دور قوات المشاة الخفيفة فى الحروب الحديثة
جندي أميريكي
استشهد الجنرال (بول غورمان) في كتابه: "سر الانتصارات في المستقبل" بكلمات على لسان الجنرال (جورج مارشال)، حيث يقول: "إن فرد المشاة يقطع مسافات شاسعة، ويغوص في الوحل، متسخ الثياب، لا يتناول وجبات كاملة، ويبذل مجهوداً كبيراً قبل المعركة، ولا يأخذ قسطاً من الراحة أو يتناول كمية كافية من الطعام، ويقاتل في مكان لم يشاهده من قبل، وربما يذهب إلى ذلك المكان في ظلام حالك، ولا يقوم مقاول مثل شركة ويتنغهاوس بتوصيل أجهزة اتصالاته على سفينة، وإنما هي أجهزة محمولة، ويتنقل بها من مكان لآخر آناء الليل وأطراف النهار، ويتعامل مع مدفعية لم يقع بصره عليها مطلقاً، وهي تتمركز بعيداً في الخطوط الخلفية، وترسل تقارير أهدافها بالاتصالات، لذا فإننا لم نكمل أبداً تدريب المشاة في يوم من الأيام. وقد اقتربنا من ذلك في هذه الحرب أكثر من أي حرب أخرى، ولكن واجهتنا عوائق كبيرة؛ فقد كان بالفروع الأخرى متطوعون، ولم يكن معنا أحد، وإنه لخطأ كبير أن يتخيل البعض أن تدريب المشاة أمر سهل، وإنما السهل هو تدريبها بصورة سيئة، وكانت المشاة سيئة التدريب في كافة الحروب التي خضناها، وقد بذلت جهوداً مضنية لتدريبهم بالطريقة الصحيحة لهذه الحرب.
رغم ما يقال عن أن مدفعية الميدان هي ملكة المعركة، فإن قوات المشاة قد أطلقت على نفسها ملكة المعركة منذ أمد بعيد، لذا فمن المنطقي النظر إلى المشاة على أنها قاعدة المناورة للعمليات في البيئة العسكرية المعاصرة. وقد أثبتت تجارب الحروب الحديثة، والتدريب الواقعي في مراكز التدريب أن المشاة هي العصب الحيوي لكسب المعارك. ويؤكد قادة مراكز التدريب دائماً على أن الفصائل هي السبيل لكسب المعارك، وتكتسب هذه المقولة أهمية خاصة، فنجد أن مركز تدريب الجاهزية المشترك في الولايات المتحدة يركّز تدريبه على مستوى الفصائل، في حين تركز مراكز تدريب أخرى على مستوى السرايا فأعلى.
فمنذ عام 2002م، بدأ مركز التدريب المشترك في التركيز على التدريب التطبيقي على المهام للعمليات في أفغانستان والعراق. ومن أهم التحديات التي تواجه قادة الحضائر والفصائل والسرايا في التدريبات: إجراءات قيادة القوات، والتطبيقات، وتفتيشات وتفقدات ما قبل المعركة، وتفويض الواجبات والمسؤوليات. وكانت هذه التحديات نفسها تواجه قادة الوحدات الصغرى في مركز التدريب المشترك خلال العقد الماضي. وقد أثبتت الحرب في العراق وفي أفغانستان صحة ما ذهب إليه مركز التدريب المشترك خلال السنوات الماضية، وهو أن الوحدات الخفيفة: فصائل وحضائر المشاة، هي المفتاح لكسب المعارك في بيئة العمليات المعاصرة.
وقد أدّت حاجة الولايات المتحدة إلى قوات المشاة في حربها على الإرهاب إلى زيادة تشكيلات المشاة بتعيين مهام المشاة إلى الدروع والمدفعية والمهندسين، بل وحتى وحدات مدفعية الدفاع الجوي، وفرض تعقّد مهام تشكيلات المشاة تحديات جمّة على قادة المشاة بدءاً بقادة الحضائر وحتى قادة الألوية.
تغييرات التشكيل
تشهد تشكيلات الجيش الأمريكي حالياً تغييرات كبيرة، سوف تكون لها انعكاسات على القادة والأركان والوحدات، وتفرض تحديات على القيادة والسيطرة، ومتطلبات المهام ومسؤوليات العمليات؛ فقد أصبحت عمليات الألوية حالياً شبيهة بعمليات الفرق من حيث التعقيد، وأصبحت الكتائب تعمل بطريقة مشابهة للألوية، ويتدرج تعقيد المهام حتى مستوى الحضائر. ولكن بالنظر إلى المسائل المتعلقة بالقيادة والسيطرة والعلاقة بين القائد والمرؤوسين، تعتبر التجارب الحالية في الجيش تشكيلات السرايا والفصائل والحضائر أشياء لا يمكن تغييرها، رغم أن الحرب في العراق وأفغانستان أظهرت التحديات الكبيرة التي يواجهها قادة الوحدات الصغيرة. وقد تناول "مركز الدروس المستفادة في الجيش الأمريكي" هذه المشكلة في دراسة خاصة في نشرته (04 1) تحت عنوان: "إجراء تعديلات على أركان التكتيك للقرن الحادي والعشرين"، والتي بحثت إعادة تنظيم وتعزيز وموازنة أركان الكتائب والألوية بمجموعة من الضباط المحترفين ذوي الخبرة، كما بحثت الدراسة إمكانية تعزيز خبرة عناصر المناورة بنقل المستويات إلى نسق واحد للأسفل، لإتاحة الفرصة للنقباء لقيادة الفصائل والرواد لقيادة السرايا. وتقترح الدراسة تشكيل مشابه بالنسبة لضباط الصف، حيث تؤكد على أهمية الاحتفاظ بضباط الصف ذوي الخبرة في الوحدات التكتيكية، وتوصي بأن تكون للخبرة في الوحدات التكتيكية وأركانها أولوية على تطوير الأفراد، ويتطلب الأمر مزيد من الدراسة حول مشكلات القيادة التكتيكية، مثل مهام الملازمين بعد أن يصبح النقباء قادة للفصائل، وتنافس رتب ضباط الصف بعد أن يصبح رقباء الحضائر رقباء أوائل.
الفصائل
بدأت الدراسة التي أجراها مركز الدروس المستفادة في الجيش الأمريكي بالنظر إلى الفصائل، واتضح أن التحديات التي يواجهها قادة الفصائل تتضمن: تقدير الموقف، والعلاقة بين قائد الفصيل ورقيب الفصيل، وقوة الرد السريع، وإدارة المخاطر، وإجراءات تخطيط ومراقبة الرماية المباشرة، وإجراءات العمل المستديمة للعمليات العسكرية في المدن، وخطط إخلاء المصابين، والتفتيشات.
ونظراً لأن الوحدات الخفيفة تتولى مهاماً كان يقوم بها النسق التالي في التشكيل، فإن الفصائل تقوم بمهام تتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً معقداً. وتعتمد التحديات التي يواجهها الفصيل على الخبرة، ولا يتمتع قادة الفصائل الحاليين بالخبرة اللازمة لمواجهة مثل هذه التحديات، وقد لا يتوفر لرقباء الفصائل مستوى كافٍ من الخبرة لسد فجوة عدم خبرة الضباط الأصغر. والحل الذي نقترحه هو أن يصبح قائد الفصيل نقيباً ومعه رقيب أول، وبقيادة النقيب للفصيل وقيادة رئيس الرقباء للحضيرة، فإن المستوى المتوسط من القيادة بوسعه إنجاز عدة أشياء، وعندما يتولى ملازم قيادة قسم مؤلف من حضيرتين ومعه رقيب أول، فإن ذلك يمنح الضباط الصغار فرصة لاكتساب الخبرة اللازمة في قيادة القوات ونجاح العمليات، وباستحداث وظيفة قيادة بمستوى قسم لرئيس الرقباء يتطلب أن يكون رقيب الفصيل برتبة رقيب أول بتسلسل منطقي حتى رقيب أول سرية. وسوف يضيف ذلك خبرة (20) عاماً من الخبرة التي يتمتع بها ضباط الصف لفصيل من قسمين، ويعطي أرضية جيدة من الخبرة لتدريب الملازمين الجدد. وبناء الفصيل على أساس قسمين سوف يسهل من مجال سيطرة القائد، ويتيح للفصيل فرصة للقتال بفعالية، وبإضافة مساعد لقائد الفصيل سوف يتيح للفصيل فرصة للقتال في العمليات المنفصلة تحت إمرة قادة متمرسين.
حضيرة البنادق
نظراً لأن عمليات حفظ الأمن وعمليات الإسناد من مهام قادة الحضائر، فينبغي على الجيش اتخاذ إجراءات جديدة لزيادة فعالية الفصيل المؤلف من قسمين، فحسب التنظيم الحالي، يوجد قائد واحد للحضيرة ومعه فريقا رماية بكل منهما أربعة أفراد. وقد أثبتت التجارب العديدة في مركز تدريب الجاهزية المشتركة أن المهام المتخصصة في ذلك التشكيل المؤلف من تسعة أفراد، عادة ما تقوم بها فرق خاصة، مما يضاعف من أهمية الاتصالات وانضباط الجنود والفريق ويقظة الجنود.
ويعتمد نجاح مثل هذه الفرق على استخدام قادة الحضائر والفرق لإجراءات قيادة القوات، والتطبيقات، وتفتيشات وتفقدات ما قبل القتال بالطريقة السليمة، وعادة ما تقسّم هذه الفرق المتخصصة إلى: فرق اقتحام، وفرق اختراق، وفرق إسناد. وقد أشار الجنرال (بول ف. غورمان) إلى أن "أنجح التكتيكات حتى الآن، هو استخدام حضيرتين كقاعدة للرماية لضمان إخماد المدافعين، وللتقدم بحضيرة واحدة"، أما الجنرال (ويليام ديباي) فقد أشار إلى نجاح فصيل واحد من بين أربعة فصائل نفّذت الهجوم بتقدم حضيرتين وواحدة في المؤخرة، بينما حققت التكتيكات التي ركزت على الإخماد (حضيرتان في المؤخرة وتقدم حضيرة واحدة) نجاحاً بنسبة تسع من كل عشر هجمات، وأكّد على أنه يفضل مهاجمة العدو بتكثيف نيران الإخماد إلى أقصى حدٍ ممكن وأقل عنصر من المناورة.
وتوضّح النتائج التي توصّل إليها الجنرال (ويليام ديباي) ما أسفرت عنه المهام التي كلفت بها الفرق في مركز تدريب الجاهزية المشتركة أن الحضائر ينبغي أن يُعاد تنظيمها لتتألف من ثلاثة فرق، هي: فريق الاقتحام، وفريق الاختراق، وفريق الإسناد، بحيث يكون عنصرا الاختراق والإسناد تحت قيادة مساعد قائد حضيرة لإسناد فريق الاقتحام المؤلف من أربعة أفراد وقائد حضيرة. وعند انتهاء عملية الاختراق، يقوم فريق الاختراق بإسناد فريق الاقتحام والانضمام إليه إذا اقتضت الضرورة ذلك. وتتحقق القيادة والسيطرة بصورة أفضل بعمل الفرق المؤلفة من أربعة أفراد ككتلة متماسكة في قوة قتال الحضيرة، وسوف تستفيد الفرق من وجود قائد حضيرة ومساعد قائد حضيرة بصفة مستديمة، وسوف تقلل مضاعفة القوة البشرية العضوية في حضيرة بمثل هذا الهيكل التنظيمي من الواجبات التي تُكلَّف بها القوات، وتساعد في حل مشاكل الانضباط واليقظة.
حضيرة الأسلحة
أثبتت تجارب المشاة الخفيفة أن الفصيل يتأثّر سريعاً بعدم وجود حضيرة أسلحة بصفة مستديمة، ويتكون تشكيل فصائل المشاة الخفيفة من ثلاث حضائر، ويعيّن عديد من قادة المشاة الخفيفة قادة حضائر أسلحة بأنفسهم، ولكنهم يفعلون ذلك في العلن، والمشاكل نفسها المتمثلة في نسبة القوات للواجبات، والاتصالات، والانضباط، واليقظة، تواجه هذه التنظيمات الآنية. وتحتفظ فصائل المشاة في الفرقتين (82 و 101) المحمولتين جواً بحضائر أسلحتها بتشكيلات مؤلفة من أربعة حضائر. وسواء كانت حضائر الأسلحة ضمن جدول التنظيم والمعدات أو معينة بطريقة غير مخططة، لها مشاكلها الخاصة بالقيادة والسيطرة، ففي حالة وجود ملازم واحد ورقيب فصيل، عادة ما يكون السبب الرئيس للمشكلة فيمن يتولى السيطرة على حضيرة الأسلحة، ويكون الحل بتشكيل قسمين: يحوي أحدهما التنظيم العادي للحضيرة، ويتضمن القسم الآخر الحضيرة العادية (عنصر الاختراق للفصيل)، وحضيرة أسلحة ثقيلة (عنصر إسناد قاعدة الفصيل)، وتتضمن التحديات على مستوى الحضيرة: نسبة القوات للواجب، والاتصالات، وانضباط الجنود، واستمكان الهدف-تأهب الجنود.
سرية المشاة
يؤدي منح قسم الأسلحة والاختراق مقدرات إضافية إلى اكتمال التغييرات التنظيمية المطلوبة، للإفادة من تغييرات القيادة، ويؤدي تعيين حضيرة الأسلحة كعنصر إسناد دائم ضمن عنصر إسناد الفصيل إلى تعزيز القيادة والسيطرة. وينبغي أن تتلقى حضيرة الأسلحة أيضاً هاونات خفيفة، وقدرات كبيرة من الاتصالات للاستفادة من إسناد النيران. وعندما يكون فصيل المشاة المؤلف من قسمين تحت قيادة أرفع رتبة، وجرى تنظيمه للتدريب على مهام بالمستوى المطلوب، ومزوّد بما يوفّر له إسناد النيران المباشرة وغير المباشرة، يصبح عندئذٍ بمثابة سرية صغيرة يستخدمها الجيش في بيئة العمليات المعاصرة. ونظراً لقوة القتال والقيادة الدائمة في الفصائل ذات القسمين، فإن زيادة الخبرة وعدد الأفراد في مستوى السرية قد أصبح شيئاً لازماً. وقد أظهرت الحرب في العراق وفي أفغانستان الحاجة إلى مزيد من الخبرة في قيادة السرايا، وفرضت عمليات حفظ الاستقرار والإسناد متطلبات كبيرة على قادة السرايا؛ فعمليات المعلومات والاستخبارات في عمليات حفظ الاستقرار وعمليات الإسناد تبدأ من التشكيلات الأدنى، وتلعب السرية دوراً كبيراً في تلك العمليات.
وفي ضوء هذه الحقائق والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها الفصيل المؤلف من قسمين، فإن سرية تحت قيادة رائد تحتاج إلى قيادة أكبر، ولا يتناسب تشكيل قيادة السرية التقليدي (قائد سرية، وضابط تنفيذي، ومشغِّل لاسلكي، ورقيب أول، وقسم تموين) مع هذه المتطلبات. وتقتضي متطلبات العمليات التكتيكية وعمليات المعلومات والاستخبارات وجود ضابط عمليات-استخبارات، وضباط صف لتكميل عنصر قيادة السرية. ومن الناحية التنظمية يمكن تزويد سرية المشاة وتنظيمها بالإضافة لمجالات الاقتحام والإسناد والاختراق الوظيفية في الفصائل والحضائر، وتتضمن: التحديات على مستوى السرية، وخطة اتصالات السرية، ومتابعة المعركة في مركز قيادة السرية، وإدارة معلومات مركز قيادة السرية، واستخدام هاونات السرية بما في ذلك عملية تسجيل الهاونات، واستخدام فريق القناصين للرد على عمليات التماس، ومضاعفة حماية السرية - وأوضاع الأسلحة، وعمليات التطويق والبحث، ويتضمن ذلك إنشاء نقطة تفقّد تكتيكية، وضبط التزامن والوضع (لمنع المدنيين من إعاقة عمليات التفتيش وحماية فرق التفتيش من التهديدات التي قد يتعرضون لها)، وإجراءات ضبط الرماية.
ويقترح التنظيم الجيد أن يكون بالسرية: فصيلا مشاة عاديين (اقتحام)، وفصيل رماية مباشرة ثقيل (إسناد واختراق)، وفصيل رماية غير مباشرة ثقيل (إسناد)، وفصيل إمداد وتموين. أما فصيل الرماية المباشرة الثقيل، فيقترح أن يكون به: قسما أسلحة رماية مباشرة ثقيلة، بكل واحد منهما حضيرة رشاشات ثقيلة، وحضيرة أسلحة مضادة للدبابات. ونظراً لأن فصيل الرماية المباشرة الثقيل هو عنصرالاختراق والإسناد المباشر، فإن قيادة الفصيل قد ضمت حضيرة مهندسين.
ويتألف فصيل الرماية غير المباشرة الثقيل من قسمين، بكل واحد منهما حضيرة هاون 120 ملم، وحضيرة هاون 81 ملم. وبسرية المشاة أيضاً فصيل إمداد وتموين عضوي، به أقسام للطبابة، والتموين، والصيانة، لجعل السرية كتنظيم شبه مكتف ذاتياً. وتقع على عاتق الألوية والحضائر الحالية مسؤوليات أكبر، وتغطي مساحات أوسع، ومهام أكثر تعقيداً من ألوية وحضائر حقبة الحرب الباردة، فلم يكن الجيش أثناء إجرائه للتغيرات ينظر لأدنى من مستوى الكتيبة، ويرى أن قادة الوحدات الصغرى هم قادة صغار، ولا تخفى على أحد التحديات التي يواجهها القادة الصغار على مستوى الحضيرة والفصيل والسرية، وإذا بقي منهج الجيش على حال دون إجراء تغييرات، فإن الوحدات الصغيرة المرؤوسة التي لا تُجرى فيها تغييرات سوف تواجه تحديات أكبر من التحديات التي تواجهها حالياً، وستدفع الضريبة في النهاية حضائر البنادق والفصائل والسرايا التي تنفذ المهام على الأرض، فهذه الوحدات الصغيرة تواجه تحديات جمة، ولو تركزت التغييرات على مستوى الألوية، فإن ذلك سوف يضاعف من تلك التحديات
جندي أميريكي
استشهد الجنرال (بول غورمان) في كتابه: "سر الانتصارات في المستقبل" بكلمات على لسان الجنرال (جورج مارشال)، حيث يقول: "إن فرد المشاة يقطع مسافات شاسعة، ويغوص في الوحل، متسخ الثياب، لا يتناول وجبات كاملة، ويبذل مجهوداً كبيراً قبل المعركة، ولا يأخذ قسطاً من الراحة أو يتناول كمية كافية من الطعام، ويقاتل في مكان لم يشاهده من قبل، وربما يذهب إلى ذلك المكان في ظلام حالك، ولا يقوم مقاول مثل شركة ويتنغهاوس بتوصيل أجهزة اتصالاته على سفينة، وإنما هي أجهزة محمولة، ويتنقل بها من مكان لآخر آناء الليل وأطراف النهار، ويتعامل مع مدفعية لم يقع بصره عليها مطلقاً، وهي تتمركز بعيداً في الخطوط الخلفية، وترسل تقارير أهدافها بالاتصالات، لذا فإننا لم نكمل أبداً تدريب المشاة في يوم من الأيام. وقد اقتربنا من ذلك في هذه الحرب أكثر من أي حرب أخرى، ولكن واجهتنا عوائق كبيرة؛ فقد كان بالفروع الأخرى متطوعون، ولم يكن معنا أحد، وإنه لخطأ كبير أن يتخيل البعض أن تدريب المشاة أمر سهل، وإنما السهل هو تدريبها بصورة سيئة، وكانت المشاة سيئة التدريب في كافة الحروب التي خضناها، وقد بذلت جهوداً مضنية لتدريبهم بالطريقة الصحيحة لهذه الحرب.
رغم ما يقال عن أن مدفعية الميدان هي ملكة المعركة، فإن قوات المشاة قد أطلقت على نفسها ملكة المعركة منذ أمد بعيد، لذا فمن المنطقي النظر إلى المشاة على أنها قاعدة المناورة للعمليات في البيئة العسكرية المعاصرة. وقد أثبتت تجارب الحروب الحديثة، والتدريب الواقعي في مراكز التدريب أن المشاة هي العصب الحيوي لكسب المعارك. ويؤكد قادة مراكز التدريب دائماً على أن الفصائل هي السبيل لكسب المعارك، وتكتسب هذه المقولة أهمية خاصة، فنجد أن مركز تدريب الجاهزية المشترك في الولايات المتحدة يركّز تدريبه على مستوى الفصائل، في حين تركز مراكز تدريب أخرى على مستوى السرايا فأعلى.
فمنذ عام 2002م، بدأ مركز التدريب المشترك في التركيز على التدريب التطبيقي على المهام للعمليات في أفغانستان والعراق. ومن أهم التحديات التي تواجه قادة الحضائر والفصائل والسرايا في التدريبات: إجراءات قيادة القوات، والتطبيقات، وتفتيشات وتفقدات ما قبل المعركة، وتفويض الواجبات والمسؤوليات. وكانت هذه التحديات نفسها تواجه قادة الوحدات الصغرى في مركز التدريب المشترك خلال العقد الماضي. وقد أثبتت الحرب في العراق وفي أفغانستان صحة ما ذهب إليه مركز التدريب المشترك خلال السنوات الماضية، وهو أن الوحدات الخفيفة: فصائل وحضائر المشاة، هي المفتاح لكسب المعارك في بيئة العمليات المعاصرة.
وقد أدّت حاجة الولايات المتحدة إلى قوات المشاة في حربها على الإرهاب إلى زيادة تشكيلات المشاة بتعيين مهام المشاة إلى الدروع والمدفعية والمهندسين، بل وحتى وحدات مدفعية الدفاع الجوي، وفرض تعقّد مهام تشكيلات المشاة تحديات جمّة على قادة المشاة بدءاً بقادة الحضائر وحتى قادة الألوية.
تغييرات التشكيل
تشهد تشكيلات الجيش الأمريكي حالياً تغييرات كبيرة، سوف تكون لها انعكاسات على القادة والأركان والوحدات، وتفرض تحديات على القيادة والسيطرة، ومتطلبات المهام ومسؤوليات العمليات؛ فقد أصبحت عمليات الألوية حالياً شبيهة بعمليات الفرق من حيث التعقيد، وأصبحت الكتائب تعمل بطريقة مشابهة للألوية، ويتدرج تعقيد المهام حتى مستوى الحضائر. ولكن بالنظر إلى المسائل المتعلقة بالقيادة والسيطرة والعلاقة بين القائد والمرؤوسين، تعتبر التجارب الحالية في الجيش تشكيلات السرايا والفصائل والحضائر أشياء لا يمكن تغييرها، رغم أن الحرب في العراق وأفغانستان أظهرت التحديات الكبيرة التي يواجهها قادة الوحدات الصغيرة. وقد تناول "مركز الدروس المستفادة في الجيش الأمريكي" هذه المشكلة في دراسة خاصة في نشرته (04 1) تحت عنوان: "إجراء تعديلات على أركان التكتيك للقرن الحادي والعشرين"، والتي بحثت إعادة تنظيم وتعزيز وموازنة أركان الكتائب والألوية بمجموعة من الضباط المحترفين ذوي الخبرة، كما بحثت الدراسة إمكانية تعزيز خبرة عناصر المناورة بنقل المستويات إلى نسق واحد للأسفل، لإتاحة الفرصة للنقباء لقيادة الفصائل والرواد لقيادة السرايا. وتقترح الدراسة تشكيل مشابه بالنسبة لضباط الصف، حيث تؤكد على أهمية الاحتفاظ بضباط الصف ذوي الخبرة في الوحدات التكتيكية، وتوصي بأن تكون للخبرة في الوحدات التكتيكية وأركانها أولوية على تطوير الأفراد، ويتطلب الأمر مزيد من الدراسة حول مشكلات القيادة التكتيكية، مثل مهام الملازمين بعد أن يصبح النقباء قادة للفصائل، وتنافس رتب ضباط الصف بعد أن يصبح رقباء الحضائر رقباء أوائل.
الفصائل
بدأت الدراسة التي أجراها مركز الدروس المستفادة في الجيش الأمريكي بالنظر إلى الفصائل، واتضح أن التحديات التي يواجهها قادة الفصائل تتضمن: تقدير الموقف، والعلاقة بين قائد الفصيل ورقيب الفصيل، وقوة الرد السريع، وإدارة المخاطر، وإجراءات تخطيط ومراقبة الرماية المباشرة، وإجراءات العمل المستديمة للعمليات العسكرية في المدن، وخطط إخلاء المصابين، والتفتيشات.
ونظراً لأن الوحدات الخفيفة تتولى مهاماً كان يقوم بها النسق التالي في التشكيل، فإن الفصائل تقوم بمهام تتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً معقداً. وتعتمد التحديات التي يواجهها الفصيل على الخبرة، ولا يتمتع قادة الفصائل الحاليين بالخبرة اللازمة لمواجهة مثل هذه التحديات، وقد لا يتوفر لرقباء الفصائل مستوى كافٍ من الخبرة لسد فجوة عدم خبرة الضباط الأصغر. والحل الذي نقترحه هو أن يصبح قائد الفصيل نقيباً ومعه رقيب أول، وبقيادة النقيب للفصيل وقيادة رئيس الرقباء للحضيرة، فإن المستوى المتوسط من القيادة بوسعه إنجاز عدة أشياء، وعندما يتولى ملازم قيادة قسم مؤلف من حضيرتين ومعه رقيب أول، فإن ذلك يمنح الضباط الصغار فرصة لاكتساب الخبرة اللازمة في قيادة القوات ونجاح العمليات، وباستحداث وظيفة قيادة بمستوى قسم لرئيس الرقباء يتطلب أن يكون رقيب الفصيل برتبة رقيب أول بتسلسل منطقي حتى رقيب أول سرية. وسوف يضيف ذلك خبرة (20) عاماً من الخبرة التي يتمتع بها ضباط الصف لفصيل من قسمين، ويعطي أرضية جيدة من الخبرة لتدريب الملازمين الجدد. وبناء الفصيل على أساس قسمين سوف يسهل من مجال سيطرة القائد، ويتيح للفصيل فرصة للقتال بفعالية، وبإضافة مساعد لقائد الفصيل سوف يتيح للفصيل فرصة للقتال في العمليات المنفصلة تحت إمرة قادة متمرسين.
حضيرة البنادق
نظراً لأن عمليات حفظ الأمن وعمليات الإسناد من مهام قادة الحضائر، فينبغي على الجيش اتخاذ إجراءات جديدة لزيادة فعالية الفصيل المؤلف من قسمين، فحسب التنظيم الحالي، يوجد قائد واحد للحضيرة ومعه فريقا رماية بكل منهما أربعة أفراد. وقد أثبتت التجارب العديدة في مركز تدريب الجاهزية المشتركة أن المهام المتخصصة في ذلك التشكيل المؤلف من تسعة أفراد، عادة ما تقوم بها فرق خاصة، مما يضاعف من أهمية الاتصالات وانضباط الجنود والفريق ويقظة الجنود.
ويعتمد نجاح مثل هذه الفرق على استخدام قادة الحضائر والفرق لإجراءات قيادة القوات، والتطبيقات، وتفتيشات وتفقدات ما قبل القتال بالطريقة السليمة، وعادة ما تقسّم هذه الفرق المتخصصة إلى: فرق اقتحام، وفرق اختراق، وفرق إسناد. وقد أشار الجنرال (بول ف. غورمان) إلى أن "أنجح التكتيكات حتى الآن، هو استخدام حضيرتين كقاعدة للرماية لضمان إخماد المدافعين، وللتقدم بحضيرة واحدة"، أما الجنرال (ويليام ديباي) فقد أشار إلى نجاح فصيل واحد من بين أربعة فصائل نفّذت الهجوم بتقدم حضيرتين وواحدة في المؤخرة، بينما حققت التكتيكات التي ركزت على الإخماد (حضيرتان في المؤخرة وتقدم حضيرة واحدة) نجاحاً بنسبة تسع من كل عشر هجمات، وأكّد على أنه يفضل مهاجمة العدو بتكثيف نيران الإخماد إلى أقصى حدٍ ممكن وأقل عنصر من المناورة.
وتوضّح النتائج التي توصّل إليها الجنرال (ويليام ديباي) ما أسفرت عنه المهام التي كلفت بها الفرق في مركز تدريب الجاهزية المشتركة أن الحضائر ينبغي أن يُعاد تنظيمها لتتألف من ثلاثة فرق، هي: فريق الاقتحام، وفريق الاختراق، وفريق الإسناد، بحيث يكون عنصرا الاختراق والإسناد تحت قيادة مساعد قائد حضيرة لإسناد فريق الاقتحام المؤلف من أربعة أفراد وقائد حضيرة. وعند انتهاء عملية الاختراق، يقوم فريق الاختراق بإسناد فريق الاقتحام والانضمام إليه إذا اقتضت الضرورة ذلك. وتتحقق القيادة والسيطرة بصورة أفضل بعمل الفرق المؤلفة من أربعة أفراد ككتلة متماسكة في قوة قتال الحضيرة، وسوف تستفيد الفرق من وجود قائد حضيرة ومساعد قائد حضيرة بصفة مستديمة، وسوف تقلل مضاعفة القوة البشرية العضوية في حضيرة بمثل هذا الهيكل التنظيمي من الواجبات التي تُكلَّف بها القوات، وتساعد في حل مشاكل الانضباط واليقظة.
حضيرة الأسلحة
أثبتت تجارب المشاة الخفيفة أن الفصيل يتأثّر سريعاً بعدم وجود حضيرة أسلحة بصفة مستديمة، ويتكون تشكيل فصائل المشاة الخفيفة من ثلاث حضائر، ويعيّن عديد من قادة المشاة الخفيفة قادة حضائر أسلحة بأنفسهم، ولكنهم يفعلون ذلك في العلن، والمشاكل نفسها المتمثلة في نسبة القوات للواجبات، والاتصالات، والانضباط، واليقظة، تواجه هذه التنظيمات الآنية. وتحتفظ فصائل المشاة في الفرقتين (82 و 101) المحمولتين جواً بحضائر أسلحتها بتشكيلات مؤلفة من أربعة حضائر. وسواء كانت حضائر الأسلحة ضمن جدول التنظيم والمعدات أو معينة بطريقة غير مخططة، لها مشاكلها الخاصة بالقيادة والسيطرة، ففي حالة وجود ملازم واحد ورقيب فصيل، عادة ما يكون السبب الرئيس للمشكلة فيمن يتولى السيطرة على حضيرة الأسلحة، ويكون الحل بتشكيل قسمين: يحوي أحدهما التنظيم العادي للحضيرة، ويتضمن القسم الآخر الحضيرة العادية (عنصر الاختراق للفصيل)، وحضيرة أسلحة ثقيلة (عنصر إسناد قاعدة الفصيل)، وتتضمن التحديات على مستوى الحضيرة: نسبة القوات للواجب، والاتصالات، وانضباط الجنود، واستمكان الهدف-تأهب الجنود.
سرية المشاة
يؤدي منح قسم الأسلحة والاختراق مقدرات إضافية إلى اكتمال التغييرات التنظيمية المطلوبة، للإفادة من تغييرات القيادة، ويؤدي تعيين حضيرة الأسلحة كعنصر إسناد دائم ضمن عنصر إسناد الفصيل إلى تعزيز القيادة والسيطرة. وينبغي أن تتلقى حضيرة الأسلحة أيضاً هاونات خفيفة، وقدرات كبيرة من الاتصالات للاستفادة من إسناد النيران. وعندما يكون فصيل المشاة المؤلف من قسمين تحت قيادة أرفع رتبة، وجرى تنظيمه للتدريب على مهام بالمستوى المطلوب، ومزوّد بما يوفّر له إسناد النيران المباشرة وغير المباشرة، يصبح عندئذٍ بمثابة سرية صغيرة يستخدمها الجيش في بيئة العمليات المعاصرة. ونظراً لقوة القتال والقيادة الدائمة في الفصائل ذات القسمين، فإن زيادة الخبرة وعدد الأفراد في مستوى السرية قد أصبح شيئاً لازماً. وقد أظهرت الحرب في العراق وفي أفغانستان الحاجة إلى مزيد من الخبرة في قيادة السرايا، وفرضت عمليات حفظ الاستقرار والإسناد متطلبات كبيرة على قادة السرايا؛ فعمليات المعلومات والاستخبارات في عمليات حفظ الاستقرار وعمليات الإسناد تبدأ من التشكيلات الأدنى، وتلعب السرية دوراً كبيراً في تلك العمليات.
وفي ضوء هذه الحقائق والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها الفصيل المؤلف من قسمين، فإن سرية تحت قيادة رائد تحتاج إلى قيادة أكبر، ولا يتناسب تشكيل قيادة السرية التقليدي (قائد سرية، وضابط تنفيذي، ومشغِّل لاسلكي، ورقيب أول، وقسم تموين) مع هذه المتطلبات. وتقتضي متطلبات العمليات التكتيكية وعمليات المعلومات والاستخبارات وجود ضابط عمليات-استخبارات، وضباط صف لتكميل عنصر قيادة السرية. ومن الناحية التنظمية يمكن تزويد سرية المشاة وتنظيمها بالإضافة لمجالات الاقتحام والإسناد والاختراق الوظيفية في الفصائل والحضائر، وتتضمن: التحديات على مستوى السرية، وخطة اتصالات السرية، ومتابعة المعركة في مركز قيادة السرية، وإدارة معلومات مركز قيادة السرية، واستخدام هاونات السرية بما في ذلك عملية تسجيل الهاونات، واستخدام فريق القناصين للرد على عمليات التماس، ومضاعفة حماية السرية - وأوضاع الأسلحة، وعمليات التطويق والبحث، ويتضمن ذلك إنشاء نقطة تفقّد تكتيكية، وضبط التزامن والوضع (لمنع المدنيين من إعاقة عمليات التفتيش وحماية فرق التفتيش من التهديدات التي قد يتعرضون لها)، وإجراءات ضبط الرماية.
ويقترح التنظيم الجيد أن يكون بالسرية: فصيلا مشاة عاديين (اقتحام)، وفصيل رماية مباشرة ثقيل (إسناد واختراق)، وفصيل رماية غير مباشرة ثقيل (إسناد)، وفصيل إمداد وتموين. أما فصيل الرماية المباشرة الثقيل، فيقترح أن يكون به: قسما أسلحة رماية مباشرة ثقيلة، بكل واحد منهما حضيرة رشاشات ثقيلة، وحضيرة أسلحة مضادة للدبابات. ونظراً لأن فصيل الرماية المباشرة الثقيل هو عنصرالاختراق والإسناد المباشر، فإن قيادة الفصيل قد ضمت حضيرة مهندسين.
ويتألف فصيل الرماية غير المباشرة الثقيل من قسمين، بكل واحد منهما حضيرة هاون 120 ملم، وحضيرة هاون 81 ملم. وبسرية المشاة أيضاً فصيل إمداد وتموين عضوي، به أقسام للطبابة، والتموين، والصيانة، لجعل السرية كتنظيم شبه مكتف ذاتياً. وتقع على عاتق الألوية والحضائر الحالية مسؤوليات أكبر، وتغطي مساحات أوسع، ومهام أكثر تعقيداً من ألوية وحضائر حقبة الحرب الباردة، فلم يكن الجيش أثناء إجرائه للتغيرات ينظر لأدنى من مستوى الكتيبة، ويرى أن قادة الوحدات الصغرى هم قادة صغار، ولا تخفى على أحد التحديات التي يواجهها القادة الصغار على مستوى الحضيرة والفصيل والسرية، وإذا بقي منهج الجيش على حال دون إجراء تغييرات، فإن الوحدات الصغيرة المرؤوسة التي لا تُجرى فيها تغييرات سوف تواجه تحديات أكبر من التحديات التي تواجهها حالياً، وستدفع الضريبة في النهاية حضائر البنادق والفصائل والسرايا التي تنفذ المهام على الأرض، فهذه الوحدات الصغيرة تواجه تحديات جمة، ولو تركزت التغييرات على مستوى الألوية، فإن ذلك سوف يضاعف من تلك التحديات