوالى السواعد لحمل المشعل ومواصلة المسيرة هى الضمان للحفاظ على النصر الذى تحقق .. ينبغى أن تعج الساحة بمثل هؤلاء من الشموع حتى تتمكن الاجيال اللاحقة من اقتفاء أثرها والسير على منهاجها .
كلمة شكر اخيرة للعقيد طيار ابولقاسم عمار والعقيد طيار مختار عصمان والعقيد طيار محمود يونس على ما أبدوه من حسن استقبال وتقبل وسعة صدر وتحمل ونحن نسترجع بهم الايام وننبش ذاكرتهم علنا نجد فى طياتها ما نصيغ الا أن ما وجدناه كان أكبر من أن نحتويه بكلمات ونصفه بتعابير فقد كانت الاحاسيس فياضه والمشاعر جياشه وهى تحاول أن تسرد تفاصيل المجد والبطولة وحقا تلك لمهمة صعبة غير غافلين عما صنعه الاخـرون مـن أمـجاد مذكريـن بأنهم كانوا ضمن زملائهم لا يتوانون عن أداء الواجب .


( نقــــلاً عن مجلة المسلح )
 
عودة
أعلى