من القمر إلى الأرض خلال أربع ساعات؟ إن هذا لايزال مستحيلا.
المصدر: Shutterstock
ماذا لو أخبرتك أن التجارب التي أجريت مؤخرا قد اكتشفت طريقة جديدة في الدفع تهدد بنسف أسس القوانين الفيزيائية التي نعرفها، فهل كنت لتصدق ذلك؟ وهل كنت لتصدق كلام مخترع هذه الطريقة حين يقول أنها قادرة على إيصالنا إلى القمر خلال مدة لا تتجاوز 4 ساعات وبدون وقود؟ حسنا، ماذا إن قلت لك أننا لا نعلم بعد كيفية عمل هذه الطريقة، لكن في الحقيقة توجد لدينا بعض الأسباب الوجيهة التي توضح لنا استحالة نجاحها.
بصراحة لن ألومك إذا انتابك الشك والريب بعض الشيء حيال هذا الأمر، ففكرة محرك الدفع الكهرومغناطيسيElectromagnetic Drive أو اختصاراً EMDrives تعتبر خيالية نوعا ما. لكن الاهتمام بها عاد ليحتل صدارة المشهد العلمي بعدما ادعى باحث أكاديمي أنه استطاع تسجيل قيام هذا المحرك بإنتاج قوة دافعة يمكن قياسها. وقد أحدثت التجارب التي قامت بها مجموعة أبحاث الأستاذ مارتن تاجمار Martin Tajmar في جامعة دريسدن للتكنولوجيا Dresden University of Technology عددا من العناوين المثيرة التي تقدم افتراضات، لنكن صريحين حيالها، تفتقر إلى الأساس العلمي. وقد تم اقتراح تصميم محرك الدفع الكهرومغناطيسي لأول مرة من قبل روجر شاور Roger Shawyer في عام 1999، ولكنه للأمانة قد اكتفى فقط بنشر دراسة مبهمة آنذاك ولم يقم إلا مؤخرا بنشر بحث حول هذا الموضوع في مجلة علمية تعنى بتدقيق الأبحاث ومراجعتها. يدعي شاور أن محركه يعمل عن طريق ارتداد الأشعة الميكروية داخل فجوة مخروطية الشكل. ووفقا له فإن الطرف المستدق للفجوة يخلق تغيرا في سرعة مجموعة الأشعة الميكروية عند انتقالها من نهاية إلى أخرى، مما يؤدي إلى نشوء قوة غير متوازنة يمكن تحويلها إلى قوة دافعة. وفي حال نجاح هذا البحث، فإن محرك الدفع الكهرومغناطيسي سيشكل طريقة جديدة في الدفع لا مثيل لها من جهة عدم حاجتها إلى مصدر وقود كي تولد قوة الدفع.
مشاكل أساسية
يوجد بطبيعة الحال خلل في هذا التصور، فالتصميم ينتهك مباشرة مبدأ الحفاظ على الزخم (conservation of momentum) الذي ينص على أن زخم الحركة الكلي (الكتلة x السرعة) للأجسام في نظام ما يجب أن يبقى نفسه دون تغيير، في إشارة هنا إلى القانون الثالث لنيوتن. وبشكل أساسي، عندما يتسارع جسم ما في اتجاه معين، فيجب أن تقابله قوة مساوية له في الاتجاه المعاكس. وعند تطبيق هذا المبدأ على عمل المحركات فإنه يشير عادة إلى عملية إطلاق الجسيمات (مثل الوقود) أو الأشعة. ولكن الوضع مختلف بالنسبة لمحرك الدفع الكهرومغناطيسي، وذلك باعتبار أنه صمم ليكون نظاما مغلقا لا يبعث أي جسيمات أو أشعة، مما يجعله غير قادر على توليد أي قوة دفع دون كسر بعض القوانين الفيزيائية المهمة. لذا وبمنتهى الصراحة، فإن هذه الفكرة أشبه بمحاولتك القيام برفع نفسك في الهواء عن طريق سحب أربطة حذائك! أي إنها ببساطة فكرة خيالية.
إذا لا تزال فكرة السفر من الأرض إلى القمر خلال 4 ساعات مستحيلة الحدوث. قامت عدة مجموعات تجريبية بصنع نماذج لمحركات الدفع الكهرومغناطيسي، وحسبما يبدو استطاعت كلها توليد نوع ما من الدفع. وقد أشاعت هذه النتائج جوا من الحماسة والإثارة، كما جعلت البعض يتساءل: هل من الممكن أن تكون قوانين الفيزياء التي نعرفها خاطئة؟. كما قد قامت مجموعة إيجل وركس Eagleworks التابعة لوكالة ناسا بتصنيع نماذج استطاعت إنتاج قوة دفع تتراوح بين 30 و50 مايكرو نيوتن. لكن لم تتمكن أي نظرية فيزيائية تقليدية من تفسير ذلك، كما لم يتم أيضا تدقيق هذه النتائج أو مراجعتها. أما حاليا، فتقول مجموعة أبحاث تاجمار في دريسدن أنهم استطاعوا صنع نموذج جديد لمحرك الدفع الكهرومغناطيسي يمكنه إنتاج قوة دفع تبلغ 20 مايكرو نيوتن. وتعد هذه القيمة أصغر بكثير، إلا أنها لا تزال مهمة على اعتبار أنه تم توليدها استنادا إلى مبدأ فيزيائي جديد.
مشاكل تجريبية
على الفور وبدون أية مقدمات توجد عدة مشكلات في هذه التجربة، حيث يؤكد وصف موجز للدراسة التي أجريت عليها: أن مجموعة الاختبارات التي أجريت لا تؤكد كما لا تدحض نجاح محرك الدفع كهرومغناطيسي. كذلك توضح قراءة متأنية للدراسة الملاحظات التالية: "سجلت تجربة التحكم والسيطرة أعلى قوة دفع، وقد سببت لنا هذه القيمة المرتفعة في تجربة السيطرة الكثير من الحيرة لأننا توقعنا أن يكون الناتج صفرا". وهذا الكلام صحيح على اعتبار أن تجربة التحكم ليست مصممة لكي تنتج أي قوة دفع، ومع ذلك تم تسجيل قياس لهذه القوة. كما وُجد أن هناك طريقة غريبة وتدريجية حيث يبدو أن الدفع يعمل ويتوقف بطريقة مريبة وبشكل يشبه التأثير الحراري، مما يتطلب من العلماء الإقرار بوجود مشاكل في الحرارة.
يقودنا كل ماذكر سابقا إلى الاستنتاج الذي يقول: "لا تبدو هذه التجهيزات قادرة على قياس قوة الدفع بدقة و بشكل ملائم". وقد اختبرت مجموعة أبحاث إيجل وورك مشكلة مشابهة لهذه، حيث ظهرت قوة الدفع بشكل غامض في اختبار التحكم الخاص بهم. وبأخذ هذا كله بعين الاعتبار، فإن النتائج تشير بقوة إلى أن علامة قوة الدفع التي تم قياسها هي عبارة عن أخطاء تجريبية لم تتم ملاحظتها من قبل العلماء. وتتضمن قائمة المصادر المحتملة لهذه الأخطاء: التأثيرات الحرارية، ومشكلة التدريع المغناطيسي، وحتى عدم توحيد حقل الجاذبية في المختبر. وكل واحد من المصادر سابقة الذكر يمكن أن يؤدي إلى حدوث أخطاء كبيرة في قياس قوة الدفع.
وعلى سبيل المقارنة، فإنه يمكن تقريبا تشبيه القوة التي تم قياسها في التجربة الأخيرة بقوة الجاذبية بين شخصين متوسطي الحجم (100 كغ) يقفان بعيدا عن بعضهما البعض مسافة 15 سم، عندها تعتبر هذه القوة صغيرة جدا. وبالطبع لا نستطيع إنكار قيام تلك التجارب برصد قوة دفع يمكن قياسها، ولكن مصدر هذه القوة، سواء كانت حقيقية أم خاطئة، يبقى أمرا غير محسوم. لذا يكون قولنا بأن هذه التجارب قد أثبتت نجاح محرك الدفع الكهرومغناطيسي خاطئا تماما. وقد اعترف تاجمار نفسه بهذا الشيء أثناء حديثه لمجلة International Business Times: "لا يوجد لدينا معلومات جديدة في هذا المجال بعد".
لقد أنجز العلماء التجريبيون المشاركون في هذه التجربة مهامهم بشكل كامل، وبذلوا أقصى ما لديهم من طاقة، حيث وضعوا هذه الفرضية قيد الاختبار، وإن كانت استثنائية وغير مسبوقة، ومن ثم قدموا النتائج التي توصلوا إليها. ولا يدعي هؤلاء العلماء أنهم اخترعوا محركا مشوها أو خرقوا قوانين الفيزياء المعروفة، فكل ما يقولونه حاليا هو أنهم وجدوا شيئا غريبا وغير مفسر. كما أنهم يعلمون أنه من المرجح أن يكون هذا الاكتشاف الجديد عبارة عن خطأ مخبري في التجربة، لذا يقترحون التوسع في هذه الدراسة بشكل أكبر.
وختاما، يمكننا القول أن الانجرار وراء العناوين البراقة التي تطرحها بعض المقالات والدراسات المفتقرة إلى الأساس العلمي، قد يسيء إلى المصداقية العلمية لهذه التجربة.
https://nasainarabic.net/education/articles/view/scientists-havent-impossible-space