المخابرات الأمريكية تكشف فضائح الحرب الباردة

معمر القذافى

عضو مميز
إنضم
8 أكتوبر 2008
المشاركات
2,471
التفاعل
81 0 0
المخابرات الأمريكية تكشف فضائح الحرب الباردة
عرضت وكالة الاستخبارات المركزية CIA
على موقعها الإلكتروني وثائق تكشف ممارساتها المشبوهة خلال عقود الحرب الباردة، بما فيها من خططٍٍ للتجسس، ومؤامرات قتل، ومحاولات تهريب، وتجارب استخدامت فيها المخدرات، وتفاصيل مخططات اغتيال وعمليات تجسس محلية، وتسجيلات هاتفية سرية، وحوادث خطف، وإجراء تجارب واختبارات على بشر لتعديل سلوكهم، دون علمهم بذلك. وتضمّنت الوثائق التي رفع عنها الحظر، خطة لاستخدام عصابات المافيا لاغتيال الزعيم الكوبي (فيدل كاسترو)، كما تكشف الوثائق عن المدى الذي وصلت له الوكالة للتجسس على الصحفيين المنشقين، وعلى الاتحاد السوفيتي السابق.
وتندرج هذه الوثائق ضمن تقرير طالب بإعداده مدير الوكالة السابق سنة 1973م إبان فضيحة "ووترجيت"، وكانت التحقيقات الصحفية قد أشارت إلى ضلوع المخابرات الأمريكية في فضيحة التجسس على مكاتب الحزب الديموقراطي في فندق "ووترجيت"، وقد قادت هذه التحقيقات إلى استقالة الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون"، آنذاك، ورداً على هذا التحقيق، طالب المدير الأسبق للوكالة "جيمس شليزينجر" كبار المسؤولين عن العمليات بوضع تقرير عن كل العمليات الماضية والحاضرة، التي قد تتضارب مع القانون الذي يحكم هذه الوكالة، والذي يحظر عليها أن تقود عمليات تجسس داخل الولايات المتحدة.
مجوهرات العائلة


استخدام مسؤولو الوكالة مذكراتهم، لملء صفحات التقرير البالغ عددها (693) صفحة، والذي يكشف عن الممارسات غير القانونية التي وقعت بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وكان يشار إلى هذه الممارسات باسم (الهيكل العظمي)، ثم أطلق عليها اسم "مجوهرات العائلة"، فصارت تعرف بهذا الاسم منذ ذلك الوقت، ومعظم ما تضمنته هذه الوثائق من معلومات كان معروفاً، لكن الجديد الذي تقدمه يتعلق بالنطاق الذي تسلط عليه الضوء.
ويذكر أن أرشيف الأمن القومي الأمريكي - وهو هيئة بحوث مستقلة - قد نشر أوراقاً حصل عليها - وهي ذات صلة بالوثائق - اشتملت على تفاصيل محادثات حكومية، جرت عام 1975م، بخصوص انتهاكات الوكالة، حيث قامت بأشياء كان يتعين عليها عدم القيام بها، ومن بين تلك الأشياء التي قيل إنها تثير تساؤلات قانونية الأحداث والوقائع التالية:
*احتجاز منشق من الاتحاد السوفيتي أواسط ستينيات القرن العشرين.
*مخططات اغتيال لقادة وزعماء أجانب، بمن فيهم الزعيم الكوبي "فيدل كاسترو".
*تسجيل مكالمات هاتفية، وعمليات تجسس على الصحفيين.
*إجراء تجارب واختبارات لتغيير سلوك مواطنين أمريكيين، دون علمهم بذلك.
*التجسس على مجموعات منشقة بين عامي 1967م و 1971م.
*فتح رسائل مرسلة إلى الاتحاد السوفيتي السابق، أو واردة منه، بين عامي 1953م و 1973م، بالإضافة إلى الإطلاع على مضمون بريد مرسل إلى الصين، أو وارد منها، بين عامي 1969م و 1972م.
وتُظهر الوثائق أيضاً حجم القلق المتصاعد في أوساط إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق( فورد)، بشأن ما كان يطلق عليه (الهياكل العظمية) لوكالة (
CIA)، والتي كانت قد بدأت تطفو بشأنها تقارير في وسائل الإعلام. وكان (هنري كيسينجر) - وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي حينذاك - يقف ضد خطوة إجراء تحقيق بانتهاكات الوكالة، وضد حقيقة ما اعتبره إفشاء لأسرار الوكالة، ونُقل عن (كسينجر) قوله في هذا الشأن: "إن الاتهامات التي تظهر في وسائل الإعلام حول الوكالة أسوأ مما كانت عليه أيام مكارثي".
محاولة اغتيال "كاسترو" عام 1960م


جندت وكالة الاستخبارات الأمريكية (
CIA) عميلاً من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) السابقين، بهدف التقرب من اثنين من رجال العصابات المطلوبين، وإعطائهم أقراصاً مسمومة، بهدف تسميم الرئيس الكوبي (فيدل كاسترو) خلال السنة الأولى من تسلمه السلطة في كوبا. وقدمت الوكالة لرجلي العصابات (6) أقراص مسمومة، وحاولا طوال شهور عديدة وضعها في طعام (كاسترو)، ولكن من دون نجاح. على أن الوكالة أوقفت المحاولة بعد فشل عملية غزو كوبا في إبريل 1961م، والتي عرفت باسم عملية (خليج الخنازير)، وتمكنت من استعادة الأقراص الستة، بحسب ما أظهرت سجلاتها.
وقد وردت هذه المعلومات الجديدة عن محاولة اغتيال (كاسترو) بالسم بعد الكشف عن وثائق كانت مصنفة باعتبارها سرية، ومن المؤكد أن يلقى الكشف عن هذا المخطط لاغتيال (كاسترو) - والذي وضع في عام 1960م - عناية خاصة من قبل السلطات الشيوعية، بوصفه دليلاً أكيداً على ما درجت (هافانا) على التصريح به منذ سنوات طويلة بشأن نية الولايات المتحدة اغتيال الزعيم الكوبي، ويقول المسؤولون الشيوعيون في كوبا إنه قد جرت أكثر من (600) محاولة اغتيال موثقة ل (كاسترو) على مدى عقود.
وكان (كاسترو) قد زعم أن الرئيس الأمريكي (جورج بوش) "فوّّض وأمر" بقتله. وكانت صحيفة (غرانما)، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الكوبي، قد ذكرت في العدد الصادر في 24 يونيو 2007م "أنه بناء على أوامر من البيت الأبيض، فقد حاولت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية اغتيال (فيدل كاسترو)، وشخصيات وقيادات سابقة".
ووجدت أيضاً وثائق عديدة حول محاولات أخرى أعدتها الولايات المتحدة لاغتيال (كاسترو)، الذي وصل إلى الحكم في يناير عام 1959م، بعد الثورة التي نفذها ضد الدكتاتور (فولغينسيو باتيستا).
الأسلحة السرية للمخابرات الأمريكية


بتاريخ 4 يناير 2006م، وفي يوم من أيام الشتاء في واشنطن، استدعى الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الملحقين الصحفيين في البيت الأبيض، وكّلفهم آنذاك أن ينقلوا إلى العالم كله رسالة تقول: "إن الولايات المتحدة لم تسمح ولن تسمح أبداً بأعمال التعذيب المزعومة التي قامت بها القوات المسلحة والأجهزة السرية للبلاد، وبخاصة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، للحصول على معلومات مفيدة ضد الإرهاب، والتي قد بدأت قبل خمس سنوات بعد التفجيرات التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك، ووزارة الدفاع في واشنطن".
إن وكالة الاستخبارات المركزية قد طوّرت - منذ بداية فترة الحرب الباردة، التي سادت في العلاقات بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي منذ مطلع سنوات الخمسينيات في القرن الماضي - عدداً من (برامج البحث)، على أساس استخدام التعذيب الجسدي والعقلي، وصولاًًً إلى الأسلحة الكيماوية.
وكانت الوكالة قد موّلت في الخمسينيات مستوصفات أمريكية، قامت باستخدام كميات كبيرة من المخدرات لأشخاص أبرياء، يعانون من حالة إحباط نفسي، أو لمرضى عقليين، أو عرّضتهم لصدمات كهربائية، ومعاملات لا إنسانية أخرى، وكان الهدف من ذلك هو الحصول على معلومات حول (آلية تصرّف) أعداء الولايات المتحدة من الشيوعين آنذاك.
ويؤكد بعض المحللين على أنه جرى تجريب مواد قاتلة، مثل(الانثراكس)، على مستوى واسع على العدو، وأثناء الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وعلى المساجين وأصحاب الآراء المناهضة، وكان وجود مثل هذه الأسلحة بالتحديد وراء تبرير الحرب ضد العراق في ربيع 2003م.
إن أشكال التعذيب والإذلال التي شهدها سجن (أبو غريب) وغيره في العراق، أو في عدد من بلدان أوروبا الشرقية نفسها، أو في معتقل (جوانتانامو)، ليست انحرافاً مرتبطاً بظروف استثنائية ولدتها الحرب ضد الإرهاب، وإنما هي بالأحرى سلوكيات لها جذورها، بل لها تعليماتها المحددة في كتاب دليل أعدته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وقد لجأت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية إلى آلية متمثلة في (التحويل الاستثنائي) لمعتقليها إلى مراكز استجواب موجودة خارج إطار حماية العدالة الأمريكية. وقد جاء في تقرير يحمل عنوان: "التقنيات المحسنة للاستجواب"، أنه من المسموح اللجوء إلى الضرب على البطن في مستوى المعدة، وكذلك ترك الخاضع للاستجواب واقفًا لفترة طويلة، ولمدة قد تصل إلى (40) ساعة، وقدماه متسمرتان على الأرض.
ويؤكد بعض المراقبين على أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لجأت خلال عام 2006م إلى إبرام عقود مع العديد من الأطباء في بلدان مختلفة لحضور جلسات الاستجواب، التي حدد أشكالها دليلان صادران عن الوكالة، ويتم التذكير فيهما على أنه عندما يتم تحضير صالة الاستجواب ينبغي أولاً القيام بدراسة جيدة للإنشاءات الكهربائية كي تكون المحولات أو أجهزة تغيير قوة التيار الأخرى جاهزة في لحظة الشروع بالصدمات الكهربائية.
ويتم التحذير من إمكانية أن يؤدي الألم الجسدي الحاد إلى القيام باعترافات كاذبة، ولذلك، ينبغي حساب حدة الألم المثار بدقة، وبالتالي، فإنه من الأفضل حضور طبيب، ويمكن للمخدرات أن تكون فعالة من أجل التغلب على المقاومة التي لم تنجح التقنيات الأخرى في قهرها. ويجب أن تؤخذ بالحسبان شخصية الخاضع للاستجواب، وكمية الجرعة، ومدتها، والأشخاص الذين يسحقهم الإحساس بالعار، والإحساس بالذنب، قد يستجيبون بسهولة لإراحة ضمائرهم بواسطة المخدرات.
إن سجن (جوانتانامو) يعج بالسجناء الأفغان أو الباكستانيين، الذين جرى اعتقالهم من دون أسباب جدية، وهم في أغلب الأحيان رجال وشى بهم أشخاص يولون اهتماماً أكبر بالمكافأة المالية. ويؤكد المحامون المختصون بحقوق الإنسان أن 8% فقط من المعتقلين جرى تصنيفهم كأعضاء في تنظيم القاعدة، وأن أقل من نصفهم قاموا بأعمال معادية ضد الولايات المتحدة الأمريكية. لكن البيت الأبيض رفض القيام بأي تعليق حول ما يجري في معتقل جوانتانامو، أو في "المواقع السوداء" الأخرى، التي لا تتماشى مع إتفاقية الأمم المتحدة الموقعة عام 1984م، والتي تمنع اللجوء إلى التعذيب، والموقعة من قبل الولايات المتحدة، والتي تعرّف التعذيب بأنه: "القيام بأي عمل بدني أو معنوي يستهدف قصداً شخصاً ما من أجل الحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو اعترافات، ومعاقبته أو معاقبة شخص آخر لأعمال يظن باقترافها، أو ابتزازه والضغط عليه". كذلك، تمنع الاتفاقية إرسال المشبوهين إلى بلدان هناك أسبابٌ وجيهةٌ تدعو للاعتقاد بأنه سيتم تعذيبهم فيها.
وفي تقرير - أعدّه في نهاية يناير 2006م، المحامي المكلف من قبل المجلس الأوروبي للتحقيق في مسألة تحويل السجناء إلى المواقع السوداء - ذكر أن مائة شخص، على الأقل، طالتهم تلك العملية منذ عام 2004م، وقد جرى منع هذا المحامي من زيارة مواقع الاستجواب، ولذلك اكتفى في تقريره بالمعلومات التي أدلى بها شهود مستقلون.
تحويل الأسرى إلى حقول تجارب مرعبة


تكشف الوثائق التي نشرت في كتاب: "الأسلحة السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" أن أطراف الحرب الباردة قد قطعوا الشوط كاملاً في تجهيز ترسانات هائلة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، على الرغم من إدراكهم للتأثير الوحشي لهذه الأسلحة، التي استخدمتها اليابان ضد المدنيين في الصين، واستخدمتها الولايات المتحدة في محاولة تقصير أمد الحرب الكورية، لكن المسلسل لا يتوقف عند هذا الحد، وإنما تكشف الوثائق كيف يتم تحول أسرى الحرب إلى حقل تجارب واختبارات مخيفة، بلا حدود.
ففي 17 سبتمبر 1996م، تقدم رجل متوسط العمر للمثول أمام لجنة من ممثلي الأمن القومي الأمريكي كي يدلي أمامهم بأغرب شهادة عن التجارب القاتلة التي أجريت على أسرى الحرب الأمريكيين أثناء الحرب الكورية، اسم ذلك الرجل هو (جان سينجا)، وكان الأمين العام السابق للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، والذي كان أيضاً مديراً للموظفين في وزارة الدفاع ببلاده، وكان قد ترك السلطات الأمريكية تنتظره ثلاث عشرة سنة كي تستمع إليه، أي إلى أن قرر الهرب إلى الغرب بعد أن أحس بأن اعتقاله قد اقترب بتهمة ارتكابه جرائم سياسية ضد الدولة. وبعد يومين فقط من هروبه، وصل إلى الولايات المتحدة ليحصل فوراً على الجنسية الأمريكية، وعلى وظيفة في أجهزة الاستخبارات.
لقد تحدث (جان سينجا) لمدة نصف ساعة أمام اللجنة الأمنية، وكان ما قاله يشكل أحد أكثر الوثائق إثارة للذهول حول الحرب الباردة. وكان مما قاله: "كنت تحت إمرة الروس عندما سمعت للمرة الأولى عن أسرى الحرب الأمريكيين والكوريين الجنوبيين الذين كان الأطباء السوفييت يستخدمونهم، ولن أزعم أنني أعرف مصير جميع سجناء الحرب المفقودين، لكنني أعرف ما حصل لعدد كبير منهم. اختصاراً أقول: إن المئات منهم جرى استخدامهم لإجراء تجارب عليهم في كوريا وفيتنام، وفي بداية الحرب الكورية تلقينا من موسكو تعليمات ببناء مستشفى عسكري في كوريا الشمالية، كان هدفه الرسمي هو معالجة جرحى الحرب، لكن ذلك لم يكن في الواقع سوى غطاء أو واجهة، حيث إن الهدف السري للغاية من بناء ذلك المستشفى كان إجراء تجارب على أسرى الحرب الأمريكيين والكوريين الجنوبيين، وكان الأطباء العسكريون يتدربون عليهم في ميدان معالجة الجروح الخطيرة، أو بتر الأعضاء، كما كان يتم استخدامهم من أجل تجريب آثار العناصر الكيميائية أو البيولوجية، أو تقدير آثار الإشعاعات الذرية".
وكان السوفييت يستخدمون الأسرى الأمريكيين أيضاً من أجل معرفة مدى قدرتهم على التحمل جسدياً ونفسياً، وكذلك لتجريب عدة أنواع من المخدرات التي تساعد على السيطرة الذهنية على الآخر، وكان على تشيكوسلوفاكيا أن تبنى أيضاً محرقة في كوريا الشمالية من أجل التخلص من الجثث بعد إجراء التجارب على أصحابها في حياتهم.
ولم يُستخدم الأمريكيون الكوريون الجنوبيون وحدهم كحقل تجارب بشرية، بل جرى أيضاً استخدام الآلاف من الأسرى السوفييت والتشيكوسلوفاكيين للغرض نفسه.
وكان الأمريكيون والكوريون الجنوبيون مهمين للمشروع السوفيتي، ذلك أنه كان من المهم فهم تأثير مختلف أنواع المخدرات والعناصر الكيميائية والبيولوجية والإشعاعات الذرية على عروق أخرى، وعلى بشر جرت تربيتهم بصورة مختلفة، وكان السوفييت يريدون أيضاً معرفة ما إذا كان هناك فرق - حسب البلد الأصلي - في قدرة الجنود على تحمّل وطأة حرب نووية ومتابعة القتال.
وكان السوفييت يفكرون جدياً بضرورة التحضير للحرب النووية، ولتطوير المخدرات والمنتجات الكيميائية، وكان ذلك يتطلب القيام بتجارب على بشر من جنسيات معادية مختلفة، وبما أن الولايات المتحدة كانت العدو الرئيس في ذلك الوقت، فإن أسرى الحرب الأمريكيين كانوا أكثر المطلوبين لإجراء التجارب عليهم.
وعند نهاية الحرب الكورية، كان هناك مئة فقط من سجناء الحرب لا يزالون بمثابة عناصر قابلة للاستخدام من جل إجراء اختبارات، ويعتقد أن الآخرين ماتوا أثناء التجارب، إذ لم توجد تقارير تدل على أنه لا يزال هناك أسرى مرضى على قيد الحياة بالمستشفى، وهذا باستثناء المئة الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة عند نهاية الحرب، وهؤلاء الباقون جرى تحويلهم على أربع دفعات إلى تشيكوسلوفاكيا أولاً لإجراء فحوصات طبية لهم، ثم تم إرسالهم إلى الاتحاد السوفيتي.
وأكد "جان سينجا" - الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي - وقوع الأمر نفسه في (فيتنام) و (لاوس) أثناء الحرب الفيتنامية، والفرق الوحيد هو أن تلك العمليات كانت أفضل تنظيماً، وبالتالي، أجريت التجارب على عدد أكبر من الأسرى الأمريكيين في (فيتنام) أو (لاوس) أو (الاتحاد السوفيتي) السابق، وكان يتم تنظيم عملية استلام أسرى الحرب عند استقدامهم، وتأمين أماكن لهم قبل تحويلهم إلى الاتحاد السوفيتي، حيث جرى نقلهم فيما بعد في حافلات طُليت نوافذها الزجاجية باللون الأسود، واقتيدوا إلى براغ، حيث حلوا في ثكنات عسكرية، أو مراكز أمنية أخرى، بانتظار ترحيلهم إلى الاتحاد السوفيتي السابق، وما بين عام 1961م وعام 1968م جرى نقل ما لا يقل عن (200) أسير حرب أمريكي عبر براغ إلى موسكو، وتلك العملية جرت في إطار السرية التامة، وكانت المعلومات الخاصة بها مصنفة على أنها أسرار دولة، أي أكثر من "سري للغاية"، ويعتقد أنه لم يكن في تشيكوسلوفاكيا كلها أكثر من (15) شخصاً يعرفون بنقل أسرى حرب أمريكيين إلى الاتحاد السوفيتي.
سياسة "ورقة التوت"


بعد شهادة "جان سينجا" الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، جاء دور الكولونيل الأمريكي المتقاعد "فيليب كورسو"، الذي كان مديراً لأجهزة الاستخبارات الأمريكية أثناء الحرب الكورية في القيادة الشرقية، وبعد تأكيده على أنه كان يعرف بوجود عدة قوافل من أسرى الحرب الأمريكيين في الحرب الكورية، الذين جرى تحويلهم إلى الاتحاد السوفيتي السابق، حيث مورست عليهم عمليات غسل دماغ، وارتكبت في حقهم أشنع الفظاعات، أضاف: "عند عودتي إلى الولايات المتحدة جرى تعييني في مجلس تنسيق عمليات البيت الأبيض، وفي مجلس الأمن القومي، حيث كان اهتمامي بجميع المشروعات الخاصة بأسرى الحرب الأمريكيين، وقد اكتشفت عندها أن السياسة الأمريكية منعت الانتصار في كوريا، وكانت تلك السياسة معادلة لحالة شك حقيقية، وقد صرفت جهودنا من أجل استعادة أسرانا من العدو، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي، وبعد سنوات، تحدثت عن ذلك الوضع مع وزير العدل في مكتبة، وقد شاطرني الرأي، وقد أسمينا تلك السياسة بسياسة (ورقة التوت)، وفي عام 1953م، كان هناك (500) أسير أمريكي بين مريض وجريح، على بعد (15) كيلومتراً من نقطة مبادلة السجناء، لكن لم تتم مبادلتهم أبداً".
ويضيف (فيليب كورسو) : "عندما كنت في الخدمة في القيادة الشرقية، تلقيت العديد من التقارير التي أكدت أنه جرى تحويل أسرى الحرب الأمريكيين إلى الاتحاد السوفيتي، وقد تنوعت مصادر تلك التقارير من أسرى حرب صينيين أو كوريين شماليين، وتقارير عملاء لنا، ومحاضر لوطنيين صينيين، ومن الهاربين والأسرى الأمريكيين الذين عادوا".
مخزون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية


أعدت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقارير حول المخزون الهائل الذي كان يمتلكه الاتحاد السوفيتي السابق في نهاية الحرب العالمية الثانية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وخصوصاً في أوكرانيا، ومنطقة الأورال، والجمهوريات الإسلامية آنذاك. وقد أكدت تلك التقارير أن السوفييت كانوا قد كدسوها هناك، تحسباً لاحتمال نشوب نزاع مع الصين، وقد وجدت وثائق عديدة تعود لأجهزة الاستخبارات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت تتحدث بالتفصيل عن القدرات السوفيتية في مجال التسليح البيولوجي، وكانت أهم المختبرات السوفيتية موجودة على ضفاف نهر الفولجا. ويتحدث أحد تلك التقارير عن أنه كان يتم حقن الفئران بجراثيم الطاعون، ثم يتم قذفها بصناديق تتحطم عند ملامستها الأرض، وبذلك تتحرر الفئران لتشيع المرض على نطاق واسع.
وأكدت تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على أن الصين كانت قد كدست أيضاً كميات كبيرة من الأسلحة البيولوجية، وأطلقت برامجها في هذا الميدان منذ عام 1940م، بعد أن كانت طائرة يابانية قد ألقت كميات كبيرة من الأرز والقمح المحشوة بمادة (الانثراكس) السامة على مدينة صينية، وبعد عام فقط، كانت مدينة صينية أخرى قد عرفت المصير نفسه، ولكن هذه المرة بحبوب أرز وقمح مضمَّنة بجراثيم الطاعون، وكانت أعداد الضحايا كبيرة في الحالتين.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، لقي الآلاف من الجنود الصينيين حتفهم بسبب جراثيم متنوعة ألقتها الطائرات المعادية، لكن لم ترد الصين على ذلك بالمثل أبداً. وعندما اندلعت الحرب الكورية كانت خشية واشنطن كبيرة بعد ذلك من أن تستخدم الصين الأسلحة البيولوجية تلك المرة، مع التأكيد على أنه قد جرى اختبار جراثيم تؤدي للإصابة بأربعة أمراض من أجل استخدامها ضد كوريا الشمالية من قبل الأمريكيين، وهي أمراض الجمرة الخبيثة (الانثراكس)، والحمى المالطية (المتموجة)، و (الحمى التلرية) نسبة إلى منطقة تلار في كاليفورنيا، حيث ظهر المرض للمرة الأولى، (وداء الببغاء) الذي يمكن أن يصيب الإنسان أيضاً.
وكان تقرير قد صدر عن اللجنة العلمية الدولية للتحقيق في الوقائع الخاصة بالأسلحة الجرثومية في كوريا والصين - وهو تقرير منشور عام 1952م، ويتألف من (700) صفحة - قد وصل إلى نتيجة مفادها أن السكان الصينيين والكوريين جرى استهدافهم بالفعل بأسلحة جرثومية. كما أن ذلك التقرير تضمن قائمة بالأسلحة التي جرى استخدامها ضد كوريا الشمالية، وكان من أكثر الأسلحة استخداماً أقلام تحوي حبراً ملوثاً بالجراثيم المسببة للأمراض، وأيضاً ريش مغطَّى (بالانثراكس) (جرثومة الجمرة الخبيثة)، وبراغيث، وقمل، وذباب، تحمل كلها جراثيم الطاعون، والحمى الصفراء.
لندن على الخط


كان العالم الأمريكي (فرانك ولسون) قد قام بعدة أسفار إلى بريطانيا كي يدرس النشاطات الخاصة بالتسلح البيولوجي مع الدكتور (وليام سارغان)، المسؤول البريطاني عن ذلك القطاع في إطار جهاز الاستخبارات الانجليزية (إم آي 6). وفي أحد أسفاره - بتاريخ 9 مايو 1950م - ذهب إلى قاعدة تابعة للقوات الجوية البريطانية، التي كان يستخدمها آنذاك عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات البريطاني للانطلاق إلى أوروبا.
ويروي أحد التقارير أن أحد الباحثين البريطانيين شرح ل (ولسون) أنه كان يحاول الحصول على سم رعاف من مرارة تمساح، وأنه كان ينبغي للحيوان أن يكون حياً كي يكون السم فعالاً، لذلك فكر هذا الباحث أن يسأل مخازن شهيرة في لندن، والتي رفعت شعار: (نبيع كل شيء)، عمَّا إذا كان بإمكانها أن تستورد تمساحاً له من أفريقيا، ولم يتم تنفيذ تلك الفكرة، إذ رفضها رؤساؤه
بسبب ما تحمله من مخاطر، واقترح باحث آخر في مجال الكيمياء مشروع خلط نوع

من الأسمنت، كان شائع الاستخدام في البناء بالاتحاد السوفيتي بمادة تجعله يتفسخ فيما بعد، وأطلع (ولسون) في بريطانيا على العديد من السموم المستخدمة من القواقع البحرية وغيرها.
وكان (ولسون) قد وصل إلى إنجلترا في مايو 1953م، حيث حصل على ترخيص يسمح له بزيارة المناطق البريطانية والفرنسية والأمريكية في برلين الغربية، والتي كان يهم بالذهاب إليها، وقد رأى هناك - في برلين - للمرة الأولى استخدام أحد اكتشافاته على المدانين بأن يكونوا حقولاً للتجارب، وواجه (ولسون)، للمرة الأولى، حقيقة ما كان يفعله، ولم يخف أنه حضر عملية قتل المدانين بالتجارب التي كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تستخدمهالتجاربها في ألمانيا، وكان يطرح على نفسه الكثير من الأسئلة، وكان بحاجة إلى من يطمئنه حيال رغبته للحديث مع رؤسائه المباشرين عما رآه. وكان (ولسون) هو النموذج الكلاسيكي للعالم المخبر الذي يرى للتو النتيجة النهائية لعمله.
وبعد إقلاع (ولسون) مباشرة إلى الولايات المتحدة من إحدى القواعد التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية بالقرب من لندن، عمل الدكتور (سارغان) ما اعتبره واجبه، ونصح رؤساءه في الأجهزة السرية البريطانية بعدم السماح ل (ولسون) بالوصول إلى الأبحاث التي كانت تجري في مختلف المؤسسات السرية التي زارها سابقاً في بريطانيا، واعتبر (سارغان) أن (ولسون) قد أصبح شخصاً مؤهلاً للذهاب إلى وسائل الإعلام كي يكشف لها ما يجري، وأنه كان يعتبر ذلك واجباً وطنياً.
كان (سارغان) على دراية كاملة بأن التقرير الذي سوف يكتبه عن (فرانك ولسون) سوف يتم تحويله إلى رؤسائه في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكان الأمريكيون والبريطانيون دائماً على درجة عالية من التلاحم حيال مثل هذا النوع من المشكلات.
وكان مما كتبه (سارغان) في ذلك التقرير، قوله: "إن (ولسون) كان مشوشاً بعمق مما رآه في أقبية وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في ألمانيا، وهناك عناصر مختلفة تدل على أنه لم يكن ينوي الاحتفاظ بسر ما قد رآه".
وقبل عدة أسابيع فقط من موت (فرانك ولسون) في 23 نوفمبر 1953م، كان الدكتور (ستانلي غوتليب) يركز أبحاث قسمه كلها حول مادة واحدة هي (ال. اس. دي)، وكان قد اكتشف أن جرعة صغيرة جداً من ذلك المخدر يمكن أن تعطي نتائج باهرة، إذ إن الذين يأخذونه يفقدون مفهوم الزمن والمكان الذي هم فيه، ويفقدون التمييز بين الخير والشر، أي إنهم يفقدون كوابحهم، ويكثرون من مزاعمهم، ويقولون بصوت عالٍ ما يجول في رؤوسهم، إن رجالاً أصحاء الجسد والعقل يصبحون مجانين مؤقتاً، وكان هناك رجل جرى خلط ما يشربه بقليل من هذه المادة، فتبدى له أنه يرى قوس قزح يخرج من الأرض، ووحوشاً تنبثق من الجدران، ثم سقط على الأرض وهو يصرخ ويقول: "إنني مستعد للاعتراف بأي شيء كي يتوقف ذلك".
هذه النتائج دفعت الدكتور (غوتليب) للتفكير بأنه قد ينبغي استخدام مادة (
LSD)، في حالة (ولسون)، أي اعتباره (حقل تجارب)، إذ قد يمكن بذلك التعرف بسهولة أكبر على استعداداته، وقد جاء فى إحدى الوثائق أنه في مطلع نوفمبر 1953م، أخبروا (ولسون) أن عليه حضور ندوة مدتها ثلاثة أيام، حيث سيتم نقاش آخر التطورات التي وصل إليها مشروع الأسلحة السرية، وفي يوم 18 من ذلك الشهر، توجه إلى حيث سيتم عقد الندوة، وكان عدد الحضور حوالي اثني عشر شخصاً من المعنيين بالموضوع، وكان الجميع خبراء بالاغتيال.
وفي نهاية اليوم الأول، وعند العشاء أصر (غوتليب) - وهو خبير في عمليات الاغتيال - على أن يجلس (ولسون) بجانبه، وكان شديد اللطف معه، ثم عندما فرغوا من الطعام، دعاهم جميعاً لشرب كأس قبل الذهاب إلى النوم، وهكذا، عرف (غوتليب) النوع الذي يفضله (ولسون) ليعطيه في مساء اليوم التالي كأساً منه ممزوجاً بمادة (
LSD)، وبعد عشرين دقيقة، أخذ (ولسون) يردد للجميع: "أنتم لستم سوى عصابة من الجواسيس، وينبغي علي أَلاَّ أوجه كلاماً لكم". ثم خرج وهو تحت تأثير المخدر وذهب إلى منزله، ولم يقل لزوجته عند وصوله سوى جملة واحدة، هي: "لقد كنت في عالم مختلف، وكنت مشوشاً جداً".
وفي اليوم التالي - وكان يوم أحد - أبدى (ولسون) مزاجاً أفضل، ودعته زوجته لحضور فيلم سينمائي، وكان عن رجل يناضل وحده ضد منظمة قوية، ولم يتفوه (ولسون) بكلمة واحدة عند العودة إلى المنزل، وذهب للنوم مباشرة، لينهض في صباح اليوم التالي مبكراً، ويغادر المنزل، وهو يقول لزوجته إن عليه الاهتمام بقرار حاسم، وعندما وصل إلى المكتب بادر رئيسه المباشر بقوله: "إما أن تطردونني أو أستقيل".
وفي أحد فنادق نيويورك، انتهت حياة (فرانك ولسون) ليلة 23 نوفمبر 1953م، وطويت القضية يومها على أساس أنه انتحر، إذ ألقى بنفسه من الطابق العاشر للفندق
 
حرب خفية تحتاج الى قرائة مستفيضة كثيرا من اجل وضع النقاط على الحروف
 
عودة
أعلى