تظهر في هذه الصورة تفاصيل شارون، وهو أكبر أقمار كوكب بلوتو. وقد التُقطت هذه الصورة بواسطة المصور الاستكشافي واسع المجال لوري LORRI، الموجود على متن نيو هورايزونز بتاريخ 13 يوليو/تموز 2015، من على مسافة تقدر بـ 289 ألف ميل (أي 466 ألف كم)، وتضاف إليها البيانات الملونة التي حصلت عليها أداة مركبة نيو هورايزنز "رالف" في اليوم نفسه. تبدو العلامة الموجودة في المنطقة الشمالية من قمر شارون عبارة عن رواسب رقيقة من مادة مظلمة موجودة فوق معالم واضحة ومحدودة بدقة بالغة. يتوقع العلماء معرفة المزيد عنها من خلال دراسة الصور عالية الدقة التي ستصلهم لاحقاً.
المصدر: NASA/Johns Hopkins University Applied Physics Laboratory/Southwest Research Institute
مرحباً، أُدعَى كارلي هويت Carly Howett. أنا عالمة أبحاث بارزة في المعهد الجنوبي الغربي للأبحاث Southwest Research Institute في بولدر بولاية كولورادو. أعمل في بعثة نيو هورايزونز New Horizons التابعة لوكالة ناسا منذ سنة 2012، ومجال اختصاصي في البعثة هو أداة تدعى رالف (Ralph)، والتي تمنح للمركبة الفضائية القدرة على التقاط الصور والبيانات الملونة، من بين أمور أخرى.
عندما بدأْتُ البحث في الصور التي التقطها رالف في سنة 2012 لكل من بلوتو وقمره الكبير المسمى شارون (Charon)، كان الجسمان يبدوان بعيدين جداً إلى درجة أنهما ظهرا كبقعة صغيرة من الضوء بسبب قربهما من بعضهما البعض الذي لا يسمح بالتمييز بينهما. لذلك يمكنكم تخيُّل مدى الحماس الذي شعرتُ به هذه السنة حين رأيت بلوتو وشارون ليس فقط كعوالم مستقلة ومنفصلة عن بعضها، بل أيضاً عندما رأيت المعالم المختلفة الموجودة على سطح كل منهما. منذ تلك اللحظة، شكّلت هذه الاختلافات -وخصوصاً تلك الموجودة على سطح شارون- محور عملي ودراستي.
يشير اختلاف وتنوع الألوان في السطوح إلى حدوث تغيرات فيها. قد ترجع هذه التغيرات إلى تكوينها مثلاً (أي المواد التي تتكون منها السطوح)، أو حالتها الفيزيائية (مثلاً حدوث تغيرات في الحالة الصلبة والسائلة، أو التغير في هيكلها كما يحدث عند تغير شكل الكربون من الغرافيت إلى الألماس نتيجة تعرضه لضغط عالٍ جداً). نرى هذا الشيء كل يوم على سطح الأرض. على سبيل المثال، يبدو الماء مختلفاً بالمقارنة مع الرمل، كما يبدو كلاهما مختلفاً عن الجليد. مثال أخر عن هذه الاختلافات هو أن الكربون يكوّن كل من الغرافيت داكن اللون الذي نستخدمه في أقلام الرصاص، والألماس اللامع والصافي.
عند النظر إلى قمر شارون، يبدو من الجلي أن المنطقة القطبية الشمالية هي أكثر احمراراً بكثير من بقية أرجاء السطح. ولكن، ما هو يا ترى سبب هذا الاختلاف في اللون، ولماذا يحصل عند منطقة القطب؟
حسناً، للإجابة عن الجزء الأول من سؤالنا، يجب علينا أولاً استعراض ما نعرفه من معلومات حول قمر شارون. نحن نعلم أن سطح شارون شديد البرودة لدرجة أنه يستحيل وجود أي شيء غير الأجسام الصلبة فوقه، كما أن هذا السطح لا يخضع إلى تغيرات عنيفة في درجات الحرارة والضغط. لذا من غير المرجح حدوث تغيرات مهمة في حالته الفيزيائية.
بدلاً من ذلك، نعتقد أن هذا الاختلاف في اللون يرجع إلى تغير في تكوين سطح القمر، الأمر الذي أدى إلى استنتاج مفاده أن سطح المنطقة القطبية الشمالية لشارون مكون من مواد مختلفة عن بقية مناطقه.
أنتج العلماء في مختبر هورست Hörst Laboratory التابع لجامعة جون هوبكينز Johns Hopkins University، مادةً كيميائية معقدة التركيب تدعى الثولين (tholin) والتي يُعتقد أنها تمنح بلوتو مظهره الأحمر. المصدر: Chao He, Xinting Yu, Sydney Riemer, and Sarah Hörst, Johns Hopkins University
تنص إحدى النظريات على أن كميات صغيرة من الغلاف الجوي لبلوتو ترشح وتتسرب بعيداً باتجاه شارون، حيث يتم محاصرتها هناك لفترة مؤقتة من خلال حقل الجاذبية الخاص بشارون قبل أن تتسرب إلى الفضاء. تكون المناطق القطبية لشارون باردة جداً، وأعني بذلك أنها باردة للغاية! في الواقع تتراوح درجة حرارة المنطقة القطبية لشارون ما بين -433 إلى -351 فهرنهايت (أي بين -258 إلى -213درجة مئوية). بذلك، تعتبر تلك المنطقة أدفأ بعشرات الدرجات فقط من درجة الصفر المطلق. لا يمكن أن تدعم هذه الدرجات الباردة جداً -خصوصاً مع الغلاف الجوي الرقيق لشارون- سطحاً سائلاً، حيث تترسب الغازات مباشرة كمواد صلبة بينما تتسامى المواد الصلبة إلى غازات بشكل مباشر.
بناءً على هذه النتيجة، فإن أي غازات ستصل إلى المنطقة القطبية ستترسب مباشرة عوضاً عن أن تهرب إلى الفضاء، وذلك على عكس ما هو حاصل في منطقة خط الاستواء الأكثر دفئاً. ويشير العلماء إلى هذه العملية (أي ترسب الغازات في المنطقة القطبية) باسم "حصر البرودة" (cold trapping). لا يعتبر المبدأ الأساسي، الذي ينص على أن الأجسام في الأنظمة الثنائية تتشارك المواد فيما بينها، جديداً على الإطلاق، ولكن تطلب الأمر زيارة نيو هورايزونز لشارون لكي نرى تأثيره مباشرة.
نحن نعلم أن الغلاف الجوي لبلوتو يتكون أساساً من النتروجين، بالإضافة إلى بعض الميثان وأحادي أكسيد الكربون. لذلك نعتقد أن هذه المكونات تغلف قطب الشتاء لقمر شارون ببطئ. وستتسامى هذه الثلوج المجمدة وتهرب بعيداً في أقرب فرصة سانحة أمامها، أي عندما تضرب أشعة الشمس مرة أخرى قطب الشتاء لشارون. ولكن الأمر لا ينتهي بهذه البساطة إذ يبقى هناك تفصيل مهم جداً: يعدل الإشعاع الشمسي تركيبة هذه القطع الجليدية، مما يؤدي إلى إنتاج مادة جديدة ذات تسامي يحصل في درجة حرارة أعلى بكثير. من ثم، لا يمكن أن تتسامى أو تغادر شارون.
كارلي هويت المصدر: JHUAPL/SwRI
تدعى هذه المادة الجديدة باسم الثولين (tholin)، وقد تم إنتاجها في ظروف مشابهة في مختبرات موجودة هنا على سطح الأرض. يعتمد لون المادة المُنتَجة على نسب الجزيئات المختلفة، وكمية ونوع الإشعاع التي تتعرض له. يتنوع لون الثولين من الأصفر إلى الأحمر والأسود بهذه الطريقة. ونرى في الصورة أعلاه مثالاً على هذا، حيث نشاهد عدة نماذج من الثولين الأحمر الذي أنتجته سارة هورست Sarah Hörst من جامعة جون هوبكينز.
من المرجح أن شارون قام تدريجياً بتكوين ترسبات قطبية على مدى ملايين السنين، عندما كان الغلاف الجوي يرشح ببطء من بلوتو، كما أن السطح تعرض إلى إشعاعات صادرة من الشمس خلال تلك الفترة. على ما يبدو، ساعدت هذه الظروف والعوامل قمر شارون على تكوين مادة الثولين الحمراء الشبيهة بتلك التي رأيناها سابقاً. ومع ذلك، لم نتمكن إلى الآن من تحديد سبب ذلك.
هذا اللغز هو واحد من بين العديد من الأشياء التي أتطلع إلى فهمها بشكل أفضل عندما سنتلقى بيانات إضافية من مركبة نيو هورايزونز خلال العام المقبل، حيث سنعمل على تحليلها جيداً بالتزامن طبعاً مع استمرار العمل المخبري.
https://nasainarabic.net/newhorizon...rizons-probes-the-mystery-of-charons-red-pole