فيديو لتلسكوب هابل يبين حدوث موجة تصادم داخل نفاث لثقب أسود

حكم مصارعه

عضو مميز
إنضم
27 نوفمبر 2014
المشاركات
4,272
التفاعل
5,251 0 0
ead67c48ab2f2996d121de2d9290e424.jpg


عندما تنطلق في الفضاء بسرعة تفوق 98% من سرعة الضوء في الفراغ فقد تحتاج إلى وثيقة تأمين من نوع خاص! لقد كشف علماء الفضاء ولأول مرة عن حادث تصادم نهاية نادر بين مجموعتين من العقد من المادة المقذوفة بسرعة فائقة. نتج هذا الاكتشاف عن تجميع عدة صور لنفاث (أو تدفق) من البلازما انبعثت من ثقب أسود هائل الكتلة وتابع لأحدى المجرات الواقعة على مسافة 260 مليون سنة ضوئية من كوكب الأرض.
يُوفر هذا الاكتشاف أدلةً جديدة على تصرف ما يسمى "نفاثات أشباه السيوف الضوئية lightsaber-like jets" والتي تكون ذات طاقة هائلة جدا بحيث يبدو أنها تنبثق من الثقوب السوداء بسرعة أكبر بعدة اضعاف سرعة الضوء. لكن هذه الحركة فوق-الضوئية هي حركة ظاهرية وغير حقيقية، سببها هو الوهم البصري الناتج من كونها تنطلق باتجاه قريب جدا من مستوى الرصد وبسرعة كبيرة فعلا.


فيلم من عدة صور متباعدة لنفاث خارج المجرة جرى تجميعه من مراقبات هابل الممتدة على 20 سنة لمركز المجرة البيضوية NGC 3862. Credits: NASA, ESA, and E. Meyer STScI


لا تزال هذه الانبعاثات ما بعد المجرية غير مفهومة تماما، فهي تظهر وكأنها تنقل مقدارا كبيرا من البلازما ذات الطاقة العالية من النواة النشطة لمركز المجرة التي تحويها وعلى شكل شعاع ضيق - وفي مركز المجرة هذه يوجد هناك ثقب أسود هائل الكتلة. تقترح الدراسة الحديثة أن موجات التصادم التي تحصل في هذه الانبعاثات بسبب تصادمها مع بعضها ستزيد من عنف الانبعاثات الاصلية ومن طاقتها وتؤدي إلى زيادة معدل الاضاءة في مناطق المادة المتصادمة.
جرى تجميع صور الفيلم، الذي يوضح هذه الحالة، خلال عقدين من الزمان من صور المقراب (هابل) التابع لوكالة ناسا، للمجرة البيضوية NGC 3862. هذه المجرة هي سادس أكثر مجرة سطوعا في سماء الأرض، وهي الوحيدة التي تلاحظ من الأرض وتحوي على مناطق نشطة ونفاثات عديدة في منطقة الضوء المرئي. وكانت أولى الصور التي التقطها هابل لهذه النفاثات في العام 1992. تقع هذه المجرة ضمن كوكبة الأسد، وداخل منطقة عنقود مجري غني يسمى (أيبل 1367 أو Abell 1367).
يبدو التدفق المنبعث من هذه المجرة على شكل (مسبحة)، أو خيط من اللآليء، مكون من عقد عديدة لمادة متوهجة. وبالاستفادة من قدرة تلسكوب هابل على التصوير الدقيق وعلى استقراره البصري طويل الأمد، تمكنت العالمة إيلين ماير Eileen Meyer من معهد علوم تلسكوبات الفضاء (STScI) في بالتيمور-ماريلاند، من تجميع الصور لانتاج هذا الفيلم بغية فهم تصرف هذا النفاث بصورة أوضح.
بعد اكتمال هذا الفيلم، دُهشت ماير لملاحظتها أن هذه العقد المكونة من البلازما تبدو أنها تتحرك بسرعة ظاهرية أكبر من سرعة الضوء – وهو ما لا تقبله الفيزياء مطلقا. كذلك لاحظت أن العقد البلازمية تتباطأ لتندمج مع عقد أبطا في السرعة، وإن كانت بسرعة ظاهرية أيضا اكبر من الضوء، وعلى طول هذا الخيط. وتظهر مناطق موجة التصادم المشعة بالضوء الساطع بسبب اندماج هذه العقد. وتعلق ماير على هذا الاكتشاف قائلة: "لم يسبق أن شاهدنا هذه الحالة في بلازما ما بعد المجرات، على الاطلاق". تبيّن أن هذه العقد ستستمر في السطوع، بل سيزداد لمعانها خلال العقود القادمة لأنها ستبقى تتمركز وتتجمع مع بعضها، وتضيف: "سيمنحنا هذا الاكتشاف فرصة نادرة جدا لملاحظة الطريقة التي تتبدد بها الطاقة عن طريق الإشعاع الضوئي".
ليس من النادر أن تلاحظ مثل هذه العقد من انبعاثات ونفاثات بلازمية من أجسام ذات مجال جذبي كثيف، لكن النادر هو ملاحظة هذه الانبعاثات باستخدام مقراب بصري وهي تخرج من ثقب أسود بعيد ويقع على مسافة ملايين السنوات الضوئية، وتستمر لمسافات تصل إلى عشرات آلاف السنوات الضوئية. علاوة على الثقوب السوداء، تُبدي النجوم المتكونة حديثا توليد لمثل هذه العقد التي تنبعث في اتجاهات ضيقة ومحددة وتكون ذات طاقات هائلة.
تقول إحدى النظريات لتفسير مثل هذه الظاهرة أنّ المادة التي تجذب إلى مركز الجسم (سواء كان ثقبا اسود أم نجما) ستسخن إلى درجة عالية فتتحول إلى بلازما ساخنة وبالتالي تعاود الانبعاث باتجاه محور دوران هذا الجسم، وتقوم مجالات مغناطيسية قوية جدا بإجبار هذه البلازما على الانبثاق بصورة خطوط مستقيمة محصورة في اتجاه واحد وضيق. فإذا كانت المادة التي تتجه نحو المركز تتحرك بصورة غير منتظمة فسينتج عنها انبثاق للبلازما من المركز أيضا بصورة غير منتظمة؛ وبالتالي ستنتج هذه العقد البلازمية منطلقة على خط مستقيم بدلا من أن تظهر على شكل انبعاث بلازمي متجانس وبطيء الحركة.
ومهما كان السبب، ستشق مثل هذه النفاثات العقدية طريقها بحزم وقوة نحو الفضاء ما بين المجرات. سيُعاني أولى العقد في هذه النفاثات أكثر من ظاهرة موجة صدمة وفي نفس الوقت ستترك أثرا ماديا خلفها وهو ما يؤثر على العقد البلازمية التالية، التي ستعاني من موجة الصدمة ايضا ولكن بصورة أقل، بالتالي ستتمكن العقد الحديثة من اللحاق بالعقد الأولى وتتكاثف معا فتزيد حرارتها، وتزداد الطاقة التي تنبعث منها مع مرور الوقت. بهذه الطريقة سيتكون حادث تصادم في نهاية السلسلة العقدية، أي أن هناك تصادم بين العقد البلازمية في نهاية مسار النفاث الذي ينبعث من الثقوب السوداء العملاقة.
علاوة على هذا التصادم الذي سيستمر لعدة عقود قادمة، تعتبر هذه الظاهرة هي الثانية التي تلاحظ فيها حركة ظاهرية مادية لنفاث ينطلق بسرعة تفوق سرعة الضوء وعلى مسافات مئات آلاف السنوات الضوئية من الثقب الاسود الذي بعث بهذا النفاث. وهذا دليل على أن هذه النفاثات تتحرك فعلا بسرعة قريبة جدا من سرعة الضوء في الفراغ حتى بعد مسافات بعيدة نسبيا عن مصدرها لتصل إلى مسافات أكبر بكثير من حجم المجرة التي انطلقت منها.
تعكس هذه الحوادث شيئا مهما وهو مقدار الطاقة التي يمكن أن تنقلها هذه النفاثات خارج مجراتها وبالتالي تعطي انطباعا عن طريقة تطور المجرات في الكون وكمية الطاقة التي تمتلكها ومصير هذه الطاقة.
حالياً، تُنتج الباحثة ماير فيلمين آخرين لنفاثين منفصلين قريبين في الكون بغية البحث عن عقد بلازمية مماثلة. وتشير مايرإلى أن هذه الدراسات لم تكن لتصبح ممكنة لولا الفترة الطويلة التي عمل بها المقراب هابل بهذه الكفاءة والذي تمكن من أخذ الصور المستمرة لهذه النفاثات خلال أكثر من 20 سنة مستمرة.
في السابق، جرت دراسة غالبية النفاثات ما بعد المجرية باستخدام انبعاثات الأشعة السينية أو الراديوية وليس الضوء المرئي (لهذا لم يكن لينفع معها استخدام تلسكوب هابل)، وفي عدد من المجرات التي تكون نشطة بوجود ثقوب سوداء في مركزها، لكن القليل منها فقط جرت دراسته باستخدام الضوء المرئي. لا يزال علماء الفضاء محتارين في السبب الكامن وراء كون بعض الانبعاثات ممكنة الرصد باستخدام الضوء المرئي ولا يمكن فعل ذلك مع البعض الآخر.
نُشرت النتائج التي توصلت إليها الباحثة ماير في العدد الذي صدر في 28 مايو/ايلول هذا العام، في المجلة العلمية المعروفة (الطبيعة-Nature).

ملاحظات:

  • المقراب هو الاسم العربي للتلسكوب.
  • سرعة الضوء في الفراغ هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة تقريبا، والرقم الدقيق هو 299792458 متر في الثانية.
  • النفاث أو التدفق (Jet) هو سيل سريع من البلازما، ونسمي الطائرات التي تستعمل هذه التقنية باسم الطائرة النفاثة أو Jet airplane .
  • موجة الصدمة، أو جبهة الارتجاج (Shock Wave) واختصارا Shock هي حاجز مادي ذو ضغط عالي نسبيا يظهر دائما أمام الأجسام المادية المتحركة بسرعة داخل وسط مادي. مثلاً، عندما نقف على الرصيف وتمر شاحنة أو باص في الشارع، سنشعر بوجود هبة من الرياح تسبق هذه العجلات، وكلما زادت سرعة العجلة كلما كانت هذه الموجة أكبر وأعنف. حتى إذا كان الجسم الذي يتحرك هو بلازما أو غاز فهو أيضا يولد موجة صدمة خاصة به، حتى لو تحرك في الفضاء الخالي نسبيا من المادة. ومن أكثر الأمثلة شيوعا عن موجة التصادم في البلازما في الفضاء هي موجة الصدمة التي تسبق المذنبات، وتلك التي تسبق الانبعاثات الإكليلية الشمسية CME.
  • نفاثات أشباه السيوف الضوئية (lightsaber-like jets) : كلنا شاهدنا ولو بعض من سلسلة أفلام (حرب النجوم)ولابد أن شيئا من ما بقي في ذاكرتنا هي تلك السيوف الضوئية، أو ما اعتدنا على تسميتها بسيوف الليزر، التي كان يحملها المحاربون الفضائيون. هذه التسمية أي تسمية سيوف الضوء (lightsaber) اعتبرت تسمية عامة لحالة جديدة من المادة اكتشفها مجموعة باحثين من علماء جامعة هارفررد و معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في نهاية العام 2013. هذه الحالة هي لمادة تكون فيها الذرات في طبيعة تشبه طبيعة الضوء وتتنافر مع بعضها البعض بعنف ومع هذا تبقى متحدة في نظام ذري متصل واحد. وعندما تنبعث مثل هذه المادة من الثقوب السوداء، فإنها تستطيع الانتقال على طول مسافات طويلة جدا مع محافظتها على حجم محدد وضيق – ومن هنا أتت التسمية لنوع معين من نفاثات البلازما التي تنطلق من بعض الثقوب السوداء الضخمة.
 
Jets ( التدفقات):
عبارة عن أشعة من الجسيمات، عادةً ما تكون ناتجة عن النوى المجرية النّشطة أو بولزار.
وعلى النقيض من التدفق الناتج عن طائرة، حيث يتجه المجرى الغازي نحو اتجاه واحد، يتكون التدفق الفلكي من أزواج كل منها يتجه في اتجاه معاكس للآخر.
 
عودة
أعلى