مجموعة مقالات الدكتور عائض القرني

متى يكون النّجاح خطيئة؟/د.عائض القرني

متى يكون النّجاح خطيئة؟

الدكتور عائض القرني.

إذا عاشت الشعوب الجهل والتخلف أصيبت بداء التعصب المذهبي والتحجر الفكري والاستبداد السياسي، فلا تعرف إلا ما ولدت عليه وورثته من الآباء والأجداد ولو خالف الحق، قال تعالى عن المشركين: ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )، حينها يعتبر الرأي المخالف لهذه الشعوب ولو كان صحيحا، منكرا ومردودا، ويهاجم كل مبدع وناجح، يقول فولتير كما في كتاب (متعة الحديث) للداود: النجاح خطيئة يرتكبها بعض الناس بحسن نية لكن زملاءه لا يغفرونها له، وأقول: كم من كرامة لعظيم مرغها الجهال بالتراب، وانظر لما واجهه الأنبياء - عليهم السلام - من هجوم وعداوة من الحمقى والسفلة عبدة الأصنام، ويسكت بعض العظماء عن قول الحقيقة خوفا من سطوة الدهماء وغضبة الغوغاء، حتى يقول شوقي:

قالت الضفدع قولا فهمته الحكماء * في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟!​
ومثله بالشعبي قال الشاعر الكبير أبو زيد محمد بن أحمد السديري:

كم واحد له غاية ما هرجها * يكنها لو هو للأدنين محتاج

يقضب عليك المخطية من حججها * حلو نباه وقلبه أسود من الصاج.​

والمعنى: كم من إنسان عنده سر خاص لا يبوح به حتى على أقرب قريب منه؛ لأن من الناس من لا يؤتمن على الأسرار وليس محلا للشكوى ويفرح بالخطأ والزلة بينما تجد ظاهره معك، فهو يظهر لك الصداقة والمودة بينما باطنه أسود من الحقد والحسد، أشد سوادا من صاج الحديد الذي غيرته النار والدخان، وأنا أعزي اللامعين والناجحين الذين يواجهون هجوما ساحقا من الأغبياء بسيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهو يجابه بجاهلية جهلاء، تكوّن أحزابا ضده وضد دعوته من مشركين أوغاد، ومنافقين خونة، ويهود ماكرين، ونصارى حاقدين، وأقارب جفاة، فيصبر ويحتسب ويواصل وينتصر ويتوج بتاج: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا )، يقول الشاعر عبد الله البردوني يحيي سيد الخلق ونبي الأمة صلى الله عليه وسلم ويصف شجاعته وصموده وصبره:

وشبَّ طفلُ الهدى المحبوب مُتَّشِحًا * بالمجد مُتَّزِرًا بالنور والنار

في كفِّه شعلة تهدي وفي دمه * عقيدة تتحدى كل جبار.​

وانظر لعصر فتوحات المسلمين كيف حصل التجديد والإبداع واتسعت الصدور للخلاف السائغ، واشتغلت الأمة بالفتوحات والانتصارات والبناء والتمدن، فلما ضعف حال الأمة وأصابها الهزال وقعت في حروب وهمية من الخلاف المذهبي والتعصب والتقليد، في ظل ظلم وجبروت من خلفاء بعضهم صبيان وبعضهم كبار سفهاء، حتى يقول عن بعضهم الذهبي وابن كثير: واشتغل هذا الخليفة بالجواري والشرب والغناء، وكان مغرما بمهارشة الكلاب ونطاح الكباش، فانحصر في عهدهم الإبداع العقلي والتجديد العلمي، واضطهد الأئمة والعباقرة والنبغاء، فوضع ابن تيمية في الحبس، وطورد ابن خلدون، وقتل المتنبي في الصحراء، وحجر على ابن رشد في بيته، وأحرقت كتب ابن حزم وطرد من مدينته، واغتيل لسان الدين بن الخطيب، إذن الإبداع والنجاح والتفوق والموهبة خطيئة لا تغتفر عند المحبطين والفاشلين والكسالى.

عن الشرق الأوسط
 
التعديل الأخير:
تحرير الإنسان قبل تحرير الأوطان/د.عائض القرني

تحرير الإنسان قبل تحرير الأوطان

د. عائض القرني


لما بُعث الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان همه تحرير الإنسان من عبودية الطاغوت والسجود للصنم وإفراد الله تعالى بالألوهية والوحدانية. لقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة عشر سنوات يدعو إلى لا إله إلا الله، وهي تحرير للإنسان، ولم يسعَ لتحرير مكة البلد، بل تركها حتى عاد لها بعد عشر سنوات بجيش جرار فاتحا منتصرا.. كان عليه الصلاة والسلام، بالوحي المنزل عليه، يحرر الإنسان من عبوديته للإنسان أو أي كائن من كان ليكون عبدا فحسب للرحمن الذي خلقه ورزقه وتولى أمره فأنقذ بدعوته بلال بن رباح الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي من سياط التعذيب والاستبداد والاستعباد التي كان يمارسها عليهم الطغاة المتسلطون، وهو يعلن ألا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى وأن أكرم الخليقة عند الله أتقاهم وأن الناس سواسية كأسنان المشط، وطبقت هذه التعاليم في دولة النبوة والخلافة الراشدة، فيتولى زيد بن حارثة وابنه أسامة، وهما من الموالي قبل الإسلام، قيادة جيش الإسلام في عهده، صلى الله عليه وسلم، ويجلد عمر بن الخطاب، أمام الناس، محمد بن عمرو بن العاص، ابن والي مصر؛ لأنه ضرب قبطيا ويقول له عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
وأصل فكرة الإسلام تقوم على الحرية؛ فمن بنوده: « لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ »، « لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ »، ولهذا يولد الإنسان حرا، ليس لأحد من البشر عليه عبودية، بل عبوديته لله وحده؛ لأن من تمام إنسانية الإنسان أن يكون حرا، الحرية المشروعة التي لا تعتدي على حريات الآخرين، حرا في نفسه ورزقه وعمله وقلمه، وحرا في فكره بضوابط الملة التي وافق عليها عقلاء العالم.

يقول أرسطو: ليست هناك حرية مطلقة إلا في الأذهان. وقصدي من هذا أن الإسلام حرر الإنسان قبل أن يحرر الأرض، فأعطاه قيمته وأشعره بإنسانيته وفتح له آفاق العطاء والإبداع والموهبة.. أما أتى حسان بن ثابت، وهو شاعر جاهلي كبير، فرحب به صلى الله عليه وسلم وقرب له منبره وحياه وحيا موهبته، ورحب بموهبة خالد بن الوليد في الشجاعة والإقدام وسلم له قيادة الجيش، ورحب بموهبة ثابت بن قيس في الخطابة وأقامه في الوفود منافحا عن الملة، وفتح باب الشورى، فكان صلى الله عليه وسلم يستشير الناس مع العلم أنه معصوم مؤيَّد بالوحي ولكن الله يقول له: « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ »، بل استشار صلى الله عليه وسلم حتى الجارية في قضية عائشة في صحيح البخاري، واستشار أم سلمة، زوجته، في الحديبية وأخذ برأيها، وأخذ عمر الفاروق برأي امرأة في المهر وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر؟ وماذا كان ينفع تحرير مكة الوطن، والإنسان الذي يعيش عليها مستعبَد مضطهد؟ وقد تفتح الأراضي وتوسع الأوطان، لكن البشر الذين يمشون على وجهها أرقاء أذلاء لأصنام الحجر، أو أوثان البشر، فكان مشروع الإسلام العظيم أن يحرر الإنسان في معتقده وفكره وكلمته وقلمه وموهبته ورزقه وكرامته، ليس للإنسان عليه عبودية، وإنما قد تكون هناك ولاية لمصلحة الإنسان نفسه؛ لتقوم حياته على النظام.. وهذه الولاية أو السلطة متفق عليها عند سائر الأمم، وهي عقد شراكة.

وفي كتاب أفلاطون «الجمهورية» جعل هذه الولاية هيكلا لتنظيم الحياة، وكذلك الفارابي في «المدينة الفاضلة» وتوينبي، المؤرخ الإنجليزي، في تاريخه، لكنها ليست عبودية، إنما هي تعاون في صنع الحياة، كالمؤسسة التي بها مدير وكاتب وحارس ومحاسب، وليس معنى ذلك أن أحدهم خالق والآخر مخلوق، كلا، بل هم بشر تحت حكم الله، سواسية أمام العدالة والمغانم والمغارم والحقوق والواجبات، والذين سقطوا من طغاة العالم وداستهم الجماهير بأقدامها إنما حصل لهم هذا الهوان لأنهم خالفوا سنة الله في حرية الإنسان وحقه في العيش الكريم والاستقلال بشخصيته وتنمية موهبته ومواصلة إبداعه.. فهم اختصروا الأمة في ذواتهم، وألغوا الأصوات إلا أصواتهم فصادروا الآراء إلا آراءهم وشطبوا الصور إلا صورهم، ولهذا شنع الله على فرعون الطاغية اللعين المستبد وذكر قوله السخيف؛ حيث يقول لرعيته: «مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى»، ومعناه: فكروا جميعا بعقلي وتكلموا بلساني وعيشوا من أجلي وموتوا لبقائي، ولهذا يقول الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد»: إن الموهبة والنبوغ والقدرات العقلية تقتل في عهد الاستبداد، إن مكتشف القنبلة الذرية في الولايات المتحدة كافأه الرئيس الأميركي تورمان بأرفع الأوسمة وأثمن الجوائز وصار شخصية لامعة في تاريخ أميركا، لكن المخترع في دول العالم الثالث والمكتشف يتعرض للمحاسبة والمساءلة؛ لأنه استخدم عقله وأظهر نبوغه. وقد حوكم جاليليو لما قال في دوران الأرض في ظل الاستبداد من قبل الكنيسة، وفي عصر الحرية كوفئ الكاتب راسل ولامارتين وفولتير وغيرهم من الكتاب واللامعين بأسماء شوارع وجامعات في فرنسا.

وحيثما ترى الأمة تقدر العلماء وتحترم الموهوبين فاعلم أنها صاعدة في سلم الرقي والتمدن، وإذا رأيتها تحاصر العقول وتلغي المواهب وتعتقل النبوغ فاعلم أن ريح الزمن سوف تهوي بها في مكان سحيق؛ لأنها خالفت حكمة الله وسنة الوجود وقانون الحياة، والفرق بين الأمم المتحضرة والمتمدنة والأمم المتخلفة الجاهلة هو مستوى حرية الإنسان.

عن الشرق الأوسط
 
التعديل الأخير:
لا تعلق الدر في أعناق الخنازير/د.عائض القرني

لا تعلق الدر في أعناق الخنازير

الدكتور عائض القرني

ذكر الحاكم في كتابه «المستدرك» أن عيسى عليه السلام مر بسفلة أنذال، فقيل له: ألا تعلّمهم؟ فقال عليه السلام: إن من الحكمة أن لا تعلق الدر بأعناق الخنازير .
تذكرتُ هذا القول وأنا أقرأ أخبار الملاحدة والزنادقة ومقالاتهم في الصحافة ومواقع الإنترنت، وأطالع كتب فلاسفة الباطنية الكافرين بالله، الصادّين عن سبيله، المخاصمين لرسله عليهم السلام، المعرضين عن الوحي، فأتذكر قول الله تعالى: ( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ )، ثم أقرأ نتاج فروخهم وكتابات أحفادهم، فإذا هم ذرية بعضها من بعض في الضلالة والانحراف، وأتصفح كتب وروايات بعض شياطين العرب الذين يلمزون الشريعة، ويحاربون الملة ويبغونها عوجا، ويتشدقون بكلام الفلاسفة، وينفرون من أحاديث البخاري ومسلم، ويعشقون أسماء سقراط وأفلاطون وأرسطو، ويهجرون أسماء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأقول في نفسي: ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون؟ لماذا ينخلعون من مجد العرب وشرف العرب وفخر العرب وهي الرسالة النبوية الخالدة؟ ماذا عندنا نحن العرب إذا لم نتشرف بالإسلام؟ ماذا نملك؟ ماذا نحمل للعالم؟ ما الذي نفاخر به الدنيا؟ ما الذي نباهي به شعوب الأرض إذا لم يكن الدين الخالص والوحي المقدس الذي بعث به سيد ولد آدم، رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟

إن هؤلاء العاقين يفعلون مع الرسالة المحمدية كما يفعل الجعلان مع الزهر، إنه يفر من رائحة العطر ويعشق رائحة الدنس والنتن، ثم أتذكر: ( لا تعلق الدر في أعناق الخنازير ).

ما الذي أعجب ملاحدة الفلاسفة وزنادقة الكتّاب في طرح (ماركس) و(غوته) و(ديكارت) و(كانت)، ولم يعجبهم علم (أبي حنيفة) و(مالك) و(الشافعي) و(أحمد بن حنبل)؟ ما الذي حملهم على الهيام بروايات التحلل والفجور والمجون، والتغني بأفكار الكفر ورفض الشرع، والاستهزاء بالأنبياء، وركوب موجة الزندقة والباطنية الجاحدة، والنظر بعين الازدراء إلى تراث الصدق والطهر، ونصوص القداسة والإيمان، وميثاق العلو والشرف، والحرية والعدل، والكرامة الإنسانية، الماثل في رسالة الإسلام؟ لكنني أتذكر: ( لا تعلق الدر في أعناق الخنازير ).

لماذا يرفض هؤلاء الأقزام الأزلام الأصنام مكة وزمزم والقبلة، واسم جبريل ومحمد، وغار حراء، والذكر الحكيم والسنة المطهرة، وبدر والفتح، وبيعة الرضوان، ثم يتجهون إلى موسكو وبكين، ويرددون اسم تولستوي وفولتير وهيجو ودانتي وغيرهم؟ لماذا تحب هذه الشرذمة الأفكار الطينية، والآراء الترابية، والمناهج الإبليسية، وتحارب الآيات الربانية، والأحاديث النبوية، والتعاليم الإسلامية؟ فأتذكر حينها: ( لا تعلق الدر في أعناق الخنازير ).

إن الواحد القهار - جل في علاه - شرف العرب وغير العرب بمبعث النبي الأمي الهاشمي القرشي العربي، صلى الله عليه وسلم، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب، وقدّر الله عليه الشقاء، وكتب عليه الخزي والعار، وأعد له الأغلال والنار، لا يريد هذا الشرف، ولا يحبذ طوق النجاة من الهلاك، ولا يركب سفينة الإنقاذ من الغرق، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كانوا لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ).

إنني أقرأ القرآن فيعمر الرضا نفسي، والسكينة روحي، والطمأنينة قلبي، وأشعر كأن الرحمة تحف بي، فأتساءل في نفسي: أي إكرام لي وأنا الإنسان المذنب المقصر الفقير، أن يخاطبني ربي بكلامه عن طريق رسوله، ليهديني ويصلح بالي، وينوِّر بصيرتي، ويُقوِّم منهجي، وينقذني من غضبه وعذابه وأليم عقابه، ويدخلني في رحمته؟ ثم أنظر في كلام هؤلاء المنحرفين الشاكين المدلسين الملبسين المردة الأدعياء، فأجد السخف والكذب والزور والبهتان والانحطاط، فاقرأ: ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ). إذن، فمن رفض الهداية، وأبى الطُهر، وأنكر البرهان، وهرب من الشرف، وأدبر عن إيمان، ثم أقبل بعدها على التمسح بأوثان البشر وأقدام الطواغيت، وقلب وجهه على أحذية الملاحدة الخونة، فدعه في دنسه واتركه في رجسه: ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ ألَّا يَزَّكَّى )، وعليك أن لا تعلق الدر في أعناق الخنازير، لأن الخنزير خبيث النفس، خبيث الجسم، خبيث المأكل، خبيث المشرب، خبيث الرائحة، والخبيث لا يحب إلا الخبيث، ولا يهوى إلا الخبيث، ولا يعشق إلا الخبيث: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ )، أما أهل الإيمان، وعباد الرحمن، وحملة القرآن، وأتباع سيد ولد عدنان، فهم رواد الصدق وأنصار الحق وجنود الوحي؛ لأنهم طيبون، كلامهم طيب، وفعلهم طيب، ومعتقداتهم طيبة، ومطعمهم طيب، ومشربهم طيب، ومنقلبهم طيب: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ).

كارت أحمر لكل من يكتب إلحادا أو زندقة أو فجورا، مكتوب عليه ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ )، لافتة تحذير وإنذار لكل عدو للملّة وخصم للشريعة، سُجّل عليها: ( فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ).

عن الشرق الأوسط
 
أفي الله شك؟/د.عائض القرني

أفي الله شك؟

الدكتور عائض القرني

هذا الجزء من آية كريمة يهز الكون ويصيح في الأحياء يطلب منهم الإجابة بعدما عرض الله آياته الشرعية في كتابه المسطور وآياته الكونية في العالم المنظور. وللأستاذ حمد المرزوق كتاب بهذا العنوان «أفي الله شك؟»، أجاد فيه كل الإجادة وأورد أدلة علمية ونظرية وكونية ونقل عن كبار العلماء والفلاسفة ما شفى وكفى، وسبب تأليفه الكتاب أنه خلا بكتاب الله متدبرا ففتح عليه بإجابات صادقة عن أسئلة الحائرين، وأنا أدعو كل إنسان أن يطالع كتابين اثنين إلـهيين: كتاب الله المفتوح، وهو هذا الكون الهائل العظيم، وكتاب الله المشروح، وهو القرآن الكريم، وأنا أنصحك إذا أطلقت نظرك أن تُعمل فكرك وتسأل نفسك: من الذي خلق وأوجد وأبدع وصوَّر؟
لقد سافرت من جاكرتا شرقا إلى لوس أنجليس غربا، ومن جبال الكندوش بأفغانستان شمالا إلى سفوح إثيوبيا جنوبا، فوالله لقد شاهدت لوحة هائمة بالحسن من صنع الباري: بحار تتلاطم، وأمواج تتصارع، وجبال شاهقة كأنها أصابع تسبيح تشير بالوحدانية لله، وصحارى صامتة ممتدة، في جوفها أسرار وأخبار بمن مر على ثراها وسهول خضراء تملأ القلب بهجة والنفس رضا، مكثت في الطائرة قرابة ثماني ساعات في سماء المحيط الهادي في ليلة مقمرة وأنا أنظر من نافذة الطائرة: يا الله.. سكون رهيب، مرة أنظر في وجه القمر: حسن وسناء، ومرة أشاهد وجه المحيط: زرقة وبهاء، كون متسع.. أحيانا الساعات طويلة بالطيران بلا بشر، ومن هم البشر في كون الله الواسع؟ وما قدرتهم أمام قدرة الله الهائلة؟ سبحان من هذا ملكه.

ثم تعود لتفتح كتابه المسطور: قرآن يتلى ووحي منزَّل على نبي معصوم، فإذا بالقرآن يدلك على براهين الوحدانية في الأنفس، وآفاق في الديار والبحار والقفار والليل والنهار. المهم أن تغسل فؤادك من المعتقدات الترابية الخرافية الأرضية، وأن تكنس ذاكرتك من الأوهام والأفكار الرخيصة التافهة وتعمل بتوجيهات القرآن في التفكر والتأمل ليزداد إيمانك ويعظم يقينك، وكبار علماء العالم أذعنوا لحقيقة وجود الله تعالى، والمطلوب توحيده سبحانه بالعبادة على منهج شرع الله، وأطالع كتاب «الله يتجلى في عصر العلم»، وكتاب «الطب محراب الإيمان»، وكتاب «الإنسان لا يقوم وحده»، وكتاب «الإنسان ذلك المجهول»، فأعجب من سخف الملاحدة وحمقهم، فهم يركبون رؤوسهم في غباء لينكروا نواميس الكون وبراهين الوحدانية وأدلة قدرة الله تعالى، شاهدنا جبالا من السحب تحتنا ونحن في الطائرة يسوقها الله بالرياح سوقا لبلد ميت ليسقيه، ثم يخبرك القرآن بهذا المشهد مفصلا، رأيت الطير والبهائم والزواحف والأسماك والحشرات كلها تطلب الرزق وتصارع من أجل البقاء وقد أرشدها الله لطرق عيشها « الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى »، هناك نملة تجاهد وتحمل الحبة إلى بيتها ثم تفقسها لئلا تنبت ثم تضعها في المخزن، فمن الذي علمها؟ إنه الله العلي القدير، وهناك نحلة ترحل بين الزهور وتطوف على البساتين ترشف أحلى الثمر والطلع لتصبه عسلا مصفى في خلية قامت بصنع بناء هندسي وشركة عاملة بتخصصات متعددة، وهناك طائر يبني عشه بمنقاره ثم يضع فيه بيضه ثم يطعم فراخه حتى تستأنف الحياة، فمن الذي أرشد وألهم؟ إنه اللطيف الخبير من الذي رتب المجرات، ونظم الكواكب كل شيء بدقة وحكمة «
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» الرياح، الأمطار، الثمار، الحرارة، البرودة، الفصول، الليل، النهار، الكل بتقدير ونظام وإتقان، بلا زيادة ولا نقصان، فسبحان الملك الديان، افتحوا أبصاركم أيها الناس وبصائركم وتأملوا في جمال الصنع وإتقانه ووقته وحسن الخلق ونظامه ولطفه ثم قولوا: « رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ».

عن الشرق الأوسط
 
الربيع النبوي قبل الربيع العربي/د. عائض القرني


الربيع النبوي قبل الربيع العربي

الدكتور عائض القرني

بُعث رسولنا صلى الله عليه وسلم بربيع القلوب وهو القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي كان يدعو ربه فيقول: « اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا »، وهذا الربيع عاشت في ظلاله الأمة الإسلامية قرونا تفتح به بالعالم وتملأ به الكون وتعمر به الدنيا رحمة وسلاما وعدلا وإنصافا ومشروع إنقاذ وحركة إصلاح لا تتوقف وهذا الربيع العربي القرآني هو الذي أسقط كسرى الجائر من على عرشه وأنزل قيصر الظالم من فوق كرسيّه وحطّم أصنام الوثنية وهشّم رؤوس الضلال وأنهى عهود الاستبداد، وهو الربيع بحق لأنه ربيع للقلوب يطرد عنها همها وغمها وحزنها وكدرها ويملأها انشراحا وسكينة ورضا وطمأنينة ويزرع في الصدور حدائق الأمل والبشرى وبساتين الفأل والفرح والأمن ويبني في العقول قصور المجد والعزة والكرامة، إن الربيع النبوي لا يطلب فحسب إزالة حاكم مستبد ظالم من بقعة محددة ولكنه يسعى لإزالة كل المستبدين وإزاحة كل الظالمين والمساواة والعدل بين عباد رب العالمين، إن ربيع القرآن يطارد في النفس الشك والشرك والشبهات والشهوات ويغرس مكانها الإيمان واليقين والاعتقاد الصحيح والتسليم لأمر الله والرضا بقضائه والفرح بنعمته والصبر على أقداره والشكر على آلائه، الربيع النبوي فيه معالم الثورة العالمية ضد الأصنام والأزلام والأقزام ودستور الربيع النبوي هو القرآن والسنة وهو ربيع كل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان وهو مطلب الجميع ومقصد الجميع وأي نظام لا يقوم على الربيع النبوي نظام فاشل ومحبط وناقص وأي فكرة لا تقوم على الربيع النبوي فكرة جائرة مزورة آثمة وأي حركة تصحيحية إصلاحية وإن زعمت ذلك لا تقوم على الربيع النبوي نهايتها إلى البوار والدمار والنار: « فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ »، نريد من إعلامنا ودعاتنا وكتّابنا وساستنا أن يعيدونا إلى الربيع النبوي وأن يحذو الربيع العربي حذو ذاك الربيع النبوي عقيدة وفكرا ومنهجا وعملا وأخلاقا وآدابا، إن الربيع النبوي أعظم حدث وقع في التاريخ وهو الذي غيّر المسار الأممي لشعوب وأثّر في دورة التاريخ وقامت من أجله غزوات ومعارك وأنتج هذا الربيع أمما من العلماء والشهداء والحكماء والأدباء والفلاسفة والشعراء والأطباء وغيرهم من رموز حركة النهضة والتعمير والتنوير في تاريخ الإسلام العظيم، وأي مصلح أو مجدد أو إمام إنما اكتسب القبول والمكانة لانتسابه للربيع النبوي كالخلفاء الراشدين والقادة المصلحين وزعماء الإصلاح والتجديد كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن تيمية والغزالي وابن عبد الوهاب وغيرهم وسواهم إنما رحّبت بهم الأمة لأنهم استفادوا من مدرسة ذاك الربيع المبارك، وإنما عظم قدر خالد بن الوليد وموسى بن نصير وقتيبة بن مسلم والقعقاع بن عمرو وصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح ومن سار مسيرهم وإنما حيّتهم الأمة بسبب انتمائهم الصادق لتعاليم الربيع النبوي، وكل من عادته الأمة الإسلامية شرقا وغربا من الأفراد والمجتمعات ليس إلا لأنهم خالفوا منهج الربيع النبوي كالقرامطة الباطنية والزنادقة الآثمين والملاحدة المشؤومين والفرق الضالة التي عقّت مسيرة الربيع النبوي وتنكّرت لنصوص هذا الربيع وشوّهت الدلالة الصحيحة لآيات وأحاديث هذا الربيع المشرق الوضّاء وكل من خالف أو عارض هذا الربيع النبوي باء بالإثم والخسران ولفظته الأمة وألغاه التاريخ ونبذته الأرض وتنكّرت له السماء وكُتب في سجل المبعدين المطرودين: « أَلاَ بُعْدا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ »، والربيع العربي الآن استفاد جمهوره وغالبيته من الربيع النبوي فحيّته غالب الشعوب ولهذا صوّت الشعب العربي للإسلام واختار الإسلام نظام حياة ودستور دولة بعد أن جرّب القوانين الوضعية الأرضية، ولا سواء دستور من رب العالمين، ودستورٌ من الطين، وشريعة من أحكم الحاكمين، وشريعة أملاها عبد أصله ماء مهين: « كتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ».

عن الشرق الأوسط
 
الإسلام دين الوسطية/د.عائض القرني


الإسلام دين الوسطية

الدكتور عائض القرني

مدح الله الأمة الإسلامية بالوسطية فقال: « وكذلك جعلناكم أمة وسطا »، فهي وسط بين الغالي والجافي والمفرط والمفرّط، فالنصارى ألّهوا أنبياءهم وادّعوا أن عيسى ابن الله وأن الله ثالث ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، واليهود قتلوا أنبياءهم، وتوسط المسلمون؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، نوقّره ونقدّره ونحبه ونتبعه، لكننا لا نجفو في حقه ولا نؤلهه ولا نغلو في وصفه، ومن الأمم من وقع في الملاذّ حتى تعدى إلى الحرام وأكل السحت والربا وأفرط في حق الجسم على حساب الروح، وقابلهم قومٌ عذّبوا أنفسهم وشقوا عليها بالرهبانية المحرّفة والتجويع والسهر وسكون الأديرة والكهوف والقعود عن أسباب العيش والكسب الحلال، وحرّموا على أنفسهم الطيبات، وتوسط أهل الإسلام فأعطوا الجسم حقه والروح حقها، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: « لكني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنّتي فليس مني ». وفي باب الفكر، توسط أهل الإسلام بين الفلاسفة والماديين، فالفلاسفة ذهب بهم الخيال وجنح بهم الفكر إلى غيبيات لا سبيل للعلم بها إلا بالوحي، فضلّت أقيستهم وطاشت سهام أفكارهم، وقابلهم الماديون ففكروا في شهوات الجسم والملاذ المؤقتة وحجبوا عقولهم عن العلم النافع والمعرفة الصحيحة، وتوسط أهل الإسلام، فأعملوا أفكارهم في خلق السماوات والأرض وفي نصوص الكتاب والسنّة، فزاد إيمانهم بربهم واتباعهم لرسولهم، صلى الله عليه وسلم، وهكذا على مسيرة تاريخ البشرية، ما من طائفة تغلو في مسألة إلا قابلتها طائفة جافية في هذه المسألة، وتجد أهل الإسلام وسطا في هذه المسألة، ثم إن أهل السنة وسط بين الطوائف كوسطية أهل الإسلام بين الأمم، فهم وسط في باب الأسماء والصفات، بين مَن عطّل الأسماء والصفات ونفى معانيها وبين من شبّه الله سبحانه وتعالى بخلقه، فأهل السنة أثبتوا لله الأسماء الحسنى والصفات العلى التي أثبتها لنفسه، من غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير »، وهم وسط في باب الوعد والوعيد، بين من كفّر المسلمين بالكبائر وبين من قال إنه لا يضر مع الإيمان ذنب، فأثبتوا نقص إيمان صاحب الكبيرة وفسقه بكبيرته وعدم خروجه من الإسلام بالذنب، وهو تحت مشيئة الله إن شاء رحمه وإن شاء عذّبه، وهم وسط في باب القضاء والقدر بين من نفى القدر أصلا وبين من قال بأن العبد مجبور وليس له مشيئة ولا اختيار، فتوسط أهل السنة وقالوا كل شيء بقضاء وقدر وللعبد مشيئة تحت مشيئة الله وله اختيار بعد اختيار الله، وهم وسط في أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، بين من جفاهم وهضمهم حقهم وأبغضهم وقاتلهم وبين من غلا في حبهم وادّعى في بعضهم العصمة، فتوسط أهل السنة، فعرفوا حقهم وأحبوهم لمكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولوهم وذبوا عنهم، ولكنهم لم يغلوا فيهم بل أنزلوهم المنزلة الشرعية اللائقة بهم، وهم وسط في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، بين من ناصبهم العداء وشتمهم وسبّهم وبين من غلا فيهم ورفعهم إلى منزلة النبوّة أو بعضهم وادّعى عصمة أناسٍ منهم، فتوسط أهل السنة بمعرفة حق الصحابة والتّرضي عنهم وعدم الخوض فيما شجر بينهم والدعاء لهم والتنويه بذكرهم ومعرفة مقاماتهم الجليلة في الإسلام، وتوسطوا في باب العلم، بين من أعرض عن العلم وأهمل المعرفة ورضي بحظوظه الدنيوية وبين من جعل العلم إلها يُعبد من دون الله فجعل الوسائل مقاصد وصار علمه علم الظاهر من الحياة الدنيا، فتوسط أهل العلم والإيمان في ذلك، فطلبوا العلم النافع من علوم الدنيا والآخرة وجعلوه وسيلة لرضوان الله والفوز بجنته وعمار الدنيا وإصلاح النفس والمجتمع، وهذه هي الربانيّة في الإسلام، وتوسطوا في معاملة الحاكم، بين من خرج عليه بالسيف ونابذه وقاتله فجرّ ويلات من الفتن والدماء وبين من رضي منكره وسكت عن ظلمه، فأهل السنة يناصحون الحاكم المسلم النصيحة الشرعية ولا يخرجون عليه ما لم يرتكب مكفّرا ولا يرضون بظلمه ولا يقرونه على المنكر، بل يسلكون السبيل الشرعي الذي سلكه أئمة الإسلام مع حكام عصرهم، وكان الكثير منهم مسلمين ظلمة، وهذا منهج أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد، فالواجب على المسلم دراسة هذا المنهج الوسطي، وأفيد كتب في هذا الباب هي كتب المحدثين كأصحاب الكتب الستة، وأحسن من نظّر هذه المسائل في كتبه هو شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله.

عن الشرق الأوسط
 
رد: الإسلام دين الوسطية/د.عائض القرني


تعليق على الموضوع منقول عن أحد المنتديات
الإسلام دين الوسطية في كل شيء فهو وسط بين الإفراط والتفريط وبين الغلو والتهاون، فالوسطية في الإسلام إذا منهج في الحياة، والأخلاق، والعلاقات الفردية والجماعية، وكذا في العبادات
الوسطية في الإنفاق: ويد عليه، قول الله تعالى: ﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾ [الإسراء:29]. وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾ [الفرقان:67].
الوسطية في الحب والبغض: عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: " أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما, وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبيك يوما ما"(
الوسطية في احترام الآخرين وحسن إقامة العلاقة معهم وتوقيرهم: فالإسلام ينهى عن القطيعة والهجر، كما جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام "(8)، كما يحرم الإسلام الغلو في التعظيم، فقد روي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله
الوسطية في التعامل مع العدو: نهى الإسلام عن الظلم، والبغي حتى مع العدو، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الشورى:42]، وقال سبحانه: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة:8]، وأعطى الحق للمظلوم حتي ينتصر فقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى:39]، وقال: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى:41]، وجعل من صفات المنافق مجاوزة الحد في الخصومة، ففي الحديث: "وإذا خاصم فجر"
 
رد: نعم للإسلام.. لا للطوائف والمذاهب/د.عائض القرني

فلنتعلم من هذا الإمام
بل ملة إبراهيم حنيفاً و ما كان من المشركين
 
الرسول صلى الله عليه وسلم ترك رجالا ولم يترك أموالا/د. عائض القرني


الرسول صلى الله عليه وسلم ترك رجالا ولم يترك أموالا

الدكتور عائض القرني



مات الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعدما أنزل الله عليه آخر آية من القرآن نزولا: « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا » وقد تمت الشريعة وكملت الملة وربَّى صلى الله عليه وسلم رجالا هم أئمة الأمة إلى قيام الساعة، منهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ونجوم الفقهاء وشيوخ التفسير وأبطال الجهاد وأعلام الزهد.. وهؤلاء الصحابة الذين علمهم صلى الله عليه وسلم ورباهم هم أساتذة الفتوح وقادة المجد الإسلامي وقدوة الأجيال اللاحقة عبر القرون في تاريخ الإسلام الطويل. ويوم مات الرسول، صلى الله عليه وسلم، كانت درعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير، ولم يترك درهما ولا دينارا، ولم يرث منه بناته وقرابته شيئا؛ لأنه القائل: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث.. ما تركناه صدقة »، ومات في غرفة من طين كانت قبره صلى الله عليه وسلم، فلم يترك دارا ولا قصرا ولا بستانا ولا كنزا، بل ذهب من الدنيا كما أتى تماما، لكنه ترك منهجا ربانيا وعقيدة عظيمة وسنة مطهرة ودولة إسلامية وجيلا مؤمنا ورسالة ربانية محمدية لا يدفنها الدهر ولا تمحوها الريح ولا يغسلها الماء ولا تغفلها الأيام، ربى أبا بكر الصديق آية في الصدق والإيمان والتضحية، وعلَّم عمر بن الخطاب أستاذ العدل وإمام الحزم وفاروق الإسلام، وأخرج عثمان بن عفان الرباني حامل القرآن السخي الجواد، ودرب علي بن أبي طالب الإمام المرتضى والسيف المنتضى بحر العلوم ورجل المواقف، وابن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة، وأبي بن كعب سيد القراء، ومعاذ بن جبل قائد العلماء إلى الجنة، وأبا ذر الغفاري أصدق من مشى على الغبراء، وسعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن، وخالد بن الوليد سيف الله المسلول، الذي ما هُزم في معركة قط.. وغيرهم الألوف ممن حملوا مشاعل النور وكانت صدورهم مصاحف في الصدق والصبر والصلاح. ولهذا السبب كانت حضارة الإسلام هي الأبقى والأتقى والأنقى على طول الزمان؛ لأنها تركت أفكارا ومثلا عليا وأخلاقا راقية وشمائل طاهرة وصفات زكية وتعاليم ربانية، بينما الحضارات الأخرى قامت على الاستيلاء وحقوق البدن وإشباع الرغبات والنزوات.
لقد ترك كسرى وقيصر هياكل وقصورا ودورا وبساتين بلا أخلاق ولا عدل ولا صدق، فاجتاحتها جيوش الإسلام الفاتحة، وترك الفراعنة أهراما وجسورا وصورا وتماثيل لكن بلا علم نافع ولا عمل صالح ولا إنصاف ولا مساواة، فدخل الإسلام بنوره وعدله فبقي الإسلام وذهبت الآثار الأرضية الترابية، والإسلام يهتم بالبناء والتعمير، لكنه يبدأ بعمار الروح وبناء النفوس وتثقيف العقول وتزكية القلوب وتطهير الضمائر، وبعدها يبني حضارة الإنسان ويهتم بمسكنه ومطعمه وملبسه وصناعته وفلاحته.

كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يسكن غرفة صغيرة من طين، ولكن من هذه الغرفة أرسل نور الهداية للعالم، وأطلق شمس العدل في المعمورة وبث ضياء الإيمان في الكون، في هذه الغرفة نزل جبريل بالذكر الحكيم والمنهج القويم على النبي الكريم، في هذه الغرفة بُنيت معالم الدولة الإسلامية العادلة الرشيدة، وقُضي على الظلم والاستبداد والجهل والأمية.

لما بعث الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان الناس بحاجة إلى بيوت مشيدة وطرق معبدة ومزارع خصبة ومعامل للخياطة والنساجة والحدادة، لكنه، صلى الله عليه وسلم، بدأ بالإنسان أولا، واستثمر في الإنسان، ووجَّه نوره وتعاليمه إلى قلب هذا الإنسان؛ لأن الإنسان إذا صلح واستنار قلبه وتثقف عقله وارتفعت همته سوف يقوم ببناء الحياة وإصلاح الدنيا على أكمل وجه، وماذا ينفع مصنع ومعمل وشركة وملعب وميدان وحديقة يعيش فيها فجرة أشقياء، ومردة أغبياء، وظلمة أدعياء؟! إنهم سوف يخربون العمار، ويفسدون الديار، ويهدمون الأمصار، لكن يوم تصلح الفرد وتربي الجيل وتهدي البشر إلى الإيمان والعدل والرحمة والحرية والسلام تترك أمة تبني الحضارة بجدارة وتعمر الدنيا بذكاء، ولهذا لما ترك الرسول، صلى الله عليه وسلم، للعالم هذا الرعيل الأول لم تمضِ عشرات السنوات إلا وحضارة الإسلام تشرق بنورها على أوروبا وتبزغ بشمسها على سهول الهند والسند وتفتح بقوافل العلماء والفقهاء والمصلحين أدغال أفريقيا وفيافي طاشقند وسمرقند ونهاوند، ولو أتت أمة قاهرة فحطمت كل عمارة أو بناء إسلامي لما استطاعت أن تمحو حضارة وثقافة الإسلام وما تركه في النفوس والعقول من الإيمان والعلم والمعرفة قال تعالى: « يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ».

قال شوقي يمدح حضارة الإسلام:

كانوا ملوكا سرير الشرق قبلتهم * فهل سألت سرير الغرب ما كانوا؟

عالين كالشمس في علياء دولتهم * في كل أرض لهم حكم وسلطان​

عن الشرق الأوسط
 
التعديل الأخير:
وإذا مرضت فهو يشفين/د.عائض القرني


وإذا مرضت فهو يشفين

الدكتور عائض القرني

قال أبي الطيب المتنبي في مرض سيف الدولة:


المَجدُ عوفِي إِذ عوفِيتَ وَالكَرَمُ * وَزالَ عَنكَ إِلى أَعدائِكَ الأَلَمُ
وَما أَخُصُّكَ في بُرءٍ بِتَهنِئَةٍ * إِذا سَلِمتَ فَكُلُّ الناسِ قَد سَلِموا​

ومن ألطف ما قيل في المرض قول الشهرزوري الشاعر الأعجوبة:


مَرِضَ الْحَبِيبُ فعدتُّه * فَمَرِضْتُ ِمْن خَوْفِي عَلَيهْ
وَأَتَى الْحَبِيبُ يَزُورُنِي * فَشَفِيتُ مِنْ نَظَرِي إِلَيهْ​

ودخل الصحابة على أبي بكر الصديق وهو مريض فقالوا «ألا ندعو لك طبيبا؟»، فقال «الطبيب قد رآني»، فقالوا «ماذا قال؟»، قال «إني فعال لما أريد»، فنظمها بعضهم فقال:

كيف أشكو إلى طبيبي ما بي * والذي قد أصابني من طبيبي ؟​

ومن أجمل قصائد المتنبي على الإطلاق ميمية الحمى الرائعة الذائعة التي يقول فيها:

وزائِرَتي كَأَنَّ بها حَياءً * فَلَيسَ تَزورُ إِلا في الظَلامِ
بَذَلتُ لَها المَطارِفَ وَالحَشايا * فَعافَتها وَباتَت في عِظامي
أَبِنتَ الدَهرِ عِندي كُلُّ بِنتٍ * فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِحامِ ؟​

والمرض تنبيه وكفارة وطهارة وتذكير بالصحة وكسر للنفس الأمّارة، وهو في حق المؤمن أجر ومثوبة وتطهير من الخطايا وحط من السيئات كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم « لا يصيب المؤمن من هم ولا وصب ولا نصب ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله به من خطاياه » (متفق عليه).. والمرض في القرآن ثلاثة أقسام: مرض شبهة ومرض شهوة ومرض بدن.. فمرض الشبهة هو مرض الكفر والنفاق كما قال تعالى « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا »، ومرض الشهوة هو مرض التطلع للفواحش كما قال تعالى « فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ »، أما مرض البدن ففي قوله تعالى « فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ »، وأشدها وأفتكها وأخطرها مرض الشبهة لأن مصير صاحبه إلى النار، ومرض الشهوة يرجى لصاحبه العافية بالتوبة، أما مرض البدن فأجر وعافية ورحمة وطهارة وغسول وكفّارة، وأقول للمرضى على الأسرة البيضاء: لا بأس طهور إن شاء الله.. نسأل الله لكم العافية والشفاء العاجل مع الأجر الآجل.. ونقول للأصحاء حافظوا على الصحة بطاعة الله واجتناب ما يضاد الصحة وما يحارب العافية من مطعوم ومشروب، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، واسألوا الله العفو والعافية.

مقتطعة من مقالة في الشرق الأوسط
 
التعديل الأخير:
هل في السلفية تقية؟ الدكتور عائض القرني

هل في السلفية تقية؟

الدكتور عائض القرني

إذا كتبنا عن منهج السلفية علّق علينا البعض بأن هذه تقية منا، وما الحامل لنا على التقية؟ وما الداعي لأن نتنكّر للسلفية في الباطن ونقر بها في الظاهر؟ ونحن والحمد لله عشنا على منهج السلفية من الطفولة إلى الشيخوخة اعتقادا ودراسةً وتعليما فوجدناها كالماء الزلال والعسل المصفّى ثم إن من يقرأ مذهب السلف ويقارنه بغيره يظهر له الفرق الواضح والبون الشاسع بين الحق والضلال والرشد والغي، فمذهب السلف يقوم على العلم بالحق والعدل مع الخلق وليس فيه غموض ولا التباس ولا تزوير ولا تدليس لأنه هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في المعتقد والعبادة والأخلاق والآداب، وقد تعلّمنا عدم التعصّب للأشخاص من الأئمة والعلماء، بل طلب الحق بالدليل فالحق يُعرف ببرهانه لا بالرجال وليس عندنا معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام أما غيره من أفراد الأمة كائنا من كان فيؤخذ من كلامه ويُرد، ولكن العجب من الذين لا يقبلون الحق ممن قاله فإن تكلمنا في الأسماء والصفات على نهج السلف قالوا: لهم كلام آخر يناقض هذا الذي قالوه، وإن كتبنا في البيعة والولاية والطاعة على مذهب السلف قال البعض: هم على رأي الخوارج لكنهم كتبوا هذا تسترا وتقية، مع أنه لا يطلع على النيّات إلا الله ولا يعلم السرائر إلا الواحد القهّار، حتى سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم قبل من الناس ظاهرهم ووكل سرائرهم إلى الله وقال: « إني لم أومر ببقر بطون الناس ولا بشق قلوبهم »، والسلفية عندنا لم نعتقدها بالإكراه بل بالرضا والحب والإقناع فدراستنا في الابتدائية والإعدادي والتوجيهي والجامعة والماجستير والدكتوراه كلها على كتب السلف بالأدلة الشرعيّة من الكتاب والسنة مع دراسة أقوال المخالفين لهم بأدلتها ومناقشة ذلك بالدليل والبرهان والمنهج العلمي، فما هو الحامل لمن هذا منهجه أن يستبطن غير ما يظهر وأن يُسرّ غير ما يعلن، وفي مجتمع المسلمين أصلا من يتظاهر بالكفر جهارا نهارا ومنهم من يستهزئ بالدّين عيانا بيانا وهو على غي وضلالة وانحراف وجهالة ومع ذلك لم يخف أحدا ولم يخجل من بشر ولم يراقب خالقا فكيف يأتي طالب علم شاب رأسه في طلب الدليل وسلوك الجادة وتحصيل الحق ليُعلن للناس خوفا منهم ما لا يعتقده أصلا، ولقد عرفتُ في حياتي من ينكر القرآن جملةً وتفصيلا ويرى أنه ليس من عند الله وسمعتُ من يرد السّنة كلها ويكتب ذلك ويؤلف فيه مجاهرا به غير مستخفٍ ولا متستّر مع قلة الأعوان ومظنّة المحاسبة والعقاب ولكنه يستمر على غيّه من غير وازع ويثبت على ضلاله بلا رادع، فإذا جاء من اقتنع بالنهج الصحيح والمذهب السليم وأعلن ذلك اتُهم بأن ذلك من باب التقيّة ليسلم من مغبّة ذلك وينجو من عاقبة ما قال مع أنه إلى الأمن أقرب وإلى السلامة أرجى، وأنا آمل من كل من له ضمير من أبناء الملّة وأتباع الديانة أن يأتي هو لدراسة منهج السلف من أصوله المعتبرة كتابا وسنّة صحيحة ويقرأ ما كتبه علماء القرون الثلاثة الأولى: الصحابة والتابعين وتابعيهم رائده في ذلك طلب الحق وتجريد النيّة لمرضاة الله والإلحاح في الدعاء واللجأ الصادق إلى علاّم الغيوب ومفرج الكروب في أن يلهمه رشده ويقيه شرّ نفسه بعدها سوف يُدرك عظيم المنّة في الهداية إلى الصراط المستقيم والنهج القويم ويعلم أن ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو ما يريده الله من عباده وما أمرهم الله به وما نهاهم عن سواه حينها يعض عليه بالنواجذ ويشرب في قلبه حبّ هذا النهج الربّاني والهدي النبوي ويرى أنه المقصود بهذه الآية الفريدة في كل ركعة من الصلاة: ( اهدنا الصراط المستقيم )، وهو اعتقاد الحق والقول به والعمل به في الإيمان والإسلام والإحسان وكل شأن من شؤون الدنيا والآخرة وهذا الصراط هو الذي تركنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعانا إليه وحذّرنا مما سواه ولسنا هنا نلزم الناس ونوجب عليهم مذهب الأحناف أو المالكية أو الشافعية أو الحنابلة فهذه المذاهب مذاهب فقهية يختلف أصحابها في الفروع وهم مأجورون على الاجتهاد مشكورون على النصيحة للأمة، وإنما الواجب اتباع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وحده كما قال صلى الله عليه وسلم: « من رغب عن سنّتي فليس مني »، وقوله: « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي ».

عن الشرق الأوسط
 
لن بحترق القرآن/د. عائض القرني

لن يحترق القرآن


الدكتور عائض القرني


كل مؤلَّف له عنوان، والقرآن كتاب الرحمن، كل مؤلِّف إذا ألَّف كتابا، أو دبّج خطابا، اعتذر في مقدمته إذا خالف صوابا، إلا الله فإنه تحدّى فقال:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ.......... » البقرة (آية:2)،
فعجز الكل عن مجاراته، تقرأ المصنَّفات وتطالع المؤلَّفات، وتسمع القصائد، وتعجبك الفوائد، وتشجيك الشوارد، ثم تسمع القرآن المرتَّل، فإذا هو الأكمل والأجمل والأنبل. قرآن يخاطب النفْس فتخشع، والقلب فيخضع، والروح فتقنع، والأذن فتسمع، والعين فتدمع، ولو نزل على صخر لتصدّع. له حلاوة وعليه طلاوة، لا يشبع منه العلماء، ولا يُروى منه الحكماء، أفحم الخطباء، وأخرس الفصحاء، وأسكت الشعراء، وأدهش الأذكياء، وتحدّى العرب العرباء، قوة برهان، وإشراق بيان، ووضوح حجة، واستقامة محجة، تتحاكم العقول إليه، ولا يقاس أي كتاب إليه، حارت الأذهان في وصفه، وعجبت البشرية من سبكه ورصفه،
«لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ......» فصلت (آية:42) ،
تلاوته تذهب أحزانك، وتثير أشجانك، وترفع شانك، وتثقل ميزانك، وتخسئ شيطانك، وتثبت إيمانك.
مصاحبته تُذهِب كل داء، وتطرد كل بلاء، وتُبيد كل شقاء، وتدفع كل ضرّاء، وتُزيل كل بأساء، وهو هدى وشفاء.

مسامرته حياة، واتباعه نجاة، واقتفاؤه صلاح، واتباعه فلاح، والعمل به نجاح، قارئه ينتظر الرحمات، ويرتقب البركات، وكل حرف بعشر حسنات، يبهر العقل، ويرفع الجهل، وهو فصل ليس بالهزل، حُسن نظام، وجميل إحكام، ودقة انسجام، هو كتاب الرحمة، ودستور الحكمة، والطريق إلى كل نعمة، والصارف لكل نقمة، أذهل العرب، هيمن على الكتب، أتى بالعجب، كشف الحجب، سحق النصب، علّم الأدب، بيّن حلاله وحرامه، وبديعه وأحكامه.

القرآن مالُ مَن لا مالَ له، وعشيرة مَن لا عشيرة له، وذُخر مَن لا ذُخر له، وكنز مَن لا كنز له، هو السلوة في الغربة، والأنيس في الوحشة، والعزاء عن كل أحد، والجلاء لكل ريب، والشفاء لكل مرض، والدواء لكل داء، سمير وأنيس، صاحب وجليس، تلاوته أجر، وحروفه حسنات، ومطالعته بركات، وتدبّره رحمات، والعمل به نجاة، والتحاكم إليه فلاح، والرضا به سعادة، والاستغناء به ثروة، ومصاحبته غنيمة، شافع مشفَّع، وصاحب مقبول، وناصح أمين، ورفيق موافق، ومحدِّث ماتع، هدى لا ضلالة بَعده، ونور لا ظلمة فيه، وشفاء لا سقم عنده، يؤنسك في القبر، يحفظك في الحشر، ينجيك على الصراط، يوصلك إلى الجنة، يبعدك عن النار، يحميك من غضب الجبار، يُذهب همّك، يجلو غمّك، يزيل تعبك، يطرد نصبك، يشرح صدرك، يرفع ذكرك، يُعلي قَدرك، هو قُرّة العيون، وسلوة القلوب، وبهجة النفوس، وحلية الأولياء، ومأدبة العلماء، يعصم من الغيّ، يحمي من الضلالة، يحصِّن من الجهالة، يمنع من الغِواية. قلبٌ بلا قرآنٍ ملعونٌ، وعبدٌ بلا قرآنٍ مخذولٌ، وعينٌ بلا قرآنٍ خائنةٌ، ويدٌ بلا قرآنٍ جانيةٌ، وأذنٌ بلا قرآنٍ آثمةٌ، وقلمٌ بلا قرآنٍ ماردٌ، وصحيفةٌ بلا قرآنٍ لاغيةٌ، وحفلٌ بلا قرآنٍ زورٌ، ومجلسٌ بلا قرآنٍ لهوٌ، وحديثٌ بلا قرآنٍ لغوٌ، وكاتبٌ بلا قرآنٍ أفّاكٌ، وشاعرٌ بلا قرآنٍ كذابٌ، وتاجرٌ بلا قرآنٍ غشاشٌ، وحياةٌ بلا قرآنٍ موتٌ، وحضارةٌ بلا قرآنٍ لعنةٌ، وثقافةٌ بلا قرآنٍ مهزلةٌ.

القرآن كلام الله، وأمانة جبريل، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ودستور أمة، ومنهج حياة، ومشروع حضارة، ومنطلق دعوة، ووثيقة إصلاح، وحلّ لمشكلات البشرية، وشفاء لأسقام الإنسانية، طُهرٌ للضمائر، وعمارةٌ للسرائر، وهدى للناس، وبشرى للمؤمنين، ودعوةٌ للعالَم، وغيثٌ لأهل الأرض، فيه قصة الإنسان، ومسيرة الخلق، وتوحيد الخالق، وصفات الرسل، وخبر الملائكة، ونعيم الجنة، وعذاب النار، وهو رسالة السماء إلى الأرض، وخاتم الكتب، ومعجزة النبوّة، وأعجوبة الدهر، ونبأ الغيب، وحديث الآخرة، صِدقٌ في الخبر، عدلٌ في الحُكم، وسطٌ في الطريقة، صحةٌ في المثل، إعجازٌ في القول، حسنٌ في الحديث، جمالٌ في السبك، قوةٌ في الحجة، إشراقٌ في البيان، سدادٌ في النصح:
«كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»هود (آية:1)،
وهو المعجزة الخالدة، والمجد الباقي، والشرف المنيف.

هو الشافي الكافي، الجامع الشافع، فيه خبر القرون، وقصة فرعون وهامان وقارون، وحديث ثمود وعاد، وإرم ذات العماد، وفيه ذكر الأنبياء، وصفات الأولياء، وخاتمة الشهداء، ونعيم السعداء، وعذاب الأشقياء، ومصير الأبرار، ونهاية الفُجّار، وعدٌ ووعيد، وبشارةٌ وتهديد، وجنّةٌ ونار، وفوزٌ وبَوار، تحدّى بالذُّباب، وضرب المثل بالبعوضة، وشبّه بالعنكبوت، وتحدّث عن النملة، وأعجز بالنحلة، وأهلك بالناقة، وشبّه بالحمار، وأفحم بالبقرة، وقصّ بالغراب، فيه الفاتحة الكافية الشافية الصافية الوافية، وفيه البقرة الحافلة بالأحكام، والحلال والحرام، في أبدع نظام وأروع كلام، وفيه المنجية من عذاب القبر وهول الحشر، وضيق الصدر، وفيه آية الكرسي الحافظة من كل شيطان، والمانعة من كل غيّ، الحارسة من كل مارد، الحامية من كل رجس.

فيه سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن، ومدح الديّان، والثناء على ذي العزة والسلطان، وفيه المعوّذات والمحصِّنات من الشرور والسيئات، تلاوته تكفّر الخطيئات، وتطهّر من السيئات، وقراءته تستجلب رضا من أنزله، ومحبة من تكلّم به، فهو الكتاب الذي بزّ الكتب بيانا، وفاقها فصاحةً، يدفع الشكّ باليقين، والوهم بالحقيقة، والجهل بالعلم، والشبهة بالبرهان، فهو زاد العبد الصادق في سفر الحياة، وهو قوتُ القلب المؤمن في رحلة العمر، وهو متعة العقل الحصيف، ومَدَد الإنسان الضعيف، أحرفٌ من النور تكشف زيف الباطل، وكلماتٌ من الطهر تجتاح معاقل البهتان، وفيضٌ من القداسة يروي ظمأ الروح، يُقال لصاحبه في الجنة:
«اقرأ وارتق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها» حسنه الالبانى ،
وفي الحديث:
« اقرؤوا القرآن . فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه » صحيح مسلم ، و
«خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ..... » صحيح البخارى ،
والقرآن حجة لك أو عليك، فطوبى لمن صاحَب القرآن، ورافقه وأحبّه وتلاه وتدبّره وأنِس به، واسترشد بوعظه، واهتدى بهداه، وعكف عليه، وتغنّى به، وأحيا به ليله، وأجرى به دمعه، وأذهب به همّه، وأزال به غمّه، وطرد به حزنه، وكفّر به ذنبه، وأبرد به لهيب روحه، وسكّن به خوفه، فهذا هو السعيد الناجي، والفائز الظافر، والولي الصادق، فهذا القرآن هو مأدبة الله وضيافته ومائدته، فمن قبِل الضيافة نال التكريم وحظي بالزلفى، وحصل على الفوز وأدرك الفلاح.


قيل للقرآن: «نعم» عند السلف فنالوا به الشرف، وحصلوا به على التحف.

وقيل للقرآن: «لا» عند الخلف، فوقعوا في الترف، وأصيبوا بالتلف، وحصلوا على الخيبة والأسف.

قيل للقرآن: «نعم» في المآتم والأعياد والموالد والمهرجانات والاحتفالات.

وقيل للقرآن: «لا» في أمور الحياة، وقضايا الإنسان، ومعاهدات الدول، ومواثيق الشعوب، وهموم الأمة.

قال بعضهم للقرآن: «نعم» زمن ثورتهم العارمة، وجهادهم العظيم، وكفاحهم الحي، ونضالهم الدامي، واستبسالهم المشرق، فدفعوا على دوي القرآن نفوسهم، وقدّموا على صوت القرآن رؤوسهم، وسكبوا على تلاوة القرآن دماءهم، فلما حكمهم بعض بني جنسهم، وساسهم أناس من أنفسهم، قالوا للقرآن: «لا»،
«فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ ........... » التوبة (آية:77) .

وقال آخرون: «نعم» للقرآن، فحكموا العالم وأقاموا خلافة، وبنوا مجدا وصنعوا حضارة، وأسّسوا كيانا.

وقالت طائفة للقرآن: «نعم»، فجاهدوا وضحّوا، وبذلوا وأعطوا، فلما وصل منهم من وصل إلى سدة الحكم عزل القرآن عن الحياة، ونفى القرآن عن مسرح الأحداث، وعطّل القرآن عن التحكيم، فخرج جيل في أعداد الرمل، وكثرة الحصى، لا يعرف أحدهم إلا طعامه وشرابه وذهابه وإيابه.

وقال أكثر العالم للقرآن: «نعم» في افتتاح المؤتمر وختام الجلسة وعلى القبر، وعند عقد النكاح، وعلى روح الميت.

وقالوا للقرآن: «لا» في أول مادة القانون، وفي بداية الدستور، وعند إصدار الحكم وزمن التنفيذ، فـ«نعم» للقرآن عندهم في المسجد والمقبرة والصلاة والمولد والمأتم، و«لا» للقرآن في القصر والميدان والمصنع والشركة والجيش والمحكمة والاقتصاد والسياسة والفكر والفن، فـ«نعم» للقرآن عند الموت، و«لا»للقرآن عند الحياة،
«أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» المائدة (آية:50).

واحسرتاه يوم نُحِّي القرآنُ عن العالم كيف عُذِّبوا وسُحقوا ومُحقوا ومُزِّقوا، ولو كان القرآن معهم لما قامت الحرب الأولى ولا الثانية؛ لأن القرآن ينادي:
«.......... أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً .......... » المائدة (آية:32)،
ولو كان القرآن في قلوب الأميركان لما دمروا البشر وأزهقوا الأرواح في نغازاكي وهيروشيما؛ لأن القرآن ينادي:
«وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ........... » الاعراف (آية:56) .

ولو شعّ نور القرآن في قلوب بعض الناس لما أبادوا الحرث والنسل؛ لأن القرآن يحرّم هذا الصنيع والفعل الشنيع والعمل الفظيع:
«وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ» البقرة (آية:205) .

يا مجلس الأمن حفّظ أعضاءك آية:
«الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» الانعام (آية:82) ؛
لينقلوها إلى شعوبهم التي عطّلت القرآن وصدّت عنه وهجرته، فذاقت لباس الجوع والخوف والبأساء والموت:
«وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً» طه (آية:124).

واحسرتاه يوم عُزل العلم عن القرآن فصار علما طاعنا باغيا كافرا فاجرا:
«يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ» الروم (آية:7) .

واأسفاه يوم أُبعد الفن عن القرآن فصار فنا ممسوخا مسلوخا تافها:
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ........... » لقمان (آية:6) ،
ويوم فُصل الأدب عن القرآن خرج أدبا مشوها متخلفا مقيتا فاحشا:
« وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)» سورة الشعراء .
ويوم فُصلت السياسة عن القرآن بزغ ساسة طغاة عتاة قساة جبارون سفاكون سفاحون:
«وَإِذَا أردنا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرا» الاسراء (آية:16) .
ويوم قُطع الاقتصاد عن القرآن نتجت أموال ملوثة وتجارة محرمة ومعاملات ربوية:
«.......... وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ............ » البقرة (آية:275) .
ويوم فَقدت التربية روح القرآن وبركته ونوره شبّ جيلٌ عاقٌّ مارد متهتّك:
«فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً» مريم (آية:59) .

يا حملة الأقلام، يا رجال الإعلام، عُبّوا من مورد القرآن العذب الزلال:
«عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً» الانسان (آية:6) ؛
لتعدّوا الأمة بحديثكم وتصلحوا الناس بكلامكم:
«فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى» طه (آية:123) .

اكتب على مستشفيات العالم نصيبها من القرآن:
«وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» الشعراء (آية:80)،
اكتب على العيادات النفسية:
« ........... أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الرعد (آية:28) ،
وسطِّرْ على المحاكم:
«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى .......... » النحل (آية:90) ،
وانقش على القلوب:
«إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ ........» الاسراء (آية:9)،
وانحت على الذاكرة:
«فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ..........» محمد (آية:19).

عميت عيون لم تكتحل بالقرآن، وصمّت آذان لم تُشنف بالقرآن، ومُزقت أفئدة لا تحبّ القرآن، وهُدمت بيوت لا تدوّي بالقرآن، ومُحقت شعوب لا تتحاكم إلى القرآن، وهانت أمة لا تعمل بالقرآن.

عن الشرق الأوسط
 
إحياء العلاقات الاجتماعية د. عائض القرني

إحياء العلاقات الاجتماعية

الدكتور عائض القرني

أمر الله المؤمنين بالتآلف والتآخي والتحاب، قال تعالى: « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » وقال: « وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ »،
وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه »، وهناك حقوق للمسلم على أخيه كالسلام عليه، وإجابة دعوته، وتشميته إذا عطس، وعيادته إذا مرض، واتباع جنازته إذا مات، وبذل النصح له، وحب الخير له، وكراهية السوء له، ونصره إذا ظلم، ومد يد العون له إذا احتاج، وكف الأذى عنه، إلى غير ذلك من الحقوق. وقد وجّه الإسلام أتباعه إلى مراعاة حقوق المسلمين كحق الجار والصاحب بالجنب وابن السبيل والفقير والمسكين واليتيم والأرملة والضيف والمظلوم والمريض، ورتب على ذلك أجورا عظيمة، ونهى عن الإخلال بهذه الحقوق، ولكن الخلل حصل بسبب ضعف الوازع الديني، فقلّت مراعاة هذه الحقوق وتجاهل بعض الناس هذه الواجبات الاجتماعية وحسبوها على سبيل التبرع فقط، فحصلت الجفوة والقطيعة وحلّ التدابر والتهاجر.
ولحل هذه الأزمة طرق شرعية تتلخص فيما يأتي:

1- نشر الوعي الشرعي في جانب حق المسلم على المسلم وإفهام العامة به عبر الدروس والخطب والكتابات ليتضح الحكم الشرعي.
2- قيام الأعيان من أهل الفضل والإحسان من عالِم وداعية ومسؤول وإمام مسجد وشيخ قبيلة بإحياء هذه الحقوق الاجتماعية، بكونهم قدوات صالحة فيبدؤون هم بالقيام بهذه الأعمال الجليلة، فإن العمل أصدق من القول.
3- إقامة مجلس في كل حي وقرية يكون الاجتماع فيه أسبوعيا أو شهريا لتفقد أحوال الجيران وتعهد المحتاج وزيارة المريض ونصح المقصر.
4- إنشاء جمعيات خيرية تقوم على رعاية المساكين والفقراء والأيتام وإقامة ندوات تحث أهل الفضل على مدّ يدِ العون.
5- صندوق الحي والقرية حَلّ موفق لأزمة الفقر، يقوم هذا الصندوق بالحاجات الضرورية لأهل العوز والحاجة، ويقوم أهل الحي بالتبرع بشيء من دخلهم لهذا الصندوق كل شهر.
6- المسجد في كل حي وقرية هو مصدر التراحم والتكاتف، ومنه تنطلق الأواصر والروابط الاجتماعية، ولو قام إمام كل مسجد بعقد درس أسبوعي في مسجده وفي آخر الدرس تكون هناك مشاورة حول ما ينقص جماعة المسجد ومدارسة شؤونهم لحلّ الكثير من المشكلات.
7- نشر الآداب الإسلامية في المجتمع كالجهر بالسلام في الأسواق والطرقات وتعويد الناس عليه وإظهار معالم السنة في اللباس والطعام والاجتماعات ونحوها، حتى تكون صبغة الإسلام ظاهرة على المجتمع، ولا يحصل هذا إلا بتبني الأخيار آداب الإسلام وأخلاقه والعمل بها وإظهارها ونشرها.

عن موقع الشرق الأوسط
 
إحياء السنة وإماتة البدعة/د. عائض القرني


إحياء السنة وإماتة البدعة

الدكتور عائض القرني


اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم عصمة ونجاة وسعادة وفلاح، وقد أمر الله بالاقتداء بنبيه ومصطفاه، فقال:
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) ،
ودعا صلى الله عليه وسلم الأمة إلى لزوم منهجه والاقتداء به؛ فقال:
« عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمورفإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ».
وقد حدثت في الأمة مخالفات شرعية وأمور بدعية وشركيات شنيعة بسبب بعد الناس عن العلم الشرعي النافع وتكاسل العلماء في هذا الباب. والحل لهذه المعضلة في عدة طرق هي:

1 ـ أن يهبّ العلماء والدعاة هبة صادقة لشرح السنة للناس وتعليم الجيل علم الكتاب والسنة، وتدريس سيرته صلى الله عليه وسلم في كل منبر علمي وإعلامي. والتأكيد على منع الابتداع في الدين، فإسلامنا اتباع لا ابتداع كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».

2 ـ وواجب الحاكم المسلم نصرة السنة وقمع البدعة فيسهّل للعلماء الربانيين وسائل الوصول إلى الناس ويشجعهم ويفتح لهم مجالات الدعوة ووسائل الإعلام لتوضيح منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان هديه وشريعته.

3 ـ منع المبتدعة والحجر عليهم والأخذ على أيديهم؛ فالعلماء يردّون شبههم ويكشفون أباطيلهم، والحكام يوقفون ضلالهم ويزجرونهم وينهونهم عن صنيعهم المشين ومسلكهم الأثيم.

4 ـ تأليف الرسائل والكتب وإلقاء الدروس والخطب والمحاضرات عبر المساجد والنوادي ووسائل الإعلام.

5 ـ عرض سير السلف الصالح من العلماء الصادقين المخلصين كسيَر الصحابة الكرام وأئمة التابعين كالحسن وابن المسيب والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم حتى يشرب الجيل حبهم مع الماء البارد ويعيشون روح الاقتداء بهم؛ لأنهم عملوا بالسنة ظاهرا وباطنا، فديننا آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة، وشريعتنا مع الدليل والبرهان وليست مع التخرصات والظنون والأوهام.

وعلى كل مسلم أن يعمر باطنه وظاهره باتباع السنة قولا وعملا واعتقادا وخلقا وآدابا فهي ـ والله ـ العصمة من الضلال والنجاة من الهلكة والمخرج من الفتنة:
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

عن موقع الشرق الأوسط​
 
لبيك يا اقصى/الدكتور عائض القرني

لبيك يا أقصى

الدكتور الشيخ عائض القرني


{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى }

أطفال يافـا يصرخون وما لهم * عمرو ولا سعد ولا خطابُ
يا رب يا رحمـن فانصـر أمة * قد أُغلقت من دونها أبوابُ

زارنا رجل من فلسطين ، فجلس على الطين ، قلنا اجلس على السرير .
قال : كيف أجلس على السرير ، والقدس أسير ، بأيدي إخوان القردة والخنازير ؟
قلنا : فهل عندك من القدس خطاب ؟
قال : معي من القدس سؤال يريد الجواب .
قلنا : ما هو السؤال ؟
قال : ينادي أين الرجال ، أين أحفاد خالد وسعد وبلال ؟ يا حفاظ سورة الأنفال ، أين أبطال القتال ؟ أين أسود النـزال ؟
قلنا : هؤلاء ماتوا من زمان ، وخلت منهم الأوطان ، وخلف من بعدهم خلف لهم همم ضعيفة ، واهتمامات سخيفة ، وأحلام خفيفة .
ثم سألنا حامل الرسالة ، أين أهل البسالة ؟ أين الإباء ؟ لماذا تغير الأبناء عن الآباء ؟
قلنا : الآباء كانت بيوتهم المساجد ، ما بين راكع وساجد ، وخاشع وعابد ، وصائم ومجاهد .
والأبناء بيوتهم المقاهي ، ما بين مغن ولاهي ، ومن بماله يباهي ، ومن وقع في الدواهي ، إلا من رحمه إلهي .
كنا أسوداً ملوك الأرض ترهبنا ، والآن أصبح فأر الدار نخشاه

ثم قلنا للرجل في عجل : سلم على القدس ، وقل : نفديك بالنفس ، متى العودة إلينا ، والسلام علينا
قال : إذا عدتم إلى الله عدنا ، وإن بعدتم عنه بعدنا .

نساء فلسطين تكحّلن بالأسى * وفي بيت لحم قاصرات وقُصّرُ
وليمون يافا يابس في حقوله * وهل شجر في قبضة الظلم يثمرُ​

قلنا : لماذا عدت لعمر ؟ قال : لأنه صاحب أثر ، صادق في الخبر ، عادل في السير.
قلنا : ولماذا جئت مع صلاح الدين ؟ قال : لأنه بطل حطين ، وولي لرب العالمين ، وأحد العابدين المجاهدين .
قلنا : يا قدس هل من لقاء ؟ قال : إذا أطعتم رب الأرض والسماء ، وأخلصتم في الدعاء ، وتدربتم على الجهاد صباح مساء ، وتبتم من كل معصية وفحشاء .
قلنا : كيف حالك الآن ؟ قال : في هموم وأحزان ، وغموم وأشجان ، سجين في زنزانة الطغيان ، بعد ما فارقت أهل الإيمان ، وحملة القرآن .

من حاله وهي في حبس تزلزلهُ * مصائب البين لا يرثي له أحدُ​

ثم قال : أما ترون خدي شُوّه بالنجمة السداسيّة ، وداست على جبيني الدولة الإبليسية ، أين أحفاد مصعب بن عمير ، ينقذونا من أبناء جولدا مائير ، أين أمثال عمر بن عبد العزيز ، يطلقونا من قبضة بيريز ، أين عُبّاد الديّان ، يمسحون عن جبيني وشم ديّان.

أيا فلسطين قد أهديتنا عتبا * متى اللقاء عسى ميعادنا اقتربا
نعم أتينا وفي إيماننا قضب * مسلولة تمطر الأهوال والغضبا​

ثم قالت : أنا القدس السليبة ، كنت إلى الرسول حبيبة ، ومن قلب كل مؤمن قريبة ، وأنا الآن في بلاء ومصيبة ، وأحوال عجيبة .

مررت بالمسجد المحزون أسأله * هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت * على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منائره * من حيث يتلى ولا الآذان آذان​

فلسطين في قلوب المسلمين ، تناديهم من سنين ، وليس فيهم من قال : لبيك جئنا فاتحين ، لكنا تعبنا من محبة أهل الإرجاء ، تمدح وادعاء ، وفلسطين تصرخ صباح مساء.
إذا لم تكن هنا حمية إسلاميّة ، فأين النخوة العربية .

رب وامعتصمـاه انطلقت * مِلء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها * لم تلامس نخوة المعتصم
ألإسرائيل تعلو راية * في حمى المهد وظل الحرم؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى * موجة من لهب أو من دمِ؟​

لو سمع عمر صرخة طفل مجهود ، أبوه مفقود ، وأخوه في القيود ، لجنَّد الجنود ، ولداس اليهود . لو طرقت سمع المعتصم وا أماه ، لضاقت أرضه وسماه ، ولقاد الكماة ، ولأخرج فلسطين من زنزانة الطغاة البغاة .
فلسطين تنادي حطين : هل عندك من صلاح الدين ؟ فإنا يا أختاه في الحبس مرتهنين ، ولنا أنين .

وليمون يافا يابس في حقوله * وهل شجر في قبضة الظلم يثمرُ
رفيق صلاح الديـن هل لك عودة * فإن جيوش البغي تنهـى وتأمـرُ
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم * وجيشك في حطين صلّوا وكبَّروا​

خمسون عاما ، ونحن نرى أيتاما ، ونشاهد أيامى ، ونبصر آلاما ، ثم نتعامى ، ولا يحرك فينا هذا كله إبهاما .
من أراد أن يطلق القدس من الأسر وأن يفكّه ، فليأخذ دستوره من مكّة ، القدس إسلامية ما ترطن ، ولا تنتظر النصر من واشنطن ، القدس تقلق ، إذا جئنـا بجيش فيه ميشيل عفلق - يحرر الأرض ، ويحمي العرض ، من أدى الفرض ، وخاف يوم العرض .
دونك مليار مسلم آيسين بائسين.

مهلاً فديت أبا تمام تسألني * كيف احتفت بالعدا حيفا أو النقبُ
اليوم تسعون مليوناً وما بلغوا * نضجاً وقد عصر الزيتون والعنبُ​

ما يحرر فلسطين إلا طلاب العز بن عبد السلام ، وتلاميذ عز الدين القسام .
افهمها بالمكشوف ، ما يحرر فلسطين طلاب سخاروف ، ولا يردها لأهلها أهل الدفوف، إنما تعود على أيدي من يصلي ويطوف ، ويجاهد في الصفوف .
يا شجر الغرقد ، جاء الموعد ، ليعود المسجد ، تحمي القرود ، وتخبّئ اليهود من الأسود ، كل الشجر بِوَادينا ، ينادينا ، إلا أنت تعادينا .
خمسون عاما مؤتمرات أو مؤامرات ، ومشاورات أو مشاجرات ، ومناورات أو مهاترات .

شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها * لله كم نددوا يوماً وكم شجبوا
ماذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم * تصدق وقد صدق التنجيم والخطبُ
الكل يطوف ، بمجلس الخوف ، ونحن وقوف في صفوف ، ننادي : بابا ماما ، أين باراك أوباما.
خمسون عاماً ما أخبرتنا هيئة الأمم ، بمن ظلم ، وهدم الحرم ، وخان في القسم .

يا معشر العرب : من أصابته مصيبة ، فلم يأخذ الحل من طيبة ، عاد بالخيبة ، وكان الفشل نصيبه ، فلسطين لا تعود بالكلام ، ولا بحفلات السلام ، ولكنها تعود بالحسام ، وبضرب الهام ، وتمريغ الباطل بالرغام .

سيصغي لها من عالم الغيب ناصر * ولله أوس آخرون وخزرجُ

فلسطين إسلامية النسب ، وليست عربيَّة فحسب ، ولذلك كان صلاح الدين فاتح القدس من الأكراد ، والسلطان عبد الحميد ناصر فلسطين من الأتراك الأجواد ، وبعض العرب أيام الصليبيين باعوها في سوق المزاد :

بعها فأنت لما سواها أبيع * لك إِثمها ولها المكان الأرفع​


لا تعود فلسطين عن طريق الملحدين ، ولا عن طريق الوحدويين ، وإنما تعود تحت رايات الموحدين .
هل تظن أن اليهودي العنيد ، والإسرائيلي المريد ، سوف يطرد بمؤتمر مدريد ، كلا وعزةِ الحميد المجيد ، لا يزول إلا بكتائب التوحيد وأحفاد خالد بن الوليد .

يا فلسطين انتظري كتائبنا مع الصباح ، تنادي حي على الفلاح ، ليعود الحق إلى أصحابه ، والسيف إلى نصابه ، ولتعود الوديعة إلى واليها ، والطفلة إلى أبيها ، والدار إلى راعيها ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله القريب ، إنه سميع مجيب .
فلسطين غاب سلاطينها ، فأفلس طينها ، لا يطرد الغزاة من غزة إلا أهل العزة ، أطفال حيفا حفاة ، واليهود جفاة ، فهل من يلبي النداء ويقدم روحه فداء ، يا من أراد الجنة ، لا تتبع ما أنفقت بالأذى والمنّة ، وماذا عليك لو قتلتك اليهود فأنت شهيد ، البيع قد جرى ، والله اشترى ، ما هبط سوق القتال ، وقل هيا إلى النـزال
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }

لا تهيئ كفني ما مت بعد * لم يزل في أضلاعي برق ورعد
أنا تاريخي ألا تعرفه * خالد ينبض في قلبي وسعد​
 
أشهد أنك عظيم

أشهد أنك عظيم

د.عائض القرني

قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، والله إنك لعظيم الأخلاق، كريم السجايا، مهذب الطبع، نقي الفطرة، طيب الخصال، عظيم الخلال.

والله إنك جم الحياء، حي العاطفة، جميل السيرة، طاهر السريرة، نقي الضمير، عفيف الجيب، سليم الصدر.

والله إنك قمة الفضائل، ومنبع الجود ومطلع الخير وغاية الإحسان، ونهاية ما يصبو إليه الإنسان، وذروة ما تتوق إليه الأنفس وتطمح إليه الأرواح.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) يظلمونك فتصبر، يؤذونك فتغفر، يشتمونك فتحلم، يسبونك فتعفو، يجفونك فتصفح، تعطي من منعك، تصل من قطعك، تعفو عمن ظلمك.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .. يحبك الملك والملوك، والصغير والكبير ، والرجل والمرأة ، والغني والفقير، والقريب والبعيد؛ لأنك ملكت القلوب بعطفك، وأسرت الأرواح بفضلك، وطوقت الأعناق بكرمك، وسبيت الأنفس بجودك، وكسبت الناس بلطفك.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هذبك الوحي، وعلمك جبريل ، وهداك ربك، وصاحبتك العناية، ورافقتك الرعاية، وحالفك التوفيق.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) البسمة على محياك، البشر على طلعتك، النور على جبينك، الحب في قلبك، الجود في يدك، البركة فيك، والفوز معك.

من زار بابك لم تبرح جوارحه
تروي أحاديث ما أوليت من مننِ
فالعين عن قرة والكف عن صلة
والقلب عن جابر والسمع عن حسنِ
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لا تكذب ولو أن السيف على رأسك، ولا تخون ولو حزنت الدنيا، ولا تغدر ولو أعطيت الملك؛ لأنك نبي معصوم ، وإمام قدوة، وأسوة حسنة.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) صادق ولو قابلتك المنايا ، شجاع ولو قاتلتك الأسود، جواد ولو سُئلت كل ما تملك، فأنت المثال الراقي والرمز السامي، وأنت الصفوة المجتبي، والنبي المختار، والرسول المصطفى.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سبقت العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة، وتفوقت على الكل علماً وحلماً وكرماً ونبلاً وشجاعة وتضحية، وعلوت على الجميع صبراً وثباتاً وعلماً وعملاً وصلاحاً واستقامة.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) الطهر أنت، والصدق ما تقوله، والحق ما تدعو إليه، والعدل ما تحكم به، والهدى ما أنت عليه، لو كان الصلاح رجلاً لكان في ثباتك، ولو كان البر إنساناً لكان في هيكلك، ولو أن الفضيلة بشر لحل فيك.

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) آذوك ـ بأبي أنت ـ وشتموك ـ فديتك ـ وأخرجوك وقاتلوك وكذبوك ـ بنفسي أنت ـ ثم ناديت: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، جرحوك وأدموا عقبيك، وشجوا رأسك، وكسروا ثنيتك، وقتلوا أصحابك، ثم قلت: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

إن كنت أحببت بعد الله مثلك في
بدو وحضر ومن عرب ومن عجمِ
فلا اشتفى ناظري من منظر حسن
ولا تفوّه بالقول السديد فمي

اللهم صلى على الحبيب المصطفى

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56). الأحزاب.
 
عودة
أعلى