الدفـاع الجـوي للقـوات البحرية
لم تكد الطائرات تظهر في بداية القرن العشرين المنصرم كعنصر مفيد، نظرا للميزات التي تتمتع بها، حتى استُخدمت في قيادة العمليات الحربية، سواء في مسارح العمليات البرية أو البحرية، وقد استخدمت الطائرات في البداية لمراقبة وضبط الرمي ولمشاهدة ما يحدث خلف الأفق بالنسبة للسفن، ثم أصبحت الطائرة نفسها حاملة للأسلحة فتضاعف مدى هذه الأسلحة عشرات المرات.
إن الخطر الجوي يبدو بشكلين متميزين: استطلاع العدو متبوعا بهجوم مباشر، وإن المراقبة والاستطلاع يكونان تحت أشكال شتى، ابتداء من أبسط الأنواع التي هي الرؤية المباشرة حتى أكثر الوسائط من الأجهزة الإلكترونية، وليس من الضروري التأكيد على الميزات والفوائد التي تجنيها أي دولة تمتلك وسائط الهجوم من الاستطلاع الدقيق بالاستعداد لقوات العدو ومواقع أساطيله، سواء أكان ذلك في قيادة العمليات الجوية أو توجيه الغواصات.
إن الهجوم المباشر يملك جميع وسائط التسلح الحديث من طائرات الهجوم التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعدة أضعاف وذات مدى بعيد، تقوم بهجومها في طيران مكثف أو تستخدم في أعمالها صواريخ أرض - جو نصف موجهة أو موجهة ذات رؤوس تقليدية أو نووية، أو صواريخ بحر - بحر تطلق من مسافات متوسطة، أو بعيدة سواء من سفن سطحية أو غواصات في جوف البحر.
ومهما كان شكل هجوم العدو فإن الخطر الجوي يمكن أن يتميز ببعض الصفات:
- خطر دائم: إذ إن العدو الجوي يمتلك المبادرة في اختيار المكان والزمان، كما أنه يحدد ضخامة القوة المشتركة في الهجوم.
- خطر متنوع: إذ إن بعض تحركات العدو وإن كانت في الظاهر غير خطرة، فإنه يمكن أن تصل إلى نتائج كبيرة -إذا تمت مقاومة الارتفاع، السرعة، ووضعية العدو الجوي- لا يمكن التكهن بها.
- خطر ذو مدى بعيد: إذ إن وسائط الكشف والتسليح تسمح للعدو الجوي أن يرى ويتصرف على مسافات بعيدة عن هدفه.
إن العدو الجوي ذو حجم صغير ويتحرك بسرعة فائقة، كما أنه يختفي بالسرعة التي يظهر فيها، وبذلك نجد أنه من الصعب اكتشافه في الوقت المناسب ومن الأصعب تدميره كذلك، وتجاه هذا العدو يجب على القوى البحرية، كي تستطيع البقاء، المحافظة على حرية الحركة، ويجب عليها أن تغير من تكتيكها وأن تحسن من وسائطها.
وضعية القوى البحرية:
يمكن للخطر الجوي أن يثقل كاهل القوى البحرية في أوضاع مختلفة، في الموانئ والمراسي والخلجان، حيث تكون القوى البحرية عاطلة عن العمل، ويكون الدفاع الجوي عن السفن مطابقاً للدفاع الجوي عن النقاط الحيوية والمراكز الهامة الأرضية، وذلك وفقاً لنظام الدفاع الجوي، ويمكن أن تشارك بعض الوحدات البحرية على مقربة من الشاطئ ضمن نطاق مهمتها (أعمال مكافحة الغواصات، كسح الألغام، مرافقة القوافل، مراقبة)، وبالرغم من ذلك فإننا لا نعتبر أن وسائط الدفاع المضادة للطائرات المطبقة في البر كافية تماما، إذ إنها تتم هناك بمشاركة السفن باستخدام وسائطها الدفاعية، ولكن الوضع الأهم بالنسبة للأسطول هو الدفاع المضاد للطائرات أثناء إبحاره بعيدا عن مدى الطيران الصديق المتمركز على المطارات الأرضية.
خواص الدفاع الجوي في البحر:
كل قوة بحرية تخرج إلى عرض البحر يكون خروجها لغاية محدودة ومهمة معينة، ومن ذلك ينتج خطوط سير وسرعات وتشكيلات متتابعة، كما يتحدد نوعية وعدد السفن التي تتشكل منها هذه القوى. ومهما تكن المهمة المعطاة للقوى البحرية فإنها بالتأكيد لن تكون مقتصرة على الدفاع الجوي، ومن هنا يظهر لنا بوضوح المعطيات الأساسية لآلية الدفاع الجوي لقوة بحرية في عرض البحر، وهي تنبع من تناقض ضرورة الدفاع الجوي مع المهمة الأساسية التي خرجت من أجلها السفن ونظرا للمهمة الأساسية المعطاة للسفن فإنها لا تتمكن من تطبيق المبدأ الأساسي للدفاع الجوي بشكل عام، وهو السيطرة على الجو وذلك بالقيام بأعمال الهجوم على مطارات العدو وضربه على الأرض وفي الجو بغية إنهاك قواه المهاجمة.
وبالرغم من أن القوة البحرية لا تستطيع القيام بذلك على حساب مهمتها الأساسية، فيجب ألا يغيب عن بالنا أنها لا تملك المبادرة في كل لحظة، ولكي تكفل عدم مفاجأتها من قبل العدو الجوي فهي تنظم دفاعها الجوي على مبدأ المنطقة الخطرة المحدودة التي يمكنها أن تستخدم فيها وسائط الدفاع الجوي غير المخصصة للمهمة الأساسية. ومن جهة أخرى تجدر الملاحظة أن القوة البحرية مشكّلة من عناصر متحركة، وهي بذلك تمتاز بمرونة وحركة واسعة، فتشكل أهدافا غير واضحة تتغير أوضاعها باستمرار وهذا مما يقلل نتائج الهجوم الجوي عليها إذا لم يستطع هذا العدو استطلاعها بشكل دقيق ومعرفة تشكيلاتها. ومن هذه العناصر الثلاثة الواضحة (وجود مهمة أساسية - حدود منطقة خطرة - الحركة والمرونة) تتكون خصائص الدفاع الجوي لقوة بحرية.
التطور الفني للخطر الجوي:
بسبب ضعف الاستطلاع وقلة المعلومات عن الهجوم الجوي المنتظر فقد كانت الأساطيل في عرض البحر تعتمد على منطقة ممنوعة، حيث توجه كافة أسلحتها المضادة بفعالية عند ظهور العدو الجوي في هذه المنطقة، وكان ذلك يكفي لمنع طائرات العدو من الوصول إلى أهدافها، ولهذه الغاية كانت السفن ذات القيمة تسير في الوسط تحيط بها سفن الدفاع الجوي، وعند بدء المعركة مع العدو الجوي فإن نيران هذه المجموعة كانت تشكل بحق كرة من النيران ندر أن استطاع عدو جوي الخروج منها بسلام، ولتفاديها كان على العدو الجوي التخلي عن مهمته في تدمير الهدف. وكان ذلك في حرب المحيط الهادي حيث كانت أسلحة الطائرات قنابل أو طوربيدات يتوجب إلقاؤها بدقة لإصابة الهدف. ويعني ذلك إطلاقها على مسافة قريبة أي ضمن مدى المدفعية المضادة، وكانت طلقة أو قذيفة واحدة كافية لتعطيل السفينة، بينما تحتاج إلى عدة إصابات لجعلها خارج المعركة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار حساب الاحتمالات فإننا نجد أنه يلزم أعداد كبيرة من الطائرات المهاجمة للوصول إلى نتيجة مقبولة للهجوم على قوة بحرية. ومن السهل اكتشاف مجموعات الطيران الكبيرة في الجو بواسطة القنص إذا لم تكن محمية بطيران مقاتل قوي. كان ذلك في الماضي وأما اليوم فإن التطور الفني قد قلب معطيات المسألة على ما يبدو لصالح العدو المهاجم:
- من جهة أولى نرى أن الاستطاعة التدميرية لقنبلة نووية قد حررت العدو المهاجم من مهمة الدقة في الإصابة وكذلك من مهمة تعدد الطائرات المهاجمة، إذ تكفي قنبلة نووية بدون إصابة مباشرة لتعطيل مجموعة من السفن إذا كانت في التشكيل المنظم.
- وبالإضافة إلى ذلك فإن ظهور الصواريخ الضاربة أو الموجهة (جو - أرض، أرض - أرض) قد قلب طرق الهجوم، إذ أعطى للطائرات المهاجمة وكذلك لسفن السطح إمكانية إطلاق شحناتها على مسافات مساوية وأكبر من مدى المدفعية، وخاصة مدى المدفعية المضادة للطائرات، وبذلك لم يعد العدو الجوي القادر على توجيه الضربة القاتلة.. لم يعد هذا العدو طائرة محملة وبطيئة نسبيا ومضطرة لاقتحام النار التي تشكلها المدافع المضادة للطائرات.. إنها اليوم مجموعة صغيرة من الطائرات وربما طائرات منفردة يقودها طيارون أو موجهة آليا تطير بسرعات هائلة على ارتفاعات منخفضة قاذفة شحنات نووية.
صواريخ بالستية ورؤوس نووية:
هل بقي مجال للحياة أمام القوات البحرية تجاه هذه الأخطار؟.. نعتقد أن الجواب: نعم، إذ إن هذا الخطر ليس شاملا كما يعتقد البعض ويجب تحليله بدقة قبل الوصول إلى النتائج النهائية، ومن جهة أخرى فإن القوات البحرية المعاصرة تراعي الظروف الجديدة التي أوجدتها الأسلحة النووية مستفيدة من التمويه والتوزيع، كما أن الأسلحة المضادة قد تطورت بالتوازي مع أسلحة الهجوم، مستخدمة مثلها رؤوسا نووية وصواريخ.
إن الصواريخ البالستية حتى الآن لم تشكل خطرا حقيقيا ضد الأساطيل في البحر، بالرغم من أن ميزاتها الخيالية تجعلها أبعد من مدى الدفاع الجوي؛ لسبب بسيط جدا وهو سرعتها الهائلة وعدم إفساح المجال أمام الدفاع الجوي لحساب النقطة المستقبلة، وبذلك لا يستطيع تعديل عناصر الرمي، كما أن القوات البحرية تستفيد من ميزة الحركة المتنقلة خلال أيام وأسابيع وأشهر بسرعات متوسطة أعلى من السرعات الحديثة للقوات البرية مستخدمة مسرح البحار الواسع الممتد على ثلثي سطح الكرة الأرضية متحررة من المرور في عقد المواصلات التي تتعرض لها القوات البرية كالمضائق بين الجبال والسكك الحديدية والجسور... الخ، وبذلك تمر بسهولة من الرمي المعلم أو المحضر، وهي -في الحد الأدنى- أقل تعرضا من الكتل البشرية أو تجمع الآليات أو الطيران المحشود على الحدود الأرضية.
وفيما يتعلق بالخطر النووي (خطر الانفجار النووي) فإن السفن الحربية مجهزة ضد ذلك، إذ إنها في الأصل مبنية لمقاومة الأعاصير الطبيعية (التايفون)، وهي بذلك تقاوم بشكل طبيعي الصدمة الناتجة عن الانفجار النووي، وكذلك بناءها المعدني الخارجي الذي لا يحتوي مواد قابلة للاشتعال يعطيها المناعة ضد الإشعاعات الحرارية التي تنتج عن الانفجار النووي، وبذلك تكون مقاومته أعظم بكثير من مقاومة المنشآت الأرضية، كما أن البحر يقدم لها الحامل المرن الذي يسمح لها بالانحناء دون الانكسار تحت تأثير أمواج الصدمة والرياح الذرية التي تدمر أقوى المباني الأرضية، وبالإضافة إلى ذلك فإن سرعتها وحرية المناورة لديها تسمح لها بالخروج بسرعة من المناطق الملوثة بالإشعاعات.
تطوير القوات البحرية وفقا لتطور الخطر:
على عكس الصواريخ البالستية فإن الصواريخ الموجهة تستطيع تغيير مسارها النهائي حسب الوضعية الحقيقية للهدف، وهي بذلك تشكل خطرا قاتلا بالنسبة للسفن، ولكن يمكن مقارنتها بالطائرات، أي إنها تخضع للقوانين «الايرويانيمكية»، أو تستطيع السفن بالوسائل الحديثة المتبعة في المعارك البحرية أن تتفادى بعض أخطارها. وفي المكان الأول نجد أن السفن البحرية موزعة وتكون المسافات الفاصلة بين السفن ذات الأهمية (التي يمكن اختيارها كأهداف للصواريخ) بضعة كيلو مترات بدلاً من بضع مئات الأمتار التي كانت تفصل السفن في السابق. وبذلك لايستطيع العدو المهاجم تدمير أكثر من سفينة واحدة بالصاروخ الواحد.
وتستفيد السفن من عامل التوزع وهي بذلك تموه حقيقتها على العدو، فلا يستطيع أن يعرف ترتيبها الواضح وحركتها النسبية إذا اكتشفت بعض السفن فقط، وبذلك يصعب عليه البحث عن الأهداف وتحديدها. وأخيراً فإننا نرى أن السفن مزودة بوسائل الدفاع الجوي المتطورة مع تطور السلاح المهاجم، وكذلك نجد أن تنظيم القيادة والاتصال والتكتيك المتبع ضروري لهذا التطور.
التشكيلات:
لقد هجرت القوات البحرية نهائيا التشكيلات الهندسية الثابتة منذ أن أصبحت معرضة للخطر الجوي وثبتت التشكيلات المنفتحة التي تحدد فيها الوضعيات النسبية للسفن بين بعضها البعض. إن لكل سفينة حرية المناورة بسرعات مستقلة على طرق خاصة داخل المنطقة المخصصة لها. وغالبا ما تكون في منطقة دائرية نصف قطرها بضعة كيلومترات، ومجموعة هذه المناطق تكوّن التشكيل الهندسي الثابت المتحرك بسرعة خاصة وعلى طريق معين نحو المهمة الملقاة على عاتق القوة البحرية، وبهذا الشكل تبدو مجموعة السفن بتشكيل مرن واضح بالنسبة للعدو، وكذلك تكون السفن الأكثر أهمية قريبة من مركز التشكيل.
ومن أجل تأمين الدفاع بالعمق المطلوب أي تركيز الوسائط الدفاعية فإن توزيع هذه الوسائط يكون في مناطق مركزها مركز التشكيل، وأخيرا توجد على أطراف التشكيل سفن خاصة تسمى «سفن الكشف بالرادار» مهمتها كشف العدو على أبعد مسافة ممكنة من التشكيل الأساسي، وبوجه عام إذا كانت الطبيعة الجغرافية أو المعلومات الخاصة تفرض اتجاها معينا لخطر العدو، يتم تركيز الوسائط الدفاعية باتجاه محور الخطر.
الوسائط والأسلحة:
يتعرض الأسطول عند وجوده في البحر للخطر الجوي للعدو باستمرار، وهو لذلك يتشدد بالمراقبة ويجهز سفنه بأحدث وسائل المراقبة والإنذار، فكافة السفن مزودة برادارات كشف جوي، والحديث منها يستطيع كشف طائرة على مسافة (17) ميلا بحريا (300 كم)، وبالإضافة إلى ذلك فإن سفن الكشف الجوي تزود برادارات خاصة وميزاتها أفضل، إذ تستطيع تحديد ارتفاع الطائرة بالإضافة إلى بعدها. كما أننا نلاحظ أن بعض الدول تزود أساطيلها بطائرات مزودة برادار قوي، وتستطيع هذه الطائرات إعطاء إنذار مبكر عن طيران العدو، وكذلك تستطيع كشف العدو عندما يطير على ارتفاعات منخفضة محاولا التقرب ما أمكن من الأسطول مستفيدا من عدم إمكانية رادارالسفن كشفه على مسافة بعيدة عند طيرانه المكثف فوق سطح البحر.
وإذا كان المهاجم الجوي قد استطاع زيادة مدى سلاحه بواسطة الصواريخ (جو - أرض)، فإن السفن المرافقة قد دعمت مدفعيتها المضادة للطيران بصواريخ (أرض - جو) يتراوح مداها من عشرين إلى مئة ميل بحري. وأخيراً فإن الأساطيل قد أصبحت مزودة بطائرات القنص التي تتمكن من الطيران في كل الأجواء، والمسلحة بالصواريخ (جو - جو).
تنظيم القيادة:
ينظم الأسطول البحري أو القوة البحرية لتنفيذ مهمة معينة، ويتسلم القيادة ضابط من أمراء البحر يدعى «القائد التكتيكي» وهو مسؤول عن تنفيذ المهمة المعطاة للأسطول، وندعوه أمير البحر «أميرال»، ونظرا لكبر المسؤولية الملقاة على عاتق أمير البحر فإنه يتنازل لأحد مرؤوسيه عن جزء من مسؤولياته وخاصة فيما يتعلق بالدفاع الجوي، وهو بذلك يستمر بتحمل المسؤولية كاملة تجاه القيادة الأعلى، وبما أن مسؤوليته كاملة وعليه تنفيذ المهمة مهما اختلفت ردود الفعل عند العدو، فإن أمير البحر يحتفظ لنفسه بما يلي وفي كل الحالات:
- اختيار وتشكيل الأسطول في البحر (التشكيلات وترتيب السفن).
- إصدار أوامر الصمت الإلكتروني (لاسلكي، رادار).
- إعطاء علامات التمييز للطائرات؛ بغية تمييز الطائرات الصديقة عن الطائرات المعادية، وبالتالي أوامر فتح النيران المضادة للطائرات.
- تحديد درجة الاستعداد للسفن، أي كمية الأسلحة الجاهزة للتدخل في أي لحظة.
- نسبة الطيران البحري الواجب إشراكه في المعركة دفعة واحدة.
ويحدد أمير البحر كل هذه المعطيات لمرؤوسيه وهم بدورهم يتصرفون، وفقا لها، كل ضمن اختصاصه ومسؤوليته، وأما قائد الدفاع الجوي فيكون عادة من الضباط الأمراء، كقائد حاملة طائرات مثلا أو طراد مضاد للطائرات أو مركب قاذف صواريخ، وتتوزع مسؤولياته على أربع أفرع:
- تنظيم الاستطلاع الجوي مستخدما كافة وسائط الكشف لهدف الأسطول ثم تقييم معلومات الاستطلاع.
- استخدام الوسائط المضادة للطائرات لكافة السفن، وخاصة توزيع طائرات القنص والسيطرة على فتح النيران المضادة للطائرات.
- مراقبة وتنظيم الطيران الصديق، وانتقال طائرات القنص والهجوم عند الإقلاع والعودة من مهامها، وكذلك طائرات مكافحة الغواصات، وموافقة مهامها مع الوضع العام للدفاع المضاد للطائرات.
- وأخير الحرب الإلكترونية وفقا للخطة المصدقة.
ونلاحظ أن مهام قائد الدفاع الجوي صعبة للغاية، ومن حسن الحظ أن التقدم الفني يساعد على تسهيلها وكذلك إعطاء بعض الصلاحيات لقادة السفن فيما يتعلق بتنظيم نيرانهم الدفاعية المضادة للطائرات وحسن استغلالها.
التمويه الإلكتروني:
يعد التمويه من أهم التدابير التي يجب المحافظة عليها أثناء الإبحار. وتتجه جميع الجهود نحو تحسين الأجهزة الإلكترونية، ولا يجوز قطع الصمت الإلكتروني إلا في الحالات الضرورية جدا، التي لها علاقة مباشرة بمهمة الأسطول، ويكون خرق الصمت الإلكتروني بأمر من أمير البحر فقط، وبالدرجة الأولى تمنع القوة البحرية من إجراء أي بث إلكتروني يكشف وجودها في عرض البحر أو يدل على مكانها أو تشكيلها، وبالطبع فإن مثل هذا الصمت يسبب مضايقة في مجال السيطرة على السفن وخاصة لتأمين الاتصال فيما بينها، وهي لذلك تستخدم طائرة خاصة تكون واسطة لنقل الاتصال بالموجة القصيرة جدا التي يمكن اعتبارها سرية نسبيا وذلك بسبب قصر مداها.
وبالطبع فإنه من غير الممكن المحافظة على الصمت الإلكتروني بشكل تام، إذ إنه لا يجوز بأي حال من الأحوال بقاء الأسطول في حالة عمى عما يدور حوله وذلك محافظة على الصمت الإلكتروني، ولذلك فإن أمير البحر يتبع طريقة الصمت المطلق بالنسبة لمعظم سفن الأسطول، ويحدد أوقات بث متناوبة لبعض السفن، ويحتمل في ذلك تنفيذ أي فرضية كانت وخاصة استخدام الإرسال الإذاعي عن طريق سفن صغيرة مكشوفة بهوية مزورة. وأخيرا فإن كافة سفن الأسطول تستخدم وسائطها الإلكترونية السلبية (التنصت) بغية كشف العدو المنتظر والحصول على معلومات دقيقة عنه.
إن ما يعطي الفاعلية للدفاع الجوي هو تنفيذ كافة الاحتياطات في سفن الأسطول (الانتشار - الوضعيات النسبية للسفن - الصمت والتمويه الإلكتروني - استخدام الأسلحة المضادة للطائرات)، ويجب أن نتذكر أن مسائل الدفاع الجوي تضاف إلى مسائل مكافحة الغواصات وإلى المسائل التكتيكية والتموينية المعقدة بالنسبة للمهمة العملياتية المنوطة بالقوة البحرية، وإذا جمعنا كل ذلك نلاحظ أنه قد يضيق عقل الرجل عن استيعاب كل هذه الأشياء، ولهذه الغاية نجد أن جميع البحريات اتجهت نحو الحلول الآلية بواسطة الحاسبات الإلكترونية الحديثة.
عن مجلة القوات الجوية الفرنسية
لم تكد الطائرات تظهر في بداية القرن العشرين المنصرم كعنصر مفيد، نظرا للميزات التي تتمتع بها، حتى استُخدمت في قيادة العمليات الحربية، سواء في مسارح العمليات البرية أو البحرية، وقد استخدمت الطائرات في البداية لمراقبة وضبط الرمي ولمشاهدة ما يحدث خلف الأفق بالنسبة للسفن، ثم أصبحت الطائرة نفسها حاملة للأسلحة فتضاعف مدى هذه الأسلحة عشرات المرات.
إن الخطر الجوي يبدو بشكلين متميزين: استطلاع العدو متبوعا بهجوم مباشر، وإن المراقبة والاستطلاع يكونان تحت أشكال شتى، ابتداء من أبسط الأنواع التي هي الرؤية المباشرة حتى أكثر الوسائط من الأجهزة الإلكترونية، وليس من الضروري التأكيد على الميزات والفوائد التي تجنيها أي دولة تمتلك وسائط الهجوم من الاستطلاع الدقيق بالاستعداد لقوات العدو ومواقع أساطيله، سواء أكان ذلك في قيادة العمليات الجوية أو توجيه الغواصات.
إن الهجوم المباشر يملك جميع وسائط التسلح الحديث من طائرات الهجوم التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعدة أضعاف وذات مدى بعيد، تقوم بهجومها في طيران مكثف أو تستخدم في أعمالها صواريخ أرض - جو نصف موجهة أو موجهة ذات رؤوس تقليدية أو نووية، أو صواريخ بحر - بحر تطلق من مسافات متوسطة، أو بعيدة سواء من سفن سطحية أو غواصات في جوف البحر.
ومهما كان شكل هجوم العدو فإن الخطر الجوي يمكن أن يتميز ببعض الصفات:
- خطر دائم: إذ إن العدو الجوي يمتلك المبادرة في اختيار المكان والزمان، كما أنه يحدد ضخامة القوة المشتركة في الهجوم.
- خطر متنوع: إذ إن بعض تحركات العدو وإن كانت في الظاهر غير خطرة، فإنه يمكن أن تصل إلى نتائج كبيرة -إذا تمت مقاومة الارتفاع، السرعة، ووضعية العدو الجوي- لا يمكن التكهن بها.
- خطر ذو مدى بعيد: إذ إن وسائط الكشف والتسليح تسمح للعدو الجوي أن يرى ويتصرف على مسافات بعيدة عن هدفه.
إن العدو الجوي ذو حجم صغير ويتحرك بسرعة فائقة، كما أنه يختفي بالسرعة التي يظهر فيها، وبذلك نجد أنه من الصعب اكتشافه في الوقت المناسب ومن الأصعب تدميره كذلك، وتجاه هذا العدو يجب على القوى البحرية، كي تستطيع البقاء، المحافظة على حرية الحركة، ويجب عليها أن تغير من تكتيكها وأن تحسن من وسائطها.
وضعية القوى البحرية:
يمكن للخطر الجوي أن يثقل كاهل القوى البحرية في أوضاع مختلفة، في الموانئ والمراسي والخلجان، حيث تكون القوى البحرية عاطلة عن العمل، ويكون الدفاع الجوي عن السفن مطابقاً للدفاع الجوي عن النقاط الحيوية والمراكز الهامة الأرضية، وذلك وفقاً لنظام الدفاع الجوي، ويمكن أن تشارك بعض الوحدات البحرية على مقربة من الشاطئ ضمن نطاق مهمتها (أعمال مكافحة الغواصات، كسح الألغام، مرافقة القوافل، مراقبة)، وبالرغم من ذلك فإننا لا نعتبر أن وسائط الدفاع المضادة للطائرات المطبقة في البر كافية تماما، إذ إنها تتم هناك بمشاركة السفن باستخدام وسائطها الدفاعية، ولكن الوضع الأهم بالنسبة للأسطول هو الدفاع المضاد للطائرات أثناء إبحاره بعيدا عن مدى الطيران الصديق المتمركز على المطارات الأرضية.
خواص الدفاع الجوي في البحر:
كل قوة بحرية تخرج إلى عرض البحر يكون خروجها لغاية محدودة ومهمة معينة، ومن ذلك ينتج خطوط سير وسرعات وتشكيلات متتابعة، كما يتحدد نوعية وعدد السفن التي تتشكل منها هذه القوى. ومهما تكن المهمة المعطاة للقوى البحرية فإنها بالتأكيد لن تكون مقتصرة على الدفاع الجوي، ومن هنا يظهر لنا بوضوح المعطيات الأساسية لآلية الدفاع الجوي لقوة بحرية في عرض البحر، وهي تنبع من تناقض ضرورة الدفاع الجوي مع المهمة الأساسية التي خرجت من أجلها السفن ونظرا للمهمة الأساسية المعطاة للسفن فإنها لا تتمكن من تطبيق المبدأ الأساسي للدفاع الجوي بشكل عام، وهو السيطرة على الجو وذلك بالقيام بأعمال الهجوم على مطارات العدو وضربه على الأرض وفي الجو بغية إنهاك قواه المهاجمة.
وبالرغم من أن القوة البحرية لا تستطيع القيام بذلك على حساب مهمتها الأساسية، فيجب ألا يغيب عن بالنا أنها لا تملك المبادرة في كل لحظة، ولكي تكفل عدم مفاجأتها من قبل العدو الجوي فهي تنظم دفاعها الجوي على مبدأ المنطقة الخطرة المحدودة التي يمكنها أن تستخدم فيها وسائط الدفاع الجوي غير المخصصة للمهمة الأساسية. ومن جهة أخرى تجدر الملاحظة أن القوة البحرية مشكّلة من عناصر متحركة، وهي بذلك تمتاز بمرونة وحركة واسعة، فتشكل أهدافا غير واضحة تتغير أوضاعها باستمرار وهذا مما يقلل نتائج الهجوم الجوي عليها إذا لم يستطع هذا العدو استطلاعها بشكل دقيق ومعرفة تشكيلاتها. ومن هذه العناصر الثلاثة الواضحة (وجود مهمة أساسية - حدود منطقة خطرة - الحركة والمرونة) تتكون خصائص الدفاع الجوي لقوة بحرية.
التطور الفني للخطر الجوي:
بسبب ضعف الاستطلاع وقلة المعلومات عن الهجوم الجوي المنتظر فقد كانت الأساطيل في عرض البحر تعتمد على منطقة ممنوعة، حيث توجه كافة أسلحتها المضادة بفعالية عند ظهور العدو الجوي في هذه المنطقة، وكان ذلك يكفي لمنع طائرات العدو من الوصول إلى أهدافها، ولهذه الغاية كانت السفن ذات القيمة تسير في الوسط تحيط بها سفن الدفاع الجوي، وعند بدء المعركة مع العدو الجوي فإن نيران هذه المجموعة كانت تشكل بحق كرة من النيران ندر أن استطاع عدو جوي الخروج منها بسلام، ولتفاديها كان على العدو الجوي التخلي عن مهمته في تدمير الهدف. وكان ذلك في حرب المحيط الهادي حيث كانت أسلحة الطائرات قنابل أو طوربيدات يتوجب إلقاؤها بدقة لإصابة الهدف. ويعني ذلك إطلاقها على مسافة قريبة أي ضمن مدى المدفعية المضادة، وكانت طلقة أو قذيفة واحدة كافية لتعطيل السفينة، بينما تحتاج إلى عدة إصابات لجعلها خارج المعركة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار حساب الاحتمالات فإننا نجد أنه يلزم أعداد كبيرة من الطائرات المهاجمة للوصول إلى نتيجة مقبولة للهجوم على قوة بحرية. ومن السهل اكتشاف مجموعات الطيران الكبيرة في الجو بواسطة القنص إذا لم تكن محمية بطيران مقاتل قوي. كان ذلك في الماضي وأما اليوم فإن التطور الفني قد قلب معطيات المسألة على ما يبدو لصالح العدو المهاجم:
- من جهة أولى نرى أن الاستطاعة التدميرية لقنبلة نووية قد حررت العدو المهاجم من مهمة الدقة في الإصابة وكذلك من مهمة تعدد الطائرات المهاجمة، إذ تكفي قنبلة نووية بدون إصابة مباشرة لتعطيل مجموعة من السفن إذا كانت في التشكيل المنظم.
- وبالإضافة إلى ذلك فإن ظهور الصواريخ الضاربة أو الموجهة (جو - أرض، أرض - أرض) قد قلب طرق الهجوم، إذ أعطى للطائرات المهاجمة وكذلك لسفن السطح إمكانية إطلاق شحناتها على مسافات مساوية وأكبر من مدى المدفعية، وخاصة مدى المدفعية المضادة للطائرات، وبذلك لم يعد العدو الجوي القادر على توجيه الضربة القاتلة.. لم يعد هذا العدو طائرة محملة وبطيئة نسبيا ومضطرة لاقتحام النار التي تشكلها المدافع المضادة للطائرات.. إنها اليوم مجموعة صغيرة من الطائرات وربما طائرات منفردة يقودها طيارون أو موجهة آليا تطير بسرعات هائلة على ارتفاعات منخفضة قاذفة شحنات نووية.
صواريخ بالستية ورؤوس نووية:
هل بقي مجال للحياة أمام القوات البحرية تجاه هذه الأخطار؟.. نعتقد أن الجواب: نعم، إذ إن هذا الخطر ليس شاملا كما يعتقد البعض ويجب تحليله بدقة قبل الوصول إلى النتائج النهائية، ومن جهة أخرى فإن القوات البحرية المعاصرة تراعي الظروف الجديدة التي أوجدتها الأسلحة النووية مستفيدة من التمويه والتوزيع، كما أن الأسلحة المضادة قد تطورت بالتوازي مع أسلحة الهجوم، مستخدمة مثلها رؤوسا نووية وصواريخ.
إن الصواريخ البالستية حتى الآن لم تشكل خطرا حقيقيا ضد الأساطيل في البحر، بالرغم من أن ميزاتها الخيالية تجعلها أبعد من مدى الدفاع الجوي؛ لسبب بسيط جدا وهو سرعتها الهائلة وعدم إفساح المجال أمام الدفاع الجوي لحساب النقطة المستقبلة، وبذلك لا يستطيع تعديل عناصر الرمي، كما أن القوات البحرية تستفيد من ميزة الحركة المتنقلة خلال أيام وأسابيع وأشهر بسرعات متوسطة أعلى من السرعات الحديثة للقوات البرية مستخدمة مسرح البحار الواسع الممتد على ثلثي سطح الكرة الأرضية متحررة من المرور في عقد المواصلات التي تتعرض لها القوات البرية كالمضائق بين الجبال والسكك الحديدية والجسور... الخ، وبذلك تمر بسهولة من الرمي المعلم أو المحضر، وهي -في الحد الأدنى- أقل تعرضا من الكتل البشرية أو تجمع الآليات أو الطيران المحشود على الحدود الأرضية.
وفيما يتعلق بالخطر النووي (خطر الانفجار النووي) فإن السفن الحربية مجهزة ضد ذلك، إذ إنها في الأصل مبنية لمقاومة الأعاصير الطبيعية (التايفون)، وهي بذلك تقاوم بشكل طبيعي الصدمة الناتجة عن الانفجار النووي، وكذلك بناءها المعدني الخارجي الذي لا يحتوي مواد قابلة للاشتعال يعطيها المناعة ضد الإشعاعات الحرارية التي تنتج عن الانفجار النووي، وبذلك تكون مقاومته أعظم بكثير من مقاومة المنشآت الأرضية، كما أن البحر يقدم لها الحامل المرن الذي يسمح لها بالانحناء دون الانكسار تحت تأثير أمواج الصدمة والرياح الذرية التي تدمر أقوى المباني الأرضية، وبالإضافة إلى ذلك فإن سرعتها وحرية المناورة لديها تسمح لها بالخروج بسرعة من المناطق الملوثة بالإشعاعات.
تطوير القوات البحرية وفقا لتطور الخطر:
على عكس الصواريخ البالستية فإن الصواريخ الموجهة تستطيع تغيير مسارها النهائي حسب الوضعية الحقيقية للهدف، وهي بذلك تشكل خطرا قاتلا بالنسبة للسفن، ولكن يمكن مقارنتها بالطائرات، أي إنها تخضع للقوانين «الايرويانيمكية»، أو تستطيع السفن بالوسائل الحديثة المتبعة في المعارك البحرية أن تتفادى بعض أخطارها. وفي المكان الأول نجد أن السفن البحرية موزعة وتكون المسافات الفاصلة بين السفن ذات الأهمية (التي يمكن اختيارها كأهداف للصواريخ) بضعة كيلو مترات بدلاً من بضع مئات الأمتار التي كانت تفصل السفن في السابق. وبذلك لايستطيع العدو المهاجم تدمير أكثر من سفينة واحدة بالصاروخ الواحد.
وتستفيد السفن من عامل التوزع وهي بذلك تموه حقيقتها على العدو، فلا يستطيع أن يعرف ترتيبها الواضح وحركتها النسبية إذا اكتشفت بعض السفن فقط، وبذلك يصعب عليه البحث عن الأهداف وتحديدها. وأخيراً فإننا نرى أن السفن مزودة بوسائل الدفاع الجوي المتطورة مع تطور السلاح المهاجم، وكذلك نجد أن تنظيم القيادة والاتصال والتكتيك المتبع ضروري لهذا التطور.
التشكيلات:
لقد هجرت القوات البحرية نهائيا التشكيلات الهندسية الثابتة منذ أن أصبحت معرضة للخطر الجوي وثبتت التشكيلات المنفتحة التي تحدد فيها الوضعيات النسبية للسفن بين بعضها البعض. إن لكل سفينة حرية المناورة بسرعات مستقلة على طرق خاصة داخل المنطقة المخصصة لها. وغالبا ما تكون في منطقة دائرية نصف قطرها بضعة كيلومترات، ومجموعة هذه المناطق تكوّن التشكيل الهندسي الثابت المتحرك بسرعة خاصة وعلى طريق معين نحو المهمة الملقاة على عاتق القوة البحرية، وبهذا الشكل تبدو مجموعة السفن بتشكيل مرن واضح بالنسبة للعدو، وكذلك تكون السفن الأكثر أهمية قريبة من مركز التشكيل.
ومن أجل تأمين الدفاع بالعمق المطلوب أي تركيز الوسائط الدفاعية فإن توزيع هذه الوسائط يكون في مناطق مركزها مركز التشكيل، وأخيرا توجد على أطراف التشكيل سفن خاصة تسمى «سفن الكشف بالرادار» مهمتها كشف العدو على أبعد مسافة ممكنة من التشكيل الأساسي، وبوجه عام إذا كانت الطبيعة الجغرافية أو المعلومات الخاصة تفرض اتجاها معينا لخطر العدو، يتم تركيز الوسائط الدفاعية باتجاه محور الخطر.
الوسائط والأسلحة:
يتعرض الأسطول عند وجوده في البحر للخطر الجوي للعدو باستمرار، وهو لذلك يتشدد بالمراقبة ويجهز سفنه بأحدث وسائل المراقبة والإنذار، فكافة السفن مزودة برادارات كشف جوي، والحديث منها يستطيع كشف طائرة على مسافة (17) ميلا بحريا (300 كم)، وبالإضافة إلى ذلك فإن سفن الكشف الجوي تزود برادارات خاصة وميزاتها أفضل، إذ تستطيع تحديد ارتفاع الطائرة بالإضافة إلى بعدها. كما أننا نلاحظ أن بعض الدول تزود أساطيلها بطائرات مزودة برادار قوي، وتستطيع هذه الطائرات إعطاء إنذار مبكر عن طيران العدو، وكذلك تستطيع كشف العدو عندما يطير على ارتفاعات منخفضة محاولا التقرب ما أمكن من الأسطول مستفيدا من عدم إمكانية رادارالسفن كشفه على مسافة بعيدة عند طيرانه المكثف فوق سطح البحر.
وإذا كان المهاجم الجوي قد استطاع زيادة مدى سلاحه بواسطة الصواريخ (جو - أرض)، فإن السفن المرافقة قد دعمت مدفعيتها المضادة للطيران بصواريخ (أرض - جو) يتراوح مداها من عشرين إلى مئة ميل بحري. وأخيراً فإن الأساطيل قد أصبحت مزودة بطائرات القنص التي تتمكن من الطيران في كل الأجواء، والمسلحة بالصواريخ (جو - جو).
تنظيم القيادة:
ينظم الأسطول البحري أو القوة البحرية لتنفيذ مهمة معينة، ويتسلم القيادة ضابط من أمراء البحر يدعى «القائد التكتيكي» وهو مسؤول عن تنفيذ المهمة المعطاة للأسطول، وندعوه أمير البحر «أميرال»، ونظرا لكبر المسؤولية الملقاة على عاتق أمير البحر فإنه يتنازل لأحد مرؤوسيه عن جزء من مسؤولياته وخاصة فيما يتعلق بالدفاع الجوي، وهو بذلك يستمر بتحمل المسؤولية كاملة تجاه القيادة الأعلى، وبما أن مسؤوليته كاملة وعليه تنفيذ المهمة مهما اختلفت ردود الفعل عند العدو، فإن أمير البحر يحتفظ لنفسه بما يلي وفي كل الحالات:
- اختيار وتشكيل الأسطول في البحر (التشكيلات وترتيب السفن).
- إصدار أوامر الصمت الإلكتروني (لاسلكي، رادار).
- إعطاء علامات التمييز للطائرات؛ بغية تمييز الطائرات الصديقة عن الطائرات المعادية، وبالتالي أوامر فتح النيران المضادة للطائرات.
- تحديد درجة الاستعداد للسفن، أي كمية الأسلحة الجاهزة للتدخل في أي لحظة.
- نسبة الطيران البحري الواجب إشراكه في المعركة دفعة واحدة.
ويحدد أمير البحر كل هذه المعطيات لمرؤوسيه وهم بدورهم يتصرفون، وفقا لها، كل ضمن اختصاصه ومسؤوليته، وأما قائد الدفاع الجوي فيكون عادة من الضباط الأمراء، كقائد حاملة طائرات مثلا أو طراد مضاد للطائرات أو مركب قاذف صواريخ، وتتوزع مسؤولياته على أربع أفرع:
- تنظيم الاستطلاع الجوي مستخدما كافة وسائط الكشف لهدف الأسطول ثم تقييم معلومات الاستطلاع.
- استخدام الوسائط المضادة للطائرات لكافة السفن، وخاصة توزيع طائرات القنص والسيطرة على فتح النيران المضادة للطائرات.
- مراقبة وتنظيم الطيران الصديق، وانتقال طائرات القنص والهجوم عند الإقلاع والعودة من مهامها، وكذلك طائرات مكافحة الغواصات، وموافقة مهامها مع الوضع العام للدفاع المضاد للطائرات.
- وأخير الحرب الإلكترونية وفقا للخطة المصدقة.
ونلاحظ أن مهام قائد الدفاع الجوي صعبة للغاية، ومن حسن الحظ أن التقدم الفني يساعد على تسهيلها وكذلك إعطاء بعض الصلاحيات لقادة السفن فيما يتعلق بتنظيم نيرانهم الدفاعية المضادة للطائرات وحسن استغلالها.
التمويه الإلكتروني:
يعد التمويه من أهم التدابير التي يجب المحافظة عليها أثناء الإبحار. وتتجه جميع الجهود نحو تحسين الأجهزة الإلكترونية، ولا يجوز قطع الصمت الإلكتروني إلا في الحالات الضرورية جدا، التي لها علاقة مباشرة بمهمة الأسطول، ويكون خرق الصمت الإلكتروني بأمر من أمير البحر فقط، وبالدرجة الأولى تمنع القوة البحرية من إجراء أي بث إلكتروني يكشف وجودها في عرض البحر أو يدل على مكانها أو تشكيلها، وبالطبع فإن مثل هذا الصمت يسبب مضايقة في مجال السيطرة على السفن وخاصة لتأمين الاتصال فيما بينها، وهي لذلك تستخدم طائرة خاصة تكون واسطة لنقل الاتصال بالموجة القصيرة جدا التي يمكن اعتبارها سرية نسبيا وذلك بسبب قصر مداها.
وبالطبع فإنه من غير الممكن المحافظة على الصمت الإلكتروني بشكل تام، إذ إنه لا يجوز بأي حال من الأحوال بقاء الأسطول في حالة عمى عما يدور حوله وذلك محافظة على الصمت الإلكتروني، ولذلك فإن أمير البحر يتبع طريقة الصمت المطلق بالنسبة لمعظم سفن الأسطول، ويحدد أوقات بث متناوبة لبعض السفن، ويحتمل في ذلك تنفيذ أي فرضية كانت وخاصة استخدام الإرسال الإذاعي عن طريق سفن صغيرة مكشوفة بهوية مزورة. وأخيرا فإن كافة سفن الأسطول تستخدم وسائطها الإلكترونية السلبية (التنصت) بغية كشف العدو المنتظر والحصول على معلومات دقيقة عنه.
إن ما يعطي الفاعلية للدفاع الجوي هو تنفيذ كافة الاحتياطات في سفن الأسطول (الانتشار - الوضعيات النسبية للسفن - الصمت والتمويه الإلكتروني - استخدام الأسلحة المضادة للطائرات)، ويجب أن نتذكر أن مسائل الدفاع الجوي تضاف إلى مسائل مكافحة الغواصات وإلى المسائل التكتيكية والتموينية المعقدة بالنسبة للمهمة العملياتية المنوطة بالقوة البحرية، وإذا جمعنا كل ذلك نلاحظ أنه قد يضيق عقل الرجل عن استيعاب كل هذه الأشياء، ولهذه الغاية نجد أن جميع البحريات اتجهت نحو الحلول الآلية بواسطة الحاسبات الإلكترونية الحديثة.
عن مجلة القوات الجوية الفرنسية