الاقمار الصناعية الاسرائيلية وتوزن القوى
عندما أطلقت إسرائيل قمرها الصناعي الأول ثم الثاني في 3 نيسان أبريل 1990 والذي حمل اسم (أفق 2) كان ذلك حدثاِ مثيراً تناقلته المراكز الاختصاصية العربية والإعلامية بخاصة بقدر كبير من الاهتمام، واعتبر أنه يشكّل أحد ظواهر أو عوامل تهديد الأمن العربي، حيث أعلن آنذاك أن هذا القمر سيساعد إسرائيل في الحصول على المعلومات اللازمة لتوجيه الأسلحة الصاروخية الإسرائيلية إلى أهدافها بدقة كبيرة، ويضاعف من أخطار تنوع الرؤوس النووية التي تمتلكها إسرائيل. وفي العام 2002م أطلقت إسرائيل (أفق 5)، و حددت مهمته المعلنة بجمع المعلومات عن أهداف في العراق وإيران. غير أن الاهتمام العربي بهذا الحدث كان أقل مما هو متوقع، وربما كان ذلك لأن إطلاق الصاروخ جاء في تصاعد الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أو ربما بسبب التهديدات الأمريكية بالحرب، مما يجعل الخطر الإسرائيلي خطراً تابعاً وليس رائداً، وربما أيضاً لأن المنطقة العربية بمجموعها قد تجاوزت كل محاولات ضبط التسلّح التقليدي والشامل بسبب السياسة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية.
1 الأقمار الصناعية والحروب
قد يكون من المناسب بدء البحث بذكر حقيقة أن قضية إطلاق إسرائيل الأقمار الصناعية هي قضية ذات أبعاد كثيرة، أولها، ارتباطها بمحاولات ضبط التسلح في المنطقة العربية لتحقيق نوع من التوازن بين مجموع العرب وإسرائيل، وفشل هذه المحاولات بسبب منح إسرائيل امتياز (التفوق على العرب)، مما كان يدفع العرب باستمرار لاقتحام الدائرة المتسارعة لسباق التسلّح. وكانت أولى هذه المحاولات هي اتفاق الدول الغربية (الصناعية) سنة 1950م على تقييد إرسال الأسلحة إلى المنطقة، مما وضع العرب في موقع الضعف إلى أن تم كسر احتكار السلاح (سنة 1955م)، ثم أخذ سباق التسلّح اتجاهات مختلفة. وكانت أحدث المحاولات لضبط التسلح هي اعتماد مبادأة الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش) في آيار مايو 1991م، (وفي أعقاب حرب الخليج) بهدف تجميد موقف السباق الصاروخي (وخصوصاً صواريخ أرض أرض) متوسطة المدى. وأعقب ذلك بيان الدول الخمس الكبرى
الصناعية (أو بيان باريس تموز يوليو 1991م)، والذي نص على تقييد عمليات تصدير الأسلحة التقليدية إلى (دول الشرق الأوسط).
ومعروف أن العراق وإيران تتعرّضان لتهديدات أمريكية بخاصة بسبب ما يتم إعلانه عن امتلاك الدولتين لأسلحة صاروخية (تهدد أمن إسرائيل). وليس ذلك فحسب، بل إن إسرائيل تعتبر أن التسلّح الصاروخي والنووي في باكستان يشكِّل تهديداً لأمن إسرائيل؛ وقد كان ذلك أحد العوامل في تنظيم العلاقات العسكرية الهندية الإسرائيلية، والتي تشمل فيما تشمله التعاون في مجالي إطلاق الأقمار الصناعية والتسلّح الصاروخي.
المهم في الأمر، هو أن استخدام الأقمار الصناعية للأغراض العسكرية (أو عسكرة الفضاء) لم يعدّ أمراً جديداً ولا مباغتاً، رغم ذاك التوسُّع الهائل في استخدام الأقمار الصناعية للاتصالات (المدنية)، وللأغراض العلمية ولأبحاث الفضاء. ويكفي الإشارة هنا إلى أن عدد الأقمار الصناعية الأمريكية التي تعمل في الفضاء لأغراض مختلفة بلغت سنة 1990م حوالي (50) قمراً، فيما ارتفع هذا العدد إلى (70) قمراً سنة 2000م هذا في الأحوال العادية ، أما في الأزمات والحروب فيتم إطلاق أقمار صناعية بحسب ما يتطلبه تنفيذ مخطط العمليات. ففي حرب تحرير الكويت (1991م) أطلقت الولايات المتحدة حوالي (40) قمراً صناعياً في منظومات ذات واجبات خاصة، فكانت مهمة هذه المنظومات:
1 الرصد والإنذار المبكّر للتحركات الجوية العراقية (والأسلحة الصاروخية بخاصة).
2 تأمين الاستطلاع الفضائي (الرصد والمراقبة والتصوير).
3 تأمين الاستطلاع الإلكتروني ومراقبة الاتصالات العراقية (السلكية واللاسلكية) والتشويش.
4 جمع المعلومات الملاحية عن الأحوال المناخية.
5 تأمين الاتصالات لقوات التحالف الدولي، والعالم الخارجي (بما في ذلك البنتاجون والبيت الأبيض).
ولدى الولايات المتحدة بحسب ما تم إعلانه (11) منظومة تعمل بالأقمار الصناعية لتأمين مثل هذه الاحتياجات وسواها. ويمكن الإشارة أيضاً إلى أن أول ما قامت به الإدارة الأمريكية عندما أعلنت قرارها (بما سمِّي مكافحة الإرهاب) هو إطلاق عدد من الأقمار الصناعية للعمل بخاصة فوق أفغانستان ومحيطها الجغرافي، لجمع المعلومات الضرورية قبل تنفيذ أي عمل قتالي. وإذا كانت القدرة العسكرية الإسرائيلية مشتقة عن القدرة العسكرية الأمريكية ومتصلة بها (في إطار التحالف الاستراتيجي 30-11-1981م)، فيصبح من طبيعة الأمور أن تحصل إسرائيل على ما هو متوافر في الترسانة الأمريكية، وفي جملتها الدعم بالتقانة المتطورة في مشاريع الفضاء، وفي الأسلحة الصاروخية بكل أنواعها.
وقد يكون من المناسب هنا التوقُّف قليلاً عند ظاهرة (الأقمار الصناعية) لوضع القمر الإسرائيلي (أفق 5) ضمن زحام هذه الأقمار في الفضاء الخارجي، ففي 24 كانون الثاني يناير 1978م تحطّم القمر الصناعي الملاحي السوفيتي (كوزموس 954) في المنطقة الشمالية الغربية من كندا، ناشراً جزئيات مشعّة من محرِّكه النووي فوق منطقة واسعة؛ وبعد يومين فقط من هذا الحادث أطلقت جمهورية الصين الشعبية قمرها الاستطلاعي الثاني، وكان ذلك هو نقطة انطلاق أمريكا لمجابهة الأخطار المحتملة للأقمار الصناعية بعد أن ظهر واضحاً تزايد عدد الدول التي تمتلك تقانة إطلاق الأقمار الصناعية، وأنها لم تعد حكراً على الولايات المتحدة وحدها أو حتى على روسيا والصين ، بل إن دولاً أخرى قد شرعت في اقتحام هذا المجال (إذ كانت الهند قد أطلقت قمرها الصناعي س.ل.ب منذ تموز يوليو 1979م).
وهكذا، ومع مطلع العام 1980م، كان هناك أكثر من ألفي مركبة فضائية تسبح حول محيط الكرة الأرضية كان أكثر من نصفها مخصصاً للأغراض العسكرية ولتنفيذ واجبات محدّدة (1). ويبدو أن الصين والهند كانتا في طليعة (نادي الأقمار الصناعية).
ويثير ذلك تساؤلات كثيرة بشأن حقيقة الدور الإسرائيلي في تقديم خبرات للدولتين المذكورتين تحديداً، حيث لم تكن إسرائيل آنذاك تمتلك التقانة، كما أن مشروع حرب الكواكب أو حرب الفضاء والذي أطلقه الرئيس الأمريكي (رينالد ريجان) في تموز يوليو 1982م، والذي أفادت منه إسرائيل للحصول على تقانة (الدرع الصاروخي)، أو الصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ، لم يقدم لإسرائيل حتى سنة 1990م إنجازاً في مجال التقانة (لإكمال مشروع صواريخ السهم) بدلالة أن أمريكا اضطرت لنصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ (باتريوت) من أجل حماية إسرائيل من الصواريخ العراقية(2)، وبالتالي فإذا ما كان لإسرائيل دور حقيقي في مشاريع الأقمار الصناعية (الصينية والهندية)، فإن هذا الدور هو دور العمالة (أو السمسرة) بإيعاز أمريكي، لنقل التقانة للبلدين المذكورين بهدف تجنُّب (الاحتكاك والحساسية) المهيمنة على العلاقات الآسيوية (مثل باكستان).
المهم في الأمر، هو أنه على الرغم من التوسّع المذهل في استخدام المركبات الفضائية (والأقمار الصناعية) للأغراض المدنية الموصوفة بالتجارية مثل: شبكات الاتصالات، والمعلوماتية (الانترنت)، والفضائيات (التلفزة)، فقد بقي الاستخدام العسكري هو المسيطر والمهيمن. ومن أحدث الشواهد وأقربها عهداً ما تناقلته وكالات الأنباء (يوم 28 آيار مايو 2002م)؛ ففيما كانت الهند والباكستان تتدهوران سراعاً على جبهة الحرب والمواجهة فوق أرض جامو وكشمير، وفيما كانت الدولتان تعلنان عن تصميمهما على عدم البدء باستخدام أسلحتهما النووية، قامت باكستان بإطلاق صاروخ بالستي وهو الثالث خلال ثلاثة أيام من طراز (عبدلي) قصير المدى، وكان ذلك تأكيداً على أن دور هذه الأسلحة المصنفة بالاستراتيجية هو للردع خلال الوقوف (على حافة الهاوية).
وعلى الاتجاه ذاته، وفيما كانت أكبر دولتين نوويتين (روسيا وأمريكا) توقعان على (معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية) يوم 3 حزيران يونيو 2002م بعد أن ألغت أمريكا من جانب واحد معاهدة خفض الأسلحة النووية (آي آي ام 1972م)، قامت أمريكا بتجربة صاروخ بالستي جديد (حمل اسم بيس كيبر)، وهو من نوع الصواريخ عابرة القارات طوله (21) متراً ووزنه (89100) كيلوجرام ومداه (7720) كلم. وتم تصنيف هذا الصاروخ في نطاق نظيره (الأمريكي أيضاً مينيتان 2). ويدخل التعامل مع هذه الأسلحة وتوجيهها ورصدها في إطار واجبات الأقمار الصناعية. فهل يعتبر القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق 5) في وسط هذا الزحام الحاد قمراً غريباً، حتى لو كان مداه محدداً في إطار (رصد مسرح العمليات العراقي الإيراني)، أو كان غير محدد ويشمل كل المحيط الغربي؟ وهل يزيد هذا القمر من حدّة الأخطار التي تتهدد الوطن العربي وشعبه على امتداد المسطح الجغرافي للبلاد العربية؟
2 الدور الوظيفي لإسرائيل
إن وضع الصاروخ الإسرائيلي (أو القمر الصناعي أفق 5) في المحيط العالمي، يمثل بعداً واحداً في جملة أبعاد كثيرة تشكّل محاور للبحث أما البعد الثاني والذي لا يقل أهمية عن سابقه، فهو بعد ارتباط دور هذا القمر بالدور الوظيفي الإسرائيلي في الوطن العربي. فمن المعروف تاريخياً أن بريطانيا قد أسندت (لليهود) منذ بداية تنفيذ المشروع الصهيوني على فلسطين مجموعة من الأدوار أو الواجبات كان من أولها: (الاستخبارات أو الجاسوسية) لتفتيت الجبهة العربية في فلسطين وما يجاورها وما وراء ذلك أيضاً . وكانت كتائب (الهاجاناة) التي أصبحت نواة جيش العدوان الصهيوني (الذي يحمل رسمياً اسم جيش الاحتلال الإسرائيلي) وهي كتائب من تنظيم اليهودي البريطاني (الجنرال أورد شارل وينجيت)(3) تقوم بمهمة الإنزال وراء خطوط الألمان والإيطاليين في شمال أفريقا وإيطاليا وأوروبا إبّان الاحتلال النازي لأوروبا في الحرب العالمية الثانية. وتذكر المصادر الإسرائيلية والبريطانية أن العلم الإسرائيلي قد منح لهذه الوحدات قبل قيام إسرائيل بسنوات عديدة.
ولقد تطوّر هذا الدور بداهة مع تطور إسرائيل ودورها، ولكنه بقي من أبرز أدوارها. وليس من المهم تصديق ما يُحاط بأجهزتها (من أمثال الموساد والشين بيت) من إخفاءات مثيرة لدور هذه الأجهزة في أحداث العالم وليس في فلسطين أو الوطن العربي وحده مما يجعلها القوة العالمية الثانية (بعد أمريكا)، والثالثة (بعد إعادة تنظيم كي جي بي الروسي)، أو حتى الرابعة، ولكن من المهم الاعتراف بأن ارتباط هذه الأجهزة بنظيرتها أونظائرها في واشنطن (اف بي آي، وكذلك سي آي ايه)، قد أكّد الدور الوظيفي لهذه الأجهزة بالدور الوظيفي لإسرائيل ولأمريكا في المنطقة. ويصبح من المتوقع بالتالي أن تحصل إسرائيل على كل ما هو متوافر من وسائط الاستطلاع في الترسانة الأمريكية، بحيث يتحقق لها التكامل في منظومات وسائط الاستطلاع وشبكاتها. ومن ذلك على سبيل المثال:
أولاً: شبكات الرصد الأرضية البرية المكلفة بالعمل على امتداد الحدود الإسرائيلية مع دول الطوق العربي، وتشمل أجهزة رصد ووسائط استطلاع إلكترونية وأجهزة إنذار، ونموذجها مراصد (جبل الشيخ في مرتفعات الجولان)، ومثيلاتها على حدود لبنان، علاوة على تلك المستخدمة في فلسطين والتي مارست دورها في محاربة الانتفاضة.
ثانيا: استخدام الطائرات بدون طيار، للرصد والاستطلاع والتصوير والإنذار، ولقد توسّعت إسرائيل في استخدام هذه الطائرات بخاصة خلال الحرب على جبهة لبنان.
ثالثاً: استخدام طائرات الاستطلاع والإنذار المبكر (أواكس) من طراز (بوينج)، والمجهزة لأداء عدد من الواجبات القتالية (الرصد وتوجيه النيران والإنذار المبكّر).
رابعاً: الإفادة من المساعدات (الحليفة والصديقة) من خدمات الأقمار الصناعية والطائرات التجارية المجهزة بوسائط التصوير والاستطلاع الإلكتروني، وكذلك طائرات الإنذار المبكر، ومصادر المعلومات المختلفة، مما يسمح لإسرائيل بتنوّع مصادر المعلومات، وتقاطعها (تأكيدها).
وهكذا، يبدو أن القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق 5) لا يشكّل أكثر من حلقة في هذه السلسلة المعقدة من منظومات الاستخبارات، وربما ليس الحلقة الأقوى أو الأفضل، ولكن لابد لإسرائيل على ما يظهر من تطبيق وتنفيذ كل النصائح الأمريكية، فما هو صالح لأمريكا لابد وأن يكون صالحاً لإسرائيل، وما يتم تنفيذه من تطبيقات في إسرائيل لابد وأن يخدم في النهاية المصالح الأمريكية (ولو من وجهة النظر السياسية الأمريكية الإسرائيلية على الأقل). ولكن هنا يبدو سؤال ليس غريباً على كل حال، وهو: لماذا أطلقت إسرائيل هذا القمر الصناعي، وفي مثل هذه الظروف العسكرية والسياسية تحديداً؟ وهل تحتاج أمريكا لمعلومات إضافية عن المنطقة في ظل هذه الهيمنة الاستخباراتية فتمَّ تكليف إسرائيل للقيام بدور (تكميلي) أو (تبادلي)؟
قد يكون من الصعب مسبقاً معرفة الدور الإسرائيلي المحدد في حدود الأفق المنظور، وقد يكون إطلاق هذا القمر بمثابة مقدمة لإعطاء إسرائيل دوراً حرمت من ممارسته خلال حرب تحرير الكويت 1991م، وهو المشاركة مع أمريكا في تنفيذ ضربات إلى العراق، أو المشاركة في جهد عسكري. وقد يكون الهدف (الأمريكي الإسرائيلي) المشترك هو تذكير العرب في ظروف الصراع الحاد على كل الجبهات العربية وعلى الجبهة الفلسطينية بخاصة بالتفوق الإسرائيلي في مجال التقانة العسكرية (ضمن استراتيجية الردع الشامل للعرب)، وقد لا يكون العرب شعوباً وأنظمة بحاجة لتذكيرهم بواقع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وتنسيق التعاون المتكامل وفي كل المجالات، وهو ما يحدث ويقع تحت سمعهم وأبصارهم كل يوم، ومن ذلك على سبيل المثال ما ذكر يوم 12 حزيران يونيو 2002م من أن وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) وفي إطار محاولته لتهدئة الوضع المتفجر بين الهند وباكستان قد اقترح على الهند (خلال زيارته للعاصمة نيودلهي ومباحثاته مع قادتها) بنشر نظام مراقبة أمريكي لكشف عمليات التسلل على جانبي الخط الفاصل بين القوات الهندية والقوات الباكستانية في كشمير. وفي ذاك اليوم ذاته كان رئيس الوزراء الإسرائيلي (أريئيل شارون) قد أصدر أوامره وتوجيهاته (ببناء جدار أمني عازل) على امتداد الضفة الغربية بطول مائة كيلومتر تقريباً، وبتكلفة (مليون دولار لكل كيلومتر)، على أن يتكون الجدار من موانع أسمنتية، وحواجز، وفتحات مراقبة، وأجهزة رصد وإنذار، وشبكات مراقبة إلكترونية، وأسلاك شائكة (مكهربة)؛ (ويظهر أن هذا الجدار سيكون نموذجاً مطوراً من خط بارليف العتيد على الحدود المصرية الإسرائيلية قبل حرب 1973م).
وليس من الصعب على ضوء ما تقدم القول إن كل ما ينسب لإسرائيل من إنجازات عسكرية بخاصة، وما يتم إضفاؤه عليها من خصائص للتقدم والتطور والإبداع بما في ذلك مشروع القمر الصناعي (أفق 5) ما هي إلا أعمال لا علاقة لإسرائيل (ولليهود) بها، وإنما هي أعمال وإنجازات مرتبطة بدورها الوظيفي في محيط الوطن العربي، وفي العالم أيضاً.
لم تعد قضية امتلاك القدرة لإقامة صناعة متقدمة مثل صناعة الطائرات والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية والأسلحة الصاروخية، والتي تمثّل بمجموعها الشكل الأرقى والأسمى من أشكال الصناعات هي قضية مستعصية على الدول والأنظمة، ولم تعد أسرارها محاطة بالغموض والأحاجي، وكل ما هو مطلوب توافرثلاثة عوامل: رؤوس الأموال، والتقانة، والاختصاصيين أو الكفاءات العلمية. وقد يكون من المحال على كثير من الدول الكبرى الاضطلاع بأعباء كل المشاريع الصناعية والعسكرية منها بخاصة ولهذا عادة ما تتعاون أكثر من دولة لإقامة صناعة واحدة متفوقة (مثل إنتاج طائرة أوروبية مميزة من أنواع: يوروباص ويوروفايتر، وسواهما)، فكيف تستطيع إسرائيل الاضطلاع بأعباء كل المشاريع دفعة واحدة من إطلاق لأقمار صناعية، وصناعة لدروع صاروخية، (من نوع السهم أو آرو)، وإنتاج طائرات بدون طيار، وإقامة صناعة إلكترونية متقدمة؛ علاوة على صنع الدبابات والأسلحة الخفيفة وسواها؟
الإجابة عن هذا السؤال معروفة، ومنها الأمثولة التالية التي أعلنت يوم 22 نيسان أبريل 2002م وتضمنت ما يلي: "خصصت إدارة الرئيس جورج بوش خلال العام المالي الحالي مبلغ (4،2) مليار دولار مساعدة عسكرية لإسرائيل، و (720) مليون دولار مساعدة اقتصادية، و (600) مليون دولار للمستوطنين الجدد في الأراضي المحتلة، كذلك وفّرت الإدارة الأمريكية لإسرائيل مبلغ (625) مليون دولار لتطوير واستخدام الصواريخ المضادة للصواريخ من نوع (آرو) و (3،1) مليار دولار لإنتاج طائرة (لافي) الهجومية، و (200) مليون دولار لبناء دبابة هجومية من نوع (ميركافا)، و (120) مليون دولار لتحقيق نظام شبكة ليزر مضادة للصواريخ". وأما التقانة، فهي تمنح لإسرائيل بدون مقابل.
3 انتشار التقانة
لقد كان إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق 5) برهاناً في حدِّ ذاته على أحد وجوه الازدواجية في السياسة الاستراتيجية الأمريكية، إذ بينما تقدم أمريكا لإسرائيل مفاتيح التقانة في التسلّح النووي، كما في التسلح الصاروخي، فقد أضافت إليها تقانة إطلاق الأقمار الصناعية، فيما تمارس هذه السياسة الاستراتيجية الأمريكية أشد أنواع الضغوط على روسيا، وكذلك على كوريا الشمالية، علاوة على دول أخرى (أوروبية) لمنعها من التعامل مع إيران والعراق بحجة أن حصول هذين البلدين على أسلحة استراتيجية (نووية وصاروخية) سيغيّر من ميزان القوى العسكرية بالمنطقة والأهم من ذلك بالنسبة لأمريكا هو أنه قد يهدد الأمن الإسرائيلي متجاهلة في ذلك حقيقة أن إسرائيل هي التي أدخلت الوطن العربي بكل أقطاره في دائرة سباق التسلّح التقليدي، وهي التي دفعت أنظمة عربية لامتلاك بعض أنواع أسلحة التدمير الشامل، باعتبارها وسيلة للدفاع المشروع ضد التهديد الإسرائيلي القائم، والذي حظي بتغطية (أمريكية دولية) دفعت إسرائيل لرفض أي نوع من الرقابة على تسلحها النووي بمافي ذلك رقابة (الوكالة الدولية للطاقة).
المهم في الأمر، هو أن إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي، وبما يمثله من انتشار للتقانة، قد شكّل بدوره أحد جوانب (الدور الوظيفي لإسرائيل)، فهناك دول آسيوية كبرى تمتلك قدرات كبيرة في مجالات التقانة، وعلى سبيل المثال: فباكستان تحظى بدعم الصين ومساعدتها في المجال النووي، فيما تطوّر الهند قدراتها النووية والصاروخية عبر تحالفها الاستراتيجيي مع روسيا. وأمريكا لا ترغب بإجراء اتصال مباشر مع كل من الدولتين المذكورتين (الهند والصين)، فجاء الدور الإسرائيلي (التبادلي والتكميلي في وقت واحد) ليمارس ما هو محدد له من تقديم تقانة للبلدين، مما يسمح في الوقت ذاته بفرض نوع من السيطرة لمعرفة ما يحدث من تطور بصورة دقيقة في البلدين الآسيويين العملاقين. ففي أعقاب إطلاق (أفق 5) أُعلن في بكين أن الصين قد وافقت على شراء مركبتين فضائيتين على الأقل للاتصالات من بين الصناعات الجوية الإسرائيلية، بالإضافة إلى ثمانية أقمار اصطناعية أخرى إسرائيلية أيضاً، وذُكر أن هذه العملية تعتبر اختراقاً إسرائيلياً للسوق الآسيوية في وجه المنافسة الأوروبية، حيث تبلغ قيمة الصفقة حوالي (700) مليون دولار. وذكر في بكين أيضاً أن الصين وإسرائيل تنويان تطوير تعاونهما لإقامة مشاريع تصوير فضائي تجاري، مما يعزز مركز صناعة الطائرات الإسرائيلية في سوق منطقة المحيط الهادي الاسيوية وعلى رأسها الصين بداهة حيث كانت إسرائيل قد فشلت من قبل في بيع أجهزة إنذار مبكر محمولة جواً. وقامت مجموعة (تكنولوجيا الأقمار الصناعية في هونج كونج) بالحصول على قمرين صناعيين إسرائيليين متقدمين (آموس)، للإذاعة المباشرة من مدار ثابت. وتعمل هذه المجموعة لصالح الصين التي تنوي استخدام تلك الأقمار في الخدمات الإذاعية المختلفة بما في ذلك تغطية الألعاب الأولمبية الصينية التي ستقام في الصين سنة 2008م .
وقد جاءت صفقة أقمار الاتصالات الفضائية الجديدة في أعقاب فشل التعاون الإسرائيلي الصيني في مجال نظام الإنذار المبكر المحمول جواً (فالكون)، الذي أحبطته الإدارة الأمريكية قبل سنتين بحجة منع هذا النظام ذي التقانة العالية من الوقوع في الأيدي الصينية، وأعلنت صناعة الطائرات الإسرائيلية أن صفقة المركبتين الفضائيتين الأوليين تبلغ قيمتها نحو (180) مليون دولار، وسيتم إطلاقهما بواسطة الصاروخ الصيني (لونج مارش) في عامي 2004 و 2006م. وشمل العقد حوافز لشراء (8) أقمار صناعية أخرى. ويذكر أن صناعة الطائرات الإسرائيلية لم تطلق من قبل إلا مركبة واحدة من نوع (آموس) وزنها ألفا رطل، وقد وضعت تلك المركبة في مدارها في آيار مايو 1996م بواسطة صاروخ (أريان)، ويمنح القمر حالياً خدمات اتصالات لإسرائيل وبلدان أخري في منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا الوسطى، إلاّ أن القمرين 1 و 2 المعدّين (لمجموعة تكنولوجيا الأقمار الصناعية هونج كونج) سيكونان أقوى وأكثر تطوراً من أول قمر صناعي نموج (آموس).
وكانت صناعة الطائرات الإسرائيلية قد أطلقت مجموعة أقمار أفق (1 5) للمراقبة في مدار منخفض، وأقمار مراقبة تجارية من نوع (ايروس). وضمن مجال التعاون الصيني الإسرائيلي لابد من القول إن الصين تعمل على تطوير برنامج فضائي عام، يشمل: زيادة البحث، وتطوير التعاون الفضائي الدولي، ليس مع إسرائيل والبرازيل فحسب، بل أيضاً مع إيران، وباكستان، وتايلاند، وفرسا، ووكالة الفضاء الأوروبية. وعلى الاتجاه ذاته، تمكّنت إسرائيل من تطوير علاقاتها أيضاً مع الهند على قاعدة التقانة في هذه المجالات ذاتها (النووية والصاروخية والفضائية). وأمكن خلال عقد من السنين (1992 2002م) تنظيم شبكة معقدة من العلاقات التي حظيت بدعم أمريكي، حتى لا تبقى الهند بعيدة عن (السيطرة).
وتأتي قبل ذلك كله العلاقات الإسرائيلية التركية التي تطوّرت باستمرار في إطار التحالف (الأمريكي الإسرائيلي التركي). وفيما يتعلق بموضوع البحث، فقد أعلن في أنقرة (في نيسان أبريل 2002م) أن تركيا ستسعى للحصول على نظام مضاد للصواريخ الباليستية من نوع (آرو السهم) تطوير أمريكي أسرائيلي (وهو مشتق من مشروع حرب الكواكب)، بالإضافة لأقمار صناعية للمراقبة (أفق)، مع متابعة الاتصالات الإسرائيلية التركية لتحديث (170) دبابة تركية (صناعة أمريكية) من نوع (ام 60 آ).
ويظهر من خلال ذلك أن (التقانة) كانت هي البوابة الرئيسة التي اقتحمتها إسرائيل لدخول بيوت (التنين الصيني والفيل الهندي والأناضول التركي). ولم يكن هذا الاقتحام محروماً من الهدف، فقد كانت الدول الآسيوية الثلاث تمتنع باستمرار عن تأييد إسرائيل، ولا تعترف بشرعيتها (بصورة علنية وغير علنية)، ولو بدرجات متفاوتة، ولكن ومع انتهاء عصر الحرب الباردة، أخذت علاقات إسرائيل في التطور المتسارع مع الدول الآسيوية الكبرى الثلاث. وتجاوزت الفوائد الإسرائيلية حدود العلاقات السياسية وعلاقات التعاون بسبب تركزها على المحور العسكري ومحور التقانة، وحصدت إسرائيل مئات الملايين من الدولارات عبر (تجارة التقانة) و (تجارة الاستخبارات). ويظهر أن نسبة العمولة (السمسرة) التي تتقاضاها إسرائيل في تجارة التقانة بخاصة قد شكّلت نسبة مرتفعة جداً، ما أغرى القيادة الإسرائيلية على بذل جهود كبيرة مع الإدارة الأمريكية لتنسيق التعاون فيما يمكن بيعه من التقانات التي لا تؤثر على (الأمن القومي الأمريكي). وبدهي أن الأقمار الصناعية وتقانة الاتصالات ووسائط الحرب الإلكترونية الليزرية وسواها قد حطّمت أسوار العزلة. ولم تعد قضية انتشار التقانة مقيدة إلاّ بالقيود التي تضعها أمريكا في إطار سياستها الاستراتيجية ضد أية دولة أو نظام تصنفه أمريكا في إطار (الدول غير الصديقة)، أو (الدول المارقة)، أو (دول محور الشر)، أو ما شابه ذلك من الأسماء والأوصاف.
4 الردع: سيف مثلوم
ما كانت إسرائيل بحاجة لإطلاق قمرها الصناعي (أفق 5) إذا ما كان الهدف كما قيل يومها (رصد مسرح العمليات العراقي الإيراني)، إذ هناك مئات الأقمار الصناعية تجوب على امتداد ساعات اليوم في الليل والنهار سماء الوطن العربي. ولن يكون القمر الإسرائيلي وسط هذا الزحام أكثر من وسيلة معنوية أكثر مما هو مادية. ويذكر أن إضفاء التقانة على إسرائيل منذ إنشائها في إطار إنشاء المفاعلات النووية في ديمونة منذ الأيام الأولي لقيام الدولة العبرية (1948م) لم يكن إلاّ لردع العرب من التفكير (بتدمير إسرائيل)، واستمر هذا الردع وتطوّر لارتباطه باستراتيجية الردع الأمريكية في أيام عصر الحرب الباردة، فهل احتفظت استراتيجية الردع بقيمتها المعنوية مثل ما كانت عليه في بداية عهدها في مطلع الستينيات ، أم أن هذه الاستراتيجية قد فقدت قيمتها وأهميتها وأصبحت ( (كالسيف المثلوم) لكثرة استخدامها في غير مواضعها؟
لقد أجابت دراسات أمريكية كثيرة على مثل هذا السؤال بالقول: "... لنضع في الاعتبار التحديات التي فرضتها سياسة الردع باعتبار أنها الأساس الذي شكّل أمثولة رائدة، وهناك مراجع وفيرة عالجت موضوع الردع سواء في الدوائر الرسمية الأمريكية أو في متناول الجماهير، أو حتى في الأدب الدراسي؛ فالردع بحسب التعريف هو علاقة تمتلك قيمة متغيرة وغير ثابتة، وهو يتعادل مع التنظيمات العسكرية من حيث فرض الهدف على العدو بالقوة والإكراه. ولقد حدث في مرات كثيرة أن استطاع الردع تحقيق النصر الحاسم، عندما أمكن فرض التعاون بالقوة من أجل تكوين ذريعة رادعة (مثل تعاون أوروبا مع أمريكا، ومثل تعاون اليابان مع أمريكا، تحت مظلة الردع النووي)، وأن الممر الذي يقود إلى النصر الحاسم عبر ردع ناجح قد لا يحقق مثل هذ االنصر إذا ما تم الاعتماد على الكتلة الصناعية الأمريكية الضخمة في المجمع العسكري، وهذا ما يفرض استخدام أسلوب الحوار والتفاهم لتحديد أهداف الردع، وهذا ما يساعد على تحديد التهديدات والأخطار بدقة. ويكون تحديد الهدف بمثابة الدريئة الوقائية ضد العدو، "وسيبقى الردع دائماً بمثابة ممارسة ذات نتائج غير مؤكدة وغير عملية، ويحتمل له الفشل لأسباب قد تكون بعيدة جداً عن أبصار مخططي الدفاع الذين يعكفون على وضع مخططاتهم وفق مقاييس منطقية وعقلانية"(4).
وتؤكد هذه المقولة الأمريكية الحديثة ما هو معروف عن حقائق الردع والذي اعتمد في مفهومه على الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وسواها لمن يراد (ردعه) وأن هذا الردع لا يمتلك قيمة ثابتة ولا تأثيراً واحداً، ولا درجة معينة من الفاعلية، ولا يصلح للتعامل مع كل المواقف والأوضاع، ولولا ذلك لما ظهرت نظريات (الردع المضاد) في البعدين (المادي والمعنوي)، مما كان برهاناً واضحاً على أن (مفهوم الردع) إذا ما استخدم سلاحاً، فإنه مثله مثل كل الأسلحة لا يجوز اللجوء إليه للتعامل مع كل الحالات حتى لا يفقد بريقه، ولا يثلم حدّاه.
ولقد جعلت القيادة الصهيونية منذ أيام الاستعمار البريطاني من سلاح الردع سلاحاً رئيساً في حربها ضد العرب، وضد الفلسطينيين بخاصة، وكان إضفاء هالة معنوية على (إنجازات اليهود العلمية ونفوذ رأس المال اليهودي، وسيطرة اليهود على المجتمع البريطاني، ونفوذ اليهود العالمي أو الامبراطورية اليهودية العالمية) وسوى ذلك، من أجل ردع العرب عن مقاومة المشروع الصهيوني. ولكن العرب ومنذ البداية، وحتى من قبل أن يُثلم حد الردع الاستعماري الصهيوني كان لهم من رصيدهم المعنوي الهائل، المتمثل بإيمانهم العميق بقدراتهم وحقوقهم في الحياة، وبموقعهم من العالم، ودورهم الإنساني، ما حملهم على التعامل مع (مفاهيم الردع ونظرياته) بما فيها (الردع النووي) بكثير من الموضوعية، وفي إطار (وضع الأشياء في مواضعها وبما هي أهل له ودونما إفراط ولا تفريط)، وكان ذلك هو أساس التقويم الصحيح للأمور، وهو ما أفاد العرب في تطوير صراعهم ووسائطه بصورة مستمرة في إطار الاستجابة ضد التحديات بما يتناسب مع هذه التحديات، وربما في إطار (الردع المضاد) أيضاً.
وإذاً، فإن إطلاق (أفق 5)، وكل مجموعة أفق الموجودة في الترسانة الإسرائيلية لن تغيّر من موازين القوى؛ ولقد أكّدت كل الدراسات الحديثة عقم (التقانة) في التعامل مع كل الحالات، وأن التقانة بكل أبعادها لن تحقق النصر الحاسم، فكيف بالنسبة لصراع من نوع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تتوافر إرادة حوار الإرادات المتصارعة على أرفع مستوياتها الثابتة؟ وهل كانت الأعمال الاستشهادية (الموصوفة بالانتحارية من قِبَل غير المسلمين) إلاّ البرهان الثابت على أن العرب قد تركوا وراء ظهورهم ومنذ زمن بعيد (استراتيجية الردع الإسرائيلي والعالمي أيضاً)؟ وهل كانت (ثورة الحجارة) في مواجهة (أقوى ترسانة حربية) إلاّ التأكيد على سقوط استراتيجية الردع وسقوط نظريات تفوق التقانة؟
ولا يعني ذلك بداهة التخلّف عن مواكبة التقانة، فلقد أخذ العرب في كل أقطارهم بأسباب الدفاع المادية في حدود قدراتهم وضرورات مجابهة التحديات المفروضة عليهم، ولكن مع إدراكهم الحقيقي بأن حدود الصراع ليست محددة بأفق الصراع الجغرافي مع فلسطين، فقد أخذوا من الأسباب ما هو أكثر إلحاحاً، وما يحتل المرتبة الأعلى في سلم الأفضليات، وقد يجد الإسرائيليون أن تلاحم الحدود الجغرافية قد تجعل من قمرهم (أفق 5) عاملاً متخلفاً عن تحقيق الهدف المطلوب، وكانت تجربة (باريوت) سنة 1991م قد أثارت الشكوك حتى في فائدة (صاروخ آرو). وإذاً فليس كل ما هو صالح لأمريكا يصلح لإسرائيل، وليس كل ما هو مفيد لإسرائيل قد يكون مفيداً للعرب
عندما أطلقت إسرائيل قمرها الصناعي الأول ثم الثاني في 3 نيسان أبريل 1990 والذي حمل اسم (أفق 2) كان ذلك حدثاِ مثيراً تناقلته المراكز الاختصاصية العربية والإعلامية بخاصة بقدر كبير من الاهتمام، واعتبر أنه يشكّل أحد ظواهر أو عوامل تهديد الأمن العربي، حيث أعلن آنذاك أن هذا القمر سيساعد إسرائيل في الحصول على المعلومات اللازمة لتوجيه الأسلحة الصاروخية الإسرائيلية إلى أهدافها بدقة كبيرة، ويضاعف من أخطار تنوع الرؤوس النووية التي تمتلكها إسرائيل. وفي العام 2002م أطلقت إسرائيل (أفق 5)، و حددت مهمته المعلنة بجمع المعلومات عن أهداف في العراق وإيران. غير أن الاهتمام العربي بهذا الحدث كان أقل مما هو متوقع، وربما كان ذلك لأن إطلاق الصاروخ جاء في تصاعد الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أو ربما بسبب التهديدات الأمريكية بالحرب، مما يجعل الخطر الإسرائيلي خطراً تابعاً وليس رائداً، وربما أيضاً لأن المنطقة العربية بمجموعها قد تجاوزت كل محاولات ضبط التسلّح التقليدي والشامل بسبب السياسة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية.
1 الأقمار الصناعية والحروب
قد يكون من المناسب بدء البحث بذكر حقيقة أن قضية إطلاق إسرائيل الأقمار الصناعية هي قضية ذات أبعاد كثيرة، أولها، ارتباطها بمحاولات ضبط التسلح في المنطقة العربية لتحقيق نوع من التوازن بين مجموع العرب وإسرائيل، وفشل هذه المحاولات بسبب منح إسرائيل امتياز (التفوق على العرب)، مما كان يدفع العرب باستمرار لاقتحام الدائرة المتسارعة لسباق التسلّح. وكانت أولى هذه المحاولات هي اتفاق الدول الغربية (الصناعية) سنة 1950م على تقييد إرسال الأسلحة إلى المنطقة، مما وضع العرب في موقع الضعف إلى أن تم كسر احتكار السلاح (سنة 1955م)، ثم أخذ سباق التسلّح اتجاهات مختلفة. وكانت أحدث المحاولات لضبط التسلح هي اعتماد مبادأة الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش) في آيار مايو 1991م، (وفي أعقاب حرب الخليج) بهدف تجميد موقف السباق الصاروخي (وخصوصاً صواريخ أرض أرض) متوسطة المدى. وأعقب ذلك بيان الدول الخمس الكبرى
الصناعية (أو بيان باريس تموز يوليو 1991م)، والذي نص على تقييد عمليات تصدير الأسلحة التقليدية إلى (دول الشرق الأوسط).
ومعروف أن العراق وإيران تتعرّضان لتهديدات أمريكية بخاصة بسبب ما يتم إعلانه عن امتلاك الدولتين لأسلحة صاروخية (تهدد أمن إسرائيل). وليس ذلك فحسب، بل إن إسرائيل تعتبر أن التسلّح الصاروخي والنووي في باكستان يشكِّل تهديداً لأمن إسرائيل؛ وقد كان ذلك أحد العوامل في تنظيم العلاقات العسكرية الهندية الإسرائيلية، والتي تشمل فيما تشمله التعاون في مجالي إطلاق الأقمار الصناعية والتسلّح الصاروخي.
المهم في الأمر، هو أن استخدام الأقمار الصناعية للأغراض العسكرية (أو عسكرة الفضاء) لم يعدّ أمراً جديداً ولا مباغتاً، رغم ذاك التوسُّع الهائل في استخدام الأقمار الصناعية للاتصالات (المدنية)، وللأغراض العلمية ولأبحاث الفضاء. ويكفي الإشارة هنا إلى أن عدد الأقمار الصناعية الأمريكية التي تعمل في الفضاء لأغراض مختلفة بلغت سنة 1990م حوالي (50) قمراً، فيما ارتفع هذا العدد إلى (70) قمراً سنة 2000م هذا في الأحوال العادية ، أما في الأزمات والحروب فيتم إطلاق أقمار صناعية بحسب ما يتطلبه تنفيذ مخطط العمليات. ففي حرب تحرير الكويت (1991م) أطلقت الولايات المتحدة حوالي (40) قمراً صناعياً في منظومات ذات واجبات خاصة، فكانت مهمة هذه المنظومات:
1 الرصد والإنذار المبكّر للتحركات الجوية العراقية (والأسلحة الصاروخية بخاصة).
2 تأمين الاستطلاع الفضائي (الرصد والمراقبة والتصوير).
3 تأمين الاستطلاع الإلكتروني ومراقبة الاتصالات العراقية (السلكية واللاسلكية) والتشويش.
4 جمع المعلومات الملاحية عن الأحوال المناخية.
5 تأمين الاتصالات لقوات التحالف الدولي، والعالم الخارجي (بما في ذلك البنتاجون والبيت الأبيض).
ولدى الولايات المتحدة بحسب ما تم إعلانه (11) منظومة تعمل بالأقمار الصناعية لتأمين مثل هذه الاحتياجات وسواها. ويمكن الإشارة أيضاً إلى أن أول ما قامت به الإدارة الأمريكية عندما أعلنت قرارها (بما سمِّي مكافحة الإرهاب) هو إطلاق عدد من الأقمار الصناعية للعمل بخاصة فوق أفغانستان ومحيطها الجغرافي، لجمع المعلومات الضرورية قبل تنفيذ أي عمل قتالي. وإذا كانت القدرة العسكرية الإسرائيلية مشتقة عن القدرة العسكرية الأمريكية ومتصلة بها (في إطار التحالف الاستراتيجي 30-11-1981م)، فيصبح من طبيعة الأمور أن تحصل إسرائيل على ما هو متوافر في الترسانة الأمريكية، وفي جملتها الدعم بالتقانة المتطورة في مشاريع الفضاء، وفي الأسلحة الصاروخية بكل أنواعها.
وقد يكون من المناسب هنا التوقُّف قليلاً عند ظاهرة (الأقمار الصناعية) لوضع القمر الإسرائيلي (أفق 5) ضمن زحام هذه الأقمار في الفضاء الخارجي، ففي 24 كانون الثاني يناير 1978م تحطّم القمر الصناعي الملاحي السوفيتي (كوزموس 954) في المنطقة الشمالية الغربية من كندا، ناشراً جزئيات مشعّة من محرِّكه النووي فوق منطقة واسعة؛ وبعد يومين فقط من هذا الحادث أطلقت جمهورية الصين الشعبية قمرها الاستطلاعي الثاني، وكان ذلك هو نقطة انطلاق أمريكا لمجابهة الأخطار المحتملة للأقمار الصناعية بعد أن ظهر واضحاً تزايد عدد الدول التي تمتلك تقانة إطلاق الأقمار الصناعية، وأنها لم تعد حكراً على الولايات المتحدة وحدها أو حتى على روسيا والصين ، بل إن دولاً أخرى قد شرعت في اقتحام هذا المجال (إذ كانت الهند قد أطلقت قمرها الصناعي س.ل.ب منذ تموز يوليو 1979م).
وهكذا، ومع مطلع العام 1980م، كان هناك أكثر من ألفي مركبة فضائية تسبح حول محيط الكرة الأرضية كان أكثر من نصفها مخصصاً للأغراض العسكرية ولتنفيذ واجبات محدّدة (1). ويبدو أن الصين والهند كانتا في طليعة (نادي الأقمار الصناعية).
ويثير ذلك تساؤلات كثيرة بشأن حقيقة الدور الإسرائيلي في تقديم خبرات للدولتين المذكورتين تحديداً، حيث لم تكن إسرائيل آنذاك تمتلك التقانة، كما أن مشروع حرب الكواكب أو حرب الفضاء والذي أطلقه الرئيس الأمريكي (رينالد ريجان) في تموز يوليو 1982م، والذي أفادت منه إسرائيل للحصول على تقانة (الدرع الصاروخي)، أو الصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ، لم يقدم لإسرائيل حتى سنة 1990م إنجازاً في مجال التقانة (لإكمال مشروع صواريخ السهم) بدلالة أن أمريكا اضطرت لنصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ (باتريوت) من أجل حماية إسرائيل من الصواريخ العراقية(2)، وبالتالي فإذا ما كان لإسرائيل دور حقيقي في مشاريع الأقمار الصناعية (الصينية والهندية)، فإن هذا الدور هو دور العمالة (أو السمسرة) بإيعاز أمريكي، لنقل التقانة للبلدين المذكورين بهدف تجنُّب (الاحتكاك والحساسية) المهيمنة على العلاقات الآسيوية (مثل باكستان).
المهم في الأمر، هو أنه على الرغم من التوسّع المذهل في استخدام المركبات الفضائية (والأقمار الصناعية) للأغراض المدنية الموصوفة بالتجارية مثل: شبكات الاتصالات، والمعلوماتية (الانترنت)، والفضائيات (التلفزة)، فقد بقي الاستخدام العسكري هو المسيطر والمهيمن. ومن أحدث الشواهد وأقربها عهداً ما تناقلته وكالات الأنباء (يوم 28 آيار مايو 2002م)؛ ففيما كانت الهند والباكستان تتدهوران سراعاً على جبهة الحرب والمواجهة فوق أرض جامو وكشمير، وفيما كانت الدولتان تعلنان عن تصميمهما على عدم البدء باستخدام أسلحتهما النووية، قامت باكستان بإطلاق صاروخ بالستي وهو الثالث خلال ثلاثة أيام من طراز (عبدلي) قصير المدى، وكان ذلك تأكيداً على أن دور هذه الأسلحة المصنفة بالاستراتيجية هو للردع خلال الوقوف (على حافة الهاوية).
وعلى الاتجاه ذاته، وفيما كانت أكبر دولتين نوويتين (روسيا وأمريكا) توقعان على (معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية) يوم 3 حزيران يونيو 2002م بعد أن ألغت أمريكا من جانب واحد معاهدة خفض الأسلحة النووية (آي آي ام 1972م)، قامت أمريكا بتجربة صاروخ بالستي جديد (حمل اسم بيس كيبر)، وهو من نوع الصواريخ عابرة القارات طوله (21) متراً ووزنه (89100) كيلوجرام ومداه (7720) كلم. وتم تصنيف هذا الصاروخ في نطاق نظيره (الأمريكي أيضاً مينيتان 2). ويدخل التعامل مع هذه الأسلحة وتوجيهها ورصدها في إطار واجبات الأقمار الصناعية. فهل يعتبر القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق 5) في وسط هذا الزحام الحاد قمراً غريباً، حتى لو كان مداه محدداً في إطار (رصد مسرح العمليات العراقي الإيراني)، أو كان غير محدد ويشمل كل المحيط الغربي؟ وهل يزيد هذا القمر من حدّة الأخطار التي تتهدد الوطن العربي وشعبه على امتداد المسطح الجغرافي للبلاد العربية؟
2 الدور الوظيفي لإسرائيل
إن وضع الصاروخ الإسرائيلي (أو القمر الصناعي أفق 5) في المحيط العالمي، يمثل بعداً واحداً في جملة أبعاد كثيرة تشكّل محاور للبحث أما البعد الثاني والذي لا يقل أهمية عن سابقه، فهو بعد ارتباط دور هذا القمر بالدور الوظيفي الإسرائيلي في الوطن العربي. فمن المعروف تاريخياً أن بريطانيا قد أسندت (لليهود) منذ بداية تنفيذ المشروع الصهيوني على فلسطين مجموعة من الأدوار أو الواجبات كان من أولها: (الاستخبارات أو الجاسوسية) لتفتيت الجبهة العربية في فلسطين وما يجاورها وما وراء ذلك أيضاً . وكانت كتائب (الهاجاناة) التي أصبحت نواة جيش العدوان الصهيوني (الذي يحمل رسمياً اسم جيش الاحتلال الإسرائيلي) وهي كتائب من تنظيم اليهودي البريطاني (الجنرال أورد شارل وينجيت)(3) تقوم بمهمة الإنزال وراء خطوط الألمان والإيطاليين في شمال أفريقا وإيطاليا وأوروبا إبّان الاحتلال النازي لأوروبا في الحرب العالمية الثانية. وتذكر المصادر الإسرائيلية والبريطانية أن العلم الإسرائيلي قد منح لهذه الوحدات قبل قيام إسرائيل بسنوات عديدة.
ولقد تطوّر هذا الدور بداهة مع تطور إسرائيل ودورها، ولكنه بقي من أبرز أدوارها. وليس من المهم تصديق ما يُحاط بأجهزتها (من أمثال الموساد والشين بيت) من إخفاءات مثيرة لدور هذه الأجهزة في أحداث العالم وليس في فلسطين أو الوطن العربي وحده مما يجعلها القوة العالمية الثانية (بعد أمريكا)، والثالثة (بعد إعادة تنظيم كي جي بي الروسي)، أو حتى الرابعة، ولكن من المهم الاعتراف بأن ارتباط هذه الأجهزة بنظيرتها أونظائرها في واشنطن (اف بي آي، وكذلك سي آي ايه)، قد أكّد الدور الوظيفي لهذه الأجهزة بالدور الوظيفي لإسرائيل ولأمريكا في المنطقة. ويصبح من المتوقع بالتالي أن تحصل إسرائيل على كل ما هو متوافر من وسائط الاستطلاع في الترسانة الأمريكية، بحيث يتحقق لها التكامل في منظومات وسائط الاستطلاع وشبكاتها. ومن ذلك على سبيل المثال:
أولاً: شبكات الرصد الأرضية البرية المكلفة بالعمل على امتداد الحدود الإسرائيلية مع دول الطوق العربي، وتشمل أجهزة رصد ووسائط استطلاع إلكترونية وأجهزة إنذار، ونموذجها مراصد (جبل الشيخ في مرتفعات الجولان)، ومثيلاتها على حدود لبنان، علاوة على تلك المستخدمة في فلسطين والتي مارست دورها في محاربة الانتفاضة.
ثانيا: استخدام الطائرات بدون طيار، للرصد والاستطلاع والتصوير والإنذار، ولقد توسّعت إسرائيل في استخدام هذه الطائرات بخاصة خلال الحرب على جبهة لبنان.
ثالثاً: استخدام طائرات الاستطلاع والإنذار المبكر (أواكس) من طراز (بوينج)، والمجهزة لأداء عدد من الواجبات القتالية (الرصد وتوجيه النيران والإنذار المبكّر).
رابعاً: الإفادة من المساعدات (الحليفة والصديقة) من خدمات الأقمار الصناعية والطائرات التجارية المجهزة بوسائط التصوير والاستطلاع الإلكتروني، وكذلك طائرات الإنذار المبكر، ومصادر المعلومات المختلفة، مما يسمح لإسرائيل بتنوّع مصادر المعلومات، وتقاطعها (تأكيدها).
وهكذا، يبدو أن القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق 5) لا يشكّل أكثر من حلقة في هذه السلسلة المعقدة من منظومات الاستخبارات، وربما ليس الحلقة الأقوى أو الأفضل، ولكن لابد لإسرائيل على ما يظهر من تطبيق وتنفيذ كل النصائح الأمريكية، فما هو صالح لأمريكا لابد وأن يكون صالحاً لإسرائيل، وما يتم تنفيذه من تطبيقات في إسرائيل لابد وأن يخدم في النهاية المصالح الأمريكية (ولو من وجهة النظر السياسية الأمريكية الإسرائيلية على الأقل). ولكن هنا يبدو سؤال ليس غريباً على كل حال، وهو: لماذا أطلقت إسرائيل هذا القمر الصناعي، وفي مثل هذه الظروف العسكرية والسياسية تحديداً؟ وهل تحتاج أمريكا لمعلومات إضافية عن المنطقة في ظل هذه الهيمنة الاستخباراتية فتمَّ تكليف إسرائيل للقيام بدور (تكميلي) أو (تبادلي)؟
قد يكون من الصعب مسبقاً معرفة الدور الإسرائيلي المحدد في حدود الأفق المنظور، وقد يكون إطلاق هذا القمر بمثابة مقدمة لإعطاء إسرائيل دوراً حرمت من ممارسته خلال حرب تحرير الكويت 1991م، وهو المشاركة مع أمريكا في تنفيذ ضربات إلى العراق، أو المشاركة في جهد عسكري. وقد يكون الهدف (الأمريكي الإسرائيلي) المشترك هو تذكير العرب في ظروف الصراع الحاد على كل الجبهات العربية وعلى الجبهة الفلسطينية بخاصة بالتفوق الإسرائيلي في مجال التقانة العسكرية (ضمن استراتيجية الردع الشامل للعرب)، وقد لا يكون العرب شعوباً وأنظمة بحاجة لتذكيرهم بواقع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وتنسيق التعاون المتكامل وفي كل المجالات، وهو ما يحدث ويقع تحت سمعهم وأبصارهم كل يوم، ومن ذلك على سبيل المثال ما ذكر يوم 12 حزيران يونيو 2002م من أن وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) وفي إطار محاولته لتهدئة الوضع المتفجر بين الهند وباكستان قد اقترح على الهند (خلال زيارته للعاصمة نيودلهي ومباحثاته مع قادتها) بنشر نظام مراقبة أمريكي لكشف عمليات التسلل على جانبي الخط الفاصل بين القوات الهندية والقوات الباكستانية في كشمير. وفي ذاك اليوم ذاته كان رئيس الوزراء الإسرائيلي (أريئيل شارون) قد أصدر أوامره وتوجيهاته (ببناء جدار أمني عازل) على امتداد الضفة الغربية بطول مائة كيلومتر تقريباً، وبتكلفة (مليون دولار لكل كيلومتر)، على أن يتكون الجدار من موانع أسمنتية، وحواجز، وفتحات مراقبة، وأجهزة رصد وإنذار، وشبكات مراقبة إلكترونية، وأسلاك شائكة (مكهربة)؛ (ويظهر أن هذا الجدار سيكون نموذجاً مطوراً من خط بارليف العتيد على الحدود المصرية الإسرائيلية قبل حرب 1973م).
وليس من الصعب على ضوء ما تقدم القول إن كل ما ينسب لإسرائيل من إنجازات عسكرية بخاصة، وما يتم إضفاؤه عليها من خصائص للتقدم والتطور والإبداع بما في ذلك مشروع القمر الصناعي (أفق 5) ما هي إلا أعمال لا علاقة لإسرائيل (ولليهود) بها، وإنما هي أعمال وإنجازات مرتبطة بدورها الوظيفي في محيط الوطن العربي، وفي العالم أيضاً.
لم تعد قضية امتلاك القدرة لإقامة صناعة متقدمة مثل صناعة الطائرات والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية والأسلحة الصاروخية، والتي تمثّل بمجموعها الشكل الأرقى والأسمى من أشكال الصناعات هي قضية مستعصية على الدول والأنظمة، ولم تعد أسرارها محاطة بالغموض والأحاجي، وكل ما هو مطلوب توافرثلاثة عوامل: رؤوس الأموال، والتقانة، والاختصاصيين أو الكفاءات العلمية. وقد يكون من المحال على كثير من الدول الكبرى الاضطلاع بأعباء كل المشاريع الصناعية والعسكرية منها بخاصة ولهذا عادة ما تتعاون أكثر من دولة لإقامة صناعة واحدة متفوقة (مثل إنتاج طائرة أوروبية مميزة من أنواع: يوروباص ويوروفايتر، وسواهما)، فكيف تستطيع إسرائيل الاضطلاع بأعباء كل المشاريع دفعة واحدة من إطلاق لأقمار صناعية، وصناعة لدروع صاروخية، (من نوع السهم أو آرو)، وإنتاج طائرات بدون طيار، وإقامة صناعة إلكترونية متقدمة؛ علاوة على صنع الدبابات والأسلحة الخفيفة وسواها؟
الإجابة عن هذا السؤال معروفة، ومنها الأمثولة التالية التي أعلنت يوم 22 نيسان أبريل 2002م وتضمنت ما يلي: "خصصت إدارة الرئيس جورج بوش خلال العام المالي الحالي مبلغ (4،2) مليار دولار مساعدة عسكرية لإسرائيل، و (720) مليون دولار مساعدة اقتصادية، و (600) مليون دولار للمستوطنين الجدد في الأراضي المحتلة، كذلك وفّرت الإدارة الأمريكية لإسرائيل مبلغ (625) مليون دولار لتطوير واستخدام الصواريخ المضادة للصواريخ من نوع (آرو) و (3،1) مليار دولار لإنتاج طائرة (لافي) الهجومية، و (200) مليون دولار لبناء دبابة هجومية من نوع (ميركافا)، و (120) مليون دولار لتحقيق نظام شبكة ليزر مضادة للصواريخ". وأما التقانة، فهي تمنح لإسرائيل بدون مقابل.
3 انتشار التقانة
لقد كان إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق 5) برهاناً في حدِّ ذاته على أحد وجوه الازدواجية في السياسة الاستراتيجية الأمريكية، إذ بينما تقدم أمريكا لإسرائيل مفاتيح التقانة في التسلّح النووي، كما في التسلح الصاروخي، فقد أضافت إليها تقانة إطلاق الأقمار الصناعية، فيما تمارس هذه السياسة الاستراتيجية الأمريكية أشد أنواع الضغوط على روسيا، وكذلك على كوريا الشمالية، علاوة على دول أخرى (أوروبية) لمنعها من التعامل مع إيران والعراق بحجة أن حصول هذين البلدين على أسلحة استراتيجية (نووية وصاروخية) سيغيّر من ميزان القوى العسكرية بالمنطقة والأهم من ذلك بالنسبة لأمريكا هو أنه قد يهدد الأمن الإسرائيلي متجاهلة في ذلك حقيقة أن إسرائيل هي التي أدخلت الوطن العربي بكل أقطاره في دائرة سباق التسلّح التقليدي، وهي التي دفعت أنظمة عربية لامتلاك بعض أنواع أسلحة التدمير الشامل، باعتبارها وسيلة للدفاع المشروع ضد التهديد الإسرائيلي القائم، والذي حظي بتغطية (أمريكية دولية) دفعت إسرائيل لرفض أي نوع من الرقابة على تسلحها النووي بمافي ذلك رقابة (الوكالة الدولية للطاقة).
المهم في الأمر، هو أن إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي، وبما يمثله من انتشار للتقانة، قد شكّل بدوره أحد جوانب (الدور الوظيفي لإسرائيل)، فهناك دول آسيوية كبرى تمتلك قدرات كبيرة في مجالات التقانة، وعلى سبيل المثال: فباكستان تحظى بدعم الصين ومساعدتها في المجال النووي، فيما تطوّر الهند قدراتها النووية والصاروخية عبر تحالفها الاستراتيجيي مع روسيا. وأمريكا لا ترغب بإجراء اتصال مباشر مع كل من الدولتين المذكورتين (الهند والصين)، فجاء الدور الإسرائيلي (التبادلي والتكميلي في وقت واحد) ليمارس ما هو محدد له من تقديم تقانة للبلدين، مما يسمح في الوقت ذاته بفرض نوع من السيطرة لمعرفة ما يحدث من تطور بصورة دقيقة في البلدين الآسيويين العملاقين. ففي أعقاب إطلاق (أفق 5) أُعلن في بكين أن الصين قد وافقت على شراء مركبتين فضائيتين على الأقل للاتصالات من بين الصناعات الجوية الإسرائيلية، بالإضافة إلى ثمانية أقمار اصطناعية أخرى إسرائيلية أيضاً، وذُكر أن هذه العملية تعتبر اختراقاً إسرائيلياً للسوق الآسيوية في وجه المنافسة الأوروبية، حيث تبلغ قيمة الصفقة حوالي (700) مليون دولار. وذكر في بكين أيضاً أن الصين وإسرائيل تنويان تطوير تعاونهما لإقامة مشاريع تصوير فضائي تجاري، مما يعزز مركز صناعة الطائرات الإسرائيلية في سوق منطقة المحيط الهادي الاسيوية وعلى رأسها الصين بداهة حيث كانت إسرائيل قد فشلت من قبل في بيع أجهزة إنذار مبكر محمولة جواً. وقامت مجموعة (تكنولوجيا الأقمار الصناعية في هونج كونج) بالحصول على قمرين صناعيين إسرائيليين متقدمين (آموس)، للإذاعة المباشرة من مدار ثابت. وتعمل هذه المجموعة لصالح الصين التي تنوي استخدام تلك الأقمار في الخدمات الإذاعية المختلفة بما في ذلك تغطية الألعاب الأولمبية الصينية التي ستقام في الصين سنة 2008م .
وقد جاءت صفقة أقمار الاتصالات الفضائية الجديدة في أعقاب فشل التعاون الإسرائيلي الصيني في مجال نظام الإنذار المبكر المحمول جواً (فالكون)، الذي أحبطته الإدارة الأمريكية قبل سنتين بحجة منع هذا النظام ذي التقانة العالية من الوقوع في الأيدي الصينية، وأعلنت صناعة الطائرات الإسرائيلية أن صفقة المركبتين الفضائيتين الأوليين تبلغ قيمتها نحو (180) مليون دولار، وسيتم إطلاقهما بواسطة الصاروخ الصيني (لونج مارش) في عامي 2004 و 2006م. وشمل العقد حوافز لشراء (8) أقمار صناعية أخرى. ويذكر أن صناعة الطائرات الإسرائيلية لم تطلق من قبل إلا مركبة واحدة من نوع (آموس) وزنها ألفا رطل، وقد وضعت تلك المركبة في مدارها في آيار مايو 1996م بواسطة صاروخ (أريان)، ويمنح القمر حالياً خدمات اتصالات لإسرائيل وبلدان أخري في منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا الوسطى، إلاّ أن القمرين 1 و 2 المعدّين (لمجموعة تكنولوجيا الأقمار الصناعية هونج كونج) سيكونان أقوى وأكثر تطوراً من أول قمر صناعي نموج (آموس).
وكانت صناعة الطائرات الإسرائيلية قد أطلقت مجموعة أقمار أفق (1 5) للمراقبة في مدار منخفض، وأقمار مراقبة تجارية من نوع (ايروس). وضمن مجال التعاون الصيني الإسرائيلي لابد من القول إن الصين تعمل على تطوير برنامج فضائي عام، يشمل: زيادة البحث، وتطوير التعاون الفضائي الدولي، ليس مع إسرائيل والبرازيل فحسب، بل أيضاً مع إيران، وباكستان، وتايلاند، وفرسا، ووكالة الفضاء الأوروبية. وعلى الاتجاه ذاته، تمكّنت إسرائيل من تطوير علاقاتها أيضاً مع الهند على قاعدة التقانة في هذه المجالات ذاتها (النووية والصاروخية والفضائية). وأمكن خلال عقد من السنين (1992 2002م) تنظيم شبكة معقدة من العلاقات التي حظيت بدعم أمريكي، حتى لا تبقى الهند بعيدة عن (السيطرة).
وتأتي قبل ذلك كله العلاقات الإسرائيلية التركية التي تطوّرت باستمرار في إطار التحالف (الأمريكي الإسرائيلي التركي). وفيما يتعلق بموضوع البحث، فقد أعلن في أنقرة (في نيسان أبريل 2002م) أن تركيا ستسعى للحصول على نظام مضاد للصواريخ الباليستية من نوع (آرو السهم) تطوير أمريكي أسرائيلي (وهو مشتق من مشروع حرب الكواكب)، بالإضافة لأقمار صناعية للمراقبة (أفق)، مع متابعة الاتصالات الإسرائيلية التركية لتحديث (170) دبابة تركية (صناعة أمريكية) من نوع (ام 60 آ).
ويظهر من خلال ذلك أن (التقانة) كانت هي البوابة الرئيسة التي اقتحمتها إسرائيل لدخول بيوت (التنين الصيني والفيل الهندي والأناضول التركي). ولم يكن هذا الاقتحام محروماً من الهدف، فقد كانت الدول الآسيوية الثلاث تمتنع باستمرار عن تأييد إسرائيل، ولا تعترف بشرعيتها (بصورة علنية وغير علنية)، ولو بدرجات متفاوتة، ولكن ومع انتهاء عصر الحرب الباردة، أخذت علاقات إسرائيل في التطور المتسارع مع الدول الآسيوية الكبرى الثلاث. وتجاوزت الفوائد الإسرائيلية حدود العلاقات السياسية وعلاقات التعاون بسبب تركزها على المحور العسكري ومحور التقانة، وحصدت إسرائيل مئات الملايين من الدولارات عبر (تجارة التقانة) و (تجارة الاستخبارات). ويظهر أن نسبة العمولة (السمسرة) التي تتقاضاها إسرائيل في تجارة التقانة بخاصة قد شكّلت نسبة مرتفعة جداً، ما أغرى القيادة الإسرائيلية على بذل جهود كبيرة مع الإدارة الأمريكية لتنسيق التعاون فيما يمكن بيعه من التقانات التي لا تؤثر على (الأمن القومي الأمريكي). وبدهي أن الأقمار الصناعية وتقانة الاتصالات ووسائط الحرب الإلكترونية الليزرية وسواها قد حطّمت أسوار العزلة. ولم تعد قضية انتشار التقانة مقيدة إلاّ بالقيود التي تضعها أمريكا في إطار سياستها الاستراتيجية ضد أية دولة أو نظام تصنفه أمريكا في إطار (الدول غير الصديقة)، أو (الدول المارقة)، أو (دول محور الشر)، أو ما شابه ذلك من الأسماء والأوصاف.
4 الردع: سيف مثلوم
ما كانت إسرائيل بحاجة لإطلاق قمرها الصناعي (أفق 5) إذا ما كان الهدف كما قيل يومها (رصد مسرح العمليات العراقي الإيراني)، إذ هناك مئات الأقمار الصناعية تجوب على امتداد ساعات اليوم في الليل والنهار سماء الوطن العربي. ولن يكون القمر الإسرائيلي وسط هذا الزحام أكثر من وسيلة معنوية أكثر مما هو مادية. ويذكر أن إضفاء التقانة على إسرائيل منذ إنشائها في إطار إنشاء المفاعلات النووية في ديمونة منذ الأيام الأولي لقيام الدولة العبرية (1948م) لم يكن إلاّ لردع العرب من التفكير (بتدمير إسرائيل)، واستمر هذا الردع وتطوّر لارتباطه باستراتيجية الردع الأمريكية في أيام عصر الحرب الباردة، فهل احتفظت استراتيجية الردع بقيمتها المعنوية مثل ما كانت عليه في بداية عهدها في مطلع الستينيات ، أم أن هذه الاستراتيجية قد فقدت قيمتها وأهميتها وأصبحت ( (كالسيف المثلوم) لكثرة استخدامها في غير مواضعها؟
لقد أجابت دراسات أمريكية كثيرة على مثل هذا السؤال بالقول: "... لنضع في الاعتبار التحديات التي فرضتها سياسة الردع باعتبار أنها الأساس الذي شكّل أمثولة رائدة، وهناك مراجع وفيرة عالجت موضوع الردع سواء في الدوائر الرسمية الأمريكية أو في متناول الجماهير، أو حتى في الأدب الدراسي؛ فالردع بحسب التعريف هو علاقة تمتلك قيمة متغيرة وغير ثابتة، وهو يتعادل مع التنظيمات العسكرية من حيث فرض الهدف على العدو بالقوة والإكراه. ولقد حدث في مرات كثيرة أن استطاع الردع تحقيق النصر الحاسم، عندما أمكن فرض التعاون بالقوة من أجل تكوين ذريعة رادعة (مثل تعاون أوروبا مع أمريكا، ومثل تعاون اليابان مع أمريكا، تحت مظلة الردع النووي)، وأن الممر الذي يقود إلى النصر الحاسم عبر ردع ناجح قد لا يحقق مثل هذ االنصر إذا ما تم الاعتماد على الكتلة الصناعية الأمريكية الضخمة في المجمع العسكري، وهذا ما يفرض استخدام أسلوب الحوار والتفاهم لتحديد أهداف الردع، وهذا ما يساعد على تحديد التهديدات والأخطار بدقة. ويكون تحديد الهدف بمثابة الدريئة الوقائية ضد العدو، "وسيبقى الردع دائماً بمثابة ممارسة ذات نتائج غير مؤكدة وغير عملية، ويحتمل له الفشل لأسباب قد تكون بعيدة جداً عن أبصار مخططي الدفاع الذين يعكفون على وضع مخططاتهم وفق مقاييس منطقية وعقلانية"(4).
وتؤكد هذه المقولة الأمريكية الحديثة ما هو معروف عن حقائق الردع والذي اعتمد في مفهومه على الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وسواها لمن يراد (ردعه) وأن هذا الردع لا يمتلك قيمة ثابتة ولا تأثيراً واحداً، ولا درجة معينة من الفاعلية، ولا يصلح للتعامل مع كل المواقف والأوضاع، ولولا ذلك لما ظهرت نظريات (الردع المضاد) في البعدين (المادي والمعنوي)، مما كان برهاناً واضحاً على أن (مفهوم الردع) إذا ما استخدم سلاحاً، فإنه مثله مثل كل الأسلحة لا يجوز اللجوء إليه للتعامل مع كل الحالات حتى لا يفقد بريقه، ولا يثلم حدّاه.
ولقد جعلت القيادة الصهيونية منذ أيام الاستعمار البريطاني من سلاح الردع سلاحاً رئيساً في حربها ضد العرب، وضد الفلسطينيين بخاصة، وكان إضفاء هالة معنوية على (إنجازات اليهود العلمية ونفوذ رأس المال اليهودي، وسيطرة اليهود على المجتمع البريطاني، ونفوذ اليهود العالمي أو الامبراطورية اليهودية العالمية) وسوى ذلك، من أجل ردع العرب عن مقاومة المشروع الصهيوني. ولكن العرب ومنذ البداية، وحتى من قبل أن يُثلم حد الردع الاستعماري الصهيوني كان لهم من رصيدهم المعنوي الهائل، المتمثل بإيمانهم العميق بقدراتهم وحقوقهم في الحياة، وبموقعهم من العالم، ودورهم الإنساني، ما حملهم على التعامل مع (مفاهيم الردع ونظرياته) بما فيها (الردع النووي) بكثير من الموضوعية، وفي إطار (وضع الأشياء في مواضعها وبما هي أهل له ودونما إفراط ولا تفريط)، وكان ذلك هو أساس التقويم الصحيح للأمور، وهو ما أفاد العرب في تطوير صراعهم ووسائطه بصورة مستمرة في إطار الاستجابة ضد التحديات بما يتناسب مع هذه التحديات، وربما في إطار (الردع المضاد) أيضاً.
وإذاً، فإن إطلاق (أفق 5)، وكل مجموعة أفق الموجودة في الترسانة الإسرائيلية لن تغيّر من موازين القوى؛ ولقد أكّدت كل الدراسات الحديثة عقم (التقانة) في التعامل مع كل الحالات، وأن التقانة بكل أبعادها لن تحقق النصر الحاسم، فكيف بالنسبة لصراع من نوع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تتوافر إرادة حوار الإرادات المتصارعة على أرفع مستوياتها الثابتة؟ وهل كانت الأعمال الاستشهادية (الموصوفة بالانتحارية من قِبَل غير المسلمين) إلاّ البرهان الثابت على أن العرب قد تركوا وراء ظهورهم ومنذ زمن بعيد (استراتيجية الردع الإسرائيلي والعالمي أيضاً)؟ وهل كانت (ثورة الحجارة) في مواجهة (أقوى ترسانة حربية) إلاّ التأكيد على سقوط استراتيجية الردع وسقوط نظريات تفوق التقانة؟
ولا يعني ذلك بداهة التخلّف عن مواكبة التقانة، فلقد أخذ العرب في كل أقطارهم بأسباب الدفاع المادية في حدود قدراتهم وضرورات مجابهة التحديات المفروضة عليهم، ولكن مع إدراكهم الحقيقي بأن حدود الصراع ليست محددة بأفق الصراع الجغرافي مع فلسطين، فقد أخذوا من الأسباب ما هو أكثر إلحاحاً، وما يحتل المرتبة الأعلى في سلم الأفضليات، وقد يجد الإسرائيليون أن تلاحم الحدود الجغرافية قد تجعل من قمرهم (أفق 5) عاملاً متخلفاً عن تحقيق الهدف المطلوب، وكانت تجربة (باريوت) سنة 1991م قد أثارت الشكوك حتى في فائدة (صاروخ آرو). وإذاً فليس كل ما هو صالح لأمريكا يصلح لإسرائيل، وليس كل ما هو مفيد لإسرائيل قد يكون مفيداً للعرب