المقذوفــــات المضــــــادة للدبابـــــات وأنمــــاط التوجيــــه الحديثــــــة
مما لا شك فيه أن عمليات الحروب المعاصرة والحديثة قد توسعت ، وازدادت معها وتيرة استخدام المقذوفات الموجهة المضادة للدروع التي تطلق من الأرض والجو على حد سواء . إن هذا التوسع كان نتيجة حتمية للقفزة التقنية التي تحققت في مجال تصميم وتطوير الدوائر والرقائق الالكترونية الحديثة . وقد يتساءل البعض عن مدى الحاجة الحقيقية لهكذا منظومات دقيقة ومكلفة في آن واحد ، والجواب ببساطة أن الجيوش الحديثة والعصرية ، لم تعد تتحمل استهلاك كميات هائلة من ذخائر الأسلحة التقليدية لتدمير أهداف نقطوية معادية . كما إنها لا تستطيع توفير أعداد كبيرة من الطائرات والدبابات والمدافع وغيرها .. ولمشاغلة هدف ما ، يستطيع المقذوف الموجه مهاجمته وتدميره بدقة أكبر وبدرجة مخاطرة أقل . وليس أكثر من دليل على صحة ذلك القول من تصوير الحالة السائدة خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما كان الأمر يتطلب لتدمير دبابة واحدة فقط ، قيام الطائرات بطلعات متعددة وإلقاء حوالي 800 قنبلة لإصابتها ، في حين يمكن في الوقت الحالي تدمير نفس الهدف بواسطة صاروخ واحد موجه نوع Maverick . إن التقدم التقني لم يتوقف فقط عند المجسات واللواقط وأنماط التوجيه ، بل تجاوزه أيضاً لقدرات المراقبة والكشف وقابليات اكتساب الأهداف وقدرات التمييز والتحقق باستخدام المجسات الكهروبصرية المتقدمة electro-optical sensors ، التي تكفل إجراء عمليات مسح متقدمه للإشارات ومن ثم معالجتها وتحليلها ، وهذه تعمل في الليل كما في النهار وفي معظم الأحوال الجوية . لقد أصبح من السهل رصد دبابة تسير بشكل مفرد أو عدد قليل من الدبابات تتحرك في تشكيل جماعي بواسطة أدوات رؤية بصرية تقليدية أو مناظير تصوير حرارية محمولة thermal imaging sights من مديات بعيدة نسبياً .
البواحث تصنف بشكل عام ضمن ثلاثة أنواع رئيسة (نشيطة Active ، نصف نشيطة Semi-active ، سلبية Passive) ، تعرف بعملها ضمن ثلاثة أنماط أساسية للتوجيه ، هي :
· التوجيه الراداري النشيط Active radar homing : هو نمط من أنماط التوجيه حيث تتحصل القذيفة على نظام رادار لتزويد إشارات التوجيه guidance signal . بمعنى أن القذيفة تحتوي على رادار وكذلك الإلكترونيات الضرورية لإيجاد وتعقب الهدف ذاتياً . وفي هذا النوع من أنظمة التوجيه يتولى الباحث إرسال شكل من أشكال الطاقة من أجل "إنارة" illuminate الهدف ، ثم يتولى بعد ذلك استلام الطاقة المنعكسة لإنجاز وإتمام عملية التوجيه . معظم البواحث في نمط التوجيه هذا يستخدمون رادار بأداة للإرسال والاستقبال transceiver يشتغل في الحزمة الموجية المليمتريه أو حزم الموجات الأخرى (بالطبع الأمثلة الأخرى للباحث النشيط تتضمن أنواع الرادار الليزري) . وكما في حالة الباحث السلبي passive seeker ، استقلال منصة الانطلاق تمثل فائدة وقيمة رئيسة لا يمكن إغفالها . لكن في هذه الحالة إمكانية الكشف ستكون أعظم ، وبالنتيجة مواجهة الإجراءات المضادة CCM ستعتبر من المتطلبات ذات الأهمية الخاصة . المدى في نمط التوجيه هذا محدد ومقيد بقوة المرسلة emitter ، إلا أن وظيفة الحجم والوزن مرتبطة بما هو مسموح ومقبول ضمن الحيز الداخلي لجسم الصاروخ . على الرغم من هذا ، التقدم المنجز في حقل الإلكترونيات الدقيقة microelectronics أدي إلى تحسينات هامة في المدى والحجم ، أتاحت توفير أنظمة رئيسة للتوجيه الطرفي على مستوى عالي من الدقة لصالح الأنظمة الجوية . أمثلة الأنظمة المضادة للدروع التي تستخدم نمط التوجيه النشيط عديدة ومتنوعة ، مثل قذيفة الهاون البريطانية Merlin من عيار 81 ملم (تم إيقاف المشروع بسبب عامل الكلفة) والصاروخ البريطاني BRIMSTONE ، وكذلك أيضاً الصاروخ الأمريكي Longbow Hellfire .
· التوجيه نصف النشيط semi-active homing : المنظومات والذخيرة في هذا النوع من أنماط التوجيه لا يمكن تحميلها كآلية عمل صفة "أطلق وأنسى" بالمعنى الدقيق للكلمة ، لأنها تحتاج لقيام المشغل أو وحدة الإطلاق باستمرار إنارة illuminate الهدف واستخدام مصدر إشعاعي . هذا الترتيب يستعمل عموما عندما يكون حجم المرسلة أو الباعثة emitter (هوائي رادار أو معين ليزري) كبير نوعاً ما ، أو عند الرغبة في تقليل عامل كلفة الانتاج . مع ذلك فإن القذيفة في نمط التوجيه هذا يمكن أن توضع بعيداً عن مصدر الإضاءة ، وبعد إطلاقها يضمن باحثها الذاتي عملية الإطباق والإقفال lock on على الهدف (يستلم المستقبل الإشارات المرتدة عن الهدف ويجري عملياته الحسابية ، ويرسل بالتالي أوامر الكترونية لقسم السيطرة control section الذي يعطي بدوره إيعازات لزعانف التوجيه للانقياد تجاه الهدف) حينها يستطيع المشغل مغادرة مكان الرمي ، في حين يستمر المشغل الآخر القائم على وحدة الارسال في عمله بإضاءة الهدف حتى إصابته . التوجيه اليزري يمثل أحد أنماط هذه التقنية ، إذ يلجأ المشغل لاستخدام شعاع ليزر لتوجيه قذيفة ما إلى هدف معين ، ليطلق على النظام بعد ذلك مسمى "التوجيه الليزري نصف النشيط" SALH . في هذه التقنية , الليزر يستمر في إشارة الهدف وإشعاع الليزر يثب وينعكس عن الهدف ليتفرق في جميع الاتجاهات (هذه معروفة بطلاء الهدف painting the target) . الصاروخ أو القذيفة أو القنبلة ، تطلق أو تسقط في مكان ما قرب الهدف ، وعندما هي قريبه بما فيه الكفاية لبعض من طاقة الليزر المنعكسة من الهدف , يكتشف باحث ليزر من أي اتجاه هذه الطاقة تجيء ، ويعدل مسير المقذوف نحو المصدر . هكذا ، وبينما القذيفة في المنطقة المشاغلة والليزر مستمر بالتصويب نحو الهدف ، فإن القذيفة سوف تتوجه بدقة إلى الهدف حتى ترتطم به . من أمثلة الأنظمة المستخدمة لهذا الأسلوب في التوجيه الصاروخ الأمريكي Maverick AGM-65E ، والإسرائيلي LAHAT ، وقذيفة المدفعية الأمريكية Copperhead وكذلك الروسية Krasnopol .
التوجيه السلبي passive homing : نمط التوجيه السلبي يتميز بكونه مستقل ولا يحتاج لمصدر توجيه خارجي external guidance ، إذ يتشابه نمط التوجيه هذا مع نمط التوجيه نصف النشيط في كونه يستقبل فقط الإشارات ولا يمكنه إرسالها transmit . الذخيرة التي تستخدم هذا النمط في التوجيه تنقسم إلى نوعين مميزين ، فهي إما تعتمد على نوع من أنواع الطاقة الصادرة والمنبعثة عن ذات الهدف يلتقطها مجس السلاح الخاص (يطلق عليها مصطلح مقتفيات البقع الساخنة hot spots أو الباحثين عن الحرارة heat seekers) ، أو النوع الآخر الذي يعتمد على صورة حرارية للهدف يقوم باحث القذيفة باكتسابها وتخزينها في ذاكرته ، ثم الإطباق عليها وتعقبها قبل عملية الإطلاق LOBL ، وكما هو الحال في بعض المنظومات الصاروخية الحديثة كالأمريكي المضاد للدروع Javelin . وبشكل عام تعمل الكثير من منظومات التوجيه السلبي الحديثة في توجيهها على التقاط الإشارة الحرارية heat signature التي يقوم باحث الأشعة تحت الحمراء بتعقبها ورصدها . حيث يتم استقبال الإشارات الصادرة عن الهدف ومن ثم تمريرها لقسم السيطرة control section في منظومة السلاح ، الذي بدوره يقوم بحساب زاوية الهجوم الصحيحة correct angle واعتراض الهدف عن طريق التحكم ميكانيكياً بزعانف أو أجنحة التوجيه . البواحث السلبية عالية الأداء في الحزم المرئية وتحت الحمراء تميل إلى أن تكون متأثرة وحساسة sensitive إلى الإشعاع الناتج عن الهدف والخلفية المحيطة ، وتحتاج في الحقيقة لمعالجة الإشارات المستلمة لتمييز الهدف . تعمل الأنواع الأخرى للباحث السلبي ببساطة كجهاز قياس لكثافة طاقة الإشعاع الكهرومغناطيسي radiometers ، فهي حساسة فقط إلى إشعاعات الهدف نفسه (سواء كانت تحت الحمراء أو مليمتريه أو حرارية أو رادارية) . مميزات نمط التوجيه السلبي تتمثل في الاستقلالية والتحرر عن منصة الإطلاق بعد رمي القذيفة (ماعدا في الحالات الخاصة واستخدام التوجيه التلفزيوني) ومقاومة الإجراءات المضادة النشيطة . في حين يتمثل عيبها وضررها الرئيس في اعتمادها غالباً على مستوى الكثافة المنخفض low intensity level للإشعاع الصادر عن الهدف ، والذي بدوره يحدد مجال وأبعاد الكشف والاكتساب . تتعدد أمثلة الأسلحة المضادة للدروع التي تستخدم هذه التقنية في التوجيه ، ربما كان أبرزها الذخيرة الفرعية الأمريكية SADARM والألمانية SMART . علماً أن هناك نوع آخر من التوجيه السلبي سبق الإشارة إليه ، يعتمد التوجيه البصري واكتساب الصورة الحرارية للهدف وليس الإطباق على الإشارات الحرارية الصادرة عنه . هذه الأنظمة تعتمد على توافر وحدة معالجة صور Processing images تتبع باحث التصوير العامل بالأشعة تحت الحمراء ، وكما هو الحال في المنظومة الصاروخية الأمريكية Javelin ، الإسرائيلية Spike-MR والهندية Nag وغيرهم العديد .